الإنسان والعقيدة

الإنسان والعقيدة0%

الإنسان والعقيدة مؤلف:
الناشر: باقيات
تصنيف: المعاد
الصفحات: 292

الإنسان والعقيدة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي
الناشر: باقيات
تصنيف: الصفحات: 292
المشاهدات: 50005
تحميل: 5565

توضيحات:

الإنسان والعقيدة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 292 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 50005 / تحميل: 5565
الحجم الحجم الحجم
الإنسان والعقيدة

الإنسان والعقيدة

مؤلف:
الناشر: باقيات
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وقال سبحانه :( وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ ) (١) .

وقد قال تعالى :( كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ فَرِيقاً هَدَى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلاَلَةُ ) (٢) فبيّن أنّ الفريقين يعودان على ما كانا عليه قبل النزول والهبوط وتبيّن به أنّ أصحاب الشقاء يعيشون ويحيون بعد العود عيشاً في صورة البوار ، وحياة في صورة الموت ، قال سبحانه :( ثمّ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى ) (٣) ، وأنّ أصحاب السعادة يعودون إلى ما كانوا عليه من الحياة الطيّبة ، قال تعالى : ( فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ) (٤) ، وهم الذين يؤجرون بأعمالهم الناشئة عن ذواتهم السعيدة ، ويزيدهم الله من فضله ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله ، والله يرزق مَن يشاء بغير حساب .

فغاية هذا السير والسرى ، والهبوط والنزول من فريق الروح ، هلاك بعضهم في الدنيا ورجوع بعضهم إلى مقامه الشامخ الأوّل مع مزايا اكتسبها ، قال تعالى :( قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَّابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاء حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ ) الآيات(٥) ، وهذا هوالفرق الثاني بين الروح والملائكة ، فالروح بوساطة نزوله إلى هذه النشأة وإقامته فيها ، يقع على مفترق طريقين ، ومنشعب خطّين ، غاية أحدهما البَوار والهلاك ، وغاية الآخر التمكّن في معارج العلياء وجنّة الخُلد ، ومقام القرب والملائكة ، بخلاف ذلك فليس لهم إلاّ خطّ واحد ، وهو خطّ السعادة .

ـــــــــــــ

(١) سورة العنكبوت : الآية ٦٤ .

(٢) سورة الأعراف : الآيتان ٢٩ و ٣٠ .

(٣) سورة الأعلى : الآية ١٣ .

(٤) سورة النحل : الآية ٩٧ .

(٥) سورة الرعد : الآيتان ١٦ و ١٧ .

٢١

[واعلم أنّا قد فصّلنا القول في رسالة الأفعال في باب السعادة والشقاوة ، وأنّ (محتد) هذه المعاني ومنشعب السعادة والشقاء قبل نشأة المادة هذه ](١) .

ثمّ إنّه سبحانه قال في وصف المؤمنين :( أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ ) (٢) ، فعلمنا أنّ هناك روحاً آخر غير ما يشترك فيه جميع أفراد الإنسان يختصّ به المؤمنون ، وهو المسمّى بروح الإيمان ، وقال سبحانه :( فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى ) (٣) ، فعبّر عنه بكلمة التقوى وبيّن أنّ هذا الروح يلازم التقوى .

وفي الكافي : مسنداً عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال :(إنّ للقلب أُذنين ، فإذا همّ العبد بذنب ، قال له روح الإيمان : لا تفعل وقال له الشيطان : افعل وإذا كان على بطنها ، نزع منه روح الإيمان) الحديث(٤) .

ثمّ قال تعالى :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ ) (٥) فعبّر عنه بالنور وبيّن ذلك في آيات أُخر .

ـــــــــــــ

(١) ما أثبتناه جاء في الطبعة الأُولى .

(٢) سورة المجادلة : الآية ٢٢ .

(٣) سورة الفتح : الآية ٢٦ .

(٤) الكافي : ٢ / ٢٨٩ ، باب ٢٩٥ ، الحديث ٢ .

(٥) سورة الحديد : الآية ٢٨ .

٢٢

ثمَّ قال سبحانه :( يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ ) (١) ، وقال سبحانه :( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) الآيات(٢) ، فبيّن أنّ هناك روحاً آخر يختصُّ به الرُّسلعليهم‌السلام ، وهو نور يهتدي به الغير ، كما أنّ روح الإيمان نورٌ يهتدي به الإنسان في نفسه .

وقوله : ( مَا كُنتَ تَدْرِي ... ) يبيّنُ أنّ هذا الروح مهيمن على روح الإيمان ، حيث يفيد علم الكتاب ونور الإيمان ؛ فظهر أنّ اختلاف الروحين إنّما هو بشدّة الوجود وضعفه ، وليس بالاختلاف الشخصي .

وقوله :( وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ... ) إشارة إلى أنّ بينه وبين الروح الإنساني اتّحاداً ، فالاختلاف بينهما أيضاً بالشدة والضعف دون الشخص ، فما هناك إلاّ روح واحد .

ثمَّ قال سبحانه :( يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ ) (٣) ، وقال سبحانه : ( وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) (٤) ، فبيّن بذلك أنّ الروح أرفع منزلة من الملائكة ، وأنّه يتّحد معهم قائماً عليهم كما يشير إليه قوله سبحانه : ( قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ ) (٥) ،

ـــــــــــــ

(١) سورة غافر : الآية ١٥ .

(٢) سورة الشورى : الآية ٥٢ .

(٣) سورة النحل : الآية ٢ .

(٤) سورة الأنبياء : الآية ٢٧ .

(٥) سورة البقرة : الآية ٩٧ .

٢٣

وقال سبحانه :( نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ* عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ ) (١) ، وقال سبحانه :( قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ ) (٢) ، فعبّر سبحانه في كلامه تارة بالروح ، وتارة بجبرئيلعليه‌السلام ، وهو يعطي الاتّحاد الذي ذكرناه ، وأنت تعلم أنّ هذا غير الاتّحاد والحلول المقدّس عنه ساحة الوجود .

وفي (البصائر) مسنداً عن الحسن بن إبراهيم ، عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن علم المعالم ، فقال :(إنّ في الأنبياء والأوصياء خمسة أرواح : روح البدن ، وروح القدس ، وروح القوّة ، وروح الشهوة ، وروح الإيمان وفي المؤمنين أربعة أرواح (إنّما فُقِدَ روح القدس) : روح البدن ، وروح القوّة ، وروح الشهوة ، وروح الإيمان وفي الكفّار ثلاثة أرواح : روح البدن ، وروح القوّة ، وروح الشهوة) .

ثمَّ قالعليه‌السلام :(وروح الإيمان يلازم الجسد ، ما لم يرتكب كبيرةً فإذا ارتكب كبيرة ، فارقه الروح ومَن سكن فيه روح القدس ، فإنّه لا يرتكب كبيرة أبداً) (٣) .

وفي (تفسير العيّاشي) عن الصادقينعليهما‌السلام في قوله تعالى : ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ) الآية(٤) :(إنَّما الروح خلق من خلقه ، له بصر وقوّة ، وتأييد يجعله في قلوب المؤمنين والرُّسل) الحديث(٥) ، وفيه إشعار ما باتّحاد الروحَيْن .

ويؤيّده ما رواه العيّاشي ـ أيضاً ـ في الآية عن أحدهماعليهما‌السلام ، سُئل عن الروح ، قال :(التي في الدواب والنّاس) .

ـــــــــــــ

(١) سورة الشعراء : الآيتان ١٩٣ و ١٩٤ .

(٢) سورة النحل : الآية ١٢ .

(٣) بصائر الدرجات : ٩ / ٤٦٧ ، الحديث ٣ .

(٤) سورة الإسراء : الآية ٨٥ .

(٥) تفسير العيّاشي : ٢ / ٣٣٩ ، الحديث ١٦٠ ، وقد ورد في تفسير العيّاشي : (قلوب الرُّسل والمؤمنين) بدل (قلوب المؤمنين والرُّسل) .

٢٤

قيل : وما هي ؟

قال :(هي من الملكوت من القدرة) (١) .

وفي (تفسير القمّي) عن الصادقعليه‌السلام ، أنّه سئل عن هذه الآية ، فقال :(خَلْقٌ أعظم من جبرائيل وميكائيل ، كان مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو مع الأئمّة ، هو من الملكوت) (٢) .

وفي (تفسير العيّاشي) عنهعليه‌السلام أنّه سئل عنها ، فقال :(خلقٌ عظيم أعظم من جبرائيل وميكائيل ، لم يكن مع أحد ممّن مضى غير محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومع الأئمّة ، يسدّدهم ، وليس كلّما طلب وجده) الحديث(٣) .

ويستشم منه أنّ الروح المؤيّد به الرُّسلعليهم‌السلام أيضاً ذو مراتب .

وفي (تفسير القمّي) عن الصادقعليه‌السلام :(أنّ الروح أعظم من جبرائيل ، وأنّ جبرائيل أعظم من الملائكة ، وأنّ الروح هو خلقٌ أيضاً من الملائكة ؛ أليس يقول الله تبارك وتعالى : ( تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ ) (٤) ) (٥) .

وفي (تفسير القمّي) عن الصادقعليه‌السلام ـ وفي (الكافي) عن الكاظمعليه‌السلام ـ :( نحن ـ والله ـ المأذون لهم يوم القيامة ، والقائلون صواباً) .

قيل : ما تقولون إذا تكلّمتم؟

قالا :(نمجّد ربّنا ، ونصلّي على نبيّنا ، ونشفع لشيعتنا ، ولا يردّنا ربّنا) الحديث(٦) .

ـــــــــــــ

(١) تفسير العيّاشي : ٢ / ٣٣٩ ، الحديث ١٦٣ .

(٢) تفسير القمّي : ٢ / ٢٥ .

(٣) تفسير العيّاشي : ٢ / ٣٣٩ ، الحديث ١٦١ .

(٤) سورة القدر : الآية ٤ .

(٥) تفسير القمّي : ٢ / ٣٧٠ .

(٦) الكافي : ١ / ٤٩٣ ، الباب ١٦٤ ، الحديث ٩١ .

٢٥

يشيرانعليهما‌السلام إلى قوله تعالى : ( يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفّاً لا يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً ) (١) .

وفيه من الإشارة إلى توحيد الأرواح ما لا يخفى .

وهذا هوالفرق الثالث بين الملائكة والروح ، فالروح من الأمر وهو أرفع درجة من الملائكة ومهيمن عليهم ، والله أعلم .

وقوله تعالى :( وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا ) (٢) الآية ، مع كون الملائكة قائمةً بالروح ، ومتّحدة ذاتاً وفعلاً به كما مرّ ، يعطي أنّهم أنوار إلهيّة ، وحينئذٍ فيتّضح اتّضاحاً ما قاله تعالى :( اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ ) الآية(٣) ، وقوله سبحانه :( لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ ) الآية(٤) ، وقوله سبحانه :( مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ ) ، إلى أن قال :( نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ ) (٥) .

ولنقتصر على هذا المقدار من الكلام ، والله الهادي .

ـــــــــــــ

(١) سورة النبأ : الآية ٣٨ .

(٢) سورة الشورى : الآية ٥٢ .

(٣) سورة البقرة : الآية ٢٥٧ .

(٤) سورة الحديد : الآية ١٩ .

(٥) سورة النور : الآية ٣٥ .

٢٦

خاتمة تناسب ما مرّ من الكلام

قال سبحانه :( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ * وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ ) (١) .

قوله سبحانه :( قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا ) الآية ، ظاهر في أنّهم قايَسوا خلافة خليفة الأرض على خلافتهم السماويّة ، وذكروا أنّ الخلافة السماوية خلافة تامّة تُظهر تنزُّه الحقّ سبحانه وقُدسه ، بخلاف خلافة الأرض ؛ فإنّ فيها ظهور الفساد وسفك الدماء ، وبالجملة السيّئات التي أخبر الحقّ سبحانه في كتابه بأنّها ليست منه ، وذلك يوجب تغيّراً في حقيقة الخلافة ، وعدم بقائه على قدسه ، حتّى يحكي كمال الحقّ بما يليق بقدس ذاته سبحانه ، وذلك كان كالاستفسار منهم لكيفية هذه الخلافة مع هذه النواقص ، دون الاعتراض عليه وتخطئته سبحانه .

والدليل على ذلك قولهم :( إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ) الآية .

وقوله تعالى :( قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) الآية ، بيان لنقص خلافتهم ؛ بأنّ اسم العلْم لم يظهر فيهم تمام الظهور ، وليس من قبيل الإسكات كما يقوله أحدنا لمَن ينكر شيئاً من أمره : إنّي أعلم ما لا تعلم ؛ ويشرح ذلك قوله سبحانه :( وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثمَّ عَرَضَهُمْ ) الآية .

يظهر من السياق أنّ هذه الأسماء كلّها موجودات حيّة عالمة عاقلة ، وأنّها عين الأسماء التي علّمها سبحانه آدمعليه‌السلام ، كما أنّ الاسم عين المسمّى ، وأنّ الذي علّمه هو جميع الأسماء ، وهي حيّة عالمة ، فالمراد بالأسماء غيرُ الألفاظ قطعاً ، بل الذوات من حيث اتّصافها بصفات الكمال ، وهي ظهوراتها التي تتفرّع على ذواتها ، يدلّ عليه قوله :( أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء ) ، وقوله :( فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ ) الآية .

ـــــــــــــ

(١) سورة البقرة : الآيات ٣٠ ـ ٣٣ .

٢٧

وحينئذٍ فينطبق على قوله سبحانه : ( وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ ) (١) ، فهذه الأسماء هي خزائن الغيب غير المحدودة وغير المقدَّرة ، وفيها كلُّ شيء .

ويظهر من هنا أنّ هؤلاء الملائكة المخاطبين ، إنّما كانوا هم الذين لا يرقى وجودهم عن عالم التقدير والحدود ، ويشير إليه قوله تعالى :( إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ... ) ، وقوله :( إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) (٢) الآية ؛

ـــــــــــــ

(١) سورة الحجر : الآية ٢١ .

(٢) والشاهد على ذلك أنّه سبحانه كرّر قوله : ( إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) بتبديله ، بقوله :( إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) الآية ، فللسموات والأرض غيب كما أنّ لهما شهادة ، والأسماء التي علّمها سبحانه آدمعليه‌السلام هي غيبهما ، فافهم (منه قدس سره) .

٢٨

وبهذا يتّضح ما في بعض الأخبار : أنّ لله ملائكة لم يشعروا أنّ الله خلق عالماً ولا آدم ، وما في أخبار أُخر : أنّ الملائكة لمّا عرفوا خطأهم في قولهم ، لاذوا بالعرش(١) .

ثمَّ قال سبحانه في موضع آخر من كتابه :( وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ ) (٢) والمفاتح هي الخزائن أو مفاتيحها .

فعلْم آدم إنّما هو علمه سبحانه المحجوب عن الملائكة ، وهذا لا يتحقّق بغير الولاية كما حُقّق في محلّه ، فالذي صنعه سبحانه هو أنّه وضع في جبلَّة آدم الولاية والتخلّق بجميع الأسماء والصفات في جميع الأسماء ، وقد حجب عنه الملائكة ولم يصيروا بعد إنباء آدم إيّاهم الأسماء مثل آدم ؛ وإلاّ لم يصحّ الجواب الذي أجاب به سبحانه عنهم ، وهو واضح .

ثمَّ اعلَمْ أنّه سبحانه لم يذكر قصّة هذه المخاطبة في كتابه ، في أكثر من موضع واحد من سورة البقرة ، بل بدَّل هذا التفصيل بنحو قوله سبحانه :( إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِن طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي ) الآية(٣) .

فيظهر أنّ قوله :( وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي ) الآية ، يشتمل على إجمال ما يفصّله قوله سبحانه :( وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء... ) ، ويظهر منه حقيقة هذا الروح الذي نفخه سبحانه ، ووجه تخصيصه بنفسه بقوله : ( مِن رُّوحِي ) الآية .

ولم يرد في القرآن إضافة الروح إليه سبحانه إلاّ في قصّة آدم ، والباقي على غير هذا النحو من الإضافة كقوله سبحانه :( فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا ) (٤) ،

ـــــــــــــ

(١) تفسير القمّي : ١ / ٦٦ .

(٢) سورة الأنعام : الآية ٥٩ .

(٣) سورة ص : الآيتان ٧١ و ٧٢ .

(٤) سورة مريم : الآية ١٧ .

٢٩

وقوله :( نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ ) (١) ، وقوله :( وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ) الآيات(٢) .

وقوله سبحانه :( وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ ) يُشعر بأنّه كان هناك أمر ما مكتوم .

وقوله سبحانه بعد ذلك :( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ) الآية(٣) ، حيث عبّر بقوله : ( وَكَانَ مِنَ... ) ، كالبيان لهذا الأمر المكتوم ؛ ولذا ورد في الروايات ـ كما في (تفسير القمّي) وغيره ـ أنّ المراد ممّا كانوا يكتمون : ما كان يضمره إبليس من عدم السجدة لآدمعليه‌السلام .

وقد بيّنا في" رسالة الوسائط " (٤) أنّ هذه النشِأة المتقدّمة على الدنيا لا تتمايز فيها السعادة والشقاوة ، وإنّما موطنُ التمايز ومبدؤه الدنيا ؛ ولذلك فحال إبليس هناك حال سائر الملائكة ، وقد شمله الخطاب بالسجود كما يفيده الاستثناء ، ثمَّ تميّز إبليس من الملائكة وصار رجيماً ؛ ويستشعر ذلك من قوله سبحانه :( وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ * فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ * فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ* قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا

ـــــــــــــ

(١) سورة الشعراء : الآية ١٩٣ .

(٢) سورة البقرة : الآية ٨٧ .

(٣) سورة البقرة : الآية ٣٤ .

(٤) وهي الرسالة الرابعة من كتاب التوحيد للمؤلّفقدس‌سره ، يبحث فيها عن الوسائط الموجودة بين الله سبحانه وبين نشأة الطبيعة ، مثل عالم العقل والمثال والأسماء الإلهية وغيرها .

٣٠

أُولَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) الآيات(١) .

فقوله :( قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا ... ) ، وقال سبحانه في موضع آخر : ( قَالَ اهْبِطَا ... ) (٢) ، وفي رواية القمّي عن الصادقعليه‌السلام :(ولم يدخلها إبليس) الحديث(٣) ، وقال سبحانه ـ بعد حكاية إبائه عن السجدة ـ :( قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ ) الآية(٤) ،يوجب إشكالاً في كيفيّة وسوسته (لعنه الله) في الجنّة وهو ممنوع من ورودها ، ووسوسته لآدم وهو معصوم ؟ وينحلّ الإشكال بما ذكرناه من عدم تميّز السعادة والشقاوة قبل الهبوط .

ويظهر منه أنّ عصيان آدم لم يكن بالعصيان المنافي لعصمتهعليه‌السلام ، وإنّما هو عصيان جبلِّي ذاتي ، وهو اختياره الهبوط إلى الدنيا ، وهو ترك عالم النور والطهارة واختيار الظلمة والكدورة ، وإليه يلمح قوله سبحانه : ( فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ ) (٧) .

ـــــــــــــ

(١) سورة البقرة : الآيات ٣٥ ـ ٣٩ .

(٢) سورة طه : الآية ١٢٣ .

(٣) تفسير القمّي : ١ / ٧١ .

(٤) سورة الحجر : الآية ٣٤ .

(٥) سورة طه : الآية ١٢١ .

(٦) سورة طه : الآية ١٢٢ .

(٧) سورة البقرة : الآية ٢٥٨ .

٣١

ولو كانت معصيتهعليه‌السلام معصية فسق ، لكانت جنّته دار اختيار ، فكانت من دار المادة والظلمة ، فكانت في الأرض دون السماء .

وقوله سبحانه : ( قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا ) إلى قوله :( وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ) إلخ ، سياق الكلام يعطي أنّ الهبوط إنّما كان من غير الأرض ، وهو السماء إلى الأرض ، وهو ظاهر قوله في موضع آخر :( فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ ) الآية(١) .

ويدلّ عليه قول عليّعليه‌السلام في احتجاجه على الشامي ، حين سأله عن أكرم وادٍ على وجه الأرض ، فقالعليه‌السلام له :(وادٍ يقال له سرانديب سقط فيه آدم من السماء) (٢) .

وفي النهج في خطبة لهعليه‌السلام يصف فيها قصة آدمعليه‌السلام :(ثمَّ بسط الله سبحانه له في توبته ، ولقّاه كلمة رحمته ، ووعده المردّ إلى جنَّته ، وأهبطه إلى دار البليّة ، وتناسل الذريّة) (٣) .

يشيرعليه‌السلام بقوله : (ووعده ...) إلخ ، إلى قوله سبحانه :( فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ ... ) (٤) إلخ ، وقوله :( ثمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى ) الآية .

ومن الممكن أن يكون قوله سبحانه :( قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً ... ) (٥) إلخ ، تلميحاً إلى أنّ ذريّة آدم مشاركون مع أبيهم في الخروج من الجنّة بعد دخولها ؛

ـــــــــــــ

(١) سورة الأعراف : الآية ٢٥ .

(٢) علل الشرائع : ٢ / ٣٢٠ ، الباب ٣٨٥ ، الحديث ٤٤ .

(٣) نهج البلاغة : ٤٣ في خطبة لهعليه‌السلام يصف فيها خلق آدم .

(٤) سورة البقرة : الآية ٣٨ .

(٥) سورة البقرة : الآية ٣٨ .

٣٢

ويؤيّد ذلك بقوله تعالى :( فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي ... ) إلخ ، فإنّ إبليس يائس من رحمته ، وقد قال فيه :( قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ * لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ ) (١) الآية ، فلا يبقى للخطاب إلاّ آدم زوجته ، والخطاب لهم إنّما هو بالتثنية دون الجمع .

وما في بعض الروايات : أنّ في الهابطين حيّةً ، كان إبليس ألقى وسوسته إليهما في الجنّة بواسطتهما(٢) ، لا يصحّح الخطاب بالجمع ؛ فإنّ الحيّة ـ وهي غيرُ مكلّفة بتكليف آدم وزوجته ـ خارجة عن الخطاب قطعاً ، فليس إلاّ أنّ الحكم لآدم وزوجته وذريّتهما ، وقد قال سبحانه في موضع من كتابه : الآية ( وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ ) (٣) .

وكيف كان ، فظاهر سياق الآيات أنّ دخولهما الجنّة كان بعد تسويتهما ، والنفخ والسجود ، وهو المتحصّل ، بل الصريح من الروايات .

وممّا في بعض الروايات ـ وهي روايتان أو ثلاث ـ : أنّه سبحانه نفخ في خلق آدم يوم الجمعة ، وأدخله الجنّة بعد الظهر من يومه ذلك ، وما لبث في الجنّة إلاّ ستّ ساعات من النهار أو سبعاً حتّى خرج منها(٤) .

ويظهر من الجميع : أنّ ذلك كان حالاً برزخياً له ولزوجته ، وتمثّل لهما الشجرة المنهية فيها ، فأكلا منها وظلما أنفسهما ، وكان ذلك منهما هبوطاً إلى الأرض وحياة فيها وظهور سوآتهما .

وورد في الخبر أنّها كانت شجرة الحنطة والسنبلة ، وورد أيضاً أنّها كانت تحمل

ـــــــــــــ

(١) سورة ص : الآيتان ٨٤ و ٨٥ .

(٢) البرهان في تفسير القرآن : ١ / ١٧٩ ، الحديث ١ .

(٣) سورة الأعراف : الآية ١١ .

(٤) بحار الأنوار : ١١ / ١٨٨ ، الباب ٣ الحديث ٤٥ .

٣٣

جمع الأثمار كسائر أشجار الجنّة ، وورد أنّها كانت شجرة علم محمّد وآله وولايتهم(١) .

وهذه التعبيرات جميعها مستقيمة واضحة عند الممارس المستأنس بالتعبيرات المتشابهة التي وردت في الشرع .

وعلى أي حال ، كانت شجرة ، كان أصلها يستوجب الهبوط إلى الدنيا ، وحيث إنّ الغاية فيها هي التحقُّق بعلم الأسماء كلّها ـ كما يتبيّن من سابق الآيات ـ وهي الولاية ؛ فلذلك عبّر عنها تارةً بشجرة الحنطة ، وتارةً بشجرة تحمل كلّ ثمرة ، وتارة بشجرة علم محمّد وآله .

ويمكن أن تكون شجرة الحنطة ، والإنسان يعيش بها ، فيؤول إلى تمثّل الحياة الدنيا لهعليه‌السلام ؛ ويؤيّده قضية ظهور السَّوْآَتِ وبدوها ، وروي عنهما ، والله العالم .

ويمكن أن يكون إلى ما مرّت الإشارة بقوله سبحانه :( إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً ) (٢) الآية .

فقوله سبحانه : ( إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً ... ) إلخ .

يحكي عن ظلم سابق ، وجهالة سابقة ، فموطن هذا العرض إن كان هو الوجود الدنيوي ، فالظلم في نشأة سابقة ، والأمانة هي التكليف كما يفسّره به بعض الروايات ، وإن كان قبل الوجود الدنيوي ، فالظلم قبلها بطريق أوْلى ، والأمانة هي الولاية كما يفسّره بعض آخر من الروايات ، وكلاهما صحيحان ؛ فإنّ الدنيا جارية على ما جرى عليه الأمر قبلها من سعادة وشقاوة .

وقوله سبحانه بعده : ( لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ

ـــــــــــــ

(١) بحار الأنوار : ١١ / ١٦٤ ، الباب ٣ ، الحديث ٩ .

(٢) سورة الأحزاب : الآية ٧٢ .

٣٤

وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً ) (١) الآية ، بيان لغاية عرْض الأمانة .

وقد قَسَّمَ الإنسان إلى قسمين : مؤمنٌ ومنافق إشعاراً بأنّ الكلّ حاملون ، فمنهم مَن حمله ظاهراً وباطناً ، ومنهم مَن حمله ظاهراً لا باطناً ومعلوم أنّ ظاهر تلك النشأة باطن في هذه النشأة ، وبالعكس ، فالكافر في هذه النشأة كافر في ظاهره ، لكنّه معترف بجبلته وفطرته( فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ) .

وبالجملة فتنطبق (الآيتان) على قضيّة أخذ الميثاق ، وقد شرحناها بعض الشرح في" رسالة الأفعال " (٢) ، وهي الرسالة الثالثة من كتاب التوحيد(٣) .

ـــــــــــــ

(١) سورة الأحزاب : الآية ٧٣ .

(٢) وهي الرسالة الثالثة من كتاب التوحيد للعلاّمة الطباطبائيقدس‌سره ، يذكر فيها المؤلّف ـ إجمال ـ القول في أفعال الله سبحانه ، وما يتفرّع عليها من القول في القضاء والقدر ، والبداء ، والسعادة ، والشقاوة ، والجبر ، والتفويض ، وسائر ما يشبهها من الهداية والإضلال ، والمشيئة ، والإرادة ، والتمحيص ، والاستدراج .

(٣) كتب المؤلّف في نهاية هذه الرسالة قائلاً :

(تمّ الكلام والله الحمد ، وعلى رسوله وآله الصلاة والسلام ، ليلة الأحد لعشرين خلون من شهر صفر الخير ، وهي ليلة الأربعين المقدّسة من سنة واحد وستّين وثلثمئة وألف قمريّة من الهجرة ، ووقعت الكتابة في قرية شادآباد من أعمال بلدة تبريز).

٣٥

الإنسان في الدنيا

العلاّمة السيد محمد حسين الطباطبائي (طاب ثراه)

تحقيق : الشيخ صباح الرُّبيعي

مكتبة فدك

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العامين ، والصلاة والسلام على أوليائه المقرّبين ، سيّما محمّد وآله الطاهرين .

هذه رسالة" الإنسان في الدنيا " ، نضع فيه إجمال القول في ما يصير إليه حال الإنسان في وروده في دار الحياة الدنيا بعد ما كان عليه قبل الدنيا ، ممّا عرفنا ملخّصه في رسالة" الإنسان قبل الدنيا " ... والله سبحانه هو المستعان .

الفصل الأوّل : صُوَر علومنا الذهنيّة

إعلم أنّ المعاني التي عندنا ، وهي صور علومنا الذهنيّة ، على قسمين :

أحدهما : المعاني التي تقع على الموجودات الخارجيّة في نفسها ، مطابقة بها ومعها ، بحيث إنّها في نفسها كذلك ، سواء انتزعنا منها تلك المعاني وتعقّلناها وأوقعنا عليها هذه المعاني أو لا ؛ وذلك كمعنى الأرض والسماء والكواكب والإنسان ، فإنّ مطابقات هذه المعاني موجودٌ في الخارج في نفسها ، سواء انتزعنا منها هذه المعاني وتعقّلناها في أذهاننا وأوقعنا المعاني المنتزعة عليها أو لا ، وهذه المعاني هي التي نسمّيها بالحقائق .

وثانيهما : المعاني التي نوقعها على الأُمور الخارجية ، لكنّها بحيث لو أغمضنا وقطعنا النظر عن التعقّل والتصوّر ، لم يكن لها في الخارج تحقّق ، ولا لها وقوع ، وذلك كمعنى المِلك مثلاً ، فإنّه معنى به يتمكّن المالك من أنحاء التصرّفات في العين المملوك من غير أن يزاحمه فيها أحد من نوعه ، وكمعنى الرئاسة ، فإنّها معنى بها يتمكّن الإنسان الرئيس من إدارة الأُمور في حوزة رئاسته وجلب طاعة مرءوسيه .

٣٦

لكنّنا إذا تأمّلنا في مورد هذين المعنيين ، لم نجد هناك في الخارج إلاّ إنساناً وعَيْنَاً خارجيّة ـ مثلاً ـ ولم يكن لولا تعقّلنا وتصوّرنا في الخارج عين ولا أثر من معنى الملك والمالك ، والمملوك والرئاسة ، والرئيس والمرؤوس ، ولذلك نرى في هذا القسم من المعاني من التغيّر والتبدّل والاختلاف ، بحسب اختلاف أنظار العقلاء ، ما لا يتحقّق ذلك في قسم الحقائق البتّة ، فترى أُمّة من النّاس تعقد على ملكيّة شيء ولا يعقد عليها آخرون ، وتذعن برئاسة إنسان لا تذعن بها فيه أخرى ، والحقائق لا يمكن فيها ذلك ، فالإنسان إنسان عند الكلّ ودائماً ، وسواءً تعقّلوا معنى أنّه إنسان أو لم يتعقّلوا ذلك .

وهذه المعاني غير الحقائق ، حيث إنّها ليست في الخارج حقيقة في الذهن ، لكنّها ليست متحقّقة في الذهن بإيجاده واختلاقه إيّاها من غير استعانة بالخارج ، فإنّ الذهن يوقعها على الخارج بتوهّمها أنّها في الخارج ، ووقوعها على الأمور الخارجيّة على وتيرة واحدة من غير اختلاف وتغيّر من هذه الحيثيّة ، فالكلام ـ وهو الصوت المؤلَّف الدالّ على معنى بالوضع ـ كلام ، ولا يصدق عليه المِلك مثلاً ، ولا الرئاسة ، ولا غيرها ولو كانت بإيجاد من الذهن من غير ارتباط واستعانة من الخارج ، لكانت إمّا غير صادقة على الخارج أصلاً ، وإمّا واقعة على جميع ما في الخارج ؛ لاستواء النسبة مع عدم الرابطة .

فثبت أنّ انتزاع الذهن إيّاها إنّما هو بالاستعانة من الخارج ، أي من المعاني الحقيقيّة التي عند الذهن ، وحيث إنّ هذا الارتباط ليس بالحقيقي ؛ لعدم تحقّقها في الخارج ، فهو وهميّ بتوهّم الذهن أنّها هي المعاني الحقيقيّة ، وهي إعطاء حدّ الأُمور الخارجيّة لها فهذه المعاني تتحقّق بإعطاء الذهن حدّ الأُمور الحقيقيّة لِمَا ليس لها ، ووضعها فيما ليست فيه ، فهي معان سرابيّة وهميّة مثلها بين المعاني مثل السراب بين الحقائق والأعيان وهذا القسم من المعاني هو الذي نسمِّيه بالاعتبارات والوهميّات ؛ فالأُولى منها خارجيّة حقيقيّة ، والثانية ذهنيّة وهميّة غير حقيقيّة .

ثمَّ إنّا إذا أخذنا نتأمل الموجودات الخارجيّة الحقيقيّة ، وركّزنا التأمّل في كلّ واحد منها ، بالأخذ بمجموع دائرة وجوده من حين يظهر في الوجود ، ثمَّ يديم بقاءَه وحياته المختصّة به حتّى ينتهي إلى البطلان والعدم ، ورددنا كلّ أمر يرتبط به من حيث هو مرتبط ، إلى داخل محيط هذه الدائرة المفروضة ، بحيث لا يشذُّ منه شيء منها ، ولا يدخله شيء غيرها ، وجدنا هذا المجموع يساوي في الوجود أمراً واحداً حقيقياً وموجوداً متفرّداً ، كلّ جزء من أجزاء المجموع المفروض يرتبط بالآخرين بروابط خاصّة به ، وصولاً للوحدة الحقيقيّة الموجودة ، وهذا لا شكّ فيه ولا ريب .

٣٧

ثمَّ إذا حلّلنا هذا الموجود الواحد على سعة دائرة وجوده ، وجدناه على كثرة أجزائه وجهاته ، ينحلُّ إلى أمر ثابت في نفسه كالأصل ، وأُمور أُخر تدور عليه وتقوم به كالفروع تتفرّع على الأصل ، وهذا الأصل هو الذي نسمّيه بالذات ، وهذه الفروع هي التي نُسمّيها بالعوارض واللواحق ونحو ذلك .

وهذا معنى سارٍ في كلّ موجود في وعاء الوجود ، مثال ذلك الإنسان ، فإن فيك أمراً تحكي عنه بلفظ أنا ، وكلّ معنى غيره مرتبط به ومتفرّع على هذه الذات المحكيّ عنها بـ( أنا ) وهذا المجموع المؤلَّف من الذات والعوارض ، نسمّيه بالنظام الجزئي في الموجود الجزئي ، والمجموع المؤلَّف من جميع هذه النظامات الجزئية التي في ظرف الوجود نسمّيه بـ : نظام الكلّ .

ثمَّ نقول : إنّ لكلّ موجود حقيقي نظاماً حقيقياً خارجياً ذا أجزاء حقيقيّة ، فذاته من حين يظهر في الوجود ، يصحب معه شيئاً من عوارضه اللازمة وغير اللازمة ، ثمَّ يُردْ عليه سلسلةُ عوارضه واحداً بعد واحد ، ولا يزال يستكمل بها حتّى يتمّ ذاته في عوارضه تماماً وكمالاً إنْ لم يعقه عائق ، فينتهي به الوجود المختصّ به ، وهو حياته ، فيبطل وينعدم ببلوغه أجله فهو بحسب التمثيل كالشمس عند الحسّ ، تطلع من أُفقٍ ثمَّ تحاذي نقطة بعد نقطة ، وتجري حتّى تغرب في أُفق آخر .

وجملة الأمر في هذه النظامات أنّ لحوق العوارض بالذات باقتضاء ما مِن الذات لها ، بمعنى أنّ الذات لو وضع وحده من غير مانع ، تبعته عوارضه بارتباط معها في الذات ، وهذه كلّها أُصول كلّية عامّة بديهيّة أو قريبة من البداهة .

ثمَّ إنّ هذا الاقتضاء من الذات لعوارضه مقرون في الإنسان بالعلم ، فهذا النوع يميّز الملائم عن غير الملائم بالعلم والإدراك ، ثمَّ يحرّك وينحو نحو الملائم ، ويهرب عن المنافر المنافي ، وبعض الأنواع الأُخَر من الحيوان أيضاً ، حاله حال الإنسان ولسنا نعلم هل حالُ كلِّ نوع من الموجودات الجسمانيّة حال الإنسان ؛ لعدم وفاء الحسّ والتجارب ، وإنْ قام بعض البراهين في العلم الإلهي على أنّ العلم سارٍ في جميع الموجودات .

وبالجملة : حيث كان تميّز الملائم عن غيره بالعلم ، والذات مقتضٍ للملائم ومتأبٍّ عن غير الملائم ، والحركة إلى الملائم عن إرادة وعلم ، والحركة عن غير الملائم عن إرادة وعلم ،تحقّق هناك بالضرورة ، بالنسبة إلى الملائم ، صورة علمية ذهنية مخصوصة ، وبالنسبة إلى غير الملائم ، صورة أخرى مخصوصة ، وهما صورةُ اقتضاء الذات لأمر وصورةُ تأبِّيها عن أمر .

٣٨

فللاقتضاء صورة ، وهي وجوب الفعل في قولنا : يجب أن يفعل كذا ، انتزعتها النفسُ عن نسبة الضرورة في القضايا الحقيقيّة الخارجية ولعدم الاقتضاء صورة ، وهي حرمة الفعل ، أو وجوب عدمها ، في قولنا : يحرم ـ أو يجب ـ أن لا يفعل كذا ، انتزعتها النفس عن نسبة الامتناع في القضايا الحقيقية الخارجية وللمقتضى (بالبناء للمفعول) صورة ، ولعدم المقتضى المتأبّى عنه (بالبناء للمفعول) صورة أخرى .

والظاهر أنّ النفس تنتزعها فيهما من نسبة بعض أجزاء الشخص بالنسبة إليه ، أو شخصه بالنسبة إلى شخصه ، ومن نسبة عدم شخصه أو عدم بعض أجزاء شخصه بالنسبة إلى شخصه ، وهذا هو الذي يُوجب الحركة إليه أو الهرب منه .

وهذا المقدار من الاعتبار كالمادة الأُولى بالنسبة إلى الاعتبارات التالية قاطبة ، ويسري هذا الحكم ويتكثّر أقسام الاعتبار ، ويختلف بتكثّر حوائج الإنسان واستقباله النواقص التي تصادف ذاته ، ويمكنك التحقّق بما ذكرنا واختبار الحال في ذلك بالتدبّر في حال الطفل الإنساني وتدرّجه في الحياة ، وكذلك باختيار حال بعض الحيوان ، ممّا في نوعه الاجتماع محدود ساذج ، والتميّز في أوهامه سهل يسير .

ثمَّ إنّ الإنسان الفرد لا يتمّ له وحده جميعُ كمالاته الملائمة لذاته ؛ لكونه في جميع جهات ذاته محتاجاً إلى التكامل ، وتفنّن احتياجاته الحيويّة ، مع احتفاف كلّ واحد من كمالاته بما لا يحصى من الآفات ، ولذلك فهو بالفطرة مضطرّ إلى الاجتماع والتعاون والتمدّن مع أمثاله والحياة فيهم ، حتّى يقم كلّ فرد بجهة ـ أو جهات معدودة ـ من خصوصيّات كمالاتهم بما يسعه طاقته ، ويعيشوا بنحو الاشتراك ؛ وهاهنا وقعت الحاجة إلى التفهيم والتفهّم ، فابتدأ ذلك بالإشارة ، ثمَّ كَمُل بالصوت ، ثمَّ تُمِّمَ ذلك بتمييز بالأصوات المختلفة للمقاصد المختلفة .

والدليل عليه ما نشاهده في الحيوانات العُجم ، فإنّ فيها دلالة على المقاصد بالأصوات ، وتعدادها ـ كثرة وقلّة ـ بالنسبة إلى اجتماعاتها : كصوت الزاغ ، وصوت الفساد ، وصوت التربية ، وصوت الإشفاق ، وغير ذلك ممّا بينها .، وهذا الأمر يكتمل ثمَّ يكتمل حتّى يصير اللفظ وجوداً لفظياً للمعنى ، لا يُلتفت عند استماعه إلاّ إلى المعنى ، ويسري الحسن والقبح من أحدهما إلى الآخر .

ثمَّ إنّ اشتراك المساعي في الحياة ، واختصاص كلّ فرد بما يهيّئه ؛ يوجب اعتبار المِلك في المختصّات ، وأصله الاختصاص ، وكذا اعتبار الزوجيّة واحتياج الكلّ إلى ما في أيدي الآخرين ؛ يوجب اعتبار التبديل في الملك والمعاملات المتنوّعة ، من البيع والشراء والإجارة وغيرها ، وحفظ

٣٩

النسبة بين الأشياء القابلة للتبديل ، من حيث القلّة والكثرة والابتذال والعزّة ، وغير ذلك يوجب اعتبار الفلوس والدراهم ، وهو شيء يحتفظ به نسبة الأشياء القابلة للتبديل بعضها مع بعض .

ثمَّ إنّ هذه التقلّبات غير المحصورة لا تخلو من وقائع جزئيّة معتدلة ، وأُخرى يقع فيها الظلم والتعدّي والإجحاف ؛ فالأفراد في أخلاقها مختلفة ، والطبائع إلى التعدّي وتخصيص المنافع بنفسها ومزاحمة غيرها مجبولة ؛ وحينئذاك وقع الاحتياج إلى قوانين يُحفظ بها الاعتدال في الاجتماع ، وإلى مَن يَحفظ هذه القوانين ، وإلى مَن يُعتضد به ، فينشعب إذ ذاك اعتبار الرئاسة والرئيس والمرءوس والقانون وغير ذلك ، ويتفرّع على ذلك اعتبارات أُخر ، ولا يزال يتبع بعضها بعضاً حتّى ينتهي إلى غايات بعيدة ، طوينا الكلام عن شرحها لعدم وفاء المقام بذلك(١) .

وبالجملة ، فهذه الاعتبارات لا تزال تتكثّر بكثرة مسيس الحاجة ، حتّى تنفذ وتسرى في جميع جزئيّات الأُمور المربوطة بالإنسان الاجتماعي وكلّياتها ، ويتلوّن الجميع بهذه الألوان الوهميّة ، وتتلبس بهذه الملابس الخياليّة ، بحيث إنّ الإنسان الذي يتقلّب بينها بواسطة الإدراك ، ويقصدها ويتركها ، ويحبّها ويكرهها ، ويرغب فيها وينفر عنها ، ويرجوها ويخاف منها ، ويشتاقها ويعافها ، ويلتذُّ بها ويتألّم منها ، ويختارها ويتركها ، بالحسن والقبح ، والوجوب والحرمة ، والنفع والضرّ ، والخير والشرّ ـ بوساطة العلم والإرادة ـ لا يشهد منها إلاّ هذه المعاني السرابيّة ، ولا يحسّ منها إلاّ بهذه الوجوه فحياة الإنسان ـ وهي حياة اجتماعيّة مربوطة بهذه الأسباب ـ محدودة بهذه الجهات ، متقلّبة في هذه العرصات ، لو وقعت حيناً ما في خارجها ـ كالحيتان خارج المياه ـ بطلت وخمدت.

وأنت إذا أجَلت النظر ، وأدرت الفكر في بعض الموجودات ونظامها الطبيعي ، كالمركّبات النباتيّة مثلاً ، رأيت استمرار حياتها في إدامة بقائها يدور على التغذية والنموّ ، وتوليد المثْل ، ورأيت ذاتَها يفعل هذه الأفعال باقتضاء من نفسه ، من غير

ـــــــــــــ

(١) البحث في الإدراكات الاعتبارية هو من ابتكارات وإبداعات العلاّمة الطباطبائيقدس‌سره ، حيث يشير إلى ذلك أبرز طلبته ، وهو الشهيد مرتضى المطهّري في تعليقته على كتاب " أُصول الفلسفة والمنهج الواقعي " للعلاّمةقدس‌سره في المقالة السادسة ، ولمَن أراد المزيد من الاطّلاع على تلك النظريّة مراجعة ذلك الكتاب (المقالة السادسة) ، وكذلك يشير الشيخ محمّد تقي مصباح اليزدي إلى تلك النظرية بقوله : (تعدّ المقالة السادسة (الاعتبارات) في كتاب " أُصول الفلسفة والمنهج الواقعي " بحثاً جديداً مبتكراً في الفلسفة الإسلامية ، وإن كانت له جذور في السابق بقدر ما) ـ رسالة التشيّع في العالم المعاصر : ٤٠٠ .

٤٠