المذاهب الإسلامية

المذاهب الإسلامية0%

المذاهب الإسلامية مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: أديان وفرق
الصفحات: 377

المذاهب الإسلامية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ جعفر السبحاني
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: الصفحات: 377
المشاهدات: 180826
تحميل: 6430

توضيحات:

المذاهب الإسلامية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 377 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 180826 / تحميل: 6430
الحجم الحجم الحجم
المذاهب الإسلامية

المذاهب الإسلامية

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

بقيت هنا أُصول ثانويّة أُخرى، نظير:

1 - حرمة الحلف على الله بحقّ الأولياء.

2 - حرمة الحلف بغير الله.

3 - حرمة إضافة العبد إلى غير الله.

4 - حرمة البكاء على الميّت.

ونظائرها، وكلّها محجوجة بنص الكتاب والسنّة وسيرة المسلمين، وقد أوضحنا الكلام فيها في الجزء الرابع من موسوعتنا (بحوث في الملل والنحل)، فمن أراد التفصيل فليرجع إليها، وغيرها من الكتب الّتي ألّفناها حول هذه الفِرقة.

وأرجو من الله سبحانه أن يلمّ شعث المسلمين ويوحّد صفوفهم، لِمَا فيه خير الإسلام والمسلمين.

٣٤١

17

الدّروز

الدّروز هو جمع الدّرزي، والعامّة تتكلّم بضم الدال، والصحيح هو فتحها، والظاهر أنّ الكلمة تركيّة؛ بمعنى الخيّاط، وهي من الكلمات الدخيلة على العربيّة، حتّى يقال: درز يدرز درزاً، الثوب، خاطه، والدرزي: الخيّاط.

والدروز فِرقة من الباطنيّة لهم عقائد سريّة، متفرّقون بين جبال لبنان وحوران والجبل الأعلى من أعمال حلب.

ولم يُكتب عن الدروز شيء يصحّ الاعتماد عليه، ولا هم من الطوائف الّتي تنشر عقائدها حتّى يجد الباحث ما يعتمد عليه من الوثائق.

وقد سبق منّا الكلام في أنّ الإسماعيليّة كانت فِرقة واحدة وطرأ عليهم الانشقاق في عهد الإمام الحادي عشر الحاكم بالله، حيث ذهبت فِرقة الدروز إلى القول بغيبة الحاكم بالله وعدم موته، ذلك أنّ الحاكم استدعى الحمزة بن عليّ الفارسيّ الملقّب بالدرزي وأمره أن يذهب إلى بلاد الشام ليتسلّم رئاسة الدعوة الإسماعيليّة فيها ويجعل مقرّه (وادي التّيم)، ولقّبه الإمام بالسيّد الهادي، وتمكّن الدرزي في وقت قليل من نشر الدعوة الإسماعيليّة في تلك البلاد إلى أن وصلت إليه وفاة الإمام

الحاكم وتصدّي ابنه الظاهر لمقام الولاية، ولكنّ الدرزي

٣٤٢

لم يعترف بوفاة الإمام الحاكم، بل ادّعى أنّه غاب، وبقي متمسّكاً بإمامته ومنتظراً لعودته، وبذلك انفصلت الدرزية عن الإسماعيليّة، وكان ذلك الانشقاق عام 411هـ. (1)

عقائد الدروز:

وقد تناولت موسوعات دائرة المعارف الإسلاميّة، جوانب من عقائد الدروز، غير أنّ الوقوف على واقع عقيدتهم أمر متعذّر بجريان عادتهم على الستر والتكتّم، ولخلو المكتبات من كتبهم.

ولأجل ذلك تضاربت أقوال المؤرّخين حول عقائدهم، وهذا هو البستاني فقد صوّر لهم صورة بيضاء ناصعة يطهّرهم عن كلّ ما ينسب إليهم من المنكرات (2) ، ونرى خلاف ذلك عند فريد وجدي في دائرة معارف القرن الرابع عشر (3) فقد نسب إليهم أُموراً منكرة ومشينة.

مثلاً: ينقل البستاني، ويقول:( إيمان الدروز أنّ الله واحد لا بداءة له ولا نهاية، وأنّ النفوس مخلَّدة تتقمّص بالأجساد البشريّة [التناسخ]، ولابدّ لها من ثواب وعقاب يوم المعاد بحسب أفعالها، وأنّ الدنيا تكوّنت بقوله تعالى: كوني فكانت، والأعمار مقدّرة بقوله: ( وَلَن يُؤَخّرَ اللّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا ) (4) ، وأنّ الله عارف بكلّ شيء، وهم يكرّمون الأنبياء المذكورين في الكتب المنزلة، ويؤمنون

____________________

(1) انظر، تاريخ الدعوة الإسماعيليّة: 238.

(2) البستاني، دائرة المعارف: 7/675 - 677.

(3) فريد وجدي، دائرة معارف القرن الرابع عشر: 4/26 - 28.

(4) المنافقون: 11.

٣٤٣

بالسيّد المسيح، ولكنّهم ينفون عنه الإلوهيّة والصلب، وأسماء بعض الأنبياء عندهم كأسمائهم في تلك الكتب، ولبعضهم أسماء أُخرى كالقديس جرجس، فإنّه عندهم الخضر، وأسماء أنبيائهم شعيب وسليمان وسلمان الفارسي ولقمان ويحيى، وعندهم أنّه لابدّ من العرض والحساب يوم الحشر والنشر، وتنقسم هذه الطائفة إلى: عقّال وجهّال.

فالعقّال هم عمدة الطائفة، ولهم رئيسان دينيّان يسمّيان بشيخي العقّال، والأحكام الدينيّة مفوضّة إليهم.

وقد أمر عقّالهم بتجنّب الشكّ، والشرك، والكذب، والقتل، والفسق، والزنا، والسرقة، والكبرياء، والرياء، والغش، والغضب، والحقد، والنميمة، والفساد، والخبث، والحسد، وشرب الخمر، والطمع، والغيبة، وجميع الشهوات والمحرّمات والشبهات، ورفْض كلّ منكر من المآكل والمشارب، ومجانبة التدخين والهزل والمساخر والهزء والمضحّكات، وجميع الصّفحة المغايرة لإرادته تعالى، وترك الحلف بالله صدقاً أو كذباً، والسب والقذف والدعاء بما فيه ضرر الناس). (1)

هذا وكما ترى أنّ البستاني ينقل عنهم صورة بيضاء، وليس فيما عزا إليهم شيء يخالف الشريعة الإسلاميّة إلاّ القول بالتناسخ ونبوّة سلمان الفارسي.

وفي مقابل ذلك نقل فريد وجدي عنهم صورة مشوّهة، وإليك جانباً من كلامه في هذا الصدد:

(من معتقداتهم أنّ الحاكم بأمر الله هو الله نفسه، وقد ظهر على الأرض

____________________

(1) البستاني، دائرة المعارف: 7/675 - 677.

٣٤٤

عشر مرّات، أُولاها في العلى، ثُمَّ في البارز، إلى أن ظهر عاشر مرّة في الحاكم بأمر الله، وإنّ الحاكم لم يمت؛ بل اختفى، حتّى إذا خرج يأجوج ومأجوج - ويسمّونهم القوم الكرام - تجلّى الحاكم على الركن اليماني من البيت بمكّة ودفع إلى حمزة سيفه المُذهّب فقتل به إبليس والشيطان، ثُمَّ يهدمون الكعبة ويفتكون بالنصارى والمسلمين ويملكون الأرض كلّها إلى الأبد.

ويعتقدون أنّ إبليس ظهر في جسم آدم، ثُمَّ نوح، ثُمَّ إبراهيم، ثُمَّ موسى، ثُمَّ عيسى، ثُمَّ محمّد، وأنّ الشيطان ظهر في جسم ابن آدم، ثُمَّ في جسم سام، ثُمَّ في إسماعيل، ثُمّ في يوشع، ثُمَّ في شمعون الصفا، ثُمَّ في عليّ بن أبي طالب، ثُمَّ في قداح صاحب الدعوة القرمطيّة.

ويعتقدون بأنّ عدد الأرواح محدود، فالروح الّتي تخرج من جسد الميّت تعود إلى الدنيا في جسد طفل جديد.

وهم يسبّون جميع الأنبياء، يقولون: إنّ الفحشاء والمنكر هما: أبو بكر وعمر، ويقولون: إنّ قوله تعالى: ( إِنّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشّيْطَانِ ) (1) يراد به الأئمّة الأربعة وأنّهم من عمل محمّد.

ويعتقدون بالإنجيل والقرآن، فيختارون منها ما يستطيعون تأويله ويتركون ما عداه، ويقولون: إنّ القرآن أُوحي إلى سلمان الفارسي فأخذه محمّد ونسبه لنفسه، ويسمّونه في كتبهم المسطور المبين.

ويعتقدون أنّ الحاكم بأمر الله تجلّى لهم في أوّل سنة (408هـ) فأسقط

____________________

(1) المائدة: 90.

٣٤٥

عنهم التكاليف من صلاة وصيام وزكاة وحجّ وجهاد وولاية وشهادة.

لدى الدّروز طبقة تعرف بالمُنَزَّهين، وهم عباد أهل ورع وزهد، ومنهم من لا يتزوّج، ومن يصوم الدهر، ومن لا يذوق اللّحم، ولا يشرب الخمر). (1)

وبما أنّ معتقدات الدروز ظلّت طيّ الخفاء والكتمان، فلنقتصر على هذا المقدار إلى أن تنتشر كتبهم في هذا الصدد ونقف على حقيقة الحال. ونحن من المتوقّفين في ذلك؛ لا نحكم على تلك الطائفة بشيء حتّى تتبين احوالهم.

____________________

(1) محمد فريد وجدي، دائرة المعارف: 4/26 - 28.

٣٤٦

18

النَّصيريَّة

الكتابة عن النصيريّة، وكسائر الفِرق الشيعيّة، أمر صعب، لا سيّما وأنّهم اضطرّوا إلى التخفّي والانطواء على أنفسهم، وعاشوا في ظلِّ التقيّة، ومن يتصفّح التاريخ يجد أنّه لا مندوحة لهم من التكتّم والتحفّظ في عقائدهم، فمعاجم الفِرق مليئة بذمّهم وتفسيقهم وتكفيرهم، وقد أخذ بعضهم عن بعض، ولا يمكن الاعتماد على ما نقلوه عنهم، إلاّ بالرجوع إلى كتب تلك الفِرقة أو العيش معهم في أوطانهم حتّى يتجلّى الحقّ، ليقف الإنسان على مكامن عقائدهم وخفايا أُصولهم.

وهي فِرقة أحدثها محمّد بن نصير النميري؛ وكان من أصحاب الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)، فلمّا توفّي الإمام العسكري ادّعى الوكالة للحجّة، ولم يكتف بذلك؛ بل ادّعى أنّه رسول ونبيّ من قبل الله تعالى، وربّما ادّعى الربوبيّة وإباحة المحارم.

وقال الشيخ الأشعري في أصناف الغالية: إنّ فِرقة من الرافضة يقال لهم النميريّة أصحاب النميري، يقولون إنّ الباري كان حالاً في النميري. (1)

____________________

(1) مقالات الإسلاميين: 1/15.

٣٤٧

وقد أوضح حاله الشيخ الطوسي حيث عقد فصلاً لمدّعي البابيّة عدّ منها: الشُّريعي، ومحمّد بن نصير النميري.

قال: كان محمّد بن نصير النميري من أصحاب أبي محمّد الحسن بن عليّ (عليه السّلام)، فلمّا تُوفّي أبو محمّد، ادّعى مقام أبي جعفر محمّد بن عثمان أنّه صاحب إمام الزمان، وادّعى له البابيّة، وفضحه الله تعالى بما ظهر منه من الإلحاد والجهل، ولعْنَ أبي جعفر محمّد بن عثمان له وتبرّأه منه، واحتجابه عنه، وادّعى ذلك الأمر بعد الشُّريعي. (1)

والنصيريّة بهذا المعنى قد بادت ولا تجد أحداً يتبنّى أفكارها بين المسلمين، إلاّ إذا كان مغفّلاً أو مغرضاً، وربّما تكون بعض هذه النِّسب ممّا لا أصل له في الواقع، وإنّما اتُّهمت بها بعض فِرق الشيعة من قبل أعدائهم.

والحق يقال إنّ محمد بن نصير النميري شخصيّة قلقة يكتنفها كثير من الغموض.

فتارة يعدّونه من أفاضل أهل البصرة علماً وأنّه ضعيف. (2)

وأُخرى من أصحاب الإمام الجواد (عليه السّلام). (3)

وأُخرى أنّه من أصحاب الإمام العسكري (عليه السّلام) وأنّه غال. (4)

وطوراً عدّوه فهريّاً بصريّاً مع أنّ هذين لا يجتمعان. (5)

____________________

(1) غيبة الطوسي: 398 - 399.

(2) تنقيح المقال: 3/195.

(3) رجال الطوسي: أصحاب الإمام الجواد، رقم 10 و26.

(4) رجال الطوسي: أصحاب الإمام العسكري، رقم 20.

(5) رجال الكشّي، رقم 383.

٣٤٨

وأخيراً تحيّروا في أمر هذا الرجل ووضعوا اسمه في قائمة المشتركات. (1)

العلويّون وأصل التسميّة بالنصيريّة:

إنّ هناك أقلاماً مغرضة حاولت أن تَنسب العلويّين المنتشرين في الشام والعراق وتركيا وإيران إلى فِرقة النصيريّة البائدة اعتماداً على أُمور ينكرها العلويّون اليوم قاطبة.

وأظنّ أنّ السبب في ذلك هو جور السلطات الظالمة الّتي أخذت تشوّه صحيفة العلويّين وتسّودها، فأقامت فيهم السيف والقتل والفتك والتشريد، ولم تكتف بذلك، بل أخذت بالافتراء عليهم لتنفّر الناس من الاختلاط بهم، وأنّهم زمرة وحشيّة همجيّة، ممّا زاد في انكماش هذه الطائفة على نفسها، لذا نجد من المناسب الكتابة عنهم حسب ما كتبوه عن أنفسهم.

أمّا سبب تسمية العلويّين بالنصيريّة؛ فلأنّه لمّا فتحت جهات بعلبك وحمص استمد أبو عبيدة الجراح نجدة، فأتاه من العراق خالد بن الوليد، ومن مصر عمرو بن العاص، وأتاه من المدينة جماعة من أتباع عليّ (عليه السّلام)؛ وهم من الأنصار ممّن حضروا بيعة غدير خم، وعددهم يزيد عن أربعمائة وخمسين، فسمّيت هذه القوّة الصغيرة نصيريّة، إذ كان من قواعد الجهاد تمليك الأرض الّتي يفتحها الجيش لذلك الجيش نفسه، فقد سمّيت الأراضي الّتي امتلكها جماعة النصيريّة جبل النصيريّة، وهو عبارة عن جهات جبل الحلو وبعض قضاء

____________________

(1) تنقيح المقال: 3/196.

٣٤٩

العمرانيّة المعروف الآن، ثُمَّ أصبح هذا الاسم علماً خاصّاً لكلّ جبال العلويّين من جبل لبنان إلى أنطاكية. (1)

وهذا الرأي أقرب إلى الصواب؛ ذلك أنّ المؤرّخين الصليبيّين أطلقوا على هذا الجبل اسم (النصيرة)، ويبدو أنّ هذا الاسم قد حرّف إلى نصيريّة، والّذي يُعزّز القناعة بصحّة هذا الرأي هو أنّ إطلاق اسم نصيريّة على هذا الجبل لم يظهر إلاّ أثناء الحملات الصليبيّة؛ أي بعد عام 498هـ.

أهم عقائدهم:

حسب المصادر المطّلعة على حالهم، فإنّ عقائد العلويّين لا تختلف عن عقائد الشيعة الاثنا عشريّة الإماميّة، وهي معروفة مسجّلة، وتتلخّص في التوحيد والعدل والنبوّة والإمامة والمعاد.

____________________

(1) محمد أمين غالب الطويل، تاريخ العلويّين: 87 - 88.

٣٥٠

19

الشيخيّة

الشيخيّة هم طائفة من الشيعة الإماميّة الاثني عشريّة، ولقّبوا بهذا الاسم نسبة إلى شيخهم ومعلّمهم الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي، وهم لا يختلفون في أُصول الدين وأُمّهات المسائل الشرعيّة عن سائر الشيعة الإماميّة، وليسوا أخباريّين كما ربّما يُتوهّم، نعم، لهم بعض الآراء والمعتقدات الخاصّة كما نشير إليها.

وهم اليوم موجودون في إيران والعراق والكويت والأحساء، وينقسمون إلى فِرقتين: (الركنيّة) و(الكشفيّة)، ولكلّ فِرقة آراؤها الخاصّة.

ومبدأ نشوء هذه الطائفة كان بعد بروز الشيخ أحمد الأحسائي في مطلع القرن الثالث عشر الهجري كعالم أوحد، متميّز، له بعض النظريّات والأفكار الجديدة في علم الفلسفة والعقائد الإسلاميّة. وحيث كان الشيخ ذا عبقريّة فذّة، وعُرف عنه الزهد والإغراق في العبادة - هذا بالإضافة إلى مقامه العلمي الشامخ ـ، لذا كان ذا جاذبيّة قويّة ومؤثّرة أدّت إلى وجود تيار جارف من الموالين والأنصار له، ومعظم أنصاره كان من إيران، وبعضهم من العراق ودول الخليج، وهؤلاء هم كانوا النواة والقاعدة الّتي تحوّلت فيما بعد إلى طائفة مستقلّة تسمّى بـ (الشيخيّة).

لذا، وقبل كلّ شيء، لابدّ أن نعرّج على سيرة وحياة الشيخ أحمد الأحسائي.

٣٥١

سيرة الشيخ أحمد الأحسائي: (1)

أحمد بن زين الدين بن إبراهيم بن صقر بن إبراهيم الأحسائي المطيرفي.

كان فقيهاً، إماميّاً، حكيماً، مشاركاً في فنون شتى، له شهرة وأتباع أسّسوا ما يُعرف بفِرقة الكشفيّة، ويقال لها أيضاً: الشيخيّة.

ولد في المُطيرف (من قرى الأحساء) سنة ست وستين ومائة وألف.

وتلقّى مبادئ العلوم عن محمّد بن محسن الأحسائي، وغيره.

ارتحل إلى العراق في سنة (1186هـ)، فحضر في كربلاء عند: محمّد باقر بن محمّد أكمل البهبهاني، والسيّد محمّد مهدي بن أبو القاسم الشهرستاني، والسيّد عليّ بن محمّد عليّ الطباطبائي، وفي النجف عند: الشيخ جعفر كاشف الغطاء.

وأجاز له أساتذته: الشهرستاني والطباطبائي وكاشف الغطاء، وآخرون مثل: السيّد محمد مهدي بحر العلوم، وأحمد بن حسن الدمستاني، وحسين بن محمد العصفوري البحراني.

وقد أقام في البحرين مدّة أربع سنين، ثُمَّ سكن البصرة بعد أن زار العتبات المقدّسة سنة (1212هـ).

____________________

(1) روضات الجنّات: 1/88 برقم 22، مستدرك الوسائل (الخاتمة): 2/121، قصص العلماء: 47، هديّة العارفين: 1/185، إيضاح المكنون: 1/205، أنوار البدرين: 406/ رقم 8، أعيان الشيعة: 2/589، ريحانة الأدب: 1/78، الذريعة: 7/124/ رقم 667، الكرام البررة: 1/88/ رقم 180، الأعلام: 1/129، معجم رجال الفكر والأدب في النجف: 1/89، معجم المفسرّين: 1/38، معجم المؤلِّفين: 1/228، فرهنگ بزرگان: 36.

٣٥٢

وسافر إلى إيران، فلبث في يزد مدّة، ثُمّّ انتقل إلى كرمانشاه بطلب من محمّد عليّ ميرزا بن السلطان فتح عليّ شاه القاجاري، وزار عدّة مدن في إيران.

ثُمَّ ارتحل إلى العراق، فاستقرّ في كربلاء.

وكان مواظباً على المطالعة والبحث والتدريس، وعلى بثّ أفكاره ونشر طريقته بالخطابة والكتابة والتأليف والرحلات.

تتلمذ عليه وروى عنه جمع، منهم: ابناه محمّد تقي، وعليّ نقي، والسيّد كاظم بن قاسم الرشتي؛ وهو أشهر تلامذته وعميد طريقته، ومحمّد باقر بن حسن النجفي صاحب الجواهر، وأسد الله بن إسماعيل التستري صاحب المقابس، ومحمّد إبراهيم بن محمّد حسن الكلباسي، والميرزا عليّ محمّد الشيرازي الملقّب بالباب، وحسين بن مؤمن اليزدي الكرماني، وغيرهم.

وصنّف كتباً ورسائل جمّة، منها: الرسالة الحيدريّة في الفروع الفقهيّة، الرسالة الصوميّة، شرح (تبصرة المتعلّمين في أحكام الدين) للعلاّمة الحلّي لم يتم، أحكام الكفّار بأقسامهم قبل الإسلام وبعده وأحكام فِرق الإسلام، شرح مبحث حكم ذي الرأسين من (كشف الغطاء)، ذكر فيه أحكامه من أوّل الطهارة إلى الديّات، المسائل القطيفيّة، تحقيق القول بالاجتهاد والتقليد وبعض مسائل الفقه، جواز تقليد غير الأعلم وبعض مسائل الفقه، مباحث الألفاظ في الأُصول، أسرار الصلاة، تفسير سورة التوحيد وآية النور، شرح الزيارة الجامعة (مطبوع)، جوامع الكَلِم (مطبوع)، شرح (الحكمة العرشيّة) لصدر الدين محمّد بن إبراهيم الشيرازي المعروف بملاّ صدرا، كيفيّة السير والسلوك الموصلَين إلى درجات القرب والزلفى، معرفة النفس، معنى الكفر والإيمان، بيان أحوال أهل

٣٥٣

العرفان والصوفيّة وطرائقهم وطرق الرياضات، رسالة في التجويد، رسالة في علم النجوم، شرح علم الصناعة، والفلسفة وأحوالها، وديوان شعر، وغير ذلك كثير.

توفّي حاجّاً بقرب المدينة في شهر ذي القعدة سنة إحدى وأربعين ومائتين وألف، وحمل إليها، فدفن في البقيع.

اختلاف العلماء فيه:

وقد اختلف علماؤنا في صاحب الترجمة اختلافاً عظيماً، فمنهم من بالغ في مدحه والثناء عليه وتبيان علمه، ومنهم من أفرط في قدحه والتشنيع عليه، وطَعَن في علمه ودينه وعقيدته، ونكتفي هنا بنقل نماذج من كلمات المادحين له والقادحين فيه:

قال المحدث النيسابوري: أحمد بن زين الدين الأحسائي القاري، فقيه، محدّث، عارف، وحيد في معرفة الأُصول الدينيّة، له رسائل وثيقة، اجتمعنا معه في مشهد الحسين (عليه السّلام)، لا شكّ في ثقته وجلالته.

أوّل من قدح في علمه وردَّ عليه معاصره الشيخ محمّد إسماعيل بن السميع الأصفهاني المعروف بواحد العين، حيث قال في مقدّمة (شرح العرشيّة): وقد تصدى لشرحها المولى الجليل... الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي... فشرحها شرحاً كان كلّه جرحاً؛ لعدم فهمه ما هو المراد من الألفاظ والعبارات؛ لعدم اطّلاعه على الاصطلاحات، وإلاّ فهو عظيم الشأن.

وقال السيّد أبو تراب الخوانساري: إنّ الشيخ أحمد الأحسائي كان فقيهاً

٣٥٤

فدخل في علم الحكمة وأخذ يطالع كتبها حتّى مهر فيها وألّف فيها كتباً، وحيث لم يحضر فيها على أُستاذ ماهر زلّت أقدامه، فضلّ وأضل.

ولعلّ أهم ما نسب إلى الشيخ من مؤاخذات هو الأُمور التالية:

1 - إنكاره المعاد الجسماني، ودعوى أنّ هذا الجسم المادي لا يمكن أن يعود بكلّ ما فيه من كثافة وكدورة.

2 - إنكاره المعراج الجسماني؛ أي أنّ النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) لم يعرج إلى السماء بجسمه المادّي بكلّ ما فيه.

3 - إنكاره شق القمر المرئي الحقيقي؛ معجزة النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) المتّفق عليها بين المسلمين، ودعوى أنّ الّذي انشق إنّما هو صورة القمر المنتزعة منه.

4 - الغلو في شأن أهل البيت (عليهم السّلام) وإعطاؤهم بعض المقامات الّتي لا تصحّ إلاّ لله تعالى، مثل القول بأنّ الله تعالى فوض كلّ ما في الكون إليهم من الخلق والرزق والحياة والممات وما إلى ذلك، والقول بأنّ علمهم حضوري وليس حصولي؛ يعني أنّهم يعلمون بكلّ ما كان وجميع ما يأتي، على نحو يكون ذلك كلّه حاضراً في ذهنهم وذاكرتهم في كلّ حين كما يرون العين.

حقيقة الشيخيّة:

ولم يكن في بادئ الأمر شيء باسم الشيخيّة، ولا كان في نيّة الشيخ تأسيس فِرقة جديدة أو الدعوة إلى مذهب جديد، ولكن المواجهة الحادّة، والجدال الّذي بلغ أوجه بين الشيخ ومعارضيه، واستمرَّ بعد وفاته بين أنصاره

٣٥٥

ومخالفيهم، أدّى إلى تحيّز جمْع من العلماء وطائفة من الناس إلى جانب الشيخ، وتحمسّهم في الدفاع عنه والدعوة إليه، ثُمَّ تحوّل هؤلاء بشكل تدريجي إلى جماعة مستقلة منسوبة إلى الشيخ، تتبنّى أفكاره وتنشر كتبه وتدعو إلى خطّه، وعُرفوا حينها باسم الشيخيّة.

وقد اتّسعت رقعة الشيخيّة بعد وفاة الشيخ، وازداد أتباعها ومؤيّدوها، وكان الزعيم الأكبر لهم بعد الشيخ، خليفته السيّد كاظم بن السيد قاسم الحسيني الرشتي، الّذي كان يتّخذ من كربلاء مقرّاً لزعامته حتّى توفّي فيها سنة 1259هـ.

وكانت الشيخيّة في حياة السيّد متّفقة على زعامته ومرجعيّته، ولكن بعد وفاته، انقسمت غلى فرقتين: فِرقة تبعت الحاج محمّد كريم خان الكرماني، المتوفّى سنة 1288هـ، وعرفوا فيما بعد بالركنيّة، وفِرقة تبعت الميرزا حسن گوهر الحائري، ثُمَّ آل الاسكوئي من بعده، فعرفوا بالكشفيّة.

الطائفة الركنيّة:

أمّا الركنيّة فتتلخّص عقيدتهم في التالي:

يعتقدون أنّ الدّين قائم على أربعة أركان:

1 - معرفة الله.

2 - معرفة الرسول.

3 - معرفة الإمام.

4 - معرفة الفقيه الجامع للشرائط، الّذي يقوم مقام الإمام في زمن الغيبة.

وتجسّد الركن الرابع في الشيخ أحمد الأحسائي، ثُمَّ في السيّد كاظم الرشتي، ثُمَّ في الحاج كريم خان نفسه؛ ولهذا سمّيت هذه الطائفة بالركنيّة.

قال صاحب الذريعة: ولمّا شدّد عليهم الأصحاب النكير بعدم ما يسمّى

٣٥٦

الركن الرابع في الإسلام، ألّف محمّد كريم خان الكرماني رسالة عام 1279هـ، أثبت فيها أنّ الركن الرابع هم رواة الأئمّة والعلماء جميعاً، ولا تختصّ الركنيّة بشخص معين.

ومن الناحية العمليّة أصبح الركن الرابع منصب تتوارثه سلالة الكرماني حتّى اليوم، باعتبارهم المصداق الحقيقي لهذا الركن.

وكان مقرّ زعامتهم مدينة كرمان بإيران، حيث يتواجد أحفاد الكرماني والأكثريّة من أتباعه، ولمّا قُتل مُرشدهم عام 1400هـ، انتقل مقرّ الزعامة إلى مدينة البصرة بالعراق؛ أهمّ معقل لهم بعد كرمان، ولا زال زعيمهم الحالي في مدينة البصرة حتّى اليوم، والركنيّة أكثر أتباعاً من منافسيهم الكشفيّة، ويتمركز وجودهم في مدينة كرمان بإيران، ثُمَّ مدينة البصرة، ويوجد قليل منهم في الكويت وبعض مناطق إيران الأُخرى.

ويمكن التعرّف على أفكارهم من خلال كتبهم، مثل: (رجوم الشياطين)، و(كشف المراد في علم المعاد)، و(هداية الأطفال)، و(هداية الصبيان)، و(إرشاد العوام)، و(الفطرة السليمة)، و(الفلسفيّة) للشيخ أبو القاسم الكرماني.

الطائفة الكشفيّة:

أمّا الطائفة الكشفيّة فيعتقدون أنّ الشيعة ينقسمون إلى قسمين: كاملي العقيدة، وناقصي العقيدة. والمعني بكاملي العقيدة هم الكشفيّة أنفسهم ومن يعتقد بعقيدتهم في أهل البيت (عليهم السّلام)؛ وأمّا ناقصي العقيدة فهم معظم الشيعة الإماميّة.

٣٥٧

وتتلخّص عقيدتهم في أهل البيت (عليهم السلام) بأمرين:

الأوّل: الاعتقاد بأنّ علم الإمام حضوري وليس حصولي، يعني أنّ يعلم بما كان وما سيكون إلى يوم القيامة بإرادة الله تعالى؛ بحيث تكون جميع هذه المعلومات حاضرة في ذهنه دائماً؛ كمن يشاهد بالعيان.

الثاني: الاعتقاد بأنّ دم الإمام، وجميع فضلاته، طاهرة.

وعلى أساس هذا التقسيم للشيعة أصدر علماء الكشفيّة أحكاماً فقهيّة خاصّة، منها:

إنّه لا يجوز لمن كان كامل العقيدة أنّ يقلّد مرجعاً ناقص العقيدة، أو يصلّي خلف إمام ناقص العقيدة؛ أي من كان يعتقد بطهارة دم الإمام، وأنّ علمه حضوري، لا يجوز له أن يقلّد أو يصلّي خلف من لا يرى ذلك، فكمال العقيدة بهذا المعنى، شرط في مرجع التقليد وإمام الجماعة.

ويُعتقد أنّ تسميتهم بالكشفيّة؛ لادّعاء علمائهم أنّ خفايا بعض الأُمور تُكشف إليهم ببركات الأئمّة المعصومين (عليهم السّلام).

ويتواجد الكشفيّة اليوم بشكل رئيسي في الكويت، وهناك مقر زعامتهم، كما يتواجد بعضهم في مدينة الهُفوف وبعض القرى بالأحساء، ولهم أيضاً بعض الأتباع في تبريز بإيران وبعض المدن الجنوبيّة بالعراق.

بقي أن نشير إلى أنّ كلاًّ من الركنيّة والكشفيّة يعتقد بانحراف الطائفة الأُخرى وضلالتها. ونكتفي بهذا التعريف الموجز للطائفة الشيخيّة. (1)

____________________

(1) نقل من كتاب (أعلام هجر)، بتلخيص وتصرّف، تأليف: هاشم محمّد الشخص.

٣٥٨

وقد أُلِّف حول الشيخيّة، والطائفتين المنشقّتين منها، رسائل ومقالات، غير أنّ ما كتبه الأُستاذ هاشم محمّد الشخص من أوجز وأوثق ما كتب في الموضوع، وقد اقتبسنا في بيان ما يرجع إلى هذه الطائفة وفروعها من كتابه: (أعلام هجر من الماضين والمعاصرين).

٣٥٩

20

القاديانيّة

ظهرت القاديانيّة على يد الميرزا غلام أحمد القادياني (1252 - 1316هـ) في إقليم البنجاب، وعاصمتها لاهور، وفي مديريّة غوردا سفور من هذا الإقليم، وفي قرية صغيرة فيها تسمّى قاديان، وُلد فيها مؤسِّس المسلك ميرزا غلام أحمد القادياني، وإليها كانت نسبته، وفيها نبتت نحلته.

سيرته الذاتيّة:

وُلد الميرزا غلام أحمد القادياني عام 1839م/ الموافق 1252هـ، في قرية قاديان، وكان والده يحترف الطبّ القديم في عهده، ويجيده، ولمّا بلغ الميرزا سنَّ التعليم، شرع في تلقّي مبادئ العلوم وقراءة القرآن وتعلّم اللغة العربيّة والفارسيّة إلى جانب معرفته بالأُرديّة، وتلقّى دروساً في المنطق والحكمة والعلوم الدينيّة والأدبيّة في مسقط رأسه (قاديان)، والطبّ القديم على والده، وعُرف بالعكوف على المطالعة والانقطاع إليها، وكان مهتماً بدراسة كتب التفسير والحديث والتدبّر في القرآن، وأُولع بمطالعة الأسفار القديمة من كتب الشيعة وأهل السنّة، وكتب الأديان الأُخرى.

٣٦٠