المنبر الحسيني نشوؤه وحاضره وآفاق المستقبل

المنبر الحسيني نشوؤه وحاضره وآفاق المستقبل0%

المنبر الحسيني نشوؤه وحاضره وآفاق المستقبل مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 397

المنبر الحسيني نشوؤه وحاضره وآفاق المستقبل

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ فيصل الخالدي الكاظمي
تصنيف: الصفحات: 397
المشاهدات: 110791
تحميل: 6814

توضيحات:

المنبر الحسيني نشوؤه وحاضره وآفاق المستقبل
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 397 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 110791 / تحميل: 6814
الحجم الحجم الحجم
المنبر الحسيني نشوؤه وحاضره وآفاق المستقبل

المنبر الحسيني نشوؤه وحاضره وآفاق المستقبل

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الأكبر، إذا كان المتوفّى شابّاً، وبالعبّاسعليه‌السلام إذا كان أخاً، وبالسيدة الزهراءعليها‌السلام إذا كانت امرأة.

إنّ نجاح خطيب المنبر الحسيني، في إبراز فجائع كربلاء، بصورة عاطفيّة حزينة مؤثّرة، لا يعتمد على خصائص، وأوصاف الخطيب ذاته فقط، بل أنّ الأمر المهم، والأكثر تأثيراً، في إذكاء العاطفة، هي نفس أحداث واقعة كربلاء. فهي مقدار ما ضمّت من مواقف جهادية ورسالية، فقد حوت أحداثاً مؤلمة مُفجعة، ونستشهد هنا بأسطر من تفسير (في ظلال القرآن)، حيث نجد أنّ (الحسين - رضوان الله عليه - وهو يستشهد في تلك الصورة العظيمة من جانب، والمفجعة من جانب، أكانت هذه نصراً أم هزيمة؟ في الصورة الظاهرة وبالمقياس الصغير كانت هزيمة.

فأمّا في الحقيقة الخالصة، وبالقياس الكبير، فقد كانت نصراً. فما من شهيد في الأرض، تهتزّ له الجوانح بالحب والعطف، وتهفو له القلوب، وتجيش بالغيرة والفداء كالحسين رضوان الله عليه. يستوي في هذا المتشيّعون وغير المتشيّعين، من المسلمين وكثير من غير المسلمين)(1) .

ويؤكّد هذين الجانبين، في موقف الإمام الحسينعليه‌السلام ، أديب آخر، حينما يقول: (إلى روح أبي، التي علّمتني، منذ طفولتي، أنْ أحبّ الحسين ذلك الحب الحزين، الذي يخالطه الإعجاب، والإكبار، والشجن، ويثير في النفس أسىً غامضاً، وحنيناً خارقاً إلى العدل والحرّية والإخاء، وأحلام الخلاص)(2) .

ثمّ يضاف إلى إجادة الخطيب، وطبيعة أحداث كربلاء، نقطة ثالثة، تتمثل في نفسية الإنسان الشيعي، المهيّأة أساساً، للتفاعل مع

____________________

(1) قطب، سيد: في ظلال القرآن 5 / 3086.

(2) الشرقاوي، عبد الرحمان: الحسين ثائراً الحسين شهيداً، ص7.

٢٢١

الإمام الحسينعليه‌السلام ، وأهل بيته، بما تراكم فيها من تاريخ موروث، وتربية طويلة، وأجواء عاطفيّة حزينة يألفها. كل ذلك، ممّا يسهّل عمل الخطيب الحسيني ومهمّته. إنّ للإمام الحسين، وكربلاء، وعاشوراء، مواقع خاصّة، في وجدان ونفسيّة الإنسان الشيعي، إذ (في يوم عاشوراء، وفي صحراء كربلاء، بدأ عصر التوحّد النفسي عند الشيعة الاثني عشرية. هذا الذي تنتزعه من الذاكرة بصعوبة، يحفظه أطفال الشيعة، بكل تفاصيله وشخوصه، يستحضرونه في كل مناسبة، ويتمثّلونه في كل موقف)(1) .

نعم إنّ مِن الصعب جداً (ومِن المحال، أنْ لا يذرف الشيعي الدموع؛ لأنّه جعل من قلبه، قبراً حياً، ومثوىً حقيقياً للإمام الشهيد)(2) .

وهذا هو حال الإنسان المسلم الشيعي، أينما وجد وحيثما حلّ. وتسجّل إحدى الأديبات، بعض ملاحظاتها، عن أجواء الحزن في العراق:

(أجل، إنّ السنين لتمضي والقرون، وأهل العراق، مقيمون على الحزن، يستمرئون طعمه، ويتعذّبون مذاقه، ويرهقون أنفسهم، بالإصرار على إحياء ذكرى خطيئة الذين ذهبوا، بإثم الإمام الشهيد.

وما أحسب أنّ التاريخ قد عرف حزناً كهذا، طال مداه حتى استغرق بضعة عشر قرناً، دون أنْ يفتر. فمراثي شهداء كربلاء، هي الأناشيد التي يترنم بها العراقيون، في عيد حزنهم، يوم عاشوراء من كل عام، وشاعرهم المفضّل، هو الذي يهيج لواعج شجنهم، ويغذي النار المتّقدة بوقودٍ جديد....

____________________

(1) الشيبي، د. كامل: الصلة بين التصّوف والتشيّع، ص97.

(2) هويدي، فهمي: إيران من الداخل، ص224.

٢٢٢

شاعرهم المختار، هو الذي يُعيد على أسماعهم - في إثارة عنيفة - قصة تلك الفئة المؤمنة، التي آثرت الموت على التخلي عما تراه حقاً)(1) .

إنّ مَن لم يألَف حالة البكاء والتفاعل العاطفي للإنسان الشيعي، ولاسيما في عاشوراء، وبالأخصّ حين تلاوة نص مقتل الإمام الحسينعليه‌السلام ، وبيان كيفيّة استشهاده، مع أهله وصحبه يوم العاشر من المحرّم، إنّ مَن لم يألَف ذلك، يبقى مندهشاً لهذه الظاهرة، وقد لا يتمالك نفسه، دون أنْ يشارك الآخرين لوعتهم وأحزانهم، يقول أحد الأدباء: (ولقد استمعتُ لشخص يدعى - عبد الزهراء الكعبي(2) - وهو تسجيل لمقتل الحسين، بأداء مؤثّر أيّماً تأثير، يروي مقاطع، ويغنّي مقاطع، ويكون الغناء بألحان متنوعة، وحزينة، آناً باللغة الفصحى، وأخرى بالعاميّة العراقية.

واستمعت إلى أصداء المشاركة الجماهيريّة الواسعة، والتأثير العميق لهذا الأداء في الناس، ولا أنكر، أنّني تأثّرت أشدّ التأثير وأبلغه، ممّا سمعت، وتدرّج تأثيره، بشكل (درامي) متصاعد، في نفسي، حتى وجدت الدمع ينساب مِن عيني أحياناً، والغصّة تملأ حلقي، بالرغم من أنّني كنت قد قرأت، في التاريخ، والقصص التاريخية، ما جرى على الحسين وركبه)(3) .

____________________

(1) عبد الرحمان، عائشة (بنت الشاطيء): السيّدة زينب ص167 - 168.

(2) الشيخ عبد الزهراء بن فلاح الكعبي، ولد في كربلاء سنة 1327 هجرية / 1907 م، درس فيها، ثمّ تخصّص بالخطابة الحسينية حتى برع فيها، أحيا مواسم خطابية داخل العراق وخارجه، اشتهر بقراءة نصّ قصّة مقتل الحسين يوم عاشورا الذي نقلته إذاعات بغداد والكويت والبحرين وبيروت في فترات زمنية مختلفة، توفّي في كربلاء ودفن فيها سنة 1394 هجرية / 1974م. (طعمة، سلمان هادي: معجم رجال الفكر والأدب في كربلاء، ص123) (نخبة من أدباء كربلاء: الشيخ الكعبي صوت حزين وعبرة ساكبة ص14 - 15).

(3) عرسان، علي عقلة: الظواهر المسرحيّة عند العرب، ص661.

٢٢٣

إنّ إجادة خطيب المنبر، لفقرة المصيبة، يدل على مدى تمكّنه، من الجوانب الفنّية للخطابة الحسينية. (وقد تفنّن خطباء الشيعة في ذلك تفنّناً عجيباً، بحيث استطاعوا أنْ يحدثوا في كل مجلس، يخطبون فيه عويلاً شديداً، وهؤلاء الخطباء يتحدّثون إلى الناس، على قدر عقولهم، وباللغة التي يفهمونها، وكثيراً ما يُنشدون الأشعار العاميّة، بصوتٍ حزين، ومنغّم، فيُحدثون تأثيراً بالغاً في النفوس)(1) . وفي حقيقة الأمر، إنّ خطيب المنبر الحسيني يعتبر المحور في مراسم العزاء والمجالس التي تعقد في أيّام المحرّم، هذا أمرٌ واضح، ولكنّ هناك عوامل عدّة تعين الخطيب هنا على مهمّته.

فإنّ الإنسان الشيعي يعيش حالة انشداد وتفاعل كبيرين مع أحداث كربلاء في شهر المحرّم، ولاسيما العشرة الأولى منه، وبالأخص اليوم العاشر.

فإنّ أجواء كربلاء تحيط به أينما التفت، وحينما اتجّه!

فإذا أراد أنْ يكتب شيئاً في مفكرته الشخصية، وجد أمامه هذه المفكّرة تذكّره بأيام الحسين. وإذا تناول كتاب أدعية، لتلاوة دعاء مأثور، وجد أنّ كتب الأدعية هذه تفرز حيّزاً مهمّاً لشهر المحرّم وأجواء الحزن فيه وأعمال يوم عاشوراء التي ينبغي على المسلم الشيعي المبادرة إليها. فإذا خرج إلى الشوارع، وجد اللافتات السوداء التي كتبت عليها مقاطع مِن أقوال الإمام الحسين أو بقية الأئمّة فيه وفي أيام عاشوراء، وجدها مرفوعة أمامه، في الشوارع والساحات العامّة. وإذا تناول مجلّة شيعية، وجدها تولي هذه المناسبة اهتماماً واسعاً.

____________________

(1) الوردي، علي: دراسة في طبيعة المجتمع العراقي، ص237.

٢٢٤

كما ويجد أنّ أغلب الناس يلبسون الملابس السوداء لهذه الأيام.

فإذا ما دخل مسجداً للصلاة، وجد المساجد - هي الأخرى - قد كسيت بالقماش الأسود ولافتات الحداد. والتي تبقى طوال شهري محرم وصفر.

وكل هذه الأمور وغيرها، ممّا يسهّل عمل خطيب المنبر الحسيني، ويهيّئ النفوس لمحاضرته بشكلٍ كبير. وفي الملاحق وثائق عمّا يلي:

1 - صورة عن مفكرة شخصية شيعية، وكيف تنظر إلى أيام عاشوراء.

2 - صورة عن أكثر كتب الأدعية انتشاراً في الأوساط الشيعية حول شهر المحرّم وعاشوراء.

3 - صورة عن مجلّة إسلامية شيعية تصدر في بيروت. لشهر المحرّم.

4 - منشورات وزّعتها جمعية المعارف الإسلامية الثقافية التابعة لحزب الله تحثّ فيها على إظهار أدواء الحزن والعزاء.

5 - صورة لمحراب مسجد الحسنين في حارة حريك ببيروت في شري محرم وصفر.

٢٢٥

6 - الدعاء

وهي الفقرة الأخيرة، من فقرات المنبر الحسيني، وبها ينهي الخطيب حديثه. وعادةً ما يبتهل الخطيب إلى الله تعالى، بطلب المغفرة، والعافية، وحسن العاقبة. ويدعو لعلماء المسلمين، ومجاهديهم، وللحاضرين.

ويخصّ المؤسّسين، أو الباذلين أموالهم، بدعاءٍ خاص.

ثمّ يهدي ثواب الفاتحة، إلى أموات هؤلاء، وعموم المؤمنين والمسلمين.

ولكل خطيب، من خطباء المنبر الحسيني، أُسلوب دعاء اعتاده، يختم به محاضرته ومنبره.

وأودّ أنْ أختم موضوع هيكلية المنبر الحسيني، بقطعة من أرجوزة شعرية، لأحد خطباء المنبر الحسيني، في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية، حيث يقول:

في بلدتي من الخصال الجيّدة

مـجالسُ الوعظ بها مشيّدة

مـجالسٌ عـلى مدى الأيام

يـحضرها جمعٌ من الأنام

فـخطبةٌ تُـتلى بـها وشعرُ

وآيـةٌ أنـبأَ عـنها الـذِكّرُ

مختومة بذكرِ آل المصطفى

أعلا بها الله بلادي شَرفاً(1)

ويصف أحد طلبة العلوم الدينيّة اللبنانيين، حينما كان يدرس في النجف الأشرف، مجلساً يُقام فيه المنبر الحسيني ملخصاً ما ذكرنا من

____________________

(1) الطريحي، محمد سعيد: مجلّة الموسم، العدد (9 - 10) ص327.

٢٢٦

الفقرات بقوله:

(يردّد القرّاء بعض العبارات، باعتبارها، مدخلاً لجميع قرّاء التعزية فيقول: صلّى الله عليك يا رسول الله، وعلى آل بيتك الطيبين الطاهرين.. ما خاب من تمسّك بكم، وأمِن مَن لَجأ إليكم، يا ليتنا كنّا معكم، فنفوز فوزاً عظيماً.

ويختلف القرّاء في بدء القراءة، فمنهم مَن يقرأ آيات من القرآن الكريم، ويفسّرها، ويعرّج بها على قضية الإمام الحسينعليه‌السلام . ومنهم مَن يبدأ بخطبة من خطب نهج البلاغة، أو قصيدة بحق آل البيتعليهم‌السلام ، ويتدرّج بالحديث حتى ينتهي إلى جانب من ثورة الحسينعليه‌السلام .

ويتخلّل كل ذلك أبيات، أو قطع شعرية، لبعض الشعراء تخص الموضوع، ويعرّج في النهاية على الأحداث التي تجسّدت في اليوم العاشر من المحرّم. ويختم المجلس بقراءة بعض أبيات الرثاء الشعبية، وعندها يضجّ الحاضرون بالبكاء، وبعد ذلك بيتاً، أو صدر بيت من الشعر القريض، يختم به القراءة، ثمّ يدعو للمسلمين، وأعلام الدين، والمؤسّس للمجلس ومَن يلوذ به، ويطلب قراءة سورة الفاتحة، وإهداء ثوابها إلى أرواح المؤمنين والمؤمنات)(1) .

مواسم المنبر الحسيني

يحتلّ المنبر الحسيني في عصرنا الحاضر مساحة واسعة، في الأوساط الشيعيّة في العالم. وتمتد مناسباته في أغلب أيام السنة، ليشمل نشاطات دينيّة واجتماعيّة مختلفة. وكان لإنشاء أمكنة خاصة، لإقامة المنابر الحسينية(2) أثر واضح على نمو هذه المنابر، واتساعها، واستمراريّة إقامتها.

____________________

(1) العاملي، عبد الحسين نور الدين: مأساة إحدى وستين ص130.

(2) وهي ما تعرف اليوم بـ (الحسينيات)، أو النوادي الحسينية. والتي سنتوقّف عندها، في نقطة أخرى إنْ شاء الله.

٢٢٧

ويصل الأمر، أنّ حسينيات، في مناطق مختلفة من العالم الشيعي، يعقد فيها المنبر الحسيني، كل يوم وعلى طوال السنة! نجد ذلك في بعض حسينيات، الكويت، والبحرين، والمنطقة الشرقية في السعودية وعُمان... إضافة إلى مناطق أخرى خارج الأقاليم العربية.

وممّا أسهم في اتساع المنبر الحسيني، وامتداده بهذه الصورة، التطوّر النوعي الكبير، الذي راح معه خطيب المنبر الحسيني يعالج مختلف القضايا، التي تقع ضمن دائرة اهتمام الإنسان المسلم، في تربية نفسه أو شؤون أسرته، أو التعامل الاجتماعي.

وكان لانتصار الثورة الإسلامية في إيران، أثر بالغ على اتساع المنبر الحسيني، وعظم مساحته في بعض الأقاليم الشيعية، أو في المهاجر.

والمثال الأبرز في هذا الشأن، ما نجده في لبنان، حيث امتد المنبر الحسيني، في المناطق الشيعيّة في لبنان، بشكل كبير وواضح جداً بعد عام 1979م. ولا ننسَ العامل المهمّ، والأساسي الذي يشدّ الإنسان الشيعي، لحضور المنبر الحسيني، وهو عامل التقوى والتقرّب إلى الله تعالى، حيث يعتبر حضور المنابر الحسينية عملاً عبادياً، يرجو به مزيداً من الثواب، وموالاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وآله.

وإنّ العديد من المبلغين والدعاة إلى الإسلام، لا يجدون مناخاً في الأوساط الشيعية، يوفّر لهم حضوراً جماهيرياً، ومبرّراً حاضراً طوال العام، مثل دعوة الناس، إلى حضور مأتم حسيني.

ولهذا فضّل العديد من العلماء، والمبلّغين، والدعاة إلى الإسلام - أنْ يسلكوا سبيل المنبر الحسيني؛ لأنّه المنبر الأقدر على شدّ الناس، والأفضل في التأثير عليهم، في الأوساط الإسلامية الشيعية.

وللوقوف على المناسبات، التي تبرز ظاهرة المنبر الحسيني، نذكر ذلك، ضمن قسمين رئيسيين هما:

٢٢٨

1 - مجالس المناسبات العامّة

فالمجالس والمناسبات العامّة، نعني بها المنابر الحسينية التي تُعقد في المواسم الدينية العامّة، ولا تخص الجهة، أو الشخص الذي يقيمها، ويدعو إليها.

وهي كالتالي:

1 - مجالس شهر محرّم الحرام.. وهي أبرز موسم للمنبر الحسيني، وأشدها اتساعاً وجذباً للجمهور. وخاصّة العشرة الأولى من الشهر، والتي طلق عليها (أيام عاشوراء)، حيث تشتدّ المجالس، وتتّسع المنابر فيها، بحيث لا يتخلّف عنها، حتى قليلو الالتزام الديني من الشيعة.

2 - مجالس شهر صفر.. حيث تستمر المجالس، والمآتم الحسينيّة لتحتضن المنبر طوال هذا الشهر؛ لأنّه الشهر الذي شهد حركة ركب السبايا - بعد استشهاد الإمام الحسينعليه‌السلام - من كربلاء إلى الكوفة، ومنها إلى الشام رجوعاً إلى المدينة المنورة في آخر شهر صفر، أو بعده.

وتعتم طريقة (العشرات) في قراءة المنابر الحسينية، في مآتم وحسينيات؛ العراق والكويت والبحرين، والمنطقة الشرقية في السعودية. وهي: أنْ يقرأ خطيب المنبر الحسيني، عشر ليالٍ. في مكان، أو حسينية ما، ثمّ ينتقل إلى حسينية أخرى في عشرة ثانية وهكذا.

وذلك طوال شهري محرّم وصفر. وهكذا يتجدّد خطباء المنبر الحسيني. ويتم الاستفادة من أكبر عدد ممكن منهم. كما يمكن للجمهور الحسيني، أنْ يقارن بين خطيب وآخر، من حيث المستوى، والأداء وأسلوب الطرح.

٢٢٩

أما في الإمارات، وعُمان، فإن الخطيب الحسيني، عادةً ما يتفق معه على شهر كامل، مثل شهر محرم الحرام، أو شهر صفر(1) . فيمكن أنّّّْ تكون القراءة في مكان ما في شهر المحرّم، فيما ينتقل إلى محل آخر في شهر صفر.

3 - مجالس شهر رمضان المبارك.. وهي مجالس تأتي، بعد مجالس المحرّم، من حيث الحضور؛ لأنّ الشدّ العاطفي المميّز لأيام عاشوراء، والذي يعيشه الإنسان الشيعي، لا يكون موجوداً في هذا الشهر الكريم. ولهذا؛ فإنّ حضور مجالس شهر رمضان التي يركز فيا على المفاهيم القرآنية والتربوية والتاريخية - هو غير حضور مجلس المحرّم، لاسيما العشرة الأولى منه، حيث موضوعات السيرة الحسينية ذات البعد العاطفي المتّقد.

كما أنّ أغلب روّاد مجالس شر رمضان، من الملتزمين دينيّا، بينما تشمل مجالس عاشوراء كل شيعي، بغض النظر عن مدى التزامه.

إضافة إلى أن مجالس المحرّم تشمل كل المناطق الشيعيّة، بينما تختص مجالس رمضان، ببعض تلك المناطق. وتعقد أغلب المجالس الرمضانية في المساجد.

4 - مجالس وفيّات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والسيدة الزهراء، وأئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ..

____________________

(1) جرت العادة على أنْ يتعلّق خطيب المنبر الحسيني أُجرة على محاضراته المنبريّة. وتزداد هذه الأجرة مع اتساع شهرة الخطيب وعلوّ مكانته، كما ويتفاوت مقدارها من منطقة لأخرى، ومن مجلس لآخر، ومن موسم خطابي لثانٍ. وقد يتمّ الاتفاق على مقدار الأجر مقدّماً، وقد يوكل إلى التراضي بعد انتهاء الموسم التبليغي. وفي الملاحق مجموعة من الاستفتاءات أرسلتها إلى اثنين من المراجع الشيعة في مسائل تتعلّق بأجرة الخطيب الحسيني. أوردتها توضيحاً لهذه المسألة.

٢٣٠

لقد تقدّم أنّ المنبر الحسيني، تطوّر في اهتمامه والمساحة التي يشغلها، ليشمل مناسبات أخرى، غير عاشوراء وما جرى للإمام الحسينعليه‌السلام . وبدأ ذلك - كما ذكرنا - في المرحلة الأولى مراحل تطوّر المنبر الحسيني. وساعد على ذلك، ما يشعر به الإنسان الشيعي، من أنّ ما لاقاه الأئمّة من أهل البيتعليهم‌السلام من أذىً، وظلم، هو نوع آخر ممّا جرى عل الإمام الحسين من آلام ومعاناة.

إنّ هناك مجالس خاصة، يتحدّث فيها خطيب المنبر الحسيني، عن سِيَر ومواقف، وتوصيات صاحب الذكرى التي تُحيى. ولابدّ أنّ يبدأ الخطيب، في هذا النوع من المجالس بقصيدة خاصة بتلك المناسبة، ثمّ يذكر وفاة أو معاناة صاحب الذكرى. ولابدّ في النهاية من التعريج على الحسين وكربلاء. كي يُشبع الجانب العاطفي من الخطبة(1) .

ويقيم علماء، ووجوه اجتماعيّة، وحسينيات، هذه المجالس المختصّة بأهل البيت، ووفيّاتهم، وهذه المناسبات كالتالي:

1 - وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في 28 صفر.

2 - وفاة السيدة الزهراءعليها‌السلام في 13 جمادي الأوّل أو 3 جمادي الثاني (حسب اختلاف الروايات).

3 - وفاة الإمام عليعليه‌السلام في 19 - 21 شهر رمضان.

4 - وفاة الإمام الحسنعليه‌السلام في 7 صفر.

5 - وفاة الإمام علي بن الحسين (زين العابدين)عليه‌السلام في 25 محرّم.

6 - وفاة الإمام محمد بن علي (الباقر)عليه‌السلام في 7 ذي الحجّة.

____________________

(1) وهو ما عرفناه سابقاً بفقرة (المصيبة) في فقرات هيكلية المنبر الحسيني. وهي الفقرة الأخيرة التي تأتي بعد المحاضرة التي يتم فيا الحديث عن جوانب مختلفة في شؤون المعرفة والثقافة الدينية والعامّة، كما وضّح ذلك سابقاً.

٢٣١

7 - وفاة الإمام جعفر بن محمد (الصادق)عليه‌السلام في 25 شوال.

8 - وفاة الإمام موسى بن جعفر (الكاظم)عليه‌السلام في 25 رجب.

9 - وفاة الإمام علي بن موسى (الرضا)عليه‌السلام في 17 صفر.

10 - وفاة الإمام محمد بن علي (الجواد)عليه‌السلام في 30 ذي القعدة.

11 - وفاة الإمام علي بن محمد (الهادي)عليه‌السلام في 3 رجب.

12 - وفاة الإمام الحسن بن علي (العسكري)عليه‌السلام في 8 ربيع الأوّل.

كما ونلاحظ، أنّ بعض هذه المناسبات يقع ضمن المواسم المنبرية الرئيسيّة؛ محرّم وصفر وشهر رمضان، بينما تتوزّع المناسبات الأخرى، على طوال العام. ويلاحظ أنّ المجالس، التي تخص وفاة السيدة الزهراءعليها‌السلام والإمام موسىعليه‌السلام بن جعفر، تتميّز بحضور جماهيري واضح.

2 - مجالس المناسبات الخاصة

وهي القسم الثاني من المناسبات، التي ينشط بها المنبر الحسيني، فهي مناسبات خاصة، بالشخص، أو الجهة التي تقيمها، وهذه المناسبات هي:

1 - مجالس العادات الأسبوعية: وهي مجالس العلماء، وبعض الوجوه الاجتماعية. ويختار لذلك وقت المساء بعد صلاة العشاء عادة، وهناك مجالس تقام عصراً أو صباحاً في أحيان أخرى. ولكلّ مجلس من هذه المجالس، يوم محدّد في الأسبوع، فهنا، مجلس كل ليلة جمعة، وهناك مجلس آخر عصر يوم الجمعة، وثالث في مساء كل يوم ثلاثاء.. الخ.

وهي مجالس، تتميّز بحضورها المحدود والخاص. وتتحوّل إلى مجالس اجتماعيّة، ولقاءات عامّة، أو مجال للبحوث العلميّة

٢٣٢

الفقهية بالنسبة لمجالس العلماء.

وعادة ما يكون لكل مرجع من مراجع الدين، في النجف الأشرف، أو قم، أو أي مدينة أخرى، مجلس أسبوعي معرو ف.

2 - مجالس تأبين الموتى: جرت عادة الشيعة على أنْ يُختم مجلس الفاتحة، والتأبين الذي يقام في مناسبات الوفاة وتُتلى فيها آيات من الكتاب العزيز، أنْ يختم المجلس بمنبر حسيني. حيث يرتقي الخطيب، ليذكّر الناس بالآخرة والموت، ثمّ يختم حديثه بالتعريج على مصائب الحسينعليه‌السلام . أو أحد أهل بيته بما يناسب حال الميت.

(فإذا كان الميت طفلاً، يقرأ عن الطفل الرضيع عبد الله، وإذا كان شاباً يقرأ عن القاسم أو علي الأكبر، وإذا كان أخاً، يقرأ عن العباس، وإذا كان رجلاً، يقرأ عن الحسين، وإذا كانت سيدة، يقرأ عن السيدة الزهراء أو عن السيدة زينب)(1) . (وفي الملحق، نموذج من ملصقات الإعلان عن مجلس تأبين لميت شيعي).

3 - مجالس المناسبات: لم تقتصر المنابر الحسينية على ما ذكر أعلاه بل راحت تشمل مناسبات أخرى، قد يستغرب البعيد عن عالم المنبر الحسيني، أنْ يقام في أمثالها، مثل: الانتقال إلى منزل جديد، الرجوع من الحجّ، الوفاء بنذر، على تحقّق أمر محبوب أو دفع آخر مكروه. وفي السنوات الأخيرة، برزت ظاهرة استقدام حملات الحج، بعضاً من خطباء المنبر الحسيني ليكون مرافقاً للحجّاج، في مكّة والمدينة(2) ، وبقية المشاعر المقدّسة.

____________________

(1) البعيني، حسن أمين: العادات والتقاليد في لبنان، ص122.

(2) تضم المدينة المنوّرة، إضافة إلى قبرَي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم ّ) والسيدة الزهراء، قبور أربعة من أئمّة أهل البيت هم، الإمام الحسن، الإمام عليّ بن الحسين، الإمام محمد بن علي الباقر، الإمام جعفر بن محمد الصادقعليهم‌السلام ، وكلّهم في مقبرة البقيع، وتتركّز المجالس الحسينية المقامة في المدينة المنورة، من قِبَل الحجاج الشيعة، على سيرة هؤلاء المقدسين ثمّ لا بد بعد ذلك من التعريج على كربلاء.

٢٣٣

حيث يزدهر المنبر الحسيني، في موسم الحج، بشكل واضح في الحملات الشيعيّة، سَواء الخليجيّة أم اللبنانية، أو تلك التي تنظمها الجاليات الشيعيّة المغتربة في العالم. وهذا التوسّع في مجالس المناسبات، كان متلائماً مع التطوّر النوعي في مادّة المنبر الحسيني ومحاضرته، التي راحت تتّسع لحاجات ثقافية، واجتماعية متنوّعة، وعادة ما تكون مجالس المناسبات هذه عند الفئة الملتزمة دينياً منم الشيعة. ومن باب أولى انتشارها في بيوت العلماء وطلبة العلوم الدينية.

ويتولّى الشخص صاحب المناسبة مهمّة الدعوة إلى مجلسه، وتهيئة مستلزماته، ولمزيد من التوضيح نراجع الشكل التوضيحي رقم(2) التالي:

الشكل التوضيحي رقم(2)

حيث تتّضح كثافة المنابر الحسينية في المناطق الشيعية، طوال أشهر السنة. وضمن عدّة مستويات هي:

1 - المستوى (أ) يعتبر قمّة ما يصل غليه المنبر الحسيني من اتساع وقوّة حضور وذلك في العشرة الأولى من المحرّم.

2 - المستوى (ب) مستوى المنبر وحضوره في بقية شهر محرم وطوال شهر صفر.

3 - المستوى (ج) مستوى المنبر وكثافة الحضور في شهر رمضان الفضيل.

4 - المستوى (د) المستوى الطبيعي لكثافة المنابر طوال السنة عدا ما ذكرناه أعلاه.

5 - النتوءات البارزة، تشير إلى الكثافة المفاجأة للمنبر الحسيني، في مناسبات وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والسيدة الزهراء وأئمّة أهل البيتعليهم‌السلام . كما بُيّن تاريخ كل مناسبة في الشكل المجاور.

٢٣٤

٢٣٥

د - من يتولّى إقامة المنبر الحسيني؟

بعد أنْ عرفنا في النقطتين السابقتين، من هذا البحث، هيكليّة المنبر الحسيني والمواسم التي يعقد فيا المنبر الحسيني، وبما اتّضح لنا من سعة هذه المؤسّسة التبليغيّة الكبيرة في أوساط الشيعة. لابدّ أنّ سؤالاً يتبادر إلى الذهن، حول الجهات أو الهيئات، التي تتولّى مهّمة دعوة خطيب المنبر الحسيني، وتهيّئ لإقامة المنبر الحسيني ومتطلباته.

إنّ الجهات التي تتولّى مهمّة إقامة المنابر الحسينية، وتدعو إليها، جهات مختلفة. ففي مجالس المناسبات الخاصّة - التي سبق بيانها - يتولّى الشخص صاحب المناسبة مهمّة الدعوة إلى مجلسه وتهيئة مستلزماته؛ إذا كان عنده حفل تأبين لميّت له، أو إذا كانت عنده مناسبة خاصة به. أو لمجلسه الأسبوعي الخاص به، والذي يعقد في بيته. في حين تتولّى جهات وأشخاص متنوّعون، مهمّة الدعوة إلى إقامة المنابر الحسينيّة، في المناسبات والمجالس العامّة. وهذه الجهات هي:

1 - أئمّة المساجد أو الهيئات واللجان المشرفة عليها

إنّ أوسع المنابر الحسينية، وأهمّها، هي تلك التي تعقد في المساجد الكبيرة، أو الحسينيات الضخمة، والتي عادةً ما يشرف عليها العلماء وأئمّة المساجد، أو اللجنة المكلّفة بشؤون هذا المسجد أو تلك الحسينية.

ويتولّى إمام المسجد، أو المسؤول على الحسينية، مهمّة اختيار

٢٣٦

خطيب المنبر الحسيني المناسب، وتهيئة كل مستلزمات إقامة تلك المنابر، من إضاءة، وأفرشة، وما يُقدّم من أشربة وأطعمة، حسب العادات المتّبعة في ذلك البلد. بينما تتشكّل لجان خاصة - في بعض المناطق ولاسيما منطقة الخليج - من أجل اختيار الخطيب المطلوب.

وعادة ما ُتقدّم الهبات، والنذور، والتبرّعات، لإرفاد هذه المجالس، وتغطية مصروفها. وأغلب هذه المآتم تقام عادةً في الليالي.

2 - الأسر العلمائية

يقيم العديد من الأسر العلمائية مجالس خاصة باسمها، تؤمّها طبقات مختلفة من المجتمع، وخاصة العلماء، وطلاّب الدراسات الدينيّة، والوجهاء من المجتمع. وعادة ما تكون هذه المجالس - التي تُشرف عليها الأسر العلمائيّة - في المدن المقدّسة. حيث الحوزات العلميّة والمدارس الدينيّة مثل النجف الأشرف، وكربلاء والكاظميّة ومناطق أخرى...

وقد تعقد هذه المجالس صباحاً وربّما عصراً. وتحضى مجالس مراجع الدين بأهمّية خاصة. إذ (تمتاز النجف، بمجالسها العامرة بالجماهير، ومنها مجلس الإمام السيد محسن الحكيم(1) ، وكان مخصّصاً لقراءة المآتم الحسيني لمدّة خمسة عشر يوماً. وكان يؤمّه كبار العلماء، والشخصيات الاجتماعية، والعلميّة والسياسيّة والطبقات كافّة، وكان هذا المجلس يعقد أيام حياته)(2) .

____________________

(1) السيد محسن بن السيد مهدي بن صالح الطباطبائي الحسني الحكيم، فقيه عصره وسيد الطائفة وكبير المراجع. له مشاريع ومآثر خالدة، قاوم المستعمر الانكليزي منذ دخوله العراق عام 1914م. تصدّى للشيوعيين بفتواه الشهيرة (الشيوعيّة كفر والحاد) ازدهرت الحوزة العلميّة والحركة الإسلامية في عهده مات سنة 1390 هجرية ودفن في النجف. (الأميني، محمد هادي: معجم رجال الفكر والأدب في النجف، 1 / 423).

(2) السّراج، عدنان إبراهيم: الإمام السيد محسن الحكيم، ص161.

٢٣٧

وهناك مجالس علمائية تاريخيّة، مثل مجلس آل بحر العلوم والتي بدأها (سيد الطائفة، وزعيمها السيد محمد مهدي بحر العلوم المتوفّي في 1212 هجرية. الذي كان يقيم مجالس عاشوراء في داره، وهي الآن تقام من قِبل أحفاده، بل إنّ ذلك المحفل يُعد من أعظم محافل النجف الأشرف، في العشرة الأولى وأكثرها تجمّعاً. وهو خاتمة المجالس الصباحيّة حيث يختم قريباً من الظهر)(1) .

3 - الأعيان والوجهاء

يتولّى بعض أعيان المناطق الشيعية ووجهائها، مهمّة إقامة مجالس للمنبر الحسيني، ولاسيما في العشرة الأولى من المحرّم، وهذه المجالس هي غير المجالس التي تقام لمناسبة خاصة؛ بل هي مجالس عامّة، أي تقام لأجل مناسبة عامة مثل عاشوراء، غاية ما هنالك، إنّ الذي يتولّى الإنفاق عليها، وتهيأتها شخص، وليس لجنة أو أسرة، وكذلك مهمّة اختيار الخطيب، (إنّ كل وجيه أو غني من الشيعة، يميل إلى إقامة مجلس يقرأ فيه مقتل الإمام الحسين، لمدّة عشرة أيام، خصوصاً في شهر محرّم، وشهر صفر من كل عام)(2) .

4 - الأحياء والمناطق الشعبية

تنتشر في المناطق الشعبية في العراق، وفي مناطق متفرّقة من الأقاليم الشيعية الأخرى، مجالس للمنابر الحسينيّة، تشرف عليها الأحياء الشعبيّة، حيث يتولّى أهل ذلك الحيّ، مهمّة الدعوة إلى المنبر الحسيني، واختيار الخطيب المطلوب، وتهيئة مستلزمات إقامة هذه المجالس.

____________________

(1) الخالدي، فيصل: المنبر الحسيني في العراق.

(2) الوردي، علي: دراسة في طبيعة المجتمع العراقي، ص237.

٢٣٨

وعادة ما تُتّخذ الساحات العامّة، أو مفارق الطرق المهمّة في الأحياء، محلاًّ لإقامة تلك المنابر الحسينيّة حيث تُفرش الأرض، وربّما أخرج بعض الناس أفرشتهم أو ما عندهم من الأرائك. كما وتوضع مكبّرات الصوت على سطوح المنازل، ويوضع المنبر في موضع بارز يشرف من خلاله خطيب المنبر الحسيني على المستمعين.

5 - أصحاب الاختصاص الواحد أو الحرفيون

لقد امتدّ تأثير المنبر الحسيني في العراق - وربّما في مناطق شيعية أخرى - ليشمل النقابات، وأهل الأصناف المختلفة. حيث لم تقتصر مهمّة إقامة مجالس المنابر الحسينية، على العلماء أو متولّي شؤون المساجد أو الحسينيات أو اللجان الشعبية في المحلاّت والأحياء الشعبية. بل اتسعت المهمّة لتشمل أهل الحِرَف والأعمال، والمشتركين في مهمّة أو صناعة خاصة. فـ (مع تنامي الأحوال، تنعقد مجالس على مستوى المهن والفئات. مثلاً: مجلس باعة الأقمشة، ومجلس تجّار الحبوب، ومجلس الخيّاطين، ومجلس النسّاجين... وهكذا)(1) .

ولهذا نجد أنّ الأسواق، تعتبر مكاناً بارزاً لإقامة المنبر الحسيني. ففي هذا السوق - مثلاً - مجلس يقيمه بائعوا الأقمشة، حيث يغلقون دكاكينهم ومتاجرهم، ويفرشون أرض السوق بأنواع الأفرشة. في حين يقام مجلس حسيني آخر، في سوق آخر لبائعي الخضروات والفواكه وهكذا.

ويختار كل صنف، لجنة معينة من الملتزمين دينيّاً، والمؤهّلين

____________________

(1) الوائلي، أحمد: تجاربي مع المنبر، ص48.

٢٣٩

لإدارة مثل هذه المهمّة، وتقوم تلك اللجنة بجمع التبرعات، والاشتراكات من أهل ذلك الصف طوال السنة، استعداداً لأيام عاشوراء. وربما توزّع صناديق خاصة بالتبرعات في الدكاكين والمتاجر.

ويمكن لمن يشترك في مجلس حسيني، لصنف من الأصناف أعلاه، أنْ يشارك في مجلس منبر حسيني آخر، في حسينيّة ما، أو في حيّه الذي يعيش فيه.

6 - القبائل والعشائر

تولي العشائر العربية الشيعية في العراق، مسألة المنبر الحسيني، اهتماماً بارزاً. إذ صار من المعتاد أنْ يقام منبر حسيني عند كل قبيلة أو عشيرة، في مضاربها وأماكن تواجد أفرادها. وعادة ما تقام هذه المنابر، في بيوت واسعة من الشعر (خيام كبيرة). حيث تخلو مضارب القبائل والعشائر في العراق من الحسينيات، ويقوم رئيس العشيرة بالإشراف على تلك المجالس، ويتولّى - قُبيل المحرّم - مراسلة مَن يعرف من العلماء أو المختصين، ليتم اختيار الخطيب الحسيني. وعادة ما ينزل الخطيب في ضيافة رئيس القبيلة.

ويسهُم أفراد القبيلة، برفد هذه المجالس، وإعداد ما تحتاجه من مصروفات. ويمكن مشاهدة هذه القبائل والعشائر بشكل واضح، وهي تؤم مدينة كربلاء، في يوم العشرين من صفر (مرور أربعين يوماً على استشهاد الإمام الحسين).

7 - أبناء المدن المقيمون في مدن أخرى

إنّ ظاهرة انتقال الإنسان من بلده إلى بلدٍ آخر طلباً للرزق، أو

٢٤٠