المنبر الحسيني نشوؤه وحاضره وآفاق المستقبل

المنبر الحسيني نشوؤه وحاضره وآفاق المستقبل0%

المنبر الحسيني نشوؤه وحاضره وآفاق المستقبل مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 397

المنبر الحسيني نشوؤه وحاضره وآفاق المستقبل

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ فيصل الخالدي الكاظمي
تصنيف: الصفحات: 397
المشاهدات: 110758
تحميل: 6812

توضيحات:

المنبر الحسيني نشوؤه وحاضره وآفاق المستقبل
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 397 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 110758 / تحميل: 6812
الحجم الحجم الحجم
المنبر الحسيني نشوؤه وحاضره وآفاق المستقبل

المنبر الحسيني نشوؤه وحاضره وآفاق المستقبل

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

بحثه، إلى حدث من أحداث كربلاء، له ثمّة علاقة وتشابه مع تلك النقطة.

والانتقال من المحاضرة، التي يتناولها خطيب المنبر الحسيني، إلى فترة الختام، وهي التعريج على كربلاء وأحزانها، هذا الانتقال يمر بفقرة (التخلّص) وهي فقرة فنية يبدع فيها الخطيب. وتعتمد على ملكته البيانية، والبلاغية، وقوّة تصويره، واطّلاعه على أدقّ التفاصيل في واقعة كربلاء وسِيَر رجالها.

وفقرة التخلّص هي من فقرات المنبر الحسيني الجديد، وسيأتي التفصيل في الحديث عنها، في الفصل القادم من هذا البحث إن شاء الله تعالى.

المبحث الثاني: خطباء بارزون في المنبر الحسيني

سنقف ونحن نؤرخ لهذه المرحلة، عند تراجمٌ أربعة من مشاهير خطباء المنبر الحسيني، والذين كان لهم دور مميز وواضح، في النقلة الكبيرة للمنبر الحسيني، مع بيان ابرز ما يميّزهم عن بقية الخطباء، وذلك حسب تسلسلهم التاريخي:

1 - الشيخ كاظم سبتي

هو الشيخ كاظم بن حسن بن علي بن سبتي النجفي السهلاني الحِميَري.

ولد في النجف الأشرف سنة 1265 هجرية، نشأ يتيماً و(أودعته أُمه عند أحد الصاغة، ليحترف الصياغة، ولكنّه رغب عن صياغة

١٨١

الذهب، والفضّة، إلى صياغة الكلام ومجلوّ النظام)(1) .

(قرأ المقدّمات، والفقه، والأصول، بجدّ ورغبة، حتى حاز على درجة الفضل، وحضر الدروس الخارجية(2) من الأصول والفقه الكلام، وبلغ مرتبة الاجتهاد، غير أنّه كان مولعاً بالخطابة والأدب الشعر، فأخذ يرقى المنابر، للوعظ والإرشاد، ويشاطر الشعراء)(3) .

(كان من أشهر الخطباء، ومن أوفى الذاكرين البلغاء... ولم يكن في عصره من يماثله أو يشاكله، في سعة الخبرة، وطول الباع، وعلوّ الكعب، وفي الضبط وغزارة المادة، وحسن الإلقاء، وانتقاء المواضيع، واختيار الصحيح المأثور... وحقّاً أقول إنّه مخترع ومبتدع في فن الخطابة.. طبقت شهرته جميع البلدان العراقية، وغيرها، من الأقطار الشيعية... يعسر على الماهر، أنْ يحصي عليه زلّة لحن واحدة، في مادة أو إعراب...)(4) .

إذ، ممّا ميّز خطيبنا الشيخ كاظم سبتي، ما ذكر أعلاه من علمه، ودقّة ما يختاره، والإلقاء الحسن فهناك معلومات دقيقة وصحيحة، وهناك أيضاً حسن إلقاء وتوفيق في الطرح والبيان.

وليس هذا كل شيء، في الشيخ كاظم سبتي، إذ يقول عنه الإمام المصلح، الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء(5) : (وكان

____________________

(1) شبر، السيد جواد: أدب الطف، 9 / 75.

(2) الدروس الخارجية: هي مرحلة متقدّمة من الدراسات الدينيّة، يمنح المتفوّقون والمبرّزون فيها، درجة الاجتهاد.

(3) الأميني، محمد هادي: معجم رجال الفكر والأدب في النجف، 2 / 666.

(4) محبوبة، جعفر باقر: ماضي النجف وحاضرها، 2 / 340.

(5) الشيخ محمد حسين ابن الشيخ علي ابن الشيخ محمد رضا ابن الشيخ موسى ابن الشيخ جعفر المعروف بكاشف الغطاء، الذي نسبت الأسرة العلمية له. مجتهد كبير وأديب علم ومصلح إسلامي بارز، وهو من مراجع الدين في النجف الأشرف، سافر إلى العديد من الأقطار الإسلامية، ساهم في المؤتمرات الإسلامية، أمّ العلماء المسلمين والمشاركين، =

١٨٢

المنبري(1) ذلك اليوم، لا يتعدى غير رواية قصة الإمام الحسينعليه‌السلام ، ومقتله يوم عاشوراء، وإذ بهذا المتكلّم، يروي خطب أمير المؤمنينعليه‌السلام ، عن ظهر غيب فعجب الناس، واعتبروه فتحاً كبيراً في عالم الخطابة. ثمّ قام يروي السيرة النبوية، وسيرة أهل البيت، وربّما روى سيرة الأنبياء السابقين، وقصصهم. فكان بهذه الخطوة يراه الناس مجدّداً، حيث حفظ وقرأ، وهكذا من يحفظ ويقرأ يراه الناس مجدّداً؛ لأنّهم كانوا لا يحسنون أكثر من قراءة المقاتل، في ذلك الحين)(2) .

إذن، والذي جعل من الشيخ كاظم سبتي، خطيباً حسينيّاً مميزاً، مع وفرة معلوماته وغزارتها ودقّتها، وحسن إلقائه وخطابته، أنّه جاء بما لم يأتِ به الخطباء قبله، والذين كانت خطابتهم، لا تتعدّى واقعة كربلاء وأحداثها، حيث أخذ يطرح سيرة النبي الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وسيرة أهل البيت، بل ويحفظ خطب الإمام علي ابن أبي طالبعليه‌السلام عن ظهر قلب. والأهم في شهادة الشيخ كاشف الغطاء هذه، ذلك التطوّر والإبداع اللذان قام بهما الشيخ كاظم سبتي. حيث جاء بأداء جديد، استحق أنْ يكون به، فاتحاً لباب مرحلة جديدة، من مراحل تطوّر المنبر الحسيني.

كما أنّه كان أوّل خطيب حسيني، يستخدم أسلوب التخلّص، في خطابه المنبر الحسيني. وهو من التطوّرات الفنية، التي طرأت على

____________________

= في مؤتمر القدس عام 1935م. شارك في جهاد الإنجليز، حينما دخلوا العراق. له أكثر من ثلاثين مؤلّفاً مطبوعاً. منها: أصل الشيعة وأصولها، المُثل العليا في الإسلام لا في بحمدون، جنة المأوى، وغيرها، ولد في النجف 1294 وتوفّي فيها عام 1373 هجرية. (الأميني، محمد هادي: معجم رجال الفكر والأدب في النجف، 3 / 1048) ومصادر أخرى.

(1) المنبري: هو من أسماء خطيب المنبر الحسيني.

(2) شبر، جواد: أدب الطف، 9 / 75.

١٨٣

المنبر الحسيني، في هذه المرحلة.

إذ (يقال: كان القارئ(1) يقرأ نبذة من تاريخ، أو سيرة، أو موعظة، ثمّ يذكر المصيبة(2) ، ولم يكن بيهما ارتباط بل مفكّكة. والمترجم هو الذي اخترع التخلّص9903).

وهذه ميزة أخرى، تضاف لشيخنا المترجَم له، حيث أنّه هو الذي أبدع هذه الالتفاتة الفنّية في الخطابة الحسينيّة. فقد أحدث تطوّرّا في المضمون، عبر الأداء الجديد للمواضيع، وأحدث تطوّراً في الشكل، أبدع أسلوب التخلّص في خطابة المنبر الحسيني.

وذاع صيت الشيخ كاظم سبتي، في مختلف المناطق، التي تهتم بالمنبر الحسيني، ولهذا (طلبه جماعة من وجهاء بغداد، وأكابرهم، ليسكن هناك، فهاجر إليها سنة 1308 هجرية، وبقي سبع سنين يرقى الأعواد(4) ، في المحافل الحسينية... وفي سنة 1315 هجرية ألزمه جماعة من علماء النجف، بالعودة إلى النجف، فكان خطيب العلماء وعالم الخطباء، يلتذّ السامعون بحديثه، ويقبلون عليه بلهفة وتشوّق، ولهم كلمات بحقّه تدلّ على فضله)(5) .

وكانت وفاة الشيخ كاظم سبتي، في النجف الأشرف سنة 1340 هجرية. فكان المجتهد العالم، ثمّ الخطيب الحسيني المبدع، ويعتبر ذلك من الأمور البارزة التي ميّزته، على خلاف ما كان سائدا آنذاك من أنّه لا ينبغي ولا يليق بالعالم، أنْ يرتقي المنابر(6) .

____________________

(1) القارئ: اسم آخر يطلق على خطيب المنبر الحسيني، وهو مصطلح متأخّر.

(2) وهي الفقرة الأخيرة من الخطبة، وتذكر فيها إحدى فجائع كربلاء. سيأتي الحديث عنها في الفصل القادم.

(3) محبوبة، جعفر باقر: ماضي النجف وحاضرها، 2 / 340.

(4) الأعواد: بمعناها المنابر.

(5) شبّر، السيد جواد: أدب الطف، 9 / 76.

(6) الحلو، السيد مضر: مجلة رسالة الحسي، 1 / 187.

١٨٤

2 - السيد صالح الحلّي

وهو النموذج الثاني، من الخطباء الحسينيين في العصر الحديث، جاء زمنيّاً بعد الشيخ كاظم سبتي، الذي تقدّم الحديث عنه. وهو السيد صالح بن السيد حسين بن السيد محمد الحسيني الحلّي (نسبة إلى الحلّة وهي مدينة عراقية، هي مركز محافظة بابل حالياً تبعد 100 كم غرب بغداد) ولد في الحلّة سنة 1289 هجرية، ثمّ هاجر مع عائلته إلى النجف الأشرف سنة 1308 هجرية، وهو بعمر التاسعة عشرة من عمره(1) .

انخرط في العلوم العربية، والفقهية والأصولية، حتى (أصبح من العلماء أو المجتهدين الأفاضل، غير أنّه انصرف إلى الخطابة والوعظ)(2) . (ولع باستظهار طائفة من نصوص البلاغة، حفظ القرآن الكريم، وحفظ نهج البلاغة عن ظهر قلب، ثمّ رقى المنبر ذات يوم، في بيت صديق له بمناسبة محرّم الحرام، حين استبطؤا مجيء الخطيب، فأنس في نفسه المقدرة، وزاده إعجاب المستمعين إليه، رغبةً في الاستمرار على صعود المنابر، فلم يلبث حتى امتهن الخطابة، وصار أشهر خطباء المنابر الحسينية، على غير قصد سابق. واجتمعت القدرة والجرأة واللسان الذرب(3) فيه، فأخرجت منه شخصاً قليل النظير، يهابه الجميع ويخافه الرعاع(4)(5) .

وكان السيد صالح الحلي، وهو يجد ويعمل جاهداً لكي يرفع من مستوى أداء منبره، (مستعيناً بإرشادات العلامة الأديب، السيد باقر الهندي الموسوي(6) ، الذي كان له الفضل الأكبر، في توجيهه،

____________________

(1) شبّر، السيد جواد: أدب الطف، 9 / 204.

(2) الأميني، محمد هادي: معجم رجال الفكر والأدب في النجف، 1 / 444.

(3) الذَرِب: الحاد، رجل ذرب: سليط اللسان.

(4) الرعاع: سلفة الناس وعامهم وأظن أنّ المقصود هنا عامّة الناس.

(5) الخليلي، جعفر: هكذا عرفتهم، 1 /108.

(6) السيد باقر ابن السيد هاشم الرضوي النجفي الموسوي الهندي، عالم وشاعر كبير ولد في =

١٨٥

واختيار المواضيع المنبرية له، في شتّى المناسبات)(1) .

ومن الميزات، التي رفعت من شأن خطابة السيد صالح الحلّي، سعة اطلاعه، وإحاطته بفنون الأدب والثقافة. (فكان يرقى المنبر، وتتدافع الجماهير عل اختلاف طبقاتها، وعلى اختلاف رغباتها واتجاهاتها، للاستماع إلى أحاديثه، الذي كان يعطي بذلك لكل صنف من الناس، حقّه في الموضوع)(2) .

وكان السيد صالح الحلّي، إضافة إلى هذه المواهب والقدرات الكبيرة، ذا حس جهادي كبير، في مقاومة المستعر الكافر، الذي غزا البلاد الإسلامية. (ففي سنة 1333 كان في طليعة المحرضين على الإنكليز، وقد سار مع ركب العلماء المجاهدين، نحو (الشعيبة - البصرة) حتى سقطت البصرة بيد الإنكليز، ثمّ سقطت بغداد. وهو فيها خائف يترقّب من حكام الإنكليز، حتى حدثت الثورة العراقية سنة 1338 (1920 م) على حكّامهم، فقام السيد بواجبه الديني، يحرّض القبائل في العراق، وأصبح مطارداً في القرى والأرياف، حتى ألقوا القبض عليه، ونفوه من العراق إلى إمارة (الشيخ خزعل)(3) ، وصار عنده موضع عناية وتكريم، سنين، حتى عاد

____________________

= النجف عام 1285 هجرة. درس على يد أكابر علمائها. له شعر كثير بالفصحى والعاميّة. رثى أهل البيت بقصائد كثيرة (ما تزال تُتلى على المنابر) توفّي بالنجف عام 1329 هجرية (الأميني، محمد هادي: معجم رجال الفكر والأدب في النجف، 3 / 1346).

(1) اليعقوبي، محمد علي: البابليات، 4 / 134.

(3) الشيخ خزعل الكعبي، أمير المحمّرة والمناطق العربية في جنوب إيران، التي تُعرف بعربستان، ورسميّاً بخوزستان، ولد بالمحمّرة سنة 1279 هـ 1862 م تولّى الإمارة سنة 1315 هـ الموافق لـ 1897م. كان يطمح لحكم العراق له علاقات واسعة برجال العراق وشيوخ الخليج. قبض عليه عن طريق الخدعة من قبل شاه إيران رضا بهلوي، سنة 1925م وبقي رهن الإقامة الجبرية بطهران، حتّى وفاته 1355 هـ 1936م (الزركلي، خير الدين: الأعلام 2 / 304).

١٨٦

بعدها إلى العراق وسكن الكوفة، ومات عام 1359 هجرية، ودفن في النجف)(1) .

ولهذه الصفات، التي اجتمعت في الخطيب السيد صالح الحلّي؛ من علم وسعة إطلاع، وقوّة حافظة، وبلاغة لسان، وجرأة جنان، ووعي بقضايا المسلمين. نجد أنّ السيد محسن الأمين العاملي، وهو المجتهد المصلح المعروف، حينما يذكره يقول عنه: (هو أحسن خطيب عرفته المنابر الحسينية)، وأنا أودّ أنْ نعدّ الخطباء على غراره، إذا ما أردنا أنْ ننبّه الناس، ونوقظهم، ونوجّههم، توجيهاً صحيحاً)(2) .

لقد لمس روّاد المنبر الحسيني، أنّ ذلك التطوّر النوعي، الذي جاء به الشيخ كاظم سبتي، لم يعد ظاهرةً طارئةً، حيث راح السيد صالح الحلّي، يزيد في ذلك التطوّر، وهو يُسهمُ بدور كبير وأساسي.

3 - الشيخ محمد علي اليعقوبي

ومن خطباء هذه المرحلة، الذين أغنوا المنبر الحسيني، وصيّروا منه جهازاً تربوياً، وتثقيفياً بارزاً، بما كانوا عليه من سعة إطّلاع وروائع ما يقتنصونه، من شواهد الأدب والتاريخ ونكاتهما، ومن إحاطة بعلوم التفسير والفقه والأصول والعربية، ممّا جعل المنبر الحسيني؛ حديقة غنّاء، تجد فيها كل الثمار اليانعة، والقطوف الطيبة.

من هؤلاء، كان الشيخ محمد علي بن يعقوب بن محمد حسين الحلّي النجفي، ولد في النجف الأشرف عام 1313 هجرية، قيل عنه أنه: (قاموس الأدب، ولسان العرب، وخطيب العصر، وشيخ الخطباء بحق، وأحد أمراء الكلام، والشعر، والخطابة، والتحقيق، والتتبّع.

____________________

(1) الأميني، محمد هادي: معجم رجال الفكر والأدب في النجف، 1 / 445.

(2) الخليلي، جعفر: هكذا عرفتهم، 1 / 4.

١٨٧

نشرت له في الصحف، دراسات قيمة، وبحوث تاريخية، ومواضيع أدبية)(1) .

لقد حدث تطوّر نوعي، في خطباء هذه المرحلة، إذ قد ارتقى أعواد المنابر الحسينية فيها، رجال جمعوا بين العلم والأصول والفقه من جهة، وبين فنّ الخطابة من جهة أخرى.

فأين ما كان عليه المنبر الحسيني أيام أئمّة أهل البيت، حيث كان المنشدون والقاصّون؟ وكيف وصل الأمر، إلى هذه المستويات العلمية الممتلئة، وهي تمارس خطابة المنبر الحسيني، في هذه المرحلة؟

إنّ الشيخ محمد علي اليعقوبي، من أولئك الخطباء الحسينيين، الذين جمعوا بين العلم والخطابة، حتى عُرف بشيخ الخطباء. وقد عرف عنه (صندوقُه) الذي كان يلقي فيه، ما كان يقتنصه من شوارد الأدب وشواهده، والتاريخ والعقائد والتفسير، حينما كان يراجع أمّهات المصادر التاريخية، والأدبية، ويغوص في أعماقها. فيشد إليه العقول، وتتعلّق بمحاظراته القلوب.

(فكان الشيخ محمد علي اليعقوبي، دائرة معارف، يخرج للناس، ببعض ما في صندوقه، من اللآلئ التي تُعجب النظّار، وتكاد تذهب بالأبصار)(2) .

وكان يتناول، أبحاثاً علمية دقيقة، يجعل من المنبر الحسيني

____________________

(1) الأميني، محمد هادي: معجم رجال الفكر والأدب في النجف، 1 / 1367.

(2) عبد الزهراء الحسيني الخطيب، من لا يحضره الخطيب 2 / 16. من مقدّمة الكتاب والعلاّمة السيد عبد الزهراء الحسيني هو عالم جليل وملف محقّق، وخطيب حسيني معروف، ولد في بلدة الخضر بجنوب العراق سنة 1338 / 1918م (توفّي في دمشق ودفن فيها سنة 1414 / 1994م) وله عدّة آثار من أبرزها مصادر نهج البلاغة وأسانيده (وحقّق مجموعة من الكتب التاريخية، وكتب دورة كاملة في الفقه). (الأميني، محمد هادي: معجم رجال الفكر والأدب في النجف 1 / 506).

١٨٨

معهداً علمياً متنقّلاً، وهو بذلك قد أسهم - مع بقية شيوخ الخطباء المبدعين - في رفع مستوى أداء المنبر الحسيني، وإثقال كاهل من يريد ارتقاءه!، بأنّ عليه أنْ يجهد نفسه، ويتعبها، ويأتي بالموضوع الدقيق، والتحقيق الرصين، البحث الخصب.

ففي أحد المجالس الحسينية، كان الشيخ محمد علي اليعقوبي، قد (تناول موضوع الاجتهاد والأصول، عند الأصوليين... فوفّاها اليعقوبي حقّها، كما لو كان مجتهداً بارعاً، درس الاجتهاد ومراحله ودرجاته... وأبدع اليعقوبي في ذلك اليوم، بما أورد من شواهد وأمثال على محاضرته، ورصع المحاضرة بالشعر، والنصّوص الأدبية. ثمّ ربط ببراعة حسن التخلّص، بين موضوعه، وبين ذكر شهادة الحسينعليه‌السلام ، ونزل من المنبر وقد خلب ألباب الحاضرين وسحَرهم)(1) .

وإضافة إلى خطاباته، فقد كان الشيخ محمد علي اليعقوبي، عضواً في جمعية الرابطة العلمية الأدبية(2) في النجف الأشرف، وعميدها لعدّة سنين.

كما كان الشيخ اليعقوبي شاعراً، انتقد بشعره الاستعمار الانجليزي، في أحداث حركة عام 1941م، التي اصطدم فيها الجيش العراقي مع الجيش الإنكليزي، فأنشد قصيدة كان من أشهرها:

(جاءت لتحميك على زعمها

ولنـدن ليس بهـا حـامية

وكان اليعقوبي مهدّداً بعد عودة الإنكليز، بسبب هذه القصيدة،

____________________

(1) الخليلي، جعفر: هكذا عرفتهم، 2 / 148.

(2) جمعية الرابطة العلمية الأدبية: وهي أول جمعية أدبية تؤسّس في النجف بصفة رسمية، وكان ذلك عم 1351 هـ. ضمّت مجموعة من العلماء والأدباء والخطباء المشهورين، وصار بعض أعضائها بعد ذلك، أساتذة في الجامعات العراقية. (محبوبة جعفر الشيخ باقر: ماض النجف وحاضرها، 1 / 396).

١٨٩

وغيرها)(1) .

وأود أنْ أذكر شهادة معاصرة للسيد محمد حسين فضل الله، في حق الشيخ محمد علي اليعقوبي، أيام إقامة السيد في النجف الأشرف، حيث كان منشغلاً بتحصيل العلم:

(هناك في المرحلة التي كنا نعيشها، في النجف، كان الخطباء، يمثّلون - في البدايات - المنبر الحسيني، الذي يمكن أنْ يحصل الإنسان من خلاله على ثقافة واسعة. إنّ الخطباء كانوا مثقّفين، أدبياً وتاريخياً، ومن هؤلاء الخطباء الذين تركوا أثراً كبيراً في نفسي، هو الشيخ محمد علي اليعقوبي، الذي كان من الشخصيات الأدبية، وكان من الشخصيات التي تملك خبرة تاريخية، على الأقل بحسب بعض جوانب تاريخ العراق.

وكان له كتاب البابليات. كان يمتلك ثقافة أدبية حيّة، تميّز بها كل الأدباء النجفيّين، الذين كانوا يعيشون ثقافة تلك المرحلة، في النكتة اللاذعة، واللفتة الأدبية التي كانت تنزل تأثيراتها على الشعب. فكان الناس ينشدّون إلى خطابته، باعتباره كان يمثّل كشكولاً أدبياً وتاريخياً. كما كان حديقة متنقّلة، وكان يمتاز إضافةً إلى ذلك، بالصوت الحنون، والطريقة المؤثّرة، في اجتذاب الدمعة وما إلى ذلك)(2) .

إنّ ارتفاع أداء خطباء المنبر الحسيني المتميزين في هذه المرحلة، قد أدّى إلى ارتفاع مستوى جمهور المنبر الحسيني، وراحوا يتطلّعون إلى مواصفات جديدة، في الخطيب الذي يحضرون منبره، أو إذا أرادوا اختيار خطيب لإحياء موسم من مواسم الخطابة الحسينية. ولذا كان على الخطباء أنْ يجهدوا أنفسهم، ويتنافسوا في معلوماتهم،

____________________

(1) الخليلي، جعفر: هكذا عرفتهم، 2 / 157.

(2) الخالدي، فيصل: المنبر الحسيني في العراق.

١٩٠

وحسن أدائهم، من أجل أنْ يكون لهم حضور ووجود، مع بروز مواصفات جديدة في المنبر الحسيني وخطبته. ولم يبق المنبر الحسيني، محصوراً في إطار عرض مصائب كربلاء، بأسلوبٍ شجيّ، ولحن حزين، بل راح يطرق أبواباً جديدة تمسّ واقع الحياة، وثقافة الإنسان، وبناء شخصيته.

توفّي الشيخ محمد علي اليعقوبي سنة 1385 هجرية الموافق لعام 1965م، ودفن بالنجف الأشرف.

4 - الشيخ أحمد الوائلي

يعتبر الشيخ أحد الوائلي، أشهر خطيب حسيني، في عصرنا الحاضر، ذاع صيته في كل الأوساط الشيعية العربية في العالم. وراحت أشرطة التسجيل، توزّع محاضراته، إلى مساحات كبيرة في البلاد العربية والمَهاجر.

والشيخ أحمد الوائلي هو عصارة ذلك البروز المميّز، للمنبر الحسيني في هذه المرحلة، (حيث استوعَب ودرَس كل عوامل النجاح والتطوّر، ثمّ أضاف إليها الشيء الكثير، حتى لقّب بأمير المنبر الحسيني)(1) .

ولد الشيخ أحمد بن الشيخ حسّون بن سعيد الليثي الوائلي النجفي، في النجف الأشرف سنة 1346 هجرية (1927م). وسار على سيرة الخطباء، في التلمذة على خطباء مرموقين(2) ، ثمّ (واصل دراسته بجد واجتهاد، في المدارس الرسمية والتحق بكلّية الفقه - في النجف الأشرف - وتخرّج منها وانتقل إلى بغداد، لمواصلة دراسته في

____________________

(1) الكرباسي، محمد صادق: معجم خطباء المنبر الحسيني، 361.

(2) سيأتي في الفصل القادم إن شاء الله وفي مبحث (إعداد الخطيب الحسيني) بيان طريقة التلمذة هذه.

١٩١

معهد العلوم الإسلامية، ونال منه شهادة الماجستير، ثمّ سافر إلى القاهرة، وحصل على شهادة الدكتوراه في العلوم الإسلامية)(1) . (وهي أول شهادة لأول خطيب في النجف)(2) . (وهو مع جميع هذه المراحل الدراسية الشاقّة، كان يصعد أعواد المنابر، للتوجيه والإرشاد والدعوة، ويسهمُ في المؤتمرات والمهرجانات الأدبية)(3) .

ويعتبر الدكتور الشيخ أحمد الوائلي، الحلقة الأخيرة، والأبرز، في سلسلة الخطباء المميزين، الذين نقلوا المنبر الحسيني، إلى آفاق واسعة، ومعالجات متعدّدة. فهو وريث، في حسن الخطابة والأداء، للشيخ كاظم سبتي، والسيد صالح الحلّي، والشيخ محمد علي اليعقوبي، ويعتبر الأخير أكثر الأساتذة تأثيراً في خطابة الشيخ أحمد الوائلي، كما يصرّح هو بذلك.

(أمّا الخطباء الذين تتلمذت عليهم بمعنى التلمذة، من حيث الاستفادة، من مجمل منابرهم شكلاً ومضموناً فهما اثنان: المرحوم الخطيب الشيخ محمد علي اليعقوبي، والمرحوم الشيخ محمد علي القسّام(4) )(5) ثمّ يذكر ميّزات الشيخ محمد علي اليعقوبي، بما أشرنا إلى معظمها في ترجمته السالفة.

(وتمرّن في الخطابة منذ النشأة، فقد صحب عن طريق التلمذة

____________________

(1) الأميني، محمد هادي: معجم رجال الفكر والأدب في النجف، 3 / 1316.

(2) المرجاني، حيدر: خطباء المنبر الحسيني، 1 / 116.

(3) الأميني، محمد هادي: مع رجال الفكر والأدب في النجف، 3 / 1316.

(4) هو الشيخ محمد علي بن حمودي بن خليل الخفاجي القسّام: خطيب بارز وشاعر مجيد، وسياسي حر. ولد في النجف الأشرف سنة 1291 هجرية. ثار مع العلماء ضد الإنكليز. استوطن بغداد ومات فيها سنة 1373 هجرية. من آثاره: الأخلاق المرضية في الدروس المنبرية، أسنى التحف في شعراء النجف، وديوان شعر. (الأميني، محمد هادي: معجم رجال الفكر والأدب في النجف، 3 / 1000).

(5) الوائلي، أحمد: تجاربي مع المنبر، ص98.

١٩٢

فريقاً من الأساتذة)(1) .

وبالتالي يمكن أنْ نقول: إنّ الشيخ أحمد الوائلي هو الأول من الخطباء المبرّزين، الذين جمعوا بين الأسلوب التقليدي في الثقافة الدينية، والأسلوب الحديث في الدراسة الأكاديمية.

ويمكن أنْ نُجمل النقاط الأساسية التي ميّزت خطابة الشيخ أحمد الوائلي بما يلي:

1 - التلمذة الموفّقة على كبار شيوخ المنبر الحسيني، من الخطباء، وحسن استفادته من تلك التلمذة.

2 - الجهود الذاتية في سعة الاطلاع، ومتابعة الإصدارات الفكرية، والثقافية، حتى غدا موسوعة ثقافية، متعدّدة الجوانب.

3 - حسّه الأدبي، وشاعريته الوقادّة، حيث يعتبر الشيخ الوائلي، من شعراء العراق والعرب، وله دواوين شعر.

4 - شهادته الجامعيّة الأكاديمية، التي كانت تعتبر فتحاً، في عالم خطباء المنبر الحسيني. حيث مكّنت له هذه الشهادة اجتذاب الطبقات المثقّفة، والطلبة الجامعيّين إلى عالم المنبر الحسيني، كما فتحت له أبواباً واسعة في مجالات متعدّدة.

5 - بحثه للأمور ذات العلاقة بحياة المسلم، والتحدّيات التي تواجهه، وردّ الشبهات عن الإسلام، ومحاكمة التيارات الفكرية الأخرى، إضافة إلى بحوث اقتصادية واجتماعية وتربوية متعدّدة.

6 - من الأمور، التي ميّزت طريقة الشيخ الوائلي في الخطابة؛ هو ابتداؤه المحاضرة بآية من القرآن الكريم، وهو تطوّر نوعي آخر في

____________________

(1) الخاقاني، علي: شعراء الغربي، 1 / 294.

١٩٣

المنبر. فبعدما أحدث الشيخ كاظم سبتي تغييراً نوعيّاً في خطبة المنبر الحسيني، حينما راح يحفظ خطب نهج البلاغة، ويبدأ بها حديثه. يأتي بعد ذلك الشيخ أحمد الوائلي، ليبدأ الحديث، بآيات القرآن الكريم.

وكانت بداية هذا التغيير الكبير في خطبة المنبر الحسيني عند الشيخ الوائلي إلى صدفة - كما حكى هو عن ذلك - مكّنته من أنْ يطّلع على تفسير الفخر الرازي، وحسن استفادته من الآية القرآنية، (ولمّا قرأت ما كتبه، وتعرّفت على أسلوبه في التفسير والتحليل، وغزارة فكره وديباجته العلميّة، شدّني إليه شدّاً... وكان لهذه القراءة، أثر كبير عليّ، للتوجيه نحو كتب التفسير، والاستفادة من عطائها.

وشرعت أجعل عنوان بعض المجالس الحسينية، آية من كتاب الله، ثمّ أشرح مضمونها في حدود قدراتي وأشرح ما فيها، بمعلومات، وشواهد تاريخية وأدبية وعقائدية إلخ)(1) ويُعدّ أسلوب البدء بآية قرآنية كريمة، هو الأسلوب الأكثر رواجاً والأشدّ جذباً للجمهور المثقّف والواعي من رواد المنابر الحسينيّة، في عصرنا الحاضر.

7 - يضاف إلى كل النقاط أعلاه، مسألة مهمّة في المنبر الحسيني، وهي شجاء الصوت وعذوبته، والقدرة والتمكّن من تصوير واقعة كربلاء، بحيث يتفاعل المستمع منها بالحزن والبكاء.

ولقد وهب الشيخ أحمد الوائلي، صوتاً شجياً، ونبرات قويّة، وظّف لها ثقافة أدبية وشعرية، في حسن اختيار المفردة الأدبية، الأبلغ تصويراً، والأقوى عرضاً. وإنْ كان الشيخ الوائلي، قد أحدث في أسلوبه، عزوفاً واضحاً، عن فقرة القصيدة الشعرية الرثائيّة التي تُتلى

____________________

(1) الوائلي، أحمد: تجاربي مع المنبر، ص113.

١٩٤

في مقدمة المنبر الحسيني(1) .

حتى إذا قيل عن خطيب، أنّ أسلوبه هو أسلوب الشيخ أحمد الوائلي، فهذا يعني أنّه يبدأ بآية قرآنية، ويختصر موضوع المصيبة(2) ، ويحاول الاقتصار على الشعر القريض - جهد الإمكان - في عرض تلك المصيبة.

ولهذا أوجد (المترجم له، مدرسة مستقلّة للخطابة، وأسلوباً حديثاً للوعظ والإرشاد، انسجم مع روح الشبيبة والعصر، ولذلك انجذب إليه الشباب والمثقفون، وتمكن أن يخترق صفوف أبناء الجامعات العلمية، وفتح آفاقاً جديدة للمنبر الحسيني)(3) .

ولهذا فلم يكن اختيار الشيخ الوائلي، من قبل قناة تلفاز المنار بلبنان، إلاّ تصديقاً لهذا الموقع، الذي يحتلّه في ساحة المنبر الحسيني. فقد سجل تلفاز المنار محاضرات منبرية للدكتور الشيخ الوائلي، للعشرة الأولى من المحرّم عام 1422 هجرية. وبثت على قناته الفضائية.

وعن هذا الأمر سألت الشيخ نعيم قاسم(4) فأجاب:

____________________

(1) (2) خطبة المنبر الحسيني مؤلّفة من عدّة فقرات ستدرس في فقرة (هيكلية المنبر الحسيني) في الفصل القادم، منها فقرة القصيدة الرثائية في مقدمة المحاضرة وتأتي فقرة (المصيبة) في آخر الفقرات.

(3) الكرباسي، محمد صادق: خطباء المنبر الحسيني، ص360، 361.

(4) الشيخ نعيم قاسم من مواليد عام 1953 في كفر كلا جنوب لبنان، حصل على الليسانس في الكيمياء ودرّسها في المدارس الثانوية. وتزامنت دراسته الدينية مع دراسته الأكاديمية حتى نال درجات عليا في الدراسة الحوزويّة. عالم حركي مجاهد، شارك في تاسيس الاتحاد اللبناني للطلبة المسلمين، وعمل مع الإمام موسى الصدر، في بداية تأسيس حركة المحرومين، وساهم في تأسيس حزب الله عام 1982، وصار نائباً للأمين العام لهذا الحزب منذ سنة 1991م ولأربع دورات متتالية. (مكتب الشيخ نعيم قاسم - بيروت).

١٩٥

(بما أنّنا اعتبرنا (تلفزيون) المنار موجّهاً لتقديم الصورة الصحيحة، للمنبر الحسيني رأينا أنْ ندقّق في الاختيار، فوجدنا أنّ الدكتور الوائلي، هو خير مَن يقدّم هذه الصورة الرائعة، للثورة الحسينية. وهذا ليس انتقاصاً من قيمة الخطباء الآخرين، ولكن هذه شاشة فيها مسؤوليةّ، فهناك من يتمكّن أنْ يُعبّر عن هذه المسؤولية، تعبيراً أفضل من غيره. وعلينا أنْ نتقن تقديم هذا الأمر)(1) .

وما زال الشيخ الوائلي، يمارس دوره كخطيب هو الأبرز، من خطباء المنبر الحسيني في هذا العصر. حتى إذا برز خطيب جديد، وتوسّم فيه النبوغ والإبداع، قال عنه الناس: هذا شبيه بالشيخ الوائلي(2) .

وبهذه الإلمامة السريعة، بتراجم أربعة من أشهر خطباء المنبر الحسيني، الذين برزوا في المرحلة الأخيرة والمعاصرة لهذا المنبر. حيث بدأنا بالشيخ كاظم سبتي، الذي عاش في نهاية القرن التاسع عشر، وبداية القرن العشرين الميلاديَّين، حتى ترجمة الشيخ أحمد الوائلي، الذي دخلنا بترجمته القرن الواحد والعشرين الميلادي، أي إنّنا تابعنا تطوّر المنبر الحسيني الواضح، الذي برز في القرن الأخير. ولابدّ أنْ أؤكّد على نقطة مهمّة في نهاية هذه المرحلة، والتي ينتهي بها هذا الفصل، وهي؛ أنّ من ذكرت من الخطباء، هم نماذج بارزة في هذه المرحلة، ولا يعني هذا إغفال الأدوار الكبيرة، والمساهمات

____________________

(1) في مقابلة شخصية مع الشيخ نعيم قاسم في بيروت الخميس 29 / 8 / 2001 الموافق 10 جمادي الآخر 1422 هـ.

(2) فجع المنبر الحسيني بفقدان فارسه المتألّق ورائده المجدّد الشيخ الوائلي ببغداد بعد عودته بعدّة أيّام من منفاه الذي قارب الربع قرن، وذلك في يوم الاثنين 13 جمادي الأولى 1424 الموافق 14 تموز 2003. وشيعت جنازته في حشود مليونيّة من الكاظمية حتى كربلاء ومنها إلى النجف الأشرف حيث ورّي الثرى في مقبرته بجوار ميثم التمّار رضوان الله عليه.

١٩٦

النوعية، في تطوير مسيرة المنبر الحسيني، من قبل خطباء آخرين، كلّ أدى دوره وأسهم من موقعه؛ لأنّ تطوّر المنبر تمّ عبر تراكمات كبيرة من تجارب وجهود خطباء المنبر الحسيني.

فساحة المنبر الحسيني، في عصرنا الحاضر تزخر بأرقام مهمّة، ونماذج رائعة، من خطباء المنبر. يقومون بحمل أعباء هذا المنبر ومسؤوليته. سواء من شيوخ الخطباء وأساتذتهم، أم بجيل واع وهادف من شباب الخطباء، الذين يحمل العديد منهم شهادات (أكاديمية) عالية، إضافة إلى الأرضية القوية، من الدراسات الدينية المركّزة.

١٩٧

١٩٨

الفصل الرابع:

المنبر الحسيني المعاصر

١٩٩

٢٠٠