أئمة أهل البيت عليهم السلام في كتب أهل السنة

أئمة أهل البيت عليهم السلام في كتب أهل السنة0%

أئمة أهل البيت عليهم السلام في كتب أهل السنة مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الكوثر للمعارف الإسلاميّة
تصنيف: كتب متنوعة
الصفحات: 480

أئمة أهل البيت عليهم السلام في كتب أهل السنة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ حكمت الرحمة
الناشر: مؤسّسة الكوثر للمعارف الإسلاميّة
تصنيف: الصفحات: 480
المشاهدات: 67733
تحميل: 6782

توضيحات:

أئمة أهل البيت عليهم السلام في كتب أهل السنة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 480 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 67733 / تحميل: 6782
الحجم الحجم الحجم
أئمة أهل البيت عليهم السلام في كتب أهل السنة

أئمة أهل البيت عليهم السلام في كتب أهل السنة

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الكوثر للمعارف الإسلاميّة
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

المعنى أشار علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) في احتجاجه على القوم يوم الشورى، فقد أخرج الدارقطني: أنّ عليّاً يوم الشورى احتجّ على أهلها، فقال لهم: ( أنشدكم بالله هل فيكم أحد أقرب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الرحم منّي، ومَن جعله صلّى الله عليه وسلّم نفسه وأبناءَه أبناءَه، ونساءَه نساءَه غيري )، قالوا اللّهم لا، الحديث (1) .

* الثالث: في بيان معطيات آية المباهلة:

لا يرتاب أحد ولا يشكّ ذو لبّ بأنّ الآية تعطي منقبة عليَّة ومزيّة جليّة للأربعة من أصحاب الكساء ( عليهم السلام )، فهم صفوة الصفوة ولباب اللباب والخيرة الخيّرة من عامّة المسلمين بعد النبي محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ).

اختارهم الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) من بين أمّته - بأمر من الله - ليباهل بهم الكفر والنفاق وليثبّت بهم الحقّ الحقاق.

دعاهم لقضيّة هي من أهمّ القضايا، ولأمرٍ غاية في الخطورة، ولمسألة يهتزّ لها الكون، إنّها إثبات أحقِّيَّة الإسلام، الدعاء والابتهال من أجل إظهار الحقّ وخذلان معانديه.

فمَن - يا ترى - الذي سيُظهر الحقّ بدعائه وعلى يديه؟ ومَن سيقف في الخندق الأوّل ويدعو ويبتهل لإبقاء راية الإسلام خفّاقة مرفرفة فوق الجميع؟

لا ريب أنّ الرسول سيختار صفوة الأمّة وخيرتها، سيختار قلوباً تتفتّح أبواب السموات بدعائها، سيختار أنفساً طاهرة لا تعرف في داخلها شيئاً

____________________

(1) الصواعق المحرقة: 239، دار الكتب العلميّة.

٤١

سوى الله، فكانت صفوة الأولاد متمثّلة بأولاد النبي محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم )، الحسن والحسين، ولو كان مَن هو بمقامهما لدعاه معهما، وكانت صفوة النساء متمثّلة بفاطمة الزهراء، ولو كانت هناك مَن تماثلها لدعاها، مع أنّه ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) كان تحته عدّة زيجات، وكانت نفس النبي المتّصفة بصفاته هي نفس علي ( عليه السلام )؛ فدعاه، ولو كان له مماثل لدعاه أيضاً، هكذا أمر الله، وهكذا امتثل رسولُه.

صورة جليّة، ومقام كبير شامخ، ووصيّة أوصاها الرسول لأمّته، هي النخبة التي ضمّها في الكساء، هي النخبة التي باهل بها!! سبحان الله! طفلان، يحتضن الرسول أحدهما ويمسك بيد الآخر، امرأة تسير خلفهما، قطب الرحى وحلقة الوصل بين النبوّة والإمامة، ورجل من خلفها يمثّل الخلافة السامية بعد النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ). بهذه الكيفيّة خرج الرسول مباهِلاً، منظر اهتزّت له السموات والأرض وانذعر منه النصارى وارتعدتْ مفاصلهم، وكادوا يهلكون؛ فرفضوا المباهلة وصالحوا، ولو باهلوا لَمَا بقي لهم ذكر إلى يوم القيامة.

فضيلة لا تدانيها فضيلة، ومنزلة يعجز القلم عن وصفها وبيانها، لا ينكرها إلاّ مكابر ومعاند؛ لذا أقرّ بها المؤالف والمخالف، وهذا الزمخشري يعدّها دليلاً لا شيء أقوى منه على فضيلتهم فيقول في تفسيره: ( وفيه دليل لا شيء أقوى منه على فضل أصحاب الكساء ( عليهم السلام ) ) (1) .

و في الآية المباركة دلالة واضحة على عظم مقام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام )، فهو نفس الرسول الكريم ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بنصّ هذه الآية، وحيث لا

____________________

(1) تفسير الكشّاف: 1، 370.

٤٢

يمكن أنْ يكون هو النفس حقيقةً لمحمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فتعيّن أنْ يكون أقرب المجاز إلى الحقيقة، يعني المماثلة في الصفات والمقامات الثابتة للنبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) عدا ما ثبت اختصاصه به صلّى الله عليه وآله، كالنبوّة وأفضليّته على الخلق بما فيهم علي ( عليه السلام )، وما شابه ذلك من مختصّاته، وتبقى صفات النبي الأخرى ثابتة لعلي ( عليه السلام ) بنصّ هذه الآية كالعصمة، والأفضليّة على الصحابة أجمع، والخلافة والولاية بعد النبي وغير ذلك.

* الآية الثالثة: آية المودّة:

( قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيهِ أَجْرَاً إِلاّ المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى ) (1) .

يقع الكلام في هذه الآية على أمرين:

الأوّل: في دلالتها.

الثاني: في المراد من القربى.

* الأمر الأوّل:

دلّت الآية المباركة على وجوب مودّة ومحبّة قرابة النبي وعترته، وعلى ذلك إجماع الشيعة الإمامية؛ استناداً إلى الروايات المتظافرة عن أهل بيت العصمة والطهارة، ووافقهم على ذلك جملة من علماء وأعلام أهل السنّة (2) .

- قال الثعلبي في تفسيره: ( وقال بعضهم: معناه إلاّ أنْ تودّوا قرابتي وعترتي

____________________

(1) الشورى: 23.

(2) ينبغي الالتفات إلى أنّ وجوب مودّة آل البيت هي ضرورة إسلاميّة متّفق عليها بين المسلمين بكلّ طوائفهم، لكنّ الخلاف هل أنّ هذه الآية أحد الأدلّة على ذلك أم لا؟ فأجمعت الشيعة على أنّها أحد أدلّة ذلك، ووافقهم جملةٌ من علماء أهل السنّة عليه.

٤٣

وتحفظوني فيهم، وهو قول سعيد بن جبير وعمرو بن شعيب ) (1) ، إلى أنْ قال في آخر بحثه عن الآية: ( والدليل على صحّة مذهبنا فيه ما أخبرنا... )، وأخرج حديثاً بسنده إلى جرير بن عبد الله البجلي، قال: ( قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ( مَن مات على حبّ آل محمّد مات شهيداً، أَلاَ ومَن مات على حبّ آل محمّد مات مغفوراً له، أَلاَ ومَن مات على حبّ آل محمّد مات تائباً، أَلاَ ومَن مات على حبّ آل محمّد مات مؤمناً مستكمل الإيمان، أَلاَ ومَن مات على حبّ آل محمّد بشّره ملك الموت بالجنّة ثمّ منكر ونكير، أَلاَ ومَن مات على حبّ آل محمّد جعل الله زوّار قبره ملائكة الرحمان، أَلاَ ومَن مات على حبّ آل محمّد فتح له في قبره بابان من الجنّة، أَلاَ ومَن مات على بغض آلِ محمّد جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه آيس من رحمة الله، أَلاَ ومَن مات على بغض آل محمّد مات كافراً، أَلاَ ومَن مات على بغض آل محمّد لم يشم رائحة الجنّة ) ) (2) .

و هذا الحديث أورده الثعلبي كدليل على صحّة رأيه في الآية، ممّا يدل على أنّه معتمد عليه عنده.

كما أنّ الزمخشري قد أرسل هذه الرواية إرسال المسلّمات في تفسيره ونقل الرواية بقوله: (قال رسول الله... )، ممّا يدلّ على اعتقاده وجزمه بصحّة ما نقله عن الرسول الأكرم ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) (3) .

____________________

(1) تفسير الثعلبي: 8، 310، دار إحياء التراث.

(2) تفسير الثعلبي: 8، 314، دار إحياء التراث.

(3) انظر: ( تفسير الكشّاف ) للزمخشري: 4، 220، ونقله عنه القرطبي في تفسيره ( الجامع لأحكام القرآن ): 16 / 22، دار الكتاب العربي.

٤٤

- وقال الفخر الرازي في المسألة الثالثة من مسائله حول هذه الآية: ( آل محمّد هم الذين يؤول أمرهم إليه، فكلّ مَن كان أمرهم إليه أشد وأكمل كانوا هم الآل، ولا شكّ أنّ فاطمة وعليّاً والحسن والحسين كان التعلّق بينهم وبين رسول الله أشدّ التعلّقات وهذا كالمعلوم بالنقل المتواتر فوجب أنْ يكونوا هم الآل، وأيضاً اختلف الناس في الآل فقيل هم الأقارب وقيل هم أمّته، فإنْ حملناه على الأمّة الذين قبلوا دعوته فهم أيضاً آل، فثبت أنّ على جميع التقديرات هم الآل، وأمّا غيرهم فهل يدخلون تحت لفظ الآل؟ فمختلف فيه (1) .

- وروى صاحب الكشّاف: ( أنّه لمّا نزلت هذه الآية قيل يا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مَن قرابتك هؤلاء الذين وجبتْ علينا مودّتهم؟

فقال: ( علي وفاطمة وابناهما )، فثبت أنّ هؤلاء الأربعة أقارب النبي صلّى الله عليه وسلّم، وإذا ثبت هذا وجب أنْ يكونوا مخصوصين بمزيد التعظيم، ويدلّ عليه وجوه:

( الأوّل ): قوله تعالى: ( إِلاّ المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى ) ، ووجه الاستدلال به ما سبق.

( الثاني ): لا شكّ أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يحبّ فاطمة عليها السلام، قال صلّى الله عليه وسلّم: ( فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما يؤذيها )، وثبت بالنقل المتواتر أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يحبّ عليّاً والحسن والحسين، وإذا ثبت ذلك وجب على كلّ الأمّة مثله؛ لقوله: ( واتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) ، ولقوله تعالى: ( فَلْيَحْذَرِ الّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِه ِ ) ، ولقوله: ( إنْ

____________________

(1) وسيأتي منّا في الأمر الثاني حول هذه الآية بيان معنى الآل فانتظر.

٤٥

كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فاتّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ ) ، ولقوله سبحانه وتعالى: ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهَ أُسْوَةٌ حَسَنةٌ ) .

(الثالث): إنّ الدعاء للآل منصب عظيم؛ ولذلك جعل هذا الدعاء خاتمة التشهّد في الصلاة وهو قوله: اللّهم صلّ على محمّد وآل محمّد وارحم محمّداً وآل محمّد، وهذا التعظيم لم يوجد في حقّ غير الآل، فكلّ ذلك يدلّ على أنّ حبّ آل محمّد واجب.

وقال الشافعي رضي الله عنه:

يا راكِباً قِف بِالمُحَصَّبِ مِن مِنىً

وَاِهتِف بِساكِنِ خَيفِها وَالناهِضِ

سَحَراً إِذا فاضَ الحَجيجُ إِلى مِنىً

فَيضاً كَما نظم الفُراتِ الفائِضِ

إِنْ كانَ رَفضاً حُبُّ آلِ مُحَمَّدٍ

فَليَشهَدِ الثَقَلانِ أَنّي رافِضي ) (1) .

- وقال الشيخ أحمد الرفاعي الشافعي (2) في ( البرهان المؤيّد ): ( و نوّروا كلّ قلب من قلوبكم بمحبّة آله الكرام ( عليهم السلام )، فهم أنوار الوجود اللامعة، وشموس السعود الطالعة. قال تعالى: ( قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيهِ أَجْرَاً إِلاّ المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى ) .

وقال (3) ( الله الله في أهل بيتي ).

____________________

(1) تفسير الفخر الرازي: مجلد14، ج27، ص167، دار الفكر.

(2) قال ابن العماد الحنبلي في ( شذرات الذهب ) عند ذكره لحوادث وفيات ( 578 هـ ): ( وفيها توفّي الشيخ الزاهد القدوة أبو العبّاس أحمد بن علي بن أحمد بن يحيى بن حازم بن علي بن رفاعة، الشيخ الكبير الرفاعي البطائحي... كان شافعي المذهب، فقيه ).

وقال عنه اليافعي في ( مرآة الزمان ) في حوادث سنة ( 578 ): (... شيخ الشيوخ الذي ملأتْ شهرته المشارق والمغارب، تاج العارفين وإمام المعرفين، ذي الأنوار الزاهرة والكرامات الباهرة، والمقامات العليّة والأحوال السَنية، والبركات العامّة والفضائل الشهيرة بين الخاصّة والعامّة، أحمد بن أبي الحسن الرفاعي... ).

(3) يعني الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله.

٤٦

مَنْ أراد الله به خيراً ألزمه وصيّة نبيّه في آله، فأحبّهم واعتنى بشأنهم وعظّمهم وحماهم وصان حماهم، وكان لهم مراعياً ولحقوق رسوله فيهم راعياً، المرء مع مَن أحبَّ، ومَن أحبَّ اللهَ أحبَّ رسولَ الله، ومَن أحبَّ رسولَ الله أحبَّ آلَ رسول الله، ومَن أحبَّهم كان معهم وهم مع أبيهم، قدَّموهم عليكم ولا تقْدِموهم، وأعينوهم وأكرموهم يعود خير ذلك عليكم ) (1) .

- و قال الشيخ حسن بن علي السقاف في ( صحيح شرح العقيدة الطحاوية ): ( محبّة آل بيت رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فريضة عقائديّة من الله تعالى على كلّ مسلم ومؤمن، والدليل عليها من القرآن قوله تعالى: ( قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيهِ أَجْرَاً إِلاّ المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى ) . وأشار في هامشة على هذه الآية إلى قضيّة حسّاسة جدّاً وهي إدخاله عدداً كبيراً من علماء أهل السنّة في دائرة النصب والبغض لآل البيت (عليهم السلام ) فقال: (و قد زعم النواصب أعداء النبي وآل بيته الأطهار أنّ المراد بلفظ ( القربى ) هو الطاعة التي هي بمعنى ( القربة ) ليحرْفوا الناس عن فَهْم القرآن باللغة التي أنزله الله تعالى به، بقصد صرف الناس عن محبّة آل البيت!! فلا تغفل عن هذا! ) (2) .

أقول: والسقاف من علماء أهل السنّة، فلا تغفل عن هذا!

* الأمر الثاني: في المراد من القربى:

عُلِم ممّا سبق أنّ دلالة الآية على وجوب محبّة آل محمّد عليها إجماع الشيعة الإماميّة، وبه قال سعيد بن جبير وعمرو بن شعيب وجملة من علماء

____________________

(1) البرهان المؤيّد: 1 / 25، نشر دار الكتاب النفيس، بيروت.

(2) صحيح شرح العقيدة الطحاوية: 653، دار الإمام النووي، الأردن.

٤٧

أهل السنّة، بل إنّ السقاف يرى أنّ مَن يقول بغير ذلك فهو مبغض معادٍ لآل البيت، ويرى أنّ اللغة التي نزلتْ بها الآية صريحة في المطلوب.

بقي الكلام في تشخيص المراد من آل البيت ( عليه السلام )، وما يهمّنا في المقام هو التشخيص الشرعي لهذه الكلمة، سواء كان موافقاً للمعنى اللغوي أمْ أخصّ منه، والمتابِع للروايات الشريفة يلحظ بجلاء أنّ النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) استعمل لفظ الآل والأهل والعترة في معنى واحد وهم محمّد وآله الكرام المخصوصون، فنلاحظ - مثلاً - يوصي بالثقلين ويقول: ( إنّي تارك فيكم ما إنْ تمسّكتم به لنْ تضلّوا بعدي. .. كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي ) (1)، فالعترة هنا هم أهل بيت النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم )، وتقدّم فيما سبق أنّ المراد من أهل البيت هم: محمّد وعلي وفاطمة والحسن والحسين، وعرفنا أنّ هؤلاء اختصّت بهم آية التطهير، وهم الذين خرجوا لمباهلة نصارى نجران، وسيأتي من بعض علماء أهل السنّة التصريح بأنّ المراد من العترة في حديث الثقلين هم الخمسة أصحاب الكساء.

وكما دلّت الروايات على أنّ أهل البيت هم عترة النبي كذا دلّت على أنّهم آله الكرام، فقد تقدّم في ضمن أحاديث الكساء:

- ما أخرجه أحمد بن حنبل بسنده إلى شهر بن حوشب عن أمّ سلمة: ( أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لفاطمة: ( ائتني بزوجك وابنَيك، فجاءت بهم فألقى عليهم كساء فدكيّاً، قال: ثمّ وضع يده عليهم ثمّ قال: اللّهم إنّ هؤلاء آل محمّد فاجعل صلواتك

____________________

(1) سيأتي فيما بعد التحدّث عن حديث الثقلين بنوع من التفصيل.

٤٨

وبركاتك على محمّد وعلى آل محمّد إنّك حميد مجيد، قالت أمّ سلمة: فرفعتُ الكساء لأدخل معهم فجذبه مِن يدي وقال: إنّك على خير ) ) (1) فالحديث دالّ بالصراحة على أنّ أصحاب الكساء هم آل محمّد، وهم محمّد وعلي وفاطمة والحسن والحسين.

- وقد صرّح الحاكم النيسابوري في المستدرك : بأنّ الآل وأهل البيت هم واحد، فقد أخرج بسنده إلى عبد الرحمان بن أبي ليلى، قال: ( لقيني كعب بن عجرة فقال: أَلاَ أهدي لك هديّة سمعتها من النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ).

قلت: بلى.

قال: فأهدها إليّ.

قال: سألْنا رسول الله كيف الصلاة عليكم أهل البيت.

قال فقولوا: ( اللّهم صلِّ على محمّد وعلى آل محمّد كما صلّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد، اللّهم بارك على محمّد وعلى آل محمّد كما باركتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد ) ) (2) .

فالسؤال كان عن كيفيّة الصلاة عليكم أهل البيت ووقع الجواب: قولوا: اللّهم صلِّ على محمّد وعلى آل محمّد...، فالسؤال عن الأهل والجواب بلفظ الآل؛ ولذا فإنّ الحاكم تنبّه لهذا المضمون، فأخرج هذا الحديث في مستدركه مع أنّه موجود في صحيح البخاري، فعلّق ليرفع اللبس عن القارئ، قائلاً: وقد روى هذا الحديث بإسناده وألفاظه حرفاً بعد حرف الإمامُ محمّد بن إسماعيل البخاري عن موسى بن إسماعيل في الجامع الصحيح، وإنّما أخرجتُه ليعلم المستفيد أنّ أهل البيت والآل جميعاً هم (3) .

____________________

(1) مسند أحمد: 18 / 314، حديث رقم: (26625)، دار الحديث، القاهرة.

(2) مستدرك الحاكم: 3 / 148، دار المعرفة، وانظر: ( صحيح البخاري ): 4 / 118، دار الفكر.

(3) مستدرك الحاكم: 3 / 148، دار المعرفة.

٤٩

فتلخّص أنّ الآل والأهل والعترة عناوين لمصداق واحد، وهم: علي وفاطمة والحسن والحسين، وعرفنا أنّ الآية دلّت على وجوب محبّة آل البيت، فيتعيّن حينئذ أنّ القربى في الآية هم الأربعة الذين ضمّهم النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) معه في الكساء.

ولعمري! لو أنصف كلُّ باحث في بحثه، لعرف بلا أدنى شكّ أنّ هؤلاء الأربعة لهم عناية ربّانية خاصّة، ومقام إلهي منقطع النظير، ولا يشكّ المتأمّل - خصوصاً عند ضمّ الآيات والروايات إلى بعضها البعض - بأنّ هؤلاء هم المحور الذي أراد الرسول من المسلمين أنْ يلتفوا حوله، ويستلهموا من نهجه، وأنّ النجاة وطريق السعادة الإلهيّة لا تحصل إلاّ بمحبّتهم، والتمسّك بمنهجهم، والسير وِفق طريقتهم، فماذا يعني نزول آية التطهير المساوقة للعصمة في حقّهم؟ وماذا يعني الخروج بهم لمباهلة الكفّار، مع وجود الصحابة والأزواج؟ وماذا يعني وجوب محبّتهم؟ وماذا يعني وجوب الصلاة عليهم؟ بل وماذا يعني وجوب التمسّك بهم الوارد في حديث الثقلين، وغيرها الكثير الكثير من الآيات والروايات التي تفضي إلى نتيجة قطعيّة بوجوب اتّباعهم ( عليهم السلام ).

إذن، تلخّص أنّ الآية دلّت على وجوب مودّة ومحبّة قربى النبي، وهم آل بيته الأربعة أصحاب الكساء، وعلى هذا المعنى دلّت روايات خاصّة أيضاً:

- فقد أخرج أحمد والطبراني وغيرهما، بسندهم إلى ابن عبّاس، قال: ( لمّا نزلت ( قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيهِ أَجْرَاً إِلاّ المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى ) قالوا: يا رسول الله، مَن قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودّتهم؟

قال: ( علي وفاطمة وابناهما

٥٠

رضي الله عنهم ) (1) .

كما أورد الرواية محمّد بن طلحة الشافعي (2) وصحّحها في كتابه ( مطالب السؤول في مناقب آل الرسول ) (3) .

وأوردها أحمد بن عبد الله الطبري في كتابه ( ذخائر العقبى ) وجعلها دليلاً على أنّ المراد من الآية هم: علي وفاطمة وولداهما (4) .

وأوردها ابن حجر الهيتمي في ( صواعقه ) وعقّب عليها في معرض مناقشته للسند قائلاً: ( وفي سنده شيعي غالٍ لكنّه صدوق ) (5) ، فهو يعترف باعتبار الرواية من جهته؛ لأنّه صدوق.

إذن، فالرواية معتبرة عند بعض علماء أهل السنّة ولا غبار عليها.

- ومن جملة الروايات الخاصّة أيضا ً ما ورد صحيحاً عن رابع أصحاب الكساء السبط الشهيد الحسن بن علي ( عليه السلام )، فقد أخرج الطبراني بسنده إلى أبي الطفيل خطبة الإمام الحسن بعد شهادة أبيه علي بن أبي طالب ( عليه السلام )، من جملتها: ( ثمّ أخذ في كتاب الله فقال: أنا ابن البشير، وأنا ابن النذير، وأنا ابن النبي، وأنا ابن الداعي إلى الله بإذنه، وأنا ابن السراج المنير، وأنا ابن الذي أُرسل

____________________

(1) فضائل الصحابة: 2 / 669، مؤسّسة الرسالة، وجاءت الرواية بلفظ: ( مَن قرابتنا هؤلاء. .. )، والمعجم الكبير: 11 / 351، دار إحياء التراث.

(2) قال عنه السبكي في ( طبقات الشافعيّة الكبرى ): تفقّه وبَرَع في المذهب... وكان من صدور الناس، انظر: الطبقات: 8، 63.

(3) مطالب السؤول: 1 / 38.

(4) انظر: ( ذخائر العقبى ): 25، عن نسخة دار الكتب المصريّة.

(5) الصواعق المحرِقة: 259، دار الكتب العلميّة.

٥١

رحمةً للعالمين، وأنا من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، وأنا من أهل البيت الذين افترض الله عزّ وجل مودّتهم وولايتهم، فقال فيما أنزل الله على محمّد صلّى الله عليه وسلّم: ( قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيهِ أَجْرَاً إِلاّ المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى ) ) (1) .

وأورد الحديث الهيثمي في ( مجمع الزوائد ) وعلّق عليه قائلاً: ( رواه الطبراني في الأوسط والكبير باختصار... وأبو يعلى باختصار، والبزّار بنحوه... ورواه أحمد باختصار كثير وإسناد أحمد وبعض طرق البزار والطبراني في الكبير حِسان ) (2) .

وأورده ابن حجر الهيتمي في صواعقه، وقال: ( وأخرج البزّار والطبراني عن الحسن رضي الله عنه من طرق بعضها حسن ) (3) .

فالرواية إذن، معتبرة. ولو لم تكن آية المودّة مختصّة بالأربعة من أصحاب الكساء، وكانت شاملة للكثير من غيرهم، لَمَا كان هناك أيّ مبرّر لأنْ يفتخر بها الإمام الحسن ( عليهم السلام ).

- ومن الشواهد على اختصاص الآية بالأربعة ما أخرجه الحاكم وحسّنه بسنده إلى أبي هريرة قال: ( نظر النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) إلى علي وفاطمة و الحسن والحسين فقال: ( أنا حربٌ لِمَنْ حاربكم، وَسِلْمٌ لِمَنْ سَالَمَكُم ) ).

____________________

(1) المعجم الأوسط: 2 / 337، دار الحَرَمَين، القاهرة.

(2) مجمع الزوائد: 9 / 146، دار الكتب العلميّة، بيروت.

(3) الصواعق المحرِقة: 259، دار الكتب العلميّة.

٥٢

قال الحاكم: ( هذا حديث حسن )، وأقرّه الذهبي في التلخيص (1) .

- و ذكر الحاكم حديثاً يشهد بصحّة ما تقدم فقال: وله شاهد عن زيد بن أرقم، وسلسل السند إلى زيد عن النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) أنّه قال لعلي وفاطمة والحسن والحسين: ( أنا حرب لمَن حاربتم، وسلم لمن سالمتم )، ونقله الذهبي في التلخيص بعنوان شاهد أيضاً (2) .

فالرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) خصّ هؤلاء الأربعة، وجعل حربهم حرباً لنفسه الطاهرة وهي حرب للإسلام، والسِلْم معهم سِلْماً مع نفسه الشريفة ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وهي سِلْم للإسلام، وسيأتي التعرّض للحديث لاحقاً إنْ شاء الله.

كما يؤيّد ما ذهبنا إليه كلُّ الروايات الواردة في محبّة علي وفاطمة والحسن والحسين، وهي كثيرة شهيرة، وسيأتي التعرّض لبعضها في المباحث القادمة إنْ شاء الله تعالى.

* الآية الرابعة: آية الولاية: ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) .

تُعدّ هذه الآية أحد أدلّة الشيعة الإماميّة على أنّ الخلافة بعد النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم )

____________________

(1) المستدرك على الصحيحَين: 3 / 149، دار المعرفة، وبهامشه تلخيص الذهبي، وأخرج هذا الحديث أحمد في ( مسنده ): 2 / 442، دار صادر، وابن أبي شيبة في ( مصنّفه ) عن طريق زيد: 7 / 512، دار الفكر، وابن حبّان كذلك في ( صحيحه): 15 / 434، مؤسّسة الرسالة، والطبراني في (المعجم الكبير) بكلا الطريقَين: 3 / 40، دار إحياء التراث، نشر مكتبة ابن تيمية، وغيرهم.

(2) المستدرك على الصحيحَين: 3 / 149، دار المعرفة وبهامشه تلخيص الذهبي.

٥٣

تكون لعلي بن أبي طالب، ورواياتهم متواترة بأنّ الآية الشريفة نزلتْ حينما تصدّق أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بخاتمه على السائل، وهو في أثناء الصلاة وفي حال الركوع، لكن وطبقاً لمنهجنا في هذا الكتاب، وهو الالتزام في الاستدلال بما ورد في كتب أهل السنّة وصحّ عندهم؛ لذا لابدّ من النظر إلى سبب نزول هذه الآية عندهم، ثمّ بعد ذلك نبيّن دلالتها على خلافة علي ( عليه السلام )، فالكلام يقع في أمرين:

الأول: في سبب نزول هذه الآية.

الثاني: في دلالتها على الخلافة.

* أمّا الأوّل:

فقد دلّت أقوال بعض الصحابة، والتابعين والعلماء، من أهل التفسير والحديث، على أنّ الآية نزلت في علي ( عليه السلام ) في تلك القضيّة الخاصّة وعلى ذلك الروايات المستفيضة أيضاً.

- قال الثعلبي في تفسير ( الكشف والبيان ): ( قال ابن عبّاس، وقال السدي، وعتبة بن حكيم، وثابت بن عبد الله: إنّما يعني بقوله: ( وَالذِينَ آمَنُوا الذِينَ يُق ِ يمُونَ الصّ َ لاةَ ) الآية، علي بن أبي طالب ( رضي الله عنه )، مرّ به سائل، وهو راكع في المسجد وأعطاه خاتمه ) (1) .

- و قال ابن الجوزي في ( زاد المسير ) بعد أنْ ذكر القول الأوّل في المسألة وهو أنّ الآية نزلت في علي بن أبي طالب، وذكر إحدى الروايات الدالّة على ذلك، قال: ( و به قال مقاتل، وقال مجاهد: نزلت في علي بن أبي طالب

____________________

(1) تفسير الثعلبي: 4 / 80، تفسير آية: 50، من سورة المائدة.

٥٤

تصدّق وهو راكع ) (1) .

فاتّضح من قول الثعلبي وابن الجوزي أنّ ابن عبّاس، والسدّي، وعتبة بن حكيم، وثابت بن عبد الله، ومقاتل، ومجاهد، كلّهم يقولون بأنّ الآية نزلت في علي ( عليه السلام )، وإلى هذا القول ذهب بعض العلماء أيضاً:

- قال أبو جعفر الإسكافي (2) ( ت: 240 هـ ) في ( المعيار والموازنة ): ( و فيه نزلت: ( إنّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالذِينَ آمَنُوا الذِينَ يُق ِ يمُونَ الصّ َ لاةَ ويُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) ، تصديقاً لقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ( مَن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه )، إذ قرن الله ولايته بولاية رسوله ) (3) .

كما نلاحظ أنّ الزمخشري لم يُفصح عن سبب نزول الآية، ممّا ينبئ عن حيرته في المسألة؛ لذا نسب ذلك إلى ( القِيل )، فقال في تفسيره ( الكشّاف ): ( و قيل... وأنّها نزلت في عليّ كرّم الله وجهه حين سأله سائل، وهو راكع في صلاته فطرح له خاتمه كأنّه كان مرجاً (4) ، في خنصره، فلم يتكلّف لخلعه كثير عمل تفسد بمثله صلاته )، ثمّ أجاب عن إشكالٍ حاصله: كيف تكون الآية نازلة في علي وهو مفرد مع أنّ الآية جاءت بلفظ الجمع؟

فقال: ( فإنْ قلتَ:

____________________

(1) زاد المسير: 2 / 292، دار الفكر، بيروت.

(2) قال عنه الذهبي: ( و هو العلامة أبو جعفر محمّد بن عبدالله السمرقندي ثم الإسكافي المتكلم وكان أعجوبة في الذكاء، وسعة المعرفة مع الدين والتصون والنزاهة ). انظر: ( سير أعلام النبلاء ): 10 / 550، مؤسّسة الرسالة.

(3) المعيار والموازنة: 228.

(4) كأنّه كان مرجاً: أي قلقاً غير ثابت.

٥٥

كيف صحّ أنْ يكون لعلي رضي الله عنه واللفظ لفظ جماعة؟ قلتُ: جيء به على لفظ الجمع وإنْ كان السبب فيه رجلاً واحداً؛ ليرغب الناس في مثل فعله فينالوا مثل ثوابه، ولينبّه على أنّ سجيّة المؤمنين يجب أنْ تكون على هذه الغاية من الحرص على البرّ والإحسان وتفقّد الفقراء، حتّى إنْ لزمهم أمر لا يقبل التأخير وهم في الصلاة لم يؤخّروه إلى الفراغ منها (1) ). وهذا يكشف عن أنّ القول عند الزمخشري له وجه وجيه وأنّ هكذا إشكال لا يَرِدُ عليه.

- وقال الجصّاص في ( أحكام القرآن ): ( و قوله تعالى ( ويُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) يدلّ على أنّ صدقة التطوّع تسمّى زكاة؛ لأنّ عليّاً تصدّق بخاتمه تطوّعاً... ) (2) .

- وقال الآلوسي في تفسيره: (وغالب الإخباريّين على أنّها نزلت في عليّ كرّم الله وجهه... ) (3) . وقال في موضع آخر: ( والآية عند معظم المحدّثين نزلت في عليّ كرّم الله وجهه... ) (4) .

والروايات متظافرة مستفيضة، نذكر للقارئ طرفاً منها:

- فقد أخرج الخطيب في المتّفق عن ابن عبّاس قال: ( تصدّق عليٌّ بخاتمه وهو راكع، فقال النبي للسائل: ( مَن أعطاك هذا الخاتم؟ )

قال: ذاك الراكع، فأنزل

____________________

(1) تفسير الكشّاف: 1 / 649، تفسير الآية: 55، من سورة المائدة.

(2) أحكام القرآن: 2 / 558، دار الكتب العلميّة.

(3) تفسير روح المعاني: 6 / 167، دار إحياء التراث العربي.

(4) المصدر نفسه: 6 / 186.

٥٦

الله ( إنّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ ) ) (1) .

- وأخرج الحاكم بسنده إلى علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) قال: ( نزلت هذه الآية على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ( إنّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالذِينَ آمَنُوا الذِينَ يُق ِ يمُونَ الصّ َ لاةَ ويُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) ، فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ودخل المسجد والناس يصلّون بين راكع وقائم، فصلّى فإذا سائل، قال: يا سائل أعطاك أحدٌ شيئاً؟ فقال: لا، إلاّ هذا الراكع ( لعلي ) أعطاني خاتماً ) (2) .

- وأخرج ابن مردويه بسنده إلى ابن عبّاس قال: ( كان علي بن أبي طالب قائماً يصلّي، فمرّ سائل وهو راكع فأعطاه خاتمه فنزلت ( إنّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ ) الآية ) (3) .

- وأخرج ابن أبي حاتم بسنده إلى سلمة بن كهيل، قال: ( تصدّق علي بخاتمه وهو راكع، فنزلت ( إنّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ ) الآية ) (4) .

و الروايات مستفيضة كما قلنا، والملاحظ أنّ ابن حجر العسقلاني في تخريجه لروايات تفسير ( الكشّاف للزمخشري ) أخرج رواية ابن أبي حاتم، وابن مردويه والحاكم، ولم يقدح في سندهما، مع أنّه أخرج غيرهما وقدح في سنده، ممّا يدلّ على قبوله بما ذكر (5) .

____________________

(1) الدر المنثور للسيوطي: 3 /104، دار الفكر.

(2) معرفة علوم الحديث: 102، دار الآفاق الجديدة.

(3) تفسير ابن كثير: 2 / 74، دار المعرفة.

(4) الدر المنثور للسيوطي: 3 / 105، دار الفكر.

(5) تفسير الكشّاف: 1 / 649، الحاشية.

٥٧

ومهما يكن من أمر؛ فإنّ خبر تصدّق علي بالخاتم في أثناء الركوع له طرق متعدّدة يعضد بعضها بعضاً؛ ولذا فإنّ السيوطي في ( لباب النقول ) بعد أنْ ذكر عدّة طرق للرواية، قال: ( فهذه شواهد يقوّي بعضها بعض ) (1) .

فالحادثة - إذن - ثابتة والآية نازلة في علي بن أبي طالب ( عليه السلام ).

و في ذلك أنشأ حسّان بن ثابت قائلاً:

أبا حسنٍ تفديك نفسي ومُهجتي

وكلُّ بطيء في الهدى ومُسارِعِ

أَيَذْهَبٌ مَدحي والمحبر ضائعاً

وما المدح في جنب الإله بضائعِ

وأنتَ الذي أعطيتَ إذْ كنتَ راكِعاً

زكاة فدتك النفس يا خيرَ راكعِ

فأنزل فيكَ الله خيرَ ولايةٍ

فبيَّنها في نيّرات الشرائعِ (2)

* الأمر الثاني: في دلالتها على الخلافة:

دلّت الآية الكريمة على حصر الولاية في ثلاثة وهم: الله، ورسوله، والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون، وهو علي بن أبي طالب ( عليه السلام )، وتقدّم الجواب من قبل الزمخشري كيف أنّ المراد واحد واللفظ القرآني جاء بصيغة الجمع، وهناك أجوبة أخرى تعرّض لها العلماء، ليس غرضنا بحثها والتعرّض لها، بل فقط أحببنا التنويه إلى أنّ هذا الإشكال غير وارد.

فلابدّ أنْ نصبّ الكلام على معنى كلمة ( وليّكم ) الواردة في الآية، وعند النظر في القرائن المحيطة بالآية يتّضح أنّ المراد من الولي هنا هو: مَنْ له حقّ

____________________

(1) لباب النقول: 81، دار الكتب العلمية.

(2) انظر: ( شواهد التنزيل ) للحاكم الحسكاني: 1، 236، و( نظم درر السمطين ): 88.

٥٨

التصرّف في شؤون الأمّة الإسلاميّة، من قبيل ما جاء في حقّ الرسول الأكرم ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ( النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ. .. ) [ الأحزاب: 6 ]، فهذه الأولويّة الثابتة لرسول الله، ثابتة لعلي بن أبي طالب ( عليه السلام ) بموجب هذه الآية الكريمة، ولا يمكن حمْلها على النصرة، أي أنّ المراد: أنّ النصرة محصورة بموجب أداة الحصر ( إنَّمَا ) بالله والرسول وعلي ( عليه السلام )؛ لأنّ النصرة عامّة ومطلوبة من كلّ المؤمنين، كما جاء في الذكر الحكيم: ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ... ) [ التوبة: 71 ].

مضافاً إلى أنّ ذيل الآية لا ينسجم مع تفسير كلمة ( وَلِيُّكُم ) بـ ( ناصركم )؛ لأنّ النصرة مطلوبة على كلّ حال ولا يمكن أنْ تكون متّصفة بحال الركوع، سواء فسّرناه بالركوع الحقيقي أو المجازي وهو الخشوع؛ لأنّ المؤمن ناصر لأخيه المؤمن، سواء في حال الركوع أَم غيره، فتكون هذه الإضافة لغواً، ولا قيمة لها وحاشا لله ذلك فلابدّ - إذن - أنْ نحمل الولاية على ولاية الأمر والتصرّف، ويكون ذيل الآية مبيِّناً لصفات ذلك الولي، وتلك الصفات - كما اتّضح ومرّ - لا تنطبق إلاّ على عليّ ( عليه السلام )، فيتعيّن أنّ المراد من الولاية هي ولاية الأمر وهي الإمامة والخلافة، ويكون وليّ الأمر والإمام الشرعي بموجب ما تقدّم هو علي بن أبي طالب، وأداة الحصر دالّة على نفي مَن يكون خليفة في عرضه، وحتّى لا يطول بنا المقام فإنّا نقف عند هذا الحد من ذكْر الآيات القرآنيّة الشاملة لعلي أو المختصّة به؛ إذْ ليس غرضنا استيفاء ذلك، ولا إثبات الإمامة، بل كما عرفت - قارئي الكريم - إنّ هدف الكتاب يصبّ في ذكْر جملة من كلمات علماء وأعلام أهل السنّة في أئمّة أهل البيت، ولكثرة ما ورد في فضائل علي والحسنَين، اقتصرنا في الفصلَين الأوّل والثاني على ذكْر

٥٩

نُبَذٍ من فضائلهم، سواء من القرآن أَمْ السنّة الشريفة.

لذا نتوقّف عن ذكْر بقيّة الآيات، كآية البلاغ والإكمال وغيرهما، ونحيل مَن شاء المراجعة والتفصيل إلى الكتب المختصّة في ذلك، مثل: ( دلائل الصدق ) للمظفّر، و ( عبقات الأنوار ) للنقوي، و ( الغدير ) للأميني، وغيرها، وننقل الكلام الآن إلى السنّة الشريفة، ونضع بين يدي القارئ جملة من الروايات الواردة في فضل علي بن أبي طالب ( عليه السلام )، مشمولاً بها مع غيره أو مختصّاً بها، ومنه تعالى نستمدّ العون والتسديد.

المبحث الثاني

فضائل علي ( عليه السلام ) في السنّة النبويّة الشريفة

ولا يخفى ما ورد في علي (عليه السلام) من كثرة الأخبار المشيدة بفضله، والآمرة بالتمسّك به، والسَيْر وِفق نهجه. نذكر في بحثنا طرفاً يسيراً من ذلك نبتدئه بذكر الأحاديث العامّة الشاملة له، ثمّ نذكر الأحاديث الواردة في خصوصه ( عليه السلام ).

أ - الأحاديث العامّة

* الحديث الأوّل: حديث الثقلَين:

من الأحاديث المشهورة المعروفة الواردة في حقّ أهل البيت هو حديث الثقلين، وهو حديث متّفق على صحّته بين الفريقَين، بل هو متواتر عند الشيعة الإماميّة وله طرق عدّة عند أهل السنّة، وصحّح الحديث كبار علمائهم، وحيث إنّ الحديث متفاوت في بعض ألفاظه؛ لذا سنذكر للقارئ أكثر من صيغة له، ثمّ ننتقل للبحث عن دلالاته ومعطياته.

٦٠