الحسين نبراس الإصلاح العالمي

الحسين نبراس الإصلاح العالمي33%

الحسين نبراس الإصلاح العالمي مؤلف:
المحقق: السيد علي جلال الشرخات
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 114

الحسين نبراس الإصلاح العالمي
  • البداية
  • السابق
  • 114 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 53300 / تحميل: 6240
الحجم الحجم الحجم
الحسين نبراس الإصلاح العالمي

الحسين نبراس الإصلاح العالمي

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

لكنْ وإنْ واجه النبي إبراهيم صعوبات في الفكر فهي أمر سهل، أنْ يُبيِّن النبي إبراهيم للبشريَّة طريق الصواب بين طرق الخطأ والضلال والتعاسة. كذلك النبي نوح، وكذلك النبي موسى، في دعوته لفرعون وقومه. الأمر فيه شيء مِن التعقيد عند النبي عيسى، في الخطوة التي تقدَّم بها مُقابل الدَّجل الديني في السياسة عند علماء اليهود، والأمر أكثر تعقيداً فيما واجهه خاتم الأنبياء؛ ومِن ثَمَّ فالدور الذي قام به خاتم الأنبياء في ظلِّ ظروف مُعقَّدة في التطوُّر البشري، لم يَقُم به نبيٌّ مِن الأنبياء قطُّ؛ لأنَّه واجه شرعيَّة تتوشَّح بها قريش، فتسلَّحت بأنَّها على لون المِلَّة الإبراهيميَّة الحنيفيَّة، وخاطبت سيِّد الأنبياء بأنَّه صبَّأ فتية قريش ومرَّقهم عن الديانة الإبراهيميَّة الحنيفيَّة، وكان لديهم تسلُّح بالشرعيَّة مثل بيت الله الحرام، والكعبة ونحوها، وتسلَّح بكونهم أهل جوار بيت الله، ومِن نَسل إبراهيم الخليل. كانوا يتلبَّسون بألبسة مِن الشرعيَّة، التي قد تُغفِل الطرف الآخر، في ظِلِّ هذا التعقيد، لكنْ ومع ذلك، اختطَّ خاتم الأنبياء هذا النهج، نهج صراط السماء.

٢١

وسيِّد الشهداء (سلام الله عليه) مِن بعد أبيه وأخيه، واجه ما هو أكثر تعقيداً؛ لأنَّه كان في ظِلِّ شرعيَّة تُدعي الشرعيَّة الإسلاميَّة، و أنَّها شرعيَّة خاتم الأديان، وأبرز ما بناه سيِّد الشهداء مِمَّا لم يَبنه الأنبياء السابقون - بالطبع غير جَدِّه سيِّد الأنبياء وأبيه سيِّد الأوصياء و أخيه سيِّد الأسباط -، فأبرز شيء بناه سيِّد الشهداء هو إثارة الوعي في التحسُّس والإحساس حول الشرعيَّة. فما المقصود بالشرعيَّة؟

نقول: هذا شرعيُّ أو غير شرعيٍّ، الخروج عن الشرعيَّة السائدة هو أمر لا شرعي، أو أنَّ هذه الشرعيَّة مُتلِّونة بالشرعيَّة، فيجب القضاء عليها بأُسلوب سلمي إلى أنْ يُبيِّن مقدار الزيف ومقدار الصِحَّة فيها.

٢٢

تحسُّس الشرعيَّة:

أبرز الأُمور التي سنَّها سيِّد الشهداء للقانون الدولي، وللوعي البشري الإنساني، الذي تتعطَّش إليه البشريَّة الآن، هو إثارة الإحساس البشري والتساؤل البشري حول الشرعيَّة، وهو أبرز ما تتعطَّش له البشريَّة أيضاً بالنسبة لمدرسة سيِّد الشهداء ونهجهعليه‌السلام ، وأنَّه يجب على الشعوب إثارة السؤال حول شرعيَّة هذه الشرعيَّة الدوليَّة المزعومة، أنْ تبدأ البشريَّة بالنِقاش وإثارة السؤال حول شرعيَّة هذا النظام الدولي المطروح وهذه القوانين المطروحة التي لا تسمح للشعوب الفقيرة، ولا تسمح للشعوب الغربيَّة المكبَّلة بهذا النظام الإقطاعي الرأسمالي السوقي أيضاً، بأنْ يفتحوا أعيُنهم، أو يوقظوا أسماعهم، بالالتفات إلى كيفيَّة استطاعتهم للتغيُّر، فهم مُكبَّلون، وأيُّ مُنادٍ بالتغيير لهذا النظام السائد، يُقالُ بخروجه عن الشرعيَّة الدوليَّة، وتحوُّله إلى نهج لا شرعي. وهي المشكلة في الإقطاع الدولي الآن، الذي استطاع أنْ يُيئس حركة التغيير البشري، سِيَّما بريادة المسلمين، والخطوة التي نجح فيها مع الأسف، أنَّه قَدَّم نموذجاً إصلاحيَّاً إسلاميَّاً، كنموذج الخوارج، ليقولوا: (انظروا إلى المسلمين، يُريدون التغيير، ولكن بنموذج الخوارج الذي يُفرِّط بكلِّ الحُرمات وبكلِّ المكاسب)، ومِن ثَمَّ تتشوَّه صورة الإسلام لدى شعوب العالم وشعوب الغرب، ويتزعزع أمامهم القول: بأنَّ الحلََّ كامنٌ في دين الإسلام، وفيما يطرحه نظام الإسلام، ورُبَّما هذه مِن أقوى الضربات القاضية، ولكنْ هيهات لهذا الإسلام العملاق، ولصاحب الزمان، أنْ ينكسر.

٢٣

فإذاً، كان الحَجر الأساس في مدرسة الحسينعليه‌السلام هو إثارة الوعي البشري حول الشرعيَّة، والتساؤل حولها عَمَّا إذا كانت صحيحة أم مُزيَّفة. إذا أردنا أنْ نغوص في هذا الملفِّ وهذا البند، فقد تميَّزت مدرسة أهل البيت في هذا النهج بشكل مُركَّز جِدَّاً، هو التساؤل حول الشرعيَّة، وهذا تَحَدٍّ قانونيٌّ، فلسفيٌّ، تَحَدٍّ بلحاظ علوم الاجتماع، تَحَدٍّ علميٌّ، تاريخيٌّ، أديانيٌّ، تَحَدٍّ إداريٌّ - بحسب علوم الإدارة -، وتَحَدٍّ بحسب علوم مُختلفة. إنَّك لن تجد مذهباً كمذهب أهل البيت، أكثر تحسُّساً حول الشرعيَّة، في تساؤله عن مصدرها وعن وجهة مسارها.. لن تجد في المسيحيَّة، ولا في القانون البشري الجديد، ولا في الأُمَم المتَّحدة، فحتَّى بنود الأُمَم المتَّحدة في مجالاتها المختلفة، لا تُثير في الوعي البشري التساؤل حول الشرعيَّة، بقدر مذهب أهل البيتعليهم‌السلام ؛ لذا فإنَّ بصمات مدرسة ومذهب أهل البيت فريدة جِدَّاً؛ لأنَّه دين السماء، وهو دين الأنبياء الصحيح.

٢٤

شرعيَّة عَلاقتك مع الله:

يُثير هذا المذهب التساؤل حول الشرعيَّة حتَّى في علاقتك مع الله (سبحانه و تعالى)، كما يقول الصادق مِن آل محمد في كتاب الكافي: بأنَّه حتَّى تسليمنا لله (عَزَّ وجَلَّ) - وهذا الذي تطرحه الحداثويَّة الجديدة، هُمْ يطرحون هذه المدارس، ظَنَّاً منهم أنَّهم يُدركون العقل الإسلامي - حتَّى في عَلاقتك مع الله (عَزَّ وجَلَّ)، قال الإمام الصادقعليه‌السلام :(إنَّ أوَّل الأُمور ومبدأها وقوَّتها وعمارتها التي لا ينتفع شيءٌ إلاَّ به العقل، الذي جعله الله زينة لخلقه ونوراً لهم، فبالعقل عَرف العباد خالقهم، وأنَّهم مَخلوقون، وأنَّه المدبِّر لهم، وأنَّهم المدبَّرون، وأنَّه الباقي وهم الفانون، واستدلُّوا بعقولهم على ما رأوا مِن خَلقه، مِن سمائه وأرضه، وشمسه وقمره، وليلة ونهاره، وبأنَّ له ولهم خالقاً ومُدبِّراً لم يزل ولا يزول، وعرفوا به الحَسَنَ مِن القبيح، وأنَّ الظُّلمة في الجهل، وأنَّ النور في العلم، فهذا ما دلَّهم، عليه العقل) (١) ،

____________________

١ - تكملة الحديث الشريف: (قيل له: فهل يكتفي العباد بالعقل دون غيره؟

قال:(إنَّ العاقل لدلالة عقله الذي جعله الله قوامه وزينته وهدايته، علم أنَّ الله هو الحَقُّ، وأنَّه هو ربُّه، وعلم أنَّ لخالقه مَحبَّة، وأنَّ له كراهيَّة، وأنَّ له طاعة، وأنَّ له معصية، فلم يجد عقله يدلُّه على ذلك، وعلم أنَّه لا يوصل إليه إلاّ بالعلم وطلبه، وأنَّه لا ينتفع بعقله، إنْ لم يُصب ذلك بعلمه، فوجب على العاقل طلب العلم والأدب الذي لا قوام له إلاَّ به) الكافي ج ١ ص ٢٩.

٢٥

ليس عقلك مُغلقاً، وليس فِكرك أصمَّاً، ولا وجدانك، بلْ يجب أنْ تُحكِّم بني عقلك و صميم قلبك، وهذا غير مطروح في اليهوديَّة و المسيحيَّة المحرفتين طبعاً؛ لأنَّ ما بُعث به الخاتم هو ما بُعث به جميع الأنبياء، فهو دين واحد وإنْ اختلفت الشرائع، بكون التفاصيل الجزئيَّة مُختلفة لكنَّ الأُسس واحدة، والشرعيَّة الدولية المنتهجة والمذاهب الإسلاميَّة الأُخرى، والبوذيَّة والسيخيَّة وغيرها، فَتِّش فيها، ولن تجد ديانة يحملها روَّاد كأئمَّة أهل البيتعليهم‌السلام مُنادين بفتح الفكر والعقل، حتَّى في عَلاقتك مع ربِّك، فضلاً عن عَلاقتك مع نبيِّك.

٢٦

شرعيَّة علاقتك مع نبيِّك:

لا يعني الاتِّباع والخضوع للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عدم السماح بالمساءلة، فالمساءلة شيء والرفض الأعمى والعناد والتكبُّر شيء آخر، والتساؤل شيء والإباء والرفض النزوي شيء آخر. كلامنا في التساؤل، حتَّى في العَلاقة مع سيِّد الأنبياء، بلْ مع الأنبياء جميعاً، ليس هناك غلق للفكر البشري، فبحث الشرعيَّة مطروح، (مِن أين؟ وكيف؟ وإلى أين؟)، وحتَّى في علاقتنا مع أئمَّتناعليهم‌السلام ، بالنظر إلى سيرة أتباع أهل البيت، لا نراهم عَمياويِّين في اتِّباعهم لأئمَّة أهل البيتعليهم‌السلام .

٢٧

رصد شعبيٌّ عجيب أوَّلاً لسيِّد الأنبياء، سيِّد الأنبياء الذي أوجد فلسفة تسع زوجات، وهؤلاء التسع زوجات في الواقع، هي عيون خبريَّة لشعوب وقبائل مُختلفة، حول الوضع الداخلي لسيِّد الأنبياء، مِن مصر، ومِن شمال الجزيرة، ومِن وسط الجزيرة، ومِن جنوب الجزيرة، فهؤلاء النساء في الحقيقة قنوات خبريَّة ترصد سيِّد الأنبياء، في حركته حتَّى الداخليَّة، البيتيَّة، وفي صدق مصداقيَّة نبوَّته و سؤدده على الأنبياء في مُمارساته و سلوكه الخفيِّ؛ لأنَّ الإنسان - غالباً - مثل الرؤساء أو عظماء التاريخ، سلوكهم في الظاهر شيء، وسلوكهم في البيت مع الأُسرة شيء آخر، والكثير منهم عِبْر الإعلام شيء، وفي الواقع الخارجي شيء آخر.

له تسع زوجاتصلى‌الله‌عليه‌وآله ! وفي الواقع لا يستطيع الإنسان التوفيق بين الاثنتين والثلاث والأربع، فكيف بالتسع مع سيِّد الأنبياء؟! وكيف لم يختلَّ تدبيره الإداري معهنَّ؟! إنَّ عهده (عليه وآله الصلاة والسلام) إعجاز حتَّى في الإدارة والتدبير.

٢٨

مع هذه المسؤوليَّات الضخمة الجبَّارة، التي كانت على كاهل سيِّد الأنبياء، مِن إقامة دين جديد، ودعوة الأُمَم المختلفة إلى ديانة الإسلام، وتدبير الدولة الإسلاميَّة، وتربية المجتمع( وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ) (١) ، ومِن جهة تسع زوجات، كيف الوفاق بينهن؟!! هو إعجاز في الإدارة والتدبير، بحيث لم يشهد المسلمون شكاية ولا عَرْكَة داخليَّة أُسريَّة. هو كلُّه مُراقبة وضعها الله (عَزَّ وجَلَّ) ليُقيم الحُجَّة على البشر، عِبر شهودهم تدبير سيِّد الكائنات وإدارته وقيادته وخلقه:( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) (٢) .

____________________

١ - سورة الجمعة آية ٢

٢ - سورة القلم آية ٤

٢٩

شرعيَّة علاقتك مع إمامك:

وكذلك كان شيعة أهل البيت مع أئمَّتهم، فلم يكن إمام مِن الأئمَّة، يقفز على البيِّنات أو الإثباتات العلميَّة، أو التجسُّم العلمي. مدرسة أهل البيت في علاقتها مع أئمَّتها، هي علاقة العقل المفتوح، بالبرهان وعدم التعامي عن البيِّنات. ولم يكن النوَّاب الخاصُّون للحُجَّة (عجَّل الله فرجه الشريف) في الغيبة الصُّغرى، يتسلَّمون هذا المنصب عبثاً، بلْ كان فُقهاء الشيعة وعلماؤهم والشيعة تَرْقَبهم، وترصدهم، في كلِّ خُطوة يخطونها، وقد وثَّقهم الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام ، فلا بُدَّ - قطعاً - أنَّ سند الوثاقة ومُستنداتها باقية معهم.

٣٠

شرعيَّة علاقتك مع مرجعيَّتك:

تؤهَّل المرجعيَّة الشيعيَّة وفقهاء الشيعة تحت شرائط مُعيَّنة للمرجعيَّة والفقاهة، ولابُدَّ مِن توافر الشرائط لهم استمراراً لبقائهم، فبتعبير أحد المحقِّقين الفُقهاء في الحوزة العلميَّة في قُمْ: (رُبَّما قَلَّ نظيره في مجموعة بشريَّة اجتماعيَّة، أنْ تَرصِد و تُراقِب قيادتها كرصد الطائفة الشيعيَّة لمراجعها، ومِن قبل لأئمَّتها). كلُّ فئات المجتمع ترصده، وتُراقبه، تلتحم معه، وتُباشره، في السَّراء وفي الضراء وفي سلوكه الداخلي أو الخارجي، ثمَّ يؤهَّل لقيادة الطائفة الشيعيَّة، نيابةً عن المعصوم.

أيُّ فئةٍ مِن المجتمعات البشريَّة تُمارس هذا الترشيح والمراقبة، والدراسة والامتحان كما في الشيعة، حتَّى إنَّ الإعلام لا يُنجز ذلك، وهُمْ أشدُّ تحسُّساً، فلديهم قضيَّة المرجعيَّة، بلْ لابُدَّ أنْ يكون إمام الجماعة - كما في شرائط مدرسة أهل البيت - عادلاً، ورجل الدين كذلك، فهو إنْ كان مُنكبَّاً على باب السلطان فهو طالب دنيا، أمَّا إنْ كان مُعرضاً عن باب السلطان الذي هو يأتي إليه، فهو طالب آخرة، ومِن هذا القبيل.

٣١

قَلَّ نظير تحسُّس الشرعيَّة في المذاهب غير مذهب أهل البيتعليهم‌السلام ؛ لذلك فالمذاهب الأُخرى تشطب على حُجِّيَّة العقل، مثل مذهب السلفيَّة (الوهابيَّة) أو حتَّى المذاهب الأُخرى، العقل أيضاً يُحاسَب في المذهب الشيعي، بالقلب والوجدان. مُراقبة مصدر الشرعيَّة على مصدر آخر؛ لأنَّ قوى الإنسان المختلفة في التفكير أو في تحديد الرؤية، تُراقِب بعضها البعض برؤية مدرسة أهل البيتعليهم‌السلام ، و إلاَّ فالعقل الظنِّي أو النظري التجريدي الحدسي التخميني، لا يجعل الإنسان يُسلِّم زمام قيادته لأحد، فإنْ كانت له تجربة - مثلاً - يستخلص منها نظريَّة ظنيَّة، لا يستطيع أنْ يؤسِّس عليها رؤية، وهو نوع مِن التثبُّت في مدرسة أهل البيتعليهم‌السلام ، فلابُدَّ مِن الإثبات، ولا يُمكن البناء على نظريَّات حدسيَّة مِن دون تثبُّت؛ ولذلك بحث الحُجِّيَّة وعدم الحُجِّيَّة، وبعبارة أُخرى نستطيع أنْ نصل إلى نفس بحث الإمامة والقيادة.

٣٢

الحساسيَّة حول الإمامة:

يُقال: كثيراً ما تُثيرون - أنتم أتباع مذهب أهل البيت - حساسيَّة حول الإمامة. وفي الواقع إنَّ إثارة الحساسيَّة حول الإمامة هي حول الشرعيَّة، فإذا خَمد في وعي الشيعة هذا التحسُّس تحت عناوين وشعارات مُغفَّلة، اعلموا أنَّ وعينا قد خَمد، والبحث في الإمامة موقع رامز للبحث حول الشرعيَّة.

لا تجعلك مدرسة أهل البيتعليهم‌السلام مُتعامياً تمشي لا تدري مِن أين جئت وإلى أين تذهب؟ فالتساؤل المطروح دائماً هو: مِن أين؟ وإلى أين؟ وكيف؟ هذا هو الذي نُريده في هذا البحث، إذا أردنا أنْ نكون شيعة للحسين، كيف نوصِّل؟ وكيف نُربِّي المجتمع الدولي والشعوب الدوليَّة برسالة الحسينعليه‌السلام ، وأنْ لا نكون نحن في خطواتنا - و العياذ بالله - أعداءً لسيِّد الشهداء في حركته؟ هو مُنقذ البشريَّة بحركته مِن بُراثن الشرعيَّة المزيَّفة، نتساءل هنا: هل نحن دُعاة لهذه المدرسة؟ أم أنَّنا - والعياذ بالله - نوجد خمود هذه المدرسة؟ هذا ما سنواصل الحديث فيه إنْ شاء الله، مع تكملة البحث والتحسُّس حول الشرعيَّة.

٣٣

التحسُّس حول شرعيَّة البديل:

مِن الأُمور التي سنَّها سيِّد الشهداء - أيضاً - لجميع البشريَّة مِن أتباع الديانات، التحسُّس حول الشرعيَّة في البديل. رُبَّما هناك خَطٌّ إصلاحي، أو جماعة إصلاحيَّة بشريَّة تُشخِّص الداء في النظام البشري أو النظام الاجتماعي، لكنَّها تغفل عن تشخيص الدواء والعلاج، فتخوض في مُعالجة الداء، وتُنكِب وتُبلي الجسم البشري بداءٍ هو أكثر عيَّاً، فيستفحل داءُ البشريَّة أكثر مِمَّا هو عليه.

إذاً؛ فتشخيص الفساد في النظام البشري، وتشخيص المرض والإحساس بضرورة التغيير، هو بمُفرده ليس كافياً؛ لأنَّ الإنسان يَشرع له أنْ ينتهج خَطَّ الإصلاح الصحيح؛ كي يكون إصلاحاً، لا إفساداً أكثر مِمَّا هو عليه الفساد القائم، وهذا أمر يغفل عنه الكثير مِن الإصلاحيِّين - مع الأسف -.

٣٤

تميَّز سيِّد الشهداء (سلام الله عليه) عن بقيَّة الإصلاحيِّين في تاريخ البشريَّة، وعمَّن أتى بعده حتَّى يومنا هذا، هو في هذا البُعد مِن التحسُّس في الشرعيَّة. التحسُّس في الشرعيَّة لا يعني فقط التحسُّس مِن شرعيَّة النظام القائم، بلْ إنَّ هناك تحسُّساً لأمر رُبَّما لا يقلُّ خطورة، وربَّما يزيد خطورة عن التحسُّس والتساؤل عن شرعيَّة النظام الذي يعيش فيه البشر، فالتحسُّس وإدراك أهميَّة وخطورة البديل في منطق سيِّد الشهداء ومنطق أهل البيتعليهم‌السلام ، يفوق تشخيص نفس الداء أهميَّةً، وقد عاشت البشريَّة الكثير مِن دُعاة الإصلاح، لكنَّها بُليت بفساد أكبر مِن سابقه.

٣٥

مِثال على عدم التحسُّس حول البديل:

عاشت البشريَّة في القَرن الأخير دعوات الإصلاح، كالشيوعيَّة والاشتراكيَّة، شخَّصت الداء إجمالاً، فأخبرت بوجود مرض سرطانيٍّ في الرأسماليَّة، في نظام السوق، إلاَّ أنَّها لم تُشخِّص الدواء والعلاج. قد تُشخِّص أنت وجود الداء، ووجود العدوِّ، ووجود ما يجب تغييره في أيِّ بند مِن بنود النظام البشري الحاكم على البشر، أو الحاكم على المجتمع، سواء في أشخاصه التنفيذيِّين أم في نظامه التشريعي، أم في برنامجه القضائي أم أيِّ برنامج آخر، قد يُشخِّص الإنسان إجمالاً وجود الفساد، لكنْ مِن الأهميَّة بمكان، التفكير في رُفقاء الإصلاح، فمَن تُرافِق أنت في نهجك الإصلاحي؟ وأيُّ برنامج تتبنَّى وتتَّخذ بديلاً في الإصلاح؟

٣٦

أدركت الشيوعيَّة أنَّ هناك إقطاعاً مُدمِّراً للمجتمع، يوجب رزح عموم المجتمع تحت سطوة الإقطاعيِّين وقراصنة المال، لكنَّهم أرادوا أنْ يُعالجوا الداء بما هو أدهى، وهذا الذي حدث؛ فعاشت البشريَّة عقوداً مِن السنين، ورُبَّما قرابة القَرن، ثمَّ تبيَّن لها أنَّ هذا العلاج مُفسد أكثر مِن فساد الرأسماليَّة.

مَرَّ بنا أنَّ الخوارج، وحتَّى النماذج الأُخرى المطالبة بالتغيير، قد لاحظوا بُقعة فساد في النظام الاجتماعي، واستهدفوا إصلاحها بكلِّ حماس، لكنْ بنحو جعلهم يُفرِّطون ببيت البشريَّة، كما أنَّ الإنسان الذي يرى جانباً مِن الحائط يوشك أنْ ينقضَّ، ويُريد أنْ يتداركه، لكنَّه بهوجائيَّة مُعيَّنة يهدم بقيَّة الجدار! فيكون إفساده هذا أكثر مِن إصلاحه، فهو وإنْ سمَّاه إصلاحاً لكنَّه في الواقع إفساد، وأعمى بذلك العين بدل أنْ يُكحِلها.

٣٧

فإذاً، التحسُّس حول شرعيَّة نفس بنود الإصلاح، ورسميَّة وشرعيَّة الإصلاح البديل أمر مُهمٌّ جِدَّاً، وهذا ما أثاره سيِّد الشهداء في مدرسته ونهجه بشكل مُؤكَّد ومُغلَّظ وبتحسُّس كبير، ومِن ثمَّ كان أعضاء البطولة في حركة سيِّد الشهداء مُتقيدين بالمبادئ، لا يتهاونون ولا يُفرطون في مبدأ مِن مبادئهم؛ لأنَّ هذا البرنامج الإصلاحي لديهم أهمُّ مِن مُجرَّد قلع الفساد، فأنت إنْ قلعت الفساد ووضعت مرضاً أدهى بدلاً عنه، أنكبت بذلك البشريَّة وأنكبت النظام الاجتماعي. لذا نرى مبدأه هذاعليه‌السلام في كلِّ حركاته وسكناته وخطواته، وهذا نهج أبيه سيِّد الأوصياء وجَدِّه مِن قَبلُ سيِّد الأنبياء.

التحسُّس في الشرعيَّة وفي البنود البديلة أمر هامٌّ جِدَّاً، وأهميَّة التفكير في الدواء تفوق أهميَّة التفكير في الداء، كثير منَّا يُفكِّر في الداء، عندما يستهوينا الإصلاح وتغيير ذلك الداء وذلك الفساد، ونتغافل أو نتناسى ونعيش سُبات لذَّة الإصلاح والتغيير السريع دون أنْ نشرع البديل الصالح، المعالج للكلِّ.

قلَّما نرى مدرسة بشريَّة إصلاحيَّة أو خطَّاً إصلاحيَّاً بشريَّاً في دول عديدة تأتي بالبديل الصالح، أو تُفكِّر أو تولِي أهميَّة عظيمة للبديل، تفوق تشخيص الداء، بينما كان هذا نهج سيِّد الشهداء، وفي الواقع هو نهج مدرسة أهل البيت وأتباع مدرسة أهل البيت، فهذا التحسُّس فائق الوجود عندهم، وقد طالعتنا الأحداث الأخيرة بذلك الأمر حتَّى عند شيعة العراق.

٣٨

موقف المرجعيَّة الدينيَّة وشيعة العراق:

قدَّمت مرجعيَّة العراق وشيعته خلال مُخاض، نماذج عِدَّة نَيِّرة لمدرسة أهل البيتعليهم‌السلام ، عندما بدأ العدوان الأمريكي على العراق مِن جانب، وكان الطاغية صدام مِن الجانب الآخر، فأصبحوا في موقف بين المطرقة و السِندان.

هناك صيحات مِن فِئات إسلاميَّة عديدة، صاحت بالمرجعيَّة الشيعيَّة، ونادت شيعة العراق، مُسائلةً عن موقفهم تجاه هذا العدوان، هذا الاحتلال. ورُبَّما نحن أيضاً - شيعة البحرين - لم نُشخِّص الرؤية التي شخَّصتها المرجعيَّة الشيعيَّة بذلك الوعي، عندما تختلط الأوراق يصعب إبصار الطريق - ذكرنا أنَّ عظمة سيِّد الأنبياء وسيِّد الأوصياء وسيِّدي شباب أهل الجَنَّة كانت؛ لأنَّهم واجهوا تعقيداً في النظام الاجتماعي البشري، ليس نظير الحياة البدائيَّة البشريَّة في زمن النبي إبراهيم ونوح وموسى وعيسى - على نبيِّنا وعلى آله وعليهم السلام - هنا تعقيد، وإلى يومنا يزداد التعقيد أكثر فأكثر، وهذه عظمة الإصلاح الذي سيقوم به مهدي آل محمّدٍ (صلوات الله عليه) - تختلط الأوراق فيصعب عليك تشخيص الدواء - فضلاً عن تشخيص الداء - أين الداء؟ وأين الدواء؟ أين الدواء الشرعي ذو الصلاحيَّة؟

٣٩

القانونيَّة الطبيَّة للإصلاح:

هتف الكثير بالطعن في موقف شيعة العراق، لكنَّه كان موقفاً ذكيَّاً بين سَبْعَينِ يتصارعان، كان شيعة العراق في جملة مِن مواقفهم، يُدافعون عن حُرمات وطنهم، لكنْ بنحو لا يصبُّ في مصلحة السبع الضاري صدام والبعثيِّين، وهذا تشخيص دقيق، كثير مِن المنظِّرين الإسلاميِّين نادوا: (هيَّا بكم، انضووا تحت راية صدام والبعثيِّين! حتَّى ندفع السبع الأكبر أمريكا - على الأقل -!)، رُبَّما استهوت هذه المقولة بعضاً منَّا أتباع مذهب أهل البيتعليهم‌السلام ، فمِن أجل عدم التضحية بالعراق، لننضوِ تحت راية صدام والبعثيِّين، لكنَّ الموقف الحكيم للمرجعيَّة والشيعة في العراق كان أبصر وأنفذ مِن هذا التحليل؛ لأنَّ المعركة الضروس لم تكن قد حُسمت بعد بين السَّبْعَين، والدخول فيها سيؤدِّي بهم ضحيَّة لسَبْع أو سَبْع آخر؛ لذا فالموقف النموذجيّ والمثاليّ، كان أنْ تواجِه بطريقتك السبع الآخر بعد أنْ تُحسم المعركة بين السَّبْعَين، حين يتفرَّد لك الميدان.

٤٠

هجوم على الشيعة:

أُطالع لكم بعض الكلمات التي أطلقها البعض، ندَّد فيها بالجمهوريَّة الإسلاميَّة وبحزب الله - فضلاً عن استهدافه الأوَّل للمرجعيَّة الشيعيَّة والشيعة في العراق - لاحظ الكلمات في تحليله، كنموذج على أنَّنا إذا لم نُشخِّص الدواء، فالداء ليس أهميَّة تشخيصه بذي أهميَّة حاسمة. شخَّصنا داء العدوُّ الأمريكي، الذي يُهاجم العراق، والذي أغراه بهذا الطريق هو نفسه النظام الطاغية، في هذه المِحنة والفتنة والدوَّامة، الكثير رأى في نفسه ذا بصيرة سياسيَّة وبصيرة قانونيَّة وبصيرة واعية بالمنطقة، وشخَّص حينئذٍ الوقوف أمام العدوان الأمريكي، هذا أمر مُسلَّم به بالطبع، إنَّما القول - عندما أقف أنا هذا الموقف -: أليس له تداعيات أُخرى؟ ألا يصبُّ في مجرى آخر؟ وما شرعيَّة هذا الموقف؟

٤١

لاحظوا بعض التعبيرات التي أقرأها لكم مِن مقالة نُشرت في أماكن كثيرة، يقول - مُخاطباً الشيعة -: (هل كان الحسين مُستعدَّاً للاستعانة بالروم لتحرير بلاد الإسلام مِن ظلم يزيد؟!). ذهب بنا إلى نفس نهج الحسينعليه‌السلام ، فقال: هل يضع الحسينعليه‌السلام هل يضع يده مع الروم لقلع نظام يزيد؟ في الواقع، هذا أحد التساؤلات أو الطعون، التي يُريدون إثارتها حول عليٍّعليه‌السلام أو حول الحسينعليه‌السلام ، فكيف يذهب أمير المؤمنين أو سيِّد الشهداء إلى إصلاح الوضع الداخلي والحال أنَّ الحدود الإسلاميَّة مُهدَّدة؟!

أحد الأُمور التي يُسجِّلونها كمأخذ أو كتساؤل حول أمير المؤمنين وحول سيِّد الشهداء، عن عكوف عليعليه‌السلام على الإصلاح الداخلي، ولم يتوجَّه إلى التوسُّع في الدولة الإسلاميَّة، وإنْ كان كلُّ تخطيط الفتوحات مِن أمير المؤمنينعليه‌السلام في ملفَّات تاريخيَّة وُقِف عليها أخيراً، إلاَّ أنَّ الكلام تَركَّز على نهج أمير المؤمنين في إصلاح الداخل، فلم يعبأ بذريعة التهديد الموجود عند الثغور والحدود الإسلاميَّة، واتَّخذ لها موازنةً أُخرى، تحت هذه الذريعة، حتَّى إنّ البعض مِمَّن حول أمير المؤمنين أشاروا عليه بإبقاء مُعاوية، وبعد ذلك يتَّخذ تدبيراً آخر، مثل هذه الإدارة ومثل هذا التدبير، يراه أمير المؤمنين موجباً نهجاً عَفناً في سُنَّة هذه الأُمَّة الإسلاميَّة؛ لأنَّ أفعالهم سُنَّة (سلام الله عليهم)، فإذا سَنَّ مثل هذه السُّنَّة، ستكون سُنَّة إلى يوم القيامة للتفريط بالمبادئ، ولعدم التشدُّد بمبدئيَّة المبادئ، ولتبرير الغاية نمط الوسيلة.

٤٢

٤٣

الإصلاح الداخلي أوَّلاً:

فعكف مِن ثَمَّ على الإصلاح الداخلي، كما هو الحال في نهج الحسين (سلام الله عليه)؛ لأنَّه بالخروج كان سيُدافع عن هيكل قشري لا جسم، أمَّا الفتوحات فكانت فتوحات إزالة الكفر، بلا بديل، فلا يبقى مِن الإسلام شيء إلاَّ رسمه. هلْ البديل هو ما انتهجه الخُلفاء الأوائل مِن التفرقة في العطاء بين العربي وبين غير العربي(١) ، ومنع غير العرب مِن التزوُّج بالعرب، كانت هذه سُنَن الخُلفاء المتقدِّمين، ما هو البديل؟

____________________

١ - راجع مِن حياة الخليفة عمر بن الخطَّاب ص ١٨٠ – ١٨٢.

٤٤

منع الخليفة الثاني غير العرب مِن الدخول للمدينة المنوَّرة؟! والتفرقة في الضمان الاجتماعي والكفالة الاجتماعيَّة بين القرشي وغير القرشي، وبين المهاجر وغير المهاجر؟! كانت الطبقيَّة على قَدمٍ وساق، وهي الطبقيَّة ذاتها التي كانت في الجاهليَّة، عادت مَرَّة أُخرى تحت راية التشهُّد بالشهادتين، وهي خاوية مِن بنود الشهادتين وبرنامجها. لم يُفكِّروا في البديل: (لماذا ندعو الأُمَم؟ وللدخول في ماذا؟ وما هو البديل؟)، بلْ نظروا إلى القِشر فقط! ليست الخُطوة التي تخطوها هي المهمَّة فقط، إنَّما المهمُّ ما يترتَّب على هذه الخُطوة، وإنْ كانت خُطوة إصلاحيَّة، فما الذي يترتَّب عليها؟ ولدى أهل البيت تحسُّس شديد مِن ذلك. لذا نُجيب هذا المهاجم بهذا الجواب.

٤٥

دمج مصير الإسلام بالسُّلطان:

مِن ضمن تعبيراته: (نحروا العراق مِن أجل أنْ ينحروا صدام.. ورفضوا كون العراق هو صدام وصدام هو العراق). هذا دمج بين مصير الإسلام والسلطان، وهو الداء الأعظم الذي وقعت فيه المذاهب الإسلاميَّة الأُخرى، وتميزت به مدرسة أهل البيتعليهم‌السلام ، بعدم ربط مصير السلطان بمصير الإسلام، وكذلك نقول: بعدم ربط مصير السِّلم البشري بمصير الأُمَم المتَّحدة، أو مصير السِّلم والتطوُّر البشري بمصير القوى العُظمى في العالم، فالتفكيك بين هذه المغالطات في الفكر الإصلاحي القانوني البشري أمر ضروري، وهذا ما لا يكاد يعيه غير مذهب أهل البيت، ببصيرة نافذة طبعاً، فسيِّد الشهداء قام للتفكيك بين مصير الإسلام ومصير السلطة القائمة.

٤٦

المشكلة في النُّخبة المثقَّفة الإسلاميَّة:

مُشكلة الأُمَّة الإسلاميَّة ليست مُشكلة فساد الحُكم فحسب، إنَّما المشكلة في وجود البديل عنهم. هي إحدى المشاكل المهمَّة بالطبع، وليس هذا تبريراً لبقاء الفساد في إدارة الحُكم، لكنَّنا إنْ كنَّا نُريد أنْ نستبدل بما هو أدهى، فهي مُشكلة.

وليست هذه دعوة لدعم لليأس عن الإصلاح، وإنَّما يجب أنْ يكون تفكيرنا مُنصبَّاً في بديل، بدرجات فائقة عميقة علميَّة، أكثر مِن تفكيرنا في الداء فقط. فمثل هذا القائل الذي يتصدَّر، تنظيم إسلامي عريق، مِن تنشئة الشيعة طبعاً، فتنشئة إخوان المسلمين شيعيَّة الأصل، لأنَّهم مِن حسن البنَّا، مِن رعيل محمد رشيد رضا، ومحمد رشيد رضا مِن رعيل محمد عبده، ومحمد عبده مِن تلاميذ أسد الدين جمال الدين الأفغاني، وكذلك الحال في حزب التحرير الذي تأسَّس في الدول العربيَّة. هذه الحركات الإصلاحيَّة هي في الواقع مِن إشعاع الشيعة، وإشعاع مدرسة أهل البيتعليهم‌السلام ، حتَّى الحَجر الفلسطيني الذي يُرمى على إسرائيل لا يخلو مِن تأثُّر مِن إشعاعات شيعة جنوب لبنان، وشيعة إيران.

٤٧

الإشعاعات الإصلاحيَّة هي دوماً مِن مدرسة أهل البيتعليهم‌السلام ، لكنْ لننظُر إلى البديل، هذا يقود تيَّاراً إصلاحيَّاً وله تداعياته على الدول الأُخرى، له هذا التفكير، الذي يربط مصير السلطة بمصير الإسلام، ومصير البلاد بمصير السلطة. أحقٌّ هذا التعبير الذي يُعبِّر به؟ ولسنا في محلِّ نبزٍ بالألقاب، فنحن بعيدون عن هذا، لكنْ أيُّ سُنَّة هذه؟ هل هي السُّنَّة النبويَّة أم سُنَّة السلطان أم سُنَّة الخلافة؟ وأيُّ جماعة؟ فالمجتمع الدولي الآن جماعة! إنَّ الجماعة هُمْ مَن كانوا مع الحَقِّ، وإنْ قلُّوا، وليست الجماعة هي الكثرة، وإلا فالعُرف الدولي السائد الآن هو الكَثرة الكاثرة، وأكثر مِن المسلمين.

ليست السُّنَّة هي الجماعة والإجماع، إنَّما السُّنَّة سُنَّة الحَقِّ، سُنَّة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله و أهل بيتهعليهم‌السلام ، و بعبارة أُخرى، البرنامج الصحيح البديل، لا التعارف الموجود والرضى بالوضع السائد، ومعنى هذا، إنْ قلنا: (سُنَّة الجماعة)، فيعني ذلك الإقرار بالوضع السائد!

فالمشكلة عندهم - إلى الآن - أنَّهم يخلطون في وعيهم وتفكيرهم السياسي، بين مصير الدين والأُمَّة ومصير السلطان، ويعتقدون أنَّ مصير الأُمَّة ونجاتها حلقة في عُنق السلطان. هذا خطأ، إلى الآن، مع أنَّ هذه حركات تحرُّريَّة تُنادي بالإصلاح.

٤٨

نُصرة السُّلطان عندهم مِن نُصرة الإسلام:

تعبير آخر للقائل المعترض يقول: (ولو كان العراق أعزَّ عليهم مِن أحقادهم على صدام...)، ويوظف بهذا الدفاع عن الإسلام والوطن لنُصرة السلطان الجائر، ولا يُفكِّك بين الأوراق! هذا الذي يتحسَّس منه في نهج الحسينعليه‌السلام . أنت تُريد تُصلح، وتُريد أنْ تصدَّ العدوَّ الأمريكي بما يصبُّ في بقاء هذا الوحش الكاسر الجاثم على صدر الأُمَّة؛ ليخلق لها مقابر جماعيَّة كثيرة؟! وما الفرق بينهما إذاً؟ أهو فرق بالاسم والرسوم فقط؟ أنَّ الحكومة الإسلاميَّة الجديدة مدعومة مِن هؤلاء المسيحيُّون وبينما البعثيُّون يتشدَّقون باسم الإسلام، والنحر ونهر الدماء على قدم ٍ وساقٍ جارٍ! ما الفرق؟!

٤٩

هو يتبنَّى التفرقة فرق، وهو رائد خَطٍّ إصلاحي في الأُمَّة الإسلاميَّة، ويتشدَّق بأنَّه مِن مُنظِّري الإصلاح في الأُمَّة الإسلاميَّة وللبشر، يقول: (لو كان الإسلام أعزَّ عليهم مِن أحقادهم على صدام، لدافعوا عن صدام!)، فربط مصير الإسلام والأُمَّة بالوضع السائد! والوضع السائد: لا تُحرِّك ساكناً.

كيف تتبنَّون ريادة والدعوة إلى الإصلاح البشري في النظام القائم؟! إنْ كان منطقكم هو هذا؟! فلتتبنُّوا - إذاً - أنَّ الوضع الدولي لا يُمكن تغييره! وليس التغيير بالأُسلوب الهمجي الذي يستخدمه مِن في نهج الخوارج – كما مَرَّ بنا –، وإنَّما هو بالنهج السليم.

٥٠

مِن ضمن عباراته الأُخرى، وأُحاول ذِكرها؛ لأنَّ عِدَّة فضائيَّات ومجلاَّت تشدَّقت بها، لنُبيِّن كيف أنَّهم لا يتحسَّسون تِجاه الشرعيَّة في كلِّ بنودها، وذكرنا أنَّ سيِّد الشهداء سَنَّ للبشريَّة ولأتباع الديانات السماويَّة، أنَّ التحسُّس في شرعيَّة البديل يجب أنْ يكون أكثر مِن التحسُّس حول شرعيَّة الوضع القائم السائد، الغير شرعي فرضاً. تعبيره: (فليَحيَ العراق ولينجُ شعبه وأرضه مِن المعاهدات المكبَّلة، حتَّى لو عاش صدام!)، هل حياة الإسلام بحياة صدام والبعثيِّين والأنظمة السائدة؟! ثمَّ لماذا تخصيص التحسُّس الآن بالوجود الأمريكي في العراق، وهو نفسه موجود في بُلدان عربيَّة أُخرى بنفس الكثافة؟! أم أنَّ التحسُّس هو مِن جانب العراق فقط؟! بغضِّ النظر عن هذه النوازع الطائفيَّة الموجودة. مع أنَّه لا حياة للإسلام مع عيش السلطان الجائر، وهذا ما لا يستطيعون هُمْ أنْ يُفكِّكوه، وهذا ما يُركِّز عليه سيِّد الشهداء، حياة الوضع البشري حتَّى السائد، ليس بحياة هذه القوى العُظمى، فالقوى العُظمى هي مصدر السرطان البشري.

٥١

الإسلام عندهم هو صدام:

ومِن تعبيراته: (تمريغ شعار الإسلام العظيم في الوحل المشين، وإنَّ الإسلام عملاق، لا يليق أنْ يحمله إلاَّ عمالقة!)، فيجعل هذا الوسام لصدام! ويتشدَّق بعبارات غير مُلتفت إلى أوسمتها، لمن يُقلِّدها وفي عُنق مَن يضعها. يقول: إنَّ الإسلام عظيم، فكيف نُمرِّغه في الوحل المشين؟! ثمَّ يدعو لإبقاء كيان صدام ليحمل عَملقة الإسلام! مُشكلتهم أنَّهم لا يُفكِّكون هذه الأفكار! ينظرون بعين واحدة لا بعينين، وإلى زاوية واحدة لا إلى زاويتين، وينظرون إلى الداء دون الدواء، كالخطأ الذي وقع فيه الخوارج. فالمؤاخذة على النهج الإصلاحي عند الخوارج هو أنَّهم ينظرون إلى فقرة ويتركون بقيَّة الفَقرات، وهذا الخطر، وهذا الإفراط، وهذه الحِدَّة في منهج التفكير هو الخطأ، أنْ ننظر إلى جانب ونترك الجوانب الأُخرى.

يقول أيضاً: (لماذا لا تُدين المراجع الدينيَّة والسلطة المنبثقة عن الثورة في إيران دخول إسلاميِّين إلى الفِراش الأميركي في العراق، وأنَّ هذا مسيرة الضلال البيِّن، وأنَّ الأُمَّة لن تجتمع على ضلال، وسيسقط كلُّ ضالٍّ مُضلٍّ لا هادٍ ولا مهدي)، إذا كان الأمر هكذا، فالفِرش والبُسط موجودة في دول عربيَّة كثيرة، لماذا لا يُدينها هذا القائل؟ أمْ أنَّ لها مُبرِّراً لوجود سلطان هناك، وليس لها ذلك في العراق؟!!

٥٢

موقف مُشرِّف آخر للمرجعيَّة الشيعيّة في العراق:

هناك تجربة أُخرى مُهمَّة مَرَّت بها المرجعيَّة الشيعيَّة والشيعة في العراق، وقد خرجوا مِن هذين الامتحانين الصعبين، بنموذج وخطوات مِن مدرسة أهل البيتعليهم‌السلام ، فائقة - إنصافاً -، ومصيريَّة. قضيَّة مواجهة الاحتلال الآن، لا بما يصبُّ مع تسلُّط هذه الفئة القليلة العاتية البعثيَّة، إنَّما أُسلوب مُعالجة الدواء لهذا الداء هو آخر، عندما تتَّخذ أُسلوب الدواء لمعالجة داءٍ ما. يجب أنْ تعرف ما إنْ كان هذا الدواء لك أمْ هو لغيرك، وما إنْ كان هذا الدواء دواءً أم أنَّه فيه زيادةً للمرض. أوَ ليس الذي جلب الأمريكيِّين إلى العراق هو النظام العراقي السابق؟ ليُعيدوا أفراد وبُنية النظام السابق مَرَّة أُخرى؛ كي يكون على العراق - بلْ على الأُمَّة الإسلاميَّة - وبالاً أشدَّ وأعظم! كذلك قضيَّة عدم الانزلاق إلى الفتنة الطائفيَّة، ورباطة الجأش والصفح عند الانتقام رغم الجراح الدامية المستمرَّة.

٥٣

إنَّ رشادة خُطوات المرجعيَّة الشيعيَّة والشيعة في العراق - إنصافاً، ولا أقول: العصمة إلاّ للمهدي (عجَّل الله فرجه)، في بنودها وفي خطواتها وحركاتها - وهذا درس مُصغَّر استفادته المرجعيَّة الشيعيَّة والشيعة في العراق مِن تعاليم أهل البيتعليهم‌السلام بذكاء وبصيرة فائقة نافذة، وهذا هو المهمُّ.

أنْ أُندِّد بإسرائيل أمرٌ، وأنْ أعضد كياناً آخرَ كبديل هو أمرٌ آخر.

٥٤

كيف نكون مُبشِّرين لنهج سيِّد الشهداء:

مُلخَّص الحديث، هو أنَّنا إذا أردنا أنْ نكون دُعاةً مُبشرين لنهج سيِّد الشهداء، ولمدرسة أهل البيت، طبعاً نهج سيِّد الشهداءعليه‌السلام ونهج أهل البيتعليهم‌السلام فيه عطاء عظيم للبشريَّة، لكنْ مَن الذي يوصل هذا العطاء وهذه الثروة التي صارت البشريَّة في أمسِّ الحاجة لها، ومَن الذي يوصل هذه المحاسن؟.

٥٥

عهد أمير المؤمنين لمالك الأشتر والأُمَم المتَّحدة:

يخطر في الذهن مِن باب المِثال، عهد أمير المؤمنينعليه‌السلام لمالك الأشتر في نهج البلاغة. (كوفي عنان) مسيحيٌّ غير عربيٍّ - و لست بصدد مدحه - قبل ثلاث سنين، وأمام مجلس الأُمم المتَّحدة العامِّ والجمعيَّة العامَّة، قال: (أنا أقترح أنْ يكون عهد علي بن أبي طالب لمالك الأشتر أحد مصادر التشريع الدولي؛ لأنَّ فيه فقرة هزَّتني إلى الأعماق:(الناس... إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، وَإمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ) ، يجب أنْ تضع كلُّ مُنظَّمة حقوقيَّة هذا الشعار كيافطة.)، ما الذي ربط كوفي عنان بعليِّ بن أبي طالبعليه‌السلام ؟! ليس الدين ولا العرق ولا اللون... ما الذي ربطه بعليٍّ؟! إنَّما ربطه بأمير المؤمنين إعجاز تشريع أهل البيتعليهم‌السلام ، ولم نوصِل له نحن هذا المطلب.

٥٦

ومِن باب الشيء بالشيء يُذكر أقول: إنَّ أهل البيتعليهم‌السلام لا يقتصرون على جُهد الشيعة، ولا على جُهد المسلمين في نشر نورهم، فلهم أساليبهم الخاصَّة، لكنَّ كلامنا هذا هو حول مسؤوليَّتنا نحن تِجاه هذا المنهج العظيم، وهذه المدرسة العظيمة. وبعد مضي سنة، يُصرُّ كوفي عنان على التصويت في الأروقة الحقوقيَّة للأُمم المتَّحدة على هذا العهد بعد مدارسة في لجان الأُمم المتَّحدة الحقوقيَّة والقانونيَّة. وقد صوَّتت أكثريَّة الدول على أنْ يكون عهد أمير المؤمنين هو أحد مصادر التشريع الدولي، وتمَّ التصويت بعد ذلك على جُملة مِن العهود في نهج البلاغة، لتكون كمصدر في التشريع الدولي.

٥٧

الفاتيكان والصحيفة السجاديَّة:

إحدى المؤسَّسات القديمة جِدَّاً في قُمْ المقدَّسة، يرأسها(السيِّد مُجتبى لاري) ، معروف في مدينة لار، ومؤسَّسته مؤسَّسة تبليغيَّة شيعيَّة مُنذ ثلاثين أو أربعين سنة. أرسل إلى بابا الفاتيكان، الصحيفة السجاديَّة باللُّغة الإيطاليَّة، ليس هذا البابا الموجود، ولا الذي قبله، بلْ الثالث الذي قبله، وقد شاهدتُ بنفسي جواب الفاتيكان على هذه الرسالة، وعاتبت السيِّد، بقولي له: إنَّ عليك مسؤوليَّة أنْ تنشر هذه الرسالة على أوسع نطاق مُمكن. مختومة مِن قِبَل مكتب الفاتيكان، ويعترف فيها البابا بقوله: (إنْ الزخَّ الروحي والمعنوي و العرفاني الذي عند إمامكم السجاد، هو أكثر مِمَّا نَجده عند نبيِّنا النبي عيسى)، و قلتُ لهذا السيِّد: أنت مسؤول في قِبال السجادعليه‌السلام يوم القيامة، وأمام أئمَّة أهل البيتعليهم‌السلام ، عن نشر هذه الرسالة بسُرعة. هذه الرسالة عنده مُنذ سنين، وهي مختومة وموثَّقة رسميَّاً.

٥٨

الفاتيكان و الإمام الحسينعليه‌السلام :

أحد الأُخوة ينقل عن سفير الجمهوريَّة الإسلاميَّة في الفاتيكان(السيِّد هادي خسرو شاهي) ، عندما كان سفيراً في الفاتيكان، دخل مكتبة الفاتيكان، بأجنحتها المتعدِّدة، فرأى جناحاً حول الحسين، وفيه كلُّ الكتب التي كُتبت حول سيِّد الشهداء بكلِّ اللُّغات، فاستغرب!

فتساءل مُتعجِّباً لمدير المكتبة، فأجابه: (إننا رأينا في الحسين عنصراً تبشيريَّاً عجيباً وجذَّاباً، غير موجود لدينا في طريقة التبشير، فحاولنا دراسة شخصيَّة الحسين، والدراسات قائمة عليها). يؤكِّد أنَّ هذا الجناح موجود، ومَن أراد التأكُّد فليزُر مكتبة الفاتيكان بأجنحتها المختلفة.

٥٩

انتشار الثقافة المهدويَّة:

الثقافة المهدويَّة أيضاً آخذة في الانتشار والتشبُّع في العالم، وأستحضر الآن ما يذكره الخبير الأمني الاستراتيجي(فرانسوا توال) الذي ألَّف كتاباً باسم (الجغرافيا السياسيَّة للشيعة Shia Geo-Political)، لم يتجاوز السنة تقريباً، وهو مِن الخُبراء الكبار في الأمن الاستراتيجي الفرنسي. يتحدَّث عن الشيعة ويقول:

(إنَّ مُرادهم مِن الغيبة هي خَفاء الإمام المهدي، في كيفيَّة حركته السياسيَّة؛ لأنَّ الخفاء أكبر عامل قوَّة يؤمِّن حيويَّة النشاط وحيويَّة الحركة وحيويَّة التدبير).

هذا الخبير الأمني يفهم معنى شفرة الغيبة في علم الأمن، ويقول عن العدالة المهدويَّة التي يُنادي بها الشيعة:(أنا أُهيب بالساسة العالميِّين والمراقبين الدوليِّين، بأنَّ هذه النظريَّة وهذه العقيدة مُرشَّحة أنْ تنتشر بين شعوب العالم بين ليلة وضُحاها، وتعتنقها المجتمعات المختلفة، وبأشدِّ مِمَّا انتشرت الشيوعيَّة والاشتراكيَّة؛ لأنَّ هذه النظريَّة مُتكاملة، لا تضع مِيَزاً للعِرق ولا القوميَّة...، وهي أنشودة الأمل البشري الآن؛ فمِن اللازم على هؤلاء المراقبين والساسة أنْ يتعرَّفوا على هذه النظريَّة وهذه العقيدة بعُمق، وأنْ يتعاملوا معها بحَذر؛ لأنَّها مُرشَّحة لذلك).

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114