نصرة المظلوم

نصرة المظلوم0%

نصرة المظلوم مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 123

نصرة المظلوم

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ حسن آل العلامة الشيخ إبراهيم المظفر
تصنيف: الصفحات: 123
المشاهدات: 29116
تحميل: 4209

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 123 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 29116 / تحميل: 4209
الحجم الحجم الحجم
نصرة المظلوم

نصرة المظلوم

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

إنَّ قريشاً لما سمعوا الإعلان بالأذان يوم فتح مكَّة أنكروه، وعدُّوه فعلاً همجيَّاً، وشبَّهوه بنهيق الحمار، لارتفاعه وعلوِّه، وزعموا أنْ لو كان أخفض مِن ذلك لكان أقرب إلى الوقار.

إنَّ الدين الصحيح يجب أنْ لا يكون خرافيَّاً بأساسه، أو بأغلب أحكامه، نحو أنْ يكون شعبذة صرفة، أو لهواً ولعباً، أو صرف رقى وتمائم، أو دقَّ طبول وضرب أوتار، وغير ذلك، لأن ما يكون من الأديان كذلك تنفر عنه النفوس، ولا تُذعن له العقول.

أمَّا إذا كان الدين - حتَّى بنظر الأجنبي عنه - قويم المبادئ، متين الأساس، كافلاً لحفظ النظام، بقوانينه الوضعيَّة، وعبادات الروحيَّة، غير أنَّ فيه شعيرة مذهبيَّة لا دينيَّة، يعدّها الأجنبي خرافة وفعلاً همجيَّاً، وهو لا يعلم أسرارها، فهل يجب رفضها بمُجرَّد كونه يستهزئ بها؟! كلّا، وإلّا لكان الحجُّ أوَّل مرفوض في الشريعة، لأنَّ غير العارف بحِكَمه وأسراره يسخر به، بلْ يعدُّه ضرباً مِن الجنون والتوحُّش، فهل يصلح للعارف أنْ يمنع عنه؟! كلّا، إنَّه كان اللازم على صاحب المقالة أنْ يتعرَّف أوَّلاً(1) أقسام السخرية والخرافة وأحكامها، ليُلحق بكلِّ موضوع حُكمه، ولا يتورَّط.

ويعلم المسلمون والأجانب جميعاً أنَّ جميع التذكارات الحسينيَّة ليست مِن المجعولات بالأصالة في دين الإسلام، كسائر قوانينه، مِن صلاة وصيام وصدقة، وإلّا

____________________

= تركها مراعاة لأذوق قومه؟ فما بالنا تشيع حالة الإحباط بيننا بحجة أن هؤلاء القوم لا يستسيغون كل هذه الشعائر؟

ولو أردنا مداراة الأذواق النزاعات لخرجنا عن كل ما كنا مأمورين به من عبادة وتقرب إلى الله تعالى، في حين نجد أن الآخر لم يكن مراعياً لمشاعرنا ومقدساتنا وفطرتنا، فما بالنا - إذن - نكون مشروعاً للتنازل على حساب مبادئنا وعقائدنا تحت عناوين (الوحدة الإسلامية)؟! وهل الوحدة في منظور هؤلاء هي التنازل عن مبتنياتنا العقائدية؟!

(1) يبدو أن كلمة (على) ساقطة، فتكون العبارة: (أن يتعرف أولاً على أقسام).

٤١

لاشترك فيها جميع المسلمين، ولم تختصَّ بالشيعة.

أمَّا عقائد الإسلام بما هي توحيد وتنزيه لمرتبة الربِّ، وقانينه الوضعيَّة بما هي شريعة زمنيَّة حافظة لحقوق المربوب، ليس في شيء منها ما يوجب السخرية، بلْ هي حافظة للنواميس الكلّية، التي لأجلها أُرسِلت الرُّسل وأُنزلت الكتب، ومِن ثمَّة كانت غنيَّة عن تبشير المبشِّرين بها، لأنَّها داعية بنفسها إلى نفسها، ومُبشِّرة بذاتها إلى ذاتها.

وهذا أمر بيانه خارج عن موضوع مقالتي، وإنْ كان مُهمِّاً جدَّاً في نفسه، وعلى هذا فلا علينا إذا سخر الأغيار بتمثيلنا، إنَّ علينا أنْ نُعرِّف الأجانب براءة دين الإسلام بذاته ممَّا هو أوقر منه، لا أنْ نتركه ونمنع عنه(1) .

إنَّ التذكارات الحسينيَّة جميعاً لم تُسنَّ كمُبشِّرة بالمذهب، ليحصل لنا الاستياء بالسخرية منها، بلْ شُرِّعت لحفظ عقائد الجعفريَّة فيما بينهم، لإحياء أمر أئمَّتهم، وتلك الفائدة حالة لهم برغم سخرية الأغيار.

إنَّ الأغيار لا يسخرون بالمواكب والتمثيل فقط، بلْ بالمآتم أيضاً، والزيارات، ولبس السواد.

وكيف لا يسخر العقلاء مِن اجتماع جماعة مِن الرجال مِن أهل الجَلَد والقوَّة،

____________________

(1) إن حالات الإحباط والخيبة التي تصيب البعض جرّاء هجمات الإعلام المضادّ يولّد (الحالة الانهزامية المبرّرة)، وأقصد من ذلك أن الانهزام الذي يعانيه البعض يبرره بعدة دعاوى بعيدة عن الواقع، ليعتذر عن هذا النكوص الذي تحدثه حالته التراجعية، فمثلاً يعاني البعض من حالات الإحباط حينما يستمع إلى أي انتقاد يوجهه بعضهم إلى الشعائر الحسينية، فيدّعي أن تلك - أي الشعائر - ممارسات تسيء إلى المذهب وكيانه، فيحاول أن يتنازل عن مبانيه من أجل هذا النقد، مما يدفعه إلى العمل ضد هذه المباني التي أسسها أهل البيت عليهم السلام، فبدلاً من أن يعمل على بيان محاسن هذه الشعائر ورد هذه الاعتراضات وإحباطها، نراه يذعن لكل هذه الأقاويل، ويصدّق بالإشاعات التي تُحدثها تيارات الإعلام المضاد.

٤٢

يبكون بكاءً عالياً على رجل منهم أو مِن غيرهم مات مُنذ مائة سنة مثلاً؟.

أجلْ، إنَّ بكاء الرجل وحده مُستهجن، فكيف باجتماع مائة رجل مثلاً على ذلك؟!.

ألست - أسوة بجميع العقلاء - تُسفِّه أحلامهم إذا شهدت مجمعهم، وعلمت أنَّه قد أتى على فقيدهم الذي يندبونه وينتحبون عليه نحو سنتين، وهو رُمَّة بالية؟!

ألست تزيد سخرية واستهزاءً إذا رأيت أولئك الرجال بعد بكائهم وقوفاً - في دار أعدُّوها للنياحة، صرفوا على تنظيمها المبالغ الطائلة مِن المال - قد جرَّدوا عنهم الثياب إلى أوساطهم، وحسروا عن رؤوسهم، وهم يضربون صدورهم ضرباً تُدمى به صدور كثير منهم، حزناً على ذلك الفقيد الذي طحنه ابلى، وأكله الثرى؟!

ألست تعدُّها من الأفعال الوحشيَّة الهمجية(1) ؟!.

أفهل يصلح لعارف مِن الشيعة أنْ يمنعها جميعاً لذلك؟!.

ثمَّ إن كان بين ظهرانينا - قبل دخول الأُمم الأوروبيَّة - عدد جَمٌّ مِن غير المسلمين في كلِّ مكان - وإنْ اختلفوا قلَّة وكثرة، وزاد عددهم بأفراد الأُمَّة الإنكليزيَّة، الذين لا يُهمُّهم مِن أمر ديانة العناصر وعوائدهم شيئاً - ولا ينكرون على مراسم عاديَّة ولا عباديَّة، ونحن للآن ما بلغنا عن أحد منهم الاستخفاف والاستهزاء، ولا شكَّ أنَّ صاحب المقالة لم يسمع ولم يرَ مِن أجبنيٍّ قطُّ الاستهزاء، وإنَّما ينقل له ذلك المستاؤون

____________________

(1) هذا فيما إذا جردت هذه الشعائر من أهدافها، وجعلتها حالة وجدانية صرفة وحزن مجرد، وهذه مشكلة الآخر في فهمه للشعائر والتعاطي معها.

أما إذا قرأتما بأهدافها المنوّه عنها سابقاً وجدتها من ضروريات أية حركة مطاردة من قبل الظالمين، يترصدونها بكل ما لديهم من قوة، بحجة أنها خرافة يقنّعون بذلك بعض المغفلين، والمأخوذين بدعاياتهم الظالمة.

هذا ما أراده المؤلف من ذلك. نعم الرأي السليم والتحليل الصائب.

٤٣

مِن أعمال الجعفريَّة، وهم على الأغلب مِن أفراد (الجمعيَّة الأُمويَّة)، التي تحقَّقتُ أنَّ لها فروعاً في بغداد والبصرة وغيرهما مِن عواصم العراق، وهم الذين يغرُّون أهل الدين، ليقتلوه باسمه مِن حيث لا يشعرون.

إنَّ التأثُّر بتمثيل المحزن طبيعي، إذ أنه لازم لذات ذلك التمثيل، وإنْ اختلف شدَّة وضعفاً، فكيف - وهم مُتأثِّرون حزناً أقلَّ تأثُّر - يسخرون ويستهزؤن؟! اللَّهمَّ إلا أنْ يكون التمثيل غير واقع طبق الأمر الممثَّل بكلِّ قول وفعل، بحيث لا يوجب التحزين وإثارة العواطف، وإلاَّ فتمثيل فاجعة الطفِّ مُحزنة لكلِّ مُدرِك عاقل.

إنَّ ذلك التمثيل المقرح للأكباد إذا سخر منه أغرار الأجانب، فإنَّ العقلاء المفكِّرين ربَّما يدعوهم إلى الفحص عمَّن تتمثَّل فاجعته لدى العموم، وتحقيق مصائبه، وأسباب حدوثها، ومَن ذا أحدثها؟ ومَن مهَّد ذلك؟ وتلك نُكتة أُخرى لرُجحان التمثيل، قد تدعو البعض إلى الفحس عن دين الإسلام، أو التمذهب المذهب الجعفري، ولهذه النكتبة بعيها سرى أمر الشيعة إلى غير المسلمين مِن الفرق في الهند والصين، وكثر ببركته - في تلك الأماكن الشاسعة عن مراكز الشيعة - مذهب التشيُّع والولاء لأهل البيت عليهم السلام(1) .

وقد ذكر فلاسفة التاريخ الحادث والمتعمِّقين في أسرار الحوادث مِن الأجانب أنَّ السبب الوحيد لذلك هو جعل الجعفريَّة طريق إقامة العزاء مُشابهاً لمراسم إقامة العزاء في الهند، وهو التمثيل والتشبيه.

ومِن المضحك المبكي أنَّ الأجانب يُدركون ويُذيعون أسرار إقامة المآتم

____________________

(1) وقد مر الكلام منا في ذلك، إذ لم يقتصر فائدة الشعائر على جمع الكلمة وحدها، بل إن ذلك صار سبباً في انتشار التشيع، لما عرفت من أن هذه الشعائر محفزات في البحث عن أسباب القضية ودواعيها والبحث عن أشخاصها ومسيرتهم وفكرهم، وبالتالي أسباب مظلوميتهم، ومتابعة تضحياتهم، إلى غير ذلك من المحفزات والدواعي التي تشارك في التبليغ عن خط أهل البيت عليهم السلام.

٤٤

والتشبيهات المتداولة عند الشيعة وهي على عرفاء الشيعة حقائق مخفيَّة(1) !!

إنَّ الأجانب في جميع أنحاء المعمورة يُقيمون حفلات التذكار سنويَّاً لكبار الحوادث، وينصبون التماثيل والهياكل في المحلّات العموميَّة لكبراء الرجال، تخليداً لذكر الرجل، والتفاتاً للجاهل به إلى معرفته، وما أبداه مِن اختراع، أو بسالة في حرب أو فتح، أو قلب سُلطة، أو مظلوميَّة مُتناهية في العظم عندهم، نحو مظلوميَّة المسيح، أو غير ذلك فكيف يسخرون مِن شيء همْ فاعلوه(2) ؟!.

إنَّ الهياكل القائمة في جميع معابدهم على مرور الأيَّام - نحو تجسيم صورة البتول العذراء (مريم) بصورة مُختلفة، منها صور مُحزنة، وتمثيل هيكل السيِّد (المسيح) مصلوباً على خشبة وغير مصلوب، وطفلاً تحمله مريم، وكَهلاً غير محمول - هي في الحقيقة تمثيل دائمي لا سنوي، أليس غرضهم مِن ذلك تخليد ذكر المسيح، وظهور مظلوميَّته التي هي اليد القويَّة لاستحكام الروابط المسيحيَّة، وعدم اندراسها على مرور الأزمان؟!.

أليس غرضهم هذا يرمز إليه تعليق الإشارة المسيحيَّة (الصليب) وساماً

____________________

(1) لعل المؤلف رحمه الله يشير إلى الرسالة التي نشرها السير (ماربين) الألماني والدكتور (جوزف) الفرنسي فيما شاهداه من المآتم الحسينية، وإعجابهما في هذا الأمر الذي استغرق مشاعرهم، فراحوا ينقلون صورة التي أسهمت في التبليغ عن قضية الإمام الحسين عليه السلام.

وقد نشر هذه الرسائل السيد محسن الأمين العاملي في كتابه (إقناع اللائم على إقامة المآتم)، وقد نقل ذلك عن جريدة حبل المتين في عددها الثامن والعشرين من سنتها الثامنة، بتأريخ 7 محرم 1329 هـ / 1911 م باللغة الفارسية، ثم ترجمها المؤلف إلى العربية.

(2) وهو نقض على من ادّعى أن العالم يسخر من مثل هذه المآتم، من أنهم يأخذون بالاعتبار مهرجانات التكريم لرجالاتهم، وتخليد أبطالهم، إذن هم لم يبادروا إلى السخرية مما يمارسه الشيعة من شعائر، بل ذلك محض خيال يدور في أذهان بعض المغفّلين الذين يتبجّحون في معارضة هذه الشعائر بحجة البحث عن صيغ تناسب العصر، وما هو إلّا تنفيذ سياسات طائفة يُراد من خلالها القضاء على روح التشيع وهويته.

٤٥

لصدورهم، وقلادة لأعناقهم؟ فكيف يسخرون؟!.

إنَّ (الروايات التمثيليَّة) التي تُقام في العواصم كلَّ ليلة في محالٍّ عديدة، لم يؤسِّسها إلا أرباب السياسة مِن الأجانب، إصابة لأغراضهم، وهي ليست إلا تجسيماً خيالياً للحوادث الغابرة، ولو أنَّهم ألبسوها لباس التفرُّج والانشراح لكانت موقع استهزاء وتهجين، لكنَّهم بتفريح الطبايع جذبوا إليها قلوب العامَّة.

أفهل يطلب الأجانب مِن الجعفريَّة أنْ تَطرح ذلك الثوب على التمثيل الذي لم تقصد به إلا تحزين الطبايع وإبكاء النواظر وإثارة العواطف الرقيقة نحو المصاب بتلك (الفادحة) الكبرى؟!.

تمثيل النساء

اندفع صاحب المقالة بكلِّه وبجميع ما له مِن حماسة على تشبيه عقائل النبوَّة بثُلَّة مِن النساء المومسات والمتبرِّجات، وأبرق وأرعد على فاعل ذلك في مقالته مِن (صفحة 4 إلى 8)، يرى كلَّ قارئ أنَّ التشبيه الذي تفعله الجعفريَّة هو هذا القسم مِن التشبيه الشائن، غفرانك اللَّهمَّ غفرانك مِن هذا التهويل، ودفع الحقِّ بالأباطيل.

إنَّ هذا التشبيه لم يقع في البصرة على طوال السنين، إلا منذ أربعة أعوام، شهده غير واحد مِن الصلحاء، وأجلب على منعه، فمنعه مَن له قوَّة المنع مِن ساحته، وهذا الرجل يرى بكلامه كلَّ أحد أنَّ ذلك التشبيه المستهجن هو مِن الرسوم العاديَّة، حتَّى في عامه هذا. وإلّا فما هو معنى المنع عن شيء مضى، وما عاد له نظير أبداً، لا في البصرة ولا في غيرها؟!.

إنَّ تشبيه النساء لا يُستحسن، حتَّى لو كانت الشبيهات مِن ذوات العفَّة والنجابة، لأنَّ إشهار النساء بنفسه وسوقهن أمام ركاب القوم سبياً مجلوباً - كما فعله آل أُميَّة - مِن الأُمور المستقبحة، وهذا لا يكون تمثيله على الأغلب إلا مُستقبحاً.

٤٦

لكن الميرزا أبو القاسم القُمِّي(1) والشيخ مُرتضى الأنصاري (رحمهما الله)(2) - وناهيك بهما علماً وورعاً - جوَّزا تشبيه الرجال بالنساء، مُدَّعيين أنَّ المحرَّم هو أنْ يتأنَّث الرجل، ويعدَّ نفسه امرأة، أمَّا التشبيه مِن دون ذلك - كما هو واقع في بعض الأحيان لغرض مخصوص - فليس بمُحرَّم، وهو خارج عن مُنصرف الأخبار(3) .

ولقد سأل بعض المتطرِّفين فيما يتعلَّق بالحسين عليه السلام مِن فضلاء أهل العلم عن تشبيه النساء، فقال: إنَّه ليس بإشهار للنساء حتَّى يكون قبيحاً، وظهور المرأة المتسترة للرجل مِن دون نظر مِن كل منهما للآخر ليس بمُحرَّم. نعم هو موجب

____________________

(1) قال الشيخ عباس القمي: (أبو القاسم القمي ابن المولى محمد حسن الجيلاني، المعروف بالميرزا القمي لتوطنه في دارا الايمان قم حرم الأئمة عليهم السلام، العالم الكامل الفاضل المحقق المدقق رئيس العلماء الأعلام ومولى فضلاء الإسلام شيخ الفقهاء المتبحرين وملاذ علماء المجتهدين أحد أركان الدين والعلماء الربانيين... يحكى أنه رحمه الله كان ورعاً جليلاً بارعاً نبيلاً كثير الخشوع غزير الدموع دائم الأنين باكي العينين، وكان مؤيداً مسدداً، كيّسا في دينه، فطناً في أمر آخرته، شديداً في ذات الله، مجانباً لهواه، مع ما كان عليه من الرئاسة وخضوع ملك عصره وأعوانه له... له مصنفات شريفة، كالقوانين والغنائم والمناهج ومرشد العوام وجامع الشتات، الذي يعبرون عنه بكتاب سؤال وجواب، وهو كتاب نفيس يحتاج إليه كل محقق وفقيه. وقبره الشريف في قم مزار مشهور). الكنى والألقاب ج 1 ص 139.

(2) ينتهي نسب الشيخ مرتضى الأنصاري إلى جابر بن عبد الله الأنصاري، ولد في دزفول سنة 1214، وتوفي فس 18 جمادي الآخرة سنة 1218 ودفن في المشهد الغروي على يمين الخارج من الباب القبلي.

الأستاذ الإمام المؤسس شيخ مشايخ الإمامية... وضع علم الأصول الحديث عند الشيعة، وطريقته الشهيرة المعروفة إلى أن انتهت إليه رئاسة الإمامية العامة في شرق الأرض وغربها... وصار على كتبه ودراستها معوّل أهل العلم، لم يبق أحد لم يستفد منها، وإليها يعود الفضل في تكوين النهضة العلمية الأخيرة في النجف الأشرف. أعيان الشيعة للسيد محسن الأمين ج 14 ص 455.

(3) قال الشيخ الأنصاري رحمه الله: (الظاهر من التشبيه تأنث الذكر وتذكر الأنثى، لا مجرد لبس أحدهما لباس الآخر مع عدم قصد التشبّه). المكاسب ج 2 ص 191 المسألة الثانية في التشبيه.

مع أن الأخبار منصرفة عن الحرمة، كما في مضمون النبوي: (لعن الله المتشبهين من الرجال والنساء). والظاهر انصرافه عن لبس أحدهما لباس الآخر من دون قصد التشبّه.

٤٧

للالتفات إلى قُبح ما ارتكبه بنو أُميّة مِن سبي عقائل الرسالة، ولا قُبح فيه، وإنْ كان فهو على الأُمويِّين لا على الممثِّلين، ولو أنَّه ممَّا تأباه الغيرة والحميَّة لم أمنع منه.

وعلى كلِّ حال، فالتشبيه المتداول في بُلدان الشيعة هو تمثيل فاجعة الحسين عليه السلام بما صدر فيها من أقوال وأفعال، عدا تشبيه النساء وهتكهنَّ، وهو محلُّ العناية في الكلام، لا هذا التشبيه المستهجَن.

ثمَّ إنَّه في أثناء الإرعاد على تشبيه النساء ذكر أمرين، قد يشتبه على الناظر في كلامه مُراده، لإدماجه أحدهما في الصفحة (6)، إنه قال - مُخاطباً لعامل الشبيه - ما مُلخَّصه: لِمَ لَمْ تسأل مَن تركن في دينك إليه عن هذه الهيئات السخيفة، الموجبة للسخرية بالشريعة؟ فليت شعري هل ورد عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم - ولو خبر ضعيف - في شرعيَّتها، حتَّى تصول به على المتشرِّعين؟.

فإنْ كان يُريد الإنكار على تشبيه النساء، لأنَّه ذكره في أثناء إنكار ذلك فهو، وإلّا فإنَّ طلب الخبر الضعيف - لولا الجهل بأصول الفنِّ - لا وجه له، لأنَّ التحريم هو المحتاج إلى الدليل لا الجواز(1) ، ومع غَضِّ النظر عن ذلك، فإنَّ في الأخبار العامَّة كفاية، كأخبار الإبكاء والتحزين وإحياء أمر الحسين عليه السلام وذكر مُصيبته، فإنَّ ذكرها لا يلزم أنْ يكون لسانيَّاً، كما أنَّ إحياء أمره كذلك، هذا مُضافاً إلى ما أسلفناه مِن قيام العلَّة التي أوجبت شرعيَّة المآتم فيه بوجه أتمِّ(2) .

وأمَّا الخبر الخاصُّ بالتمثيل، إنْ كان يزيد به نحو أنْ يقول القائل: (مثِّلوا مُصيبة الحسين عليه السلام) فمِن الجهل طلبه، وإنْ كان يكتفي بما كان مُتضمِّناً لوقوع التمثيل فهو كثير، وقد نطق القرآن المجيد بتمثيل غير المسيح به، وإلقاء شَبَهه عليه، فإنَّ هذا ليس

____________________

(1) للأصل، وهو الإباحة، كما هو واضح.

(2) وقد مرّ التعرض إلى بعض الروايات في البكاء والإبكاء.

٤٨

إراءة وتخييلاً، نحو الإراءة الطيفيَّة، بلْ هو حقيقة واقعيَّة لابسة ثوب خيال، وقد ورد في الأخبار تمثيل الملائكة لعليٍّ عليه السلام شخصيَّاً مرئيَّاً مِن لدُن إدراكه إلى حين وفاته، وأنَّه يوم ضُرِب بالسيف على رأسه في الدنيا وقع سيف على رأس التمثال، فشجَّه، وسقط في محراب عبادته، فبكت عليه الملائكة، ولعنت قاتله(1) .

ولقد سُئِل العلاَّمة المؤتمر الشيخ محمد حسن صاحب كتاب (الجواهر) عن مثل

____________________

(1) فمشروعية التمثيل متأتية من الموارد التي ذكرها المؤلف ومن غيرها، حيث تعرض إلى قوله تعالى في قضية عيسى وظن اليهود بقتله، فرد عليهم سبحانه:( وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّـهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ ) . سورة النساء، الآية: 157.

فألقى الله على أحد ممّن سعى في قتل عيسى عليه السلام شبه عيسى، فلما قتلوا صاحبهم ظنوا أنهم قتلوا عيسى عليه السلام، فاشتبه عليهم الأمر، فكانس بحانه قد ألقى على هذا المنافق مثال عيسى فاشتبه الأمر عليهم، وهنا استدل بمشروعية التمثيل لمصلحة تقتضيه، كذلك جعل سبحانه مثالاً لعلي عليه السلام تشتاق إليه الملائكة فتنظر إليه، فكان دليلاً على رجحان التمثيل والتشبيه.

فعن انس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مررت ليلة اسري بي إلى السماء وإذا بملك جالس على منبر من نور والملائكة تحدق به، فقلت: يا جبرئيل من هذا الملك؟ فقال: أدن منه وسلم عليه، فدنوت منه وسلمت عليه فإذا بأخي وابن عمي علي بن أبي طالب، فقلت: يا جبرئيل سبقني علي بن أبي طالب إلى السماء الرابعة؟ فقال: لا يا محمد، ولكن الملائكة شكت حبها لعلي، فخلق الله هذا الملك من نور علي صورة علي بن أبي طالب، فالملائكة تزورة في كل ليلة جمعة ويوم جمعة سبعين ألف مرة، يسبحون الله تعالى ويقدسونه ويهدون ثوابه لمحب علي عليه السلام، إرشاد القلوب للديلمي ص 233.

وما رواه الكليني في الكافي أن الكميت دخل على الإمام الصادق عليه السلام وأنشده في مصيبة جده الحسين عليه السلام فبينما الإمام يبكي إذ خرجت جارية من عند النساء وعلى يديها طفل رضيع، فوضعته في حجر الإمام الصادق عليه السلام، فاشتد بكاء الإمام وعلا نحيبه، وجرت دموعه على لحيته الكريمة وصدره الشريف.

وبهذه الرواية نستدل على جواز التمثيل، لإمضاء الإمام عليه السلام ما فعلته الجارية، تذكيرا بمصيبة عبد الله الرضيع وقد مثلته بالرضيع الذي قدمته للإمام عليه السلام.

٤٩

ذلك، فأجاب بإخبار تمثيل النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمَّة أشباحاً نورانيَّة حول العرش قبل خلقهم، وأخبار تمثيل مثال لكلِّ مؤمن في السماء، بارزاً للملائكة حال إطاعته في الدنيا، مستوراً عنهم حال عصيانه، وليس غرضي الاستدلال بها لشرعيَّة التمثيل، لأنَّي في غُنية عنه بما أسلفته، وفيه كفاية للمتبصِّر.

ثانيهما: إنَّه ذكر في الصفحة (8) - مُخاطباً لمستعمل الشبيه أيضاً - ما مُلخَّصه: (حَسْبَ الدهر صدمة ما فعله يزيد بعقائل النبوَّة، فما لك في كلِّ سنة على ما فعلوه تزيد؟! دعهم مُنفردين بالخزي الذي سوَّد وجوههم في الدنيا والعُقبى، فما وجه تكريرك مثل ما فعلوه وما لم يفعلوه في كلِّ عام، حتَّى توجب سُخرية ذوي العقول والأوغاد الطَّغام بدين الإسلام؟). انتهى.

فإنْ أراد الإنكار على ظهور النساء مسبيَّة مهتوكة فالإنكار في محلِّة، وإنْ كان مُراده ما عنى به غير واحد مِن أفراد (الجمعيَّة الأُمويَّة)، وضرب على وتيرته بعض الكتَّاب العصريِّين، مِن قوله: (إنَّ يزيد قتل الحسين عليه السلام مرَّة، والشيعة تقتله في كلِّ عام مرَّة)، فوا سوأتاه.

إنَّ أولئك يُلقون تلك الأقاويل بذراً في قلوب العامَّة بأطوار وأساليب مُختلفة، لتُثمر لهم ترك التذكارات الحسينيَّة جميعاً، حتَّى ينتهي الأمر بالآخرة إلى إنكار قتل الحسين(1) . فما بال المصلح مِن الشيعة يتَّبع تمويهاتهم، غفلة عن حقيقة الحال؟!.

____________________

(1) علم الله لولا هذه الشعائر الحسينية وحماستها في تجييش عواطف الناس، وتجدد ذكرى عاشوراء؛ لأنكروا هؤلاء قتل الإمام الحسين عليه السلام على يد بني أمية، وجعلوا القضية في عداد الأخبار التي ترويها الشيعة من أجل الانتقام من مخالفيهم الأمويين، لكن رعاية الله وألطاف أئمة أهل البيت عليهم السلام في حفظ هذه الفاجعة وإدانة الظالمين هي ببركة الشعائر وإذكاء روح الثأر والانتقام من قتلة الإمام المظلوم.

ألا ترى ما حدث لواقعة الغدير التي شهدها أكثر من مائة وعشرين ألف من المسلمين، وهم اليوم يتساءلون =

٥٠

إنَّ الشيعة لا تقتل الحسين عليه السلام في كلِّ عام، وإنَّما تُحيي ذِكْره، وتذكر فضله في كلِّ عام، بلْ في كلِّ يوم، وليس في ذلك حطٌّ مِن قَدره، كما يزعمون ويُموِّهون، لأنَّ الشيعة بتلك التذكارات لا تسند إليه (سلام الله عليه) أمراً قبيحاً، ليكون موجباً للحطِّ مِن مقداره، وقد تضمَّن التاريخ، وخلَّد فضايع مُتناهية الفضاعة، قد وقعت على عظماء الرجال، ولم تُعدَّ حطَّاً مِن مقامهم، فلِمَ لذلك العضو النبوي يُعدُّ مِن أسباب الحَطِّ مِن شرفه إقامة تذكاراته، التي تجتني الشيعة منها مِن لدُن قتله إلى الآن ما يحفظ كيانهم، ويربط فيما بينهم بأحكم الروابط، بعد الجامعة الإسلاميَّة؟!

____________________

= عن مدى صحة هذه الواقعة، والسبب في ذلك أن هذا الحادثة لم يشملها ما شمل استشهاد الإمام الحسين عليه السلام من عناية واهتمام، لذا نجدها تدور بين الإثبات والإنكار، تبعاً لمبتنيات الباحث.

٥١

٥٢

ومِن التذكارات الحسينيَّة...

مجامع اللَّدم (1)

____________________

(1) اللدم: الضرب، وهنا يراد به ضرب الصدور.

٥٣

٥٤

وهي النوادي الخاصَّة المنعقدة لأجل اللطم على الصدور بالأيدي، وهذه - كالمآتم - لا ريب في كونها مظهر الحزن والجزع، وربَّما يُقال بكونها أبلغ في إظهار الحزن مِن البكاء وحده، هذه - أيضاً - لا كلام فيها، وفي كون اللطم بها وبغيرها صِلة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وإسعاداً للزهراء البتول.

وإذا كانت زيارته (سلام الله عليه) بِرَّاً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، باعتبار كونها توقيراً واحتراماً لفَلَذة كبده، كما في الأخبار، فلا ريب أنَّ ذلك النوح الدائم أوْلى منها، ولا شكَّ أنَّ أولئك الرجال اللاطمين هُمْ مِن أظهر مصاديق قول الصادق عليه السلام: (يا مُسمع... إنَّ الموجَع قلبه لنا)(1) ، وقوله: (الجازع لمصابنا والحزين لحزننا)(2) .

وأظهر مَن ينطبق عليه قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في الخبر: (لما

____________________

(1) كامل الزيارات ب 32 ح 7 ص 203.

(2) مراد المؤلف رحمه الله هو أن لدم الصدور أجلى مصاديق الجزع المشار إليها في الحديث، لأن هذ الحركات لا تأتي إلا على أساس حالة الجزع التي يستشعرها الإنسان فينشدّ للتعبير عن جزعه بضرب صدره، وكما هو معلوم أن الجزع كذلك يختلف من شخص لآخر تبعاً لاستيعابه للمصيبة واستعداده لتقبل التعبير عنها.

٥٥

أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ابنته فاطمة بقتل ولدها الحسين، وما يجري عليه مِن المِحَن، بكت فاطمة بكاءً شديداً، وقالت: يا أبت متى يكون ذلك؟ قال: في زمان خالٍ منِّي ومنك ومِن عليٍّ، فاشتدَّ بكاؤها، وقالت: يا أبت، فمَن يبكي عليه؟ ومَن يلتزم بإقامة العزاء له؟ فقال النبي: فاطمة، إنَّ نساء أُمَّتي يبكون على نساء أهل بيتي، ورجالهم يبكون على رجال أهل بيتي، ويُجدِّدون العزاء جيلاً بعد جيل في كلِّ سنة). الحديث(1) .

فإنَّ العزاء المتجدِّد كلَّ سنة هو ذلك اللطم والشبيه والمواكب التي تكون في عموم بُلدان الشيعة سنويَّاً لا يوميَّاً، مثل المآتم.

إنَّ لطم الخدود وشقَّ الجيوب ممَّا لا ريب في مرجوحيَّته على غير الحسين عليه السلام وأمَّا عليه عليه السلام ففضلاً عن جوازه قد رغَّب فيه كثير مِن الأخبار، كالمروي في التهذيب عن خالد بن سدير، عن الصادق عليه السلام، وفيه: (ولقد شققن الجيوب والطمن الخدود الفاطميَّات على الحسين بن علي عليه السلام، وعلى مثله تلطم الخدود وتشق الجيوب)(2) .

وإذا كان لطم الخدود مندوباً كان لدم الصدور أولى بالرُّجحان(3) ، وسيأتي في بعض التذكارات الآتية عدُّ لطم الصدر في بعض الأخبار مِن الجزع، وفيه تعرف أنَّ الجزع نفسه في مصاب الحسين عليه السلام مُرغَّب فيه مندوب إليه.

____________________

(1) بحار الأنوار ج 44 ص 292.

(2) تهذيب الأحكام ج 8 ص 325.

(3) والأولوية من باب وحدة الموضوع المشكّك، إذ ضرب أي عضو من أعضاء الإنسان بسبب المصيبة الجزع واحد، إلا أنه يختلف قوة وضعفاً، ولما كان ضرب الوجه - وهو الخدود - راجحاً مع كونه أشد في وقعة على الضارب، فإن ضرب الصدور لابد أن يكون راجحاً مع أنه أقل إيذاءً بل أقل شأناً في نظر العرف من ضرب الخدود.

٥٦

ومِن التذكارات الحسينيَّة...

المواكب

٥٧

٥٨

وهي كثيرة فمنها

موكب لدم الصدور

تنتظم مِن الرجال مواكب، وهم حفاة الأقدام، حُسَّر الرؤوس، عُراة الصدور والظهور، يضربون صدورهم، وربَّما ضربوا رؤوسهم بأيديهم، وقد يذْروا على رؤوسهم التراب أو التبن، وقد يُلطِّخ البعض رأسه بالطين، تَقدَمهم وتحفُّ بهم - وهم على تلك الحال المحزنة - أعلام سود، قد كُتب عليها بالبياض مثل: (الحسين المظلوم) أو (العباس الشهيد)، يُنشدون باللغة الدارجة الأناشيد المحزنة، بموادِّها وألحانها، يخترقون الأسواق والأزقَّة والجوادَّ العموميَّة، وهم على تلك الحال المشجية، وإذا فعلوا ذلك ليلاً تُصحبهم الأنوار الكهربائيَّة، أو المشاعل الموقدة بالبترول الأسود.

إنَّ هذه المواكب بتلك الهيئات وهاتيك الأحوال أبلغ - بلا شُبهةٍ - في إظهار مظلوميَّة سيِّد الشهداء، وأشدُّ تأثيراً في القلوب مِن البكاء المجرَّد، وأحكم في وصل عُرى الجامعة الجعفريَّة، وجعلها كحلقة واحدة أمام العامِّ والخاصِّ، وأولى في صدق كون اللطم فيها إسعاداً للزهراء، وصلةً لسيِّد الأنبياء، ومصداقاً لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (يُجدِّدون العزاء جيلاً بعد جيل في كلِّ سنة)(1) ، ولفحوى(2) قول الصادق عليه السلام:

____________________

(1) بحار الأنوار ج 44 ص 292.

(2) وهي الأولوية التي أشار إليها المؤلف في رجحان لطم الصدور.

٥٩

(على مثله تُلطم الخدود)(1) ، ولقول الرضا عليه السلام للريَّان بن شبيب: (إنْ سَرَّك أنْ تكون معنا في الدرجات العُلى مِن الجِنان فاحزن لحزننا وافرح لفرحنا)(2) ، وقول علي عليه السلام في حديث الأربعمائة: (إنَّ الله تبارك وتعالى اطَّلع إلى الأرض فاختارنا، واختار لنا شيعة ينصروننا، ويفرحون لفرحنا، ويحزنون لحزننا، ويبذلون أموالهم وأنفسهم فينا، أولئك منَّا وإلينا) الحديث.(3)

قلت: وقد يُراد بالنصرة في هذا الخبر وغيره ما يشمل اللطم باليد والسلاسل ونحوه، وإذا كان صاحب (الخصائص الحسينيَّة) يعدُّ البكاء على الحسين عليه السلام نصرة له، مُدَّعياً أنَّ النصرة في كلِّ وقت يحسبها، فاللطم في الشوارع أولى أنْ يعدَّ نصرة وبذلاً للنفس في سبيل أئمَّة الهُدى. ولا ينبغي الريب أنَّ هذا التذكار بحدوده المرموزة ثمَّة مِن مظاهر المودَّة في القُربى، التي هي أجر الرسالة، قال الله تعالى:

( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ) .

ولا شكَّ(4) أحد مِن عرفاء الجعفريَّة أنَّ لَدْم الصدور لمصاب سيِّد الشهداء عليه السلام مِن الشعائر المذهبيَّة، وهذا ما لا يُنكره صاحب المقالة قطعاً، ولا ريب أنَّ خروج مواكب الرجال لادمةً صدورها وهي بتلك الهيئات المحزنة أدخل في تعظيم تلك الشعائر مِن اللطم في المآتم والدور.

وعيسى أنْ يكون صاحب المقالة لا يُنكر هذا كلَّه، وإنَّما يُنكر على الجعفريَّة خروج المواكب، لما يترتَّب عليه مِن بعض المحرَّمات.

قال في الصفحة (8) ما مُلخَّصه، بإصلاح منِّي للتعبير: (وأمَّا لطم الصدور فلم

____________________

(1) تهذيب الأحكام ج 8 ص 325.

(2) أمالي الصدوق ص 193.

(3) الخصال ص 635.

(4) كذا ورد في المطبوعة، والظاهر أنه: لا يشك.

٦٠