المنبر الحسيني نشوؤه وحاضره وآفاق المستقبل

المنبر الحسيني نشوؤه وحاضره وآفاق المستقبل0%

المنبر الحسيني نشوؤه وحاضره وآفاق المستقبل مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 397

المنبر الحسيني نشوؤه وحاضره وآفاق المستقبل

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ فيصل الخالدي الكاظمي
تصنيف: الصفحات: 397
المشاهدات: 110749
تحميل: 6810

توضيحات:

المنبر الحسيني نشوؤه وحاضره وآفاق المستقبل
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 397 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 110749 / تحميل: 6810
الحجم الحجم الحجم
المنبر الحسيني نشوؤه وحاضره وآفاق المستقبل

المنبر الحسيني نشوؤه وحاضره وآفاق المستقبل

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

أنّ هذا الاحتفال، قد هيّأ الأجواء بشكلٍ كبير، للاحتفال بالمناسبة الثانية، وهي يوم عاشوراء وبصورة أوسع. ويوم عاشوراء يأتي بعد اثنين وعشرين يوماً، من يوم الغدير، الذي يوافق اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة.

ويلاحظ من النّص أعلاه، أنّ الاحتفال بيوم الغدير، قد شارك فيه جماعة من أهل مصر، مع المغاربة، أي الذين جاؤوا مع المعزّ الفاطمي وسكنوا القاهرة. وهذا مؤشّر على وجود شيعي في مصر، قبل الفاطميّين. وهو ما يؤيّد الذي ذُكر في هذا البحث سابقاً، من أنّ مراسم العزاء بمصر، في يوم عاشوراء كانت سابقة، على الوجود الفاطمي(1) ، من أيّام الأخشيديين وكافور.

فمن الطبيعي جدّاً أن تجد مؤسّسة العزاء الحسيني، أفضل أيامها مع الفاطميّين، ولهذا فقد ذكر في حوادث سنة ثلاث وستين وثلاثمِئة أنّه (في يوم عاشوراء، انصرف خلق من الشيعة، وأتباعهم من المشاهد، من قبر كلثم بنت بن جعفر الصادق ونفيسة، ومعهم جماعة من فرسان المغاربة ورجالاتهم بالنياحة والبكاء على الحسين، وكسروا أواني السقّائين في الأسواق. وشقّوا الروايا(2) وسبّوا من ينفق في هذا اليوم. وثارت إليهم جماعة، فخرج إليهم أبو محمد الحسن بن عمّار ومنع الفريقين، ولولا ذلك لعظمت الفتن؛ لأنّ الناس كانوا غلّقوا الدكاكين، وعطّلوا الأسواق وقويت أنفس الشيعة بكون المعزّ بمصر)(3) .

والملاحظ هنا، أنّ الاحتفال بيوم عاشوراء، لم يمرّ دون توتّر،

____________________

(1) راجع فقرة النياحة في مصر من هذا الفصل ص52.

(2) الروايا جمع مفرده الراوية وهي الدابة يستقي عليها، أو المزادة من جلد يوضع فيها الماء، والمقصود هنا المعنى الثاني.

(3) المقريزي، أحمد بن علي، اتعاظ الحنفا - ص145.

١٢١

كاد يصل إلى فتنة طائفيّة. أقول: وكانت الحوادث الطائفيّة في بغداد تشتد في عاشوراء، كما أشرنا إلى ذلك، في الفقرة السابقة من هذا البحث. كما وإنّ المقريزي هنا، قد علّق على أنّ قوّة الشيعة، اشتدّت مع وجود المعزّ بالقاهرة. وهو عين ما ذكره بعض المؤرّخين، في أيام عاشوراء، أيام معزّ الدولة البويهي، بأنّ نفوس الشيعة قويت لكثرتهم في بغداد، وكون السلطان منهم.

ولم تتحدّث المصادر، عن أيّ حالة تشنّج، أو توتّر طائفي، فضلاً عن الفتن، في أيّام الفاطميّين، سوى ما ذكر أعلاه. خلاف ما كان عليه الأمر في بغداد، ولسنين عدّة.

ولدى تتبّعي للمراجع التاريخيّة، التي اهتمّت بتسجيل الحوادث، التي مرّت على بلاد المسلمين؛ مثل تاريخ ابن الأثير أو المنتظم لابن الجوزي، والبداية والنهاية لابن كثير ومروج الذهب للمسعودي، لدى تتبّعي لهذه المصادر، لم أجد مواكبةً واهتماماً لما كان يحدث في مصر أيام عاشوراء في ظل حكم الفاطميّين، كما وجدت من اهتمام وتسجيل لما كان يحدث فيها ببغداد أيام البويهيين.

بل حتى المصادر. التي اهتمّت بمصر وتاريخها، أو تاريخ الفاطميّين بالذات، فإنّها لم تكن متابعةً لما يجري في مصر، سنة بعد سنة في يوم عاشوراء، مثل؛ النجوم الزاهرة في أخبار مصر والقاهرة لـ (يوسف تغري بردي) أو اتعاظ الحنفا والخطط للمقريزي، كما تابعنا ذلك سابقاً في حوادث عاشوراء ببغداد.

نعم، ذكرت هذه المصادر الأخيرة إشارات متقطّعة لما كان يجري من الخلفاء الفاطميّين في بعض السنين. ومنها ما يجري في عاشوراء كنوع من المناسبات العامّة في الدولة الفاطميّة. ممّا يوحي، أنّ تلك المظاهر العزائية كانت مستمرّة طوال الحكم الفاطمي لمصر حيث لم يُشَرْ إلى منعها، بل تحوّلت، إلى عرف وتقليد يتبعه كل خليفة فاطمي.

١٢٢

وأفضل مصدر وجدته مهتمّاً بذكر تفاصيل ما كان يجري في بعض السنين، بما يتعلّق بموضوعنا هو كتاب (النجوم الزاهرة في أخبار مصر والقاهرة).

وسنحاول الولوج إلى موضوع المأتم الحسيني في مصر أيام الفاطميّين، عبر ثلاثة محاور هي:

1 - عرضٌ لما أوردَتْهُ المصادر من اهتمام الفاطميّين، بما يتعلّق بموضوع بحثنا في فترات متفاوتة من تلك المرحلة.

2 - ذكر ما أوردته المصادر من كيفية إحياء الفاطميّين لمراسم يوم عاشوراء.

3 - ذكر الأماكن التي كانت تتّخذ لإقامة المآتم ومجالس العزاء.

المحور الأوّل

وهو المحور المتعلّق بما كانت قد سجّلته المراجع التاريخية، عن ما كان يجري في مصر أيام الفاطميّين، ممّا يتعلّق بمراسم العزاء يوم عاشوراء، ونورد فيه ما يلي:

1 - ذكرنا سابقاً أنّ اهتمام القاهرة بعاشوراء ومجالس العزاء فيها كان مألوفاً أيام الأخشيدية والكافورية - كما سبقت الإشارة إليها ص52.

2 - في سنة 363 هجرية وبعد أشهر من دخول المعزّ الفاطمي إلى مصر، وفي يوم عاشوراء، كان البروز الأول لمظاهر الحزن والبكاء الشعبي، في الحكم الفاطمي من قبل شيعة مصر والمغاربة القادمين مع المعزّ الفاطمي - كما سبق ذكره آنفاً ص121 -.

3 - ثمّ أغفلت المراجع التاريخية أي ذكر لما كان يجري في مصر أيام عاشوراء منذ سنة 363 هجرية وحتى سنة ست وتسعين وثلاثمِئة و(396) هجرية أي بعد ثلاثة وثلاثين سنة مع أيام حكم الخليفة

١٢٣

الفاطمي الحاكم بأمر الله(1) أبي علي المنصور الذي حكم بين (386 - 411)، حيث ذكر (وفي يوم عاشوراء يعني من سنة ست وتسعين وثلاثمِئة، جرى الأمر فيه على ما يجري كل سنة؛ من تعطيل الأسواق، وخروج المنشدين إلى جامع القاهرة، ونزولهم مجتمعين بالنوح والبكاء والنشيد)(2) .

حيث نلاحظ الإشارة، إلى استمرار مظاهر الحزن والحداد في القاهرة، بقوله (جرى الأمر فيه على ما يجري كل سنة). ثمّ يبرز النصّ كذلك دور المنشدين منطلقين إلى جامع القاهرة، ثمّ خروجهم منه وهم ينشدون ويقرأون المراثي بشكل جماعي. وهذا النصّ يبيّن بشكل أوضح وأدق ما كان يقوم به المنشدون، من دور، في احتفالات يوم عاشوراء.

وهو ما كنّا نفتقدهُ، في المصادر التي كانت تحكي لنا، ما كان يجري في بغداد، أيام البويهيّين.

كما ويؤكّد بقية النصّ أعلاه، أنّ المنشدين كانوا يأخذون الأجرة على إنشادهم المراثي، حينما يقفون على حوانيت الناس(3) . حتى اضطر قاضي القضاة، إلى أنْ يطلب منهم، عدم إلزام الناس بالدفع لهم (ثمّ جمع هذا اليوم، قاضي القضاة، عبد العزيز بن نعمان سائر

____________________

(1) الحاكم بأمر الله: منصور ابن نزار بن المعزّ الفاطمي. أبو علي، الحاكم بأمر الله ولِد في القاهرة سنة 375 هجرية. وقُتل فيها في ظروف غامضة. تولّى الخلافة سنة 386 هـ وعمره 11 سنة، اهتم بالفلسفة وعلم الفلَك وعمِل مرصداً قتل العديد من الوزراء. (متألّه، غريب الأطوار. مات سنة 411 هـ) (الزركلي، خير الدين: الأعلام، 7 / 305).

(2) المقريزي، أحمد بن عليك الخطط 2 / 212.

(3) أقول: وظاهرة وجود المنشدين والنائحين في الأسواق ووقوفهم على الحوانيت، ظاهرة لا تزال موجودة في بعض المناطق الشيعية في العراق وإيران وبلاد شيعيّة أخرى، كما وينشد هؤلاء في وسائل النقل العامّة كالحافلات والقطارات، إضافة إلى أماكنهم الأساسية في المراقد المقدّسة.

١٢٤

الذين يكسبون بالنوح والنشيد، وقال لهم: لا تلزموا الناس بأخذ شيءٍ منهم، إذا وقفتم على حوانيتهم، ولا تؤذوهم، ولا تكسبوا بالنوح والنشيد. ومَن أراد ذلك فعليه بالصحراء!! ثمّ اجتمع بعد ذلك طائفة منهم يوم الجمعة في الجامع العتيق - وهو جامع عَمْر بن العاص - بعد الصلاة وأنشدوا وخرجوا إلى الشارع بجمعهم)(1) حيث يبدو أنّ المنشدين احتجّوا على ذلك المنع، وخرجوا بجمعهم، ولم يوضّح النصّ ماذا ترتب على احتجاج المنشدين والنائحين هذا.

4 - وفي سنة أربع وأربعمِئة، نجد أنّ الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله المذكور في النصّ السابق، قد أصدر أوامر بإغلاق الدواوين، وأماكن بيع الغلّة والفواكه لمدّة ثلاثة أيام. ابتداءً من اليوم السابع من محرّم. أمّا في اليوم العاشر، فإنّ كل الحوانيت تغلق في مصر باستثناء حوانيت الخبّازين(2) .

وهذا يعتبر تطوّراً مهمّاً، في توسعة أيّام الحداد، التي كان محصورة بيوم عاشوراء فقط. حيث أضيفت الأيام: السابع والثامن والتاسع من المحرّم، لتكون النتيجة أربعة أيام. إذ تعطّل الدوائر الرسميّة (الدواوين)، وأماكن بيع اللحوم والأسماك (الغلّة). أقول: وأمّا في هذا الأيّام فإنّ أيام الحزن العامّة؛ عشرة أيام تبدأ من اليوم الأول للمحرّم، كما أنّ بعض أصحاب المحلاّت وذوي المِهن يعطّلون أعمالهم في بعض مناطق العراق (وربّما في بلدان أُخرى) ابتداءً من اليوم السابع من المحرّم. ويتفرّغون لحضور مجالس المنبر الحسيني، كثيرة الانتشار.

5 - كما ورد ما يدلّ، على استمرار الخلفاء الفاطميّين على ما

____________________

(1) المقريزي، أحمد بن عليك الخطط 2 / 212.

(2) المقريزي، أحمد بن عليك اتّعاظ الحنفا 2 / 100.

١٢٥

جرت به عادتهم من إحياء مآتم الإمام الحسين يوم عاشوراء.

ففي أيام حكم المستعلي بالله الفاطمي(1) (487 - 495)، جاء (أنّه كان كآبائه وأجداده، في إحياء يوم عاشوراء بالنوح والحزن)(2) .

وورد في مصدر آخر (وفي عهد المستعلين الذي سار على نهج أبيه في التعصّب للشيعة، زاد النياح، والصياح، والبكاء والعويل، في اليوم العاشر من المحرّم، وهو اليوم الذي قتل فيه الحسين، وظهر ذلك بصورة لم تعهد من قبل)(3) .

6 - ثمّ حدث تطوّر كبير على شدّة المآتم الحسينية وقوّتها، بعد سنة ثمان وأربعين وخمسمِئة بعدما نقل رأس الحسينعليه‌السلام - على أحد الأقوال - من مدينة عسقَلان(4) في فلسطين إلى القاهرة، حيث مدفنه

____________________

(1) المستعلي بالله الفاطمي: أحمد بن معد المستنصر بالله التاسع من الخلفاء الفاطميين. ولد بالقاهرة سنة 487 هـ، وصل إلى الحكم بسعي الوزير بدر الدين الجمالي وابنه الأفضل الذي سيطر على شؤون الدولة استعاد أفاميه وصور من الصليبيين توفّي سنة 495 هـ. (معلوف، لويس: المنجد 2 / 660).

(2) تغري بردي، يوسف، النجوم الزاهرة في أخبار مصر والقاهرة، 5 / 153، 154.

(3) حسن، حسن إبراهيم - تاريخ الدولة الفاطمية - ص657.

(4) اختلفت الأقوال في الموضع الذي دُفن فيه رأس الإمام الحسينعليه‌السلام ، فقد ذكر سبط ابن الجوزي أنّها خمسة مواضع هي: (1) كربلاء (2) المدينة (3) دمشق (4) الرقّة (5) عسقلان ثمّ إلى القاهرة.

وجعل الاحتمال الأول هو الأشهر (سبط ابن الجوزي، يوسف بن فرغل: تذكرة الخواص، ص238 - 239) في حين يرى الإمام ابن تيمية أنّ المدينة هو الموضع الأكثر رجحاناً (ابن تيمية، أحمد: مكان رأس الحسين، ص17، ص25). ويفصّل العسقلاني في صواعقه كيفية الدفن في دمشق، وأنّه كان أيام الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك (العسقلاني، أحمد بن حجر: الصواعق المحرقة، ص199).

ويرى الخوارزمي أنّ الخليفة الأموي عُمَر بن عبد العزيز سأل عن مكان دفن رأس الحسين (.. فنبشه، وأخذه والله أعلم بما صنع به والظاهر من دينه أنّه بعثه إلى كربلاء...) (الخوارزمي، الموفق بن أحمد: مقتل الحسين 2 / 84).

في حين أنّ الشبراوي يذكر أنّ الرأس دُفن في المدينة، وقيل أُعيد إلى كربلاء بعد أربعين =

١٢٦

اليوم، والمسجد المنسوب إليه. ممّا زاد في البكاء والنوح بعد ذلك. (وكانوا ينحرون في يوم عاشوراء، الإبل والبقر والغنم، ويكثرون النوح البكاء ويسبّون من قتل الحسين. ولم يزالوا على ذلك حتى زالت دولتهم)(1) .

7 - ورد في ذكر بعض مراسم عاشوراء، السماط الذي يوضع لمجلس العطايا ودار الملك بمصر. ذلك في يوم عاشوراء منذ سنة خمس عشر وخمسمِئة 515 هجرية(2) .

8 - ثمّ وردت إشارة إلى عاشوراء سنة 516 هجرية، حيث ذكر (ولمّا كان عاشوراء من سنة ست عشر وخمسمِئة، جلس الخليفة

____________________

= يوماً من قتله (الشبراوي، عبد الله بن محمد بن عامر: الإتحاف بحب الأشراف، ص41) ولم يذكر الرقّة أحد غير صاحب التذكرة أعلاه. وهو نفسه يذكر أنّ الفاطميين هم الذين نقلوا الرأس من دمشق إلى عسقلان وبعد مدّة طويلة نقل إلى القاهرة. وهو ما ذكره الشبراوي أيضاً (ص75) ومشهد رأس الحسين في عسقلان سجّلته بعض كتب الرحلات، راجع ابن بطوطة، محمد بن إبراهيم اللواتي، رحلة ابن بطوطة (ص60) وكذلك (القزويني، زكريّا بن محمد: آثار البلاد وأخبار العباد، ص222) وصار مشهد الرأس في القاهرة من المعالم البارزة فيها منذ ذلك الحين. (الكناني، محمد بن أحمد بن جبير: رحلة ابن جبير، ص19)، وتبقى مسألة نقل الرأس إلى عسقلان مسألة تحتاج إلى تأمّل، ولماذا لم ينقل الفاطميون الرأس مباشرة إلى القاهرة؟ ويورد الشيخ محمد جواد مغنية، احتمالاً غير مستبعد بأنّ المشهد المنسوب للحسين في القاهرة يعود إلى زيد بن علي بن الحسين (مغنية، محمد جواد: الشيعة والحاكمون، ص118).

وأجد نفسي تميل إلى قبول هذا الاحتمال الأخير. وأمّا الراجح من مواضع دفن الرأس الشريف عند الشيعة، فهو كربلاء، وهو المشهور عند علمائهم (بحر العلوم، محمد تقي: مقتل الحسين، ص472). وأظن أنّه أقوى الاحتمالات لارتباط المسألة باهتمام أكبر عند علماء الشيعة، ولأنّه أمر راجح أنْ يسلّم يزيد رأس الإمام الحسين إلى ولده الإمام زين العابدينعليه‌السلام ، خاصة بعد الأجواء التي أحدثتها خطبته في المسجد، ممّا جعل يزيد يعجّل بإخراجهم من الشام، وهذا الاحتمال هو الذي جعله سبط ابن الجوزي الأشهر كما مرّ أعلاه.

(1) المقريزي، أحمد بن علي: الخط 2 / 204.

(2) المقريزي، أحم بن علي: الخطط 2 / 213.

والسماط هو ما يبسط من الأفرشة ليوضع عليه الطعام.

١٢٧

الآمر بأحكام الله(1) على باب الباذهج، يعني من القصر، بعد مقتل الأفضل(2) وعود الأسمطة إلى القصر)(3) .

ويبدو من النصّ التالي، أنّ الخليفة الفاطمي، كان له عطاء خاص للقرّاء، إذ قد (خرج الرسم المطلق للمتصدّرين، والقرّاء الخاصين، والوعّاظ والشعراء وغيرهم على ما جرت به عادتهم)(4) .

9 - أمّا في سنة 517 هجرية فإنّ مجالس العزاء والوعظ، لم تنحصر في يوم عاشوراء، بل راحت تبدأ من ليلته فقد ذُكر أنّه (في ليلة عاشوراء من سنة سبع عشرة وخمسمِئة، اعتمد لأجل الوزير المأمون على السنّة الأفضلية، من المضي إلى التربية الجيوشيّة، وحضور جميع المتصدّرين والوعّاظ، وقرّاء القرآن إلى آخر الليل وعوده إلى داره. واعتمد في صبيحة الليلة المذكورة مثل ذلك.

وجلس الخليفة على الأرض، مثلما يُرى به الحزن وحضر من شرّف بالسلام عليه، والجلوس على السماط بما جرت به العادة)(5) .

حيث يلاحظ، دخول عنصري قراءة القرآن والوعظ. في ضمن عناصر مراسم العزاء والمآتم التي تقام في ليلة عاشوراء ويومها.

____________________

(1) الأمر بأحكام الله: هو أبو علي منصور بن أحمد (المستعلي بالله) الفاطمي عاشر الخلفاء الفاطميين في مصر، ولد 1096م - 490 هـ وبويع له بالخلافة وهو ابن خمس سنين بعد وفاة أبيه المستعلي. توفّي سنة 1130م - 524 هـ. قام وزير أبيه الأفضل بشؤون الدولة، وفي عهده استفحل أمر الصليبين. (الزركلي، خير الدين: الأعلام 72 / 297).

(2) الأفضل بن أمير الجيوش، قائد كبير، كان قد توجّه إلى القدس سنة 491 وملكها بعد قتال، وكان للأفضل تأثير كبير على البلاد الفاطمي، حيث تدخّل وغيّر ولاية عهد المستنصر بالله الفاطمي المتوفّي سنة 487 هـ، من ولده الأكبر الذي كان قد ولاّه أبوه عهده، وشرع بأخذ البيعة له في مرضه، فأخذ الأفضل يماطله حتى مات، فقام الأفضل، بالاجتماع بالأمراء وكبار رجال الدولة وأثار مخاوفهم من نزار، حتى بويع لأخيه الصغير أحمد، فبويع ولقبه المستعلي بالله (حسن، حسن إبراهيم: تاريخ الإسلام 4 / 171).

(3) (4) (5) المقريزي، أحمد بن علي: الخطط 2 / 213.

١٢٨

هذا ما استطعت أنْ أسجّله، من إشارات وأدلّة على ما كان يهتم به الخلفاء الفاطميون، في مصر أيّام دولتهم فيها وهو المحور الأول من هذه الدراسة.

المحور الثاني

في بيان المراسم والكيفيّة، التي كان الخلفاء الفاطميّون، يحيون بها مجالس العزاء في عاشوراء.

لقد ذكرت بعض المصادر ذلك، بشيء من التفصيل، بما لم نعهده في أي مصدر تحدث عن البويهيين في بغداد، ومقدار اهتمامهم بمظاهر الحداد والحزن، في يوم عاشوراء، إذ لم توضّح تلك المصادر، كيف كان يحيي البويهيون، تلك المظاهر وهل كانت لهم مراسم خاصّة بها.

أمّا مراسم عاشوراء عند الفاطميّين، فقد ذكر في هذا الصدد: (فإذا كان يوم العاشر من المحرّم، احتجب الخليفة عن الناس. فإذا علا النهار، ركب قاضي القضاة والشهود، وقد غيّروا زيّهم ولبسوا لباس الحزن، ثمّ صاروا إلى المشهد الحسيني بالقاهرة، وكان قبل ذلك يعمل المأتم بالجامع الأزهر، فإذا جلسوا فيه، بمن معهم مع الأمراء والأعيان وقرّاء الحضرة، والمتصدّرين في الجوامع جاء الوزير فجلس صدراً... والقاضي وداعي الدعاة من جانبيه. والقرّاء يقرؤون نوبة فنوبة، ثمّ ينشد قوم من الشعراء - غير شعراء الخليفة - أشعاراً يرثون بها الحسن والحسين وأهل البيت. وتصيح الناس بالضجيج والبكاء والعويل.

فإذا كان الوزير رافضيّاً على مذهب القوم، تغالوا في ذلك وأمعنوا، وإنْ كان الوزير سنّياً اقتصروا. ولا يزالون كذلك حتى تمضي

١٢٩

ثلاث ساعات، فيُستَدعون إلى القصر عن الخليفة، بنقباء الرسائل. فيركب الوزير، وهو بمنديل صغير إلى داره، ويدخل قاضي القضاة والداعي ومن معهما، إلى باب الذهب (أحد أبواب القصر) فيجدون الدهاليز، قد فُرِشت مساطبها بالحُصر والبُسط، وينصب في الأماكن الخالية الدكك لتلحق بالمساطب والفرش، ويجدن صاحب لباب جالساً هناك. فيجلس القاضي والداعي إلى جانبه، والناس على اختلاف طبقاتهم، فيقرأ القرّاء وينشد المنشدون، ثمّ يفرش وسط القاعة بالحصر المقلوبة (وليس على وجوهها وإنّما تُخالف مفارشها) ثمّ يفرش عليها سماط الحزن، مقدار ألف زبدية من العدَس والمسلوقات والمخلّلات والأجبان والألبان الساذجة، وأعسال النحل والفطير المغيّر لونه بالقصد، لأجل الحزن.

فإذا اقترب الظهر وقف صاحب الباب ببابه، ومن الناس مَن لا يدخل من شدّة الحزن، فلا يُلزِم أحد بالدخول. فإذا فرغ القوم انفصلوا إلى أمكانهم ركباناً، بذلك (الزيّ) الذي ظهروا فيه من قماش الحزن. وطاف النّواح في القاهرة في ذلك اليوم، وأغلق البيّاعون حوانيتهم إلى ما بعد العصر، والنوح قائم بجميع شوارع القاهرة وأزقّتها، فإذا فات العصر يفتح الناس دكاكينهم، ويتصرّفون في بيعهم وشرائهم، فكان (ذلك) دأب الخلفاء الفاطميّين مِن أوّلهم المعزّ لدين الله إلى آخرهم العاضد عبد الله)(1) .

إن النصّ السابق، قد أوضح لنا أنّ هناك ثياباً خاصة للحزن،

____________________

(1) تغري بيدي، يوسف: النجوم الزاهرة في أخبار مصر والقاهرة، 5 / 153، 154. والعاضد بالله هو عبد الله بن يوسف ابن الحافظ، العلوي الفاطمي ولد عام 544 هـ آخر الخلفاء الفاطميين. استنصر بنور الدين لقتال الصليبيين دفاعاً عن مصر، فأرسل إليه صلاح الدين الأيّوبي، الذي تولّي الوزارة، وتصرّف في شؤون الملك حتى قضى على الفاطميين، توفّي في القاهرة سنة 567 هـ.

١٣٠

تُلبَس يوم عاشوراء ويتّجه الكل إلى جامع الأزهر، ثمّ انتقلت المراسم إلى مشهد الحسين بعد ذلك، ولا يحضر الخليفة إلى المسجد، بل يتولّى الوزير رعاية تلك المراسم، وبعد قراءة القرآن وإنشاد الشعر الرثائي وارتفاع الصياح والبكاء، يرجع الناس إلى قصر الخليفة حيث يعدّ طعام خاص بأهل العزاء ليس فيه للأُبّهة والترف أثر.

وتُنشَد المراثي هناك مرّة أُخرى، قبل تناول الطعام، ثمّ ينصرف الناس بعد ذلك بثياب الحزن إلى أماكنهم، بينما يبقى النائحون والمنشدون، يطوفون في شوارع القاهرة وأزقّتها، ثمّ تعود الحياة مرّة أُخرى إلى الأسواق، بعد العصر حيث يفتح الناس حوانيتهم.

ويبدو أنّ تلك المراسم التي كانت تجري تحت إشراف الخليفة الفاطمي، قد تغيّرت، وانتقلت من قصر الخلافة، إلى قصر أحد الأمراء، كان مستولياً على مقاليد الأمور، حيث ذُكر أنّه (في يوم عاشوراء يعني من سنة خمس عشرة وخمسمِئة عُبّي السماط بمجلس العطايا، من دار الملك بمصر، التي كانت يسكنها الأفضل، بن أمير الجيوش، وهو السماط المختص بيوم عاشوراء، وهو في غير المكان، الذي الجاري به العادة (هكذا) في الأعياد ولا يعمل مدوّرة خشب، بل سفرة كبيرة من أدم(1) والسماط يعلوها من غير مرافع نحاس.

وجمع الزبادي؛ أجبان وسلائط ومخلّلات وجميع الخبز من شعير. وخرج الأفضل من باب فرد الكم. وجلس على بساط الصوف من غير مشورة، واستفتح المقرؤون، واستدعى الأشراف على طبقاتهم وحمل السماط لهم، وقد عمل في الصحن الأول؛ الذي بين يدي الأفضل إلى آخر السماط عدَس أسود، ثمّ بعده عدس مصفّى إلى آخر السماط، ثمّ رُفِع وقُدّمت صحون كلّها عسل ونحل)(2) .

____________________

(1) الأدم: الجلد.

(2) المقريزي، أحمد بن علي: الخطط 2 / 213.

١٣١

ويبدو أنّ الأمر لم يستمر، إذ عادت الأمور إلى ما كانت عليه، في قصر الخليفة الفاطمي، في السنة التالية وهي سنة 516 هجرية.

إذ (لمّا كان يوم عاشوراء من سنة ست عشر وخمسمِئة، جلَس الخليفة الآمر بأحكام الله على باب الباذهبج - يعني القصر - بعد قتل الأفضل، وعود الأسمطة إلى القصر، على كرسيّ جريدٍ بغير مخدّه، مثلما هو وجميع حاشيته). وهنا بيان لكيفية جلوس الخليفة الفاطمي من شدّة حزنه على كرسي متّخذ من جريد النخل بدون وسائد، بما لم يوضّح في النصوص السابقة.

ونعود إلى النصّ، إذ يُذكر أنّه قد (سلّم عليه الوزير المأمون، وجميع الأمراء الكبار والصغار، بالقراميز، وأُذن للقاضي والداعي والأشراف والأمراء بالسلام عليه، وهم بغير مناديل ملثّمون حفاة)(1) .

والظاهر أنّ القائد الأفضل قد أحدث أساليب جديدةً في مراسم عاشوراء، استمرّت حتى بعد مقتله، كما نجد ذلك في مراسم عاشوراء، من سنة سبع عشرة وخمسمِئة، النصّ التالي (وفي ليلة عاشوراء من سنة سبع عشرة وخمسمِئة، اعتمد الوزير المأمون على السنّة الأفضلية، من المضي فيها إلى التربة الجيوشيّة، وحضور جميع المتصدّرين والوعاظ وقرّاء القرآن إلى آخر الليل وعوده إلى داره. واعتمد في صبيحة الليلة المذكورة مثل ذلك، وجلس الخليفة على الأرض، مثلما يُرى به الحزن، وحضر من شرف بالسلام عليه، والجلوس على السماط بما جرت به العادة)(2) .

وهكذا استمرت هذه المراسم في يوم عاشوراء، طوال حكم الفاطميّين لمصر (فلمّا زالت الدولة اتخذت الملوك من بني أيّوب،

____________________

(1) المقريزي، أحمد بن علي: الخطط 2 / 213.

(2) المصدر نفسه، ص2 / 213.

١٣٢

يوم عاشوراء يوم سرور، يوسّعون فيه على عيالهم، ويتبسطون في المطاعم، ويصنعون الحلاوات ويتّخذون الأواني الجديدة ويكتحلون ويدخلون الحمّام، جرياً على عادة أهل الشام التي سنّها لهم الحجّاج، في أيّام عبد الملك بن مروان ليرغموا بذلك أناف شيعة عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجه، الذين يتّخذون يوم عاشوراء يوم عزاء وحزن فيه على الحسين بن عليّ؛ لأنّه قُتل فيه. وقد أدركنا بقايا ما عمله بنو أيّوب من اتخاذ يوم عاشوراء يوم سرور وتبسّط)(1) . وبهذا انتهى المحور الثاني، الذي كان حول المراسم والكيفيّة، التي كان الفاطميون يُحيون بها موسم عاشوراء.

____________________

(1) لم يذكر المقريزي في نصّه هذا، المصدر الذي اعتمده في قوله، أنّ الحجّاج هو الذي سنّ لأهل الشام، اتخاذ يوم عاشوراء يوم سرور وفرح.

وذكرت كتب المقاتل أنّ الصحابي سهل بن سعد الساعدي، كان قد دخل دمشق أيام دخول ركب السبايا إليها، حيث يصف أهلها بأنّهم (قد علّقوا الستور والحجُبُ والديباج، وهم فرحون مستبشرون، وعندهم نساء لعبن بالدفوف والطبول، فقلت في نفسي: لعلّ لأهل الشام عيداً لا نعرفه نحن)! (الخوارزمي، الموفق بن أحمد: مقتل الحسين 22/67).

ومرّ بنا في ص48 من هذا البحث بيت الشريف الرضي:

كانت مآتم بالعراق تعدّها

أمويّة في الشام مِن أعيادها

(ديوان الشريف الرضي، 1 / 278) وقد أورد المقريزي في خططه قصيدة لأحد الشعراء يذكر فيها بعض مظاهر الفرح والسرور يوم عاشوراء (الخطط: 2 / 459). وذكر صاحب الغدير في ترجمة الشاعر ابن منير الطرابلسي، 0ت: 548 هـ) قصيدته التي بعثها للشريف المرتضى. بعدما حبَس غلاماً له اسمه تتر، حيث قال له على سبيل الدعابة: إنّه إذا لم يردّ إليه غلامه، فإنّه سيظهر السرور والفرح يوم عاشوراء، نكاية به:

وحلقت في عشر المحرّم

ما استطال من الشعر

ولبست فيه أجلّ ثوبٍ

للمواسم يدّخر

وغدوت مكتحلاً أُصا

فحُ مَن لقيت من البشر

(الأميني، عبد الحسين أحمد: الغدير، 4 / 326).

١٣٣

المحور الثالث

أمّا المحور الثالث، والأخير، من هذه الدراسة، المتعلّقة بالفاطميّين، فيهتمّ بالأماكن التي كان الفاطميون يقيمون فيها، مراسم عاشوراء ومظاهر الحزن والمأتم.

فمن خلال النصّوص التي مرّت، ونصوص أخرى، سنتوقّف عندها، يمكن إحصاء تلك الأماكن بما يلي - وذل حسب التسلسل التاريخي لإقامة المآتم في القاهرة -:

1) قبر السيدتين كلثوم ونفيسة

مرّ بنا أنّ تاريخ المآتم الحسينية في القاهرة كان سابقاً على وصول الفاطميّين (.. وقد كانت مصر تخلو منهم - الشيعة - في أيام الأخشيدية والكافورية في يوم عاشوراء عند قبر كلثوم وقبر نفيسة)(1) .

وعندما دخل المعزّ الفاطمي إلى القاهرة سنة 363 هجرية استمرت مظاهر العزاء عند قبري السيدتين المذكورتين.

وهذان القبران هما أقدم الأماكن التي كانت تُحيى عندها مراسم عاشوراء..

2 - جامع القاهرة

حيث ورد أنّ المنشدين والنائحين كانوا يتّجهون إلى جامع القاهرة ثمّ ينحدرون منه وهم في حالة إنشاد ونياحة. (وفي يوم

____________________

(1) المقريزي، أحمد بن علي: الخطط.

١٣٤

عاشوراء يعني من سنة ست تسعين وثلاثمِئة، جرى الأمر فيه على ما يجري كل سنة من تعطيل الأسواق، وخروج المنشدين إلى جامع القاهرة ونزولهم مجتمعين بالنوح والنشيد)(1) .

وجامع القاهرة هو جامع عمرو بن العاص(2) ويعرف أيضاً بالمسجد العتيق. (تأسس سنة إحدى وعشرين من الهجرة).

3) الجامع الأزهر

لقد أشاد الفاطميون مساجد عدّة في القاهرة. كان أبرزها وأشهرها، هو الجامع الأزهر. حيث شاده جوهر الصقلّي لما اختطّ القاهرة، واكتمل بناؤه سنة إحدى وستين وثلاثمِئة. ويبدو أنّ الخلفاء الفاطميين كانوا يميلون إلى نقل مراسم عاشوراء إلى الجامع الأزهر. دعماً لهذا المسجد الذي أشادوه. وبذلك انتقلت تلك المناحات من المسجد العتيق (القاهرة) إلى الجامع الأزهر(3) .

4) المشهد الحسيني

وهو ما يُعرف اليوم بمسجد سيّدنا الحسينعليه‌السلام بالقاهرة، حيث كان لنقل رأس الإمام الحسين من مدينة عسقلان بفلسطين ودفنه هناك في جمادي الآخرة سنة ثمان وأربعين وخمسمِئة(4) ، كان ذلك أثر

____________________

(1) المصدر نفسه، 2 / 213.

(2) عمرو بن العاص بن وائل السهمي القريشي، صحابي ولد بمكة، عام 50 قبل الهجرة، عرف بالدهاء، فتح مصر أيام الخليفة عمر بن الخطاب، وصل إلى الإسكندرية وبنى الفسطاط بمصر. مال إلى جهة معاوية في حرب صفّين، وكان أحد الحكمين فيها، مات سنة 43 هـ. (الزركلي، خير الدين: الأعلام، 5 / 79).

(3) ابن تغري بردي، يوسف: النجوم الزاهرة 5 / 153. وانظر كذلك المقريزي، أحمد بن علي: الخطط، 431.

(4) المقريزي، أحمد بن علي: الخطط 2 / 204.

١٣٥

كبير في اشتداد مظاهر الحزن يوم عاشوراء، وكان من الطبيعي جداً أنْ تنتقل مراسم عاشوراء ومناحاتها إلى الموضع الذي دفن فيه الرأس الشريف. (وقد ناقشنا موضوع ما قيل من انتقال رأس الحسين من عسقلان، ومها إلى القاهرة، ص126، الهامش 4).

(فإذا كان يوم عاشوراء من المحرّم، احتجب الخليفة عن الناس، فإذا علا النهار، ركب قاضي القضاة والشهود، وقد غيّروا زيّهم، ولبسوا قماش الحزن، ثمّ صاروا إلى المشهد الحسيني بالقاهرة. وكان قبل ذلك يعمل المأتم بالجامع الأزهر)(1) ، ثمّ برزت ظاهرة الذبائح عند هذا المشهد؛

(وكانا ينحرون في يوم عاشوراء عند القبر، الإبل والبقر والغنم، ويكثرون النوح والبكاء، ويسبّون من قتل الحسين ولم يزالوا على ذلك حتى زالت دولته)(2) .

فالنصّ الأول أعلاه: يوضّح أنّ مراسم عاشوراء، انتقلت من الجامع الأزهر إلى المشهد الحسيني. بعد انتقالها من جامع الأزهر في أوائل الحكم الفاطمي.

5) التربة الجيوشيّة:

حيث انتقلت بعض ممارسات الحزن والنياحة، في بعض السنين، إلى التربة الجيوشية، بأمر بعض القوّاد، (في ليلة عاشوراء من سنة سبع عشرة وخمسمِئة اعتم الأجل الوزير المأمون على السنة الأفضلية، من المضي إلى التربة الجيوشية وحضور جميع المتصدّرين

____________________

(1) ابن تغري بردي، يوسف: النجوم الزاهرة، 5 / 153.

(2) المقريزي، أحمد بن علي: الخطط 2 / 204.

١٣٦

الوعاظ وقرّاء القرآن إلى آخر الليل)(1) .

والتربة هي المقبرة، ويبدو أنّها مقبرة للجيوش وكبار العسكر.

6) قصور الخلفاء:

حيث مرّ بنا سابقاً في المحور الثاني، عن كيفية إحياء عاشوراء، أنّ المنشدين والنائحين بعدما يحضرون ثلاث ساعات، في الجامع ينحدرون إلى الخليفة. حيث يقرأ القرّاء وينشد المنشدون أيضاً(2) ثمّ يهيّأ سماط عاشوراء، عند الظهر ويدخل الناس للطعام.

7) الحسينية:

يمكن أنْ نقول، أنّ أهم تطوّر جرى على المأتم الحسيني، من حيث الأمكنة التي يقام فيها، هو إشادة أمكنة خاصة بإقامة المآتم. وهي ما تعرف اليوم (بالحسينية)، التي تنتشر في الأقاليم الشيعية في العالم. وسنأتي على تفصيل ذلك، في الفصل الرابع من هذا البحث، حين الحديث عن الأماكن، التي يقام فيها المنبر الحسيني في العصر الحالي.

إنّ أوّل بناء شيّد كي يكون مخصّصاً لإقامة المآتم ومجالس العزاء كان في أيام الفاطميّين بمصر.

إذ (كان من أهمّ ما تميّزت به القاهرة في عهد الفاطميّين (الحسينية) وهو بناء كان الفاطميون يقيمون في كل عام، ذكرى مقتل

____________________

(1) المصدر نفسه، 2 / 213.

(2) تغري بردي، يوسف: النجوم الزاهرة 5 / 153، 154. المقريزي، أحمد بن علي: الخطط، 2 / 212.

١٣٧

الشهيد الحسين، في موقعة كربلاء)(1) .

هذا وقد ذك المقريزي في خططه، حينما تعرّض إلى حارات القاهرة، أنّ هناك حارة باسم (الحسينيّة) وقد ذكرها فيها بناءً ضخماً(2) . ولكن دون أنْ يربط ذلك بإقامة المآتم الحسينيّة.

وبنهاية هذا المحور، وهو الثالث، من هذا المبحث نكون قد شارفنا على نهاية المبحث الثاني من هذه الدراسة.

وإكمالاً للفائدة، ارتأيت أنْ أجري مقارنة بين مظاهر الحزن والمآتم، التي كانت تقام في بغداد أيام البويهيين، وبين ما كان منهما في القاهرة أيام الفاطميّين.

نقاط الاتفاق والاختلاف بين البويهيين والفاطميين فيما يتعلّق بالمآتم الحسينية

1 - تأخُّر البويهيّين، فيما يتعلّق بالإعلان عن مراسم عاشوراء ومآتمهما، فقد دخل أحمد بن بويه، (معزّ الدولة)، إلى بغداد، سنة 334 هـ بينما أصدر أوامره بالحداد العام في بغداد في سنة 352 هـ. أمّا المعزّ الدين الله الفاطمي، فقد دخل القاهرة في شهر رمضان 362 هجرية، وعبد أربعة أشهر جاء شهر المحرّم 363 هجرية. فاشتدت مظاهر الحزن، حينما انصرف خلق من الشيعة وأتباعهم إلى مشهدَي السيدتين كلثم ونفيسة.

2 - سبق أنْ أثرنا تساؤلاً حول موقف البويهيّين من مراسم العزاء والحِداد، في هل أنّهم أمروا بإقامة هذه المآتم على الحسين في البلدان

____________________

(1) علي، سيد أمير: مختصر تاريخ العرب - ص499.

(2) المقريزي، أحمد بن علي: الخطط 2 / 409.

١٣٨

التي كانت تحت سيطرتهم في بلاد إيران وبل وصولهم إلى بغداد، أم لا؟ حيث لم تذكر المصادر التاريخيّة أيّ شيء عن هذا الأمر. وكذلك نتساءل هنا: هل أنّ الفاطميّين أقاموا تلك المآتم في المغرب، قبل وصولهم إلى القاهرة؟ والإجابة هي ذاتها، حيث لم تذكر لنا المصادر التاريخية شيئاً عن ذلك. ولقد مرّ بنا النصّ التالي: (في اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة وهو يوم غدير خم، تجمّع خلق من أهل مصر والمغاربة للدعاء فأعجب المعزّ ذلك) وتعجّب المعزّ هنا قد يعني أنّه لم يشاهد إحياء هذه المناسبة من قبل، ولعلّ هذا هو الذي شجّعه، على تأييد ما كان يفعله الشيعة بمصر أيام عاشوراء. ولهذا يمكن لنا أنْ نقول: إنّ الفاطميّين قد وجدوا أرضيةً للمآتم الحسينية في القاهرة - كما وجدها نظراؤهم البويهيون في بغداد.

3 - في بغداد(1) ، كانت مظاهر النياحة والعزاء، تقام في الشوارع والبيوت، ثمّ تطوّر الأمر إلى إحيائها عند مشهد الإمامين موسى بن جعفر الكاظم ومحمد بن علي الجوادعليه‌السلام في شمال بغداد. أمّا في القاهرة فإنّ مظاهر العزاء كانت تتّجه قبل الفاطميّين إلى مشهدي السيدتين كلثوم ونفيسة، ثمّ إلى مساجد القاهرة والأزهر ومشهد الإمام الحسينعليه‌السلام ، أيام الفاطميّين. وما تزال المراقد المقدّسة سواء في العراق أم إيران تستقطب أضخم مظاهر العزاء الحسيني وتكون عندها أكبر التجمّعات والمآتم.

4 - مما يّميّز إقامة العزاء في القاهرة، مشاركة الخليفة الفاطمي، إضافة إلى أركان الدولة، حينما تبدو المآتم وكأنّها مراسم رسميّة للدولة حتى إنّها تقام في قصور الخلفاء الفاطميين. بينما لم تنقل

____________________

(1) البحث هنا عن مظاهر العزاء في بغداد أيام البويهيين، أمّا عموم العراق وخاصة كربلاء (100 كم جنوب غرب بغداد) فإنّها كانت تضمّ تجمّعات الزائرين ومجالس العزاء في وقت مبكر جداً، راجع ص47.

١٣٩

المصادر التاريخيّة مثل ذلك أو حتى أقل منه في بغداد أيام البويهيين، بل كانت المظاهر في بغداد تبدو شعبية إلى حدٍ كبير. أو في بيوت بعض وجهاء بغداد (الرؤساء)، راجع ص53.

5 - بيّنتْ المصادر التاريخية تفصيلات للأعراف والأساليب والتقاليد، التي كانت تُحيى فيها مراسم عزاء يوم عاشوراء بالقاهرة، وكيف يجلس الخليفة والوزير وقاضي القضاة وغيرهم وبيان وصف سماط عاشوراء، وخروج المنشدين، وتفصيلات أخرى كمراسيم احتفالية خاصة. بينما كانت أساليب إحيائها في بغداد مجملة غير واضحة التفاصيل.

6 - كانت الفتن الطائفية في بغداد تصاحب أيام الحداد في عاشوراء، في سنين عديدة. بحيث صارت تلك الفتن ملازمة لأيام عاشوراء، بشكل يكاد يكون سنويّاً، وقد يؤدّي إلى حوادث مؤسفة. بينما لم تنقل مصادر التاريخ أي فتنة طائفيّة في مصر أيام الفاطميّين، إلاّ بعض حالات التشنّج التي كانت ستؤدّي إلى فتنة، لولا تدخّل رجال الدولة، في سنة 363 هـ، ثمّ لم يشار إلى أي إشكالٍ أو توتّر طائفي، حتى نهاية الدولة الفاطمية.

7 - حدث تطوّر مهم في مؤسّسة المأتم الحسيني في القاهرة، عبر إنشاء بناء خاص بإقامة المآتم الحسينية، وأطلق عليها اسم (الحسينيّة). بينما لم يذكر التاريخ شيئاً من ذلك في بغداد. نعم تنتشر الآن مئات الحسينيّات في بغداد، ولا أحسب أنّ هناك بناءً يعرف بالحسينية في القاهرة حاليّاً.

8 - كان البويهيون، قد أصدروا أوامرهم في إقامة العزاء، وخروج مواكب النياحة في بغداد، في أيام عاشوراء. ولم يثبت أنّهم وسّعوها إلى أكثر من ذلك، في حين نجد إنّ بعض الخلفاء الفاطميّين (وهو الحاكم بأمر الله) قد أصدر أوامره، بالإعلان عن تعطيل دوائر

١٤٠