نصرة المظلوم

نصرة المظلوم0%

نصرة المظلوم مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 123

نصرة المظلوم

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ حسن آل العلامة الشيخ إبراهيم المظفر
تصنيف: الصفحات: 123
المشاهدات: 28982
تحميل: 4144

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 123 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 28982 / تحميل: 4144
الحجم الحجم الحجم
نصرة المظلوم

نصرة المظلوم

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

١

٢

٣

٤

المقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين، إلى يوم الدين.

وقع في يدي كتاب (نصرة المظلوم) للعلامة الشيخ حسن المظفّر رحمه الله، وحيث طالعت الكتاب من أوله حتى آخره شعرت بأهمية الكتاب، وخطورة مواضيعه، ولا أخفي أن الكتاب كأنه حكى عن طموحات قديمة كانت تراودني لإثارة مثل هذه المواضيع، وكدت أشرع لولا تقديم بعض الأعمال التي وقتت بوقتٍ معلوم، وكأن رغبتي تحققت في هذا الجهد المبارك، الذي مرّ عليه ما يقارب التسعون عاما وهو يتجدد بتجدد الحاجة إليه، وأي حاجة من أمر أثاره البعض بهجوم الكتسحوا فيه الثوابت، وخالفوا من خلالة ضرورات المذهب، بل ضرورات الدين، ووقفوا بوجه شواهد تاريخية حكت عن جهد أئمة أهل البيت عليهم السلام، بعد أن أسسوا لمثل هذه الشعائر، التي كانت فيها أسرار بقاء المذهب المطارد، بل قوته المهدّدة من قبل العتاة.

ولعلي لا أبالغ لو قلت إن هذا الكتاب يُعدّ ورقة عمل لكل إنسان يريد أن يفهم ذاته من خلال مقارعة الظالمين بالفكر والثقافة والعمل المضادّ للمشروع السلطوي الذي احتكر الكلمة له، ألغى الآخر، وهمّش الفكر الأصيل أو حجر عليه، في حين وجدت هذه الشعائر طريقة التعبير الحقيقي عن الحق المضاع والهوية المطاردة.

٥

ونشطت لطباعة الكتاب والتعليق عليه، ولا أدّعي التعليق على الكتاب بسبب النقص في عرضه ومواضيعه، بل حاولت توضيح بعض ما قد يُشْكَل على القارئ الكريم، فضلاً عن إرجاع الأحاديث إل مصادرها، لأن المؤلف - على الظاهر - اعتمد على ذاكرته في نقل الأحاديث، زاد الله في علو درجاتهم - لم يجدوا ضرورة إرجاع الحديث إلى مصدره، لثقة القارئ بهؤلاء الأعلام، فضلاً عن قلّة ما يتداوله الناس من مصادر، فلم تكن ضرورة للإرجاع.

وكان الذي دفعني للإسراع في إنجاز هذا المشروع - مع حرصي على إخراج مثل هذا الكتاب من قبل - هو رغبة أُستاذنا المعظّم آية الله السيد محمد سعيد الحكيم (حفظه الله تعالى)، فعند الانتهاء من مجلس درسه المبارك كنت في خدمته أتحدّث عن أهمية الكتاب ورغبتي في طباعته، فشجّعني أيّما تشجيع، ووجدت منه العناية، كما عهدته حريصاً على ثقافة الشعائر الحسينية، الذي كان - ولا يزال - يتحفنا في محاضر دروسه على التشديد في أهمية هذه الشعائر، فاستقيت هذا الشعر بالحرص من سماحته (أمدّ الله في عمره) راعياً لمثل هذه الثقافة، متصدّياً لكل ما يخالفها، بكل أساليبه العلمية، التي لا جد المخالف مندوحة الاعتراض أو مجازفة التحريف.

كما استفدت من سماحته (حفظه الله تعالى) أن الكتاب للحجة الشيخ عبد الحسين الحلي، المعروف بفضله وورعه وسعة باعه، وقد تصدى رحمه الله لهذه الهجمة الشرسة التي استغفلت بعض البسطاء من طلبة العلم، ليتحدث عما جالت به خواطره الساذجة، ليفتي - دون أن يكون من أهلها - بحرمة هذه الشعائر، فكان الشيخ عبد الحسين الحلي يشعر هذه الهجمة الخطيرة، والتي تنفّذ على أيدي أبناء المذهب.

ولعلّي استفدت - من خلال عملي في الكتاب - أن جهداً مشتركاً بُذل من قبل

٦

الشيخين الحلّي والمظفر، وكان الشيخ المظفر أليق في التصدّي لنسبة الكتاب له، ولأمرين استفدتهما من سماحة أُستاذنا السيد الحكيم (حفظه الله تعالى .

الأول : أن الشيخ حسن المظفر من وكلاء المرجعية في البصرة، وأن البيان كتبه رجل بصري، وقد فعل في المجتمع البصري فعله، أدّى إلى فتنة لا تحمد عقباها، لولا تدخّل فتوى آية الله الشيخ النائيني ردّاً على أسئلة أهل البصرة، بعد إحداث هذه الضجة؛ بسبب التحريم الصادر من ذلك الرجل.

على أن شواهد دفعتني إلى الاعتقاد - بل إلى اليقين - بأن الكتاب للحجة الشيخ عبد الحسين الحلي.

فقد ذكر علي الخاقاني في شعراء الغري أن كتاب نصرة المظلوم هو للشيخ عبد الحسين الحلي رحمه الله، طبعه باسم غيره، (شعراء الغري ج 5 ص 271).

وفي الذريعة ذكر أنه للشيخ إبراهيم حسن آل المظفر النجفي (الذريعة ج 24 ص 178)، إلا أنه عند ذكره لكتاب (النقد التنزيه) ذكر أن له كتاب (نصرة المظلوم).

وذكر سماحة السيد أسعد القاضي في مقدمته لكتاب النقد النزيه ما رواه عن جده سماحة آية الله السيد محمد علي الحكيم (دام ظله) أن كتاب نصرة المظلوم هو للشيخ عبد الحسين الحلي، طبعه باسم الشيخ المظفر، (مقدمة كتاب النقد النزيه لرسالة التنزيه ص 7).

٧

الذي تصدّي إلى آخرين من طبقته، فلم يجد ما يناسب مقامه من أن يتصدى بنفسه لهذا الرجل.

ولا يضرّ في الأمر كون الكتاب لأيّهما كان، طالما يحقق الهدف العظيم والغاية الكريمة، في الحفاظ على ضرورات المذهب، وتحصين الأمة من عجاف الأفكار الهزيلة.

السيد محمد علي الحلو

28 ربيع الثاني 1431 هـ

٨

بسم الله الرّحمن الرّحيم

بسم الله وله الحمد على جزيل نواله، والصلاة والسلام على سيِّدنا محمّد وآله.

وبعد، فبينا أنا واقف موقف الاندهاش والحيرة - أُسوة كثير مِن أهل الدين – لما وقع في الحرمين الشريفين وما والاهما مِن المنكرات، بهدم المشاهد والمزارات، وذلك في أوَّل شهر المحرَّم مِن هذا العام(1) ، حيث يُقام التذكار الحسيني المحزِن، وكفى به جالباً للوجد

____________________

(1) لم يذكر المؤلف سنة تأليف الكتاب إلا أنه أرخ كتابه بسنة هدم القباب، والمعروف أنه سنة 1343 هـ، حيث أقدم هؤلاء الطغاة على تنفيذ تهديدهم في رفع (البدع) - كما أطلقوا عليها - وفي رفع المزارات المباركة لأئمة البقيع، حيث هدموا قبابها، وهتكوا حرماتها.

ويؤرخ العلامة الحقق السيد محسن الأمين العاملي قدس سره لهذه الفاجعة الكبرى بقوله: (لما دخل الوهابيون إلى الطائف هدموا قبة ابن عباس، كما فعلوا في المرة الأولى، ولما دخلوا مكة هدموا قباب عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبي طالب عمه، وخديجة أم المؤمنين، وخربوا مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومولد فاطمة الزهراء عليها السلام.

ولما دخلوا جدة هدموا قبة حواء وخربوا قبرها، كما خربوا قبور من ذلك أيضاً، وهدموا جميع ما بمكة ونواحيها وجدة ونواحيها من القباب والمزارات والأمكنة التي يتبرك بها.

ولما حاصروا المدينة المنورة هدموا مسجد حمزة ومزاره، لأنها خارج المدينة، وشاع أنهم ضربوا بالرصاص على قبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولكنهم أنكروا ذلك.

ولما بلغ ذلك مسامع الدولة الإيرانية اهتمت له غاية الاهتمام، واجتمع العلماء وأكبروا ذلك، وجاءتنا إلى =

٩

____________________

= دمشق برقية من خراسان من أحد أعاظم علماء المشهد المقدس بالاستعلام عن حقيقة الحال، ثم قررت الدولة الإيرانية - بموافقة العلماء - إرسال وفد رسمي إلى الحجاز لاستطلاع حقيقة الحال، فرفع الوفد إلى دولته تقريراً بما شاهده في الحجاز من أعمال الوهابيين.

و لما استولوا على المدينة المنورة خرج قاضي قضاتهم الشيخ عبد الله بن بليهد من مكة إلى المدينة في شهر رمضان سنة 1344 هـ، ووجه إلى أهل المدينة سؤالاً يسألهم فيه عن هدم القباب والمزارات، فسكت كثير منهم خوفاً وأجابه بعضهم بلزوم الهدم.

ولما شاع في الأقطار الإسلامية ما فعلوه في الحجاز بقبور أئمة المسلمين و مشاهدهم أكبر المسلمون ذلك وأعظموه، سيما ما فعلوه بقبة أئمة البقيع، وجاءت برقيات الاحتجاج على ذلك من العراق وإيران وغيرها، وعطلت الدروس والجامعات، وأقيمت شعائر الحزن في هذه البلدان احتجاجاً على هذا الأمر الفظيع).

فالسيد الأمين كان شاهداً على المأساة يسجّل وقائعها ودقائقها في كتابه.

ولا تغفل عمّا سجّله الشريف عبد الله بن حسن باشا أمير ظفار في كتابه (صدق الخبر في خوارج القرن الثاني عشر) حيث يقول: (ثم امر المفتي بأن يفهم الناس لكي يذهبوا صباحاً لهدم القباب وطرح الأصنام، حتى لا يكون لهم معبود غير الله، فلما أسفر الصباح ذهب الوهابيون وأجبروا كثيراً من الناس على مساعدتهم...).

هذه المأساة التي وقعت في الحرمين الشريفين تشير إلى تحالف وهابي غربي من أجل طمس المعالم الإسلامية، وقطع رابطة الأمة برموزها، فشخوص المراقد المقدسة تعيد إلى الأذهان التأريخ المتضرج بالدماء، وما الذي وقع على صاحب هذا المرقد أو ذاك من ظلم وتنكيل وقتل وتشريد، ومَن الذي أوقع هذه الانتهاكات، وما الذي دعاهم إلى ذلك، وما هو دور الأمة في دفع مثل هذه المظالم على مثل هذه الرموز وأتباعهم، وما الذي يستذكره الواقف على مثل هذه المراقد، وكيف تشحذ هذه المزارات همم الزائر وتهيج عواطف الناس، وبالتالي فإن نتيجة كل هذه التداعيات النفسية لدى الزائرين هو الهياج الثوري الذي يستتبع عنده التغير للأصلح ورفض الظلم، ونبذ كل أنواع السيطرة اللامشروعة التي ارتكبها الظالمون، والسعي إلى منع ما يستجد من مثل هذه الحالات والمظاهر.

وبالتأكيد، فإن الاستعمار الغربي يسعى إلى إطفاء هذا التوهج الثوري الذي تعتمله نفوس شيعة أهل البيت بفضل ارتباطهم بساداتهم عليهم السلام، لذا عمدوا إلى استخدام مطية التكفير الوهابي الأهوج، لتنفيذ غاياتهم ومراميهم.

١٠

القلبي، ومثيراً للبُكاء المقرح، إذ انتهى إليَّ عدد مِن جريدة (الأوقات العراقيَّة) التي تصدر في البصرة، وفي مُفتتحها مقالة ينقل صاحبها عن رجل مِن فضلاء أهل العلم(1) ، قَطَنَ البصرة مُنذ شهور، يُدْعى (السيِّد مهدي) أنَّه منع مِن تمثيل تلك الفادحة الكُبرى والمصيبة العُظمى، ومِن خروج مواكب الرجال يضربون صدورهم بأيديهم في الأزقَّة والجوادِّ العموميَّة، فقلت هذه المصيبة الثالثة، وما هي بأهون مِن الأولتين.

ثمَّ تواترت الكُتب والرُّسل مِن البصرة إلى مراكز العلم في النجف، وهي ما بين عاذل وعاذر، مُحبِّذٍ لهذا المنع ومُستاءٍ منه، فشممت مِن ذلك روح الأغراض الشخصيَّة بين فئتين، فأعرضتُ وقلت: فورةٌ لا مساس لها بالمذهب، سوف تسكن.

ثمَّ ما عَتَمتْ إلا وقد أُرسلت بعد أيّام مِن البصرة مقالة مطبوعة مِن مُزخرفات ذلك الرجل الفاضل، مزج فيها بين الحقِّ والباطل، ونسب الفرقة الجعفريَّة - في إقامة التذكارات الحسينيَّة ببعض مظاهرها - إلى الإبداع، والقيام بأفعال وحشيَّة همجيَّة.

وفي هذا تضليل للسلف الصالح مِن العلماء الأعلام، والقُوّام على الحلال والحرام(2) ، ورفع لأعظم شعار مذهبي، ما زالت تجتني الشيعة مِن فوائده، ما يحفظ

____________________

(1) يعجبني أدب المؤلف في التعامل مع مناوئيه، إذ لم يذكر السيد مهدي بكلمة سوء على طول الكتاب وعرضه، وأدب الحوار هذا مما امتاز به أئمة أهل البيت عليهم السلام مع أعدائهم ومخالفيهم، ليوصلوهم إلى جادّة الحق، وهي روح امتاز بها أهل البيت عليهم السلام ورثوها لشيعتهم ليؤسسوا لهم مباني الحوار المبني على إظهار الحقائق وهدي الآخر، دون اللجوء إلى أسلوب الشتم والتكفير، كما يفعله معهم بعضهم، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

(2) لا أدري كيف سمح البعض لأنفسهم بوصف ما يقوم به الشيعة من إقامة الشعائر الحسينية بأنه بدعة يجب التخلص منها؟! وهو بين أمرين لا ثالث لهما..

إما أن تكون هذا الشعائر بمعزل عن أسماع العلماء واطلاعهم وعدم درايتهم بما يجري، وهذه القضية لا تتعدى عن غفلة هؤلاء الأعلام وعدم علمهم بما يجري في أوساط الأمة، وهذا بعيد أن يتعلقه أحد من هؤلاء ومن غيرهم. =

١١

كيانهم، ويثبت عقائدهم(1) .

فعلمت مِن أين جاءت هذه البليَّة، التي تقضي - إنْ تمَّتْ - على حياة الشيعة، وتيقّنت أن كيد المموِّهين والمنافقين، وخاصَّة أفراد (الجمعيَّة الأُموية) - ذلك الكيد الذي لا ينطلي إلا على السذّج والبُسطاء - قد أوقع هذا الرجل بإشراكه، فأفتى ومنع وقذف وضَلَّل، ولفَّق أموراً ليس لها مقيل في ظِلِّ الحقيقة(2) ، بلْ هي( ... كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ... ) .

كنت أجد لي فيما كتبه وأفتى به علماؤنا الأعلام في هذه الأيَّام، وطُبِع مُلحقاً برسالة في هذا الشأن لمعاصرينا الفاضل الشيخ محمد جواد الحجامي النجفي (حفظه

____________________

= وإما اتهام هؤلاء العلماء - بعد فرض معرفتهم بقيام هذه الشعائر الحسينية في أوساط الشيعة - بالضلال والإضلال، إذ من شأن العالم قول كلمة الحق مهما كلفته من ثمن، وكم حدثنا التأريخ بتضحيات علمائنا من أجل تثبيت مبدأ حق، أو إظهار كلمة هدى.

وأعجب من ذلك ما سمعت من أحدهم أن العلماء يخشون من العامة فلا يقوون على التحدث عن النهي عن هذه الشعائر، وهذه التهمة أعظم من سابقاتها، إذ اتهام العالم بالخوف على مكانته بين العوام حتى مع الباطل من أوجع ما سمعناه من تهمٍ وتوهين لعلمائنا زاد الله في شرفهم وأعلى درجاتهم.

(1) أجل، فقد جنى الشيعة من هذه الشعائر أعظم ما كان يتصوره الآخرون، إذ هي حفظت كيانهم من التشرذم والضياع في خضمّ ما واجه الشيعة من ظلم وحيف أدى بالكثير منهم إلى الشهادة والتشريد، وبقيت هذه الشعائر سبباً لاجتماعهم مهما كانت أسباب التشريع والمطاردة، إلا أنها المظلة التي يستظل بها جموع الشيعة في كل محنة من محنهم، وهم اليوم - بحمد الله تعالى - باتت هذه الشعائر مصدر قوة لهم، لا ينفكّون عنها بأي حال.

(2) من المؤسف أن بعضهم - على بساطة منه وسذاجة في طريقته - تبهره شعارات هؤلاء المشككين، الذين يحاولون استغلال غفلة البعض، أو حسن نواياهم، لينفذوا من خلال ذلك إلى تنفيذ أهدافهم ومكائدهم، وكم رأينا ممن يغتر (بحداثة) هؤلاء واستنكارهم على الشعائر، بحجة أنهم قادرون على تشخيص الواقع، ومعرفة كل ما لا يناسب وما لا يناسب الوضع الـمُعاش، وأمثال هذه الحداثوية الزائفة التي تغرر بالبعض.

١٢

الله)(1) ، المطبوعة في النجف مندوحةً عن الخوض في هذه المسألة، التي عَزَّ وعظُم على كلِّ عارف مِن الشيعة أنْ تقع موقع سؤال وتشكيك.

ولكنِّي الآني - بعد انتشار تلك المقالة التي هي قُرَّة عين المناوئين - لا أجد مَساغاً شرعيَّاً للسكوت عمَّا خَفي على ذلك (السيِّد الصائل)، ومَن يُطرب على تصديته، عسى أنْ يُنيب إلى الحقِّ، ويتنبه إلى ما أغفله به الأغيار المفكرون، ومِن الله أرجو أنْ تكون رسالتي هذه التي سمَّيتها (نصرة المظلوم)، سبباً لهداية إخواننا المسلمين إلى اتِّباع الحقِّ بيقين، إنَّه وليُّ ذلك، والقادر عليه.

وها أنا - بعون الله وتوفيقه - ذاكر في مُقدِّمة هذه العُجالة بحثاً فلسفيَّاً تاريخيَّاً، ينتهي بالمتأمِّل فيه إلى العلم بأنَّ التذكُّارات الحسينيَّة - بجميع أنواعها - حافظة للمذهب الجعفري عن الاندراس والدثور، وبهذا الاعتبار لا يحتاج في شرعيَّة بعضها إلى ورود دليل خاصٍّ به(2) ، وأنَّه لا يُعتنى بسخريَّة الساخر، فإنَّه - في الحقيقة - ماكر لا ساخر -

____________________

(1) هو الشيخ محمد جواد الشيخ طاهر، ولد سنة 1312، فتربى على يد والده الشيخ طاهر الحجامي، وتلقى دروسه على يديه، وتخرج في الأصول والفقه على عدد من علماء العصر وأساتذتهم، منهم الميرزا حسين النائيني والسيد أبو الحسن الأصفهاني والشيخ محمد حسين الأصفهاني والسيد محسن الحكيم والميرزا علي الإيرواني، كما تخرج على يديه طائفة من الأفاضل، وله اليد الطولى في الأدب والنشر، وكانت رسائل متبادلة بينه وبين العلامة الشيخ محمد حسين المظفر والشيخ حسن البهبهاني، وله ديوان شعر وتعليقه على كفاية الأصول وشرح كتاب الطهارة من التبصرة، حررة عند حضوره على أستاذه السيد محسن الحكيم قدس سره، قام بعمادة منتدى النشر في أول تشكيله لمدة ثلاثة أعوام.

انظر: مشهد الإمام أو مدينة النجف لمحمد علي التميمي ج 3 ص 128.

والكاتب يشير إلى أن الشيخ محمد جواد الحجامي رحمه الله نشر فتاوى الأعلام في الحث على الشعائر مع رسالة في هذا الشأن، وكأن ذلك الإنجاز يعدّ رادعاً للتشهير بهذه الشعائر، والاكتفاء بها حسن، إلا أن ذلك لم ينفع مع تضخّم حالة الالتفاف والتهويل التي أثارها البعض ضد هذه الشعائر المباركة.

(2) بما ذكرناه سابقاً، وإذا كان الأمر كذلك - وهو أن الشعائر كانت السبب الأساس في حفظ المذهب، بل وقوّته - فلا نحتاج إلى دليل مشروعيّتها، إذ قيام المصلحة بها دليل على ضرورتها، بل لزومها، كما هو معروف.

١٣

يُريد إطفاء أنوار الأئمَّة الأطهار بكيده ومكره، (ولا يَحيق المكر السيئ إلا بأهله).

فأقول: يتردَّد على ألسنة عموم الشيعة نحو قول: (قُتِل الحسين عليه السلام فإحياء دين جَدِّه)، ومُرادهم بدين جَدِّه الطريقة التي هُمْ عليها، مِن الاعتقاد - مع الشهادتين والمعاد - بإمامة علي وولده إلى المهدي (عليهم السلام)، وأنَّهم معصومون مبرَّؤون عن كلِّ ذنب وعيب، جامعون لكلِّ فضيلة في البشر، وتفصيل إحيائه لهذه الطريقة بتسليم نفسه للقتل عالماً عامداً تعرفه مِمَّا نذكره ثَمَّة.

لا شكَّ أنَّه ما كان المسلمون في شطر مِن الصدر الأوَّل يُنزِّلون أهل البيت الطاهر بالمنزلة التي تُنزلهم بها الجعفرية اليوم، مِن كونهم أئمَّة حقٍّ ومعصومين، فضلاً عن اعتقاد كون الإمامة والعصمة في عَقِبِ الحسين عليه السلام إلى عِدَّة خاصَّة مِن أبنائه، فإنَّه مِمَّا لم يُذعن به إلا مُمتَحَنُ القلب، اللَّهمَّ إلا في أعوام نزرة، مشوبة بفتن وحروب، كثُر في خلالها عدد الشيعة، وثبتت عقائدهم، لكنْ لم تكن مُقتضيات الأحوال يومئذ بالغة إلى حَدٍّ يوجب سيادة هذا الاعتقاد في العالم الإسلامي.

ثمَّ ما برح ذلك العدد الجَمُّ أنْ عراه النقص، ولبس ثوب الإذلال، وكان ضئيلاً مِن قبل ذلك، وذلك لأجل الجَنَف(1) الذي أظهره آل أبي سفيان في المِصرَين(2) وما

____________________

(1) الجَنَف: الميل والجور، جنِفَ جَنَفاً، قال لأغلب العجلي: غير جنافي جميل الزي، لسان العرب لابن منظور باب جنف.

وجنِف فلان علينا - بالكسر - وأجنف في حكمه، وهو شبيه بالحيف، إلا أن الحيف من الحاكم، والجنف عام، ولم يرتض الأزهري هذا التفريق، واستدل بقول بعضهم: يُردُ من حيف الناحل ما يرد من جنف الموصي، والناحل إذا نحل بعض ولده دون بعضٍ فقد حاف، وليس بحاكم، ويرد عليه أن أقول بعضهم ليس بحجة، لجهالة القائل، والظاهر أن التفريق في محله.

(2) الكوفة والبصرة وما يتبعهما، كالأهواز وبعض الكور آنذاك، والكاتب ملتفت إلى ما فعله الأمويون بشيعة المصرين العراقيين، من تقتيل وتهجير، ولم يتعرض إلى الحجاز والشام لقلّة ما فيهما من الشيعة، ولم تكن المصيبة عظيمة آنذاك.

١٤

يتبعهما، وغيرهما مِن مراكز الشيعة، فقد غرسوا بُغْضَ عليّ عليه السلام وولده، وسبَّهم، والبراءة منهم، في أعماق قلوب العامَّة، بأساليب مُختلفة، وتتبَّعوا شيعتهم على الظنَّة والتُّهْمَة، حتَّى كادوا أنْ يستأصلوا شأفتهم(1) ، وبعضوا إلى المشرَّدين منهم والمسجونين ضروب الأذى والتنكيل، ووضعوا الأحاديث النبويَّة في فضل بَنْي أُميَّة(2) ،

____________________

(1) شأفة الرجل: أهله وماله، والشأفة: الأصل، واستأصل الله شأفته: أي أصله، وفي حديث علي عليه السلام قال له أصحابه: لقد استأصلنا شأفتهم، يعني الخوارج، لسان العرب لابن منظور باب شأف.

(2) أراد الكاتب أن يعيد للأذهان ما فعله الأمويون من قلب الحقائق ومحاولة التزوير التي ارتكبها معاوية وفريقه المتخصص في مجال الوضع والأخلاق.

ولعلّ الإمام السندي الذي شرح سنن ابن ماجة يشير إلى سبب انتشار مناقب الإمام علي عليه السلام، وما واجهته هذه المناقب من حرب ومؤامرات نحاول من خلالها قراءة الواقع الذي عاشته مناقب الإمام علي عليه السلام في خضمّ الصراعات السياسية المتهورة.

يقول الإمام السندي: (قيل وهذا سبب ما روي من مناقبه (رضي الله تعالى عنه)، كما في الإصابة للحافظ ابن حجر، قال: ومناقبه كثيرة حتى قال الإمام أحمد: لم ينقل لأحد من الصحابة ما نقل لعي، وقال غيره: وسبب تعرّض بني أمية له فكان كل من كان عنده علم شيء من مناقبه من الصحابة بثّه، فكلّما أرادوا إخماد شرفه حدّث الصحابة بمناقبه، فلا يزداد إلا انتشاراً.

وتتّبع النسائي ما خص به من دون الصحابة، فجمع من ذلك أشياء كثيرة أسانيدها أكثرنا جياد). شرح سنن ابن ماجة للإمام السندي، باب فضائل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ج 1 ص 58، دار الجيل.

وقال أبو جعفر الإسكافي: وقد روي أن معاوية بذل لسمرة بن جندب مائة ألف درهم حتى يروي هذه الآية أنها نزلت في علي بن أبي طالب:

( وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّـهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ﴿204﴾ وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّـهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ ) ، فلم يقبل، فبذل له ثلاثمائة ألف درهم فلم يقبل، فبذل له أربعمائة ألف فقيل وروى ذلك. انظر شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد وكلامه في الأحاديث الموضوعة في ذم علي عليه السلام ج 4 ص 63 - 73.

كما روى أبو جعفر الإسكافي أن معاوية وضع أقواماً من الصحابة وقوماً من التابعين على رواية أخبار =

١٥

وأعلنت الخُطباء في كلِّ صقع بأسمائهم، مقرونة بالتبجيل والتكريم، وكونهم خُلفاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وذوي رَحِمِه، وورَّاث حُكمه وحِكمته، وأنَّ مُخالفتهم ضلال، والخروج عليهم خروج عن رِبقة الإسلام، حتَّى أتى على ذلك نيِّف وثلاثون سنة، وبعض هذا في أقلُّ مِن تلك المدَّة كافٍ في اندراس ذكر علي وولده عليهم السلام، واندراس طريقتهم وأحكامهم.

حتَّى إذا وليَ الأمر يزيد بن معاوية بعد أبيه، وقد توطَّدت له الأسباب، تسنَّى له أنْ يُبيد كلَّ هاشميٍّ مِن على جديد الأرض، لتهوُّره، وشِدَّة إقدامه، وتجاهُره بهتك الحُرمات، كما يُنبئ عن ذلك - بعد يوم الطف - وقعة الحَرَّة ورَمْيُ الكعبة.

فلذلك قام الحسين عليه السلام ضِدَّ بني أُميَّة، قيام مُستاءٍ جِدَّاً مِن جرَّاء قسوتهم المخالفة لدين الإسلام، ولا هَمَّ له إلا إحياء ما أماتوه مِن الآثار والمآثر الإسلاميَّة(1) ، وبقتلهم إيَّاه تلك القتلة الشنيعة، بأيدي تلك الألوف المتجمهرة عليه، وقتل سبعة عشر رجلاً مِن بنيه وبني أخيه وعمِّه، حتَّى الشباب والأطفال الرُّضَّع منهم، وقتل أنصاره وسبي ذراريه وعياله إلى الكوفة، ومنها إلى الشام، حيث مركز الخلافة الأُمويَّة، وإشهار رأسه

____________________

= قبيحة في علي عليه السلام تقتضي الطعن فيه والبراءة منه، وجعل لهم على ذلك جعلاً يرغب في مثله، فاختلقوا ما ارتضاه، ومنهم أبو هريرة وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة، ومن التابعين عروة بن الزبير. شرح نهج البلاغة ج 4 ص 63.

كهذه هي ثور الاضطهاد الفكري والمصادرات الثقافية التي انتهجها السلطات الأموية طيلة ثلاثة عقود، وقد حددها المؤلف بنيف وثلاثين سنة.

(1) ومقولة سيّد الشهداء عليه السلام لا زالت ترنّ في أسماع الدهر، تؤكد على أنه عليه السلام ما خرج إلا لإصلاح ما أفسده الأمويون وأسلافهم، وتآمرهم على الإسلام، وكيدهم لشريعة سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم، مما دعا سيد الشهداء عليه السلام أن يعلن في مقولته المشهورة: (... وإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهي عن المنكر وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب). بحار الأنوار ج 44 ص 329.

١٦

ورؤوس آله في البُلدان، سقطت منزلة بني أُميَّة مِن القلوب(1) ، وعلم الناس نواياهم السيِّئة، أيقنوا أنَّهم ليسوا بأئمَّة حقٍّ، لأنَّ أفعالهم تلك لا تتَّفق مع أيِّ دين، ولا يرافقها مِن العدل شيء بلْ هي خارجة عن حدود الإنسانيَّة.

وكان في نفوس العامَّة في العراق نفورٌ ما منهم، مِن جرَّاء القتل الذريع بكبرائهم، لتُهْمَة التشيُّع، وجَنَف العمَّال بهم، وكذلك في الحِجاز أيَّام استخلاف يزيد (عليه اللعنة)، لمعلوميَّة فسقه وجوره، وظهر يومئذ للعالم الإسلامي كلِّه أنَّ بَني أُميَّة لم تسعَ في هدم دين الإسلام فقط، بلْ تسعى - عن طريق التعصُّب الجاهلي - في أنْ لا تُبقي لهاشميٍّ أثراً، وعلى الأخصِّ بقايا آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

ومِن هذا الوجه ظهر للعالم أجمع مظلوميَّة الحسين عليه السلام، وصار ذلك سبباً للالتفات إلى مظلوميَّة أبيه يوم صِفِّين، وأخيه عام الصلح(2) .

____________________

(1) نعم كانت ردّة فعل الأمة من هذه الفاجعة العظمى هي كراهية الناس لبني أمية بشكل لم يتوقع الأمويون ردّ الفعل هذا جرّاء الصدمة التي فاجأت الأمة بشهادة الإمام الحسين عليه السلام، وكان سقوط الدولة الأموية منذ سقوط أول قطرة دم في كربلاء، بالرغم من تقاعس الأمة عن نصرة الإمام الشهيد عليه السلام، إلا أن ذلك لم يمنع الاستياء العام، وانكشاف حقيقة الأمويين الذين تستّروا بلباس الدين، ولولا هذه الواقعة الحسينية لبقيت سياسات الأمويين وأتباعهم تحكم الأمة إلى يوم الدين، وتأخذ بخناق الناس، والطويل لمن اعترض عليهم بشطر كلمة، إذ لم يستطع أحد كشف دجل آل أبي سفيان وكذبهم، لولا ثورة الإمام الشهيد الذي أسقط كل الأقنعة، وإلى يومنا هذا.

(2) وبالفعل كانت ثورة الحسين عليه السلام إعادة لحسابات الأمة التي لم تنصف الإمام علي عليه السلام في صفين، ولم تنتصر للإمام الحسن عليه السلام يوم هادن معاوية، إلا بعد أن هتكت ثورة الشهيد حجب الزيف والدجل الأموي، الذي كانت تتستّر به هذه العصابة الظالمة، وريثة التآمر والنكوص عن الحق وأهله، فقد ظهر الإنكار الشديد على الأعمال الشائنة للأمويين، ولم يتردد أهل الكوفة في الإنكار على يزيد، (فقد استقبل الكوفيون العائلة الكريمة - التي عوملت معاملة الكفار في السلب والأسر والتشهير - بالبكاء والصراخ والنوح والتوجّع والتفجّع والتأسف، وقد شقّت النساء جيوبهن على الإمام الحسين عليه السلام والتدمنَ). انظر: فاجعة الطف للسيد الحكيم ص 98. =

١٧

لما قُتِل الحسين عليه السلام طالب لسان اللوم والإنكار على يزيد (عليه اللعنة)، حتَّى مِن بَنْي أُميَّة أنفسهم، ومِن بقايا الصحابة في الشام وفي المدينة المنوَّرة، على حين إنه لم يكن بالإمكان ذكر علي عليه السلام والحسين عليه السلام بخير في البُلدان القاصية عن مركز خلافة بَني أُميَّة، فضلاً عن إطرائهم بين يدي يزيد، ولدى حاشيته، وفي داره، حتَّى روى في (العِقد الفريد) عن المدائني أنَّه لم توجد في دار يزيد سفيانيَّة إلا وهي مُتلدِّمة، تبكي على الحسين عليه السلام(1) .

وما كان ينفع يزيد عند الناس إسناد قتله إلى ابن مرجانه بغير علم منه، وهم يرون فرحه وسروره، بإشهار رأسه ورؤوس آله، وسَوْق ذراريهم وعيالهم له كالسبي المجلوب، وتزيينه الشام أيَّاماً، استبشاراً بذلك.

لَعمري إنَّ هذا الإطراء والذكر الجميل، واعتقاد مظلوميَّة الحسين عليه السلام وآله عند العامَّة في الشام، أوَّل مراتب التشيُّع، ومعرفة آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم، والإذعان بفضلهم، الذي لا سبب له إلا قتل الحسين عليه السلام.

في عام قتل الحسين هاج كثير مِن أهل الكوفة للأخذ بثأره(2) ، وما زالوا يستعدون

____________________

= وما أظهره أهل المدينة من الإنكار الذي تُرجم إلى ثورة الحرّة، وأنكر على حادثة نكت رأس الإمام الشهيد عليه السلام كل من زيد بن أرقم وأبي برزة الأسلمي وأنس بن مالك وغيرهم، وإذا كان لهؤلاء وأمثالهم موقف الخذلان في واقعة الطف، لموالاتهم للنظام الأموي، وسقوطهم في أعين الأمة لسكوتهم، إلا أن هناك ما يشير إلى امتعاضهم من هذه الانتهاكات الأموية بعد مقتل الحسين عليه السلام، وتجرؤ السلطة بالإقدام عليه.

(1) العقد الفريد ج 5 ص 134 دار الفكر بيروت.

(2) كما في اجتماع أهل الكوفة عند رؤوس الشيعة، سليمان بن صرد الخزاعي، وكانت له صحبة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والمسيّب بن نجبة الفزاري، وكان من شيعة علي وخيارهم، وعبد الله بن سعد بن نفيل الأزدي وعبد الله بن وال التيمي ورفاعة بن شداد البجلي، واتّفقوا على الأخذ بثأر الإمام سيد الشهداء عليه السلام، وبعد أن تلاوموا بينهم على الخذلان وعدم النصرة، فأثر ذلك عن =

١٨

للثورة عِدَّتها، مِن جمع سلاح وتوفير عدد، نحواً مِن ثلاث سنين، وأهل المدينة في خلال تلك المدَّة ثائرون عليه، مع عبد الله بن حنظلة (غسيل الملائكة)(1) ، وابنُ الزبير ناصب بمَكَّة يدعو إلى نفسه(2) ، ويُعلِن الطلب بثار الحسين، بدء أمره حتَّى هلك يزيد (عليه اللعنة)، وحينئذ تجمهرت الألوف بالكوفة، لا حافز لها إلا الطلب بثأر الحسين عليه السلام، وهي تذكر أباه وأخاه وسائر آله بكلِّ جميل، وتُعلِن استحقاق عليٍّ عليه السلام وولده الإمامة والخلافة عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم، يومئذ ظهر التشيُّع الصلب، وامتازت شيعة علي عليه السلام مِن شيعة بَني أُميَّة، ونتج مِن ذلك التجمهُر والامتياز وقعة عين الوردة، التي قُتِل بها أكثر التوَّابين(3) ، ووقعة نهر الخازر،

____________________

= ثورة المختار التي عاقب فيها قتلة الحسين عليه السلام وطاردهم في كل مكان. انظر: تأريخ الطبري ج 4 ص 428 أحداث سنة 65 للهجرة.

(1) حيث أخرج أهل المدينة عامل يزيد على المدينة عثمان بن محمد بن أبي سفيان من المدينة، وأظهروا خلع يزيد وحصارهم من كان بها من بني أمية، وبايعوا عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة، وكانت ثورة هدّت عروش الأمويين، وقابلها يزيد بوفعة عظيمة بقيادة مسلم بن عقبة (فأباح المدينة ثلاثاً يقتلون الناس، ويأخذون الأموال، فافزع ذلك من كان بها من الصحابة). تأريخ الطبري ج 4 ص 377.

فكان هذه الحادثة إحدى ثمرات نهضة الإمام الحسين عليه السلام، وهي ردة فعل فصمت عرى الحكم الأموي بشكل لم تبق معه هيبة السلطان، ولا عزة الملك.

(2) انظر أحداث سنة 66 و67 وما بعدها في دعوة عبد الله بن الزبير لنفسه وما جرى من أحداث في تأريخ الطبري والكامل لابن الأثير وتأريخ اليعقوبي ومروج الذهب وغيرها.

(3) حيث استشهد في عين الوردة سليمان بن صرد الخزاعي، بعد أن قتل من القوم مقتلة عظيمة، وأبلى وحثّ وحرّض، ورماه يزيد بن الحصين بن نمير بسهم فقتله، واستشهد من بعده المسي بن نجبة، ثم استشهد من أهل المدائن الذين التحقوا بالتوابين كثير بن عمرو المدني، وطعن سعد بن أبي سعد الحنفي وعبد الله بن الخطل الطائي، وقتل عبد الله بن سعد بن نفيل، وهؤلاء قادة التوابين وفرسانهم. ويروى بعضهم أن وقعة عين الوردة كانت سنة ست وستين، والأشر أنها سنة سبع وستين. راجع مروج الذهب للمسعودي ج 3 ص 108.

١٩

التي هلك فيها مِن جُند بَني أُميَّة سبعون ألفاً، فيهم ابن مرجانة(1) .

وبانَ ثَمَّة التشيُّع بأجلى مظاهره، وانقادت الناس مِن يومئذ إلى أهل البيت عليهم السلام باقتفاء آثارهم، والاقتباس مِن علومهم، وأخذ مراسم الدين منهم، وما برح الثوّار يَتتابعون، كزيد بن علي(2) ، وولده يحيى بن زيد(3) ، وغيرهما، ويقوى أمر

____________________

(1) وقعة نهر الخازر جاءت بعد عين الوردة وفي نفس السنة، قتل فيها عبيد الله بن مرجانة على يد إبراهيم بن مالك الأشتر، على اختلاف في السنة التي حدثت فيها، فمنهم من أرخها سنة ست وستين، وآخرون على سنة سبع وستين، وكانت من أعظم الوقعات التي مزقت جيش الأمويين، وقطعت أوصال قواهم الطائشة.

(2) ثورة زيد بن علي في أيام هشام بن عبد الملك سنة إحدى وعشرين ومائة، وقيل: في سنة اثنين وعشرين ومائة، وكانت وقعته في الكوفة، فلما استشهد صلب عرياناً، ثم أحرقه بعد الصلب يوسف بن عمرو والي هشام على الكوفة.

(3) الظاهر أنه يحيى بن زيد، وهو صاحب الثورة بعد ابيه، بعد معركة كبرى أوقع بالأمويين من القتلى العدد الكبير، وصلب على باب الجوزجان، ثم بعث برأسه إلى نصر بن سيار، ثم بعثه إلى الوليد بن يزيد.

ولم أجد لعيسى بن زيد من ذكر في الثورات التي تلت ثورة أبيه، فقد عاش عيسى بعد ثورة أبيه متخفياً عن عيون السلطة.

نعم شارك عيسى بن زيد في ثورة محمد بن عبد الله بن الحسن، وكان بطلاً شجاعاً معروفاً بشدة البأس، وخرج مع إبراهيم بن عبد الله بن الحسن في قيام أبي جعفر المنصور، وخرج مع أخيه الحسين بن زيد الملقب (ذو الدمعة).

وكان الظاهر على عيسى تقواه وتمسكه بمذهب آبائه، حيث يروي أبو الفرج الأصفهاني بسبب مفارقته عيسى بن زيد لإبراهيم بن الحسن، قال بسند مرفوع: صلى إبراهيم على جنازة بالبصرة وكبّر عليها أربعاً، فقال له عيسى بن زيد: لِمَ نقصت واحدة، وقد عرفت تكبير أهل بيتك؟ فقال: هذا أجمع لهم، ونحن إلى اجتماعهم محتاجون، وليس في تكبيرة تركتها ضرر إن شاء الله، ففارق وعيسى واعتزل، وبلغ ذلك أبا جعفر فأرسل إلى عيسى يبذل له ما سأل على أن يخذل الزيدية عن إبراهيم، فلم يتمّ الأمر بينهما إلى أن قتل إبراهيم. =

٢٠