حقوق غير المسلم داخل المجتمع الإسلامي في الفقه الإمامي

حقوق غير المسلم داخل المجتمع الإسلامي في الفقه الإمامي0%

حقوق غير المسلم داخل المجتمع الإسلامي في الفقه الإمامي مؤلف:
تصنيف: رسائل وأطاريح جامعية
الصفحات: 200

حقوق غير المسلم داخل المجتمع الإسلامي في الفقه الإمامي

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: وليد الخزعلي
تصنيف: الصفحات: 200
المشاهدات: 44038
تحميل: 7085

توضيحات:

حقوق غير المسلم داخل المجتمع الإسلامي في الفقه الإمامي
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 200 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 44038 / تحميل: 7085
الحجم الحجم الحجم
حقوق غير المسلم داخل المجتمع الإسلامي في الفقه الإمامي

حقوق غير المسلم داخل المجتمع الإسلامي في الفقه الإمامي

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

حقوق غير المسلم داخل المجتمع

الإسلامي في الفقه الإمامي

رسالة ماجستير

الباحث: وليد الخزعلي

الأستاذ المشرف: د. عبد الجبار الرفاعي

الأستاذ المساعد: حجة الإسلام والمسلمين سيد منذر الحكيم

١

هذا الكتاب

نشر إليكترونياً وأخرج فنِّياً برعاية وإشراف

شبكة الإمامين الحسنينعليهما‌السلام للتراث والفكر الإسلامي

وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً

قسم اللجنة العلمية في الشبكة

٢

الإهداء

إلى أمناء الرحمن في دار الفناء

وشفعاء المؤمن في دار البقاء

وروّاد الشريعة الخاتمة السمحاء

سادة الأنام والرحمة الواسعة

محمّد المصطفى وأهل بيته الكرام

أهدي جهدي المتواضع هذا

٣

شكر وتقدير

الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف خلقه محمد المصطفى وآله المنتجبين.

أتقدّم بشكري وفائق تقديري إلى المسؤولين في المركز العالمي للدراسات الإسلامية ؛ الذي أتاح لنا الفرصة في طي المراحل الدراسية، والانتهال من المصدر العذب، وهي علوم أهل البيتعليهم‌السلام ، من خلال التمهيد للدراسة والبحث، وفي مقدَّمتهم الشيخ الدكتور أعرافي (دامت بركاته).

وكذلك أودّ أن أشكر أساتذتي المحترمين (المدير والمسؤولين) في مدرسة الحُجَّ-تية للفقه والمعارف الإسلامية.

وأوجّه شكري وجزيل امتناني لأستاذي المشرِف الدكتور عبد الجبار الرفاعي ؛ لمواكبته المستمرة لأطروحتي هذه وجهده البالغ وكذلك الشكر الجزيل للأستاذ المساعد السيد الفاضل، حجة الإسلام والمسلمين منذر الحكيم لإرشاداته القيّمة.

وأتقدَّم بالشكر الخالص لجميع الأساتذة والطلبة الأفاضل الذين لم يدّخروا جهداً في مساعدتي وفّقهم الله جميعاً.

٤

خلاصة البحث

موضوع هذا البحث يتركّز حول حقوق غير المسلمين داخل المجتمع الإسلامي، وما ينبغي للدولة الإسلامية من الإيفاء بتلك الحقوق التي ضُمنت لهم، مستندين في ذلك إلى الأدلّة الواردة في إطار المذهب الإمامي ورأي فقهائهم.

والبحث يحتوي على أربعة فصول وخاتمة:

الفصل الأوّل : ويتكوّن من مبحثين تمهيديَّين:

المبحث الأوّل: في التعريف لمفهوم غير المسلم - لُغةً واصطلاحاً - مع تفريعاته.

المبحث الثاني: في تقسيمات غير المسلم، والتعريف بماهية كلّ قسم.

الفصل الثاني : ويتكوّن من ثلاثة مباحث في تعامل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيتهعليهم‌السلام مع غير المسلمين من الناحية التاريخية.

المبحث الأوّل: في التعامل مع المشركين داخل الجزيرة العربية.

المبحث الثاني: تعامل النبي وأهل بيتهعليهم‌السلام مع أهل الكتاب، خصوصاً اليهود ؛ لاحتكاكه المباشر معهم.

المبحث الثالث: سرد لمكاتيب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله مع الزعماء والملوك في ذلك الوقت، مع التوضيح والتعليق.

الفصل الثالث : كان استقراءً للحقوق التي أقرّها وأسّسها الإسلام لغير المسلمين وفيه ثلاثة مباحث:

المبحث الأوّل: المبادئ الأوّلية في العلاقة بين المسلمين وغيرهم.

المبحث الثاني: المساواة الإنسانية.

المبحث الثالث: مدرسة أهل البيت وحقوق غير المسلمين.

الفصل الرابع : يبحث متتبِّعاً أهمّ الشُّبهات والإشكالات، التي أُثيرت في مجال حقوق وواجبات غير المسلمين داخل المجتمع الإسلامي، وطريقة معالجتها وحلّها، كشبهة انتشار الدين بالسيف وأنّه دين دمٍ وسيف، وشبهة أنّه يدعو للعنف والإرهاب، وشبهة التضييق في الحريّات في الاعتقاد وغيره.

أمّاالخاتمة : فاحتوت على ثلاث وعشرين نقطة في استنتاجات لكلّ البحث بشكل مفصّل وجامع

٥

المقدّمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الإسلام هو رسالة السِلم، الذي يريد للإنسانية الرقيّ والتقدّم والحضارة، والسكينة والاطمئنان، فإنّ الإنسان غير الآمن في سِربه ومسكنه وحياته ؛ لا يتمكّن من أن يحقّق الازدهار والنموّ، بل كثيراً ما يسبّب فقدان الأمْن تحطيم الإنسان في أبعاده المختلفة، واستنفاد معنويّاته السامية التي تحافظ على كرامته وإنسانيّته، وفقدان الأمْن الناشئ من الخوف ونحوه، نتيجة طبيعية لركون الإنسان، بل المجتمع الإنساني برمّته، إلى المادّة والعزوف عن المعنويات عالية المضامين.

وخاتم الأديان جاء بمبادئه السامية لإنقاذ أهل المعمورة من ظلمات المادّة إلى نور المعاني الروحانية، وعلى رأسها التوحيد ؛ ليصل بالإنسان إلى سعادته الأبدية، ولتنظيم أمره ومجتمعه في دار الدنيا.

ولو طُبّق الإسلام بمبادئه التي نادى بها خاتم الرُسل، لكان المجتمع الإنساني اليوم على غير ما نحن عليه من التشتّت وانبساط الظلم والاضطهاد وهضم الحقوق، وكلّ هذا ناشئ من ظلم الإنسان لنفسه وأبناء جنسه، والتعدّي على حقوق غيره وأخْذ ما ليس له بحقّ.

وعلى أيّة حال، فالإسلام ينطوي في دستوره على مفاهيم ومبادئ راقية لتنظيم الأمر في دار الدنيا لبني الإنسان، ومن تلك المبادئ مبدأ "التعامل الإنساني " فيما بين الناس أنفسهم عامّة، وبين مَن ينتمي لهذا الدين من جهة وبين مَن لا ينتمي له من جهة أخرى خاصّة، وذلك من خلال الالتزام بمنح الحقوق لغير المسلم من جهة الحكومة الإسلامية والمجتمع الإسلامي.

وارتأينا أن نطرق موضوع حقوق غير المسلم داخل المجتمع الإسلامي من وجهة نظر مدرسة أهل البيتعليهم‌السلام ؛ وذلك وِفقاً لطريقة المذهب الإمامي ؛ لنبيّن ما جاء به الإسلام وما دعا إليه في هذا المجال، ولرفع الشبهات التي تُثار على خاتم الأديان من هذه الناحية، لِما يتعرّض له الإسلام اليوم من هجمة شرسة تحاول طمس مبادئه، وإيقاف عجلته السائرة نحو سعادة

٦

الإنسان فقد بيّنا تلك الحقوق لغير المسلمين داخل المجتمع الإسلامي، والتي يتّضح من خلالها أنّ حضارة الإسلام لا تضاهيها حضارة في المعمورة قط.

وإليك بعض ما بحثناه خلال هذا الجهد ؛ ليتّضح لغير المسلم خارج المجتمع الإسلامي، ما عليه غير المسلم داخل المجتمع الإسلامي:

١ - عدم إكراه أحد منهم على ترك دينه، أو إكراهه على عقيدة معيّنة.

٢ - من حقّ أهل الكتاب ممارسة شعائرهم وطقوسهم بكلّ حرّية.

٣ - تَرك لهم الإسلام ما أباحه لهم دينهم من الطعام وغيره، وإن كان غير مباح عند المسلمين.

٤ - لهم الحرّية في قضايا الزواج والطلاق والنفقة حسب دينهم.

٥ - حَمى الإسلام كرامتهم وصان حقوقهم، وجعل لهم الحرّية في الجدل والمناقشة من دون عنف.

٦ - ساوى بينهم وبين المسلمين في القوانين العامّة للبلاد.

٧ - حكم من خلال معظم الفقهاء بطهارة أهل الكتاب، وحلّية طعامهم والتزوّج بنسائهم والمعاملة معهم.

٨ - حبّذ الإسلام زيارتهم وعيادة مريضهم، وتقديم الهدايا لهم وقضاء حوائجهم‏.

بيان الموضوع:

موضوع البحث، هو: حقوق غير المسلمين داخل المجتمع الإسلامي، سواء كان غير المسلمين أهل كتاب أم غيرهم، فكان البحث عرْضاً لحقوقهم من وجهة نظر الفقه الإمامي وسعَينا بدايةً التعريف بماهيّة غير المسلم وأقسامه، ثمّ التعامل معهم من قِبل النبيّ وأهل بيتهعليهم‌السلام من الجهة التاريخية، وبعدها عرض شامل للحقوق الممنوحة لهم من قِبل الإسلام بشتّى أنواعها، حقوقاً اقتصادية وفكرية واجتماعية وأخلاقية وسياسية، وردّ أهمّ الشبهات والإشكالات الواردة في هذا الصدد.

السابقة الدراسية:

من خلال الاطّلاع على الكثير من المصادر الفقهية والحقوقية في هذا المجال، لم نجد المصادر الوافي لهذه المسألة في كتُب الفقه الإمامي، إلاّ وهي منتثرة في بطون الكتُب الفقهية والحقوقية،

٧

بشكل إجمالي وإشارات لبعض فروعها، وإن كان الموجود في كتُب المذاهب الأخرى الإسلامية غير الإمامية أوسع، ولكنّ موضوعنا مختصّ بوجهة نظر الفقه الإمامي.

وبعد البحث الدقيق عثرنا على أطروحة ماجستير لأحد الطلبة الأفاضل (جاسم الزيدي)، عنوانها: ( حُكم الأقلِّيَّات الدينية )، ولكنّها مختصّة بأهل الذمّة، ولم يتطّرق فيها للناحية التطبيقية التاريخية، ولم يذكر البحث الكلامي لها في طرح الشُبهات وحلّها، فهي أشبه ما تكون بالبحث الفقهي البَحْت للأحكام الشرعية للأقلِّيَّات.

لذا جَهدْنا لأن نسعى في هذا المجال في لملمة ما هو منتشر في كتُب فقهاء الإمامية وعلماء فقه الحقوق، وتحقيقها وعرض الأدلّة الشرعية في فروعها.

أهمّية البحث:

ممّا تقدّم يتبيّن لنا وللمتتبّع، أهمّية كتابة هذهِ الأطروحة، وذلك لإظهار:

١ - اعتقاد الفرد الإسلامي بما أمره الإسلام في التعامل مع مواطنه غير المسلم داخل المجتمع الإسلامي، في جميع نواحي الحياة.

٢ - تعامل السلطتَين، التشريعية والتنفيذية، في الحكومة الإسلامية مع الأقليّات الدينية من ناحية الحقوق والواجبات.

٣ - ما يتّسم به القانون الإسلامي الشرعي من العدالة والإنصاف في التعامل مع غير المسلمين داخل المجتمع الإسلامي، حتّى يُرفع الغِطاء الذي وضعه أعداء الإسلام على أعْيُن الشعوب غير المسلمة في العالم.

الفرضيّات:

١ - من المفترض لهذه الأطروحة أن تُظهر وتُبيّن ما لغير المسلمين من حقوق، أباحها الشرع الإسلامي وأقرّها على جميع الأصعدة، سواء كانت فكرية اعتقادية أو سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية.

٢ - بإمكان هذه الأطروحة من الناحية الكلامية والتحليلية، وحسب الأدلّة الفقهية، أن تُفكّك بعض الشبُهات الواردة في مجال حقوق غير المسلم داخل المجتمع الإسلامي، ورفع التشويه لصورة ديننا في هذا المجال.

٨

غرض الأطروحة:

لعلّ الواجب الكفائي الذي يُطرح في مسائل جهاد أعداء الإسلام عسكرياً، قد سرى لِما نحن فيه من جهادهم فكرياً وعقائدياً، فالهجمة الفكرية والعقائدية التي يتعرّض لها الإسلام في وقتنا الحاضر، خارجياً وداخلياً، من بعض الفِرَق الضالّة، والمحسوبة على المنظومة الإسلامية، والإسلام منهم بَراء ؛ ممّا يدعونا إلى شحذ الأقلام وإظهار ما يتمتّع به النظام الإسلامي من القيَم الحضارية وروح التسامح، وبسط الحقوق للأقليّات غير المسلمة في مجتمعه، ممّا يُزيل الشبهات التي أرادوا بها تشويه وجه الإسلام الحقيقي وأحد أهداف هذهِ الأطروحة هي إزالة هذه الحُجُب التي وضعها أعداء الإسلام لسَتْر حقيقته السامية.

كما أنّ من الأهداف لهذه الأطروحة، أنّه بالإمكان الاستفادة منها للباحثين في حقوق الإنسان في المنظّمات العالمية في الوقت الحاضر، للاطّلاع على شرعيّة معاملة غير المسلمين داخل المجتمع الإسلامي.

أُسلوب التحقيق:

١ - البحث يعتمد في تحقيقه وتدوين مطالبه على ما يطرحه فقه المذهب الإمامي، وليس هو بحثاً مقارناً بين المذاهب من ناحية فقهية.

٢ - وهذا البحث جامع بين الأسلوب التتبّعي الوصفي، من جهة ذِكر التعامل التاريخي للمسلمين مع غيرهم داخل المجتمع الإسلامي، وبين التحليل والاستقراء للأدلّة الواردة لدعم ‏ما يتبنّاه الإسلام في تعامله مع الأقليّات الدينية، وكذلك في دفع الشبهات والإشكالات في هذا الصدد.

وليد حميد الخزعلي

٩

الفصل الأوّل:

المفاهيم، والتعريفات

وفيه مبحثان:

المبحث الأوّل: مفهوما (الحقّ) و(غير المسلم).

المبحث الثاني: أقسام (غير المسلم) وماهيّته.

١٠

المبحث الأوّل: المفاهيم.

١ - مفهوم الحقّ.

٢ - مفهوم غير المسلم.

١١

في البدء لا بدّ لنا من التطرّق لمفهوم الحقّ، فنقول:

١- مفهوم الحقّ:

الحقّ في اللغة:

وردت كلمة الحقّ في القواميس والمعاجم بمعانٍ مختلفة، ويمكن إجمال تلك المعاني ب-: (الثابت، الموجود، المِلك، الإيجاب والإلزام، المال ).

قال ابن منظور: ( الحقّ: نقيض الباطل، وجمعه حقوق وحِقَاق )(١) .

ويقول الجرجاني: ( الحقّ في اللغة: الثابت الذي لا يسوغ إنكاره، ويستعمل في الصدق والصواب أيضاً والحقيقة هي: الشيء الثابت قطعياً ويقيناً، وهو اسم للشيء المستقرّ في محلّه)(٢) .

المعنى الاصطلاحي للحقّ:

هو: اعتبار معنى يترتّب عليه الإسقاط أو النقل بالمعاوضة، فليس هو من الإباحة الشرعية التي ليست موضوعاً لهذه الآثار(٣) .

لذا فالحقّ ليس حكماً شرعياً مجعولاً ؛ لأنّ الأحكام الشرعية المجعولة هي إنشاءات خاصّة بدواعٍ مخصوصة، فالإنشاء بداعي جعل الداعي فِعلاً أو تركاً - لمصلحة لزومية أو غيرها، أو عن مفسدة كذلك - إيجابٌ وتحريمٌ واستحبابٌ وكراهةٌ، أو بداعي إرخاء العنان والترخيص، فهو إباحةٌ(٤) .

وعليه، فالفرق بين الحقّ والحكم: أنّ الشارع جعل سلطنة لذي الحقّ في الحقوق، وحَكَم بحُكم تكليفي في الأحكام من دون جعل سلطة فيها لأحد.

____________________

١ - أبو بكر الرازي، مختار الصحاح، ص ٩٧ ابن منظور: لسان العرب، المجلّد الأول، ص ٦٨٠ - ٦٨٢ الجوهري، الصحاح، ج٤، ص ١٤٦٠ القاموس المحيط، ج ٣، ص ٢٢٨.

٢ - الجرجاني، التعريفات، ص ١١٢.

٣ - محمّد حسين الأصفهاني، حاشية كتاب المكاسب ( للأنصاري )، ج١، ص١٨.

٤ - نفس المصدر، ص١٧ - ١٨.

١٢

والحكم لا يقبل الانتقال قطعاَ ؛ لأنّ أمر الحكم بيد الحاكم، وليس للمحكوم عليه إسقاطه ولا نقله ؛ لأنّه تدخّل في سلطة الربّ(١) .

أمّا الحقّ، فلأجل السلطنة لصاحب الحقّ، فمقتضى طبيعته جواز نقله وإسقاطه ؛ لأنّه مالك له ويجوز التصرّف به وهذا النقل والإسقاط يكون نافذاً لصاحبه، ما لم يوجد مانعٌ لأحد أمرين:

١- إذا لاحظ الشارع الحكيم مفسدة في النقل أو الإسقاط، كما في مال الشخص ؛ فليس له إفساده وإتلافه عبثاً ؛ لأنّه إسرافٌ محرّم أو في عدم جواز بيع سلاحه - الذي لمالكه الحقّ في بيعه ممّن يشاء - للمحارب للدين، فهذا منهيٌ عنه.

٢ - أن يكون هناك قصور في الحّق بحسب جعل الشارع، كما لو كان الحقّ متقوِّماً بشخصٍ خاصّ، كحقّ التولية في الوقف من الواقف لشخص يتولّى الوقف، أو في الوكيل في حقّ الوكالة، فليس للوكيل ولا للوليّ في الوقف - مثلاً - أن يحوّل هذا الحقّ لغيره إلاّ بتجويز الموكِّل أو الواقف(٢) .

أنواع الحقوق:

قسّم علماء القانون الحقوق إلى عدّة أقسام ؛ وذلك لنظرتهم إليها باعتبارات مختلفة، من وجوه مختلفة، وهذه النظرة عبارة عن بيان وتوضيح لمدلول ومفهوم أنواع الحقوق، فهي وصف لواقع يُظهر ما يدلّ عليه إطلاق كلمة الحقّ، وليست بمنشِئة لحقوق جديدة، والمثال على ذلك تقسيم الحقّ إلى مطلق ونسبي. فالحقّ النسبي: هو الحقّ الذي وُجد لمصلحة شخص أو أكثر تجاه آخر، كالالتزامات بين الأفراد، فالدَيْنُ عبارة عن ارتباط بين دائن و مَدينِه، يلتزم فيه المدين بالقيام بعمل أو الامتناع عن عمل. أمّا الحقّ المطلق: فهو امتياز يُمنح لشخص معيّن، و يكفل القانون حفظ هذا الحقّ، دون أن يكون هناك التزام معيّن من فرد معيّن، بل إنّ الناس جميعاً يلتزمون باحترام هذا الحقّ كحقِّ الملكية مثلاً(٣) .

وقسّم علماء القانون الحقوق إلى حقوق سياسية وحقوق غير سياسية، و إلى حقوق عامّة وحقوق خاصّة، وإلى حقوق الأُسرة، وإلى حقوق مالية، وإلى حقوق شخصية وعينية وذهنية.

____________________

١ - محمد كاظم اليزدي، حاشية على كتاب البيع للأنصاري، ج١، ص٥٥.

٢ - نفس المصدر.

٣ - د عبد الرحمن، صابوني، المدخل لدراسة التشريع الإسلامي، ج٢، ص٩ - ١٥.

١٣

٢ - مفهوم غير المسلم.

أمّا بالنسبة لمفهوم ( غير المسلم )، لا بدّ من التعرّض أوّلاً إلى بعض المفاهيم وتوضيح تعاريفها اللُّغويّة، وشرح معناها الاصطلاحي:

أ - المسلم:

- السِلْم ( بالكسر ): السلام والسلم ( يُفتح ويُكسر ): يعني الصلح السلام: السلامة، والسلام: الاستسلام وأسلمَ أمرَهُ إلى الله أي سَلَّمَ، وأَسْلَمَ أي دخل في السَلْمِ، وهو الاستسلام، وأسلم من الإسلام(١) .

وأسلَمَ الرجل أي انقاد، وقيل: أسلَمَ: دخل في الإسلام، وصار مسلماً وتسلَّم يُقال: كان كافراً ثمّ تسلّم أي أسلم والتسليم يعني: الرضا بما قدَّر الله وقضاه، والانقياد لأوامره وترك الاعتراض(٢) .

أمَّا المعنى الاصطلاحي لكلمتي الإسلام والمسلم، فقد قال الشيخ الصدوق: ( الإسلام، هو: الإقرار بالشهادتين، وهو الذي يُحقن به الدماء والأموال ومَن قال: لا إله إلاّ الله محمّد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ فقد حُقن ماله ودمه إلاّ بحقّيهما، وعلى الله حسابه )(٣) .

وقال المحقّق الحلّي: ( يكفي في الإسلام الإقرار بالشهادتين )(٤) .

كما قال الشهيد الأوّل: ( المسلم: مَن أظهر الشهادتين، ولم يجحد ما عُلم ثبوته من الدين ضرورةً )(٥) .

____________________

١ - إسماعيل بن حمّاد الجوهري، الصحاح، ج٥، ص١٩٥٢.

٢ - محمد مرتضى الزبيدي، تاج العروس، ج ٨، ص٣٤٠.

٣ - محمد بن علي الصدوق، الهداية، ص٥٤.

٤ - جعفر بن الحسن الحلّي، شرائع الإسلام، ج٣، ص٦٣٢.

٥ - محمد بن مكي، الشهيد الأول، ذكرى الشيعة، ج١، ص٤٠٢.

١٤

ب - الكافر:

الكُفْرُ ( بالضمّ، ويُفتح ): ضدّ الإيمان.

وأصل الكُفر من الكَفْر ( بالفتح ) مصدر كَفَرَ بمعنى السَّتْر، وكذلك كَفَرَ بها يكْفُر ( كفوراً وكفراناً: جَحَدَها وسَتَرَها ).

كافَرَه حقَّه أي جَحَدَهُ، والمُكَفَّرُ كمُعظَّم: المجحودُ النعمة مع إحسانه.

وكافرٌ: جاحدٌ لأنعم الله تعالى، والجمع كُفَّار ( بالضمّ )، وكَفَرَةٌ محرّكة، وكِفارٌ ككِتاب.

المؤنث: كافِرَةٌ، جمعها كوافِرَ.

كَفَّار وكَفُور يعني كافر.

والكفّار أبلغ مِن الكفور(١) .

قال بعض أهل العلم: الكفر على أربعة أنحاء: كُفر إنكار ( بأن لا يعرف الله أصلاً ولا يعترف به )، وكُفر جحود، وكفر معاندة، وكفر نفاق مَن لقيَ ربَّه بشيء مِن ذلك لم يغفر له، ويغفر ما دون ذلك لمَن يشاء.

فأمّا كفر الإنكار، فهو يكفر بقلبه ولسانه، ولا يعرف ما يُذكر له مِن التوحيد.

وأمّا كفر الجحود، فأنْ يعترف بقلبه ولا يقرّ بلسانه، فهو كافر جاحد ككفر إبليس وكفر أُميّة بن أبي الصلت.

وأمّا كفر المعاندة، فهو أنْ يعرف الله بقلبه ويقر بلسانه، ولا يَدِين به حسداً وبغياً، ككفر أبي جهل وأضرابه.

وأمّا كفر النفاق، فأنْ يقر بلسانه، ويكفر بقلبه ولا يعتقد.

الكُفر صنفان: أحدهما: الكُفر بأصل الإيمان وهو ضدّه، والآخر: الكُفر بفرع مِن فروع الإسلام، فلا يخرج به عن أصل الإيمان(٢) .

____________________

١ - محمد مرتضى الزبيدي، ج٣، ص ٥٢٤ - ٥٢٥ - ٥٢٧.

٢ - جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور المصري، ج٥، ص ١٤٥.

١٥

أمَّا المعنى الاصطلاحي للكافر، فهو: مَن ينكر أو يشكّ في وجود الله أو وحدانيّته، أو نبوّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو المعاد يوم القيامة، أو ضرورة مِن ضروريات الدين كوجوب الصلاة وحرمة الخمر(١) .

وينقسم الكافر كتقسيم أوّلي إلى:

١ - الكافر الحربي: هو الكافر غير الكتابي، أو الكتابي(٢) الذي لم يتعهّد بشرائط الذمّة مطلقاً(٣) .

٢ - الكافر الذِّمِّي: مَن له كتاب كاليهود والنصارى أو شبهة كتاب كالمجوس، وقَبِلَ بشروط الذمّة مع المسلمين والتزم بها(٤) .

٣ - الكافر المستأمَن: هو الذي يدخل إلى دار الإسلام بأمان مؤقت ؛ لتجارة أو رسالة أو حاجة أو للإطلاع على الدين الإسلامي(٥) .

٤ - الكافر المعاهد: وهو ما يُعقد معه معاهدة صلح، أي يعقد المسلمون مع بلاد غير إسلامية معاهدة صلح، والذي يتولّى إبرامها وليّ الأمر أو مَن يمثّله(٦) .

____________________

١ - د أحمد، فتح الله، معجم ألفاظ الفقه الجعفري، ص ٣٤٣.

٢ - المقصود بالكتابي: مَن له كتاب، وهم اليهود والنصارى، ومَن له شبهة كتاب وهم المجوس.

٣ - الميرزا جواد، التبريزي، ج ١، ص ٤٤٨.

٤ - د أحمد، فتح الله، معجم ألفاظ الفقه الجعفري، ص ١٩٨.

٥ - الحسن بن يوسف المطهَّر الحلي، تذكرة الفقهاء، ج ٩، ص ٣٢٢ كذلك: أبي جعفر محمد بن الحسن بن علي، الطوسي، المبسوط في فقه الإمامية، ج٢، ص٤٢ كذلك: جعفر بن خضر بن شلال، الحلّي، كشف الغطاء، ج٢، ص ٣٩٦.

٦ - نجم الدين جعفر بن الحسن الحلّي، شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام، ج١، ص٢٣٥ كذلك: الحسن بن يوسف المطهَّر الحلّي، قواعد الأحكام، ج١، ص ٥١٦ وكذلك: أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد، ابن قدامة، المغني، ج١٠، ص٥٢٠.

١٦

المبحث الثاني:

أقسام غير المسلم وماهيَّته

١٧

تمهيد:

يُعتبر غير المسلمين داخل المجتمع الإسلامي أقلّية دينية، وهؤلاء يُقسَّمون حسب التصنيف الديني إلى: أهل كتاب ومَن يُلحق بهم، ومَن ليس لهم كتاب سماوي.

لكن قبل الشروع في هذا التقسيم والحديث عنه، نذكر وجْهة نظر الإسلام حول مفهوم الأقليّات كمقدّمة لهذا المبحث:

نظرة الإسلام إلى مفهوم الأقلّيات:

للإسلام نظرة مغايرة لمفهوم الأقلّية والأكثرية، فهو لا ينظر لبني الإنسان داخل المجتمعات الإسلامية، أنَّ هناك أقلّية وأكثرية مِن ناحية عددية أو دينية أو عِرقية إلخ، بل المعيار الوحيد الذي يذكره ويطرحه - بشكل موسّع - للأقلّية والأكثرية، هو معيار الحقّ فمَن يتبعه فهم الأقلية، ومَن يضادّه هم الأكثرية، وليس لهذين المصطلحَين مِن ذِكر إلاّ في هذا المضمار:( وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ ) (١) ،( وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ ) (٢) ،( وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ) (٣) ،( وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ) (٤) .

فالمسألة في نظر القرآن الكريم هي تحقّق العدالة للجميع، وإعطاءهم كافّة حقوقهم بصورة متساوية، والفَرق الوحيد داخل المجتمع هو اتِّباع الحقّ وعدمه.

وعليه فالإسلام لا يُفرِّق بين الناس مهما كانت فوارقهم اللُّغَوية والدينية، ومهما كانت عاداتهم وتقاليدهم، فكلّهم متساوون في الحقوق، وأمام القضاء، وأمام الدولة، ومع الناس الآخرين الذين يعيشون معهم في المجتمع،

____________________

١ - الأنعام: ١١٦.

٢ - المائدة: ١٠٣.

٣ - سبأ: ١٣.

٤ - المؤمنون: ٧٠.

١٨

فالحاكمية لله وحده( إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ ) (١) ، وذلك عِبر ما نزل في شريعةٍ مقدّسة وخاتمة لكلّ شرائعه السابقة.

أمّا مصطلح الأقلّية الدينية المطروح في المجتمع الإسلامي اليوم، فهو مصطلح معاصر تماشياً مع ما طُرح مِن معاهدات ومواثيق دولية، فدخلت في موسوعة الثقافة الإسلامية حديثاً، وإلاّ فالديانات الأخرى في المجتمع الإسلامي، هي ليست أقليّات حسب نظر الشرع الإسلامي، بل هم أهل ذمّة وعهْد، لهم أحكامهم وحقوقهم الكاملة طبقاً للشريعة المقدّسة، فلهم الحرّية الدينية في الالتزام بدياناتهم واعتقاداتهم ضمن شروط الذمّة فلولا هذه الشروط ؛ لتصدّع المجتمع بكامله وعمَّته الفوضى، واختلَّ النظام الاجتماعي هذا من الناحية الدينية.

أمَّا مِن ناحية اللغة أو اللون، فلا أقليّة في الإسلام مِن هذه الجهة، قال تعالى:( وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ ) (٢) ، فكل المجتمعات الإسلامية - بشتّى لُغاتها وألوانها - لا فرق فيما بينها في الشريعة المقدّسة بكلّ الحقوق والواجبات.

كذلك لا فرق في الأعراق والأقوام والقبائل في قاموس الإسلام:( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) (٣) فالتقوى واتّباع الحقّ هو معيار التكريم عنده عزّ وجلّ.

إذن ؛ فأصحاب الديانات الأخرى متساوون بالحقوق مع المسلمين، ولا يجوز إيذاءهم كما سيأتي في طيّات البحث إنشاء الله وعليه فلا يُطلق في الشريعة المقدّسة عليهم: أقليّة، بل أهل ذمّة، أو معاهدين، أو مستأمنين، لكنّ كلمة ( أقليّات دينية ) جاءت في الوقت الحاضر تماشياً مع المعاهدات والمواثيق الدولية.

____________________

١ - يوسف: ٤٠.

٢ - الروم: ٢٢.

٣ - الحجرات: ١٣.

١٩

المعنى اللُّغَوي للأقليّات:

كلمة الأقليّات - بصيغة النسبة - حديثة الاستعمال في اللغة العربية ؛ لذا فإنّ وجودها - بصيغة ( الأقليّات ) - في القواميس والمعاجم والموضوعات العربية قليل جداً.

ولكنّها استُعملت بتعريفات خاصّة بمؤسّسات دولية متخصّصة، تابعة لمنظّمة الأُمم المتّحدة أو منظّمات حقوق الإنسان.

وكلمة ( أقليّات ) اشتُقّت لغةً مِن مادّة ( قِلّة )، قليل مِن قليل، يقول السموءل مفاخراً:

تُعَيِّرُنا أَنّا قَليلٌ عَديدُنا

فَقُلتُ لَها إِنَّ الكِرامَ قَليلُ

المعنى الاصطلاحي:

ظهر مصطلح ( الأقليّات ) في الوقت المعاصر، حسب معايير عددية وسياسية، تأخذ بعين الاعتبار تطلّعات وآمال وأهداف الأقليّة مِن ناحية ( دينية أو عِرقية أو لُغوية ).

وبدأت التعريفات لهذا المصطلح من سنة ١٩٢٣م في ١٥ أيلول بخصوص شروط اكتساب الجنسية البولونية، حيث جاء في الرأي الاستشاري للمحكمة الدولية للعدْل الدولي، الصادر في ١٥/٩/١٩٢٣م، حول شروط اكتساب الجنسية البولونية، ما يلي:

( إنّ مصطلح الأقلّية يبدو أنّه يخص السكّان الذين يختلفون عن الشعب البولوني، من حيث العِرْق أو اللغة أو الدين، أي السكّان من أصل غير بولوني لهذه الأقاليم، سواء كانوا بولونيين أم لا )(١) .

وتوالت بعد ذلك التعريفات لهذا المصطلح ( الأقليّة ) عِبر المؤتمرات والمعاهدات الدولية، وآخرها تقريباً تعريف للموسوعة الإلكترونية ( ENCARTA ٢٠٠٥ )، وهو كما يلي:

____________________

. cavarel: Ledroit International puplic positif tome I ٣ ed. Editions apedone. Paris ١٩٧٣م p: ٣١٥ - (١)

٢٠