حقوق غير المسلم داخل المجتمع الإسلامي في الفقه الإمامي

حقوق غير المسلم داخل المجتمع الإسلامي في الفقه الإمامي0%

حقوق غير المسلم داخل المجتمع الإسلامي في الفقه الإمامي مؤلف:
تصنيف: رسائل وأطاريح جامعية
الصفحات: 200

حقوق غير المسلم داخل المجتمع الإسلامي في الفقه الإمامي

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: وليد الخزعلي
تصنيف: الصفحات: 200
المشاهدات: 44041
تحميل: 7085

توضيحات:

حقوق غير المسلم داخل المجتمع الإسلامي في الفقه الإمامي
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 200 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 44041 / تحميل: 7085
الحجم الحجم الحجم
حقوق غير المسلم داخل المجتمع الإسلامي في الفقه الإمامي

حقوق غير المسلم داخل المجتمع الإسلامي في الفقه الإمامي

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ويعتبر إعطاء الجزية من قِبل أهل الذمّة واجبة: ( واجبة بالنصّ والإجماع ؛ قال تعالى:( حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ) (١) ، ولا خلاف بين المسلمين في ذلك )(٢) .

كما أنّ الإسلام لم يأخذ غير الجزية من أهل الذمة، حيث: ( جعلها الله تعالى حقناً لدمائهم، ومنعاً من استرقاقهم، ووقاية لِما عداها من أموالهم )(٣) .

فلا توجد ضريبة أخرى عليهم كما ورد في معتبرة محمد بن مسلم عن أبي جعفرعليه‌السلام : في أهل الذمّة يؤخذ من أموالهم ومواشيهم شيء سوى الجزية ؟ قال: ( لا )(٤) .

وكذلك ورد عن محمد بن مسلم أيضاً حينما سأل الأمام الصادقعليه‌السلام : ( سألته عن أهل الذمّة ماذا عليهم ممّا يحقنون به دمائهم وأموالهم ؟ قال: ( الخراج وإن أُخذ من رءوسهم الجزية، فلا سبيل على أرضهم وإن أُخذ على أرضهم، فلا سبيل على رءوسهم )(٥) .

التعامل الإسلامي في أخْذ الجزية:

أ - في مقدارها: راعى الإسلام حال المعطي من الغنى والفقر، فلا يُؤخذ من أحد أكثر من طاقته، وإن كان فقيراً ينظر يساره كما دلّت على ذلك معتبرة زرارة، قال: قلتُ لأبي عبد اللهعليه‌السلام : ما حدّ الجزية على أهل الكتاب، وهل عليهم في ذلك شيء موظّف لا ينبغي أن يجوز إلى غيره ؟ فقال: ( ذلك إلى الإمام، يأخذ من كلّ إنسان ما شاء على قدر ماله ما يطيق )(٦) .

وعلى هذا أفتى علماؤنا بعدم تحديدها والمراعاة لحال المعطي، قال العلاّمة الحلّي: ( إنّه ليس فيها قدَر موظّف، لا قلّة ولا كثرة، بل بحسب ما يراه الإمام قلّة وكثرة بحسب المصلحة، ذهب إليه أكثر علماؤنا )(٧) .

ب - ما أُمر به الجُباة: ينبغي على جابي الجزية من أهل الكتاب أن يتعامل معهم حين جبايتها بالرِفْق واللين، هذا ما أوصت به مدرسة أهل البيتعليهم‌السلام في هذا المجال، كما أمر

____________________

١ - التوبة: ٢٩.

٢ - تذكرة الفقهاء، ج٩، ص٢٧٥.

٣ - السيستاني، منهاج الصالحين، ج٢، ص٢٤٥.

٤ - وسائل الشيعة، ج١٥، ص١٥١، جهاد العدو، ب٦٨، ح٣.

٥ - نفس المصدر، ص١٥٠، جهاد العدو، ب٦٨، ح٢.

٦ - نفس المصدر، ص١٤٦، جهاد العدو، ب٦٨، ح١.

٧ - تذكرة الفقهاء، ج٩، ص٣٠٢.

١٤١

أمير المؤمنينعليه‌السلام العاملين عليها: فقال: ( إيّاك أن تضرب مسلماً أو يهودياً أو نصرانياً في درهم خِراج، أو تبيع دابّة عمل في درهم ؛ فإنّا أمُرنا أن نأخذ منه العفو )(١) .

ج- - على مَن تجبْ: نظر الإسلام - كما هو دَيدنه في التعامل الإنساني - الى هذا الأمر فأسقط الجزية عن الصبيان والنساء والشيوخ المسنّين، وأصحاب العاهات الجسدية والعقلية، والفقير إلى حين يساره وعليه فهي تجب على الذَكر البالغ العاقل، فلا تؤخذ الجزية من الصبي والمجنون والمرأة، وهذا مجمعٌ عليه كما قال في جواهر الكلام: ( لا أجد فيه خلافاً، بل هي في المنتهى ومحكي الغُنية والتذكرة الإجماع عليه )(٢) .

وبالإضافة إلى إجماع الفقهاء في السقوط عن المرأة والصبي والشيخ الفاني والأعمى، اُستدلّ برواية حفص بن غياث، حيث سأل أبا عبد اللهعليه‌السلام عن النساء كيف سقطت الجزية عنهنّ ورُفعت عنهنّ ؟ فقالعليه‌السلام : ( لأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن قتْل النساء والولدان في دار الحرب إلاّ أن يُقاتِلْن فإن قاتلتْ أيضاً، فامسِك عنها ما أمكنك، ولم تخف خللاً فلمّا نهى عن قتْلهنّ في دار الحرب، كان في دار الإسلام أَولى ولو امتنعت أن تؤدّي الجزية، لم يمكن قتلها فلمّا لم يمكن قتلها، رُفعت الجزية عنها وكذلك المُقعَد من أهل الذمّة والأعمى والشيخ الفاني والمرأة والوِلدان في أرض الحرب ؛ فمِن أجل ذلك رُفعت عنهنّ الجزية )(٣) .

وقال السيّد الخوئي في منهاج الصالحين: ( أمّا الشيخ الهرِم والمُقعَد والأعمى، الأقوى عدم جواز أخذها منهم )(٤) .

فالنتيجة هي واجبة حسب عقد الذمّة على الأغنياء الذكور البالغين السالمين، وحسب ما يراه الإمام، فقد حوصرت من جميع الجهات لتكون رمزية، وليستبين مدى التعامل السمح من قِبل الإسلام تجاه غير المسلمين في داخل مجتمع الإسلامي.

____________________

١ - محمد تقي، المجلسي، روضة المتّقين، ج٣، ص٥٩.

٢ - جواهر الكلام، ج٢١، ص٢٣٦.

٣ - وسائل الشيعة، ج١٥، ص٦٤، جهاد العدو، ب١٨، ح١.

٤ - الخوئي، منهاج الصالحين، ج١، ص٣٩٣.

١٤٢

رابعاً: الآداب الاجتماعية.

كانت مدرسة أهل البيتعليهم‌السلام حافلة بالتعامل الاجتماعي الحسن مع غير المسلمين كسيرةٍ، وبما أوصَوا به المسلمين بذلك ونحن ننطلق عن القول المطلق لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( إذا أتاكم كريمُ قوم، فأكرموه وإن خالفكم )(١) حيث كانت سيرتهصلى‌الله‌عليه‌وآله قائمة على تكريم غير المسلمين، كما مرّ في الفصل الثاني، ومن هذه الوقائع: ( إكرامهصلى‌الله‌عليه‌وآله بنت حاتم الطائي حينما وقعت في أسر المسلمين، وكساها وأعطاها نفقة، وأطلقها من الأسر، وحينما قَدِم عدي بن حاتم أخوها، أكرمه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وأجلسه على وسادة رمى إليه بيده )(٢) .

كما وضّحت مدرسة أهل البيتعليهم‌السلام ما حرّم الإسلام من المظاهر التي يُفهم منها الحطّ من كرامة الآخرين، من تحقير وتعيير والخداع والمدالسة، للمسلمين وغير المسلمين كما أوصى أمير المؤمنين عليعليه‌السلام إلى أحد ولاته بأهل الذمّة خيراً، فقال: ( وقد جعل الله عهده وذّمته أمناً أفضاه بين العباد برحمته، وحريماً يسكنون إلى منعته، ويستفيضون إلى جواره، فلا خداع ولا مدالسة ولا إدغال فيه )(٣) .

وفيما يلي نستعرض ما نهجه الإسلام في الآداب الاجتماعية مع غير المسلمين:

١ - عدم التجاوز عليهم وحرمة قذفهم:

يتجسّد معنى الرِفْق وعدم الردّ على غير المسلمين بالمنكر إذا بدر منهم، يتجسّد بسيرة الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله كما في رواية زرارة عن الإمام الباقرعليه‌السلام وذلك عندما دخل عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاثة من اليهود واحداً بعد الآخر، ( وكلّ واحد منهم يقول: السام(٤) عليكم، فيردّ عليه الرسول: عليكم، وذلك بحضور عائشة، فغضبت وقالت: عليكم السام والغضب و اللّعنة يا معشر اليهود ! يا أخوة القردة والخنازير !.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( يا عائشة، إنّ الفُحش لو كان ممثّلاً لكان مِثال سوء.

____________________

١ - محمد بن جرير بن رستم، الطبري، دلائل الإمامة، ص٨١.

٢ - إعلام الورى، ص١٣٢ - ١٣٤ مصدر سابق.

٣ - تحف العقول، ص٩٧.

٤ - السام: الموت (لسان العرب، ج١٢، ص٣١٣).

١٤٣

إنّ الرِفْق لم يوضع على شيء قط إلاّ زانه، ولم يُرفع عنه قط إلاّ شانه.

قالت: يا رسول الله، أما سمعت إلى قولهم: السام عليكم ؟!

فقال: أما سمعتِ ما رددتُ عليهم، فقلتُ: عليكم )(١) .

وقد علّق المولى محمّد صالح المازندراني على هذا الخُلُق السامي من سيّد البشرية محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله وقال: ( أقول: فيه دلالة على كمال خُلُقهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأمر عام بترك الجفاء في الكلام بالنسبة إلى كافّة الناس، وبالتثبّت والرِفق وعدم الاستعجال باللّعن والطعن وغيرها، وقد كانصلى‌الله‌عليه‌وآله يستألف الكفّار بالأموال الطائلة فكيف بالكلام الحسَن )(٢) .

أما مسألة قذفهم، فقد حرّمها الإسلام، واتّخذ منها موقف صارم، كما صوّره الإمام الصادقعليه‌السلام حيث روي في الكافي عن عمر بن عجلان، قال: كان لأبي عبد اللهعليه‌السلام صديق لا يكاد يفارقه، فقال يوماً لغلامه: يا ابن الفاعلة، أين كنت ؟! فرفع أبو عبد اللهعليه‌السلام يده فصكّ بها جبهة نفسه، ثمّ قال: ( سبحان الله تقذف أُمّه، قد كنت أرى أنّ لك ورعاً، فإذا ليس لك ورع )، قال: جُعلتُ فداك إنّ أمّه سِنْدِيَّة مشركة، فقال: ( أما علمتَ أنّ لكلّ أُمّة نكاحاً، تنحّ عني ؟!)، فما رأيته يمشي معه حتّى فرّق بينها الموت(٣) .

عبّر هذا الموقف من الإمام الصادقعليه‌السلام عن مدى تعامل مدرسة أهل البيتعليهم‌السلام ، في الذبّ عن أعراض غير المسلمين، وكان دفاعاً عن أُمّ مشركة، فكيف لو كان مع أهل الذمّة داخل المجتمع الإسلامي.

وسنّ الإسلام عقوبة للقذف لو حصل بين غير المسلمين: ( تقاذُف أهل الذمّة أو العبيد أو الصبيان بعضهم في بعض، لم يكن عليهم حدّ، وكان عليهم التعزير )(٤) وذلك للحيلولة دون انتشار هذا التصرّف المنكر بينهم.

٢ - عيادة مريضهم وحُسن صحبتهم وجوارهم:

رسّخَت مدرسة أهل البيت مكارم الأخلاق في المسلمين بوصاياها لهم، فأوصتهم بالودّ وطهارة السلوك مع جميع الناس، وأن لا يجعلوا الفوارق العقائدية حائلاً بينهم وبين معاشرة غير

____________________

١ - وسائل الشيعة، ج١٢، ص٧٨، ب٤٩، ح٤، أحكام العشرة.

٢ - محمد صالح، المازندراني، شرح أصول الكافي، ج٩، ص ٣٦٤.

٣ - وسائل الشيعة، ج١٦، ص٣٦، ب٧٣، جهاد النفس، ح١.

٤ - النهاية، ص٧٢٥ مصدر سابق.

١٤٤

المسلمين، فنشرت القِيَم النبيلة والأخلاق الفاضلة من خلال سيرتها مع جميع بني الإنسان، ومن هذه الأخلاق: ( عيادة مريض غير المسلمين ) فقد روى الشيخ الصدوقرحمه‌الله في الأمالي عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: ( كان غلام من اليهود يأتي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كثيراً حتّى استحبّه، وربّما أرسله في حاجة، وربّما كتب له الكتاب إلى القوم، فافتقده أيّاماً، فسأل عنه، فقال له قائل: تركته في آخر يوم من أيّام الدنيا، فأتاه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في ناس من أصحابه، وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله بركة لا يكاد يُكلّم أحداً إلاّ أجابه، فقال: يا فلان، ففتح عينيه، وقال: لبيك يا أبا القاسم فقال الغلام: أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّك محمّد رسول الله، ومات مكانه )(١) .

ومنها: ( حُسن الصُحبة والمجالسة معهم ) فقد ذُكر أنّ الإمام عليّعليه‌السلام صاحبَ رجُلاً ذمّياً في طريق، وحينما أراد الافتراق، شيّعه الإمامعليه‌السلام قبل المفارقة، فقال له الذمّي، لِمَ عدلتَ معي ؟ فقالعليه‌السلام : ( هذا من تمام حُسن الصُحبة أن يُشيّع الرجل صاحبه هنيئة إذا فارقه، وكذلك أمرنا نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال الذمّي: لا جرم أنّما تبِعَه مَن تبِعه لأفعاله الكريمة )(٢) ، كما أوصى الإمام الباقرعليه‌السلام في مجالسة غير المسلمين، حيث قال: (... وإن جالسك يهودي فأحسن مجالسته)(٣) .

ومنها: ( حُسن الجوار ) وهذا ما حثَّ عليه الإسلام، وأكثر فيه الحديث بلفظ الجار مطلقاً، سواء أكان مسلماً أو غير مسلم، فعن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام ، عن أبيه، قال: ( قرأتُ في كتاب عليّعليه‌السلام : رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كتب بين المهاجرين والأنصار ومَن لحِق بهم من أهل يثرب، أنّ الجار كالنفس، غير مُضارّ ولا آثم، وحُرمة الجار على الجار كحرمة أُمّه )(٤) ، والمقصود بمَن لحِق بالمهاجرين والأنصار هم اليهود كما مرّ ذلك.

____________________

١ - محمد بن علي، الصدوق، الأمالي، ص٤٨١ وكذلك: أحمد بن شعيب، النسائي، سنن النسائي، ج٥، ص١٧٣.

٢ - الكافي، ج٢، ص٦٧٠، ح٥، باب حسن الصحبة، كتاب العشرة.

٣ - محمد بن محمد بن النعمان، (الشيخ المفيد)، الأمالي، ج ١٣، ص١٨٥، ح١٠، المجلس الثالث والعشرون.

٤ - وسائل الشيعة، ج١٢، ص١٢٦، ب٨٦، أحكام العشرة مصدر سابق وانظر: الكافي، ج٢، ص٦٦٦، ح٢.

١٤٥

فحقّ الجوار مقدّس في الدستور الإسلامي ؛ لأنّه ركن من أركان تماسك المجتمع وتوحّده، فقد رُوي عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: ( الجيران ثلاثة، جارٌ له ثلاثة حقوق: حقّ الجوار، وحقّ القرابة، وحقّ الإسلام وجارٌ له حقّان: حقّ الجوار، وحقّ الإسلام وجار له حق الجوار: المشرك من أهل الكتاب )(١) .

٣ - قبول هديّتهم والدعاء لهم:

كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يتردّد في قبول هديّة غير المسلم، ويعتبر ذلك من حُسن السلوك الذي لابدّ أن يشيع في المجتمع، حيث ورد عن أبي جعفر الثاني (الإمام الجواد)عليه‌السلام : ( أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يرد هديّة على يهودي ولا نصراني )(٢) .

وكذا في مسألة الدعاء لهم، فقد ورد عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام ، قال: ( قيل لأبي عبد اللهعليه‌السلام كيف أدعو لليهودي والنصراني ؟ قال: تقول: بارك الله لك في دنياك )(٣) .

وعن عبد الرحمن بن الحجّاج قال: قلت لأبي الحسن موسىعليه‌السلام : أرأيت إن احتجتُ إلى الطبيب وهو نصراني أن أُسلِّم عليه وأدعو له ؟ قال: ( نعم )(٤) .

____________________

١ - مستدرك الوسائل، ج٨، ص٤٢٤ مصدر سابق وانظر: بحار الأنوار، ج٧١، ص١٥٥.

٢ - بحار الأنوار، ج٥٠، ص١٠٧.

٣ - وسائل الشيعة، ج١٢، ص٨٤، ب٥٣، أحكام العشرة ح٢ وانظر: الكافي، ج٢، ص٦٥٠.

٤ - الكافي، ج٢، ص٦٥٠، ح٧، باب التسليم على أهل الملك، كتاب العشرة.

١٤٦

الفصل الرابع:

الشُبهات والردود

١٤٧

مقدّمة:

لا تزال، للأسف الشديد، حملات غير المسلمين متوالية على الإسلام وأهله، وقد وجّهوا سهامهم إلى منهج الإسلام ومسلكه في التعامل مع غير المسلمين في مختلف المجالات ؛ زاعمين بأنّ الإسلام بسياسته التربوية التعليمية، يؤسّس جيلاً ناشئاً يبغض الآخر ويحقد عليه، ويضطهده ويعتدي عليه ؛ مستغلّين بعض التصرّفات الهوجاء من بعض المسلمين، التي تُغاير المفهوم والأصل الإسلامي في دستوره، للتعامل مع غير المسلمين في مجتمعه، خصوصاً ما يحصل من بعض الجهَلة والمرتزقة في تشويه سمعة الإسلام، وهذا ما تفعله اليوم الجماعات الإرهابية، التي تَنسب نفسها للإسلام، كمنظمة ( القاعدة ) ومَن نحا منحاها فهؤلاء ينخرون النظام الإسلامي من الداخل، وذلك وفقاً لأجندةٍ استعمارية قد خُطِطَ لها مُسبقاً ؛ لذا فقد أوصلوا المجتمعات غير الإسلامية إلى حالة التصديق والاعتقاد بأنّ الإسلام يعادي غيره من الأديان، ويسلك العنف في التعامل معهم، ولكن( يَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ) ، و( يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاّ أَن يُتِمّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) .

ومع ذلك، نلاحظ أنّه يكفي العقلاء في ردّ الافتراءات ما تواتر من شهادات المنصِفين، من غير المسلمين، وما تقرّر من شهادة التاريخ على حُسن تعامل المسلمين مع غيرهم في السلْم والحرب، وفي حال انتصارهم وحال هزيمتهم، ولكن مع هذا ينبغي لنا أن نُظهر براءة الإسلام من الحقد الديني، من خلال نصوصه الشرعية، من القرآن وسُّنّة النبي الكريم، وأئمّة الهدى، والعلماء الأعلام.

كما وأنّ التلبيس الحاصل اليوم، من أنّ المسلمين ضد الآخرين، من خلال التدليس لكون المسلمين لا يقبلون عقائد غير المسلمين، وهذا ممّا أثار الغير في طرح الشبهات والإشكالات على النظام الإسلامي السَّمِح

١٤٨

فليُعلم: أنّه ليس من الحقد الديني أن لا يتنازل الشخص عن قناعاته الدينية، كما أنّه ليس من التسامح الديني أن يفرض قناعاته على غيره بقوّة الحديد والنار فهنا أمران اثنان:

الأوّل: قناعات الإنسان التي يؤمِن بها.

الثاني: تعامل الإنسان مع مَن يخالفه في قناعاته التي يعتقدها.

وقاعدة الإسلام في هذين الأمرين: أن يتمسّك المسلم بدينه، ويعتزّ بهِ، ويعتقد أنّه الدين الحقّ.

وفي المقابل: أن يرحم الغير، ويُحسن إليهم، ويعدل معهم، ويعمل على نجاتهم ؛ لِما حثّ الإسلام على ذلك ودعا إليه، فلا اضطهاد للغير باسم التمسّك بالحقّ، ولا تنازل عن الحقّ باسم قبول الغير.

قال الله تعالى:( وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاّ بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنّا بِالّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنَا وَإِلهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ) (١) .

فانظر كيف جمعت هذه الآية الكريمة بين أمر المسلمين بالتمسّك بالحقّ، وهو توحيد الله تعالى والتسليم له، وبالدعوة إلى ذلك، وبين حُسن المعاملة لأهل الكتاب.

ومن بلاغة هذه الآية وجمالها أنّه لم يأمر تعالى بالجدال بالتي هي أحسن مباشرة، فلم يقل: وجادلوا أهل الكتاب بالتي هي أحسن، وإنّما نهى عن كلّ جدال إلاّ الجدال بالتي هي أحسن، وهذا أبلغ في الأمر بمراعاة الأدب في النقاش والحوار والمناظرة ؛ لأنّه حصر في الجدال الحسن، وهذا يدلّ على براءة الإسلام من التعصّب والحقد الديني، وأنّه ليس عنده إلاّ مقابلة الحجّة بالحجّة.

لنعرض الآن لبعض الشبهات التي يمكن أن تطرح في المقام:

أوّلاً: هل الإسلام انتشر بالسيف ؟

أكمل الله دينه بإنزال أفضل شرائعه على محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فكان دينه الدين الخاتم الذي ارتضاه الله للبشرية ديناً إلى قيام الساعة، وقد توجهّت سهام اليهود والنصارى وغيرهم من غير المسلمين، إلى عقائد الإسلام سواء بسواء، فقد تمحورت شُبهاتهم في هذا الباب حول الإسلام

____________________

١ - العنكبوت: ٤٦.

١٤٩

من عدّة جهات، وأوّل ما أشكلوا عليه: انتشار الإسلام الحنيف في أوساط الشعوب، وأطالوا اللغط في نيلهم وتقبيحهم لشرعة الجهاد في سبيل الله عند المسلمين، ونحن في هذا المجال نذكر هذهِ الشبهة وإزالتها عن لباس الإسلام الطاهر.

أوردوا على الإسلام في تشريعه الجهاد: بأنّه خروج عن طور النهضات الدينية المأثورة عن الأنبياء السالفين ؛ فإنّ دينهم إنّما كان يعتمد في سيرته وتقدّمه على الدعوة والهداية، دون الإكراه على الإيمان بالقتال المستتبع للقتل والسبيِّ والغارات، ولذلك ربّما سمّاه بعضهم - كالمبلّغين من النصارى - ب- ( دين السيف والدم )، وآخرون بدين الإجبار والإكراه !

لكنّ القرآن يُبيّن أنّ الإسلام مبني على قضاء الفطرة الإنسانية - التي لا ينبغي أن يُرتاب أنّ كمال الإنسان في حياته هو ما قضت به وحكمت ودعت إليه - وهي تقضي بأنّ التوحيد هو الأساس الذي يجب بناء القوانين الفردية والاجتماعية عليه، وأنّ الدفاع عن هذا الأصل، بنشره بين الناس، وحفظه من الهلاك والفساد، حقّ مشروع للإنسانية، يجب استيفاؤه بأيِّ وسيلة ممكنة.

وقد روعيَ في ذلك طريق الاعتدال، فبدأً بالدعوة المجرّدة، والصبر على الأذى في جنب الله، ثمّ الدفاع عن بيضة الإسلام ونفوس المسلمين وأعراضهم وأموالهم، ثمّ القتال الابتدائي الذي هو دفاع عن حقّ الإنسانية وكلمة التوحيد، ولم يبدأ بشيء من القتال إلاّ بعد إتمام الحجّة بالدعوة الحسنة، كما جرت عليه السنّة النبوية، قال تعالى:( ادْعُ إِلَى‏ سَبِيلِ رَبّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) (١) والآية مطلقة، وقال تعالى:( لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيّنَةٍ وَيَحْيَى‏ مَنْ حَيّ عَنْ بَيّنَةٍ ) (٢) .

وأمّا ما ذُكر: أنّ سائر الأنبياء جَرُوْا على مجرّد الدعوة والهداية فقط، فالتاريخ الموجود من حياتهم يدُلّ على عدم اتساع نطاقهم بحيث يجوز لهم القيام بالقتال، كنوحٍ، وهودٍ، وصالحعليهم‌السلام ، فقد كان أحاط بهم القهر والسلطة من كل جانب، وكذلك كان عيسى أيام

____________________

١ - النحل: ١٢٥.

٢ - الأنفال: ٤٢.

١٥٠

إقامته بين الناس واشتغاله بالدعوة، وإنّما انتشرت دعوته وقُبلت حجّته في زمان طرو النسخ على شريعته، وكان ذلك أيّام طلوع الإسلام.

على أنّ جمعاً من الأنبياء قاتلوا في سبيل الله تعالى، كما تقصّهُ التوراة، والقرآن يذكر طرفاً منه، قال تعالى:( وَكَأَيّنَ مِنْ نَبِيّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبّيّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللّهُ يُحِبّ الصّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاّ أَنْ قَالُوا رَبّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ) (١) .

وقال تعالى في قصّة دعوة موسى قومه لقتال العمالقة:( وَإِذْ قَالَ مُوسَى‏ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدّسَةَ الّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدّوا عَلَى‏ أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ قَالُوا يَا مُوسَى‏ إِنّا لَن نَدْخُلَهَا أَبَداً مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّكَ فَقَاتِلاَ إِنّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ) (٢) .

وقال تعالى في قصة طالوت وجالوت:( أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنَي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى‏ إِذْ قَالُوا لِنَبِيّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ) (٣) .

وأيضاً قال عزوجل في قصّة سليمان وملكة سبأ:( أَلاّ تَعْلُوا عَلَيّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ فَلَنَأْتِيَنّهُم بِجُنُودٍ لاّ قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنّهُم مِنْهَا أَذِلّةً وَهُمْ صَاغِرُون ) (٤) .

وهذا كلّه يُعدّ قتالاً من أنبياء ضد الكافرين، وكان قتالاً ابتدائياً عن دعوة ابتدائية.

وعليه يكون إشكال كون الإسلام انتشر بالسيف غير وارد ؛ لأنّه وإنّ استُخدم السيف أثناء الدعوة الإسلامية، فهو كان من مبدأ الدفاع عن كرامة الإنسان ونشر الهداية والحقّ، ولأجل أهدافٍ ساميةٍ لا يمكن هدرها.

يقول السيد الطباطبائي في تفسير الميزان:

____________________

١ - آل عمران: ١٤٧.

٢ - المائدة: ٢٤.

٣ - البقرة: ٢٤٦.

٤ - النمل: ٣٧.

١٥١

( إنّ الدفاع عن حقوق الإنسانية حق مشروع فطري مباح الاستيفاء للإنسان، والإقدام على هذا الدفاع لهدف استنقاذ أمور ذات أهمّية حيوية وقد أثبت القرآن أنّ أهم حقوق الإنسانية الحيوية هي التوحيد والقوانين المبنية عليه )(١) .

لكن، للعلم، أنّ الإسلام لم ينتشر بالسيف، كما أوضحنا ذلك، بل لانسجامه مع الفطرة الإنسانية، من حيث تعاليمه السمحاء التي تجسّدت في المسلمين، وخصوصاً الفاتحين المؤمنين ؛ وذلك تطبيقاً للشرع الإسلامي الذي وصّى بهِ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما مرّ حينما أوصى السرايا: ( سيروا بسم اللّه وباللّه، وعلى ملّة رسول اللّه، لا تغدروا، ولا تغلّوا، ولا تمثلّوا، ولا تقطعوا شجرة.... )(٢) .

فهذا هو السلوك الذي جعل الناس تنبذ الظلم والطغيان الذي كان سائداً في بلدانهم من السلطات، فلجئوا إلى الإسلام المنقِذ لهم من هذا الوضع، فدخلوا في دين الله أفواجاً وأمّا السيف، فكان استعماله اضطرارياً وللدفاع عن الدعوة ومحتواها السامي.

وإليك بعض كلمات علماء غير المسلمين في الردّ على هذه الدعوى، من أنّ الإسلام دين السيف، والتي ذكرناها في المبحث الثالث من الفصل الثالث.

ذكر عبّاس محمود العقّاد في كتابه (حقائق الإسلام وأباطيل خصومه)، نقلاً عن كلام للكاتب توماس كاريل: ( أن اتّهام محمّد بالتعويل على السيف في حَمْل الناس على الاستجابة لدعوته، سُخفٌ غير مفهوم )(٣) .

وقال روبرتسون: ( إنّ المسلمين وحدهم هم الذين جمعوا بين الجهاد والتسامح نحو أتباع الأديان الأخرى، الذين غلبوهم وتركوهم أحراراً في إقامة شعائرهم الدينية )(٤) .

____________________

١ - محمّد حسين، الطباطبائي، تفسير الميزان، ج ٢، ص٧٠.

٢ - الكافي، ج ٥، ص٣٠، ح٩، باب وصايا رسول الله للسرايا مصدر سابق.

٣ - عبّاس محمود، العقاد، حقائق الإسلام وأباطيل خصومه، ص٢٢٧.

٤ - شوقي، أبو خليل، الإسلام في قفص الاتّهام، ص ١٢٥.

١٥٢

وكذلك قالت الكاتبة الإيطالية لورا فتيشيا فاغليري: ( إنّ الإسلام لا يُبيح امتشاق الحسام إلاّ دفاعاً عن النفس، وهو يحرّم العدوان تحريماً صريحاً وأباحت الشريعة القتال للمسلمين دفاعاً عن حرية الضمير لإقرار السلم واستتباب الأمْنِ والنظام )(١) .

ثانياً: هل الدين الإسلامي يدعو إلى العنف والإرهاب ؟

لو نظرنا نظرة حرّة وفاحصة إلى بعض ما يتوافر فيه العنف، وتوجد فيه الشدّة، من منطق الشريعة، وممارسة المواقع المعصومة - تمييزاً بينها وبين الاجتهادات البشرية غير المعصومة القابلة للمرونة - مثل: الحدود، والدّيات، والغزوات العسكرية، وغيرها من الأحكام والفقه الإسلامي عموماً، ممّا يندرج في خانة العسر والعذاب، لو نظرنا لوجدنا أنّها إمّا تمّ تشريعها للسماح بالدفاع عن النفس في وجه الاعتداء السافر والقاهر، كما هو الحال في الحروب وقت المعصوم وقيادته، وإمّا هو لأجل تحقيق أهداف تربوية، وتهذيب الإنسان عند طغيانه على نفسه أو على غيره.

وتصوير الدين الإسلامي، وما ينطوي عليه من شريعة فقهية، في شكلٍ عنيفٍ وشديدٍ، ناشيء من الجهل بمقاصد الإسلام وفلسفة شريعته غالباً، أو من عداءٍ تاريخيٍّ من قبل المعارضين تجاه الإسلام أحياناً، مستشرقين ( البعض منهم ) وغيرهم.

وموقف الشرع من التعامل الشديد وتعاطي العنف، يتحدّد حسب الحالة والواقع، ولا يمثّل الواقع الشرعي مبدئياً ؛ لأنّ الرحمة والعطف واللّين تعدّ من المفاهيم الأساسية في تحقيق الأهداف والمقاصد الشرعية، وهذا ما يميل إليه الإنسان بفطرته الإلهية، كما جاء في القرآن:( اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ) (٢) .

لكن العذاب الأليم الذي وُعد به الكفّار والمنافقين، بل مطلق الظالمين، هو خزي وشدّة عليهم في الدنيا والآخرة، فالنهج العنيف سيحتفظ بأهمّيته البالغة في منطق الشريعة ؛ للتأثير

____________________

١ - لورافيشيا فاغليري، دفاع عن الإسلام، ص١١ - ١٢.

٢ - طه: ٤٣، ٤٤

١٥٣

بمَن لا تنفع معه لغة المسامحة، ويرفض كل دعوات الحوار والإصلاح في ردعه عن الاعتداء على الآخرين.

ولا يخفى على الباحث المنصف، في معرفة الأيادي الواقفة خلف المحاولات الرامية إلى تشويه صورة الدين الإسلامي، جرّاء توسيع رقعة التهمة ضدّه، والسعي لإلصاق كلّ أشكال الإرهاب والعنف على بياض صفحات العقيدة الإسلامية، وهذه خطط مدبرّة وراءها تآمر على نطاق عالمي واسع جدّاً، للنَيلِ من دعوة الإسلام، والوقوف بوجه الحقّ.

لم يحثّ الإسلام على مطلق الغزو والحرب، ولا شرعية فيه لها، إلاّ إذا كانت هي الطريق الوحيد لزجر الاعتداء والدفاع عن الذات الإنسانية كما أنّ التأمّل في عشرات الآيات القرآنية حول الجهاد والقتال ( العنف المشروع )، يُفضِ إلى حقيقةِ أنّ لا أساس للحديث عن توهّم الرغبة في التوسّع والمدّ الإسلامي عبر تشريع الجهاد والحرب، بل يهدف الإسلام من تشريع الجهاد إلى أمور أخرى، منها:

١ - صدّ العدوان، كما جاء في الآية الشريفة:( الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ ) (١) وكذلك قوله تعالى:( فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلّفُ إِلا نَفْسَكَ وَحَرّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللّهُ أَن يَكُفّ بَأْسَ الّذِينَ كَفَرُوا وَاللّهُ أَشَدّ بَأْساً وَأَشَدّ تَنْكِيلاً ) (٢) وغيرها من الآيات.

٢ - حظر شرعي للاعتداء في كل الأحوال، كما جاء نصّ القرآن:( وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ الّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنّ اللّهَ لاَ يُحِبّ الْمُعْتَدِينَ * وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُم وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ ) (٣) ، وكذلك قال تعالى:( فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً ) (٤) .

____________________

١ - البقرة: ١٩٤.

٢ - النساء: ٨٤.

٣ - البقرة: ١٩٢.

٤ - النساء: ٩١.

١٥٤

فقد تبيّن أنّ القتال الذي كان في سبيل الله، وإقامة الحقّ والعدل، لم يكن من العنف المذموم أو المسمّى بالسلبي، بل هو إيجابيٌّ مرغوب فيه.

ولولا هذا العنف الإيجابي الذي دعا له الله ويدعو إليه جميع العقلاء، لفسدت الأرض وانطلق العنف السلبي من عِقاله، واستبدّت الغرائز بأنواعها كافّة، من دون أي اعتبار لضوابط القانون، وهذه هي الفتنة التي حذّر منها الباري عزّ وجلّ عند ترك العنف الإيجابي، وهو قتال الباطل:( وَقَاتِلُوهُمْ حَتّى‏ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدّينُ للّهِ‏ِ فَإِنِ انتَهَوْا فَلاَ عُدْوَانَ إِلا عَلَى الظّالِمِينَ ) (١) .

إذاً الآيات القرآنية ذكرت العنف، وركّزت على مفهومه، لكنّه العنف المشروع، وليس السلبي ( غير المشروع )، ومع ذلك استدركت الآيات الداعية إلى العنف الإيجابي في حالات كثيرة، وتطرح التسامح والعفو بديلاً عن المقاومة بالعنف، ولعلّ ذلك للترتيب في توطيد القانون من مناشيء عدّة، ولئلاّ يصير الإفراط في التطبيق للقوّة والتجاوز، والله أعلم.

ومع هذا كلّه، تبيّن أنّ الاستدراكات تلك، في النصوص القرآنية الداعية للقتال، هي مفاهيم إسلامية للتسامح والتعاطف الإنساني.

وبعد ما تبيّن نظر القرآن الكريم تجاه العنف، وأنّه يدعو إلى نشر الفضيلة والقانون، وحفظ النظام الكوني، ومن أسباب انتشاره هو استخدام القتال والشدّة في التعامل، ولكنّنا هنا لدينا محاولة للمزيد من البحث في تقسيم العنف الذي ورد في كثير من الآيات القرآنية ؛ حتى تتوضَّح الصورة للآخرين تجاه كتاب الإسلام المقدّس، ودستوره الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فيكون التقسيم بالشكل الآتي:

١ - العنف: أي القتال من أجل نشر الدعوة وحمايتها والدفاع عنها، وقد تقدّم هذا القسم وذكرنا بعض الآيات التي دعت إلى القتال في سبيل الله.

٢ - العنف: كتهديدٍ لاحقٍ ( العذاب في الآخرة )، قال تعالى:( بَشّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً ) (٢) .

____________________

١ - البقرة: ٩٣.

٢ - النساء: ١٣٨.

١٥٥

وقال تعالى:( وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ ) (١) .

٣ - العنف ضد الظلم والفساد:

قال عزّ من قائل:( أُذِنَ لِلّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنّ اللّهَ عَلَى‏ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ) (٢) .

وقال عزّ وجلّ:( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرّبَا إِن كُنْتُم مُؤْمِنِينَ * فَإِن لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ ) (٣) .

وقال تعالى:( إِنّمَا جَزَاءُ الّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتّلُوا أَوْ يُصَلّبُوا أَوْ تُقَطّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِنْ خِلاَفٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) (٤) .

وقال تعالى:( مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنّمَا قَتَلَ النّاسَ جَمِيعاً ) (٥) .

وما ورد في هذه الآية من قتل وفساد عقوبة تجيب عنه الآية التي سبقتها.

وكذلك قال عزّ وجلّ:( وَالسّارِقُ وَالسّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) (٦) .

٤ - العنف كنماذج تاريخية:

قال تعالى:( قَالُوا حِرّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ ) (٧) .

____________________

١ - النساء: ١٤.

٢ - الحج: ٣٩.

٣ - البقرة: ٢٧٨ - ٢٧٩.

٤ - المائدة: ٣٣.

٥ - المائدة: ٣٢.

٦ - المائدة: ٣٨.

٧ - الأنبياء: ٦٨.

١٥٦

وقال تعالى:( فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمّلَ وَالضّفَادِعَ وَالدّمَ آيَاتٍ مُفَصّلاَتٍ... ) (١) .

وقال عزّ وجلّ:( فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمّ ) (٢) .

وقال عزّ وجلّ:( قَالَ سَنُقَتّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ ) (٣) .

٥ - التسامح في مقابل العنف:

ترى بعض الآيات القرآنية الكريمة التسامح خير وسيلةٍ في التعامل وحلّ المعضلات، وتدعو إلى عدم التعريض على العنف، قال تعالى:( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرّ وَالتّقْوَى‏ وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتّقُوا اللّهَ إِنّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) (٤) .

وقال تعالى:( وَلاَ تَسُبّوا الّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبّوا اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ) (٥) .

وكذلك قال العزيز:( إِنّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتّقُوا اللّهَ لَعَلّكُمْ تُرْحَمُونَ ) (٦) .

وهذا الإصلاح بين المؤمنين لا يُوجب عدم ردع المعتدي لأجل كفّ عدوانه، فدعت الآية الكريمة إلى الإصلاح والتسامح، وعدم اللجوء إلى العنف في حلّ الأزمة، ولكن إذا أصرّ المعتدي على اعتدائه وتجاوزه، عندها يكون الحزم والقوّة السبيل لردع المعتدي، قال عزّ مِن قائل:( وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى‏ فَقَاتِلُوا الّتِي تَبْغِي حَتّى‏ تَفِي‏ءَ إِلَى‏ أَمْرِ اللّهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنّ اللّهَ يُحِبّ الْمُقْسِطِين ) (٧) .

____________________

١ - الأعراف: ١٣٣.

٢ - الأعراف: ١٣٦.

٣ - الأعراف: ١٢٧.

٤ - المائدة: ٢.

٥ - الأنعام: ١٠٨.

٦ - الحجرات: ٩.

٧ - الحجرات: ٩.

١٥٧

هذه النماذج من العنف التي يشير إليها القرآن الكريم من أجل نشر الدعوة، ومن أجل رفع الظلم، ومن أجل التهديد بالعذاب في الآخرة، بالإضافة إلى القصص في أساليب العنف التي جرت في التاريخ التي ذكرها القرآن، والتمسك بالتسامح في مقابل العنف من دون تفريط بالحقوق.

هذه نماذج طرحها القرآن، وبيّنت الصورة الناصعة التي يتَّسم بها الكتاب المقدّس عند المسلمين، وهذه المحاولات في الحطّ من شأن كتاب الله المجيد، في لصق التُّهم والشبهات في أنّ الإسلام ودستوره يدعو إلى العنف، ما هي إلاّ محاولات يائسة لا طائل منها.

وأمّا بالنسبة لمدرسة أهل البيتعليهم‌السلام ، فقد نسجت لنا نسيجاً في التعامل مع أعدائهم، وهم القرآن الناطق، أي: المجسّد الحقيقي والتام لكل ما ورد في القرآن الكريم، فهم في حروبهم مع الحقّ والحقّ معهم، وفي سلمهم كذلك.

وعلى رأسهم النبي المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله ، حيث كان استخدامه للقتال في حالات الاضطرار وبعد الإعذار، وقد مرّ ذلك في الفصل الثاني ( في غزواتهصلى‌الله‌عليه‌وآله )، وكان يدعو إلى السلم والصلح في كل حالات الاحتكاك مع الأعداء ؛ والدليل على ذلك أنّه ابتدأ حكومته في المدينة بكتابة الوثيقة التاريخية مع يهود المدينة لبسط الأمن والسلام كما مرّ.

فكانوا ( سلام الله عليهم ) ديدنهم السلم والصلح والمسامحة، ونبذ العنف اللاَّمشروع، ففي حكومة أمير المؤمنينعليه‌السلام عندما كانت تظهر له المعارضة من الخوارج وغيرهم داخل الكوفة، وهو الحاكم، فكان يتوقع منه جماعة من الناس أن يقوم بأمور يُلزم فيها الناس في طاعته أو السير على ما يُريد، فكان يقولعليه‌السلام : ( إنّي لا أحب أن أُكره أحداً على ما يكره )، وكان يقولعليه‌السلام : ( لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرّاً )(١) ، فكان منطلق أمير المؤمنين هو نفي الإكراه( لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ) ، ويقولعليه‌السلام : ( إنّ في الصلح دِعة للناس وأمناً للعباد )(٢) .

____________________

١ - نهج البلاغة، الكتاب ٥٣ مصدر سابق.

٢ - نفس المصدر.

١٥٨

وكان نقاشهم مع علماء بقية الأديان بغاية من اللطف والتسامح، سواء اقتنع بكلام الرسول أو الإمام أم لم يقتنع، وهذا ما حصل مع نصارى نجران عندما لم يقنعوا بالجدال الحسن الذي صدر معهم من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فعندها دعاهم للمباهلة ! مع أنّه قائد دولة وكان بإمكانه حملهم على طاعته والإيمان به، لكنّه الرحمة الإلهية وأصل السماحة، كيف لا وهو الناطق عن الله جلّ وعلا:( لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ) .

فالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بُعث ليحررّ الإنسان، فكيف يستعبدهم ؟! كما قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : ( فإنّ الله تبارك وتعالى بعث محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله بالحقّ ليخرج عبادَه من عبادة عبادِه إلى عبادتهِ، ومن عهود عبادِه إلى عهوده، ومن طاعة عباده إلى طاعته، ومن ولاية عباده إلى ولايته )(١) .

هذا هو تعامل القرآن وأهل القرآن مع غير المسلمين، بكلِّ تسامحٍ وتجسيد للأخلاق الإنسانية الفاضلة، فأين العنف والإرهاب اللذين أُلصقا بالدين الإسلامي وأهله ؟!

ولكن كما قلنا: إنْ هي إلاّ ممارسات فاشلة في تشويه صورة الإسلام الحنيف، وبمحاولات ومخططات شيطانية، كانتشار الدراسات في هذه الأزمنة حول أنّ الإسلام ( دين عُنف ) ويحرّض على القتل، خصوصاً لمّا جرت حادثة أيلول (سبتمبر ) ٢٠٠١م في واشنطن ونيويورك، فقد زادت الاتهامات للأُمّة الإسلامية: بأنّها داعيةٌ للإرهاب والعنف ضد كلّ من ليس على معتقدها، ووظّفت الدول الغربية ومن في فلكها، كل وسائل الإعلام، مقروءةً ومسموعة ومرئية، لهذا الأمر ونشره في أرجاء العالم، ممّا أدى إلى نشر الهلع والاضطراب لدى العالم غير المسلم من المسلمين، والأفعال الصادرة تجاه المسلمين وردّة الفعل وهكذا يريدون للعالم أن تعمّه الفوضى، وهذا ما سعت إليه الصهيونية العالمية لتحقيق أهدافها، ولا أنالها الله ذلك.

ثالثاً: كبت الحريّات وهضم الحقوق.

من أهم الإشكالات التي تُطرح على النظام الإسلامي، هي التعرّض لحريّات الإنسان ومصادرتها من قبل التشريعات الإسلامية المضيّقة على الفرد والمجتمعات، وخصوصاً على غير المسلمين في المجتمع الإسلامي، بل والإشكال شاملٌ حتى في سلب حريّات المسلم نفسه

____________________

١ - الكافي، ج ٨، ص٣٨٦ مصدر سابق.

١٥٩

وسلب حقوقه ؛ لأنّ هذا كذلك يدخل في صميم الموضوع الذي يُراد منه خلق انطباع سيء عن النظام الإسلامي لدى المجتمعات غير المسلمة.

ففي سلب حريّات الأفراد المسلمين داخل مجتمعهم، يوحي لغير المسلمين بأنّ دستور الإسلام ونظامه مبني على التسلّط والعنف، وبعيد عن الفطرة الإلهية وقيم السماء، ولهذا نحن في هذا المجال سوف نتعرّض لحرية الفرد مطلقاً، مسلماً كان أو غير مسلم، وما هو دور الشريعة الإسلامية تجاه هذا الحقّ الذي ينطوي على حقوق عدّة ؟ وردّ هذه الشبهة التي يروّج لها أعداء خاتم الأديان.

حدود الحرية من المنظار الفقهي:

تمثّل الحرية التشريعية، أو حدود حرية الإنسان من وجهة النظر الشرعية والقانونية، عمدة البحث في المدينة المعاصرة، والمحور الأساسي للاختلافات حول مسألة الحرية عموماً والحرية التشريعية عبارة عن حرية الإنسان من منظور الشرع ونظام التقنيني.

والمقصود من هذا البحث هو: هل أنّ المواطنين - المسلمين وغير المسلمين - المنعّمين بالحريّة التكوينية في كافّة أفعالهم وتصديقاتهم الذهنية، وكذلك في إذعانهم وإنكارهم القلبيَّين، هل أنّهم في نظام الحياة أحرار أيضاً من الناحية القانونية والشرعية ؟ وإذا كانوا أحراراً، فهل يعني أنّهم في المجتمع الإسلامي أحرار دون أي قيد أو حدّ، بحيث إنّ أيّ مواطن يمكنه ممارسة ما اختاره من طريقة العيش كيفما كانت وعلى أي نحو ؟

هل يمكن من وجهة نظر الشرع أن يكون المواطن في المجتمع الإسلامي حرّاً، بحيث يستطيع، متجاهلاً الأحكام الإلهية، ارتكاب أي منكر من المنكرات، ولا يحقّ لأيِّ شخص أن يعترض أو يُبدي ردّ فعلٍ إزاء ذلك ؟ أو أنّ القضية هي أنّه كما أنّ الإنسان في مرحلة التشريع ليس حرّاً، وهناك واجبات ومحرّمات متوجهة إليه، فإنّه في مرحلة الامتثال ليس حرّاً كذلك، بل يمكن تنظيم حريته من طرف الحاكم الشرعي أو آحاد المجتمع، بحيث تكون ذات أُطر و حدود ؟ وإذا كان الأمر كذلك فما هي هذه الحدود، وما هي المرجعية التي ترسمها ؟

وعليه من اللازم تحديد النظر الشرعي والقانوني من خلال بحث جوانب الموضوع وتبيين حكم كل جانب من الناحية الفقهية.

١٦٠