المنبر الحسيني نشوؤه وحاضره وآفاق المستقبل

المنبر الحسيني نشوؤه وحاضره وآفاق المستقبل0%

المنبر الحسيني نشوؤه وحاضره وآفاق المستقبل مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 397

المنبر الحسيني نشوؤه وحاضره وآفاق المستقبل

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ فيصل الخالدي الكاظمي
تصنيف: الصفحات: 397
المشاهدات: 110789
تحميل: 6813

توضيحات:

المنبر الحسيني نشوؤه وحاضره وآفاق المستقبل
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 397 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 110789 / تحميل: 6813
الحجم الحجم الحجم
المنبر الحسيني نشوؤه وحاضره وآفاق المستقبل

المنبر الحسيني نشوؤه وحاضره وآفاق المستقبل

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ولم يكتفِ السيد محسن الأمين، بوضع المصنَّفات وتهيئة المادّة التي يحتاج إلهيا خطباء المنبر الحسيني، من سرد لمقتل الحسين، وما صنعه المختار الثقفي في قصة أخذ الثار، وما اختاره من أمّهات القصائد من قدامى الشعراء ومحدثيهم، وما وصل إليه أخيراً من إعداد محاضرات وأحاديث جاهزة وكاملة للمنبر الحسيني... أقل لم يكتف السيد الأمين بكل هذه الخطوات المهمة، التي أسهمت كثيراً في التوجيه الصحيح والدقّة في الانتقاء والاختيار، بل أضاف، رحمه الله، خطوة عملية مهمّة، حيث راح يدرّب بعض شبّان الشيعة في دمشق على اعتلاء المنبر الحسيني، وإلقاء تلك المحاضرات والدروس، التي وضعها في كتابه (المجالس السنية).

فقد ذكر الكاتب، جعفر الخليلي، أنّه قد مرّ بالسيد محسن الأمين وزاره في بيته بدمشق، وأنّه دعاه إلى حضور مجلس، من تلك المجالس الحسينية التي يلقيها خطباء شبّان كان قد أعدّهم ودرّبهم على خطابة المنبر الحسيني وقال له:

(إنّك ستسمع في هذا المجلس، ما لم تكن سمعت، وسترى خطباءً جُدداً أعددتهم لمثل هذا، وأنا أسعى لإعداد المزيد منهم)(1) .

إنّ اهتمام السيد محسن الأمين، بمسألة تطوير المنبر الحسيني، وإصلاحه، كتابةً لمادّته وإعداداً لخطبائه، كان ولا يزال خطوة أساسية في هذا الصدد. نعم( فلا يسع مهتمّاً بدراسة هذه المسألة أنْ يغفل جهود المرحوم السيد محسن الأمين رحمه الله، الذي ساهم بقلمه وممارساته الشخصية، مساهمة فعّالة في تطوير المأتم الحسيني من جهات متعدّدة، ولا يسع باحثاً في هذا الموضوع أنْ يغفل أثر كتبه، (المجالس السنية في مناقب ومصائب العترة النبوية)، و(إقناع اللائم) و(لواعج الأشجان في

____________________

(1) الخليلي، جعفر: هكذا عرفتهم - 1 / 215.

٣٤١

مقتل الحسين) و(رسالة في التنزيه في أعمال الشبيه))(1) .

وللأمانة التاريخية، فإنّ مساهمة كتابيّة أخرى كان لها أثر طيب في توفير المادّة الدقيقة والمحقّقة تاريخياً، التي يمكن لخطيب المنبر الحسيني الاعتماد عليها في مجالسه ومنابره، تلك هي مساهمة السيد عبد الحسين شرف الدين العاملي(2) عبر أثره القيّم (المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة) وقد ألّف عام 1330 هـ وكان مكوّناً من مقدّمة وأربعة أجزاء. ولكن لم يسلم من الكتاب إلاّ القليل منه، في حين تلف أكثره أثناء هجوم المستعمر الفرنسي على مكتبته في صور وحرقها(3) .

وأوّد أنْ أسجّل ملاحظة، حول ما ألّفه العلماء والمحقّقون، من مصنّفات تُسهم في إصلاح مادّة المنبر الحسيني، وتهيئة الموضوعات المناسبة لمهمّته، حيث إنّه لم ينبرِ عالم شيعي من العرب، إلى تصنيف مثل هذه الكتب، إلاّ بعض علماء جبل عامل، وهما بالخصوص السيد محسن الأمين والسيد عبد الحسين شرف الدين. ولا أعرف مصنفاً - حسب اطلاعي - جاء كمصنفي (المجالس السنية في مناقب ومصائب العترة النبوية) للسيد محسن الأمين و(المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة) للسيد عبد الحسين شرف الدين.

____________________

(1) شمس الدين، محمد مهدي: ثورة الحسين في الوجدان الشعبي - ص302.

(2) السيد عبد الحسين بن يوسف بن جواد شرف الدين الموسوي العاملي. فقيه ومجتهد معروف. ومجاهد مشهور ولدفي مدينة الكاظمية ببغداد عام 1290 هـ. وأخذ فيها مبادئ العلوم ثمّ انتقل إلى النجف الأشرف حيث راح يتخطّى مراحل العلم حتى وصل إلى الدرجات العليا. عاد سنة 1322 هـ إلى جبل عامل فتصدّى للدعوة والتأليف. بعد جهاد ومواقف كريمة حيث أراد الفرنسيون قتله فلجأ إلى = مشق وأحرقت داره ومكتبة ومن دمشق إلى مصر، ثمّ فلسطين حتى عاد إلى بلَده ظافراً، توفّي عام 1377 هـ. ترك عدّة مؤلّفات منها: الفصول المهمّة، الكلمة الغرّاء، المراجعات، النص والاجتهاد وغيرها كثير. (الأميني، محمد هادي: معجم رجال الفكر والأب في النجف، 2 / 736) (ومن مقدمة كتاب (المجالس الفاخرة) للمترجم له بقلم السيد محمد بحر العلوم).

(3) بحر العلوم، محمد: مقدمة كتاب: المجالس الفاخرة، ص2، 4.

٣٤٢

فلم نجد لعلماء النجف الأشرف، أو غيرها من محقّقين ومجتهدين، مساهمة في هذه المسألة المهمة، وهذه حسنة يجب أنْ تسجّل لهذين العالمين من علماء جبل عامل.

نعم انتشرت في العراق ولا زالت تنتشر، مصنّفات لمجالس حسينية ألّفها بعض خطباء المنبر الحسيني، تتفاوت مستوياتها كثيراً. أمّا أنْ نجد فقيهاً أو عالماً، أولى جانب المنبر الحسيني ومحاضراته ومجالسه اهتماماً، تصنيفات وكتابةً فهو أمرٌ لم يُعْهَد إلاّ في من ذكرنا. وهذا مؤشّر من مؤشرات نأي الحوزة العلمية عن ساحة المنبر الحسيني، وعدم اهتمامها الجدي بدراسة المنبر الحسيني، والسعي من أجل ترشيده ورفع كفائته، إلاّ في حالات نادرة ومنها:

2) تجربة جمعية منتدى النشر في النجف الأشرف

تجربة منتدى النشر هي التجربة الأهمّ، والحدث الأبرز في محاولات رفع أداء المنبر الحسيني، وإعداد خطباء مؤهّلين لرسالته. وقد اكتسبت أهميتها من عدة جوانب منها:

أ - إنّها التجربة الأولى في هذا الميدان.

ب - إنّها حدثت في حاضرة الدراسات الدينية الأولى عند الشيعة، وهي مدينة النجف الأشرف، ومن قبل علماء بارزي في حوزتها العلمية.

ج - لِما جوبهت به من ردود فعل عنيفة جدّاً، ممّا عكس عظم الأمر الذي أريد معالجته.

ولنبدأ مع جمعية منتدى النشر، صاحبة المشروع ورائدة التجربة... فهي جمعية علمية ثقافية أدبية، كانت ثمرة لأفكار عدد من

٣٤٣

العلماء المصلحين وطموحاتهم، من المتفاعلين مع ظاهرة التطوّر العلمي، والفكري والمنهجي، الذي عمّ المجتمعات والمعاهد العلمية آنذاك.

فهي (أوّل جمعية دينية فكّرت في تطوير الدراسة الدينية، وإدخال نظام الصفوف والامتحانات في دراسة النجف... أسّسها رهط من الشيوخ وفضلاء النجف الأشرف، لغرض الأخذ بالعلوم الحديثة إلزامياً، إلى جانب الأخذ بالعوم الدينية)(1) .

وقد (ولدت فكرة الجمعية عام 1924م من قبل بعض العلماء الواعين، وحصلت على الموافقة الرسمية عام 1935م)(2) .

ولم تقف مشروعات جمعية منتدى النشر، عند فكرة تطوير أُسلوب الدراسة الدينية، أسوة بالجامعات الحديثة، وإنّما امتدت لكي (تقوم بمشروع خطير، ربما كان هو الأوّل من نوعه في تاريخ العراق، وهو فتح صفوف لتدريس خطباء المنابر وإعدادهم إعداداً منهجياً صالحاً)(3) .

وحينما يقال إنّه المشروع الأوّل في تاريخ العراق، فهذا يعني أنّه المشروع الأوّل في كل العالم الشيعي؛ لأنّه لم يكن غير العراق وغير النجف بالخصوص، مؤهّلَين للقيام بهذه المهمّة. حيث مراكز المراجع الدينية وأروقة الحوزة العلمية الكبرى عند الشيعة من جهة، ولتوافر العدد الأكبر والأهم من خطباء المنبر الحسيني وأساتذته، والذين ينطلقون من النجف الأشرف لينتشروا في كل أنحاء الوجود الإسلامي الشيعي في العالم أيام أشر محرّم وصفر وشهر رمضان من جهة أخرى.

____________________

(1) الخليلي، جعفر: موسوعة العتبات المقدّسة - 7 / 182.

(2) البهادلي، علي: الحوزة العلميّة في النجف - ص217.

(3) الخليلي، جعفر: المصدر السابق، 7 / 182.

٣٤٤

فـ (إذا كانت بعض الحواضر الإسلامية قد شارك النجف الأشرف في إقامة حوزات علمية كبيرة، فإنّ النجف الأشرف انفردت بتخريج آلاف الخطباء الحسيين الذين يغطّون العراق - على كثرة مجالسه - ويملأون الخليج بأسره...)(1) .

ولا يزال الخطباء العراقيون هم الأبرز، من خطباء المنبر الحسيني، ويمتلكون أكبر الأرصدة في جذب الجماهير إلى مجالسهم، وذلك في كل المناطق الشيعية العربية في بلدان الخليج العربية، ولبنان، والمناطق العربية في جنوب إيران والمهاجر المختلفة.

ولا يمكن لأي باحث في مسألة المنبر الحسيني تطوّره إلاّ أنْ يمر بتجربة جمعية منتدى النشر، والواقع أنّها بحاجة إلى دراسة خاصة بها مستفيضة لجوانبها ونشاطاتها، حيث يؤكّد الشيخ محمد مهدي شمس الدين أنّ (أوّل من دعا إلى تطوير المأتم الحسيني في العراق بما يلائم روح العصر، هو جمعية منتدى النشر في النجف الأشرف، وكان من جملة أهداف جمعية منتدى النشر، تأسيس كلية لتخريج خطباء المنبر الحسيني، المستوعبين للمتغيّرات، والواعين لظروف العصر، القادرين على مواجهته بالثقافة الرصينة العميقة، والعلم والموضوعية لا بالخرافة والتهريج...)(2) .

ويسجّل الدكتور الشيخ أحمد الوائلي، ذكرياته عند تلك التجربة وهو ممّن قد عايشها آنذاك، فيقول: أنّه (في أواخر العقد الخامس من النصّف الأوّل من القرن العشرين أوشكت تجربة رائدة أنْ تتحقّق - ولم تتحقّق! - تلك هي محاولة جمعية منتدى النشر الدينية، من قبل جملة من أعضائها من العلماء الكفوئين، والذين أدركوا

____________________

(1) دخيل، علي: نجفيّات، ص22.

(2) شمس الدين، محمد مهدي: ثورة الحسين في الوجدان الشعبي ص205.

٣٤٥

المنبر الحسيني إلى النهوض، على مستوى يتناسب مع التراث الفكري للشيعة، كما ويرتفع بالمنبر عن الهبوط)(1) .

وكان قد تحمس للفكرة المثقفون الشيعة، ممّن يهمّهم أمر المنبر الحسيني، ومسألة تطويره(2) .

وأبرز من قاد مشروع جمعية منتدى النشر، في شأن المنبر الحسيني، اثنان من أفاضل العلماء المصلحين وهما: الشيخ محمد رضا المظفر(3) والشيخ محمد بن شيخ الشريعة(4) .

وكان معهم جمع من العلماء البارزين، والخطباء المعروفين، وشباب الخطباء، من الذين آمنوا بالفكرة، وراحوا يسعون بكل جدّ لتجسيدها. حيث (اشترك في هذه المحاولة مع الشيخ المظفر والشيخ الشريعة، كل من: الحجّة الراحل الشيخ عبد المهدي مطر(5) ، والشيخ

____________________

(1) الوائلي، أحمد تجاربي مع المنبر - ص183.

(2) الخليلي، جعفر: هكذا عرفتهم - 1 / 245.

(3) الشيخ محمد رضا بن الشيخ محمد بن عبد الله المظفّر العقيلي المسروحي. عالم جليل، من أعلام الفقه الأصولي والفلسفة والأدب. ولد في النجف عام 1322 هـ ثمّ اتجه نحو الدراسات الدينية حتى بلغ درجاتها العالية على أشهر علماء عصره. من مؤسّسي جمعية منتدى النشر وعميدها لعدّة سنين. ثمّ أسّس كلية الفقه في النجف. له عدّة آثار بعضها يُدرّس في الحوزات الدينية، ثمّ توفّى بالنجف عام 1383 هـ ودُفن فيها. (الأميني، محمد هادي: معجم رجال الفكر والأدب في النجف، 3 / 1217).

(4) الشيخ محمد بن الشيخ فتح الله الملقّب بشيخ الشريعة ولد في مدينة أصفهان عام 1322 هـ ثم ّهاجر بعدها إلى النجف الأشرف لغرض الدراسة. أديب فاضل وعالم جليل، له جرأة في الحق وإصرار على الإصلاح ويعتبره الكثيرون المحرّك الأساسي لمشروع جمعية منتدى النشر. ترك النجف بعد تجربته القاسية متوجّهاً إلى كراجي في الباكستان. [وبقي عالماً فيها حتى وفاته عم 1398هـ]. (الكرباسي، محمد صادق: معجم خطباء المنبر الحسيني، ص67).

(5) الشيخ عبد المهدي بن الشيخ عبد الحسين بن حسين بن مطر، ولد في النجف الأشرف عام 1318 هـ، عالم معروف وأديب مشهور، وأستاذ في كلية الفقه، له ديوان شعر وترك عدّة آثار وتوفّي سنة 1395 هـ. منها الإحراز المجربة، تقريب الوصول، ديوان الشعر. (الخاقاني، علي: شعراء الغري، 6 / 97).

٣٤٦

محمد حسين المظفر(1) والخطيب الجليل - خطيب الثورة العراقية - الشيخ محمد علي القسّام(2) ، وجملة من الخطباء منهم: الشيخ جواد قسّام(3) والسيد جواد شبّر(4) والشيخ مسلم الجابري(5) ، والسيد عبد الحسين الحجّار(6) )(7) .

____________________

(1) الشيخ محمد الحسين بن الشيخ محمد بن الشيخ عبد الله المظفّر المسروحي. ولد في النجف عام 1312 هـ. أكمل دراسته الدينية ونبغ في الأدب. له عدة تصانيف من أشهرها: الإسلام نشؤوه وارتقاؤه، تاريخ الشيعة. أسهم في تأسيس اللجنة الثقافية بمنتدى النشر توفّي في النجف عام 1381 هـ. (الأميني، محمد هادي معجم رجال الفكر والأدب في النجف الأشرف: 3 / 1216).

(2) مرّت ترجمته، ص136.

(3) الشيخ جواد بن الشيخ جاسم بن الشيخ حمّودي قسّام النجفي الخفاجي، ولد في النجف عام 1326 هـ. من علماء الخطباء وخطباء العلماء وشاعر موهوب. من الهيئة التدريسيّة لجمعية منتدى النشر عام 1354 هـ. ودرّس كذلك في مدارس النشر وله ديوان شعر، توفّي في النجف في العقد الأخير. (الأميني، محمد هادي: معجم رجال الفكر والأدب في النجف، 3 / 999).

(4) السيد جواد بن علي بن محمد بن علي آل شبّر الحسيني النجفي، ولد في النجف عام 1332 هـ عالم فاضل وخطيب مفوّه واع، مدافع صادق عن عقيدته، جريء في قول الحق. اعتقل في شهر رمضان عام 1400 ضمن حملة لاعتقال خطباء المنبر الحسيني والعلماء وانقطع خبره إلى الآن من آثاره موسوعة أدب الطف، المقتطفات، شواهد الأدب، إلى ولدي وغيرها. (الأميني: محمد هادي، مع رجل الفكر والأدب في النجف 2 / 713).

(5) الشيخ مسلم بن الشيخ محمد علي بن جاسم بن محمد الجابري النجفي، ولد في النجف الأشرف عام 1331 هـ، أديب بارع درّس إضافة إلى العلوم الدينية والأدبية علوم الهندسة والحساب. من فضلاء خطباء المنبر الحسيني ومتكلميه الأجلاّء. من مدرسي جمعية منتدى النشر توفّي في النجف عام 1383 هـ. (المصدر نفسه، 1 / 329).

(6) السيد عبد الحسين بن عباس بن سلمان الحجّار الموسوي البصري. ولد في مدينة البصرة عام 1330 هـ، عالم فاضل وشاعر مبدع وأستاذ في الأدب العربي هاجر إلى النجف طلباً للعلم، فدرس على مشاهير علمائها وأساتذتها. حتى برز عالماً وأديباً من أساتذة كلية الفقه في النجف. برع في الخطابة والبيان انتقل إلى بغداد كأستاذ في كليّاتها. (المصدر نفسه، 1 / 392).

(7) الوائلي، أحمد: تجاربي مع المنبر - ص182.

٣٤٧

ويقول الأستاذ جعفر الخليلي: (إنّ الشيخ محمد الشريعة، كان أوّل من أوجد فكرة، وجوب فتح صفوف لخطباء المنابر الحسينية)(1) .

أمّا كيفية تحرّك التجربة هذه، فإنّنا سنرجع فيها إلى أحد الذين عاشوها ولا يزال يتفاعل مع نتائجها، إنّه عميد المنبر الحسيني الشيخ أحمد الوائلي، حيث يذكر أنّ من ترجمنا لهم من العلماء والخطباء أخيراً، كانوا قد تحركوا (إلى المرجعية الدينية واستحصلوا منها أذناً في تحويل (بناء) وقف قديم مهجور، أُعدّ لاستقبال الزائرين، على أنْ تتولّى جمعية منتدى النشر إعادة ترميمه وصيانته، ولكن العقبات بدأت توضع في الطريق، من خلال من لم ترقهم الفكرة، أو أنّهم استشعروا منها خطراً، على بعض الأوضاع القائمة للمنبر الحسيني آنذاك. إضافة إلى أنّ هناك دائماً معارضين، لكل فكرة إصلاحية، أو خطوة نحو الوعي، فسحبت تلك الإجازة!!)(2) ممّا يعني سحب التأييد المرجعي ولو بنحو من الأنحاء.

ثمّ يقول الشيخ الوائلي: إنّ أعضاء الجمعية تحرّكوا نحو استئجار دار في حي من أحياء النجف الأشرف، حيث (نقلت إليه حاجات الصف الأوّل من: رحلات - مقاعد - وكراسي وسبّورات ووسائل إيضاح. وتمّ الإعلان عن الاستعداد للقبول، وبالفعل انتمى جماعة. وبعد هذه البدايات المذكورة، بدأ التحرّك المضاد واشتركت فيه عناصر منوّعة في طليعتها حواشي(3) بعض العلماء، الذين تتّجه

____________________

(1) الخليلي، جعفر: هكذا عرفتهم - 2 / 24.

(2) الوائلي، أحمد: تجاربي مع المنبر، ص184.

(3) الحواشي، ج مع مفردها حاشية، والحاشية لغة، من كل شيء، هي جانبهُ وطرفُهُ، فإذا قيل جاء الرجل في حاشيته، أي في قومه الذين في حشاه (ابن منظور، محمد بن مكرم: لسان العرب 14 / 180) وورد معنى آخر لحاشية، فإذا قيل: إنّ فلان من حشوة بني فلان، بالكسر، أي من رُذالهم والحشو والحاشية - صغار - الإبل، لا كبار فيها. (الجوهري، إسماعيل بن حمّاد: الصحاح 4 / 2313) هذا في اللغة وأمّا هنا، فهي مصطلح حوزوي =

٣٤٨

معارضتهم أوّلاً وبالذات لأي محاولة ابتداع أُسلوب جديد في الدراسة الحوزوية)(1) .

كما وقف ضد هذه الفكرة، بعض ذوي النيّات السليمة (ممّن هو على دين، ولكن (بعدما) عكسوا لهم أجواء تؤدي إلى المساس ببعض الأمور العقائدية، فثاروا وحركّوا العوام - وتحرك - أصحاب المصالح، وفي طليعتهم مجموعة ممّن يمتهن الخطابة!! وانتشرت شائعات تقول: إنّ منتدى النشر يريد تغير صورة الأمويين في أعين الناس، والقضاء على الشعائر الدينية، تزوير التاريخ!!

إلى آخر ما هناك من افتراءات، أدّت إلى صدور تصريحات من الزعامات الدينية تدين منتدى النشر، وانتهى الأمر بالهجوم على المؤسّسة المعدّة للتدريس، وعلى جمعية منتدى النشر هي الأخرى... فكسّرت الكراسي، وحطّم ما في البنايات من أدوات!! وهرب القائمون على العمل واختبأوا عن الأعين!!

وكان أحد التصريحات من بعض المراكز الدينية: بأنّ الحسينعليه‌السلام قتل مرتين، مرّة يوم الطف وأخرى في حركة منتدى النشر!!)(2) .

لقد ضرب معارضو الإصلاح على وترٍ حسّاس؛ حينما خوّفوا عوام الناس من أنّ تجربة منتدى النشر تسعى إلى تغيير عقائدهم وتبرئة

____________________

= بمعنى البطانة، يطلق على مجموعة من العلماء والمستشارين الذين يحيطون بالمرجع الديني، يرجع إليهم ويأخذ برأيهم. ولعب الحواشي دوراً مهمّاً في قرارات وفتاوى بعض المراجع. ويتناسب تأثيرهم مع شخصية المرجع قوّة وضعفاً. وبذا يكون المعنى اللغوي الأوّل هو المتعيّن هنا.

(1) المصدر نفسه، ص185.

(2) المصدر نفسه، ص185.

٣٤٩

يزيد من قتله للإمام الحسينعليه‌السلام ، وإنّها تريد القضاء على المنبر الحسيني وعلى حب الناس لأهل البيتعليهم‌السلام !!.... وهذا ممّا أثار الناس وأهاجهم...

لو أنّ تجربة منتدى النشر بدأت بمشروع إصلاح أُسلوب الدراسة في الحوزة العلمية لَما أحدث هذه ردّة الفعل العنيفة تلك. لأن مسألة الإمام الحسين وما يرتبط بها من منبر حسيني هي مسألة حساسة ذات بعد عاطفي ووجداني عميقين في نفسية الإنسان الشيعي.

ولهذا لا نتوقع لهذا المشروع النجاح بعدما شوهت صورته في عيون الناس حيث (انتهى الأمر بفشل المشروع وموت الفكرة في مهدها واختفاء كل عنصر له صلة بالموضوع مدّة طويلة)(1) .

ونورد شهادة ثانية عن هذه التجربة، إذ لمّا (مشت جمعية المنتدى في أمر إصلاح خطباء المنابر وفتحت صفاً خاصاً للخطباء، وكانت للشيخ محمد الشريعة وقفته التي لا تنسى، وأحدثت هذه الوقفة ضجّة كبيرة في وسط النجف لم يعبأ بها الشيخ محمد الشريعة، ولم يلن، وتبلورت الضجة والنقمة على جمعية المنتدى حتى صارت ثورة...)(2) .

وكان إلصاق تهمة (الأمويّة) بمن يحاول إصلاح المنبر الحسيني، أو تنقية الممارسات التي تؤدّ تحت عنوان الشعائر الحسينية، من أكثر الأساليب تأليباً لعواطف الناس وتهيجاً لهم. وصفة (الأمويّة) هي عين الشبهة التي أثيرت في النجف الأشرف ضدّ السيد محسن الأمين العاملي ومن ناصره، حينما أصدر فتوى بحرمة بعض

____________________

(1) الوائلي، أحمد: تجاربي مع المنبر - ص186 / 189.

(2) الخليلي، جعفر: هكذا عرفتهم، 2 / 25.

٣٥٠

الممارسات التي تنتشر في بعض المناطق الشيعية أيام عاشوراء، مثل ضرب الرؤوس بالسيوف وضرب الظهور بالسلاسل...

فقد أُطلق مصطلح (الأمويون) على السد الأمين، ومن أيّده وناصره من علماء ومثقّفين، كما أطلق في المقابل مصطلح (الحسينيون) على من عارض السيد الأمين وفتواه وأتباعه(1) .

نعم، إنّ (هذه الدعوة إلى التغيير، قد جوبهت في النجف بعنف فاق كل توقّع، وأثارت ردود فعل سلبية حادّة، في بعض الأوساط)(2) .

وبهذه التطوّرات السلبية التي رافقت هذه التجربة، فقد أحبطت الآمال المنعقدة عليها باعتبارها تجربة رائدة كان يؤمّل منها أنْ تُحدث تغييراً إيجابياً في مسيرة المنبر الحسيني وانتقاء الخطباء المؤهلين لاعتلائه.

نعم (لقد خسرنا بفشل تلك التجربة والمحاولة، مردوداً يتلخّص في طلائع من المبلّغين يثرون ساحة الخطابة، وتكون منافذ يطلّ منها من يريد التعرّف على مضموننا)(3) .

ثمّ لابدّ بعد هذه النتيجة السلبية، التي بلغتها تجربة جمعية منتدى النشر، أنْ نقف عند الأسباب التي أدّت إلى ذلك، وعند بعض الملاحظات التي كان ينبغي الأخذ بها، في مشروع يستهدف تشخيص بعض السلبيات في مؤسّسة ذات عمق عاطفي وتقديسي، عميقين في

____________________

(1) المصدر نفسه: 2 / 25.

(2) شمس الدين، محمد مهدي: ثورة الحسين في الوجدان الشعبي ص205.

(3) الوائلي، أحمد: تجاربي مع المنبر، ص186 / 189.

٣٥١

نفوس الشيعة من خاصة وعامّة.

ولم أج أسباباً أكثر دقّة وإحاطة، من تلك الأسباب التي أوردها الشيخ الوائلي نفسه، وهو يعرض هذه التجربة ونتائجها، حيث يذكر الملاحظات التالية:

(1) (كان من الضروري أنْ ينضج تصوّر المشروع، في نظر المرجعية إلى درجة توفير غطاء له من المرجعية نفسها، إنْ لم يُتبنَّ من قبلها)(1) .

وذلك راجع إلى الدور الأبرز، الذي تقوم به المرجعية الدينية، خاصة وأنّ المشروع كان في النجف الأشرف، حيث الحضور المباشر واليومي للمرجعية الدينية هناك. إنّ اقتناع المرجعية بالمشروع، كفيل بتسهيل العيد من العقبات وفسح الطري واسعاً أمام حركة المشروع. لشدّة ارتباط الناس بالمرجع الديني والتزامهم بآرائه وفتاواه.

وسنجد، إن هذه النقطة، ستبقى شرطاً أساس في كل مشروعات الشيخ الوائلي، من أجل النهوض بالمنبر الحسيني وأدائه.

(2) وكذلك كان ينبغي على القائمين بالمشروع (القيام بدور دعائي كبير، في أوساط الخطباء، وطمأنتهم وطرد المخاوف التي تهدّدهم بأنّهم ستقطع أرزاقهم، وسيكونون على الهوامش، وسينتفي الموضوع الذي يدورن حوله من واقعة الطف، إلى آخر ما هنالك من إشاعات رافقت التحرك نحو المشروع. والخطباء قوّة كبيرة مؤثّرة في الساحة، وبوسعهم تحريك الجمهور، بأنْ يصوّروا له خطراً داهماً تتعرض له العقيدة)(2) .

____________________

(1) (2) الوائلي، أحمد: تجاربي مع المنبر - ص186 / 189.

٣٥٢

وهذه حقيقة بارزة أخرى، في المجتمعات الشيعية، حيث يتبوّأ خطيب المنبر الحسيني منزلة كبيرة الأهمية، من حيث التأثير على الناس وعواطفهم وتوجيههم. وهذا كما يكون في التوجيه الإيجابي نحو الإسلام ومفاهيمه وجهاد المستعمر ومحاربة الإلحاد، يمكن أنْ يكون توجيهاً سلبياً، إذا لم يراعي الخطيب الحق أو عندما تكون الصورة غير واضحة عنده، فيُستغلَّ المنبر لأغراض خاصة وأهداف لا تلتقي مع رسالته.

وإذا كانت مادة مشروع جمعية منتدى النشر، هم الخطباء، فكان الأحرى بالقائمين عليه، إبلاء هؤلاء الخطباء اهتماماً خاصاً، وتثقيفاً مميزاً، بأهداف المشروع والأسباب التي حدت بهم إلى الدعوة إليه. وأحسب إنّ هذه الخطوة، كان ينبغي التحرك عليها قبل التحرّك على المرجعية الدينية.

(3) لقد أثّرت عوامل أخرى قد تكون غير ظاهرة في إحباط المشروع وإخماد الفكرة، منها إنّ (علاقات بعض القائمين على فكرة المعهد بالأوساط الدينية المتنفذة كانت علاقات متشنجة. ممّا أدّى إلى أنّ تدفع فكرة المعهد (فواتير) علاقة هؤلاء بالآخرين)(1) .

وهي حقيقة مؤلمة قائمة، في أغلب مجتمعاتنا، فأين من يجرّد تقييمه للفكرة، بمعزّل عن صاحبها ومؤيّدها، إلاّ من عصم الله، وقليلٌ ما هم.

ولهذا كان على أصحاب المشروع، اختيار أشخاصٍ آخرين يطرحون الفكرة، ممن ترتاح لهم نفوس المتنفذين، وتطمئن لهم قلوبهم.

(4) إنّ رغبة المصلحين واندفاعهم نحو الإصلاح والتغيير، قد

____________________

(1) المصدر نفسه: ص186/189.

٣٥٣

يجعلهم يرفعون شعارات كبيرة ويبدؤون بخطوات واسعة، ممّا يحدث في المقابل ردّة فعل قد تكون عنيفة. ولهذا لابدّ من إيلاء فكرة التدرّج والمرحلية اهتماماً واضحاً. حيث ينساب المشروع إلى المجتمع انسياباً طبيعياً وبشكل هادئ.

وعليه (كان ينبغي عدم طرح المشروع بصورة مؤسّسة كبيرة، لها واجهة وكيان مستقل، بل يقتصر على فتح صف، ضمن مدرسة منتدى النشر التي كانت قائمة آنذاك، فيدرس فيها الطالب الذي يودّ الإلمام بالدروس المتعلّقة بفنون الخطابة، وبعض المواد المعدّة لذلك، ويستمر الآخرون، على مفردات منهجهم العادية السائدة آنذاك)(1) .

(5) قد يسهُم بعض المتحمّسين لفكرة ما - أحياناً - بإفشال تلك الفكرة، وذلك بفعل عدة ممارسات، لعلّ منها أنْ يخوّف المتحمّسون الآخرين بأنّ تغييراً كبيراً سوف يحدث، وسوف تنتهي فترة التخلّف وسوف لا يبقى متطفّل أو جاهل... وما إلى ذلك من الشعارات التي تحفّز الآخرين، وتجعلهم يتوثّبون بكل قواهم لمحاربة ذلك المشروع. خاصة مع وجود أعداء فكرة الإصلاح، الذين يستغلون الشعارات الحماسية لإبطال المشروع وإفشاله، ولهذا فقد رافقت فكرة منتدى جمعية النشر من أجل إصلاح المنبر الحسيني، (مقالات نشَرها بعض المتحمّسين للفكرة، مفادها: إنّ هذا التحرّك يستهدف تصحيح مسار المنبر وإبعاد المرتزقة والجهلة، وأمثال ذلك من العناوين المثيرة. ولا أستبعد أنْ يشترك بعض مَن يهمّه فشل التجربة، في طرح أمثال هذه الشعارات بقصد استثارة الشعور بالكرامة عند خطباء المنبر، وإثارة مشاعر الخوف عند المتديّنين الحقيقيّين)(2) .

____________________

(1) الوائلي، أحمد: تجاربي مع المنبر - ص186 / 189.

(2) الوائلي، أحمد: تجاربي مع المنبر - ص186 / 189.

٣٥٤

إنّ تجربة منتدى النشر في مسألة تطوير المنبر وخطبائه تجربة حرية بدراسة متسفيضة؛ لأنّها تجربة لامست مسألة ذات حساسية دينية ومذهبية، في بيئة قد يحرص البعض فيها على استمرار حالة التخلّف لسبب أو لآخر.

واستمرت جمعية منتدى النشر، بعد هذه التجربة القاسية، حتى استطاعت الحصول على موافقة رسمية، بتأسيس كلية للدراسات الإسلامية في النجف الأشرف، تمنح شهادة البكالوريوس في العلوم العربية والإسلامية وذلك عام 1959م، فكانت (كلية الفقه) في النجف الأشرف.

والملاحظ، إنّ مجموعة رائدة من خطباء المنبر الحسيني، ممّن لا يزال يحمل فكرة إصلاح المنبر، قد انتمت إلى الكلية وتخرّجت منها. وأبرز خطباء المنبر الحسيني اليوم، وممّن يعدّون أساتذته هم في الغالب من خريجي كلية الفقه هذه.

أمّا المرحوم الشيخ محمد مهدي شمس الدين فكان يرى أنّ من أهداف إنشاء كلية الفقه، إحياء مشروع معهد الخطابة. فـ (قد أسّست جمعية منتدى النشر بعد ذلك (كلية الفقه)، فجعلت من جملة أهدافها التغييرية العلمية الثقافية هذا الهدف الكبير. وقد تخرّج منها جملة من الخطباء المتخصّصين في شأن المأتم الحسيني، والمسلحين بالوعي لمشكلات عصرهم، والمعرفة الكافية باتجاه عملهم وشروطه)(1) .

وهذا رأي انفرد به الشيخ شمس الدين رحمه الله؛ من أنّ من جملة أهداف إنشاء كلية الفقه، إعداد خطباء المنبر الحسيني. نعم قد يكون ذاك قد جاء ضمن الأجواء، التي يعيشها الطالب في الكلية ومنهجها الأكاديمي العلمي.

____________________

(1) شمس الدين، محمد مهدي: ثورة الحسين في الوجدان الشعبي، ص306.

٣٥٥

وهناك التفاتة مهمّة من قِبل الشيخ شمس الدين، حيث يذكر أنّ فكرة إعداد خطباء حسينيين نافعين، لم تنتهِ مع فشل التجربة، بل راحت الفكرة تسير بصورة أخرى، حيث يرى (إنّ القائمين على دعوة التغيير ثبتوا بالرغم من أنّهم لم يتمكّنوا من تحقيق طموحهم، إلى تأسيس كلية لتخريج خطباء المنبر الحسيني، فقد عملوا بأساليب غير نظامية على نشر الفكرة الطموحة، التي لاقت قبولاً بل ترحيباً في أوساط كثيرة. وكان من خيرات هذه الفكرة تكوين عدد من الخطباء البارزين في حقل المأتم الحسيني، يحظون بإقبال واسع من الجماهير، ويحققون نفعاً كبيراً، وقد زاد عددهم في السنين الأخيرة والحمد لله)(1) .

نعم، فعلى الرغم من الفشل الظاهري لفكرة منتدى النشر، فقد بقيت تلك الفكرة ولا زالت، طموحاً لكلّ من يولي المنبر الحسيني، ورفع مستوى أدائه اهتماماً، كما سيتضح ذلك في الصفحات المقبلة إنْ شاء الله، حيث نجد إجماعاً، على أنّ أفضل الطرق لإعداد خطيب حسيني نافع، تتأتّى عبر إنشاء معهد خاص للخطابة الحسينية.

إنّ زيادة الوعي واتساع أفق التفكير، كفيل بتسهيل العديد من العقبات، التي توضع عادة في طرق المشاريع الإصلاحية والتغييرية.

3) تجربة جمعية التوعية الإسلامية في البحرين

كما سبق أنْ ذكرنا من أنّ تجربة منتدى النشر، رغم فشلها وإحباطها في وقتها، إلاّ أنّها ظلّت تمثّل حالة تحث ذوي الوعي، من يعنيهم أمر المنبر الحسيني، إلى ضرورة العمل وفق آفاق تلك التجربة وأهدافها.

____________________

(1) المصدر نفسه: ص306.

٣٥٦

وقد شهدتْ منطقة البحرين في الخليج، تجربة يمكن اعتبارها حلقة، في سلسلة تجارب ومحاولات، عاشتها مناطق مختلفة من أماكن الوجود الشيعي، على غرار تجربة منتدى النشر.

وتمتاز البحرين بكثافة المجالس الحسينية، والعدد الهائل من الحسينيات، ممّا يعني وفرة خطباء المنبر الحسيني هناك. (كما سبق الإشارة إلى ذلك في الفصل الرابع من هذا الكتاب).

وتعتبر مسألة رفع مستوى أداء المنبر الحسيني، همّاً يعيش مع العلماء المصلحين والخطباء الواعين، وعموم المثقّفين الملتزمين. ولهذا شهدت عدّة مناطق محاولات متفاوتة في سعتها وتأثيرها في هذا المجال. ومن تلك المناطق كانت البحرين.

فقد أُسّست في البحرين جمعية إسلامية هادفة تحت اسم (جمعية التوعية الإسلامية) عم 1971م. وراحت تستضيف مفكّرين إسلاميين، لإلقاء المحاضرات، وإقامة مؤتمرات فكرية وثقافية. وكان من ضمن نشاطات هذه الجمعية، السعي نحو رفع مستوى خطباء المنبر الحسيني، وتثقيفهم ليرتفع مستوى الأداء تبعاً لذلك.

والتقيت أحد علماء البحرين المعروفين، وهو السيد عبد الله الغريفي البحراني(1) في بيروت، وسألته عن تلك التجربة فأجاب: (إنّه قد نضجت في البحرين عام 1974، فكرة مشروع لجمع خطباء المنبر

____________________

(1) السيد عبد الله بن عدنان الغريفي الموسوي البحراني. ولد في البحرين عام 1944م ثمّ هاجر إلى النجف لطلب العلم عام 1965 حتى بلغ مستوى متقدّماً في الدراسات الحوزوية، ثمّ أكمل دراسته الأكاديمية وتخرّج من كلية الفقه عام 1973 ثمّ اختير وكيلاً للمرجعية في دولة الإمارات لعدّة سنين ثمّ انتقل إلى سوريا محاضراً ومدرّساً ثمّ عاد إلى البحرين ولا يزال يزاول نشاطه الثقافي والديني، له عدّة آثار منها: التشيع نشوؤه وأدواره، أحاديث في الشباب والأسرة، الإمام المهدي. (الغروي، محمد: تلامذة الإمام الشهيد الصدر، ص165).

٣٥٧

الحسيني، ووضع منهج ثقافي تربوي هادف. وفعلاً فقد استجابت أعداد غفيرة من خطباء المنبر الحسيني، وكان الأمل يحدو المشرفين على هذا المشروع في تقديم خطوة مهمّة على طريق ترشيد المنبر ورفع مستوى أداء الخطباء.

ولكن الأمر لم يستمر طويلاً حيث ما لبث الوضع أنْ تغيّر حينما تحرّك البعض في إثارة شبهات وإشكالات حول هذا المشروع... وأُشيع في البحرين؛ إنّ هذا المشروع يقوم به أناس، يهدفون تبرئة يزيد من قتل الإمام الحسينعليه‌السلام وأهل بيته وأصحابه يوم عاشوراء!! ممّا أهاج العوام وخوّف أهل الدين الطيبين، بحيث أدّى إلى أنْ يبتعد الخطباء عن هذا المشروع)(1) والشيء الجدير بالملاحظة هنا، إنّ أُسلوب محاربة مشروع النهوض بالمنبر الحسيني وأدائه، كان هو الأسلوب نفسه الذي حوربت من خلاله فكرة ومشروع جمعية منتدى النشر، في النجف قبل ما يقرب الثلاثين عاماً من ذلك.

ورغم هذه التجارب الثلاث، سواء التي نجحت نجاحاً محدوداً، في تجربة السيد محسن الأمين دمشق، أم التي أحبطت وجوبهت مجابهة شديدة، كما حدث في تجربة جمعية منتدى النشر في النجف الأشرف، أو التي انتهت في بداياتها عبر الإشاعة المغرضة، كما حدث في تجربة جمعية التوعية الإسلامية في البحرين...

رغم كل ما تلك التجارب، فإنّ الأمل ما يزال يرتسم أمام كل المهتمّين بشأن مؤسّس المنبر الحسيني، وضرورة رفع مستوى طرها، لتواكب حاجة الأمّة وطموحاتها. من علماء وأعين وخطباء منبر مخلصين، وشرائح ثقافية واجتماعية وسياسية واقتصادية وشعبية متنوعة، تزداد يوماً بعد يوم.

____________________

(1) لقاء شخصي مع السيد عبد الله الغريفي البحراني، بيروت 11 رجب 1420 هـ.

٣٥٨

وهذا ما انعكس، على عدة مشروعات لمعهد خطابي، يراه الأكثرون أنّه أفضل السبل وأنجحها، في هذا الهدف الكبير الذي يشعر بأهميته من يرى سعة دور المنبر الحسيني، وكثافة التواجد الشعبي عند الشيعة، في مناطق العالم المختلفة.

وفي المبحث الثاني من هذا الفصل سنتناول مشروع المعهد الخطابي، سَواء ما تحقّق منه أم ما يُسعى لإنشائه، ثمّ نختم الفصل، بعدّة اقتراحات وتوصيات، من أجل تطوير المنبر الحسيني ورفع مستوى خطبائه، في الحاضر والمستقبل.

٣٥٩

المبحث الثاني: المعهد الخطابي

لقد مرّ بنا في نهاية الفصل الرابع من هذه الدراسة، أنّ هناك عدّة طُرق لإعداد خطباء المنبر الحسيني؛ وهي طرق التلمذة، والإعداد الذاتي، والدورات الخطابية.

وهناك طريقة رابعة في هذا المجال، وهي طريقة معهد مختصّ بتنشِئة خطباء المنبر الحسيني وتأهيلهم لمهمّاته.

فقد بقيت فكرة جمعية منتدى النشر، التي تحدّثنا عنها قبل قليل، والتي سعت إلى إيجاد مدرسة أو معهد أو كلّية - على حد تعبير الشيخ محمد مهدي شمس الدين - لترشيد وإعداد خطباء المنبر الحسيني، بقيت تلك الفكرة تشكّل طموحاً تشدّ إليها المهتمين بشأن هذا المنبر.

ولهذا نجد أنّه متى ما توافرت الظروف التي تعين على تنفيذ هذه الفكرة، فإنّ الجهود لنْ تتلكّأ دون هذا التنفيذ.

٣٦٠