الحسين نبراس الإصلاح العالمي

الحسين نبراس الإصلاح العالمي0%

الحسين نبراس الإصلاح العالمي مؤلف:
المحقق: السيد علي جلال الشرخات
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 114

الحسين نبراس الإصلاح العالمي

مؤلف: آية الله الشيخ محمد سند (حفظه الله)
المحقق: السيد علي جلال الشرخات
تصنيف:

الصفحات: 114
المشاهدات: 44687
تحميل: 4671

توضيحات:

الحسين نبراس الإصلاح العالمي
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 114 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 44687 / تحميل: 4671
الحجم الحجم الحجم
الحسين نبراس الإصلاح العالمي

الحسين نبراس الإصلاح العالمي

مؤلف:
العربية

الحسين نبراس الإصلاح العالمي

مِن مُحاضرات:

آية الله الشيخ محمّد سند (حفظه الله)

بقلم: السيِّد علي جلال الشرخات

١

٢

المقدِّمة:

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

والصلاة والسلام على أفضل الأنبياء والمرسلين، أبي القاسم محمّد وعلى أهل بيته الطيِّبين الطاهرين، واللعن الدائم على أعدائهم ومُنكري مقاماتهم وفضائلهم إلى قيام يوم الدين..

تَميَّز منهج أهل البيتعليهم‌السلام عن المناهج الإسلاميَّة وغير الإسلاميَّة الأُخرى، في كثير مِن الأُمور، ومِن هذه الأُمور الاعتماد على حُجِّيَّة العقل.

حُجِّية العقل في شرعيَّة عَلاقتك مع الله، ومع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ومع الإمامعليه‌السلام وحتَّى مع مرجعيَّتك الرشيدة.

٣

فقد تميَّز منهجهم (سلام الله عليهم) بالدقَّة البالغة في التحسُّس مِن الشرعيَّة، وكذلك الدقَّة في كلِّ حيثيَّات الإصلاح، مِن بدايته إلى مُنتهاه.. مِن أين جئت؟ وإلى أين تذهب؟ وكيف تصل؟

علَّمنا سيِّد الشهداء (سلام الله عليه) - وهو القائل:(وإنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً، ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنَّما خرجت لطلب الإصلاح في أُمَّة جَدِّي صلى‌الله‌عليه‌وآله أُريد أنْ آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جَدِّي وأبي علي بن أبي طالب، فمَن قَبِلني بقَبول الحَقِّ فالله أولى بالحَقِّ، ومَن ردَّ عليَّ هذا، أصبِر حتَّى يقضي الله بيني وبين القوم، وهو خير الحاكمين) (١) - أنْ نتحسَّس حول الشرعيَّة في كلِّ حيثيَّاتها، وكذلك نتحسَّس في شرعيَّة البديل، فما الفائدة في بديل يزيد في استفحال الداء في البشريَّة؟!

____________________

١ - عوالم الإمام الحسينعليه‌السلام ص ١٧٩.

٤

وقد تطرَّق إلى هذه المباحث القيِّمة، سماحة آية الله المحقِّق الشيخ محمّد سند (دام ظِلُّه) في مُحاضراته في مأتم رأس رمان في مَملكة البحرين، في نهاية ذي القعدة ١٤٢٥ للعام الهجري.

وقد قارن سماحته (دام ظِلُّه) بين منهج الثورة الحسينيَّة المباركة، وبين المناهج الإسلاميَّة الأُخرى، مثل: منهج الخوارج، ومنهج الزيديَّة، ومنهج السُّنَّة (المهادَنة)، وبيَّن خوائها في قِبال المنهج الحسيني.

وتطرَّق سماحته إلى مُشكلة النُّخبة المثقفة عند أهل السُّنة والجماعة، وربط الإسلام الحنيف بالسلطان وإنْ كان جائراً مثل صدام.

٥

وفي نهاية المحاضرات سُئل سماحته عن مواضيع مُتعدِّدة، وأهمُّها الفتوحات الإسلاميَّة، ودور أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وما في هذا البحث مِن أُمور غامضة وقصاصات تاريخيَّة عجيبة في كشف الدور الحقيقي لأمير المؤمنينعليه‌السلام في الفتوحات الإسلاميَّة.

ولا أنسى أنْ أتقدَّم بالشكر الجزيل والثناء الجميل، إلى الأخ العزيز الشريف محمّد حسين دام توفيقه، على التصحيحات اللغويَّة والنحويَّة والإملائيَّة في كلِّ البحث، وأسأل الله أنْ يوفِّقنا جميعاً لخدمة الدين الحنيف.

علي الشرخات

الأربعاء ٢٤ ذي الحجة ١٤٢٦ هـ

٦

القسم الأوَّل: الحسين نِبراس الإصلاح العالمي

أعوذ بالله السميع العليم مِن الشيطان الغويِّ الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أفضل الأنبياء والمرسلين، محمّد وآل بيته الطيِّبين الطاهرين، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين..

صلَّى الله عليك يا أبا عبد الله، صلَّى الله عليك يا ابن رسول الله، صلَّى الله عليك وعلى الأرواح التي حلَّت بفِنائك، عليكم منِّي جميعاً سلام الله أبداً ما بقيت وبقي الليل والنهار، وبقي الحسين نِبراساً للبشريَّة.

٧

الشرعيَّة الدوليَّة:

نرى في الظرف الحالي - مِن كلِّ الزوايا - تعطُّشاً ملحوظاً في الساحة البشريَّة أو الساحة الدوليَّة، تِجاه الحسينعليه‌السلام ؛ هناك نداءات للضمير البشري في الشعوب الفقيرة، شعوب العالم الثاني أو الثالث، تجاه طغمة الدول العُظمى، فالسائد في العرف البشري الدولي، أنَّ هناك شرعيَّةً دوليَّةً، وشرعيَّةً مِن نُخب المجتمعات عِبر هياكل الأنظمة، لا يُمكن التمرُّد عليها؛ لأنَّ ذلك يهزُّ السُّلَّم العالميِّ و التعايش المدني، ويهزُّ الرُّقيَّ والتطوُّر البشريِّ، باعتبار أنَّ البشريَّة وصلت إلى مكاسب وثروة علميَّة مُزدهرة، لا يُمكن التفريط بها في ظِلِّ هذا الازدهار البشري، والثروة العلميَّة والثورة التقنيَّة والصناعيَّة والمعلوماتيَّة.. وغيرها، إلاَّ أنَّ الشعوب الفقيرة ترزح وتئنُّ تحت وطأة الطَّغام البشري، قراصنة الأموال في الدول العُظمى، و هذا - في الواقع - ليس مخصوصاً بالشعوب الفقيرة، بلْ إنَّ الشعوب الغنيَّة - أيضاً - ترزح وتئنُّ تحت هذا الكابوس.

٨

في إحصائيَّة نقلتها الأُمَم المتَّحدة - سَمِعْتُها عَبر الإذاعات قبل ثلاث أو أربع سنين تقريباً - ويُمكن مُراجعة المصادر الموثوقة في هذه الإحصائيَّة، جاء أنَّ ثروة ألمانيا تُقارب ٩٠%، يمتلكها ٤% مِن الشعب الألماني فقط، ونفس النسبة بتراوح يسير في الشعب الأمريكي، فبين ٤% و ٣. ٨% مِن الشعب الأمريكي يمتلك أيضاً ٩١% أو ٨٩% مِن الثروة الماليَّة؛ فليس الأمر حسب طبقيَّة الشعوب، إنَّما هناك عِبء يقضُّ كاهل البشريَّة بأكملها، حتَّى الشعوب الغربيَّة، الأمريكيَّة، التي كلَّما أرادت أنْ تصحو، يُسارَع بإعطائها إبراً مُنوُّمة مُخدِّرة، مع أنَّ هناك بشارة في المسير البشري: أنَّ هذه الشعوب رغم الترسانة الإعلاميَّة اليهوديَّة المكبِّلة لها، كما في إحصائيَّة قبل أشهُر، أنَّ أكثر الشعوب الأوروبيَّة - مثلاً - ترفض النهج الإسرائيلي الصهيوني، رغم كلِّ ما قام به في سنين وعقود، بأساليب فتَّاكة، ثقافيَّة و إعلاميَّة؛ لأجل غسيل العقل الأوروبي، لكنَّ قلب الإنسان الأوروبي لا زال ينبض بالفطرة.

٩

١٠

المدارس و المناهج الإسلاميَّة:

في ظِلِّ هذه الشرعيَّة الدوليَّة الموجودة، هناك هتافات إسلاميَّة، وغير إسلاميَّة، لتغيير الوضع الدولي الحالي، بالنسبة إلى الأُمَّة الإسلاميَّة، مِن عِدَّة شرائح ومذاهب:

١- المدرسة المخالِفة لأهل البيتعليهم‌السلام التي رُبَّما تطرح أُسلوب الخوارج، و بصريح العبارة: (نموذج القاعدة)، وهذا نموذج في التاريخ الإسلامي على شاكلة الخوارج، يُريد أنْ يَهدم هذا الكيان الفاسد، لكنْ بنهج الخوارج.

١١

٢- نداء آخر مِن الأُمَّة الإسلاميَّة، مِن نُخب الأنظمة والشعوب الإسلاميَّة، يدعو للمهادنة، كما هو أُسلوب جُملة مِن الصحابة والتابعين، الذين هادنوا السقيفة أو هادنوا السلطة الأُمويَّة ونحوها، وأمثلته ونماذجه موجودة في التاريخ، نظير مُبايعة كثير مِن الصحابة وإقرارهم للوضع الموجود.

٣- نماذج أُخرى، كثورة المذهب الزيدي، بغضِّ النظر عن شخص زيد بن عليِّ بن الحسين (رضوان الله تعالى عليه)، المقصود المذهب الزيدي، هذا نموذج آخر، يلتقي في نقاط مُشتركة مع مذهب الخوارج، لكنَّه يختلف عنه في نقاط أُخرى.

١٢

٤- شريحة الأُمويِّين، الذين استغلُّوا الوضع السائد، وانقضُّوا عليه، وتسلَّقوا للوصول إلى القِمَّة، وربَّما يُسمُّون بالقاسطين، الناكثين، القاسطين، المارقين...

وهناك نماذج ومناهج أُخرى عاشها العقل الإسلامي في غابر التاريخ.

٥- النموذج الحسيني، والذي يبقى نموذجاً مُتميِّزاً، لا يُمكن أنْ يؤخَذ عليه مأخذ مِن ناحية التفريط في المكاسب البشريَّة، ولا مِن ناحية التفريط في الإنجازات التي تزدهر بها أيُّ ديانة أوْ أيُّ مُجتمع أوْ أيُّ عُرفٍ بشريٍّ، فهو في حين لم يُفرِّط بالمكاسب، لم يُهادِن على المفاسد، واستخدم أُسلوب التغيير بشكل راقٍ، مُحافظ على كلِّ الحُرمات والإنجازات، التي يحترمها البشر وتحترمها الديانات. ورُبَّما أحتاج إلى مؤونة كثيرة في التعرُّض لها في طيَّات الكلام، حول المفارقة بين النهج الحسيني ونهج الخوارج، بين النهج الحسيني والنهج الزيدي، بين النهج الحسيني والنهج السلطوي، نهج السُّنَّة والجماعة.

١٣

هناك نداءات إسلاميَّة تُحيي الجماعة الدوليَّة والسُّنَّة البشريَّة، تقول: بأنَّ منهج الصلاح والإصلاح هو أنْ نكون مع سُنَّة البشر وجماعة البشر، وأنَّ الخارج عن جماعة البشر مارق. الأُمَّة الإسلاميَّة الآن انفتحت على البشر، والبشر قد انفتحوا على الأُمَّة الإسلاميَّة، يبقى النهج الحسيني فريداً جِدَّاً مِن نوعه، كأُصول، كمنظومةٍ قانونيَّةٍ، وكمنظومة تغيير، أرشدت إلى عدم الإقرار بالوضع الفاسد، و مُحاولة الإصلاح مِن دون فساد، كان ذلك مِن باب النموذج الفهرسي أذكره؛ لكي أصل إلى المصبِّ الأصلي للبحث.

نهج الحسينعليه‌السلام ونهج الخوارج:

إنَّ التمايز واضح بين نهج الحسينعليه‌السلام ونهج الخوارج. نهج الخوارج، الذي ينتهجه (تنظيم القاعدة) بكلِّ حذافيره؛ لأنَّ هذا التنظيم ابتعد عن مدرسة أهل البيتعليه‌السلام ، مِن أُصولٍ وفكرٍ وقوانين، وعمل بنهج الخوارج في مُقابل ذلك، المذهب الذي ضحَّى بمبادئ كثيرة، مُقابل الوصول إلى شعارٍ وهتك حُرمات كثيرة، وفرَّط في حُرمات كثيرة، زعزع العيش المدني، والسلم الاجتماعي، والأموال والفروج والدماء والأعراض، والأفكار، حتَّى الأفكار الصحيحة رفضها رفضاًَ مُطلقاً، فلاحظوا ذلك في تاريخ الخوارج، صحيح أنَّهم طُلاَّب حَقٍّ، أو شعارهم حَقٌّ، لكنَّها كلمة حَقٍّ يُريدون بها باطلاً مِن حيث لا يشعرون.

١٤

التغيير الذي يُريده الكيان البشري المتعطِّش، والحاجة البشريَّة هي إلى نموذج الإمام الحسينعليه‌السلام هي الآن على قدمٍ وساق، وفي أشدِّ ما يُمكن، والكثير مَن رَمَزَ مراحل حركة المهدي (عجَّل الله فرجه الشريف)، هي على شاكلة نهج الحسين (سلام الله عليه)، لكنْ مع تكليله بالظفر والنصر، لا سِيَّما وأنَّ الإمام الحسين كان مُقدَّراً أنْ يكون مهديَّ آل محمّدٍ، إلاَّ أنَّه بدا لله (عَزَّ وجَلَّ).

فانظر في نموذج الخوارج الذين قالوا - كلمة حَقٍّ -: (الوضع الفاسد يجب أنْ يُغيَّر)، لكنَّه لا يجب أنْ يُغيَّر بكلِّ قيمة، بحيث تُنسَف مُقدَّرات المجتمع، تُبرْكنها و تُزلزلها، أهذا هو الهدف وهو الوصول إلى الحَقِّ؟ الحَقُّ هو بناء هذه المقدَّرات، والحِفاظ على هذه الحُرمات، فالدم الإنساني مُحترم ما لم يأتِ موجب لإراقته، وليس مِن منطق الحسين (سلام الله عليه) نسف المدنيِّين الأبرياء بحُجَّة الوصول إلى هدف مُعيَّن.

١٥

منهج الإمام الحسينعليه‌السلام ومنهج السُّنَّة (المهادَنة):

في حين أنَّ الإمام الحسينعليه‌السلام لا ينتهج نهج أهل السُّنَّة والجماعة، أهل سُنَّة الوضع الدولي السائد، والشرعيَّة الدوليَّة في النظام السائد مع الجماعة ما دامت الجماعة، ولونُ الجماعة في أيِّ اتِّجاه لنتلوَّن بلونه. أيضاً الحسينعليه‌السلام افترق عن عبد الله بن عمر، فعبد الله بن عمر بايع يزيد وبايع رِجْل الحَجَّاج (١)، واختطَّ ابن عمر نموذجاً لمدرسة أهل السُّنَّة والجماعة.

____________________

١ - تاريخ الكامل لابن الأثير ج٤ ص١٢٤، الفتوح ج٢ ص ٤٨٦.

١٦

نهج الحسينعليه‌السلام يختلف، فهو نهج يقول بعدم التفريط في المكاسب البشريَّة، والمقدَّرات البشريَّة، والحُرمات البشريَّة، لكنْ هذا لا يعني الإقرار بالفساد، وكذلك عدم الإقرار بالفساد ورفض الفساد، لا يعني التفريط بالمقدَّرات المنجَزة. نهج الحسين نهج دقيق وصعب جِدَّاً، نهج مُصلح، ولكنَّه إصلاح بمُعادلة وموازين صعبة، بحيث إنَّه رغم تطوُّر الفكر البشري - القانوني الثوري - وحتَّى النُّظم والأعراف، لكنْ - وإلى الآن - لم يُسجِّل لنا النهج البشري نهجاً كنهجهعليه‌السلام .

١٧

النهج الذي نهجه سيِّد الشهداء نهجٌ إعجازيٌّ، فسيِّد الشهداء في يوم عاشوراء لم يبدأ بالقتال، ولم يسُدَّ - أصلاً - باب الحوار مع الطرف الآخر. ولو بقوا مع سيِّد الشهداء أشهُراً وسنين لما أغلق باب الحوار معهم، ولما استخدم لُغة العُنف. التقى الحسين (سلام الله عليه) مع الحِرِّ بن يزيد الرياحي، وكان يستطيع أنْ يستأصل جيشه بضربة قاضية ويتَّجه للكوفة، لكنَّه لم يفعل، كما لم يفعل أصحابه، كمسلم بن عقيل، وغيره. يستطيع الكثير أنْ يتجاوز المبادئ والمقرَّارت الشرعيَّة، وينتهز الفُرص مُقابل الدوس على المبادئ، للوصول إلى القدرة.

رفض الحسينعليه‌السلام ذلك؛ لأنَّ هؤلاء الذين في المدرسة الحسينيَّة، روَّاد وطُلاَّب مبدأ، وليسوا طُلاَّب قُدرة، وهذا المبدأ صعب جِدَّاً.

١٨

لم يرفض الحسينعليه‌السلام لغة الحوار، لم يرفض لغة التسالم والسِّلم، لكنَّه لم يُقرَّ معهما على الوضع الفاسد، وعلى هذا الخواء العَفن في روح وجسم الأُمَّة الإسلاميَّة. كذلك الوضع الدولي السائد، مِن عدم التفريط بالسِّلم الدولي، عدم التفريط بالتعايش الدولي، عدم التفريط بالحُرمات الدوليَّة والأعراف الدوليَّة الموجودة، يجب ألاَّ يجعلنا ذلك نُهادن الإباحيَّة الجنسيَّة الصريحة، أوْ نقول: بأنّ الرِّبا الذي يُمارِسه بنك مؤسَّسة النقد الدولي صحيح! بلْ فيه إضعاف، وقصم لظهور الشعوب الفقيرة، وهذا التوزيع الغير عادل في قوانين التجارة، وفي قوانين البنك، والاقتصاد، والملاحة، مِمَّا لا يُمكن الرضا به، وكلُّه يصبُّ في حُلقوم الإقطاع الدولي.

عدم التسليم بهذا - في ذات الوقت - لا يعني أنْ نُفجِّر الأبرياء، أنْ نَهزَّ السِّلم والأمن الاجتماعي لشعوب دولٍ كثيرة، فكما نقتدي بنهج الحسينعليه‌السلام ، لا نُفرِّط ولا نرفض هذه المنجزات البشريَّة، لا نُقرُّ على الوضع الفاسد العَفن، نتلقَّى حوار الشعوب بالترحاب والإكرام، لكنَّنا لا نتلقَّى مجاري الأوساخ، بلْ يجب أنْ نُعالجها لهم، لا أنْ نتلقَّاها: الإباحة الجنسيَّة، التبذُّل، تفكُّك الأُسرة، سقوط الأخلاق، سقوط الجانب الروحي إلى الجانب المادِّي الجافَّ، الذي يحطم الروح.. لا نقبل بذلك كلِّه، و لا نيأس، كما الحسينعليه‌السلام أبيُّ الضيم، الذي أُجريت معه مُساومات كثيرة، مُساومات تِجاه عرضه وماله وحياته وفَلذات كَبده، لكنَّ الحسين لم يقبل أنْ يتراجع أمام النظام الخاطئ والفساد الذي كان موجوداً، ورفض أنْ يكون مِن وِعَّاظ السلاطين.

١٩

يجب علينا أنْ نرفض أنْ نكون مِن وِعَّاظ السلاطين؛ فإنْ كنَّا مِن الذين يُقرُّون و يُقرِّرون هذه السُّلطة - الإقطاع الدولي - نكون حينئذٍ وعَّاظاً للسلاطين، بلْ نرفضهم، ولو خاطرونا بمُقدَّرات كثيرة، ولكنَّنا في حين لا نستخدم لغة العُنف ابتداءً، لُغة الحوار موجودة دائماً، وهنا نصل إلى مَحطِّ البحث في نهج الإمام الحسين (سلام الله عليه).

ظروف الأنبياء و ظروف الخاتم و آله:

لا نعلم في مسيرة الأنبياء، عن أيِّ نبيٍّ مِن الأنبياء، أنَّه سنَّ وبنى وأسَّس مثل هذا الباب في الديانة، مثل الأُمور التي ضخَّها الإمام الحسين (سلام الله عليه) في الوعي البشري، حتَّى أنبياء أُولي العَزم. ولهذا قلنا: إنَّنا نستطيع أنْ نُعبِّر ببرهانٍ قانونيٍّ على فوقيَّة الخمسة أصحاب الكساء، في النهج الذي ضخُّوه في الوعي البشري الدياني على مَن قبلهم مِن الأنبياء و الرُّسل، ففي نموذج النبي إبراهيم - مثلاً - في أهل زمانه خطأ واضح، مُقابل دعوة النبي إبراهيم إلى صواب واضح، لم يكن في الأمر صعوبة كبيرة، عُبدت الأوثان والكواكب، ولم تكن هناك عدالة اجتماعيَّة،

٢٠