الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد

الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد0%

الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد مؤلف:
الناشر: دار الغدير
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 440

الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: آية الله الشيخ محمد سند (حفظه الله)
الناشر: دار الغدير
تصنيف: الصفحات: 440
المشاهدات: 114393
تحميل: 5001

توضيحات:

الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 440 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 114393 / تحميل: 5001
الحجم الحجم الحجم
الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد

الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد

مؤلف:
الناشر: دار الغدير
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

٤١

أقوالُ العامّة:

منها:

1 - عن عطاء أنّه فسّر الشعائر(1) - سواء في الآية( وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ... ) ، أو الآية( لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ... ) - بأنّها جميع ما أمرَ الله به ونهى عنه، أي جميع فرائضه، ولم يُخصّصه ببابٍ دون باب(2) .

2 - قال الحسن البصري: الشعائر شعائر الله: هو الدين كلّه(3) ، هذا أيضاً قولٌ بالتعميم، وهذا تعميم في الموضوع، فهذان القولان يتّفقان على تعميم موضوع الشعائر.

3 - القرطبي في أحكام القرآن: يذهب إلى أنّ المراد من الشعائر هي جميع العبادات، ولم يعمّمها لجميع أحكام الدين، وإنّما خصّصها بالعبادات، قال: جميع المتعبّدات التي أشعرَها الله تعالى، أي جعلها أعلاماً للناس، هذا قول آخر،

____________________

(1) تفسير مجمع البيان 3: 264. جامع البيان (لابن جرير الطبري) 6: 74.

(2) وقد روي أيضاً هذا الرأي عن عكرمة، حيث قال: إنّ شعائر الله هي حدوده. راجع: زاد المسير (ابن الجوزي) 2: 232.

(3) تفسير مجمع البيان 7: 150.

٤٢

وهو يحدّد دائرة الموضوع(1) .

4 - وهناك قول آخر لديهم: هو أنّ المراد من شعائر الله بقرينة السياق في الآيات الواردة في سورة الحج، وفي أوائل سورة المائدة، وتلك التي في سورة البقرة كلّها في سياق أعمال مناسك الحجّ، فمن ثُمّ ذهبَ هذا القائل إلى أنّ المراد منها جميع مناسك الحجّ(2) ليس إلاّ، ولا تشمل هذه القاعدة بقيّة الأبواب(3) ، هذا بالنسبة لزبدة أقوال العامّة.

أقوالُ الخاصّة:

أمّا بالنسبة لأقوال الخاصّة، فلم نعثر على قول من أقوال الخاصّة يقيِّد القاعدة بمناسك الحج، أو يُخصّصها بالعبادات، عدا ما قد يظهر من الشيخ النراقي في عوائده، بل دين علماء الخاصّة - كما يظهر من كلماتهم - القول بالتعميم، فمثلاً:

____________________

(1) تفسير القرطبي 12: 56.

(2) مثل ابن عبّاس حيث قال: إنّ الشعائر مناسك الحج، كما في أحكام القرآن (الجصّاص) ج2: 1376.

(3) هناك أقوال أخرى لعلماء العامّة، منها: إنّ الشعائر هي حُرم الله، قاله السّدي.

- أو ما ذهبَ إليه أبو عبيدة بأنّ الشعائر: هي الهدايا المشعرة لبيت الله الحرام.

- وقول الماوردي والقاضي أبو يعلى: إنّ الشعائر هي أعلام الحَرم، نهاهم أن يتجاوزوها غير مُحرمين إذا أرادوا دخول مكّة، تجد هذه الأقوال وغيرها في كتاب زاد المسير لابن الجوزي 2: 232.

٤٣

1 - الشيخ الكبير كاشف الغطاء في كتابه(كشف الغطاء) (1) ، ذهبَ إلى أنّ قبور الأئمّة (عليهم السلام) قد شُعِّرت، فهي مشاعر، ومن ثَمّ تجري عليها أحكام المساجد، يَذكر ذلك في بحث الطهارة، في مناسبة معيّنة، في تطهير المسجد وحرمة تنجيسه وما شابه ذلك.

وقد تميّز الشيخ الكبير كاشف الغطاء بهذا الاستدلال عن بقيّة الأعلام، بالإشارة إلى أنّ وجه إلحاق قبور الأئمّة (عليهم السلام) بالمساجد، هو كونها شُعِّرت مشاعر، فهو إذاً يذهب إلى أنّ المشاعر لا تختصّ بأفعال الحجّ، ولا تختصّ بالعبادات، بل تشمل دائرةً أوسع من ذلك.

وأيضاً، في كتاب(منهاج الرَشاد لمَن أراد السداد) (2) يشير الشيخ الأكبر كاشف الغطاء إلى هذه النكتة، وهي تشعير قبور الأئمّة (عليهم السلام).

وكذلك يشير أيضاً إلى أنّ حُرمة المؤمن أيضاً من شعائر الدين، فهو يعمِّم موضوع الشعائر.

2 - وأيضاً ذهبَ إلى التعميم: صاحب الجواهر في بحث الطهارة: في موضع حرمة تنجيس القرآن، أو وجوب تطهير القرآن إذا وقَعت عليه نجاسة، ويشير إلى أنّ حرمة الهتك ووجوب التعظيم شاملان لكلّ حُرمات الدين، وعبارته: (وفي كلّ ما عُلمَ من الشريعة وجوب تعظيمه وحرمة إهانته وتحقيره...)(3) .

____________________

(1) كشف الغطاء: 54 (عند قراءة الفاتحة بعد الطعام ورجحان الشعائر الحسينيّة).

(2) وهو أوّل كتاب صدرَ من الحوزة العلميّة الإماميّة في ردّ الوهّابيّة، حيث كان الشيخ (رحمه الله) معاصراً لنشأة وقيام الدولة الوهّابيّة في بدايتها، وكانت بينه وبين مؤسِّس الدولة الوهّابيّة مراسلات واحتجاجات، وقد طُبع هذا الكتاب أخيراً.

(3) جواهر الكلام 6: 98 - كتاب الطهارة في ذيل أحكام تطهير المسجد.

٤٤

وهذا التعبير كأنّما اقتبسهُ صاحب الجواهر من الآية في سورة الحجّ:( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ.. ) .

وبعد ذلك بآيتين:( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ.. ) كأنّما الآيتان متوازيتان في المعنى، ومتعاضدتان في شرح بعضهما البعض.

3 - أيضاً من الكلمات التي يستفاد منها التعميم:

فتوى المحقِّق الكبير الميرزا النائيني، التي صَدرت حول الشعائر الدينيّة.

وقد عُبّر عن الشعائر الحسينيّة بأنّها شعائر الله، واستدلاله بالآية يُعمّم هذه القاعدة الفقهيّة، ولا يُخصّصها بالمناسك ولا بالعبادات.

4 - المجاهد الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء، قال بالتعميم - أيضاً - في فتاواه وفي كتبه، وفي رسائل الأسئلة والأجوبة، حيث يَذكر دخول الشعائر الحسينيّة في عنوان شعائر الله، وفي شعائر الدين، ووجوب تعظيمها بنفس الآية الكريمة.

5 - السيّد الحكيم (رحمه الله) في المستمسك(1) في بحث الشهادة الثالثة، حيث تمايلَ إلى وجوب الشهادة الثالثة (أشهد أنّ عليّاً وليّ الله..) في الأذان والإقامة، لا من باب الجزئيّة، بل من باب استحباب الأمر باقترانها بالشهادة الثانية، ومن ثُمّ طبّقَ عليها عنوان شعائر الله، وبالتالي ذهبَ إلى وجوبها.

فباعتبار أنّ الحُكم الأوّليّ لها هو الاستحباب، وإن كان بنحو التعميم إلاّ أنّها

____________________

(1) قال في مستمسك العروة 5: 545 فيما يتعلّق بالشهادة الثالثة: (بل ذلك في هذه الأعصار معدود من شعائر الإيمان ورمز التشيّع، فيكون من هذه الجهة راجحاً شرعاً، بل قد يكون واجباً، لكن لا بعنوان الجزئيّة من الأذان).

٤٥

اتُّخذت شعاراً للمذهب والطائفة، فذهبَ إلى حصول وتحقّق الشُعيرة بها، فالذي يظهر منه ذهابه إلى تعميم شعائر الله، وعدم تخصيصها بمناسك الحجّ، ولا بالعبادات.

هذه بعض أقوال الخاصّة التي تعرّضت صريحاً إلى تعميم شعائر الله، ولم نجد مَن يُخصّص الشعائر بخصوص مناسك الحجّ، أو خصوص العبادات، بل الجميع يُعمّم الشعائر إلى مطلق ما يُظهر المعالَم الرئيسيّة وينشُر أحكام الدين.

والمُتتبّع لفتاوى المتأخّرين في الشعائر الحسينيّة يلاحظ تعميم عنوان وقاعدة شعائر الله، إلى عموم أبواب وأحكام الدين.

وقد نبّه الفقهاء الأعلام - ضمن استدلالهم على هذه القاعدة - إلى حقيقة وجود أدلّة أخرى بلسان آخر يرادف معنى ومدلول قاعدة الشعائر الدينيّة، فآيات:

( لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ ) .

و( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ) يرادفها من الآيات القرآنيّة كثير من الموارد، وقد ذكرنا في الجهة الأولى أنّ الطائفتين الثانية والثالثة من الأدلّة تدلاّن على نفس مضمون قاعدة الشعائر.

فائدة

إنّ تتبّع الفقهاء للعثور على ألسِنة مختلفة - في مسألة واحدة - سواء كان مسألة وقاعدة فقهيّة، أو قاعدة كلاميّة؛ إنّما يحصل من أجل إعطاء الباحث الفقهي،

٤٦

أو المستنبط الفقهي سعة في البحث، ما لا يعطيه اللسان الواحد والدليل الفارد، وربّما يحصل الاختلاف في اللسان الواحد، هل هو باقٍ على حقيقته اللغويّة أو نُقل إلى الحقيقة الشرعيّة مثلاً؟ هل هو مبهم أم مُجمل أم مبيّن؟ هل فيه إطلاق أم لا؟ وإلى غير ذلك من الحالات التي تنتاب اللسان الواحد في الأدلّة الشرعيّة، بخلاف ما إذا عَثر الباحث أو الفقيه - أو حتّى المتكلم - على أدلّة متعدّدة محتوية على ألسِنة أخرى، وقد تكون تلك الألسِنة متضمّنة لأرقام أجلى وأوضح، بحيث لا يقع الاختلاف فيها، وتختصر على الباحث الطريق للوصول إلى ضالّته.

- من ثُمّ ذكرنا أنّ الآيتين:( يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ.. ) (1) .

- و( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ... ) (2) .

استندَ إليهما الفقهاء، ليس في بحث الشعائر فحسب، بل في مسائل فقهيّة وعقائديّة وتاريخيّة أخرى، في وقائع تحتاج لمواقف شرعيّة حازمة وصارمة.

وهي: وجوب نشر نور الدين ونور الإسلام، ونور الله.

وقد ذكرنا سابقاً أنّ الفقهاء يلاحظون في كلّ دليل ثلاثة مَحاور:

محور الموضوع، ومحور المحمول، ومحور المتعلّق، وإلاّ يكون البحث عقيماً، فلابدّ من تمييز هذه المحاور الثلاثة بعضها عن بعض.

ولما كانت عناوين هذه المحاور تختلف من لسان إلى لسان آخر، فلابدّ من تمييز الألسِنة وتصنيفها.

____________________

(1) التوبة: 33.

(2) النور: 36.

٤٧

فبعد قيام الأدلّة المختلفة وتماميّتها يمكن القول: إنّ قاعدة الشعائر الدينيّة عبارة عن جملة من قوانين الإعلام في الدين الإسلامي لها أهمّيّتها، ولها حكمها المتميّز والمغاير للأحكام الأخرى، وليس كما فُسِّر من أنّ حكمها هو عين أحكام الدين، أو أنّ الشعائر هي الدين كلّه - كما نقلنا ذلك - أو أنّها تختصّ بمناسك الحجّ أو غير ذلك.

فالشعائر لها حكم مغاير للأحكام الأخرى، ومتعلّقه مغاير أيضاً، وإن ارتبطَ وتعلّق بنحوٍ أو بآخر بالأحكام الأوّليّة، بل هو حُكم آخر، وهو نشر الدين وإعلام الدين.

كما ذكرنا أنّ قاعدة الشعائر هي بمثابة فقرة الإعلام في الفقه أو في الدين الإسلامي، وبعبارةٍ أخرى: هي جانب النشر والإعلام للأحكام على غرار الإنذار في آية النفر(1) ، حيث إنّ الإنذار واجب مستقل غير وجوب الصلاة، الإنذار بالصلاة غير نفس الصلاة، والإنذار بالحجّ ليس هو نفس مناسك الحجّ، فبالإجمال نستنتج أنّ الشعائر لها موضوع ومتعلّق وحكم يتميّز ويختلف عن بقيّة الأحكام، مضافاً إلى الغاية الأخرى التي دلّت عليها الآيات الشريفة، وهي: إعلاء الدين، وإقامة معالمه في النفوس والسلوك الاجتماعي، ولا خفاء في الأثر التربوي البالغ لأسلوب الشعيرة، وممارستها في عطاء هاتين الغايتين الساميّتين.

____________________

(1)( فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) التوبة: 122.

٤٨

٤٩

الجهةُ الثالثة: في معنى وماهيّة الموضوع (وهو الشَعائر) لُغةً

٥٠

٥١

إنّ معرفة الحكم الإجمالي للشعائر يتوقّف على تحرير معنى الشُعيرة، أو الشعائر في الوضع اللغوي، فيجب التأمّل في العناوين الواردة في الأدلّة، وهي إمّا: عناوين بموضوعات المسألة، وقد تقدّم أنّ المقصود من الموضوع هو قيود الحُكم، وقيود الحُكم في اصطلاح علم أصول الفقه، من قبيل: الزوال لوجوب صلاة الظهر، والخمر لحرمة شُرب الخمر.

وإمّا: عناوين بمتعلّقات الأحكام.

فلابدّ حينئذٍ - في أيّ مبحثٍ فقهي - من تحرّي معنى تلك العناوين الواردة، هل هي باقية على وضعها اللغوي، أو أنّها نُقلت إلى معنى وضعي آخر بوضع الشارع، والذي يُسمّى في الاصطلاح بـ(الحقيقة الشرعيّة) (1) ..

فإذن بداية ما أفرزه البحث من استطراد الأدلّة، هو التأمّل في الألفاظ الواردة فيها، هل هي باقية على وضعها اللغوي أو أنّها حقيقة شرعيّة؟ ووجه أهميّة هذا الجانب.. هو أنّه إذا كان العنوان باقياً على وضعه اللغويّ، فنتمسّك بإطلاقه، وبماهيّته اللغويّة المقرّرة في اللغة وفي الوضع العُرفيّ..، وأمّا إذا نُقل من قِبَل الشارع إلى معنى آخر، وحقيقة معيّنة جديدة، فيجب -

____________________

(1) الحقيقة الشرعيّة: أي الألفاظ المعيّنة الواردة في لسان الدليل، التي أصبحت حقائق في معانيها المستحدَثة في عصر الشارع المقدّس، مثل لفظ: صلاة، وصوم، وحجّ، التي نُقلت من معناها الحقيقي الوضعي إلى المعنى الشرعي المستحدَث في عصر الشارع.

٥٢

في مقام معرفة تلك الحقيقة - الاعتماد على ألسِنة الشارع، وليس لنا الرجوع إلى الوضع اللغوي الأوّلي.

وقد ذكرَ علماء الأصول أنّ العناوين التي ترد في الأدلّة، إذا لم يدلّ دليل على كونها نُقلت إلى معنى آخر، فهي باقية على معناها اللغوي.

مثلاً: إذا كان هناك استعمال شائع لأيّ لفظةٍ، ولأيّ عنوان ورد في الأدلّة الشرعيّة، ولم تقم قرينة، أو لم يُقيم دليل معيّن على أنّه نُقل من معناه اللغوي إلى معنى جديد، فإنّه يبقى على وضعه اللغوي.

ويقع البحث في تحرير معنى الشُعيرة، أو الشعائر في الوضع اللغوي، ثُمّ بعد ذلك نبحث عن مدى وجود دليل أو موجب لنقل هذه اللفظة من وضعها اللغوي، إلى وضع شرعي، وحقيقة شرعيّة.

الشعائرُ في كتب اللغة:

بالنسبة إلى لفظة الشعائر، أو الشُعيرة، كما وردت في المعاجم اللغويّة:

1 - في كتاب العين للخليل بن أحمد الفراهيدي؛

الشِعار: يُقال للرجل: أنت الشِّعار دون الدِّثار، تصفه بالقرب والمودّة، وأشعَرَ فلان قلبي همّاً، ألبسهُ بالهمّ حتى جَعله شعاراً، ويقال: ليت شِعري، أي: عِلمي، ويقال: ما يُشعرُك: وما يدريك..

وشعرتهُ: عَقلته وفهمتهُ، والمشعَر: موضع المنسك من مشاعر الحجّ.

وكذلك: الشعار من شعائر الحجّ، والشُعيرة من شعائر الحجّ(1) .

____________________

(1) كتاب العين للفراهيدي 1: 251.

٥٣

فالخليل بن أحمد أثبتَ كلتا اللغتين في اللفظة المفردة، مفرد الشعائر، فجعلها شُعيرة، وجعلها أيضاً شعاراً ثُمّ قال:

والشُعيرة: البُدن، وأشعرتُ هذه البُدن نسكاً، أي: جعلتها شُعيرة تُهدى، وإشعارها أن يوجأ سِنامها بسكّين فيسيل الدم على جانبها فتُعرف أنّها بدنة هَدي، وسبب تسمية البُدن بالشعيرة أو بالشعار، أنّها تُشعر - أي تُعلَّم - حتّى يُعلم أنّها بُدن للهدي(1) .

ونلاحظ أنّ هناك معنى مشتركاً بين موارد استعمال الشعائر، حيث نراها تستعمل بكثرة بمعنى العلامة والاستعلام.

2 - قال الجوهري في الصِحاح: والشعائر أعمال الحجّ، وكلّ ما جُعل عَلماً لطاعة الله تعالى، والمشاعر: مواضع المناسك، والمشاعر: الحواس، والشعار: ما وليَ الجسد من الثياب، وشعار القوم في الحرب: علامتهم؛ ليعرف بعضهم بعضاً، وأشعرَ الرجل همّاً، إذا لزقَ بمكان الشِعار من الثياب في الجسد، وأشعرتُه فشعرَ، أي: أدريتهُ فدرَى(2) .

- الراغب أيضا لم يزد على ما ذكره الخليل، والجوهري في صِحاحه.

3 - قال الفيروز آبادي في القاموس: أشعرَهُ الأمر أي: أعلمهُ، وأشعرَها: جَعل لها شعيرة، وشِعار الحجّ: مناسكه وعلاماته، والشعيرة والشعارة والمشعر موضعها، أو شعائره: معالمهُ التي ندبَ الله إليها وأمرَ بالقيام بها(3) .

____________________

(1) المصدر السابق.

(2) الصِحاح (الجوهري): 699.

(3) القاموس المحيط 2: 60.

٥٤

4 - ابن فارس في (مقاييس اللغة) لديه هذا التعبير أيضاً، يقال للواحدة: شعارة وهو أحسن (من شعيرة)، ممّا يدلّ على أنّ شعيرة صحيحة، ولكنّ الأصح والأحسن شعارة، والإشعار: الإعلام من طريق الحس،. ومنه المشاعر: المعالِم، واحدها: مشعر، وهي المواضع التي قد أُشعرت بعلامات، ومنه الشِعر؛ لأنّه بحيث يقع الشعور (يعني التحسّس)، ومنه الشاعر؛ لأنّه يُشعر بفطنته بما لا يفطن له غيره(1) .

5 - القرطبيّ في تفسيره: كلّ شيء لله تعالى فيه أمرٌ أشعرَ به وأعلمَ يقال له: شعاره، أو شعائر.

وقال: والشّعار: العلامة، وأشعرت أعلمتُ، الشعيرة العلامة، وشعائر الله أعلام دينه(2) .

نتيجةُ المطاف

تحصّلَ من مجموع كلمات اللغويّين والمفسِّرين أنّ موارد استعمال هذه المادّة وهذه اللفظة في موارد الإعلام الحسّي، وهي: جنبة إعلاميّة،. كما يظهر من أدلّة اللسان الثاني للأدلّة القرآنيّة(3) الواردة بغير لفظة الشعائر، وهي تركِّز على جانب الإعلام الديني، أو نشر الدين وبثّ نور الله سبحانه وعدم إطفائه، هذه التعابير كلّها عبارة عن المراد من الآيات.

وهناك جنبة أخرى في الشعائر: وهي جنبة الإعلاء - العلوّ - وهذه

____________________

(1) معجم مقاييس اللغة 3: 193 - 194، مادّة (شعر).

(2) تفسير القرطبي 12: 56.

(3) التي ذكرناها في ص 34 من هذا الكتاب.

٥٥

موجودة في لسان الأدلّة أيضاً، بيدَ أنّها غير موجودة في ماهيّة الشعائر؛ وإنّما هي موجودة في ماهيّة المتعلّق الذي تعلّق بالشعائر( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ... ) التعظيم: هو العلوّ والرفعة والسموّ( لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ.. ) (1) أي: لا تبتذلوها، ولا تستهينوا بها.

فإنّ هذا اللسان الأوّل الذي وردَ فيه لفظة الشعائر في الموضوع، ركّزَ على جنبة الإعلام (على ضوء ما استخلصناه من أنّ: معنى الشعيرة والشعائر عند اللغويين هو الإعلام الحسّي، وليس هو الإعلام الفكري المحض الذي يكون من وراء الستار) فالإعلام الفكري لا يسمّى شعائر، بل الشعائر: هي العلامة الحسّيّة الموضوعة التي تشير وتُنبئ عن معنى ديني، له نسبةٌ ما إلى الله عزّ وجل وإلى الدِين.

هذه جنبة الإعلام الموجودة في اللسان الأوّل من الآيات، والجنبة الثانية التي تظهر من خلال لسان الدليل الثاني، وهي: جنبة الإعلاء( وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ) (2) ،( وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ) (3) وما شابه ذلك.

ويمكن القول: إنّ كلتا الجنبتين، حاصلتان في اللسان الأوّل، غاية الأمر أنّ جنبة الإعلام والنشر والبثّ ظاهرة في موضوع الدليل وهو الشعائر، وجنبة الإعلاء والتعظيم وعدم الاستهانة مطويّة في متعلّق الدليل وهو التعظيم( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ ) ،( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ ) ..

____________________

(1) المائدة: 2.

(2) التوبة: 40.

(3) النساء: 141.

٥٦

( لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ ) .

إذا خُلّينا وهذا المعنى اللغوي، فالمعنى عام، كما ذَكر القرطبي أيضاً تَبعاً لبعض اللغويّين: كلّ أمرٍ أعلَمَ بالله عزّ وجل، أو أعلمَ بمعنىً من المعاني المنتسِبة إلى الله عزّ وجل، فهو شعار، وشعائر.

فمن حيث الوضع اللغوي، والماهيّة اللغويّة؛ فإنّ الشعائر والشعار والشعارة هو كلّ ما له إعلام حسّي بمعنىً من المعاني الدينيّة، وله إضافة ما بالله عزّ وجل، وبدينه وبأمره وبإرادته وبأحكامه وبمراضيه.

الفرقُ بين النُسك والشعائر

فإذاً الشِعار ليس هو النُسك من حيث هو نُسك، قد سمّيت النسك مشاعر؛ لأنّ فيها جنبة إعلام، نُسك الحجّ تسمّى مشاعر بتطبيق المعنى اللغوي عليها، من جهة أنّ الحجّ يمثّل مؤتمراً ومَجمعاً ومحلاًّ لالتقاء وتقارب الأهداف المشتركة والغايات الموحّدة لهم، فحينئذٍ كلّ ما يمارسوه من أعمال بالرسم المجموعي يكون فيه جنبة إعلان للدين ولعظمة الدين، وفيه دلالة واضحة للوحدة والألفة للأمّة الإسلاميّة؛ ومن ثُمّ سُمّيت مناسك الحجّ - دون غيرها من العبادات - بالمشعر، باعتبار أنّ فيها جنبة الإعلام دون غيرها، وربّما تسمّى صلاة الجماعة أيضاً بالمشعر، وتسمّى مساجد الله بالمشعر، والسرّ في ذلك: هو ما ذكرنا من أنّ هذه القاعدة الشرعيّة الفقهيّة، لها حكمٌ متميز ومغاير لبقيّة الأحكام.

وليس كما قال بعض علماء العامّة بأنّ الشعائر تعني دين الله؛ لأنّ الشعائر هي الإعلام لدين الله، وإعلاءُ دين الله، وبالتالي إحياء معالِم الدين.

٥٧

فلها متعلّق خاص، وحكم خاص، وموضوع خاص، وسيتبيّن أيضاً أنّ جَعل الشعائر وحكمها ليس ثانويّاً.

المعنى الجامع بين اللغويّين

فحينئذٍ المعنى الجامع العامّ الذي يقف عنده اللغويّون - في ماهيّة الشعائر - هي: جنبة الإعلام الحسّي، وبعبارة أخرى: إنّ أيّ شيء أو أمر تظهر فيه مبارزة دينيّة وفيه جنبة إعلام عن معنى من المعاني الدينيّة، أو حكمٍ من الأحكام الدينيّة، أو سلوكٍ من القيَم الدينيّة وما شابه ذلك، يسمّى شعاراً أو شعائر.

٥٨

٥٩

الجهةُ الرابعة: في كيفيّة تحقّق الموضوع ومُعالجة بعض قواعد التشريع

٦٠