الإنسان والعقيدة

الإنسان والعقيدة0%

الإنسان والعقيدة مؤلف:
الناشر: باقيات
تصنيف: المعاد
الصفحات: 292

الإنسان والعقيدة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي
الناشر: باقيات
تصنيف: الصفحات: 292
المشاهدات: 50020
تحميل: 5566

توضيحات:

الإنسان والعقيدة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 292 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 50020 / تحميل: 5566
الحجم الحجم الحجم
الإنسان والعقيدة

الإنسان والعقيدة

مؤلف:
الناشر: باقيات
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الله سبحانه : ( مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ ) (١) ؛ لما ترى من تفاوت الجزاءين في الآية .

وكذا قوله تعالى : ( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ) (٢) .

والاعتبار العقلي أيضاً يساعده ، فإنّ الحبّ أو الشوق إلى الشيء هو الموجب للتوجّه إليه فالتوجّه ، وهو العمل ، يثبت الحبّ والشوق ، وذلك العلم وكلّما تأكّد ثبوت الشيء ، ثمّ ظهور آثاره وكلّ ما يرتبط به ويتعلّق عليه .

وبالجملة فهذه المعرفة المحتاجة إلى العمل ، والتي يتصوّر تحصيلها على أحد وجهين : سير آفاقي ، وسير أنفسي .

والأوّل هو التفكّر والتدبّر ، والاعتبار بالموجودات الآفاقية الخارجة عن النفس ، من صنائع الله وآياته في السماء والأرض ؛ ليورث ذلك اليقين بالله وأسمائه وأفعاله ، لأنّها آثار وأدلّة ، والعلم بالدليل يوجب العلم بالمدلول بالضرورة .

والثاني هو الرجوع إلى النفس ، ومعرفة الحقّ سبحانه من طريقها ؛ إذ هي غير مستقلّة الوجود محضاً ، ومعرفة ما هو كذلك من حيث هو كذلك ، لا تنفكّ عن معرفة المستقلّ الذي يقوّمه ، أو المعرفتان واحدة بوجه .

فهذان طريقان ، إلاّ أنّ الحقّ أنّ السير الآفاقي وحده لا يوجب معرفة حقيقة ، ولا عبادة حقيقة ؛ لأنّ إيجاب الموجودات الآفاقيّة للمعرفة ، إنّما هو لكونها آثاراً وآيات ، لكنّها توجب علماً حصوليّاً بوجود الصانع تعالى وصفاته وهذا العلم متعلّق بقضيّة ذات موضوع ومحمول واقع عليها ، وهما من المفاهيم ، والحقّ سبحانه قد قام البرهان على أنّه سبحانه وجود محض ، لا مهيّة له ، فيستحيل دخوله في الذهن ؛ لاستلزام ذلك مهيّة خالية في نفسها عن الوجودين ، موجودة تارة بوجود خارجي ، وأُخرى بوجود ذهني ، وهي مفقودة هاهنا .

ـــــــــــــ

(١) سورة الشورى : الآية ٢٠ .

(٢) سورة فاطر : الآية ١٠ .

٢٢١

فكلُّ ما وضعه الذهن وتصوّره واجباً ، وحكم عليه بمحمولاته من الأسماء والصفات ، فهو غيره سبحانه البتّة ، وإلى ذلك يشير ما في توحيد الصدوق : مسنداً عن عبد الأعلى ، عن الصادقعليه‌السلام ـ في حديث :(ومَن زعم أنّه يعرف الله بحجاب أو بصورة أو بمثال فهو مشرك ؛ لأنّ الحجاب والمثال والصورة غيره ، وإنّما هو واحد موحّد ، فكيف يُوحِّد مَن زعم أنّه عرفه بغيره ؟َ إنّما عرف الله مَن عرفه بالله فمَن لم يعرفه به فليس يعرفه ، إنّما يعرف غيره والله خالق الأشياء لا من شيء يسمّى بأسمائه ، فهو غير أسمائه ، والأسماء غيره ، والموصوف غير الواصف فمَن زعم أنّه يؤمن بما لا يعرف ، فهو ضالّ عن المعرفة لا يدرك مخلوقٌ شيئاً إلاّ بالله ، والله خِلوّ من خلقه ، وخلقه خِلوّ منه) (١) ـ الحديث .

قولهعليه‌السلام :(وإنّما هو واحد موحّد) ، أي : واحد محض لا كثرة فيه ، ففيه إشارة إلى (برهان امتناع أن يكون معرفة الغير مستلزمة لمعرفته سبحانه) ، بأن يقال : إنّ العلم عين المعلوم بالذات ، كما برهن عليه في محلّه ، فيمتنع أن يكون العلم بالشيء علماً بشيء آخر مباين له ، وإلاّ كان المتباينان واحداً ، هذا خلف .

فاستلزام العلم بشيء علماً بشيء آخر ؛ موجب لوجود اتّحاد ما بين الشيئين ، وحيث فرضا شيئين ففيهما جهة اتّحاد وجهة اختلاف ، فكلّ منهما مركّب من جهتين ، والحقّ سبحانه واحد بسيط الذات ، لا تركّب فيه بوجه ، فيمتنع أن يعرف بغيره ، وإليه يشيرعليه‌السلام بقوله :( ليس بين الخالق والمخلوق شيء ) ، وقولهعليه‌السلام :

(فمَن زعم أنّه يؤمن بما لا يعرف ، فهو ضالّ عن المعرفة ...) ، تفريع لقولهعليه‌السلام السابق :(إنّما عرف الله مَن عرفه بالله ...) .

ـــــــــــــ

(١) التوحيد : ١٣٨ ، باب صفات الذات وصفات الأفعال ، الحديث ٧ ، و : ١٨٧ ، باب أسماء الله تعالى والفرق بين معانيها ، الحدث ٦ ، باختلاف يسير .

٢٢٢

وقوله :(لا يدرك مخلوق شيئاً إلاّ بالله) بمنزلة البرهان عليه ، بأنّ كلّ شيء معروف بالله ، الذي هو نور السموات والأرض ، فكيف يعرف بغيره ؟! لأنّه مقوِّم كلِّ ذات غير متقوّم بالذات والعلم بغير المستقلّ ذاتاً بعد العلم بالمستقلّ الذي يقوّمه ؛ لأنّ وقوع العلم يقتضي استقلالاً في المعلوم بالضرورة ، فالعلم بغير المستقلّ إنّما هو يتبع المستقلّ الذي هو معه .

هذا ، وحيث أوهم ذلك حلولاً أو اتّحاداً (تعالى الله عن ذلك) ، أعقبعليه‌السلام ذلك بقوله :(والله خِلوّ من خلقه ، وخلقه خِلوّ منه ...) .

والقول بكون إدراك المخلوق كلَّ شيء بالله ، لا ينافي صدر الرواية من نفي استلزام العلم بالشيء علماً بغيره ؛ لأنّ العلم الذي في صدر الرواية علم حصولي ، والذي في الدليل حضوري .

هذا ، والروايات في نفي أن تكون المعرفة الفكريّة معرفة بالحقيقة كثيرة جدّاً .

فقد تحصّل أنّ شيئاً من هذه الطرق ، غير طريق معرفة النفس ، لا يوجب معرفة بالحقيقة .

وأمّا طريق معرفة النفس ، فهو المنتج لذلك ، وهو أن يوجّه الإنسان وجهه للحقّ سبحانه ، وينقطع عن كلّ صارف شاغل عن نفسه إلى نفسه ، حتّى يشاهد نفسه كما هي ، وهي محتاجة بذاتها إلى الحقّ سبحانه .

وما هذا شأنه لا ينفكّ مشاهدته عن مشاهدة مقوّمه كما عرفت فإذا شاهد الحقّ سبحانه ، عرفه معرفة ضروريّة ، ثمّ عرف نفسه به حقيقة ؛ لكونها قائمة الذات به سبحانه ، ثمّ يعرف كلِّ شيء به تعالى .

٢٢٣

وإلى هذا يشير ما في (تحف العقول) عن الصادقعليه‌السلام ـ في حديث : (مَنْ زعم أنّه يعرف الله بتوهم القلوب فهو مشرك ومَن زعم أنّه يعرف الله بالاسم دون المعنى فقد أقر بالطعن ؛ لأنّ الاسم محدث ومَن زعم أنه يعبد الاسم والمعنى فقد جعل مع الله شريكاً ومن زعم أنّه يعبد [المعنى]بالصفة لا بالإدراك ، فقد أحال على غائب ومَن زعم أنّه يعبد الصفة والموصوف ، فقد أبطل التوحيد ؛ لأنّ الصفة غير الموصوف ومَن زعم أنّه يضيف الموصوف إلى الصفة ، فقد صغَّر بالكبير ( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ) ) (١) .

قيل له : فكيف سبيل التوحيد ؟

قالعليه‌السلام :(باب البحث ممكن ، وطلب المخرج موجود إنَّ معرف عين الشاهد قبل صفته ، ومعرفة صفة الغائب قبل عينه) .

قيل : وكيف تعرف عين الشاهد قبل صفته؟

قالعليه‌السلام :(تَعْرِفُهُ ، وتَعْلَمُ عَلَمه ، تعرف نفسه به ، ولا تعرف نفسك بنفسك من نفسك ، وتعلم أنّ ما في له وبه ، كما قالوا ليوسف : ( قَالُواْ أَإِنَّكَ لأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَـذَا أَخِي ) (٢) ، فعرفوه به ، ولم يعرفوه بغيره ، ولا أثبتوه من أنفسهم بتوهّم القلوب) (٣) ـ الخبر .

قولهعليه‌السلام :(وتعلم عَلَمه ...) (بفتح العين واللام) بمعنى العلامة ، أو خصوص الاسم ، أي تعرفه ثمّ تعلم علائمه وأوصافه به ونفسك به ، لا بغيره ، وكونه بكسر العين وسكون اللام وجب تكلّفاً في التوجيه .

وأنت بعد التأمّل في معنى هذه الرواية الشريفة التي هي من غرر الروايات ، وخاصّة في تمثيله بمعرفة إخوّة يوسفعليه‌السلام له ، تقدر أن تستخرج جميع الأُصول الماضية في الفصول السابقة من هذه الرواية وحدها ، فلا نطيل البيان .

ـــــــــــــ

(١) سورة الأنعام : الآية ٩١ .

(٢) سورة يوسف : الآية ٩٠ .

(٣) تحف العقول : ٢٣٨ ، ما روي عن الإمام أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام ـ كلامهعليه‌السلام في وصف المحبّة لأهل البيت والتوحيد والإيمان .

٢٢٤

وبالجملة ، فإذا شاهد ربّه ، عرفه وعرف نفسه وكلّ شيء به ، وحينئذٍ يقع التوجّه العبادي موقعه ، ويحلّ محلّه ؛ إذ بدونه كلُّ ما توجّهنا إليه فقد تصوّرنا شيئاً ، كائناً ما كان وهذا المفهوم المتصوّر ، والصورة الذهنيّة ، وكذا مطابقة المحدود المتوهّم ، غيره سبحانه ، فالمعبود غير المقصود .

وهذا حال عباده غير العارفين من العلماء بالله ، وقبول هذا النحو من العبادة ـ مع ما عرفت من شأنها ـ من فضل الله تعالى محضاً ، قال سبحانه :( وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنكُم مِن أَحَدٍ أَبَداً ) (١) .

وهذا بخلاف عبادة العارفين بالله المخلصين له ، فإنّهم لا يتوجّهون في عبادتهم لا إلى مفهوم ، ولا إلى مطابق مفهوم ، بل إلى ربّهم جلّت عظمته وبهر سلطانه ، قال سبحانه :( سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ* إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ) (٢) .

ومن هنا يظهر أنّ المراد بالمخلَصين هم الذين أُخلصوا (بالبناء للمجهول) لله سبحانه ، فلا حجاب بينهم وبينه ؛ وإلاّ لم يقع وصفهم موقعه وحيث إنّ الخلق هم الحجاب ، كما قال سيّدنا موسى بن جعفرعليه‌السلام :(ليس بينه وبين خلقه حجاب إلاّ خَلْقه) (٣) ـ الحديث ، فهم لا يرون الخلق وإنّما يقصدون الحقّ سبحانه .

وفي ( تفسير العسكريعليه‌السلام ) :(وقال محمّد بن عليّ الباقر عليه‌السلام : لا يكون العبد عابداً لله حقّ عبادته حتّى ينقطع عن الخَلق كلّهم إليه ، فحينئذٍ يقول : هذا خالص لي فيقْبَله بكرمه) (٤) .

ـــــــــــــ

(١) سورة النور : الآية ٢١ .

(٢) سورة الصافات : الآيتان ١٥٩ و ١٦٠ .

(٣) بحار الأنوار : ٣ / ٣٢٧ ، باب ١٤ ـ نفي الزمان والمكان والحركة والانتقال عنه تعالى ، الحديث ٢٧ .

(٤) تفسير الإمامعليه‌السلام : ٣٢٨ ، التواضع وفضل خدمة الضيف ، الحديث ١٨١ .

٢٢٥

وقال جعفر بن محمّدعليه‌السلام : (ما أنعم الله على عبد أجلَّ من أن لا يكون في قلبه مع الله غيره) (١) .

وقال محمّد بن علي ، يعني الجوادعليه‌السلام :(أفضل العبادة الإخلاص) (٢) .

وممّا مرّ من البيان أيضاً ؛ يظهر معنى قوله سبحانه حكاية عن إبليس :( فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ) (٣) ، وقوله سبحانه :( فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ * إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ) (٤) الآيات ؛ إذ هؤلاء مستغرِقون فيه سبحانه ، ولا يرون إبليس ، ولا وسوسته ، ولا إحضاراً ، ولا حساباً وإليه الإشارة في الحديث القدسي :(أوليائي تحت قبائي ، أو ردائي) (٥) ، وإلى ذلك يرجع حديث الأمن المتقدّم [راجع : ص ٢٤٢] عن يونس .

والمحصّل أنّ طريق معرفة النفس هي الموصلة إلى هذه الغاية ، وهي أقرب الطرق فحسب ؛ وذلك بالانقطاع عن غير الله ، والتوجّه إلى الله سبحانه بالاشتغال بعرفة النفس كما يحصل من خبر موسىعليه‌السلام المتقدّم :(ليس بينه وبين خلقه حجاب إلاّ خلقه ، احتجب بغير حجاب محجوب ، واستتر بغير ستر مستور) (٦) ـ الحديث .

وهذا الحديث الشريف أجمل بيان لأحسن طريق ؛ فيبتدئ بالأسباب الواردة شرعاً للانقطاع ، من التوبة والإنابة ، والمحاسبة والمراقبة ، والصمت والجوع ، والخلوة والسهر ، ويجاهد بالأعمال والعبادات ، ويؤيّد ذلك بالفكر والاعتبار ، حتّى يورث ذلك انقطاعاً منها إلى النفس ، وتوجّهاً إلى الحقّ سبحانه ، ويطلع من الغيب طالع ، ويتعقّبه شيء من النفحات الإلهيّة والجذبات الربّانية ، ويوجب حبّاً وإشرافاً ، وذلك هو الذِّكر .

ـــــــــــــ

(١) مستدرك الوسائل : ١ / ١٠١ ، باب وجوب الإخلاص في العبادة والنيّة ، الحديث ٩١ / ٨ .

(٢) بحار الأنوار : ٦٧ / ٢٤٩ن باب ٤٥ ـ الإخلاص ومعنى قربه تعالى ، الحديث ٢٥ .

(٣) سورة ص : الآيتان ٨٢ و ٨٣ .

(٤) سورة الصافّات : الآيتان ١٢٧ و ١٢٨ .

(٥) راجع : فهرست النسخ الخطّية / مكتبة آية الله الگلپايگاني : ١ / ٣٩ ، ٦ ـ تلازم بين رجعت وولايت : ٧٨ پ ـ ٨٣ ر (اعتقادات فارسي) ، وشرح الأسماء الحسنى / الملاّ هادي السبزواري : ٢ / ٦٦ ، ولكن ورد فيها : (أوليائي تحت قبابي) .

(٦) تقدّم ذكره في الصفحة ٢٤٩ ، الهامش رقم ٣ .

٢٢٦

ثمّ لا يزال بارق يلمع ، وجذبة تطلع ، وشوق يدفع ، حتّى يتمكّن سلطان الحبّ في القلب ، ويستولي الذِّكر على النفس ، فيجمع الله الشمل ، ويختم الأمر وإنّ إلى ربّك المنتهى .

واعلم أنّ مثل هذا السائر الظاعن مثل مَن يسلك طريقاً قاصداً إلى غاية ، فإنّما الواجب عليه أن لا ينسى المقصد ، وأن يعرف من الطريق مقدار ما يعبر منه ، وأن يحمل من الزاد قدر ما يحتاج إليه فلو نسي مقصده آناً ما ، هام على وجهه حيران ، وضلّ ضلالاً بعيداً ولو ألْهَاه الطريق ومشاهدته وما فيه ، بطل السير وحصل الوقوف ولو زاد حمل الزاد تعوّق السعي وفات المقصد ، والله المستعان سبحانه .

فإن قلت : هب أنّه ثبت بهذا البيان ـ على طوله ـ أن أقرب الطرق إلى الله سبحانه طريق معرفة النفس ، لكن لم يثبت بذلك وجود بيان خاصّ في الشريعة لهذا الطريق ، يتبيّن به كيفيّة الدخول والخروج فيه ، وشئون سلوكه على دقّته وخطره وكثرة أهواله ومخاطره وعظم تهلكته وبواره فأين البيان الوافي بجميع هذه الخصوصيات ، والفارق بين المنجيات والمهلكات ؟

قلت : قد أشرنا في الفصل الثاني من هذه الرسالة إلى أنّ البيانات الواردة في الكتاب والسنّة بيان واحد ، وإنّما الاختلاف في ناحية الأخذ والتفاوت في إدراك المدركين .

والسير إليه سبحانه الذي هو أيضاً نتيجة الفهم والعلم ، يختلف باختلافه ، وينشعب بانشعابه ولعمري هو من الوضوح بمكان ، وقد ذكرنا هناك أنّ الناس على طبقات مختلفة ، كلّ طبقة تأخذ على طِبْق فهمها ، وتعمل على وتيرتها .

فإذا فرضنا واحداً من العامّة بغيته الدنيا وزخارفها ، يبيت وهو يفكّر في تدبير معاش غده ، كيف يبيع ويشتري ، وأين يذهب غداً ، ومَن يلاقي ، ويصبح همّه تدبير أمر يومه ، وإصلاح شأنه في الدنيا إذا سمع داعي الله ، بشيراً ونذيراً ، يبشّر بمغفرة من الله ورضوان وجنّات لهم فيها نعيم مقيم ، ويُنذر بنار وقودها الناس والحجارة وسائر ما أعدّ الله للظالمين ، فلقصور همّته ، واختصاص همّه بما يشبعه ويرويه ، لا يجد مجالاً للغور في آيات الله وكلماته ، وإنّما يؤمن بإجمال ما سعى ، ويدين من الأعمال الصالحة بما لا يزاحم ما يبتغيه من الدنيا فالدنيا عنده هي الأصل ، والدين تبع ، فلذلك يضادُّ فعلُه قولَه ، وعملُه علمَه .

٢٢٧

تراه يقول : إنّ الله سميع بصير ، وهو يقترف كلّ منكر ، ويترك كلّ واجب وتراه يؤمن بأنّ الله سمع بصير ، وهو يقترف كلّ منكر ، ويعبد كلّ وليّ من دون الله يهرع إلى كلّ شيطان يدعوه إلى عذاب السعير ، إذا استشعر هناك يسير شيء من زخارف الدنيا ولا يرقى فهمه ـ إن استفهمته ـ أنّه لا يرى غير الجسم والجسمانيّات شيئاً وفوق هذه الأوهام الدائرة أمراً .

يؤمن بأنّ لله عرشاً يصدر عنه أحكام خلقه ، ويُجريه عمّال ملائكته في السموات والأرض ، وهي مُلكه ، وأُولوا العقل من الخلق رعيّته ، وهم هذه الأبدان المحسوسة ، كلّفهم بتكاليف ما دارت الدنيا على الاختيار ، ثمّ يميت الله الخلق ، ويعدمهم بعد الوجود ثمّ يأتي على الدنيا وهي خربة يوم يحيي الله فيه الخلق ، ويجمعهم ليوم الجمع ، ثمّ يجزي الصالحين بجنّة ما فيها غير مشتهى النفس ، وهي البدن الدنيوي ، والظالمين بنار ما فيها غير اللهب والشرر كلّ ذلك على نسق ما يتّخذه المَلِك منّا من لوازم الأُبّهة والعزّة وإجراء الحكم ومجازاة الرعيّة وسياسة المُلك ، لا شيء أرفع من ذلك .

فهذه طبقة ، وذلك مقامه في العمل والعلم .

وإذا فرضنا واحداً من الزاهدين والعابدين ـ وهم الناظرون بنظر الاعتبار إلى فناء الدنيا وزخارفها وغرورها ونفادها ، وبقاء ما عند الله سبحانه ، المستعدّون للزهد والعبادة ـ سمع داعيَ الحقّ يدعوه إلى الانسلال من أكاذيب مشتهيات الدنيا ، والإقبال إلى عبادة الله ، لتحصيل النجاة من أليم العذاب ، والفوز بنعمة لا تفنى ومُلك لا يبلى ، تمكّنت خشية الله في قلبه ، وصار الموت نصب عينه ، فأخرجتْ حبَّ الدنيا وهمَّ المعاش من قلبه ، ولم يكن له همّ إلاّ الزهد عن الدنيا ، أو صالح العمل لله طمعاً في مرضاته فيهذّب صفات نفسه ، ويصلح جهات عمله ، ويتّقي ما يسخط الله سبحانه فيما يستقبله ، كلّ ذلك طمعاً في نعيم مخلّد ، وحذراً من عذاب سرمد .

ولو أجدت التأمّل في حاله ، وما يريده في مجاهدته ، وجدته لا يريد إلاّ مشتهى نفسه ، فهو يحبّ نفسه لِمَا سمع من الحقّ أنّها خُلقت للبقاء لا للفناء ، فيحبُّها ، ويحبّ مشتهاها ، ويزهد في الدنيا لِمَا يرى من فنائها وزوالها .

فلو أنّ الدنيا دامت بأهلها ، وتخلّدت نعمها ومشتهياتها ، وانمحت عنها مكارهها ، لم ينقص من مبتغى هذا العامل المجاهد شيئاً ومن هنا تعلم أنّ الكمال عند هذا الرجل هو مشتهيات النفس من النعم الدنيويّة المادّية ، لكنّه يراها مقرونة بالنواقص والموانع ، فيطلب مشتهيات من جنسها خالية من كدورتها فيرى الدار الآخرة من عرصات الدنيا وخواتمها ، ويعتقد أنّ يوم القيامة من أيّامها .

٢٢٨

فنفسه واقفة على هذه المرتبة الجسميّة ، لم ترقَ عنها ليأسها عما هو أشرف منها فلا يريد كمالاً اشرف من الكمال الجسمي ، إذا لم يعهده ولم يعتقد به ، فهو نازل عن مرتبة العلم بالله ، واقف في مرتبة العمل ، يتقلّب بين أطوار الحياة من قول وعمل ، وخلق حسن ، كأنّ أستار الغيب مرتفعة عنه ، وكأنّ ما وراء الحجاب مكشوف له ، لا يستفزُّ عن عينه ، وليس كذلك .

وهو المأيوس عن مشاهدة ما وراء الحجاب ، وقد وطّن نفسه لِمَا بعد الموت فإنّما له صالح العمل وجزيل الثواب فحسب ، لا يرزق خيراً من ذلك :( وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ ) (١) .

وهؤلاء أيضاً طبقة ، وذلك مقامهم في العلم والعمل ، يشتركون مع الطبقة الأُولى في العلم ، ويفترقون عنهم في العمل .

وإذا فرضنا واحداً من المحبّين المشتاقين ، وهو رجل أخذته بارقة الحبّ ، وجذبته جذبة الشوق إلى لقاء الله سبحانه ، فانهدّت أركانه ، واضطربت أحشاؤه ، وحار قلبه ، وطار عقله ، وانسلّ عن الدنيا وزخارفها ، ولم يقع همّه على العقبى ونعيمها ، ولا دين للمحبّ إلاّ المحبوب ، ولا مطلوب له إلاّ المطلوب .

إذا سمع الله سبحانه يقول لعباده :( فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ ) (٢) ، ويقول :( إِنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ) (٣) ، ذمّ الدنيا وزخارفها ، وأعرض عن زخارفها لأنّه سبحانه يذمُّها ، ولو أنّه مدحها لمدحها على فنائها وخسّتها .

وإذا سمعه سبحانه يقول : ( وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ ) (٤) ، مدح الآخرة لأنّه سبحانه يمدحها ، ولو أنّه ذمّها لذمّها على بقائها وشرفها .

ـــــــــــــ

(١) سورة الشورى : الآية ٢٧ .

(٢) سورة لقمان : الآية ٣٣ .

(٣) سورة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الآية ٣٦ .

(٤) سورة العنكبوت : الآية ٦٤ .

٢٢٩

وإذا سمعه يقول :( أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) (١) ،( إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ ) (٢) ،( وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ) (٣) ، و( هُوَ قَآئِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ) (٤) ، لم يبقَ شيء إلاّ وتعلّق قلبه به ، واعتكفت نفسه عليه ، لا للَعبٍ يلعبه وما للمحبّ الحيران واللعب ؟! بل لأنّ ربّه سبحانه قائم على أعمال كلّ شيء ، قريب منه ومعه ، شهيد عليه ، محيط به ، فهو يسعى نحوه سبحانه ، ويقصده لكن بالأشياء لا وحده .

وإذا سمعه سبحانه يقول :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ) (٥) ، تفطَّن أن تعلّقه بنفسه ليس كتعلّقه بغيرها من الأشياء ، وأنّه الاهتداء إلى مطلوبه البتّة وهو سبحانه جعله (أي المحبّ) سالكاً إليه ؛ إذ قال :( يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ ) (٦) .

وإذا سمعه سبحانه يقول :( وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً ) (٧) ، ويقول :( وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * َإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ ) (٨) ، ويقول :( وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ ) (٩) ـ والنسيان ، هو الإعراض عن الذِّكر ـ عرف أنّ نسيان نفسه ، والتعلّق بالأشياء ، علامة نسيان ربّه .

وأنّه لو أعرض عن ذكره وتعلّق بالأشياء ، لسلكه ذلك إلى عذاب صعداً ـ ولا عذاب عند المحبّين إلاّ حجاب البُعد ـ ولأضلّه القرين عن السبيل .

ـــــــــــــ

(١) و (٢) سورة فصّلت : الآيتان ٥٣ و ٥٤ .

(٣) سورة الحديد : الآية ٤ .

(٤) سورة الرعد : الآية ٣٣ .

(٥) سورة المائدة : الآية ١٠٥ .

(٦) سورة الانشقاق : الآية ٦ .

(٧) سورة الجنّ : الآية ١٧ .

(٨) سورة الزُّخرف : الآيتان ٣٦ و ٣٧ .

(٩) سورة الحشر : الآية ١٩ .

٢٣٠

وحينئذٍ يتحقّق أن السبيل هو نفسه ، وطريقة التعلّق به للسلوك إلى ربّه ؛ لأنّ ربّه معه وقائم عليه محيط به فعند ذلك ينقطع عن كلّ شيء إلى نفسه ، ويتعلّق بها ، ويصفّيها ، ويهذّبها بفاضل الأخلاق وصالح الأعمال ، والتحرّز عن الموبقات ، والفرار عن المهلكات ؛ لأنّه سبحانه يأمر بها ، ويحبُّها لا لجنّة يطمع فيها ، ولا لنار يخاف منها ، بل لوجه الله ، لا يريد بذلك جزاء ولا شكوراً .

كلّ ذلك وهو متعلّق بنفسه ابتغاء لقاء ربه ، محدق بها ، متوجّه القلب إليها ليله ونهاره ، لكنّه لا يعطيها استقلالاً ، ولا يدع لها تمكّناً وحاشاه! وأنّى يقع صادق الحبّ على محبوبين ؟! وحقّ الطلب على مطلوبين؟! بل المحبوب محبوب لذاته ، وكلّ ما يحبّه هو محبوب لأجله ، فهو المحبوب في نفسه وفي غيره .

وأنت تعلم أنّ المحبّ لا يريد إلاّ المحبوب ، يلوي (يفرّ) إليه من كلّ ما يصدّه عنه ، ويميل إليه من كلّ ما يشغله عنه لا همّ له إلاّ الخلوة بمحبوبه والوصول إليه من كلّ حاجب يحجب عنه وكلّما مكث على وصفه ، اشتدّ وجده واشتعل نار شوقه ، وربّما دفعه الشوق إلى الغيبة عن نفسه ، وفنائها عن نظره ، والاشتغال فقط بربّه ، فلا يبقى إلاّ وجهُ ربِّه ذو الجلال والإكرام .

وهؤلاء أيضاً طبقة ، ومقامهم في العلم والعمل ما عرفت .

وقد عرفت أنّ الفارق حقيقة بين هذه الطبقات الثلاث ، اختلاف حالهم في الإدراك ، وبذلك يفترقون في فهم المدلول من كلام واحد إلى مدلولين اثنين أو إلى ثلاث .

فبيان الطريق ليس من شئون الشرع ، وإنّما هو الفهم يختلف اختلافاً .

ولقد سمعت بعض مشايخي ، وقد سُئل عن طريق معرفة النفس : لِمَ لَم يُبيَّن شرعاً ، وهو أقرب الطرق إلى الله سبحانه ؟

فقال مُدّ ظلّه : وأيّ بيان في الشرع لا يروم هذا المقصد ، ولا يشرح هذا الطريق ؟!

ومن هنا ربّما يذكر بعض هذه الطبقة في تفسير بعض الآيات والأخبار ، معاني بعيدة عن فهم العادي كلّ البعد .

هذا ، والذي ينبغي أن يعلم هاهنا أنّ هذا الطريق مركّب من فعل وترك ، وهو رفض غير الله ، والتوجّه إلى الله سبحانه ، وهما كالمتلازمين أو متلازمان ؛ إذ قد مرّ أنّ العلم بالله أبده البديهيات ، وإنّما الحاجب عنه هو الغفلة دون الجهل ، وذلك بالاشتغال بحطام الدنيا ، وعرَض هذا الأدنى ، فما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه .

٢٣١

فالاشتغال بها يوجب حبّاً وتعلّق الهمّة كلّها بها ، فيشغل ذلك حيّز القلب ، فلا يصفو مرآته حتّى ينعكس فيها جمال الحقّ سبحانه ، وتحصل المعرفة ، فإنّ الأمر أمر القلب .

وإن شئت اختبار صدق ما ذكرناه ، أمكنك اعتباره بأن تأخذ لنفسك مكاناً خالياً ، لا يكون فيه شاغل زائد من النور والصوت والأثاث وغيرها .

ثمّ تقعد قعوداً لا يشغلك بفعل زائد مع غمض العين .

ثمّ تتوجّه إلى صورة ما خياليّة ، بأن تشخص بعين خالك إلى صورة (أ) مثلاً ، وتتنبّه لكلّ صورة خيالية تطرقك لتستعمل الإعراض عنه إلى صورة (أ) ، فإنّك تجد في بادئ الأمر صوراً خياليّة معترضة مزدحمة عندك مظلمة مشوّشة ، لا يتميّز بعضها عن بعض ، من أفكار اليوم والليلة ، ومقاصدك وإرادتك ، حتّى ربّما تتيقّظ بعد مضي نحو ساعة أنّك في مكان كذا ، أو مع شخص كذا ، أو في عمل كذا هذا مع أنّك قد شخصت ببصر خيالك نحو (أ) ، وهذا التشويش يدوم معك مدّة .

ثمّ لو دمت على هذه التخلية أيّاماً ، ترى بعد برهة أنّ الطوارق والخواطر تقلّ فتقلّ ، ويتنوّر الخيال ، حتّى كأنّك ترى ما يخطر في قلبك من هذه الخواطر ببصر الحسّ ، ثمّ تقلّ فتقلّ كلّ يوم تدرُّجاً ، حتى لا يبقى مع صورة (أ) صورة أُخرى البتّة .

هذا ، ومن ذلك تعرف صحّة ما قلنا: إنّ الاشتغال بالمشاغل الدنيويّة توجب نسيانك نفسَك ، والغفلة عمّا وراء هذه النشأة ، وأنّ التخلّص نحو الباطن ، يحصل بالإعراض عن الظاهر ، والإقبال إلى ما ورائه فلو رمت نحو مشاهدة نفسك بمثل الطريق المذكور مثلاً ، وجدت أضعاف ما ذكرناه من الخواطر المانعة ، وهي صور المشتهات والمقاصد الدنيويّة .

فالطريق المتعيّن للمعرفة أن تصفّي قلبك عن الدنيا ، وكلّ حجاب غير الله سبحانه فكلّما ذُكر من الأسباب ، من المراقبة والخلوة وغيرهما ، إنّما هو لتحصيل هذه الحالة القلبيّة ، ثمّ تتوجّه بقلبك نحو الحقّ سبحانه ، وتشرف عليه عزّ اسمه .

٢٣٢

وهذا هو الذكر ، وهو الإشراف على الحقّ سبحانه ، وهو آخر المفاتيح ، والله الهادي .

واعلم أنّ الذكر بهذا المعنى كثير الورود في الكتاب والسُّنّة :

قال سبحانه :( وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا ) (١) .

وفي قوله سبحانه :( فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً ) (٢) ، فمن المعلوم أنّ الشدّة لا يوصف به الذكر اللفظي .

وقال سبحانه :( وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ ) (٣) .

ـــــــــــــ

(١) سورة الكهف : الآية ٢٨ .

(٢) سورة البقرة : الآية ٢٠٠ .

(٣) سورة غافر : الآية ١٣ .

٢٣٣

وقال سبحانه :( وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ ) (١) .

إلى غير ذلك من الآيات ، وقد مرّ بعض الأخبار المشتملة عليه(٢) .

وفي دعاء كميل ، قالعليه‌السلام :(أسألك بحقّك وقدسك ، وأعظم صافتك وأسمائك ، أن تجعل أوقاتي في الليل والنهار بذكرك معمورة ، وبخدمتك موصولة ، وأعمالي عندك مقبولة ؛ حتى تكون أعمالي وأورادي كلّها ورداً واحداً ، وحالي في خدمتك سرمداً) (٣) ـ الدعاء .

ـــــــــــــ

(١) سورة البقرة : الآية ٢٦٩ .

(٢) راجع : الصفحة ٢٤٩ وما بعدها من هذا الكتاب .

(٣) المصباح / الكفعمي : ٥٥٩ ، دعاء أمير المؤمنينعليه‌السلام في ليلة نصف شعبان .

٢٣٤

الفصل الخامس : فيما ناله الإنسان بكماله

وهذا الفصل كالتوضيح لما مرّ في الفصل الثاني من الكلام .

نقول : قد عرفت أنّ كمال الإنسان فناؤه بأقسامه الثلاثة ، وبعبارة أُخرى : التوحيد الفعلي والاسمي والذاتي .

وقد عرفت أيضاً أنّ كلّ موجود فقربه من الحقّ سبحانه على قدر حدود ذاته وأعدامه ، فالوسائط التي بين نشأة الإنسان البدنيّة وبين الحقّ سبحانه ، مترتّبة بحسب حدود ذواتها .

فالإنسان في سيره إلى الحقّ سبحانه لا بدّ أن يعبر من جميع مراتب الأفعال والأسماء والذوات ، حتّى ينال التوحيدات الثلاثة وحيث إنّه لا ينال مرتبة من مراتب كماله إلاّ بفنائه وبقاء ذلك الكمال في المحلّ ، فهو في كلّ مرتبة واقف على مجرى جميع أنواع الفيوضات المترشّحة من تلك المرتبة إلى ما دونها ، متحقّق به ، حتّى ينال توحيد الذات ، ولا يبقى له اسم ولا رسم ، والمُلك يومئذٍ لله .

وهذا البرهان على وجازته ، مشتمل على جميع مقامات الأولياء ، منبئ عن شئونهم ، كافٍ لمَن فهمه .

وأمّا خصوصيّات مقاماتهم ، فلا يحيط بها إلاّ ربّهم عزّ اسمه .

٢٣٥

تتمّة :

مقامات الأولياء وخاصّة أسرارهم مع الله سبحانه ؛ حيث إنّ ولاية أمرهم لله سبحانه ، وقد فنت أسماؤهم ورسومهم فيه تعالى ، لا يمكن الإحاطة بها ، وقد قال سبحانه :( وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً ) (١) .

وكفى لهم شرفاً أنّ ولاية أمرهم لله سبحانه ، وهو المربّي لهم والمبشّر لهم ، قال سبحانه :( أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ) (٢) .

ثمَّ عرّفهم سبحانه ، فقالِ :( الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ) (٣) ، فوصفهم بتلبّسهم بالإيمان بعد تلبّسهم بالتقوى ومن المعلوم أنّ التقوى التي هي التحذّر عمّا يسخط الله ، إنّما تتحقّق بعد الإيمان بالله ورسوله .

فعلمنا بذلك أنّ هذا الإيمان المذكور في الآية غير الإيمان الذي يتقدّم على التقوى ، وليس إلاّ تأكّد الإيمان ، بحيث لا يتخلّف عنه مقتضاه فإنّ أصل الإيمان ، وهو الإذعان في الجملة ، يجامع الشرك في الجملة وسائر المعاصي ، قال سبحانه : ( وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ ) (٤) . لكنّ الكامل التامّ منه يلازم الجري على ما توجبه أُصول الدين وفروعه ، فيرجع معناه إلى التسليم للرسول في كلّ ما جاء به ، كما قال سبحانه :( فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً ) (٥) .

ـــــــــــــ

(١) سورة طه : الآية ١١٠ .

(٢) سورة يونس : الآية ٦٢ .

(٣) سورة يونس : الآية ٦٣ .

(٤) سورة يوسف : الآية ١٠٦ .

(٥) سورة النساء : الآية ٦٥ .

٢٣٦

وتسليمك لأحد أن تفنى إرادتك في إرادته ، فلا تريد إلاّ ما يريد ، ولا تشاء إلاّ ما يشاء ، وهو التبعيّة التامّة ، كما قال سبحانه :( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ ) (١) ، وقال :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ ) (٢) .

فقيّد الإيمان ثانياً بالرسول ، وهذا الإيمان هو اليقين التامّ بالله سبحانه وأسمائه وصفاته ، وبحقيّة ما جاء به رسوله ، والتبعيّة والتسليم التامّ للرسول فأفعالهم طبق أفعاله ، وغايتهم غايته ، وهو إمامهم ، ولا غاية لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلاّ ابتغاء وجه ربّه ، والإعراض التامّ عن الدنيا ، قال سبحانه : ( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ) (٣) .

ثمَّ وعدهم سبحانه ، فقال : ( وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ ) (٤) ، وقَدَمَ الصدق هو المكانة الثابتة والمقام المكِّي ، فبه يكنّى عن ذلك عرفاً ، وهو مرتبتهم من الله سبحانه عنده .

وقد قال سبحانه :( مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللّهِ بَاقٍ ) (٥) ، فاخبر بأنّ ما عنده باقٍ دائم ، غير فانٍ ولا هالك .

وقال أيضاً :( كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ) (٦) ، فأخبر بالهلاك لكلّ شيء غير وجهه .

ـــــــــــــ

(١) سورة آل عمران : الآية ٣١ .

(٢) سورة الحديد : الآية ٢٨ .

(٣) سورة الكهف : الآية ٢٨ .

(٤) سورة يونس : الآية ٢ .

(٥) سورة النحل : الآية ٩٦ .

(٦) سورة القصص : الآية ٨٨ .

٢٣٧

فبان بذلك أنّ ما عنده سبحانه وجه له ، ووجه الشيء غر منفصل عن الشيء ، وهو ما يواجهك به ، فهؤلاء متمكّنون بقَدَمهم الصدق في سبحات وجهه تعالى ، مستهلكون في غمار أنواره ، خارجون عن حيطة العمّال ، غير مختصّين بمكان دون مكان( فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ ) (١) ، وقال سبحانه أيضاً :( كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ) (٢) .

وقد أطبق القرّاء على قراءة (ذو) بالرفع ، وليست صفة مقطوعة ؛ يشهد به قوله تعالى :( تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ) (٣) ، و( سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ) (٤) ، فهو صفة وجه .

والجلال والإكرام جامعان لصفات الجلال والجمال جميعاً ، فلا يشذّ عنهما صفة من صفاته العليا ، ولا اسم من أسمائه الحسنى فهؤلاء متمكّنون بينها وفيها ، لا اسم لهم ولا رسم إلاّ صفاته وأسمائه سبحانه ، وارتفع الحجاب ؛ إذ لم يبق منهم ولا معهم ولا دونهم شيء ، ولا غير وجهه ذي الجلال والإكرام شيء ، فافهم .

وبذلك يظهر معنى ما في حديث مجيء الملائكة بالكتاب من الله إلى وليّه بالجنّة ، وفيه مكتوب :(من المَلك الحيِّ القيُّوم إلى المَلك الحيِّ القيُّوم) ـ الحديث .

وقد وعدهم سبحانه بالقرب منه تعالى ، وسمّاهم المقرّبين ؛ إذ عرّف المقرّبين بالسابقين في قوله سبحانه :( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) (٥) ، وعرّف السابقين بتقييدهم بالخيرات ، فقال سبحانه :( ثمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ

ـــــــــــــ

(١) سورة البقرة : الآية ١١٥ .

(٢) سورة الرحمن : الآيتان ٢٦ و ٢٧ .

(٣) سورة الرحمن : الآية ٧٨ .

(٤) سورة الأعلى : الآية ١ .

(٥) سورة الواقعة : الآيتان ١٠ و ١١ .

٢٣٨

اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ ) (١) ، وقال سبحانه أيضاً : ( إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ ) (٢) ، فقد نفى كلّ شرك علماً وعملاً ، إلى أن قال :( أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ) (٣) ، فهؤلاء هم المؤمنون حقّاً المستكملون للعلم بالله والعمل لله ، السابقون المقرّبون الموقنون .

ثمَّ وعدهم سبحانه بأنّه يكشف الغطاء عن قلوبهم ، فقال : ( كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَّرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ ) (٤) وعلّيّون هو العالم العلوي .

وقال سبحانه :( وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ) (٥) ، وهذه الغاية من قبيل قوله تعالى :( وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ ) (٦) ، وقوله :( وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء ) (٧) ، لا من قبيل قوله : ( لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ) (٨) .

فإذن تفيد الآية أنّه سبحانه يُري عباده الموقنين ملكوت السموات والأرض .

ـــــــــــــ

(١) سورة فاطر : الآية ٣٢ .

(٢) سورة المؤمنون : الآيات ٥٧ ـ ٥٩ .

(٣) سورة المؤمنون : الآية ٦١ .

(٤) سورة المطفّفين : الآيات ١٨ ـ ٢١ .

(٥) سورة الأنعام : الآية ٧٥ .

(٦) سورة يوسف : الآية ٢١ .

(٧) سورة آل عمران : الآية ١٤٠ .

(٨) سورة النساء : الآية ١٦٥ .

٢٣٩

وقد أفاد في قوله سبحانه :( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) (١) ، أنّ الملكوت هو عالم الأمر ، وهو العالم العلو .

وفي الحديث :(لولا أنّ الشياطين يحُومون على قلوب بني آدم ، لنظروا إلى ملكوت السموات والأرض) (٢) .

ومن الشاهد على أنّ اليقين يعقّبه الله سبحانه بذلك ، قوله تعالى : ( كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ ) (٣) ، وقوله : ( كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) (٤) .

ـــــــــــــ

(١) سورة يس : الآيتان ٨٢ ـ ٨٣ .

(٢) بحار الأنوار : ٦٠ / ٣٣٢ ، باب ٣ ـ إبليس لعنه الله وقصصه ، وبدء خلقه ، ومكائده ، المسألة الثامنة ، الحديث ١٧٧ .

(٣) سورة التكاثر : الآيات ٥ ـ ٧ .

(٤) سورة المطفّفين : الآية ١٤ .

ويستفاد من الآية الشريفة أنّ مشاهدة آيات الله المستورة عن أعين غير أهل اليقين ، المضروب عليها بالغطاء والحجاب ، إنّما هي بعين القلب دون عين الحسّ البدني ، فللقلب عين ، كما أنّ له سائر الأعضاء الحسّاسة .

وفي هذا المعنى آيات كثيرة في كتاب الله ، كقوله عزّ وجلّ :( وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ ) ( يس : ٩ ) ، وقوله :( صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ ) ( البقرة : ١٧١ ) ، وقوله :( أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ) ( الحجّ : ٤٦ ) .

وهذه الآية تفسّر المراد بالعين والأُذن وغيرهما ، وأنّ المراد بهنّ جميعاً في باب الهداية والضلالة ، إنّما هي جوارح القلب الباطن ، دون الجسم المحسوس الظاهر .

ومن هذا الباب سائر المعاني المصرّح بها في حقّ المهتدين والضالّين ، كقوله :

( اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ) ( البقرة : ٢٥٧ ) ، وقوله :( إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلاَلاً ) ( يس : ٨ ) ، إلى غير ذلك من الآيات فللقلب عالم ، كما أنّ للحسّ عالماً ؛ وله من الأحكام والآثار ما يشبه عالم الحسّ .

٢٤٠