ملامح المنهج التربوي عند أهل البيت (عليهم السلام)

ملامح المنهج التربوي عند أهل البيت (عليهم السلام)0%

ملامح المنهج التربوي عند أهل البيت (عليهم السلام) مؤلف:
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 116

ملامح المنهج التربوي عند أهل البيت (عليهم السلام)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد شهاب الدين العذاري
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
تصنيف: الصفحات: 116
المشاهدات: 73577
تحميل: 5204

توضيحات:

ملامح المنهج التربوي عند أهل البيت (عليهم السلام)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 116 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 73577 / تحميل: 5204
الحجم الحجم الحجم
ملامح المنهج التربوي عند أهل البيت (عليهم السلام)

ملامح المنهج التربوي عند أهل البيت (عليهم السلام)

مؤلف:
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الشياطين ) (١) .

ثانياً: الدعاء

الدعاء يجعل الإنسان مستشعراً للارتباط بمُنعِم الوجود والرحمة والرعاية، وبه تطمئنّ النفس ويستريح القلب، ويبقى في علاقةٍ متواصلةٍ مع القوّة المهيمنة على الحياة بأسرها، والتي تحيط به وتراقبه باستمرار.

وبالدعاء يرتقي الإنسان في سُلّم الصلاح والاستقامة ويبتعد عن الانحراف، وخصوصاً حينما يتمرّن على طلب العون من الله تعالى لإصلاح نفسه وإنقاذها من الانحراف والرذيلة.

والدعاء بنيّةٍ خالصةٍ كفيلٌ بتسامي الإنسان وتكامله الروحي والخُلُقي، وهذا الأمر لا يحتاج إلى برهان، لأنّ فيه تجتمع جميع العوامل المساهمة في السموّ والتكامل ومنها:

١ - الرغبة في الصلاح والسموّ والتكامل.

٢ - طلب العون من الله تعالى.

٣ - استجابة الله تعالى لطلب عبده، لإخلاصه في الطلب، وانسجام طلبه مع المنهج الإلهي.

قال الإمام محمّد الباقر ( عليه السلام ):( لا والله لا يلحّ عبدٌ مؤمنٌ على الله عزّ وجلّ في حاجته إلاّ قضاها له ) (٢) .

والدعاء شفاءٌ من كلّ داء، وخلوُّ النفس من الداء يُسهم في إصلاحها

____________________

(١) الكافي ٢: ٦١٠.

(٢) الكافي ٢: ٤٧٥.

٤١

وتقبّلها للإرشاد والتوجيه الصالحَين.

قال الإمام الصادق ( عليه السلام ):( عليك بالدعاء، فإنّ فيه شِفاءً مِن كلّ داء ) (١) .

وأكّد أهل البيت ( عليهم السلام ) على المداومة على الدعاء، فهو بنفسه إصلاحٌ للنفس والضمير وتهذيبهما، وقد أثبتت التجارب التربويّة أنّ الأحداث الذين ترعرعوا في أجواء مليئة بذكر الله بالدعاء وغيره، أكثر استقامة من غيرهم وأقلّ انحرافاً.

ثالثاً: العبادة

العبادة رابطة رُوحيّة تربط الإنسان بالمطلق وعالم الغيب والمعنويّات، وبها يتّصل القلب بمُنعم الوجود اتّصالات متنوّعة، وهذه الاتّصالات تجعله يستشعر الرقابة الإلهيّة فلا يجرأ على الانحراف، ويتوّجه نحو الاستقامة.

وأبرز مصاديق العبادة الصلاة، وهي حصنُ حصينٍ من الانحراف بعد اندحار الشيطان بواسطتها.

قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ):( الصلاة حصنُ الرحمان، ومّدحرةُ الشيطان ).

وقال ( عليه السلام ):( الصلاة حصنٌ مِن سَطَوَات الشيطان ) (٢) .

والصلاة بأركانها تحرّك الإنسان نحو الصلاح والاستقامة، كما ورد عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ):( والسجود النفساني فراغُ القلبِ من الفانيات، والإقبال بكنه الهِمّة على الباقيات، وخَلْع الكِبَر والحميّة، وقطع العلائق الدنيويّة، والتحلّي بالخلائق النبويّة ) (٣) .

وهي كما قال ( عليه السلام ):( الصلاةُ صابون الخطايا ) (٤) .

____________________

(١) مكارم الأخلاق: ص ٢٧١.

(٢) و(٣) تصنيف غرر الحكم: ص ١٧٦.

(٤) شرح نهج البلاغة / لابن أبي الحديد: ٢٠ / ٣١٣.

٤٢

وهي تمنح الإنسان فرصة العودة إلى الاستقامة، وخصوصاً صلاة الليل، قال الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ):( صلاة المؤمن بالليل تذهب بما عمل من ذنب بالنهار ) (١) .

والصلاة من أفضل العبادات التي تنهى عن الفحشاء والمنكر كما أكّد الكتاب الكريم والروايات، ثُمّ يأتي دور الصوم ثُمّ الحجّ الى آخره من ألوان العبادات، وجميعها تسهم في التربية الصالحة السليمة، ولهذا حثّ أهل البيت ( عليهم السلام ) على أدائها وخصوصاً العبادات المستحبّة المنصوصة من قِبَل رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ).

٤ - ذكر الموت

ذكر الموت له دورٌ هامٌّ في ضبط النفس والردع عن عمل القبيح، فإنّ ذكره الدائم باللسان بعد استشعاره بالوجدان يوجّه الأنظار الى تلك الحقيقة التي تنهدم فيها الشهَوَات واللذات، ويصبح الإنسان من خلالها رهين القبر بانتظار الثواب والعقاب، فيتوجّه الإنسان بجميع جوارحه نحو المُثُل والقِيَم العُليا ليجسّدها في واقعهِ السلوكي والخُلُقي.

ومن آثار ذكر الموت كما ورَدَت عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ):

١ -( مَن ذكَر الموت رضي مِن الدنيا باليسير ).

٢ -( مَن ذكَر المنيّة نَسي الأُمنِية ) .

٣ -( أبلغ العِظات النظر إلى مصارع الأموات، والاعتبار بمصاير الآباء والأُمّهات ) (٢) .

والترفّع عن أُمورِ الدنيا الماديّة يجعل الإنسان يعيش في أجواء المعنويّات

____________________

(١) من لا يحضره الفقيه / الشيخ الصدوق: ١ / ٢٩٩.

(٢) تصنيف غرر الحكم: ص ١٤٦، ١٦٢.

٤٣

والمُثُل الصالحة، فلا تنافس على حطام الدنيا ولا صِراع من أجل إشباع الرغَبَات، ولا اعتداء على مُمتلكات الناس، وله دور في إزالة أسباب الحسَد والطمع والأنانيّة والحقد وغير ذلك من الأمراض النفسيّة والخلقيّة.

قال الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ):( ذِكر الموت يُميت الشهَوَات في النفس، ويقطع منابت الغفلة، ويُقوّي القلب بمواعد الله، ويرق الطبع، ويكسِر أعلام الهوى، ويطفي نار الحِرص ويحقّر الدنيا ) (١) .

وحثّ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) على الإكثار مِن ذِكر الموت؛ لدوره في إصلاح النفس وسموّها ولِكي تستعدّ لما بعده، فقال:( أكثر ذِكر الموت وما تهجم عليه وتفضي إليه بعد الموت، حتّى يأتيك وقد أخذت له حِذرك، وشدَدت له أزرك، ولا يأتيك بغتةً فيبهرك ) .

وقال ( عليه السلام ):( رحِم الله امرءاً بادر الأجل، واكذب الأمل، وأخلص العمل ) (٢) .

وقد أثبتت الدراسات الميدانيّة أنّ الأجواء الاجتماعيّة، التي يَكثر فيها ذكر الموت وما بعده من أهوالٍ وصِعاب أو ثوابٍ ونعيم، أقرب للصلاح والاستقامة من غيرها مِن الأجواء، ولا غرابة أنْ نجد المجتمعات غير الإسلاميّة مُبتلاة بالكثير مِن الانحرافات والجرائم؛ لابتعادها عن هذه المفاهيم والقِيَم.

٥ - الاعتراف بالذنب

الاعتراف بالذنب له دورٌ كبير في تهذيب النفس وإصلاحها، وفي تشخيص

____________________

(١) المحجّة البيضاء / الفيض الكاشاني: ٨ / ٢٤٢.

(٢) تصنيف غرر الحكم: ص ١٦٢.

٤٤

أسباب القَلَق والاضطراب النفسي، ولا تبقى تلك الأسباب ضاغطة على العقل والقلب والإرادة، وبه يشكو الإنسان من نفسه الأمّارة بالسوء طلباً لما يلي:

١ - إزالة مشاعر الذنب والإثم.

٢ - التخفيف مِن عذاب تأنيب الضمير.

٣ - إعادة الاطمئنان للنفس المضطربة.

٤ - التصميم على عدم تكرار الذنب.

٥ - التفكير في الاستقامة من جديد.

وقد استخدم العلاج النفسي أُسلوب الاعتراف للوصول الى الصحّة النفسيّة للمريض، بعد الاطّلاع على الأمور المكبوتة والمخزونة في اللاشعور، وفي أثناء جَلَسَات العلاج يسترخي المريض ويطلق العِنان لذكرياته كي تفيض وتطفو فوق سطح الشعور، ومِن طُرُق العلاج طريقة التطهير النفسي أو التفريغ الانفعالي وهي:

( تصريف الشحنة الانفعاليّة الحبيسة داخل صدر الإنسان، أو الإفصاح عمّا يجثم على صدر المرء مِن الهموم والآلام والمشاعر والمشاكل والصراعات والتوتّرات والضغوط، وهذه العمليّة تُسبّب للفرد الشعور بالارتياح وتُؤدّي إلى إزالة أو إضعاف العُقَد النفسيّة أو الى تقليل التوتّرات الانفعاليّة الناجمة من الصراعات ...)(١) .

وإذا كان المُذنب أو المنحرف لا يعترف لإنسانٍ مثله بذنبه أو انحرافه إلاّ بصعوبةٍ بالغة؛ فإنّه يعترف أمام الله تعالى بها دون حرَج أو حياء؛ لأنّه يقف أمام واهب الرحمة والمُحيط بسَكَنَات النفس وخفاياها، وهذا الاعتراف يكون مقدّمة لصلاح النفس ثُمّ صلاح السيرة العمليّة، فلا تلاحقه بعدها الهموم

____________________

(١) فن الإرشاد والعلاج النفسي: ص ١٠٠، ١٠١.

٤٥

والضغوطات النفسيّة.

ومن الآثار الايجابيّة للاعتراف كما ذكرها أمير المؤمنين ( عليه السلام ) حيث قال:

١ -( شافعُ المُذنب إقراره، وتوبته اعتذاره ) .

٢ -( مَن اعترف بالجريرة استحقّ المغفرة ) .

٣ -( عاصٍ يقرّ بذنوبه خيرٌ مِن مطيع يفتخر بعمله ) .

٤ -( من أحسن الاعتذار استحقّ الاغتفار ) (١) .

٦ - الاستغفار

الاستغفار مفهوم إسلامي ينتقل بالإنسان مِن مرحلة الوقوع في الانحراف، إلى مرحلة تجاوزه والعودة إلى الهداية والاستقامة، وهو نقلة نوعيّة في مسيرته وحركته الفرديّة والاجتماعيّة، فالنفس الإنسانيّة حين ترتكب الخطيئة يختل توازنها وتماسكها، وتصبح عرضة للوساوس والهواجس، فيجد الشيطان طريقه إلى هذه النفس فيقودها الى الانحراف تلوَ الانحراف، ولكن الاستغفار يردّها إلى الاستقامة ويقوّي صلتها بالله تعالى.

والاستغفار علاجٌ واقعي للانحراف ويسهم في اجتثاث آثاره السلبيّة على القلب والإرادة، وهو الدواء كما جاء في عبارات أهل البيت ( عليهم السلام ).

قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ):( الاستغفار دواء الذنوب ) .

وقال ( عليه السلام ):( الذنوب الداء، والدواء الاستغفار، والشفاء أنْ لا تعود ) (٢) .

وقال الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ):( مَن أذنب مِن المؤمنين ذنباً، أجّل من

____________________

(١) تصنيف غرر الحكم: ص ١٩٥.

(٢) تصنيف غرر الحكم: ص ١٩٤، ١٩٥.

٤٦

غدوة إلى الليل، فإنْ استغفر لم يُكتب له ) .

وقال ( عليه السلام ):( إذا أكثر العبد مِن الاستغفار، رُفعت صحيفته وهي تتلالأ ) (١) .

وقال ( عليه السلام ):( لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار ) (٢) .

والاستغفار الحقيقي هو العمل الايجابي المُتسلسل لاقتلاع جميع جذور وآثار الانحراف، وهو يمرّ بمراحل وخُطوات عمليّة.

سمِع أمير المؤمنين ( عليه السلام ) رجلاً يقول: استغفر الله، فقال:( ثكلتك أُمّك أوَ تدري ما حدّ الاستغفار؟ الاستغفار درجة العلّيّين، وهو اسمٌ واقعٌ على ستّة معان:

أوّلها: الندم على ما مضى.

والثاني: العزْمُ على ترك العَود إليه أبداً.

والثالث: أنْ تؤدّي إلى المخلوقين حقوقهم حتّى تلقى الله عزّ وجلّ أملس ليس عليك تَبِعة.

والرابع: أنْ تعمد إلى كلّ فريضة ضيّعتها فتؤدّي حقّها.

والخامس: أنْ تعمَد إلى اللحم الذي نبَت على السحت والمعاصي فتُذيبه بالأحزان، حتّى تلصق الجِلد بالعظم وينشأ بينهما لحمٌ جديد.

والسادس: أنْ تذيق الجسم ألَم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية.

فعند ذلك تقول: أستغفر الله ) (٣) .

____________________

(١) مكارم الأخلاق / الطبرسي: ص ٣١٣، ٣١٤.

(٢) المحجّة البيضاء / الفيض الكاشاني: ٧ / ٥٨.

(٣) إرشاد القلوب: ص ٤٧.

٤٧

والاستغفار عموماً فرصةٌ جديدةٌ لإصلاح النفس والعَودة إلى الاستقامة، بعد التغلّب على اليأس والقنوط من الإصلاح والتهذيب، وبهذه الفرصة يجد الإنسان الأمل والتفاؤل لكي يسمو ويتكامل ضِمن التعاليم والإرشادات الصالحة.

٧ - التوبة

التوبة عودة إلى الاستقامة والنزاهة وحسن السيرة، وهي باب مِن أبواب الهداية والإصلاح؛ فبها يرجع الإنسان سويّاً يستشعر الرحمة والطمأنينة، فلا آلام ولا عُقَد نفسيّة ولا حُجُب ضبابيّة عن الاستقامة والاعتدال، وبدون التوبة يبقى المذنب يعيش القلب والاضطراب والازدواجيّة بين الفكر والسلوك، وقد يتمادى في ذنوبه وانحرافاته إنْ شعر بعدم علاجها إلى أنْ يصل إلى الانحطاط التام، ولهذا جاءت التوبة لمحو الذنوب والعودة إلى الاستقامة باستشعار الرحمة والرأفة الإلهيّة.

قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ):( التوبة تطهّر القلوب، وتغسل الذنوب ) (١) .

وقال ( عليه السلام ):( لا تيأس لذنبك وباب التوبة مفتوح ) (٢) .

وقال ( عليه السلام ):( إنْ الندم على الشر يدعو إلى تركه ) (٣) .

وللتوبة تأثير إيجابي على قلب الإنسان وخَلَجَات نفسه، قال الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ):( إذا أذنب الرجل خرج في قلبه نكتة سوداء، فإنْ تاب انمحت،

____________________

(١) تصنيف غُرَر الحِكَم: ص ١٩٥.

(٢) تُحف العقول / الحرّاني: ص ١٤٩.

(٣) الكافي / الكليني: ٢ / ٤٢٧.

٤٨

وإنْ زاد زادت حتّى تغلب على قلبه، فلا يفلح بعدها أبداً ) (١) .

والتوبة تغييرٌ حقيقي نحو الأفضل والأصلح، ولذا فهي تتمّ عِبر مقوّمات ودعائم وأركان نابعة مِن جميع خَلَجَات وجوارح الإنسان، قال الإمام محمّد الجواد ( عليه السلام ):( التوبة على أربع دعائم: ندمٌ بالقلب، واستغفار باللسان، وعملٌ بالجوارح، وعزم أنْ لا يعود ) (٢) .

ومِن مظاهر التوبة البكاء مِن خَشية الله تعالى، وهو عاملٌ إيجابي في التخفيف من القلق والاضطراب الناشئَين مِن الذنوب، وله دورٌ في رقّة القلب، وله دورٌ في إعادة الأمل للتسامي والتكامل والفوز بالنعيم الخالد.

قال الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ):( إنّ الرجل ليكون بينه وبين الجنّة أكثر ممّا بين الثرى والعرش لكثرة ذنوبه، فما هو إلاّ أنْ يبكي مِن خَشية الله عزّ وجلّ ندَماً عليها، حتّى يصير بينه وبينها أقرب من جفنته إلى مقلته ) (٣) .

وقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ):( البكاء من خشية الله ينير القلب ويعصم من معاودة الذنب ) (٤) .

ومن أروَع ما في التوبة آثارها الايجابيّة، فكفّارة الذنوب تتجسّد في أعمال وممارسات صالحة ونافعة للمجتمع.

قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ):( مِن كفّارات الذنوب العظام إغاثة الملهوف، والتنفيس عن المكروب ) (٥) .

____________________

(١) الكافي / الكليني: ٢ / ٢٧١.

(٢) كشف الغمّة / للاربلي: ٢ / ٣٤٩.

(٣) عيون أخبار الرضا عليه السلام / الشيخ الصدوق: ٢ / ٣.

(٤) تصنيف غرر الحكم: ص ١٩٢.

(٥) شرح نهج البلاغة / لابن أبي الحديد: ١٨ / ١٣٥.

٤٩

٨ - الرضا بالقضاء

إنّ الحياة لا تَمضي جُزافاً، بل هنالك سُنن وقوانين تتحكّم بها، فحينما توجد الأسباب تتبعها النتائج، وهذهِ السُنَن حاكمة على الإنسان لا تختلف ولا تتخلّف، وأحياناً تكون خارجة عن إرادة الإنسان واختياره، بمعنى أنّه لا يملك الحول والقوّة في تغييرها وتبديلها مهما بذَل من جهدٍ وطاقة، فقد تطبق عليه الظروف ليبقى فقيراً مستضعفاً محروماً أو لا ينجح في أعماله ومشاريعه، أو لا توافق رغَبَاته رغَبَات الآخرين، وفي جميع ذلك فإنّ الارتباط بالله تعالى والرضا بقضائه كفيلٌ بتهوين الآلام والمآسي، وإبعاد آثارها السلبيّة عن العقل والقلب والضمير، وعن ردود أفعالها السلبيّة تجاه النفس والمجتمع.

قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ):( نعم الطارد للهمّ الرضا بالقضاء ) .

قال ( عليه السلام ):( الرضا بقضاء الله يهوّن عظيم الرزايا ) .

وقال ( عليه السلام ):( من رضي بالقضاء طابت عيشته ) (١) .

وينبغي أنْ يدرك الإنسان أنّ قضاء الله هو خيرٌ للمؤمن بجميع مظاهره وحالاته وألوانه. قال الإمام محمّد الباقر ( عليه السلام ):( في كلّ قضاء الله خير للمؤمن ) (٢) .

وقال الإمام موسى بن جعفر الكاظم ( عليه السلام ):( ينبغي لِمن عقل عن الله أنْ لا يستبطئه في رِزقه، ولا يتّهمه في قضائه ) (٣) .

____________________

(١) تصنيف غرر الحكم: ص ١٠٣، ١٠٤.

(٢) تحف العقول / الحرّاني: ص ٢١٤.

(٣) الكافي / الكليني: ٢ / ٦١.

٥٠

ومِن ايجابيّات الرضا بالقضاء الاستسلام للأمر الواقع وللحالة المطبقة بالإنسان، وهذا الاستسلام يمنعه من ردود الأفعال المتشنّجة والصاخبة ضدّ الأفراد وضدّ المجتمع كَكُل، فإذا عاش الفقر والحرمان فلا يحسد ولا يحقد ولا يعتدي على أموال الآخرين، وإذا عاش الإهمال والحرمان فلا ينتقم لذاته، وإذا عاش الفشل في مشاريعه فلا يلقي باللائمة على غيره، بل هو في جميع هذه الحالات يَميل إلى السعي والكدْح لأجل تغيير حاله بطُرقٍ سليمةٍ أقرّها الشرع، والرضا بالقضاء يمنعه من الاستسلام للقَلَق والاضطراب وهُما المَرتَع الخصب للخُلُق غير السويّ وغير المستقيم.

المبحث الثاني: طرق تقييم النفس ودورها في التربية

١ - تنمية الحَيَاء

الحياء عبارة عن الشعور بالانفعال والانكسار النفسي نتيجةً للخوف من اللوم والتوبيخ مِن الآخرين، وهو شعورٌ تُراعى فيه المُثُل والقِيَم والضوابط الاجتماعيّة، ويسهم بشكلٍ فعّال في ضَمان تنفيذ القوانين والمنع من الإقدام على التجاوز والاعتداء، وهو الذي يحصن الإنسان مِن جميع ألوان الانحراف والرذيلة.

قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ):( الحياء لباسٌ سابغ، وحِجابٌ مانِع، وسترٌ من المساوئ واقٍ، وحليفٌ للدين، ومُوجبٌ للمحبّة، وعين كالئة تذود عن الفساد، وتنهى عن الفحشاء ) (١) .

____________________

(١) شرح نهج البلاغة / لابن أبي الحديد: ٢٠ / ٢٧٢.

٥١

وللحياء آثارٌ تربويّة ايجابيّة جاءت في حديث أمير المؤمنين ( عليه السلام ) حيثُ قال:

١ -( الحياء مفتاح كل خير ).

٢ -( الحياء يصدُّ عن فعل القبيح ).

٣ -( ثمرة الحياء العفّة ).

٤ -( من كساه الحياء ثوبه خفي عن الناس عيبه ) (١) .

وقال الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ):( فلولاه لم يقرَ ضيف، ولم يوف بالعدات، ولم تُقضَ الحوائج، ولم يُتحرّ الجميل، ولم يُتنكّب القبيح في شيء من الأشياء، حتّى أنّ كثيراً مِن الأمور المفترضة أيضاً إنما يفعل للحياء، فانّ مِن الناس من لولا الحياء لم يرع حقّ والديه، ولم يصل ذا رحِم، ولم يؤدّ أمانة، ولم يعف عن فاحشة ) (٢) .

والحياء الايجابي هو الحياء مِن: الله تعالى، والنفس، والمجتمع، والقانون، والذي يحقّق آثاراً صالحة في الفكر والسلوك، قال الإمام موسى الكاظم ( عليه السلام ):( استحيوا مِن الله في سرائركم، كما تستحيون مِن الناس في علانيّتكم ) (٣) .

وقال ( عليه السلام ):( رحِم الله مَن استحيا مِن الله حقّ الحياء؛ فحفظ الرأس وما حوى، والبطن وما وعى، وذكَر الموت والبلَى، وعلِم أنّ الجنّة محفوفةٌ بالمكاره، والنارَ محفوفةٌ بالشهَوَات ) (٤) .

وقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ):( غاية الأدب أنْ يستحي الإنسان مِن نفسه ) (٥) .

____________________

(١) تصنيف غرر الحكم: ص ٢٥٧.

(٢) بحار الأنوار / المجلسي: ٢ / ٢٥.

(٣) تحف العقول / الحرّاني: ص ٢٩٣.

(٤) المصدر السابق نفسه: ص ٢٩١.

(٥) شرح نهج البلاغة / لابن أبي الحديد: ٢٠ / ٢٦٥.

٥٢

فالحياء مِن الله تعالى ومِن النفس يردع الإنسان عن الانحراف الخفي وغيرِ المُعلن، والحَياء مِن المجتمع والقانون يردعه عن الانحراف العلني والمخفي معاً خوفاً من انكشافه أمام الملأ.

والحياء له دوران: الأوّل الصدّ عن العمل القبيح والشائن، والثاني التخلّق بالأخلاق الحسنة والصالحة وخصوصاً في العلاقات الاجتماعيّة، وبه تُرعى حقوق الآخرين.

٢ - تنمية الضمير

الضمير هو الرادع الداخلي الذي يقدّر ما هو حسن وما هو قبيح، فيُساعد الإنسان على اتّخاذ السلوك والقرار الصالح والسليم، والتخلّي عن السلوك والقرار المُخالف للقواعد الصالحة والضوابط الاجتماعيّة السليمة.

ويرى الباحثون في حقول التربية وعلم النفس أنّه ( لا الفكر ولا المنطق يأمران الإنسان بالتصرّف، هما أداتان تمكّنان الإنسان مِن الوصول الى هدفٍ ما، الضمير هو الآمر، والفكر هو المنفّذ ويرى( نيومن ) أنّ الإنسان يفضّل التصرّف الخاطئ على الصواب إذا رضي ضميره؛ ولو دلّه المنطق إلى خطأ عمله وأرشده إلى الصواب )(١) .

وأنّ الضمير عند( فروم ) هو ( المستودع الرئيسي للميراث الاجتماعي والثقافي في تكوين الشخصيّة، وهو القوّة المحرّكة التي تدفع الإنسان إلى أداء سُلوك معيّن أو عدم أدائه لهذا السلوك حسب متطلّبات المجتمع، ويتكوّن

____________________

(١) الأُسُس البيولوجيّة لسلوك الإنسان: ص ٢٧١، ٢٧٣.

٥٣

الضمير مِن خلال التأثيرات الاجتماعيّة والثقافيّة وتجارب الطفولة مَع الآخرين، فالضمير يتكوّن على شاكلة ضميرَيّ الأب والأُم، ولا يُوجد ضمير واحد للفرد، فهو يمتلك مجموعة مِن الضمائر تؤلّف الضمير الكلّي للفرد )(١) .

والضمير هو الواعظ الداخلي للإنسان الذي يردعه عن القبيح ويدفعه إلى عمل الحسن والصالح، وهو الرقيب عليه في جميع الأحوال والظروف سرية كانت أم علنيّة.

قال الإمام محمّد الباقر ( عليه السلام ):( مَن لم يجعل الله له مِن نفسه واعظاً فإنّ مواعظ الناس لنْ تغني عنه شيئاً ) (٢) .

وقال الإمام زين العابدين ( عليه السلام ):( ابن آدم إنّك لا تزال بخير ما كان لك واعظ من نفسك، وما كانت المحاسبة لها من همّك ) (٣) .

وقال الإمام محمّد الجواد ( عليه السلام ):( المؤمن يحتاج إلى توفيق من الله وواعظ من نفسه وقبول ممّن ينصحه ) (٤) .

والضمير ينمو باتّجاه الاستقامة من خلال التربية المتواصلة والتوجيه الدائم من قِبل الوالدَين والمعلّمين وعُلماء الدين، ومِن خلال توجيه الأنظار إلى احترام القواعد السلوكيّة للمجتمع، وينمو عن طريق الإيحاء والتلقين، ومِن خلال ملاحظة القدوة الحسنة، فاعتراف الكِبار بالخطأ الذي يرتكبونه يقوّي في أعماق الطفل القدرة على ضبط سُلوكه وسيرته.

____________________

(١) التحليل النفسي للشخصيّة: ص ١٨٠.

(٢) تحف العقول / الحرّاني: ص ٢١٤.

(٣) الأمالي / الشيخ المفيد: ص ١١٠.

(٤) تحف العقول / الحرّاني: ص ٣٤٠.

٥٤

ومن العوامل المساعدة على تنمية الضمير أنْ يتعامل مع الطفل على أساس أنّه شخصيّة مستقلّة؛ لأنّ ذلك يُنمّي في داخله الإحساس بالمسؤوليّة ومعرفة الخطأ والصواب وتمييز الانحراف عن الاستقامة.

والأهم من جميع ذلك فإنّ الارتباط بالغيب هو الأساس في تنمية الضمير؛ ليؤدّي دوره في التوجيه والتهذيب والردع؛ لأنّه يشعر بالرقابة الغيبيّة التي تراقبه وتتابعه وتحصي عليه سَكَنَاته وحَرَكَاته.

وفي جميع الظروف والأحوال لابدّ من تمكين الإنسان وخصوصاً في مرحلة الطفولة، من تكوين ضميرٍ سليم لا متزمّت ولا مُتساهل، بل ضمير معتدل متوازن.

٣ - إثارة الوجدان

إدراك الفرد لحقائق السُنَن التي تتحكّم في العلاقات والمسيرة الاجتماعيّة وآثارها الايجابيّة والسلبيّة، التي تسهم في تجنّب الموبقات والتوجّه للكمال والسمو.

ومِن السُنن المؤثّرة في الوجدان الإنساني سنّة الصيانة أو التعرّض لأعراض الناس، فمَن صان نفسه عن التعرّض فسيُصان عِرضه من الانحراف والدنَس ومن اعتداء الآخرين، ومَن اعتدى على أعراض الناس اعتُدِيَ على عِرضه، فإذا انغرست هذه السُنَن في وجدان الإنسان فإنّها ستنتقل من مرحلة التأثر الوجداني إلى مرحلة العمل الايجابي، فلا تبقى مجرّد حقيقة وجدانيّة راكدة ومعطّلة، وإنّما ستكون ذات حيويّة متحرّكة في الواقع بعمل وحركة وسلوك يُحصّن الإنسان من الانحراف والاعتداء الذي يعود ضرره عليه وعلى ذَوِيه.

٥٥

قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ):( من زنى زني به ) (١) .

وقال ( عليه السلام ):( ما زنى غيور قط ) (٢) .

وقال الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ):( برّوا آباءكم يبرّكم أبناؤكم، وعفّوا عن نساء الناس تعفُّ نساؤكم ) (٣) .

وذكر أهل البيت ( عليهم السلام ) كثيراً مِن القصص في إثارة الوجدان وبيان دوره في الاستغفار والتوبة وتجنّب الانحراف، والتسامي نحو الكمال، والآثار المترتّبة على الانحراف تتحقّق بتحقّق أسبابها الطبيعيّة، فالمنحرف أو المعتدي على أعراض الناس يُشارك في تهيئة أجواء الانحراف لذويه، ويكون أقلّ مراقبة لهم، إضافةً إلى تأثّرهم بسلوكه من خلال المحاكاة والمشاهدات الحسّيّة.

٤ - التقييم الذاتي ومحاسبة النفس

التقييم الذاتي للنفس عملٌ هام وضرورةٌ نفسيّة واجتماعيّة، به يتعرّف الإنسان على صِفاته وقُدراته العقليّة والعاطفيّة والخلقيّة، ويرى في نفسه عوامل القوّة والضعف، وفكرة المرء عن نفسه من خلال التقييم الصحيح والواقعي، لها الأثر الأكبر في تعيين سُلوكه ومستوى طُموحه، وفكرة المرء عن نفسه هي ( التي توجّهه في اختيار أعماله وأصدقائه وزوجته ومهنته وملابسه كما تسهم في رسم مستوى طموحه، وهي التي تُبيّن له ضُروب السُلوك التي هو جدير بها، وتكفّه عن فعل ما يمسّ احترامه لنفسه ...)(٤) .

____________________

(١) شرح نهج البلاغة / لابن أبي الحديد ٢٠: ٣٢٣.

(٢) نهج البلاغة، الحكمة: ٣٠٥.

(٣) تحف العقول / الحرّاني: ص ٢٦٧.

(٤) أُصول علم النفس: ص ١٢٦.

٥٦

وأكّدت الروايات على أهميّة معرفة النفس ومعرفة قدرها وطاقاتها، ومعرفة درجة قُربها وبعدها من الاستقامة والصلاح. قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ):( الخير كلّه فيمَن عرف قدْر نفسه، وكفى بالمرء جهلاً أنْ لا يعرف قدْر نفسه ) (١) .

وقال ( عليه السلام ):( ما هلك امرؤٌ عرف قدْرَه ) (٢) .

وقال ( عليه السلام ):( رحم الله امرءاً عرف قدره ولم يتعدّ طوره ) (٣) .

ومِن معرفة النفس معرفة عيوبها، وهي ظاهرة إيجابيّة وصحّية، فمِن خلال معرفة عيوب النفس ينشغل الإنسان عن عيوب غيره، ويتوجّه إلى إصلاح عيوبه بالطُرق والأساليب المُتاحة، ويتعاون مع غيره إنْ عجز بمفرده، وقد دلّت الروايات على الآثار الإيجابيّة لذلك.

قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ):( مَن عَرَف عيب نفسه اشتغل عن عيب غيره ) (٤) .

وقال الإمام الصادق ( عليه السلام ):( أنفع الأشياء للمرء سبقه الناس إلى عيب نفسه ) (٥) .

وبعد التقييم الذاتي ومعرفة النفس يأتي دور المحاسبة لها، وهي تسهم في إيقاف الانحراف، والتوجّه إلى الإصلاح والتكامل والبناء التربوي الصالح للفرد نفسه ولذويه وللمجتمع.

____________________

(١) مجموعة ورّام: ٢ / ١١٥.

(٢) عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) / الشيخ الصدوق: ٢ / ٥٤.

(٣) تصنيف غرر الحكم: ص ٢٣٣.

(٤) أعلام الدين / الديلمي: ص ١٨٦.

(٥) تحف العقول / الحرّاني: ص ٢٧٣.

٥٧

قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ):( مَن حاسَب نفسَه ربِح، ومِن غَفل عنها خسِر ) (١) .

وقال الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ):( حقّ على كلّ مسلم يعرفنا أنْ يعرض عمله في كلّ يومٍ وليلة على نفسه، فيكون محاسبٌ نفسه، فإذا رأى حسنة استزاد منها، وإنْ رأى سيّئة استغفر منها؛ لئلاّ يُخزى يوم القيامة ) (٢) .

وقال الإمام موسى بن جعفر ( عليه السلام ):( ليس منّا مِن لم يُحاسب نفسه في كلّ يوم، فإنْ عمِل حسناً استزاد الله، وإنْ عمِل سيّئاً استغفر الله منه وتاب إليه ) (٣) .

ومحاسبة النفس تتمّ على أساس عرض السيرة والمُمارسة على الموازين والمعايير الثابتة، فهي الميزان والمعيار في التقييم الذاتي ومعرفة النفس ومحاسبتها.

٥ - التقييم الاجتماعي

معرفة النفس وتقييمها تنشأ ذاتيّاً مِن داخلها، ولها مناشئ أُخرى، وهي فكرة المجتمع عنها أو تقييم المجتمع لها، وتنشأ أيضاً من موازنة الإنسان نفسه بغيره مِن أفراد المجتمع سَواء كانوا صالحين أم طالحين.

ومِن خلال التقييم الاجتماعي يتعرّف الإنسان على نواحي القوّة والضعف في نفسه وسلوكه، وعلى إمكانات خافية أو غير معلومة، وعلى الأغراض والدوافع التي تقوم وراء سلوكه.

____________________

(١) نهج البلاغة: ٥٠٦.

(٢) تحف العقول / الحرّاني: ص ٢٢١.

(٣) الكافي / الكليني: ٢ / ٤٥٣.

٥٨

قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ):( المرآة التي ينظر الإنسان فيها إلى أخلاقه هي الناس؛ لأنّه يرى محاسنَه مِن أوليائه منهم، ومساويه مِن أعدائه فيهم ) (١) .

وقال الإمام محمّد الجواد ( عليه السلام ):( المؤمن يحتاج إلى توفيق من الله وواعظ من نفسه وقبول ممّن ينصحه ) (٢) .

وقال الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ):( أحبّ إخواني إليّ مَن أهدى إليّ عيوبي ) (٣) .

وقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ):( مَن استقبل وجوه الآراء عرف مواقع الخطأ ) (٤) .

والتقييم الاجتماعي قد يكون علنيّاً أو سرّياً، وبما أنّ الإنسان دائماً يعتزّ بنفسه ورأيه، فإنّه لا يتنازل عن رأيه أو موقفه إلاّ إذا اطمأنّ أنّ الناصح له مُخلص في نصيحته ويُريد له الصلاح والخير، وهذا الاطمئنان غالباً ما يتأتّى إذا كان الناصح رفيقاً به ينصحه بأُسلوبٍ شيّقٍ وجذّاب، أو ينصحه سرّاً لا أمام الناس، لأنّ النصح أمام الناس كشفٌ للأخطاء وأحياناً يكون إهانةً وتشهيراً له، وبهذا الأُسلوب لا يحقّق المُصلِح أيّ تقدّم ملحوظ.

قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ):( النصح بين الملأ تقريع ) (٥) .

وقال الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام ):( مَن وعظ أخاه سرّاً فقد زانه، ومَن

____________________

(١) شرح نهج البلاغة / لابن أبي الحديد: ٢٠ / ٢٧١.

(٢) تحف العقول / الحرّاني: ص ٣٤٠.

(٣) المصدر السابق نفسه: ص ٢٧٣.

(٤) الكافي / الكليني: ٨ / ٢٢.

(٥) شرح نهج البلاغة / لابن أبي الحديد: ٢٠ / ٣٤١.

٥٩

وعظه علانيةً فقد شانه ) (١) .

فالتقييم غير العَلَني يحفظ للإنسان كرامته، بل يشعره بأنّ الناصح له مُخلصٌ وصادقٌ في نصحه، لا يُريد خدْش كرامته أو ترذيله أو تقبيحه، وهذا الشعور يسهم في دخول النصيحة إلى العقل والقلب بصورة يتفاعل معها المراد إصلاحه أو تغييره أو تربيته.

وعلى العموم فانّ التقييم الاجتماعي يؤثّر في تقييم الإنسان لذاته، ويؤثّر على ممارساته العمليّة، فمثلاً الطفل الذي يسمع مِن الآخرين ألفاظ جبان أو كذّاب أو سارق قد ينشأ على تقييم نفسه على ضوء هذه الألفاظ، بل قد يصبح بالفعل جباناً أو كذّاباً أو سارقاً كرد فعل للتقييم الخاطئ له، أو التقييم المتسرع الذي اعتمد على ظاهرة واحدة أو ممارسة واحدة قد تكون غير مقصودة.

* * *

____________________

(١) تحف العقول / الحرّاني: ص ٣٦٨.

٦٠