تاريخ الاجتهاد ومناهجه

تاريخ الاجتهاد ومناهجه0%

تاريخ الاجتهاد ومناهجه مؤلف:
تصنيف: رسائل وأطاريح جامعية
الصفحات: 249

تاريخ الاجتهاد ومناهجه

مؤلف: علي الزبيدي
تصنيف:

الصفحات: 249
المشاهدات: 90791
تحميل: 10461


توضيحات:

تاريخ الاجتهاد ومناهجه المقدمة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 249 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 90791 / تحميل: 10461
الحجم الحجم الحجم
تاريخ الاجتهاد ومناهجه

تاريخ الاجتهاد ومناهجه

مؤلف:
العربية

٤. الصابوني محمّد بن أحمد بن سليم الجعفي (توفِّي في القرن الرابع).

· الفاخر

٥. ابن الجُنَيد محمّد بن أحمد الاسكافي (ت٣٨١هـ).

· تهذيب الشيعة لأحكام الشريعة.

· المختصر الأحمدي للفقه المحمّدي , لم تصل كتُبه، ولكنَّ العلاَّمة نقل عنه في (المختلف)، وأخيراً جمع في كتاب سمِّي (فتاوى ابن الجنيد).

٦. الصدوق محمّد بن عليّ بن بابويه (ت٣٨١هـ).

المحدِّث الكبير محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي , أبو جعفر، نزيل الري , مصنِّف كتاب (مَن لا يحضره الفقيه).

وينتمي إلى أُسرة بني بابويه، وهي من بيوتات القمّيين الذين ذاع صيتهم بالعلم والفضيلة، وأنجبت أفذاذاً مُصلحين، وعباقرة مرشدين، أدُّوا رسالاتهم على أحسن وجه، وخدموا مبدأهم بأمانة وإخلاص، فاستحقُّوا بذلك كلّ تعظيم وتبجيل، وخلَّدهم التاريخ بإكبار، وحفظ آثارهم بكلّ فخر.

قال العلاَّمة السيد بحر العلوم في (فوائده): ولِد بعد وفاة العمري (١) في أوائل سفارة الحسين بن روح، وقد كانت وفاة العمري سنّة (٣٠٥هـ)، فيكون قد أدرك من الطبقة السابعة فوق الأربعين، ومن الثامنة إحدى وثلاثين، ويكون عمره نيِّفاً وسبعين سنة، ومقامه مع والده ومع شيخه الكليني في الغيبة الصغرى نيِّفاً وعشرين سنة، فإنّ وفاتهما سنة (٣٢٩هـ) وهي سنة وفاة السمري (٢) آخر السفراء (٣) .

وعلى هذا؛ فقد عاصر الشيخ الصدوق سفيرين من السفراء الأربعة هما: الحسين بن روح، وعليّ بن محمّد السمري. وعلى أيَّة حال، فمحدِّثنا الكبير شخصية فذَّة، ورث المجد و العُلا من بيت عريق في العلم والورع، و قد عرّفه العلماء بإجلال وإكبار.

____________________

(١) محمد بن عثمان بن سعيد العمري، السفير الثاني للإمام المنتظر (عجّل الله فرجه الشريف)، تولَّى السفارة بعد أبيه (رحمه الله).

(٢) عليّ بن محمد السمري، آخر سفراء مولانا الإمام الحجة (عجل الله فرجه الشريف)، تولّى السفارة بعد الحسين بن روح (رحمه الله).

(٣) الفوائد الرجالية ٣: ٣٠١.

١٠١

قال النجاشي: شيخنا وفقيهنا ووجه الطائفة بخراسان، كان ورد بغداد سنة ٣٥٥ هـ، وسمع منه شيوخ الطائفة وهو حدث السن، ثمَّ ذكر فهرست كتبه.

يقول العلاّمة: كان جليلاً، حافظاً للأحاديث، بصيراً بالرجال، ناقلاً للأخبار، لم يُرَ في القمّيين مثله في حفظه وكثرة علمه، وله نحو من ثلاثمائة مصنَّف.

وقد شدَّ الرحال لتحمّل الرواية والحديث إلى مختلف الحواضر العلمية في القرن الرابع، كبغداد، والكوفة، والري، وقم، ونيسابور، وطوس، وبخارى، وهو وإن سافر إلى تلك البلدان لأخذ الحديث، لكنَّه أيضاً حدَّث بها، وقد أحصى شيخنا النوري ـ في خاتمة (مستدركه) ـ مشايخه الذين أخذ منهم الحديث فبلغ ٢١١ محدِّثاً.

كما أنّه روى عن شيخنا المترجَم أفذاذ من أهل الحديث، الذين أصفقت معاجم التراجم على ذكرهم بكلّ جميل، وقد أنهاهم محقِّق كتاب (الفقيه) إلى عشرين (١) .

توفِّي (رحمه الله) في الري عام ٣٨١هـ، وقبره هناك معروف يُزار.

آثاره:

· المقنع.

· الهداية بالخير.

وهذان الكتابان يُعطيان الفتوى بنصّ الرواية وهما مختصران.

· مَن لا يحضره الفقيه، وهو أحد الكتب الأربعة عند الشيعة، وهو يذكر الفتوى بنص الرواية.

٧. المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري (ت٤٢٣ هـ).

الشيخ المفيد، نجم لامع في سماء العلم والحديث، وقطب الرحى لكافَّة الفضائل الإنسانية، فقد آلت إليه زعامة الشيعة في بغداد أواخر القرن الرابع، التي كانت تعجُّ بالتيارات الفكرية المختلفة، فمن سلفيٍّ لا همَّ له سوى أخذ الحديث وجمعه من كلّ مَن هبَّ و دبَّ، إلى معتزليٍّ لا يقيم للسنَّة وزنـاً، ويعتمد على العقل في كافَّة المجالات، إلى أشعري يحاول صياغة السلفيَّة بأُطر عقلية، إلى زَيدي

____________________

(١) راجع مقدِّمة موسوعة الفقه الإسلامي: ٥٤-٥٥، ومراحل تطوُّر الاجتهاد / مجلَّة فقه أهل البيت ١٣: ١٨٠.

١٠٢

يقتفي أثر المعتزلة في الأُصول والحنفية في الفروع، إلى غير ذلك من التيَّارات الفكرية، التي كانت رائجة في تلك الأزمنة، التي حاولت القضاء على الفكر الشيعي الإمامي.

فوسط هذا العجاج بزَغ نجم شيخنا المفيد (رحمه الله)، فقام خير قيام بتثبيت الهوية الفكرية الشيعية، وتصدَّى للمخالفين خصوصاً مَن يتَّهمون المذهب الإمامي بأقاويل فاسدة، وينسبون إليه آراءً زائغة قصداً للتشنيع والتنكيل، كالقول بالجبر والتشبيه والتجسيم، التي هي على جانب النقيض من عقائد الشيعة.

وقد كان ليراعِه وبيانه أثر بالغ في إخضاع المخالف للعقيدة الحقَّة، وتبكيته على وجه اعترف به الموافق والمخالف.

يعرِّفه اليافعي ـ في (تاريخه) في حوادث سنة ٤١٣هـ ـ بقوله:

توفِّي فيه عالم الشيعة وعالم الرافضة صاحب التصانيف الكثيرة، شيخهم المعروف بالمفيد وبابن المعلّم أيضاً، البارع في الكلام والجدل والفقه، وكان يناظر أهل كلِّ عقيدة مع الجلالة والعظمة في الدولة البويهية.

قال ابن أبي طي: وكان كثير الصدقات، عظيم الخشوع، كثير الصلاة والصوم، خشن اللباس.

وقال غيره: كان عضد الدولة ربَّما زار الشيخ المفيد، وكان ربعة نحيفاً أسمر، عاش ستَّاً وسبعين سنة، وله أكثر من مائتي مصنَّف، وكانت جنازته مشهودة، وشيَّعه ثمانون ألفاً من الرافضة والشيعة، وأراح اللّه منه، وكان موته في رمضان (١) .

قال ابن كثير: المفيد شيخ الإمامية الروافض، والمصنِّف لهم، والمحامي عن حوزتهم، كانت له وجاهة عند ملوك الأطراف، لميل كثير من أهل ذلك الزمان إلى التشيّع (٢) .

____________________

(١) تاريخ اليافعي ٣: ٢٨.

(٢) البداية والنهاية ١٢: ١٥.

١٠٣

وكم للموافق والمخالف من جمل درِّية في حقّ شيخنا المفيد، فلنذكر كلمتين من تلميذيه.

يقول النجاشي ـ بعدمـا يسوق نسبـه إلى يعرب بن قحطان ـ: شيخنــا وأُستاذنا (رحمـه الله)، فضله أشهر من أن يوصف في الفقه والكلام والرواية والثقة والعلم.

ثمّ ذكر أسماء كُتبه الهائلة وقال: مات (رحمه الله) ليلة الجمعة، لثلاث ليالٍ خلون من شهر رمضان سنة ٤١٣هـ، وكان مولده يوم الحادي عشر من ذي القعدة سنة ٣٣٦هـ، وصلَّى عليه الشريف المرتضى بميدان الأشنان، وضاق على الناس مع كبره، ودفن في داره سنين، ونُقل إلى مقابر قريش بالقرب من السيد أبي جعفر (عليه السلام) (١) .

وقال تلميذه الآخر ـ الشيخ الطوسي ـ: من أجلَّة متكلّمي الإمامية، انتهت إليه رئاسة الإمامية في وقته، وكان مقدَّماً في العلم وصناعة الكلام، وكان فقيهاً متقدِّماً فيه، حسن الخاطر، دقيق الفطنـة، حاضر الجواب، وله قريب من مائتي مصنَّف كبار وصغار، وكان يوم وفاته يوماً لم يُرَ أعظم منه من كثرة الناس للصلاة عليه، وكثرة البكاء من المخالف والموالف (٢) .

آثاره:

· مقابس الأنوار في الردِّ على أهل الأخبار.

· الأركان في دعائم الدين.

· كتاب في المتعة.

· المقنعة، رسالة عملية على طريقة الفتوى بنص الرواية.

· أحكام النساء.

· الأشراف في عامة فرائض أهل الإسلام.

· الإعلام فيما اتَّفقت عليه الإمامية.

· جوابات المسائل النيسابورية.

____________________

(١) رجال النجاشي: برقم ١٠٦٨.

(٢) فهرست الطوسي: برقم ٧١٠.

١٠٤

· العويص في الفقه.

· المسائل التي سألها أبو جعفر الطوسي.

· الموجز في المتعة.

· رسالة في تحريم ذبائح أهل الكتاب.

· رسائل ومسائل متفرِّقة.

· رسالة في الردّ على أصحاب العدد.

٨. السيد المرتضى عليّ بن الحسين الموسوي (ت٤٣٦ هـ).

كان لمدرسة المفيد التي أسَّسها في حاضرة العالم الإسلامي معطيات جمَّة وثمرات يانعة، حيث أنجبت أعلاماً وأفذاذاً للأمَّة يضنُّ بهم الدهر إلاّ في فترات خاصة، منهم: السيد عليّ بن الحسين بن محمّد، الذي ينتهي نسبه إلى الإمام موسى بن جعفر بخمس وسائط، يعرِّفه تلميذه النجاشي بقوله:

حاز من العلوم ما لم يدانه فيه أحد في زمانه، وسمع من الحديث فأكثر، وكان متكلِّماً شاعراً أديبـاً، عظيم المنزلة في العلم والدين والدنيا، ثمّ ذكر أسماء كتُبه وقال: إنّه مات (رحمه الله) لخمس بقين من شهر ربيع الأول سنة ٤٣٦هـ، وصلَّى عليه ابنه في داره، وتولَّيتُ غسله ومعي الشريف أبو يعلى محمّد بن الحسن الجعفري وسلاّر بن عبد العزيز (١) .

ويقول تلميذه الآخر الشيخ الطوسي: كنيته أبو القاسم، لقبه علم الهدى، الأجلُّ المرتضى، متوحِّد في علوم كثيرة، مجمع على فضله، مقدَّم في العلوم، مثَّل علم الكلام والفقه وأُصول الفقه، والأدب والنحو، والشِعر ومعاني الشِعر واللغة وغير ذلك، له ديوان شِعر يزيد على عشرين ألف بيت، ثمّ ذكر أسماء تصانيفه.

إنّ نواحي فضل السيد المرتضى لا تنحصر بواحدة، ولا إنَّ مآثره معدودة، فإلى أيِّ فضيلة نحوت فله فيها الموقف الأسمى، فهو إمام الفقه، ومؤسِّس أصوله، وأُستاذ الكلام، ونابغة الشِعر، وراوية الحديث،

____________________

(١) رجال النجاشي: برقم ٧٠٦.

١٠٥

وبطل المناظرة، والقُدوة في اللغة، والأُسوة في العلوم العربية كلّها، وهو المرجع في تفسير كتاب اللّه العزيز، وجماع القول: إنّك لا تجد فضيلة إلاّ وهو ابن بجدتها (١) .

وقد ترك سيدنا الجليل آثاراً وتآليف عديدة، تصل إلى٨٦ كتاباً أو موسوعة أو رسالة.

وكفى في فضله أنَّ المعرِّي لمّا خرج من العراق، سُئل عن السيد المرتضى، فقال:

يا سائلي عنه لما جئت تسأله * ألا هو الرجل العاري من العار

لو جئته لرأيت الناس في رجُل * والدهر في ساعة والأرض في دار (٢)

آثاره:

رسائل الشريف المرتضى، كتاب مسائل وأجوبة.

جُمل العلم والعمل.

جوابات المسائل الموصلية.

جوابات المسائل التبانيّات.

جوابات مسائل أهل ميّافارقين.

جوابات المسائل الرّسّيات.

جوابات المسائل الرّازيات.

جوابات المسائل الطرابلسيات.

المسائل الناصريات.

ما تفرّد به الإمامية.

شتات الفوائد والمسائل.

شتات الفوائد والمسائل (مجموعة أُخرى).

رسالة في الردِّ على أصحاب العدد.

٩. أبو الصلاح الحلبي تقي الدين بن نجم الدين (ت ٤٤٧ هـ).

الكافي في الفقه، يتألّف من قسمين: قسم في الاعتقاد، والقسم الآخر في الفقه، وهو جديد في طريقته.

١٠. سلاّر حمزة بن عبد العزيز الديلمي قاضي حلب (ت ٤٤٨ أو٤٦٤ هـ).

المراسم العلوية والأحكام النبوية، كتاب على طريقة الفتوى بنصّ الرواية، وهو مختصر.

الأبواب والفصول، لم يصل إلينا، ولكن نقل عنه في كتب متفرّقة.

____________________

(١) الغدير ٤: ٢٦٤ ـ ٢٦٥. (٢) بحار الأنوار ١٠: ٤٠٨.

١٠٦

١٠٧

الدور الثاني: ويُطلق على هذا الدور مرحلة (الانطلاق) .

التحديد الزمني لهذا الدور:

ويبدأ هذا الدور بعهد الشيخ الطوسي (قدس سره) (ت٤٦٠هـ)، أي من أوائل القرن الخامس الهجري، إلى عهد المحقِّق الحلِّي صاحب كتاب شرائع الإسلام (ت ٦٧٦هـ) أيْ منتصف القرن السابع الهجري.

وأهمُّ مدارس هذا الدور ثلاث مدارس مهمَّة هي: مدرسة النجف، ومدرسة حلب، ومدرسة الحلَّة

أهمُّ ملامح الدور الثاني:

١. تقنين عملية الاستنباط والاجتهاد في الفقه الإمامي، وتوضيح مبانيه ومناهجه في كلٍّ من أُصول الفقه والحديث والرجال.

وقد جُعلت مصادر الاستنباط وأدلَّة الفقه في كُتب الأُصول في هذا الدور أربعة:

‌أ - الكتاب.

‌ب - السنّة.

‌ج - الإجماع.

‌د - العقل.

إلاّ أنّ الإجماع أُريد منه ما يكون بضمنه قول المعصوم (١) ، أو يستكشف منه قوله ولو بدلالة عقلية، فيكون كاشفاً عن السنّة، كما أنّ العقل أُريد منه حكمه البديهي اليقيني، لا الظنون والأقيسة والاستحسانات.

٢. تطبيق المنهج المذكور في الفقه، بصورة موسَّعة ومتطوِّرة وفي جميع أبوابه، وقد استطاع بذلك أن يُثبت قدرة الفقه الشيعي ومصادره على علاج التفريعات والمسائل الفقهية مهما تنوّعت وتفرّعت.

____________________

(١) انظر الذريعة إلى أصول الشريعة ٢: ٦٠٣-٦٠٥، وعدّة الأصول ٢: ٦٠٢.

١٠٨

وقد رُدَّ بذلك على الشبهة التي كان يُثيرها المخالفون على الفقه الإمامي، من جمود هذا الفقه، وعدم قدرته على التفريع وعلاج الفروض الفقهية التقديرية، وأنّه لا يعدو أن يكون مجموعة أحاديث ونصوص محدودة.

٣. اعتماد الاتجاه الوسط في البحث الفقهي، الذي مثَّله الشيخ المفيد والسيد المرتضى في دور التأسيس، والذي يعتمد على العقل والنقل معاً، وفي النقل تبلورت دراسة الأحاديث الواصلة عن أهل البيت (عليهم السلام) بدراسة السند والدلالة معاً، واعتمدت عملية تقويم السند على أدوات التقويم المتمثِّلة في مصادر التوثيق الرجالية، وقد وفِّق الشيخ الطوسي في تبنِّي اتجاه أخبار الآحاد على أساس علمي، خلافاً لما اتَّبعه أستاذاه المفيد والمرتضى من إنكار حجيِّة أخبار الآحاد، واتجاههما إلى الإجماع والعقل (١) .

٤. الحوار مع المذاهب الأُخرى، والنظر إلى آرائها ومناهجها الفقهية، والمقارنة فيما بينها سواء بنحو الفتاوى المجرّدة، أم بشكل موسَّع واستدلالي.

وقد تطوّر هذا على يد الشيخ بنحو أوسع وأشمل وفي كل الفقه، كما يظهر من مراجعة كتابيه الخلاف والمبسوط.

٥. الاهتمام بتوفير أدوات وعناصر الاستدلال الفقهي الرجالية والحديثية، وتجميعها من الأُصول القديمة في مجاميع كاملة، ومستوعبة لكافّة ما يحتاجه الفقيه في الأبواب الفقهية كلّها، وقد أثمرت جهود الشيخ الطوسي (قدس سره) في تدوين موسوعتين فقهيتين حديثيتين، هما: التهذيب، والاستبصار، ومجموعة كتب رجالية هي: اختيار معرفة الرجال، والرجال، والفهرست، بالإضافة إلى فهرس النجاشي، وقد كان في ذلك خدمة كبرى لفقه أهل البيت (عليهم السلام) (٢) .

٦. بروز ظاهرة الركود في الاجتهاد ـ من بعد الشيخ الطوسي (قدس سره) ـ وعدم الجرأة على مخالفة أقواله وما يذهب إليه، حتى وصفت هذه المرحلة في بعض الكتابات بمرحلة التقليد؛ لِما مُني به المجتهدون من اجترار آراء الشيخ، وعدم الإقدام على مخالفتها.

____________________

(١) انظر عدّة الأصول ١: ١٤٣.

(٢) راجع مراحل تطوّر الاجتهاد / مجلَّة فقه أهل البيت ١٣: ١٨٠، مقدّمة موسوعة الفقه الإسلامي: ٥٤ - ٥٥.

١٠٩

ولابد لنا أن نتوقَّف قليلاً عند هذه الانتكاسة، التي مُنيت بها حركة الاجتهاد في هذه المرحلة للنظر في أسبابها.

يذهب المحقِّق السبحاني إلى أنّ هذه الظاهرة لم تكن اعتباطية، بل نشأت لأسباب نذكرها:

أ. الضغط والكبت من قِبل السلطات الحاكمة آنذاك على الشيعة، كالسلاجقة في العراق، والغزنويّين في الشرق، والأيوبيين في الشام ومصر، وأخذوا ينظرون إليهم بنظرة مِلؤها الحقد والغضب، وكانوا بصدد الانقضاض على الكيان الشيعي واستئصاله، وقد حفظ لنا التاريخ بعض الأعمال التي قام بها السلاجقة ممَّا يندى لها جبين الإنسانية، فقد أحرق طغرل بك السلجوقي مكتبة بغداد، التي كانت عامرة بالكتب.

يقول ابن الجوزي: وفي هذه السنة ـ يعني: سنة ٤٤٨ ـ أُقيم الأذان في المشهد بمقابر قريش، و مشهد العتيقة، ومساجد الكرخ بـ (الصلاة خير من النوم)، وأُزيل ما كانوا يستعملونه في الأذان (حي على خير العمل)، وقلع جميع ما كان على أبواب الدور والدروب من (محمّد وعليّ خير البشَـر)، ودخل إلى الكرخ منشدوا أهل السنَّة من باب البصرة، فأنشدوا الأشعار في مدح الصحابـة، وتقدَّم رئيس الرؤساء إلى ابن النسوي بقتل أبي عبد اللّه بن الجلاّب شيخ البزازين بباب الطاق؛ لما كان يتظاهر به من الغلوِّ في الرفْض، فقُتل وصُلب على باب دكَّانه، وهرب أبو جعفر الطوسي ونُهبت داره (١) .

ويقول ـ أيضاً ـ في حوادث سنة ٤٤٩هـ: وفي صفر هذه السنة، كُبست دار أبي جعفر الطوسي متكلِّم الشيعة بالكرخ، وأُخذ ما وجِد من دفاتره، وكرسي كان يجلس عليه للكلام، وأُخرج ذلك إلى الكرخ، وأُضيف إليه ثلاثة مجانيق بيض، كان الزوَّار من أهل الكرخ قديماً يحملونها معهم إذا قصدوا زيارة الكوفة، فأُحرق الجميع (٢) .

____________________

(١) المنتظم ١٦: ٧- ٨.

(٢) المنتظم ١٦: ١٦.

١١٠

وقال الجزري: وفيها (أي في هذه السنة) نُهبت دار أبي جعفر الطوسي بالكرخ، وهو فقيه الإمامية، وأُخذ ما فيها، وكان قد فارقها إلى المشهد الغربي (١) .

وقال الخفاجي: لمّا دخل صلاح الدين الأيوبي إلى حلب عام ٥٧٩ هـ حمل الناس على التسنّن وعقيدة الأشعري، ولا يقدِّم للخطابة ولا للتدريس إلاّ مَن كان مقلِّداً لأحد المذاهب الأربعة، ووضع السيف على الشيعة، وقتلهم وأبادهم مثل عمله في مصر ـ إلى حدٍّ يقول الخفاجي في كتابه: ـ فقد غالى الأيوبيون في القضاء على كلّ أثرٍ للشيعة (٢) .

وفي هذا الجوِّ المشحون بالعداء والبغضاء لا تسنح الفرصة لأيِّ نشاط علمي، بل يغيب عندها النتاج الفكري، فالحياة الفقهية رهن وجود ظروف مناسبة وبيئة صالحة لتنمية الأفكار.

ب. وأمّا السبب الثاني، فهو أنّ الشيخ الطوسي قد حَظِي بتقدير عظيم في نفوس تلامذته ومعاصريه، على وجه رفعه عن مستوى النقد، لما قدَّمه من خدمات جليلة للحوزة الشيعية، من إتحافها بأنواع العلوم والتآليف، وتربية جيل كبير من العلماء والمفكّرين.

وقد حظيت آراؤه الشخصية بقدسية نزَّهته عن النقد، فاستمرَّت تلك النظرة إلى الشيخ مدَّة مديدة بعده، وقد خلفه في إدارة شؤون الحوزة نجله أبو عليّ الطوسي، الذي كان حيَّاً إلى سنة ٥١٥ هـ.

فهذان العاملان أدَّيا إلى الركود والخضوع لكلِّ ما ورثوه عن الشيخ الطوسي (٣) .

____________________

(١) الكامل في التاريخ ٩: ٦٣٧- ٦٣٨.

(٢) الأزهر في ألف عام ١: ٥٨.

(٣) انظر تاريخ الفقه الإسلامي وأدواره:٢٩٩-٣٠١.

١١١

فقهاء الدور الثاني وآثارهم الفقهية (١) :

١. الطوسي محمّد بن الحسن (ت٤٦٠ هـ).

الشيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن بن عليّ بن الحسن الطوسي , نسبة إلى طوس من مدن خراسـان، التي هي من أقدم بلاد فارس وأشهرها، وكانت ـ ولا تزال ـ من مراكز العلم والثقافـة، وفيها قبر الإمام على الرضا (عليه السلام) ثامن أئمة الشيعة الاثني عشرية، فصارت مهوى أفئدتهم يقصدونها من الأماكن الشاسعة والبلدان النائية.

ولِد الشيخ في طوس في شهر رمضان سنة ٣٨٥هـ، أي بعد أربع سنين من وفاة الشيخ الصـدوق، وهاجر إلى العراق، فهبط بغداد سنة ٤٠٨هـ، وهو ابن ٢٣عاماً، وكان زعيم الشيعة آنذاك شيخ الأُمَّة محمّد بن محمّد بن النعمان الشهير بـ (المفيد)، فلازمه ملازمة الظلِّ لذي الظلِّ، وعكف على الاستفادة منه إلى حدٍّ توفَّق لشرح كتاب أُستاذه (المقنعة) وهو بعد لم يناهز الثلاثين.

ولمَّا انتقل الشيخ المفيد إلى رحمة الله، عكف على بحوث السيد المرتضى، ولازم حضورها طيلة ٢٣ سنة، حتى توفِّي السيد لخمس بقين من شهر ربيع الأوّل عام ٤٣٦هـ، فاستقلَّ الشيخ الطوسي بالإمامة، وظهر على منصَّة الزعامة، وكانت داره في (الكرخ) مأوى الأمَّة وملجأ روّاد العلم، يأتونها لحلِّ المشاكل، وإيضاح المسائل، وقد ذاع صيته، وعلا مقامه، ممّا حدا بخليفة عصره القائم بأمر الله أن يجعل كرسي الكلام له، وكان لهذا الكرسي يومذاك عظمة وقدر فوق ما يوصف.

وكان الشيخ يدرِّس ويربِّي إلى أن ضاقت به الأُمور، وثارت القلاقل بشنِّ طغرل بيك ـ أوّل ملوك السلاجقة ـ حملة شعواء على الشيعة، وأمر بإحراق مكتبة الشيعة التي أنشأها أبو نصر سابور بن أردشير ـ وزير بهاء الدولة البويهي ـ وكانت يومذاك من دُور العلم المهمّة في بغداد، ونافت كتُبها على عشرة آلاف من جلائل الآثار.

____________________

(١) اعتمدنا في ذكر الفقهاء وآثارهم الفقهية على كتاب مقدّمة على فقه الشيعة، وما سرده السيد منذر الحكيم في بحثه الموسوم مراحل تطوّر الاجتهاد في مجلَّة فقه أهل البيت، وكتاب شناسي تفصيلي مذاهب إسلامي باللغة الفارسية.

١١٢

حتى توسّعت الفتنة واتَّجهت إلى بيت الشيخ الطوسي وأصحابه، فأحرقوا كتُبه وكرسيّه الذي كان يجلس عليه، فلم يجد الشيخ بُدّاً إلاّ مغادرة بغداد إلى النجف الأشرف، لائذاً بجوار مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام)، فأسّس فيها حوزة علمية كبيرة، تقاطر إليها الفضلاء من شتّى الأقطار، وبقيت تلك الحوزة على مرِّ الدهور إلى يومنا هذا تشعُّ نوراً، وتربِّي جيلاً بعد جيل من العلماء لا يُحصي عددهم إلاّ الله سبحانه.

وقد ترك الطوسي تراثاً علمياً في شتَّى الموضوعات، كالكلام والفقه، والرجال والحديث.

آثاره:

المبسوط في فقه الإمامية، كتاب موسَّع ومقارن أيضاً.

النهاية، كتاب على طريقة الفتوى بنصّ الرواية.

الخلاف في الفقه، كتاب استدلالي.

الاستبصار فيما اختُلف من الأخبار.

وهو أحد الكتب الأربعة، يبيّن فيه كيفية الجمع بين الأخبار، والبعض لا يعدُّه كتاب رابعاً، بلْ مكمّل للتهذيب.

تهذيب الأحكام في شرح المقنعة.

الجُمل والعقود، كتاب مختصر على طريقة الفتوى بنصّ الرواية.

الاقتصاد.

المسائل الحائريات.

رسالة في تحريم الفقاع.

الإيجاز في الفرائض.

عمل اليوم والليلة.

٢. ابن حمزة محمّد بن الحسن بن حمزة الجعفري (ت٤٦٣ هـ).

مسائل متفرِّقة.

٣. ابن البرّاج القاضي عبد العزيز بن نحرير الطرابلسي(ت ٤٨١ هـ).

١١٣

الشيخ سعد الدين أبو القاسم عبد العزيز بن نحرير، الشهير بـ (ابن البرّاج) الطرابلسي , فقيه عصره، وقاضي زمانه، وخليفة الشيخ الطوسي في الشامات، وقد أطراه منتجب الدين في فهرسته (١) ، وابن شهرآشوب في معالمه (٢) ، والعلاّمة الحلِّي في إجازته لبني زهرة (٣) ، إلى غير ذلك ممّن ترجم له ترجمة وافية.

وقصارى الكلام: أنّه كان زميلاً للشيخ من جهة، وتلميذاً له من جهة أُخرى، وبما أنّهما قرءا على المرتضى وجلسا مجلساً واحداً، فهُما زميلان، وفي الوقت نفسه حضر مجلس الشيخ الطوسي أيضاً، حتى إنّ الشيخ الطوسي ألّف بعض كتبه باستدعاء منه.

قال التستري: هو من غلمان المرتضى، وكان خصِّيصاً بالشيخ، وتلمذ عليه، وصار خليفته في البلاد الشامية، وروى عنه وعن الحلبي (٤) .

وقال المحدِّث النوري ـ بعد إطرائه ـ: تلميذ علم الهدى وشيخ الطائفة، وكان يجري السيد عليه في كلّ شهر ثمانية دنانير، وهو مؤلِّف المهذّب والكامل والجواهر وشرح الجُمل (٥) .

ومع أنَّ العصر الذي أعقب الشيخ قد اتَّسم بالركود، لكنَّا نجد أنّه خرج على آراء شيخه الطوسي , فقد يذكر مناظرته في مسائل فقهية في كتاب المهذّب.

أدرك ابن البرّاج كلتا الدورتين، فبات مستقلاَّ في التفكير مناظراً مع الأبطال.

آثاره:

المهذّب، كتاب استدلالي مختصر.

جواهر الفقه.

الكامل في الفقه، كلاهما على طريقة الفتوى بنصّ الرواية.

____________________

(١) الفهرست لمنتجب الدين: ١٠٧ برقم ٢١٨.

(٢) معالم العلماء:٨٠.

(٣) البحار ١٠٥: ٢٦٥.

(٤) مقابس الأنوار:٧.

(٥) المستدرك ٣: ٤٨١.

١١٤

٤. نظام الدين الصهرشتي سليمان بن الحسن بن سليمان (قيل: توفِّي في ٣٦٤ هـ).

إصباح الشيعة بمصباح الشريعة.

٥. ابن أبي المجد الحلبي علاء الدين عليّ بن الحسن(القرن السادس).

إشارة السبق إلى معرفة الحق.

٦. المفيد الثاني الحسن بن الشيخ الطوسي.

شرح النهاية.

الأمالي لمجالس والده.

٧. ابن حمزة محمّد بن عليّ بن حمزة الطوسي (حيٌّ في ٥٦٦ هـ).

الوسيلة إلى نيل الفضيلة، كتاب يذكر فيه الاعتقاد والفقه، وهو فتوى فقط.

الواسطة.

مسائل في الفقه.

٨. قطب الدين الراوندي سعيد بن عبد الله بن الحسين (ت٥٧٣ هـ).

الرائع في الشرائع.

أحكام الأحكام.

الإنجاز في شرح الإيجاز في الفرائض.

حلُّ العقود في الجُمل والعقود.

الخُمس مسألتان فيه.

الشافية في الغسلة الثانية.

شجار العصابة في غُسل الجنابة.

شرح ما يجوز وما لا يجوز من النهاية.

صلاة الآيات.

الصلاة الحاضرة لمَن عليه الفائتة.

مسألة في العقيقة.

١١٥

النيَّات في جميع العبادات.

فقه القرآن، كتاب في آيات الأحكام.

مسائل بالفارسية.

٩. محمّد بن الحسن الكيدري (بعد ٥٧٦ هـ).

الإصباح في فقه الإمامية، كتاب فتوى.

١٠. ابن زُهرة الحلبي حمزة بن عليّ الحسيني(ت٥٨٥ هـ).

غنية النزوع إلى علمَي الأُصول والفروع، كتاب في أُصول الاعتقاد والفقه.

مجموعة مسائل وأجوبة.

١١. منتجب الدين عليّ بن عبد الله الرازي (حيٌّ في٥٨٥ هـ).

العصرة في المضايقة والمواسعة.

١٢. ابن شهرآشوب محمّد بن عليّ (ت٥٨٨ هـ).

متشابه القرآن أو بيان المشكلات من الآيات المتشابهات.

١٣. شاذان بن جبرئيل القمّي (حيٌّ في ٥٩٣ هـ).

إزاحة العلَّة في معرفة القِبلة.

١٤. ابن إدريس محمّد بن منصور بن أحمد الحلِّي (ت٥٩٨ هـ).

يعرّفه التستري بقوله: الشيخ الفاضل، الكامل، المحقِّق المدقِّق، عين الأعيان، ونادرة الزمان، فخر الدين، أبو عبد اللّه محمّد بن إدريس، أو أحمد بن إدريس العجلي الربعي الحلِّي (نوّر اللّه مرقده).

روى عنه: الشيخ النبيل الجليل، قدوة المذهب، صاحب المصنَّفات، نجيب الدين أبو إبراهيم محمّد بن نما الربعي , والسيد السند قدوة الأُدباء والنسّابة والفقهاء، صاحب المصنّفات شمس الدين أبو عليّ فخار بن معد الموسوي الحائري (١) .

____________________

(١) مقابس الأنوار:١١.

١١٦

يقول المحدّث النوري: الشيخ الفقيه، والمحقِّق النبيه، فخر الدين أبو عبد اللّه محمّد بن أحمد بن إدريس الحلِّي العجلي , العالم الجليل المعروف، الذي أذعن بعلوِّ مقامه في العلم والفهم والتحقيق والفقاهة أعاظم الفقهاء في إجازاتهم وتراجمهم، ثمّ ذكر وصف العلماء إيّاه في إجازاتهم (١) .

ولأجل أن يقف القارئ على مدى الجهود العلمية، التي بذلها ابن إدريس في رفع المستوى العلمي

والفقهي نذكر نصّ عبارته في أوّل السرائر:

(إنّي لمّا رأيت زهد أهل هذا العصر في علم الشريعة المحمّدية والأحكام الإسلامية، وتثاقلهم عن طلبها، وعداوتهم لما يجهلون، وتضييعهم لما يعلمون، ورأيت ذا السنِّ من أهل دهرنا هذا لغلبة الغباوة عليه، وملكة الجهل لقياده، مضيِّعاً لما استودعته الأيَّام، مقصِّراً في البحث عمَّا يجب عليه علمه، حتى كأنّه ابن يومه ونتيج ساعته... ورأيت العلم عنانه في يد الامتهان، وميدانه قد عطِّل من الرهان، تداركت منه الذماء الباقي , وتلافيت نفساً بلغت التراقي) (٢) .

فابن إدريس ـ بكتابه هذا ـ أوّل مَن نفض غبار الركود عن كاهل الفقه الشيعي , واقتفاه جلُّ مَن تأخّروا عنه، وإن اختلفوا معه في أشياء وأشياء، ولكنَّ الضجَّة التي أثارها تركت أثرها في شحذ الهمم نحو عرض الفقه بأُسلوب أكثر علميّة.

وقد أُصيب في جهاده العلمي بوابل من الطعنات اللاذعة، لكنَّها لم تؤثّر في عزمه الراسخ نحو ما تصبو إليه نفسه، وهو بتأليف كتابه الرائع السرائر قد قضى على التقليد الفكري , وأطاح به، وأخذ بطرح أفكاره في ثنايا كتابه، مندِّداً بالمتفقِّهة والمقلِّدة، وهو مع إجلاله للشيخ الطوسي أخذ ببيان المواضع التي يُخالفه فيها مدعومة بالبرهان.

وأخذ يُدافع عن وجهة نظره بأمرين:

الأوّل: بإقامة البراهين الدامغة على رأيه وفق منهجه، وهو عدم حجيّة خبر الواحد، وانحصار الحجيّة بالكتاب والخبر المتواتر والإجماع والعقل.

____________________

(١) مستدرك الوسائل ٣: ٤٨١.

(٢) مقدِّمة المؤلِّف على كتابه السرائر ١: ٤١.

١١٧

الثاني: محاولة عدم الانفراد بالرأي، وتعزيزه بموافقة الشيخ الطوسي له على هذا الرأي في بعض كتبه، أو أنّ ما ذكره الشيخ إنّما ذكره إيراداً لا اعتقاداً، إلى غير ذلك من المحاولات التي كان الهدف من ورائها استقطاب موافقة مَن تقدَّم عليه، حتى ربَّما يقتصر على الموافقة التي ربَّما تلوَّح من عبارة الشيخ.

يقول ـ هو في حكم الماء النجس المتمّم كرَّاً ـ: الشيخ أبو جعفر الطوسي (رحمه الله) الذي يُتمسَّك بخلافه، ويُقلِّد في هذه المسألة ويُجعل دليلاً، يقوِّي القول والفُتيا بطهارة هذا الماء في كثير من أقواله، وأنا أُبيِّن ـ إن شاء الله ـ أنّ أبا جعفر (رحمه الله) يفوح من فيه رائحة تسليم المسألة بالكلِّية، إذا تؤمِّل كلامه وتصنيفه حقَّ التأمُّل، وأُبصر بالعين الصحيحة، وأُحضر له الفكر الصافي فإنّه فيه نظر ولبس، ولتفهَّم عني ما أقول (١) .

كان ابن إدريس فقيهاً دؤوباً في العمل، وكانت له صلة وثيقة بمعاصريه من فقهاء كلا الفريقين.

توفِّي ابن إدريس وترك تراثاً علمياً، وربَّى جيلاً من روّاد العلم، انتهلوا من مَعْين علمه.

آثاره:

السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي , كتاب استدلالي.

خلاصة الاستدلال.

مسائل في أبعاض الفقه وأجوبتها.

مناسك.

١٥. المصري معين الدين سالم بن بدران (ت٦٢٦ هـ).

رسالة في كيفية غُسل الجنابة.

المعونة في مسائل الميراث.

١٦. نصير الدين محمّد بن محمّد بن حسن الطوسي (ت٦٧٢هـ).

البيّنات في تحرير المواريث.

____________________

(١) السرائر ١: ٦٦، أحكام المياه.

١١٨

الفرائض النصيرية أو جواهر الحقائق.

الدور الثالث:

ويسمَّى بدور (الاستقلال)، والمراد بالاستقلال الذي سُمِّي به هذا الدور هو الاستقلال عن محاكاة الفقه غير الإمامي، والذي كان معدوداً من سمات وخصائص الدور الثاني دور الانطلاق، وأهمُّ المدارس الفقهية التي برزت في هذا الدور هي: مدرسة الحلّة، ومدرسة جبل عامل، وإصفهان.

التحديد الزمني لهذا الدور:

يبدأ هذا الدور بظهور المحقِّق الحلِّي (رحمه الله) (ت٦٧٦ هـ) أي في منتصف القرن السابع تقريباً، ويستمرُّ باستمرار النشاط الفقهي لأعلام هذه المدرسة وحتى النصف الثاني من القرن العاشـر، متضمِّناً فقه الشهيدين والكركي (٩٤٤-٩٦٦هـ) (١) .

أهمُّ ملامح الدور الثالث:

١. يتميَّز هذا الدور بظاهرة استقلالية الفقه الإمامي عن مجاراة المذاهب الأُخرى، في المادة أو المنهج، واعتماد التراث الشيعي خاصة، من دون نظر إلى فقه العامّة ومناهجهم في الاستدلال إلاّ في كتب الفقه المقارن، وهذا ما يظهر بالمقارنة بين المصنفات الفقهية لهؤلاء الفقهاء مع المصنّفات الفقهية السابقة، وهذه الخصيصة التي دعت إلى تسميته بدور الاستقلال.

٢. دوّنت مؤلَّفات في علم أُصول الفقه من قبيل: معارج الأُصول للمحقِّق، ونهاية الوصول إلى علم الأُصول للعلاَّمة، تتميَّز بالأصالة والعمق، واعتماد الأُصول والقواعد المستفادة من نصوص أهل البيت (عليهم السلام)، وبدا هذا الاستيعاب والعمق والشمول واضحاً في الكتابين المذكورين، مقارنة مع ما دوّنه المرتضى والطوسي في الذريعة والعدّة، وقد جعل المحقِّق الحلِّي قاعدة الاستصحاب المستفادة من

____________________

(١) مراحل تطوّر الاجتهاد في الفقه الإمامي, منذر الحكيم / مجلة فقه أهل البيت ١٤:١٥١.

وانظر أيضاً مقدّمة موسوعة الفقه الإسلامي.

١١٩

النصوص دليلاً خامساً من أدلَّة الفقه في عرض الأدلَّة الأربعة الأُخرى (١) ، كما أنّه بُحثت المسائل الأُصولية الأساسية كحجيّة خبر الثقة في هذه الكتب الأُصولية، بصورة أكثر استيعاباً وشمولاً وتنقيحاً، وانعكس هذا الاهتمام بعلم أصول الفقه على ميدان البحث والتدريس والتأليف، فنجد العلاَّمة قد ألّف على الأقلِّ ثلاثة كُتب أصولية في ثلاثة مستويات علمية: للمبتدئ، والمتوسط، والمنتهي من طلاَّب هذا العلم.

٣. وفي علم الدراية، انتهى الفكر الفقهي في هذا الدور إلى نظريَّات جديدة، قُسِّم على أساسها الحديث بتقسيم رباعي إلى:

أ - صحيح.

ب- حسَن.

ج- موثَّق.

د- ضعيف.

بعد أن كان يقسَّم قبل ذلك إلى: الصحيح، والضعيف؛ وذلك نتيجة تطوُّر البحث عن حجيّة خبر الواحد ومبناه، وأنّه هل الحجّة خصوص خبر الإمامي العادل، أو مطلق الإمامي , أو مطلق الثقة ولو كان غير إمامي أو غير عادل، ويُعتبر هذا التقسيم الرباعي للحديث تطويراً ملموساً في ميدان وأدوات وأُصول الاستنباط، إذ يعبِّر هذا الإنجاز عن تنقيح الحديث، وينعكس على النتاج الفقهي بشكل مباشر، كما انعكست على الكتب الحديثية من حيث تصنيف أحاديثها على أساس القيمة الفقهية لكل حديث، من حيث درجة اعتباره ومدى إمكان الاعتماد عليه في مجال الاستنباط.

٤. وفي علم الرجال دوِّنت مجاميع رجالية جديدة، تجمع تراجم طبقات الرجال وحالاتهم بشكل أدقِّ كرجال العلاَّمة ورجال ابن داود.

____________________

(١) راجع المعتبر في شرح المختصر ١: ٣٢.

١٢٠