نهضة الحسين (عليه السلام)

نهضة الحسين (عليه السلام)0%

نهضة الحسين (عليه السلام) مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 138

نهضة الحسين (عليه السلام)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد هبة الدين الحسيني الشهرستاني
تصنيف: الصفحات: 138
المشاهدات: 50466
تحميل: 4138

توضيحات:

نهضة الحسين (عليه السلام)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 138 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 50466 / تحميل: 4138
الحجم الحجم الحجم
نهضة الحسين (عليه السلام)

نهضة الحسين (عليه السلام)

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

نَهضة الحسين

تأليف

العَلاَّمة السيِّد هِبَة الدِّين الحسيني الشّهرستاني (قُدِّس سِرُّه)

تَحقيق

مؤسَّسة إحياء الكُّتب الإسلاميَّة

١

٢

تَرجمة المؤلِّف

هو السيِّد محمد علي، هِبَة الدين، ابن السيِّد حسين عابد، ابن السيِّد مُرتضى، ابن السيِّد محمد، ابن أمير سيِّد علي الكبير، ابن السيِّد منصور الخراساني، ابن أبي المعالي المشهور بـ (مِير سيِّد علي). ويصل نسبه الشريف إلى (زيد الشهيد) بن الإمام زين العابدينعليه‌السلام .

حياته:

ولِد 23 رجب، عام 1301 الهجريَّة في سامراء،، ابتداء بالدرس الحوزوي، في عاشرٍ مِن عُمره الشريف وإلى تِسعة عشر، قرأ الدروس السطحيَّة مِن: المنطق، والحديث، والدراية، والهيئة والنجوم، والفقه والأُصول.

وبعد انتقاله إلى حوزة النجف الأشرف؛ لوجود ذهنه وحفظه، تلْمَذ عند أكابر علماء النجف وأساطينهم، منهم: آية الله الوحيد الآخوند الخراساني، وآية الله اليزدي، وآية الله الشريعتي الأصفهاني، والعلاَّمة ميرزا محمد حسين مرعشي الشهرستاني (الثاني).

وفي زمان قليل، صار مِن أكابر أساتذة الحوزة، وترقَّى إلى درجة الاجتهاد المـُطلَق.

٣

آثاره:

إنَّ السيِّد - مع كثرة اشتغاله بالأمور الاجتماعيَّة والسياسيَّة، وتصديته لوزارة الثقافة مِن العراق، ومَجلس التمييز الجعفري - صَنَّف أكثر مِن مائة كتاب في جميع العلوم، وتُرجِمت أكثر كُتبِه إلى لُغات مُختلِفة في ذلك الزمان.

ومِن مُصنَّفاته في التفسير:

المـُحيط، حُجَّة الإسلام، تفسير سورة الواقعة، سراج المعراج، رسالة ذو القرنين.

وفي الفِقه والكلام:

الانتقاد حول تصحيح الاعتقاد، والمعارف العالية للمدارس الراقية، الروحيات، دين البشر، توحيد أهل التوحيد، فيض الباري، الإمامة والأُمَّة، مواهب المشاهد، نظم العقايد، الفاروق في فرق الإسلام، فيض الساحل، أصفى المشارب، التنبيه على حُرمة تشبيه المرأة بالمرء، تحريم الجنائز المـُتغيرة، الدخانيَّة، ياقوت النحر، خُطب في الجهاد، أحكام أهل الكتاب، حِكمَة الأحكام، حُريَّة الفكر بالاجتهاد، الفياض، التكتُّف والإسبال، دليل القُضاة، الزواج الموقَّت في الإسلام، وقاية المحصول في شرح كفاية الأُصول.

وفي الرياضيات والهيئة والطبيعيات:

الهيئة والإسلام، الشريعة والطبيعة، فيصل الدلائل، مواقع النجوم، أداء الفرض في سكون الأرض، نقض الفرض في إثبات حركة الأرض، زينة الكواكب، الوافي الكاف.

وفي التاريخ:

نهضة الحسين، المـَصنوع في نَقد اكتفاء القَنوع، تاريخ أمير المؤمنين عليٍّعليه‌السلام ، سيرة خِيرة البشر، الخيبة في الشعبيَّة، ثقاة الرواة، ترجمة جابر بن حيّان الصوفي، الرويَد، زيد الشهيد،

٤

الشمعة في حال ذي الدمعة، طيِّ العوالم في أحوال مَشيخة مُلاَّ كاظم صاحب الكفاية، سُلالة السادات وذوي المعالي.

وفي العلوم الأدبيَّة:

رواشح الفيوض في علم العروض، تحول العُجمة والعروبة، مجموعة الرسائل، وهي رسالة عقد الحبَّاب، الدُّرُّ والمـَرجان، السِّرُّ العجيب في منطق التهذيب، قِلادة النحو في أوزان البحور، نتيجة المنطِق، مُتون الفنون، نادرة الأزمان.

وفي المـُتفرِّقات:

المـَنابِر، زَبور المسلمين، إصرار التدخين، التذكرة لآل محمد الخَيَرة، فضايل الفُرْس، الفوائد، أنيس الجَليس، المـَجاميع الاثنا عشر، ما هو النهج البلاغة، حَلُّ المشاكل، مَسيح الإنجيل أو مَسيح القرآن، الباقيات الصالحات جوامع الكلم، المـَناط في شرف الأسباط وطِبُّ الضُّعفاء، فلسفة هِبَة الدين، التمهيد في ترجمة الشيخ المـُفيد، مائة كلمة وغيرها مِن الكُتب الثَّمينة والقيِّمة.

هذا الكتاب:

لقد أجاد القلم، بكتابة هذا الكتاب الشريف، الذي أثار كثيراً مِن تقاريظ العلماء، في الشرق والغرب، وترجمه محمد بهادر خان إلى اللُّغة الأنجليزيَّة، وكذلك غيره مِن المـُستشرقين ترجموه إلى لُغات مُختلِفة، في أنحاء العالم، وكان له دورٌ كبير في إلفات النظر إلى الثورات الدينيَّة، ودورها لإعادة الحَقِّ إلى صاحبه؛ فهذا الكتاب ليس بكتابٍ تاريخيٍّ ومقتل فقط، بَلْ تحليليٌّ فلسفيٌّ، فقد حَلَّل فيه نَهضة مولانا الإمام حسينعليه‌السلام ، مِن جِهات علم النفس، وعلم الاجتماع وفلسفتهما، وبيَّن مَكانة تأثيرها في كُلِّ الثورات التي بعدها. (ولله دُرُّه وعليه أجرُه).

٥

تقريظ الكتاب

لقد جادت لتاريخ تأليف هذا الكتاب الجليل، قَريحة العالِم الهُمام، عَلَم الفُقهاء والأعلام، فضيلة الشيخ جعفر النَّقدي (دامت إفاضاته) بما يأتي على سبيل البَداهة:

هِبَة الدين هُمام قد سما

في سَماء العِلم أعلى الرُّتَب

نَصَرَ الدين بفِكر ثاقبٍ

ويَراعٍ فاقَ بيضَ القُضب

قامَ حقَّاً بين أرباب الهُدى

لرُحى العِلم مَقام القُطب

جاء في أعلى كتاب ما رأتْ

مِثله قَبل عيون الحُقب

خير سُفْرٍ حَقَّ للأسفار أنْ

تَجثوا تَعظيماً له في الرُكب

فَخر أهل الدين قد جادَ بهِ

أرَّخوه (هو فَخْر الكُتُب)

سنة 1344 = 11+ 880 + 453

٦

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

أمَّا بعد الحمد والصلاة، فقد حدا بيَّ إلى تأليف كتابي هذا، غفلة أكثر الأجانب مِن تاريخ الحركة الحُسينيَّة، وجهلهم بخَفاياها ومَزاياها (وهي النَّواة لحركات عالميَّة)، حتَّى أنَّ بعض الأغيار؛ إذ وجد هياج العالم، وحِداد الأُمَم، ومُظاهرات العرب والعَجم، اندفع بتأثُّره العظيم، قائلاً: (ما هذا؟ ولماذا؟ وهل الحسين إلاَّ رجُلٍ خرج على خليفة عصره، ثمَّ لمْ يَنجح؟).

نعم، سنَعرفه ما هذا ولماذا، ومَن الحسين الناهض، ومَن المـُعارَض، وما هي غايات الفريقين، كلُّ ذلك بهذا الكتاب، الذي جمع النظريَّات النفيسة، مع النظريَّات التاريخيَّة، إلى المـَرويَّات المـُوثَّقة مِن كُتُب التواريخ المـُعتبرة المـُؤرَّخة قبل سنة أربع مائة هِجريَّة، في سَبك وَجيز، وأُسلوب مُمتاز،( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ) .

هِبَة الدين الحسيني الشهرستاني

15 مُحرَّم الحرام سنة 1344 هـ

٧

٨

النَّهضة الحسينيَّة

النَّهضة قيام جماعة، أو فرد بأمر مشروع، أيْ ما يقتضيه نظام الشرع، أو المصلحة العامَّة، كالحركة التي قام بها الحسين بن عليعليهما‌السلام (1).

وحقيقة النَّهضة سيَّالة في الأشخاص والأُمَم، وفي الأزمنة

____________________

(1) الحسين بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، أُمُّه فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)، بنت محمد المـُصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، مِن زوجته الكبرى خديجة أُمُّ المؤمنين (رضوان الله عليها)، هو أحد السبطين، وخامس أهل الكِساء.

ولِد في المدينة عام الخَندق، في السنة الرابعة للهِجرة، في ثالث شعبان المـُوافق شهر كانون لسنة 626 ميلادي، وعاش مع جَدِّه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سِتَّ سنواتٍ وشهوراً، وبَقي بعد أخيه الحسن عشرة أعوام وأشهراً، وكان مجموع عُمُره ستَّةً وخمسين عاماً، وكانت شهادته بعد الظهر مِن يوم الجمعة عاشر مُحرَّم الحرام سنة 61 هجري، الموافق سنة 680 ميلادي، بحاير الطَّف مِن كربلاء في العراق، واشترك في قتله، شِمر بن ذي الجوشن، وسِنان بن أنس، وخولِّي بن يزيد مِن قوّاد جيش عمر بن سعد، الذي أرسله والي الكوفة عبيد الله بن زياد، بأمر مِن أمير الشام يزيد بن مُعاوية؛ ليحصروا الحسين ورجاله، ويقتلوهم عُطاشى، فقتلوهم، ثمَّ نهبوا رِحاله، وسبوا آله مُسفَّرين إلى الكوفة، ثمَّ إلى الشام، فالمدينة.

وإنَّ اشتهار فضائل الحسين والآثار المرويَّة فيه، ومنه، وعنه، في كتب الحديث والتاريخ، ليُغني عن التوسُّع في ترجمته الشريفة.

٩

والأمكنة، ولكنْ بتبدُّل أشكال، واختلاف غايات ومَظاهر.

وما تاريخ البشر سِوى نَهضات أفراد بجماعات، وحركات أقوام لغايات؛ فوقتاً الخليل ونمرود، وحيناً محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبو سفيان(1) ، ويومَاً عليّعليه‌السلام ومُعاوية.

ولمْ تَزل، ولنْ تَزال في الأُمم نهضات لأئمَّة هُدى تِجاه أئمَّة جَور.

ونَهضة الحسين - مِن بين النهضات - قد استحقَّت مِن النفوس إعجاباً أكثر؛ وليس هذا لـمُجرَّد ما فيها مِن مَظاهر الفضائل، وإقدام مُعارضيه على الرذائل، بلْ لأنّ الحسينعليه‌السلام في إنكاره على

____________________

(1) هو صخر بن حرب بن أُميَّة بن عبد شمس. كان في الجاهليَّة بيّاع الزيت والأديم. ذميم الخِلْقة، ومِن كبار قريش، حتَّى قامت قيامة قريش على الهاشميّين قُبيل الهِجرة؛ فترأّس في المـُحالفة القرشيَّة، وأخذ على عاتقه مُناوأة الإسلام، ومُقاتلة المسلمين. وله في عام الهِجرة، نحو سبع وخمسين سنة، ولم تُقصِّر عنه أُخته أُمُّ جميل العوراء، في إيذاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وسعيها بالنميمة والفساد بين بني هاشم والقبائل؛ إذ كانت تَحتَ أبي لهب، والمقصودة مِن آية( وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ ) إلى آخره.

ولم يَبرح يُثير الأقوام، ويُشكِّل الأحزاب ضِدَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما في بدر الكُبرى، وبدر الصُّغرى، وفي أحُدٍ، والأحزاب، وفي وقائعه الأُخرى، ولم يهدأ ساعة عن مُعاداة النبي في السِّر والعَلانية، وبإثارة النفوس والجيوش ضِدَّه، ويُجاهد المسلمين جِهده إلى يوم فتح مَكَّة؛ حيث أسلم مع بَقيّة قريش.

أوَّل مَشاهد أبي سفيان مع المسلمين، كان في غزوة حُنين؛ فمنحه المـُصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مائة بَعيرٍ مِن غنائم الحرب، مُنوِّهاً به وبمكانته، ثمَّ اشترك أبو سفيان يوم الطائف، فأصابته نَبلة في إحدى عينيه؛ ففُقِأت وأصبح أعور.

ثمَّ اشترك في واقعة اليرموك، في السنة الثالثة عشرة للهِجرة، على عَهد أبي بكر؛ فأصابت نبلةٌ عينه الثانية ففَقأتها، وأصبح أعمى.

ماتَ في دِمشق، عند ولده مُعاوية، سنة إحدى وثلاثين هِجرية، عن ثماني وثمانين سَنة، ودُفِن بها.

١٠

يزيد(1)، كان يُمثِّل شعور شَعبٍ حَيِّ، ويَجهر بما تُضمره أُمَّة مَكتوفة اليد، مَكمومة الفَم، مُرهَقة بتأثير أُمراء ظالمين.

فقام الحسينعليه‌السلام مَقامهم، في إثبات مَرامهم، وفَدَّى بكلِّ غالٍ ورخيصٍ لديه، أو في يديه باذلاً في سبيل تحقيق أُمنيَته وأُمَّته، مِن الجهود ما لا يُطيقه غيره، فكانت نهضته المـَظهر الأتمَّ للحَقِّ، حينما كان عمل مُعارضيه المـَظهر الأتمَّ للقوّة فقط، مِن غير ما حَقٍّ، أو شُبهة حَقٍّ.

____________________

(1) إنَّ مَشاهير الفُضلاء يومئذ في الأُمة الإسلاميَّة، كسيِّدنا الحسينعليه‌السلام ، وسعد بن أبي وقاصّ، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن أبي بكر، وغيرهم أنكروا على مُعاوية استخلاف يزيد الخَمور والفَجور.

وقد توجَّس يزيد مِن مُخالَفة هؤلاء الوجوه خِيفة؛ لعِلمِه بأنَّ الرأي العامّ في جانبهم.

ولو كان أميناً مِن اتِّفاق العامَّة معه، لَما اهتمَّ في اضطهاد هؤلاء وإرغامهم أبداً، فثبت أنَّ الحسينعليه‌السلام يومئذٍ، كان يُمثِّل في قيامه على يزيد رأي الجمهور، وشُعور الشعب الحيّ.

١١

الحسين رَمز الحَقِّ والفَضيلة

لا عَجَبَ إنْ عُدَّت نَهضة الحسينعليه‌السلام المـَثلَ الأعلى، بين أخواتها في التاريخ، وحازت شُهرة وأهميَّة عظيمتين؛ فإنَّ الناهض بها (الحسين)، رَمز الحَقِّ، ومِثال الفَضيلة.

وشأنُ الحَقِّ أنْ يَستمرَّ، وشأنُ الفَضيلة أنْ تَشتهر، وقد طُبعَ آلُ عليٍّعليه‌السلام على الصدق؛ حتَّى كأنَّهم لا يَعرفون غيره، وفُطِروا على الحَقِّ، فلا يتخطّونه قَيد شعرةٍ. ولا بُدع؛ فقد ثبت في أبيهم، عن جَدِّهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (عليُّ مع الحَقِّ، والحَقُّ مع عليٍّ، يدور معه حيثُما دار)؛ فكان عليعليه‌السلام لا يُراوغ أعدائه، ولا يُداهن رقبائه، وهو على جانب عظيم مِن العلم والمـَقدِرة، وتاريخه كتاريخ بنيه - يَشهد على ذلك؛ فشعور التفادي (ذلك الشعور الشريف) كان في عليٍّ وبنيه، ومِن غرائزهم، ولا سيِّما في الحسين بن عليٍّعليه‌السلام (وما في الآباء ترثه الأبناء) .

وقد تفادى عليٌّعليه‌السلام ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنفسه كَرَّاتٍ عَديدة، وكذلك الحسينعليه‌السلام

١٢

تفادى لدين الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأُمَّته؛ إذ قام بعمليَّة أوضحت أسرار بَني أُميَّة ومَكايدهم، وسوءَ نواياهم في نَبيِّ الإسلام، ودينه ونواميسه.

وفي قضيَّة الحسينعليه‌السلام حُجَجٌ بالغةٌ؛ برهنت على أنَّهم يقصدون التشفِّي منه والانتقام، وأخذهم ثارات بَدرٍ وأحقادها، وقد أعلن بذلك يزيدهم طُغياناً، وهو على مائدة الخَمر ونشوان بخمرتين، خمرة الكِرم، وخَمرة النَّصر؛ إذ تمثَّل بقول بن الزبعرى:

ليتَ أشياخي ببدرٍ شهدو

جَزع الخَزرج مِن وَقع الأسل

وأضاف عليها:

لعِبَت هاشم بالمـُلك فلا

خَبرٌ جاء ولا وحيٌ نزل

لستُ مِن خِندفَ إنْ لم أنتقم

مِن بَني أحمد ما كان فعل

إلى آخره.

١٣

الحركات الإصلاحيَّة الضروريَّة

إذا كان نجاح الأُمَّة على يد القائد لزمامها، وإصلاحها بصلاح إمامها، فمِن أسوأ الخِيانات والجِنايات ترشيح غير الأكُفَّاء لرئاستها ورئاسة أعمالها، وسَيَّان في المِيزان أنْ ترضى بقتل أُمَّتك، أو ترضى برئاسة مِن لا أهليَّة له عليها، وأيُّ أُمَّة اتَّخذت فاجرها إماماً، وخَوَنَتها حُكَّاماً، وجُهَّالها أعلاماً، وجُبناءها أجناداً وقوّاداً، فسُرعان ما تنقرض، ولابد أنْ تنقرض.

هذا خطر مُحدِق بكلِّ أُمَّة، لو لمْ يَتداركه ناهضون مُصلحون، وعلماء مُخلِصون، وألسنة حَقٍّ، تأمر بالمعروف وتَنهى عن المـُنكر، فيوقِفون الـمُعتدي عند حَدِّه، ويضربون على يده.

وبتشريع هذا العِلاج، درأ نَبيُّ الاسلام عن أُمَّته هذا الخطر الوبيل، ففرض على الجميع أمر المعروف، ونهي المـُنكَر بعد تهديداته المـُعتدين، وضماناته للناهضين، وقد صَحَّ عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله: (سيِّد الشهداء عند الله عَمِّي حَمزة، ورجُلٌ خرج على إمام جائِر، يأمره وينهاه؛ فقتله)، كما صَحَّ عنه قوله: (كلُّكم راعٍ، وكلُّكم مَسؤول عن رعيَّته)؛ ذلك لكي لا يَسود على أُمَّته مَن لا يَصلح لها، فيُفسد أمرها، وتَذهب مَساعي الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومَن معه أدراج الرياح، وقد كان هذا الشعور الشريف، حيَّاً في نفوس المسلمين، حتَّى عصر سيِّدنا الحسن السبطعليه‌السلام ، وناهيك أنَّ أبا حفص، خَطب يوماً، فقال:(إنْ زِغتُ فقوّموني) ، فقام أحد الحاضرين يَهزُّ السيف في وجهه، ويقول:(إنْ لمْ تَستقمْ، قوَّمناك بالسيف) .

غير إنَّ امتداد السلطان لمـُعاوية، وإحداثه البِدع، وإماتته السُّنَن، وإبادته الأبرار والأحرار بالسيف والسَّم والنار، وبَثَّه الأموال الوفيرة في وجوه الأُمَّة، أخرست الألسن، وأغمدت السيوف، وكَمَّت الأفواه، وصَمَّت الآذان، وحادت الشعور السامي الإسلامي، وأوشك أنْ لا يَحسَّ أحٌد بمسؤوليَّته عن مَظلمة أخيه، ولا يعترف بحَقِّ مُحاسبَة آمريه، أو مُعارضة ظالميه، وكاد أنْ تَحِلَّ قاعدة:(قَبِّلوا أيَّ يدٍ تَعجزون عن قَطعها) ، مَحلَّ آية( فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ ) .

١٤

آثار الحَركة الحسينيَّة

كان مآل الأحوال السالفة، مَحقَ الحَقِّ بالقوَّة، وسَحقَ المـَعنويَّات بالمادِّيَّات، وانقراض الأئَّمة والأُمَّة بانقراض الأخلاق والمعارف.

لولا أنْ يُقيِّضَ الرحمان، لإنقاذ هذا الأُمَّة حُسيناً، آيةً للحَقِّ، ورايةً للعدل، ورمزاً للفضيلة، ومِثالاً للإخلاص، يوازن نفسه ونفوس الأُمَّة في ميزان الشهامة؛ فيَجد الرُّجحان الكافي لكَفَّة الأُمَّة؛ فينهض مُدافِعاً عن عقيدته، عن حُجَّته، عن أُمَّته، عن شريعته، دفاع مَن لا يبتغي لقُربانه مَهراً، ولا يَسئلُكم عليه أجراً، ودون أنْ تَلوي لِوائه لامَةُ عدوٍّ، أو لائِمة صديق، ولا يَصدُّه عن قَصده مالٍ مُطمَع، أو جاهٍ مُطمَح، أو رأفة باله، أو مَخافة على عياله.

هذا حسين التاريخ، والذي يَصلح أنْ يكون المـَثلَ الأعلى لرجال الإصلاح، وقَلْب حُكمٍ غاشمٍ ظالمٍ، دون أنْ تأخذه في الله لومةُ لائِم، وقد بدت لنهضته آثار عامَّة النفع، جليلة الشأن؛ فإنَّها:

أوَّلاً: أولدت حركةً وبركةً، في رجال الإصلاح والمـُنكرين لكلِّ أمرٍ مُنكَرٍ؛ حيث اقتفى بالحسين السبطعليه‌السلام أبناء الزبير،

١٥

والمـُختار، وابن الأشتر، وجماعة التوَّابين، وزيد الشهيد؛ حتَّى عهد سَميِّه الحسين بن علي شهيد فَخٍّ، وحتَّى عَهْدِنا الحاضر مِمَّن لا يُحصَون في مُختلَف الأزمنة والأمكنة، فخابت آمال أُميَّة فيه؛ إذ ظنَّت أنَّها قَتلت حسيناً، فأماتت بشخصه شخصيَّته، وأبادت روحه ودعوته.

كلاّ ثمَّ كلاَّ! لقد أحيت حسيناً في قتله، وأوجدت مِن كلِّ قَطرةِ دَمٍ منه حُسيناً ناهضاً بدعوته، داعياً إلى نهضته.

أجلْ، فإنَّ الحسين لمْ يَكُن إلاَّ داعي الله، وهاتف الحَقِّ، ونور الحَقِّ لا يَخفى، ونار الله لا تَطفى، ويأبى الله إلاَّ أنْ يُتِمَّ نوره، ويَعِمّ ظهوره.

ثانياً: إنَّ الحسين بقيامه في وجه الجَور والفجور، مُقابِلاً ومُقاتِلاً، أحيى ذلك الشعور السامي الإسلامي، الذي مات في حياة مُعاوية، أو كاد أنْ يموت، ونبَّه العامَّة إلى أنَّ حُبَّ الحياة، ورعاية الذات واللَّذات، والتخوُّف على الجاه والعائلات، لو كانت تبرز لأولياء الدين مُصافات المـُعتدين؛ لكان الحسين أقدر وأجدر مِن غيره، لكنَّه أعرض عنها؛ إذ رآها تُنافي الإيمان والوجدان، وتُناقض الشهامة والكرامة، فجدَّدت نهضته في النفوس روح التديُّن الصادق، وعِزَّةً في نفوس المؤمنين عن تَحمُّل الضيم والظلم، وعن أنْ يَعيشوا سوقة كالأنعام، وانتعشت إحساسات تحرير الرقاب، أو الضمائر مِن أغلال المـُستبدِّين، وأوهام المـُفسدين.

ثالثاً: إنَّ النهضة الحسينيَّة، هزَّت القرائح والجوارح، نحو الإخلاص والتفادي، وأتبعتْ الصوايح بالنوايح لتلبية دُعاة الحَقِّ،

١٦

واستجابة حُماة العدل في العالم الإسلامي، وإنعاش روح الصدق، وهو أُسُّ الفضائل.

وبوجه الإجمال، عُدَّت نهضة الحسينعليه‌السلام ينبوع حركات اجتماعيَّة، باقية الذكر والخير في مَمالك الإسلام، خَفَّفت ويلات المسلمين بتخفيف غلواء المـُعتدين، فأيُّ خيرٍ كهذا الينبوع السيَّال، والمِثال السائر في بطون الأجيال.

١٧

الفَضيلة

الفَضيلة مَحبوبة الجميع، والرذيلة مكروهتهم، إلاَّ أنَّها محبوبة لدى صاحبها فحسب، وإذا عُدَّت الفضائل فَضيلةً، فَضيلة مِن وفاء، وسخاء، وصِدْق، وصفاء، وشجاعة، وإباء، وعلم، وعِبادة، وعِفّة، وزهادة، فحسينُ التاريخ رجُلُ الفَضيلة بجميع مَظاهرها، كما أنّ قاتليه رجال الرذائل بكلِّ معانيها، لا يتناهون عن مُنكر فعلوه؛ فكانت مِن أجل ذلك نهضة الحسينعليه‌السلام أُمثولة الحَقِّ والعدل؛ إذ بَطَلُ روايتها أقوى مِثال للفضيلة، وقد كانت حركة ابن زياد أُمثولة الباطل والظلم؛ إذ بَطَلُ روايتها أقوى مِثال للرذيلة والفجور، وما حربهما إلاَّ تمثيلاً لصراع الحَقِّ والباطل، والحَقُّ مَهْما قَلَّ مُساعده، وذَلَّ ساعدُه في البداية، فإنَّ النصر والفخر حليفاه عند النهاي،( ... وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ) .

١٨

مبادئ قضيَّة الحسين عليه‌السلام

كلُّ الذين دوّنوا قضية الحسينعليه‌السلام ، أخذوا سِلسلتها مَن أوساطها، أيْ مِن حين البيعة ليزيد، في حين أنَّ القضية تَبتدئ مِن عَهد أبي سفيان، ومحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إنْ لمْ نَقُل مِن قبل، ومِن عَهد هاشم وعبد شمس؛ فإنّ أبا سفيان (جَدَّ يزيد)، إذ رأى محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (جَدَّ الحسين)عليه‌السلام ، قد نهض في مَكَّة سنة 610 ميلادي، يدعو العرب إلى توحيد المعبود، والاتِّحاد في طاعته، حَسِبَ أنَّه سيَهدم مَجْد عبد شمس ورياستهم، ويبني بيت مَجد مرصوص الأساس، ويَعمّ ظِلّه الظَليل عامَّة الناس؛ فاندفع بكلِّ قِواه إلى مُعارضته؛ ففعل ما فعل في مُقاومة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإهانته، وتفريق أعوانه، وتحشيد الناس لمـُحاربته؛ حتَّى كان ما كان بأيِّام بدر وأُحد، وهما مِثالان للحَقِّ والباطل، وأمْرُ محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقوى انتشاره ومَناره؛ حتَّى رمى حِزبُ أبي سفيان آخر نَبلة مِن كنانته، ولم يُفلح،( يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ... ) ، وذلك أنَّ

١٩

الله سبحانه، فتح لنبيِّه مَكَّة فَتحاً مُبيناً، ونصره على قريش نصراً عزيزاً،( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا ) .

انتهت الحركة السُفيانيَّة، ولكنْ في الظاهر، أمَّا الحزب الخاسر المـُنكسر، فقد كان يَعمل ليلاً ونهاراً في تلافي خُسرانه، وإرجاع سُلطانه، ولكنْ تحت الستار، وبأخفى مِن دبيب النمل على الصَّفا، يرسم الخُطَّة للقيام بحركة وسيعة الدائرة، حتَّى إذا قضى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نحبه، تنفَّس ورغب في الانتقام.

أجلْ، لقي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ربَّه، وأبو سُفيان حيٌّ يسمع الناعية على جَنازة محمد الهاشميصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولكنْ لا يَسعه إظهار شيء، وكان العباس (رضي الله عنه)، عَمُّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعرف مِن أمره شيئاً؛ إذ كان صديقه الحميم في الجاهليَّة والإسلام، فأشار على عليٍّعليه‌السلام ابن أخيه أبي طالب، وهو يُغسِّل جَنازة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قائلاً له: (يا علي، مُدْ يَدك؛ لأبايعك؛ حتَّى يقول الناس عَمُّ رسول الله بايع ابن عمّه، فلا يختلف عليك اثنان)، فلم يَسمع مِن ابن أخيه جواباً، سِوى كلمة: (يا عمُّ، أوّلُها غيري).

وقبل أنْ يُدفَن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، نَجَمَ الخِلاف حول خِلافته بين المـُهاجرين والأنصار، وربَّما كان للحزب السُفياني يَداً في إثارته، ونفخاً لإضرامه.

٢٠