الإمامة في أهم الكتب الكلامية

الإمامة في أهم الكتب الكلامية0%

الإمامة في أهم الكتب الكلامية مؤلف:
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 527

الإمامة في أهم الكتب الكلامية

مؤلف: السيد علي الحسيني الميلاني
تصنيف:

الصفحات: 527
المشاهدات: 237884
تحميل: 7072

توضيحات:

الإمامة في أهم الكتب الكلامية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 527 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 237884 / تحميل: 7072
الحجم الحجم الحجم
الإمامة في أهم الكتب الكلامية

الإمامة في أهم الكتب الكلامية

مؤلف:
العربية


وإذا ضممنا إلى ذلك أنّ الأكثر ـ أيضاً ـ على أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لم ينصّ على خلافة أحدٍ من بعده كما جاء في المواقف وشرحها « والإمام الحقّ بعد النبي صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم : أبوبكر ثبتت إمامته بالإجماع ، وإن توقّف فيه بعضهم ولم ينصّ رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم على أحدٍ خلافاً للبكرية ، فإنّهم زعموا النصّ على أبي بكر ، وللشيعة فإنّهم يزعمون النصّ على ‘لي كرّم الله وجهه ، إمّا نصّاً خفيّاً ، والحقّ عند الجمهور نفيهما »(١) .

وقال المناوي بشرحه : « فإن قلت : هذا الحديث يعارض ما عليه أهل الأصول من أنّه لم ينصّ على خلافة أحدٍ.

قلت : مرادهم : لم ينصّ نصّاً صريحاً ، وهذا كما يحتمل الخلافة يحتمل الاقتداء بهم في الرأي والمشورة والصلاة ونحو ذلك(٢) .

علمنا أنّ المستدلّين بهذا الحديث في جميع المجالات ـ ابتداءً بباب الإمامة والخلافة ، وانتهاءً بباب الاجتهاد والإجماع ـ هم « البكرية » وأتباعهم

إذن فالأكثر يعرضون عن مدلول هذا الحديث ومفاده وإنّ المستدلّين به قوم متعصّبون لأبي بكر وإمامته وهذا وجه آخر من وجوه وضعه واختلاقه

قال الحافظ ابن الجوزي : « قد تعصَّب قوم لا خلاق لهم يدّعون التمسّك بالسُنّة فوضعوا لأبي بكر فضائل »(٣) .

لكن من هم؟

هم « البكرية أنفسهم!!

__________________

(١) شرح المواقف ـ مباحث الإمامة.

(٢) فيض القدير ٢/٥٦.

(٣) الموضوعات ١/٣٠٣.


٤٠١


قال العلاّمة المعتزلي : « فلمّا رأت البكرية ما صنعت الشيعه(١) ، وضعت لصاحبها أحاديث في مقابلة هذه الأحاديث ، نحو : ( لو كانت متّخذاً خليلاً ) فإنّهم وضعوه في مقابلة ( حديث الإخاء ). ونحو ( سدّ الأبواب ) فإنّه كان لعليعليه‌السلام ، فقلبته البكرية إلى أبي بكر. ونحو : ( إيتني بدواةٍ وبياض أكتب فيه لأبي بكر كتاباً لا يختلف عليه إثنان ) ثم قال : ( يأبي الله والمسلمون إلاّ أبابكر ) فإنّهم وضعوه في مقابلة الحديث المروي عنه في مرضه : ( إبتوني بدواةٍ وبياض أكتب لكم ما لا تضلّون بعده أبداً. فاختلفوا عنده وقال قوم منهم : لقد غلبه الوجع ، حسبنا كتاب الله ) ونحو حديث : ( أنا راضٍ عنك ، فهل أنت عنّي راض؟ ) ونحو ذلك »(٢) .

وبعد ، فما مدلول هذا الحديث ونحن نتكلّم هنا عن هذه الجهة وبغضّ النظر عن السند؟

يقول المناوي : « أمره بمطاوعتهما يتضمّن الثناء عليهما ، ليكونا أهلاً لأن يطاعا فيما يأمران به وينهيان عنه ».

لكنّ أوّل شيء يعترض عليه به تخلّف أمير المؤمنينعليه‌السلام ومن تبعه عن البيعة مع أمرهما به ، ولذا قال :

« فإن قلت : حيث أمر باتّباعهما فكيف تخلّف علي رضي الله عنه عن البيعة؟

قلت : كان لعذر ثم بايع ، وقد ثبت عنه الانقياد لأوامرهما ونواهيهما »(٣) .

أقول : لقد وقع القوم ـ بعد إنكار النصّ وحصر دليل الخلافة في الإجماع ـ في مأزق كبير وإشكال شديد ، وذلك لأنّهم قرّروا في علم الاصول أنّه إذا خالف

__________________

(١) الذي صنعته الشيعة أنّها استدلّت بالأحاديث التي رواها أهل السنّة في فضل أمير المؤمنينعليه‌السلام باعتبار أنّها نصوص جليّة أو خفيّة على امامته كما ذكر صاحب « شرح المواقف » وغيره.

(٢) شرح نهج البلاغة ١١/٤٩.

(٣) فيض القدير ٢/٥٦.


٤٠٢


واحد من الاُمّة أو اثنان لم ينعقد الإجماع.

قال الغزّالي : « إذا خالف واحد من الاُمّة أو اثنان لم ينعقد الإجماع دونه ، فلو مات لم تصر المسألة إجماعاً ، خلافاً لبعضهم. ودليلنا : أنّ المحرّم مخالفة الاُمّة كافّة »(١) .

وفي مسلّم الثبوت وشرحه : « قيل : إجماع الأكثر مع ندرة المخالف بأنْ يكون واحداً أو أثنين إجماع والمختار أنّه ليس بإجماع لانتفاء الكلّ الذي هو مناط العصمة. ثم اختلفوا فقيل : ليس بحجّةٍ أصلاً كما أنّه ليس بإجماع ، وقيل : بل حجّة ظنّية غير الإجماع ، لأنّ الظاهر إصابة السواد الأعظم قيل : ربّما كان الحقّ مع الأقل وليس فيه بعد ».

فقال المكتفون بإجماع الأكثر : « صحّ خلافة أبي بكر مع خلاف علي وسعد ابن عبادة وسلمان ».

فأجيب : « ويدفع بأنّ الإجماع بعد رجوعهم إلى بيعته. هذا واضح في أمير المؤمنين علي ».

فلو سلّمنا ما ذكروه من بيعة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فما الجواب عن تخلّف سعد بن عبادة »؟!

أمّا المناوي فلم يتعرّض لهذه المشكلة وتعرّض لها شارح مسلّم الثبوت فقال بعد ما تقدّم : « لكنّ رجوع سعد بن عبادة فيه خفاء ، فإنّه تخلّف ولم يبايع وخرج عن المدينة ، ولم ينصرف إلى أن مات بحوران من أرض الشام لسنتين ونصف مضتا من خلافة أمير المؤمنين عمر ، وقيل : مات سنة إحدى عشرة في خلافة أمير المؤمنين الصدّيق الأكبر. كذا في الاستيعاب وغيره. فالجواب الصحيح عن تخلّفه : أنّ تخلّفه لم يكن عن اجتهاد ، فإنّ أكثر الخزرج قالوا : منّا أمير ومنكم أمير ، لئلاّ تفوت رئاستهم ولم يبايع سعد لما كان له حبّ السيادة ، وإذا لم

__________________

(١) المستصفى ١/٢٠٣.


٤٠٣


تكن مخالفته عن الاجتهاد فلا يضرّ الإجماع

فإن قلت : فحينئذٍ قد مات هو رضي الله عنه شاقّ عصا المسلمين مفارق الجماعة وقد قال رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وأصحابه وسلّم : لم يفارق الجماعة أحد ومات إلاّ مات ميتة الجاهلية. رواه البخاري. والصحابة لا سيّما مثل سعد برآء عن موت الجاهلية.

قلت : هب أنّ مخالفة الإجماع كذلك ، إلاّ أنّ سعداً شهد بدراً على ما في صحيح مسلم ، والبدريّون غير مؤاخذين بذنب ، مثلهم كمثل التائب وإن عظمت المصيبة ، لما أعطاهم الله تعالى من المنزلة الرفيعة برحمته الخاصة بهم. وأيضاً : هو عقبي ممّن بايع في العقبة ، وقد وعدهم رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وأصحابه وسلّم الجنّة والمغفرة. فإيّاك وسوء الظنّ بهذا الصنيع. فاحفظ الأدب »(١) .

ولو تنزّلنا عن قضية سعد بن عبادة ، فما الجواب عن تخلّف الصدّيقة الزهراءعليها‌السلام ؟! وهي من الصحابة ، بل بضعة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فإذا كان الصحابة ـ لا سيّما مثل سعد ـ برآء عن موت الجاهلية ، فما ظنّك بالزهراء التي قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « فاطمة بضعة منّي فمن أغضبها أغضبني »(٢) وقال : « فاطمة بضعة منّي ، يقبضني ما يقبضها ويبسطني ما يبسطها »(٣) . وقال : « فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة إلاّ مريم بنت عمران »(٤) هذه الأحاديث التي استدلّ بها الحافظ السهيلي وغيره من الحفّاظ على أنّها أفضل من الشيخين فضلاً عن غيرهما(٥) .

__________________

(١) فواتح الرحموت ـ شرح مسلّم الثبوت ٢/٢٢٣ ـ ٢٢٤.

(٢) فيض القدير ٤/٤٢١ عن البخاري في المناقب.

(٣) فيض القدير ٤/٤٢١.

(٤) فيض القدير ٤/٤٢١.

(٥) فيض القدير ٤/٤٢١.


٤٠٤


 ... فإنّ من ضروريّات التاريخ أنّ الزهراءعليها‌السلام فارقت الدنيا ولم تبايع أبابكر وأنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام لم يأمرها بالمبادرة إلى البيعة ، وهو يعلم أنّه « لم يفارق الجماعة أحد ومات إلاّ مات ميتة الجاهليّة »!!

أقول :

إذن لا يدلّ هذا الحديث علي شيء ممّا زعموه أو أرادوا له الاستدلال به فما هو واقع الحال؟

سنذكر له وجهاً على سبيل الاحتمال في نهاية المقال

ثمّ إنّ ممّا يبطل هذا الحديث من حيث الدلالة والمعنى وجوهاً اُخر.

ـ ١ ـ

إنّ أبابكر وعمر اختلفا في كثير من الأحكام ، والأفعال ، واتّباع المختلفين متعذّر غير ممكن فمثلاً : أقرّ أبوبكر جواز المتعة ومنعها عمر. وأنّ عمر منع أن يورّث أحداً من الأعاجم إلاّ واحداً ولد في العرب فبمن يكون الاقتداء؟!

ثم جاء عثمان فخالف الشيخين في كثير من أقواله وأفعاله وأحكامه وهو عندهم ثالث الخلفاء الراشدين

وكان في الصّحابة من خالف الشيخين أو الثلاثة كلّهم في الأحكام الشرعية والآداب الدينيّة وكلّ ذلك مذكور في مظانّه من الفقه والاُصول ولو كان واقع هذا الحديث كما يقتضيه لفظه لوجب الحكم بضلالة كلّ هؤلاء!!

ـ ٢ ـ

إنّ المعروف من الشيخين الجهل بكثير من المسائل الإسلاميّة ممّا يتعلّق


٤٠٥


بالاُصول والفروع ، وحتّى في معاني بعض الألفاظ العربية في القرآن الكريم فهل يأمر النبي صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم بالاقتداء المطلق لمن هذه حاله ويأمر بالرجوع إليه والانقياد له في أوامره نواهيه كلّها؟!

ـ ٣ ـ

إنّ هذا الحديث بهذا اللفظ يقتضي عصمة أبي بكر وعمر والمنع من جواز الخطأ عليهما ، وليس هذا بقول أحدٍ من المسلمين فيهما ، لأنّ إيجاب الاقتداء بمن ليس بمعصوم إيجاب لما لا يؤمن مِن كونه قبيحاً

ـ ٤ ـ

ولو كان هذا الحديث عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا حتجّ به أبوبكر نفسه يوم السقيفة ولكن لم نجد في واحدٍ من كتب الحديث والتاريخ أنّه احتجّ به على القوم فلو كان لَنقل واشتهر ، كما نقل خبر السقيفة وما وقع فيها من النزاع والمغالبة

بل لم نجد احتجاجاً له به في وقتٍ من الأوقات.

ـ ٥ ـ

بل وجدناه في السقيفة يخاطب الحاضرين بقوله : « بايعوا أيَّ الرجلين شئتم » يعني : أبا عبيدة وعمر بن الخطّاب(١) .

__________________

(١) اُنظر : صحيح البخاري ـ باب فضل أبي بكر ، مسند أحمد ١/٥٦ ، تاريخ الطبري ٣/٢٠٩ ، السيرة الحلبية ٣/٣٨٦ ، وغيرها.


٤٠٦


ويلتفت إلى أبي عبيدة الجرّاح قائلاً : « اُمدد يدك اُبايعك »(١) .

ـ ٦ ـ

ثمّ لمّا بويع بالخلافة قال :

« أقيلوني ، أقيلوني ، فلست بخيركم »(٢) .

ـ ٧ ـ

ثمّ لمّا حضرته الوفاة قال :

« وددت أنّي سألت رسول الله لمن هذا الأمر ، فلا ينازعه أحد ، وددت أني كنت سألت : هل للأنصار في هذا الأمر نصيب »(٣) .

ـ ٨ ـ

وجاء عمر يقول :

« كانت بيعة أبي بكر فلتة ، وقى المسلمين شرّها ، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه »(٤) .

__________________

(١) الطبقات الكبرى ٣/١٢٨ ، مسند أحمد ١/٣٥ ، السيرة الحلبية ٣/٣٨٦.

(٢) الإمامة والسياسة ١/١٤ ، الصواعق المحرفة : ٣٠ ، الرياض النضرة ١/١٧٥ ، كنز العمّال ٣/١٣٢.

(٣) تاريخ الطبري ٣/٤٣١ ، العقد الفريد ٢/٢٥٤ ، الإمامة والسياسة ١/١٨ ، مروج الذهب ٢/٣٠٢.

(٤) صحيح البخاري ٥/٢٠٨ ، الصواعق المحرقة : ٥ ، تاريخ الخلفاء : ٦٧.


٤٠٧


وبعد :

فما هو متن الحديث؟ وما هو مدلوله؟

قد عرفتَ سقوط هذا الحديث معنىً على فرض صدوره

وعلى الفرض المذكور فلا بدّ من الالتزام بأحد أمرين : إمّا وقوع التحريف في لفظه ، وإمّا صدوره في قضيّة خاصّة

أمّا الأوّل فيشهد به : أنّه قد روي هذا الخبر بالنصب ، أي جاء بلفظ « أبابكر وعمر » بدلاً عن « أبي بكر وعمر » وجعل أبوبكر وعمر مناديين مأمورين بالاقتداء(١) .

فالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يأمر المسلمين عامةً بقوله « اقتدوا » ـ مع تخصيصٍ لأبي بكر وعمر بالخطاب ـ « باللذين من بعده » وهما « الكتاب والعترة » ، وهما ثقلاه اللذان طالما أمر بالاقتداء والتمسّك والاعتصام بهما(٢) .

وأمّا الثاني فهو ما قيل : من أن سبب هذا الخبر : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان سالكاً بعض الطرق ، وكان أبوبكر وعمر متأخّرين عنه ، جائيين على عقبه ، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لبعض من سأله عن الطريق الذي سلكه في اتّباعه واللحوق به : « اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر » وعني في سلوك الطريق دون غيره(٣) .

وعلى هذا فليس الحديث على إطلاقه ، بل كانت تحفّه قرائن تخصّه بمورده ، فأسقط الرّاوي القرائن عن عمدٍ أو سهو ، فبدا بظاهره أمراً مطلقاً بالاقتداء بالرجلين وكم لهذه القضية من نظير في الأخبار والأحاديث الفقهية والتفسيريّة

__________________

(١) تلخيص الشافي ٣/٣٥.

(٢) راجع حديث الثقلين بألفاظه وطرقه ودلالاته في الأجزاء الثلاثة الأولى من « خلاصة عبقات الأنوار في إمامة الأئمّة الأطهار » بقلم علي الحسيني الميلاني.

(٣) تلخيص الشافي ٣/٣٨.


٤٠٨


والتاريخيّة ومن ذلك ما في ذيل « حديث الاقتداء » نفسه في بعض طرقه وهذا ما نتكلّم عليه بإيجاز ليظهر لك أنّ هذا الحديث ـ لو كان صادراً ـ ليس حديثاً واحداً ، بل أحاديث متعدّدة صدر كلّ منها في موردٍ خاصّ لا علاقة له بغيره

تكملة :

لقد جاء في بعض طرق هذا الحديث :

« اقتدوا باللذين

واهتدوا بهدي عمّار.

وتمسكوا بعهد ابن أُمّ عبد : أو : إذا حدّثكم ابن أُمّ عبدٍ فصدّقوه. أو : ما حدّثكم ابن مسعود فصدّقوه ».

فالحديث مشتمل على ثلاث فقرات ، الاُولى تخصّ الشيخين ، والثانية عمّار ابن ياسر ، والثالثة عبدالله بن مسعود.

أمّا الفقرة الاُولى فكانت موضوع بحثنا ، فلذا أشبعنا فيها الكلام سنداً ودلالة وظهر عدم جواز الاستدلال بها والأخذ بظاهر لفظها ، وأنّ من المحتمل قويّاً وقوع التحريف في لفظها أو لدى النقل لها بإسقاط القرائن الحافّة بها الموجب لخروج الكلام من التقييد إلى الإطلاق ، فإنّه نوع من أنواع التحريف ، بل من أقبحها وأشنعها كما هو معلوم لدى أهل العلم.

وأمّا الفقرتان الاُخريان فلا نتعرّض لهما إلاّ من ناحية المدلول والمفاد لئلا يطول بنا المقام وإن ذكرا في فضائل الرجلين ، وربّما استدلّ بهما بعضهم في مقابلة بعض فضائل أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام فنقول :

قوله : « اهتدوا بهدي عمار » معناه : « سيروا بسيرته واسترشدوا بإرشاده ».

فكيف كانت سيرة عمار؟ وما كان إرشاده؟

وهل سار القوم بسيرته واسترشدوا بإرشاده؟!!


٤٠٩


هذه كتب السير والتواريخ بين يديك!!

وهذه نقاط من « سيرته » و « إرشاده » :

تخلّف عن بيعة أبي بكر(١) وقال لعبد الرحمن بن عوف ـ حينما قال للناس في قصة الشورى : أشيروا عليَّ ـ « إن أردت أن لا يختلف المسلمون فبايع عليّاً »(٢) .

وقال : بعد أن بويع عثمان ـ : « يا معشر قريش ، أمّا إذ صدفتم هذا الأمر عن أهل بيت نبيكم هاهنا مرّةً هاهنا مرّةً ، فما أنا بآمن من أن ينزعه الله فيضعه في غيركم كما نزعتموه من أهله ووضعتموه في غير أهله »(٣) وكان مع عليعليه‌السلام منذ اليوم الأول حتى استشهد معه بصفّين وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « عمار تقتله الفئة الباغية »(٤) و« من عادى عمّاراً عاداه الله »(٥) .

ثم لماذا أمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالاهتداء بهدي عمّار والسير على سيرته؟ لأنّه قال له من قبل : « يا عمّار ، إن رأيت علياً قد سلك وادياً وسلك الناس كلّهم وادياً غيره فاسلك مع علي ، فإنّه لن يدليك في ردى ولن يخرجك من هدى يا عمار : إنّ طاعة علي من طاعتي ، وطاعتي من طاعة الله عزّ وجلّ(٦) .

وقوله : « وتمسّكوا بعهد ابن أُمّ عبد » أو « إذا حدّثكم ابن أُمّ عبد فصدّقوه » ما معناه؟

إن كان « الحديث » فهل يصدّق في كلّ ما حدّث؟

هذا لا يقول به أحد وقد وجدناهم على خلافه فقد منعوه من

__________________

(١) المختصر في أخبار البشر ١/١٥٦ ، تتمّة المختصر ١/١٨٧.

(٢) تاريخ الطبري ٣/٢٩٧ ، الكامل ٣/٣٧ ، العقد الفريد ٢/١٨٢.

(٣) مروج الذهب ٢/٣٤٢.

(٤) المسند ٢/١٦٤ ، تاريخ الطبري ٤/٢ و ٤/٢٨ ، طبقات ابن سعد ٣/٢٥٣ ، الخصائص : ١٣٣ ، المستدرك ٣/٣٧٨ ، عمدة القاري ٢٤/١٩٩٢ ، كنز العمّال ١٦/١٤٣.

(٥) الاستيعاب ٣/١١٣٨ ، الإصابة ٢/٥٠٦ ، كنز العمال ١٣/٢٩٨ ، إنسان العيون ٢/٢٦٥.

(٦) تاريخ بغداد ١٣/١٨٦ ، كنز العمّال ١٢/٢١٢ ، فرائد السمطين ١/١٧٨ ، المناقب ـ للخوارزمي ـ : ٥٧ و ١٢٤.


٤١٠


الحديث ، بل كذّبوه ، بل ضربوه فراجع ما رووه ونقلوه(١) .

وإنْ كان « العهد » فأيّ عهدٍ هذا؟

لابدّ أنْ يكون إشارةً إلى أمر خاصّ صدر في موردٍ خاصّ لم تنقله الرواة

لقد رووا في حقّ ابن مسعود حديثاً آخر ـ جعلوه من فضائله ـ بلفظ : « رضيت لكم ما رضي به ابن اُمّ عبد »(٢) ولكن ما هو؟

لابدّ أنْ يكون صادراً في موردٍ خاصّ بالنسبة إلى أمرٍ خاصّ لم ننقله الرواة

إنّه ـ فيما رواه الحاكم ـ كما يلي :

« قال النبيّ صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم لعبد الله بن مسعود : إقرأ.

قال : اقرأ وعليك اُنزل؟!

قال : إنّي اُحبّ أن أسمع من غيري.

قال : فافتتح سورة النساء حتى بلغ :( فكيف إذا جئنا من كلّ امّةٍ بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً ) فاستعبر رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ، وكفّ عبدالله.

فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : تكلّم.

فحمد الله في أول كلامه وأثنى على الله وصلّى على النبي صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم وشهد شهادة الحقّ. وقال :

رضينا بالله ربّاً وبالإسلام ديناً ، ورضيت لكم ما رضي الله ورسوله.

فقال رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم : رضيت لكم ما رضي لكم ابن أُمّ عبد.

__________________

(١) مسند الدارمي ١/٦١ ، طبقات ابن سعد ٢/٣٣٦ ، تذكرة الحفّاظ ١/٥ ـ ٨ ، المعارف : ١٩٤ ، الرياض النضرة ٢/١٦٣ ، تاريخ الخلفاء ١٥٨ ، اُسد الغابة ٣/٢٥٩.

(٢) هكذا رووه في كتب الحديث انُظر : فيض القدير ٤/٣٣.


٤١١


هذا الحديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه »(١) .

فانظر كيف تلاعبوا بأقوال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتصرّفوا في السُنّة الشريفة فضلّوا وأضلّوا ...!!

ونعود فنقول : إنّ السنّة الكريمة بحاجةٍ ماسّةٍ إلى تحقيق وتمحيص ، لا سيّما في القضايا التي لها صلة وثيقة بأساس الدين الحنيف ، تبنى عليها أُصول العقائد ، وتتفرّع منها الأحكام الشرعيّة.

والله نسأل أن يوفقنا لتحقيق الحقّ وقبول ما هو به جدير ، إنّه سميع مجيب وهو على كلّ شيء قدير.

* * *

__________________

(١) المستدرك على الصحيحين ٣/٣١٩.


٤١٢


رسالة

في المتعتين


٤١٣



٤١٤


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على محمّد وآله الطاهرين.

وبعد فإنّ البحث عن المتعتين قديم جدّاً ، وكتابات السلف والخلف عنهما من النواحي المختلفة كثيرة جدّاً أيضاً ، وهذه رسالة وجيزة كتبتها بمناسبة أحاديث رووها في أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله هو الذي حرّم متعة النساء ، وعمدتها ما أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما عن أمير المؤمنين الإمام عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام منها أنّه قال لابن عبّاس ـ وقد بلغه يقول أنّه بالمتعة ، واللفظ لمسلم ـ : « إنّك رجلّ تائه ، نهانا رسول الله عن متعة النساء يوم خيبر ، وهي. أحاديث موضوعة مختلفة ، يعترف بذلك كلّ من ينظر في أسانيدها ومداليلها وينصف ، والله هو الموفّق.

تمهيد :

لا خلاف بين المسلمين في نزول القرآن المبين بالمتعتين

أمّا متعة الحجّ ، فقد قال عزّ وجلّ :

( فمن تمتّع بالعمرة إلى الحجّ فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيّام في الحجّ وسبعةٍ إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن أهله حاضري


٤١٥


المسجد الحرام ) (١) .

وأمّا متعة النساء ، فقد قال عزّ وجلّ :( فما استمتعتم به منهنَّ فآتوهنّ أُجورهنّ فريضة ) (٢) .

وكان على ذلك عمل المسلمين

حتّى قال عمر بعد شطرٍ من خلافته :

« متعتان كانتا على عهد رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما ».

فوقع الخلاف

وحار التابعون له ، الجاعلون قوله أصلاً من الأُصول ، كيف يوجِّهونه وهو صريح في : قال الله وأقول ...؟!

متعة الحجّ :

ومتعة الحجّ : أن ينشئ الإنسان بالمتعة إحرامه في أشهر الحجّ من الميقات ، فيأتي مكّة ، ويطوف بالبيت ، ثمّ يسعى ، ثمّ يقصرّ ، ويحلّ من إحرامه ، حتّى ينشئ في نفس تلك السفرة إحراماً آخر للحجّ من مكّة ، والأفضل من المسجد الحرام ، ويخرج إلى عرفات ، ثمّ المشعر إلى آخر أعمال الحج

فيكون متمتّعاً بالعمرة إلى الحجّ.

وإنّما سمّي بهذا الاسم لما فيه من المتعة ، أي اللذّة بإجابة محظورات الإحرام ، في تلك المدّة المتخلّلة بين الإحرامين

وهذا ما حرّمه عمر وتبعه عليه عثمان ومعاوية وغيرهما

موقف علي وكبار الصحابة من تحريمها :

وكان في المقابل أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام الحافظ للشريعة المطهّرة

__________________

(١) سورة البقرة ٢ : ١٩٦.

(٢) سورة النساء ٤ : ٢٤.


٤١٦


والذابّ عن السُنّة المكرّمة.

أخرج أحمد ومسلم عن شقيق قال ـ واللفظ للأوّل ـ : « كان عثمان ينهى عن المتعة ، وكان عليّ يأمر بها ، فقال عثمان لعليّ : إنّك كذا وكذا. ثمّ قال(١) علي : لقد علمت أنّا تمتّعنا مع رسول الله عليه [ وآله ] وسلّم؟ فقال : أجل »(٢) .

وعن سعيد بن المسيّب ، قال : « اجتمع عليٌّ وعثمان بعسفان ، فكان عثمان ينهى عن المتعة والعمرة. فقال له عليٌّ : ما تريد إلى أمرٍ فعله رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم تنهى عنه؟! فقال عثمان : دعنا عنك! فقال عليٌّ : إنّي لا أستطيع أن أدعك »(٣) .

وعن مروان بن الحكم ، قال : « شهدت عثمان وعليّاً ، وعثمان ينهى عن المتعة وأنْ يجمع بينهما. فلمّا رأى عليٌّ ذلك أهلّ بهما : لبيّك بعمرةٍ وحجّةٍ معاً ، قال : ما كنت لأدع سُنّة النبّي لقول أحد »(٤) .

وعلى ذلك كان أعلام الصحابة

*كابن عبّاس فقد أخرج أحمد أنّه قال : « تمتّع النبي صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ، فقال عروة بن الزبير : نهى أبوبكر وعمر عن المتعة ، فقال ابن عبّاس : ما يقول عُرَيّة(٥) !! قال : يقول : نهى أبوبكر وعمر عن المتعة.

فقال : ابن عبّاس : أراهم سيهلكون ، أقول : قال النبي ؛ ويقولون : نهى أبوبكر وعمر! »(٦) .

__________________

(١) لقد أبهم الرواة ما قاله خليفتهم عثمان لعليّعليه‌السلام ، كما أبهموا جواب الإمامعليه‌السلام على كلمات عثمان وفي بعض المصادر : « فقال عثمان لعلّي كلمة ».

(٢) مسند أحمد ١/٩٧.

(٣) مسند أحمد ١/١٣٦. ورواه البخاري ومسلم في باب التمتّع.

(٤) مسند أحمد ١/٩٥. ورواه البخاري أيضاً وجماعة.

(٥) تصغير « عروة » تحقيراً له.

(٦) مسند أحمد ١/٣٣٧.


٤١٧


*وسعد بن أبي وقّاص فقد أخرج الترمذي : « عن محمد بن عبدالله ابن الحارث بن نوفل أنّه سمع سعد بن أبي وقاص الضحّاك بن قيس ـ وهما يذكران التمتّع بالعمرة إلى الحجّ ـ فقال الضحّاك بن قيس : لا يصنع ذلك إلاّ من جهل أمر الله تعالى. فقال سعد : بئسما قلت يا ابن أخي. فقال الضحّاك : فإنّ عمر بن الخطّاب قد نهى ذلك. فقال سعد : قد صنعها رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم وصنعناها معه.

هذا حديث صحيح »(١) .

*وأبي موسى الأشعري فقد أخرج أحمد : « أنّه كان يفتى بالمتعة فقال له رجل : رويدك ببعض فُتياك ، فإنّك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في النسك بعدك! حتى لقيه أبو موسى بعدُ فسأله عن ذلك ، فقال عمر ، قد علمت أنّ النبي صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم قد فعله هو وأصحابه ولكن كرهت أن يظلّوا بهنّ معرّسين في الأراك ، ثم يروحون بالحج تقطر رؤوسهم »(٢) .

*وجابر بن عبدالله ...فقد أخرج مسلم وغيره عن أبي نضرة ، قال : « كان ابن عبّاس يأمر بالمتعة ، وكان ابن الزبير ينهى عنها. قال فذكرت ذلك لجابر ابن عبدالله. فقال : على يدي دار الحديث. تمتّعنا مع رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم فلمّا قام عمر(٣) قال : إنّ الله كان يحلّ لرسوله ما شاء بما شاء وإن القرآن قد نزل منازله ، فافصلوا حجّكم من عمرتكم ، وأبتوا(٤) نكاح هذه النساء فلنْ أوتى برجلٍ نكح امرأةً إلى أجلٍ إلاّ رجمته بالحجارة »(٥) .

__________________

(١) صحيح الترمذي ٤/٣٨.

(٢) مسند أحمد ١/٥٠.

(٣) أي بأمر الخلافة.

(٤) أي : اقطعوا ، اتركوا.

(٥) صحيح مسلم ، باب جواز التمتع.


٤١٨


*وعبدالله بن عمر فقد أخرج الترمذي : « أنّ عبدالله بن عمر سئل عن متعة الحجّ. فقال : هي حلال. فقال له السائل : إنّ أباك قد نهى عنها. فقال : أرأيت إن كان أبي نهى عنها وصنعها رسول الله أمر أبي نتّبع أم أمر رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم؟‍ فقال الرجل : بل أمر رسول الله. قال : فقد صنعها رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم »(١) .

*وعمران بن حصين (٢) ـ وكان شديد الإنكار لذلك حتّى في مرض موته ـ فقد أخرج مسلم : « عن مطرف قال : بعث إلى عمران بن حصين في مرضه الذي توفّي فيه فقال : إنّي محدّثك بأحاديث ، لعلّ الله أن ينفعك بها بعدي. فإن عشت فاكتم علي(٣) وإنْ متّ فحدّث بها إنْ شئت. إنّه قد سُلّم عليَّ. واعلم أنّ نبيّ الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم قد جمع بين حجّ وعمرة ، ثم لم ينزل فيها كتاب الله ، ولم ينه عنها نبيّ الله. فقال رجل برأيه فيها ما شاء »(٤) .

قال النووي بشرح أخبار إنكاره : « وهذه الروايات كلّها متّفقة على أنّ مراد عمران أنّ التمتّع بالعمرة إلى الحجّ جائز ، وكذلك القِران ، وفيه التصريح بإنكاره على عمر بن الخطّاب منع التمتّع ».

دفاع ابن تيميّة ثمّ إقراره بالخطأ :

وذكر شيخ إسلامهم ابن تيميّة في الدفاع عن عمر وجوهاً ، كقوله : « إنّما

__________________

(١) صحيح الترمذي ٤/٣٨.

(٢) ذكر كلّ من ابن عبدالبرّ في الاستيعاب وابن حجر في الإصابة أنّه كان من فضلاء الصحابة وفقهائهم ، بل نصّ ابن القيّم في زاد المعاد على كونه أعظم من عثمان ، وذكروا أنّه كان يرى الملائكة وتسلّم عليه وهو ما أشار إليه في الحديث بقوله : « قد سُلِّم عليَّ » توفّي سنة ٥٢ بالبصرة.

(٣) لاحظ إلى أين بلغت التقيّة!!

(٤) صحيح مسلم باب جواز التمتّع. وفي الباب من صحيح البخاري وسنن ابن ماجة ، وهو عند


٤١٩


كان مراد عمر أن يأمر بما هو أفضل » واستشهد له بما رواه عن ابنه من أنّه « كان عبدالله بن عمر يأمر بالمتعة ، فيقولون له : إنّ أباك نهى عنها. فيقول : إنّ أبي لم يرد ما تقولون » وحاصل كلامه ما صرّح به في آخره حيث قال : « فكان نهيه عن المتعة على وجه الاختيار ، لا على وجه التحريم ، وهو لم يقل : « أنا أُحرّمهما ».

قلت : أمّا أنّ مراده كان الأمر بما هو أفضل ، فتأويل باطل ، وأمّا ما حكاه عن ابن عمر فتحريف لِما ثبت عنه في الكتب المعتبرة ، وقال ابن كثير : « كان ابنه عبدالله يخالفه فيقال له : إنّ أباك كان ينهى عنها! فيقول : خشيت أنْ يقع عليكم حجارة من السماء! قد فعل رسول الله ، أفسُنّة رسول الله نتّبع أم سُنّة عمر بن الخطّاب؟! »(١) .

والعمدة إنكاره قول عمر : « وأنا اُحرمّهما ». وسنذكر جمعاً ممّن رواه!

هذا ، وكأنّ ابن تيميّة يعلم بأن لا فائدة فيما تكلّفه في توجيه تحريم عمر والدفاع عنه ، فاضطرّ إلى أن يقول :

« أهل السُنّة متّفقون على أنّ كلّ واحدٍ من الناس يؤخذ بقوله ويترك إلاّ رسول الله ، وإنّ عمر أخطأ ، فهم لا ينزّهون عن الإقرار على الخطأ إلاّ رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم »(٢) .

لكنّه ليس « خطأ » من عمر ، بل هو « إحداث » كما جاء في الحديث المتقدّم عن أبي موسى الأشعري وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

« أنا فرطكم على الحوض ، وليرفعنّ رجال منكم ثم ليختلجنَّ دوني ، فأقول : يا ربّ أصحابي! فيقال : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك! »(٣) .

__________________

أحمد في المسند ٤/٤٣٤.

(١) تاريخ ابن كثير ٥/١٤١.

(٢) منهاج السنّة ٢/١٥٤.

(٣) أخرجه البخاري وغيره في باب الحوض.


٤٢٠