أخلاق أهل البيت

أخلاق أهل البيت0%

أخلاق أهل البيت مؤلف:
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 517

أخلاق أهل البيت

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد مهدي الصدر
تصنيف: الصفحات: 517
المشاهدات: 295356
تحميل: 9589

توضيحات:

أخلاق أهل البيت
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 517 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 295356 / تحميل: 9589
الحجم الحجم الحجم
أخلاق أهل البيت

أخلاق أهل البيت

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

واليك نموذجاً من ذلك:

١ - تسامى بشعورِ المسلمين وعواطفهم، أنْ تسترقها النعرات العصبيّة، ونزعاتها المُفرّقة، ووجّهها نحو الهدف الأسمى مِن طاعة اللّه تعالى ورضاه: فالحبّ والبغض، والعطاء والمنع، والنصر والخذلان: كلّ ذلك يجب أنْ يكون للّه عزَّ وجل، وبذلك تتوثّق عرى المؤاخاة، وتتلاشى النزعات المُفرّقة، ويغدو المسلمون كالبنيان المرصوص، يَشُدّ بعضُه بعضاً.

وإليك قبَساً مِن آثار أهل البيتعليهم‌السلام في هذا المقام:

عن الباقرعليه‌السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ( ودّ المؤمن للمؤمن في اللّه، من أعظم شعب الايمان، ألا ومن أحبّ في اللّه، وأبغض في اللّه، وأعطى في اللّه، ومنع في اللّه، فهو من أصفياء اللّه )(١).

وقال الصادقعليه‌السلام : ( إنّ المتحابّين في اللّه يوم القيامة، على منابرَ من نور، قد أضاء نورُ وجوهِهم، ونورُ أجسادِهم، ونورُ منابرهِم، كلّ شيءٍ حتّى يُعرفوا به، فيُقال هؤلاء المتحابّون في اللّه )(٢).

وقال عليّ بن الحسينعليه‌السلام : ( إذا جمَع اللّه عزّ وجل الأولين والآخرين، قام منادِ يُنادي بصوتٍ يسمَع الناس، فيقول: أين المتحابّون في اللّه ؟ قال: فيقوم عُنُق من الناس، فيقال لهم: اذهبوا إلى الجنّة

_____________________

(١) الوافي ج ٣ ص ٨٩ عن الكافي.

(٢) نفس المصدر.

١٠١

بغير حساب ).

قال: ( فتلقّاهم الملائكة فيقولون: إلى أين ؟ فيقولون: إلى الجنّة بغير حساب ).

قال: فيقولون: ( فأيّ ضربٍ أنتم مِن الناس ؟ فيقولون: نحن المتحابّون في اللّه، فيقولون: وأيّ شيءٍ كانت أعمالكم ؟ قالوا: كنّا نحبّ في اللّه، ونبغض في اللّه. قال: فيقولون: نِعم أجرُ العاملين )(١).

وقال الصادقعليه‌السلام : ( كلّ مَن لم يحب على الدين، ولم يَبغَض على الدين فلا دِين له )(٢).

وعن جابر الجعفي عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: ( إذا أردت أنْ تعلم أنّ فيك خيراً، فانظر إلى قلبِك، فإنْ كان يُحبُّ أهل طاعة اللّه، ويبغَض أهل معصيته، ففيك خير، واللّه يحبّك، وإنْ كان يبغض أهل طاعة اللّه ويحبّ أهل معصيته، فليس فيك خير، واللّه يبغضك، والمرء مع مَن أحَب )(٣).

٢ - رغّب المسلمين فيما يؤلّفهم، ويحقّق لهم العزّة والرخاء، كالتواصي بالحقّ، والتعاون على البِرّ، والتناصر على العدل، والتكافل في مجالات الحياة الاقتصاديّة، فهم في عُرف الشريعة أسرةٌ واحدة، يسعدها ويشقيها

_____________________

(١) البحار م ١٥ ج ١ ص ٢٨٣ عن الكافي.

(٢)، (٣) الوافي ج ٣ ص ٩٠ عن الكافي.

١٠٢

ما يسعد أفرادها ويشقيهم.

دستورها:( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ) (١).

وشعارها قول الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( مَن أصبَح لا يهتمّ بأُمور المسلمين فليسَ بمُسلم )(٢).

٣ - حذّر المسلمين ممّا يبعَث على الفُرقة والعداء، والفحش والبذاء والاغتياب، والنميمة والخيانة والغش، ونحوها مِن مثيرات الفتن والضغائن، ومبدأهم في ذلك قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( المؤمن من أمنه الناس على أموالهم ودمائهم، والمسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه، والمهاجر مَن هجَر السيئات )(٣) .

٤ - أتاح الفُرَص لإنماء العلاقات الودّية بين المسلمين، كالحث على التزاور، وارتياد المحافل الدينيّة، وشهود المجتمعات الإسلاميّة، كصلاة الجماعة ومناسك الحجّ، ونحو ذلك.

_____________________

(١) الفتح: ٢٩.

(٢) الوافي ج ٣ ص ٩٩ عن الكافي.

(٣) الوافي ج ١٤ ص ٤٨ عن الفقيه.

١٠٣

العصبيّة

هي: مناصرة المَرء قومَه، أو أُسرته، أو وطنه، فيما يُخالف الشرع، ويُنافي الحقّ والعدل.

وهي: مِن أخطر النزَعات و أفتكها في تسيب المسلمين، وتفريق شملهم، وإضعاف طاقاتهم، الروحيّة والمادّيّة، وقد حاربها الإسلام، وحذّر المسلمين من شرورها.

فعن أبي عبد اللّهعليه‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من كان في قلبِه حبّةً مِن خَردَلٍ من عصبيّة، بعثَه اللّه تعالى يوم القيامة مع أعراب الجاهليّة )(١) .

وقال الصادقعليه‌السلام : ( من تعصّب عصّبه اللّه بعصابة من نار )(٢).

وقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( إنّ اللّه تبارك وتعالى قد أذهب بالإسلام نخوة الجاهليّة، وتفاخرها بآبائها، ألاّ إنّ الناس من آدم، وآدم من تراب، وأكرمهم عند اللّه أتقاهم )(٣) .

_____________________

(١)، (٢) الوافي ج ٣ ص ١٤٩ عن الكافي.

(٣) الوافي ج ١٤ ص ٤٨ عن الفقيه.

١٠٤

وقال الباقرعليه‌السلام : ( جلس جماعةٌ مِن أصحابِ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ينتسبون ويفتخرون، وفيهم سلمان. فقال عمر: ما نسبَك أنت يا سلمان وما أصلك ؟ فقال: أنا سلمان بن عبد اللّه، كنت ضالاًّ فهداني اللّه بمحمّد. وكنت عائلاً فأغناني اللّه بمحمّد، وكنت مملوكاً فأعتقني اللّه بمحمّدٍ، فهذا حسَبي ونسَبي يا عُمَر.

ثُمّ خرج رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فذكر له سلمان ما قال عُمَر وما أجابه، فقال رسول اللّه: يا معشَر قريش إنّ حَسبَ المرء دينُه، ومروءته خُلُقَه، وأصلَه عقلُه، قال اللّه تعالى:( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) .

ثُمّ أقبَل على سلمان فقال له: إنّه ليس لأحدٍ مِن هؤلاء عليكَ فضل إلاّ بتقوى اللّه عزَّ وجل، فمَن كنت أتقى منه فأنت أفضل منه )(١) .

وعن الصادق عن أبيه عن جدّهعليهم‌السلام قال: ( وقع بين سلمان الفارسي رضي اللّه عنه، وبين رجل كلام وخصومة، فقال له الرجل: من أنت يا سلمان ؟ فقال سلمان: أمّا أوّلي وأوّلك فنطفةٌ قذِرة. وأمّا آخري وآخرُك فجيفةٌ منتنة، فإذا كان يوم القيامة، ووضِعت الموازين، فمَن ثقُل ميزانه فهو الكريم، ومَن خفّ ميزانه فهو اللئيم )(٢).

وأصدق شاهد على واقعيّة الإسلام، واستنكاره النعرات العصبيّة

_____________________

(١) البحار م ١٥ ج ٢ ص ٩٥ عن أمالي أبي عليّ الشيخ الطوسي.

(٢) سفينة البحار ج ٢ ص ٣٤٨ عن أمالي الصدوق (ره).

١٠٥

المفرّقة، وجعله الإيمان والتُقى مِقياساً للتفاضل، أنّ أبا لهب - وهو مِن صميم العرب، وعمّ النبيّ - صرّح القرآن بثَلْبه وعذابه:( تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ ) ، وذلك بكفره ومحاربته للّه ورسوله.

وكان سلمان فارسّياً، بعيداً عن الأحساب العربيّة، وقد منحه الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله وساماً خالداً في الشرَف والعزّة، فقال: ( سلمان منّا أهل البيت ). وما ذلك إلاّ لسموّ إيمانه، وعِظَم إخلاصه، وتفانيه في اللّه ورسوله.

حقيقة العصبيّة:

لا ريب أنّ العصبيّة الذميمة التي نهى الإسلام عنها هي: التناصر على الباطل، والتعاون على الظلم، والتفاخر بالقيم الجاهليّة.

أمّا التعصّب للحقّ، والدفاع عنه…، و التناصر على تحقيق المصالح الإسلامية العامّة، كالدفاع عن الدين، وحماية الوطن الإسلامي الكبير، وصيانة كرامات المسلمين وأنفسهم وأموالهم، فهو التعصّب المحمود الباعث على توحيد الأهداف والجهود، وتحقيق العِزة والمنعة للمسلمين، وقد قال الإمام زين العابدين عليّ بن الحسينعليهما‌السلام : ( إنّ العصبيّة التي يأثم عليها صاحبها، أنْ يرى الرجل شِرار قومِه خيراً مِن خيار قومٍ آخرين، وليس مِن العصبيّة أنْ يحبّ الرجل قومه، ولكِن من العصبيّة أنْ يعين

١٠٦

قومه على الظلم )(١).

غوائل العصبية:

من استقرأ التاريخ الإسلامي، وتتّبع العلل والأسباب، في هبوط المسلمين، عَلِم أنّ النزعات العصبيّة، هي المعول الهدّام، والسبب الأوّل في تناكر المسلمين، وتمزيق شملهم، وتفتيت طاقاتهم، ممّا أدّى بهم إلى هذا المصير القاتم.

فقد ذلّ المسلمون وهانوا، حينما تفشّت فيهم النعرات المفرّقة، فانفصمت بينهم عُرى التحابُب، ووهت فيهم أواصر الإخاء، فأصبحوا مثالاً للتخلّف والتبَعثُر والهَوان، بعد أنْ كانوا رمزاً للتفوّق والتماسك والفِخار، كأنّهم لم يسمعوا كلام اللّه تعالى حيثُ قال:

( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا ) (٢).

_____________________

(١) الوافي ج ٣ ص ١٤٩ عن الكافي.

(٢) آل عمران: ١٠٣.

١٠٧

العدل

العدل ضدّ الظلم، وهو مناعة نفسيّة، تردع صاحبها عن الظلم، وتحفّزه على العدل، وأداء الحقوق والواجبات.

وهو سيّد الفضائل، ورمز المفاخر، وقوام المجتمع المتحضّر، وسبيل السعادة والسلام.

وقد مجّده الإسلام، وعنى بتركيزه والتشويق إليه في القرآن والسنّة:

قال تعالى:( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ ) (١).

وقال سُبحانه:( وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى ) (٢).

وقال عزّ وجل:( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ) (٣).

وقال الصادقعليه‌السلام : ( العدلُ أحلى مِن الشهد، وأليَن مِن الزبد، وأطيَب ريحاً مِن المِسك )(٤).

_____________________

(١) النحل: ٩٠.

(٢) الإنعام: ١٥٢.

(٣) النساء: ٥٨.

(٤) الوافي ج ٣ ص ٨٩ عن الكافي، وهو من قبيل تشبيه المعقول بالمحسوس.

١٠٨

وقال الراوي لعليّ بن الحسينعليه‌السلام أخبرني بجميع شرائع الدين. قال: ( قولَ الحقّ، والحُكم بالعدل، والوفاء بالعهد )(١).

وقال الرضاعليه‌السلام : ( استعمالُ العدل والإحسان مُؤذنٌ بدوام النعمة )(٢).

أنواع العدل:

للعدل صورٌ مُشرقةٌ تشعُّ بالجمال والجلال، وإليك أهمها:

١ - عدل الإنسان مع اللّه عزّ وجل: وهو أزهى صور العدل، وأسمى مفاهيمه، وعنوان مصاديقه، وكيف يستطيع الإنسان أنْ يؤدّي واجب العدل للمُنعِم الأعظم، الذي لا تُحصى نعماؤه، ولا تُعَدّ آلاؤه ؟!

وإذا كان عدل المكافأة يُقدّر بمعيار النعم، وشرف المنعم، فمن المستحيل تحقيق العدل نحو واجب الوجود، والغنيّ المطلق عن سائر الخلق، إلاّ بما يستطيعه قصور الإنسان، وتوفيق المولى عزّ وجل له.

وجماع العدل مع اللّه تعالى يتلخّص في الإيمان به، وتوحيده والإخلاص له، وتصديق سُفرائه وحُجَجِه على العباد، والاستجابة لمقتضيات ذلك من التولِّه بحبّه والتشرّف بعبادته، والدأب على طاعته، ومجافاة عِصيانه.

٢ - عدل الإنسان مع المجتمع:

وذلك برعاية حقوق أفراده، وكفّ الأذى والإساءة عنهم،

_____________________

(١) البحار م ١٦ كتاب العشرة ص ١٢٥ عن خصال الصدوق (ره).

(٢) البحار م ١٦ كتاب العشرة ص ١٢٥ عن عيون أخبار الرضا.

١٠٩

وسياستهم بكرم الأخلاق، وحُسن المداراة وحبّ الخير لهم، والعطف على بؤسائهم ومعوزيهم، ونحو ذلك من محقّقات العدل الاجتماعي.

وقد لخّص اللّه تعالى واقع العدل العام في آيةٍ من كتابه المجيد:( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) (١).

وقد رسم أمير المومنينعليه‌السلام منهاج العدل الاجتماعي بإيجاز وبلاغة، فقال لابنه:

( يا بنُيّ اجعل نفسك ميزاناً فيما بينك وبين غيرِك، فأحبب لغيرك ما تُحبّ لنفسك، واكره له ما تَكره لها، ولا تظلِم كما لا تحبّ أنْ تُظلَم، وأحسِن كما تُحِبّ أنْ يُحسَن إليك، واستقبح مِن نفسِك ما تستقبِح مِن غيرك، وارض من الناس بما ترضاه لهم مِن نفسك، ولا تقل ما لا تعلَم وإنْ قلّ ما تعلم، ولا تقل ما لا تُحِبّ أنْ يُقال لك ).

أوصىعليه‌السلام ابنه الكريم أنْ يكون عادلاً فيما بينه وبين الناس كالميزان، ثُمّ أوضَح له صور العدل وطرائقه إيجاباً وسلباً.

٣ - عدلُ البشر الأحياء مع أسلافهم الأموات: الذين رحلوا عن الحياة، وخلّفوا لهم المال والثراء، وحُرِموا مِن مُتَعِه ولذائذه، ولم يكسبوا في رحلتهم الأبديّة، إلاّ أذرُعاً مِن أثواب البلى، وأشباراً ضيّقة من بُطون الأرض.

_____________________

(١) النمل: ٩٠.

١١٠

فمن العدل أنْ يستشعر الأحياء نحو أسلافِهم بمشاعر الوفاء والعطف وحُسن المكافاة، وذلك بتنفيذ وصاياهم، وتسديد ديونَهم، وإسداء الخيرات و المبرّات إليهم، وطلب الغفران والرضا والرحمة مِن اللّه عزّ وجل لهم.

قال الصادقعليه‌السلام : ( إنّ الميّت ليفرح بالترحم عليه، والاستغفار له، كما يَفرح الحيّ بالهديّة تُهدى إليه ).

وقالعليه‌السلام : ( من عمل من المسلمين عن ميت عملاً صالحاً، أضعف اللّه له أجره، ونفع اللّه به الميت )(١).

٤ - عدل الحكام:

وحيث كان الحكّام ساسة الرعيّة، وولاة أمر الأُمّة، فهم أجدَر الناس بالعدل، وأولاهم بالتحلّي به، وكان عدلُهم أسمى مفاهيم العدل، وأروعها مجالاً وبهاءً، وأبلغها أثراً في حياة الناس.

بعدلهم يستتبّ الأمن، ويسود السلام، ويشيع الرخاء، وتسعد الرعيّة.

وبجورهم تنتكِس تلك الفضائل، والأماني إلى نقائضها، وتغدو الأُمّة آنذاك في قلَق وحيرة وضنَكٍ وشقاء.

محاسن العدل:

فطرت النفوس السليمة على حُبّ العدل وتعشّقه، وبُغض الظلم واستنكاره. وقد أجمع البشر عبر الحياة، واختلاف الشرائع والمبادئ

_____________________

(١) هذا الخبر وسابقه عن كتاب من لا يحضره الفقيه للصدوق.

١١١

على تمجيد العدل وتقديسه، والتغنّي بفضائله ومآثره، والتفاني في سبيله.

فهو سرّ حياة الأُمَم، ورمز فضائلها، وقِوام مجدِها وسعادتها، وضمان أمنِها ورخائها، وأجلّ أهدافها وأمانيها في الحياة.

وما دالت الدول الكُبرى، وتلاشت الحضارات العتيدة، إلاّ بضَياع العدل والاستهانة بمبدئه الأصيل، وقد كان أهل البيتعليهم‌السلام المثَل الأعلى للعدل، وكانت أقوالُهم وأفعالهم دروساً خالدة تُنير للإنسانيّة مناهج العدْل والحقّ والرشاد.

وإليك نماذج مِن عدلِهم:

قال سوادة بن قيس للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في أيّام مرضه: يا رسول اللّه إنّك لمّا أقبْلت مِن الطائف استقبلتك وأنت على ناقتك العضباء، وبيدِك القضيب المَمشوق، فرفَعت القضيب وأنت تُريد الراحلة، فأصاب بطني، فأمره النبيّ أنْ يقتصّ منه، فقال: اكشف لي عن بطنك يا رسول اللّه، فكشف عن بطنه، فقال سوادة: أتأذن لي أنْ أضع فمي على بطنك، فأذِن له فقال: أعوذ بموضع القصاص من رسول اللّه مِن النار يوم النار.

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( يا سوادة بن قيس، أتعفو أم تقتص؟ ). فقال: بل أعفو يا رسول اللّه. فقال: اللهمّ أعفُ عن سوادة بن قيس كما عفا عن نبيّك محمّد(١).

وقال أبو سعيد الخدري: جاء أعرابي إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يتقاضاه دَيناً كان عليه، فاشتدّ عليه حتّى قال له: أُحرّج عليك

_____________________

(١) سفينة البحار ج ١ ص ٦٧١.

١١٢

إلاّ قضيتني، فانتهره أصحابه وقالوا: ويحك، تدري مَن تُكلّم ؟!! قال: إنّي أطلب حقّي. فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( هلا مع صاحب الحقّ كنتم )، ثُمّ أرسل إلى خولة بنت قيس فقال لها: ( إنْ كان عندك تمر فأقرضينا، حتّى يأتي تمرنا فنقضيك ). فقالت: نعم بأبي أنت وأُمّي يا رسول اللّه.

قال: فأقرضَته فقضى الأعرابي وأطعمه. فقال: أوفيت أوفى اللّه لك ؟ فقال: ( أولئك خيار الناس، إنّه لا قُدّست أُمّةٌ لا يأخذ الضعيف فيها حقّه غير متعتع ).

وقيل: إنّ الإعرابي كان كافراً، فأسلم بمشاهدة هذا الخلق الرفيع، وقال: ( يا رسول اللّه، ما رأيت أصبر منك )(١) .

وهكذا كان أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام :

قال الصادقعليه‌السلام : ( لمّا ولّيَ عليّ صعد المنبر فحمِد اللّه، وأثنى عليه، ثُمّ قال: إنّي لا أرزؤكم مِن فَيئكم درهماً، ما قام لي عذقٌ بيثرِب، فلتصدقكم أنفسكم، أفتروني مانعاً نفسي ومعطيكم ؟!! قال: فقام إليه عقيل كرّم اللّه وجهَه فقال له: واللّه، لتجعلني وأسود بالمدينة سَواء، فقال: اجلس، أما كان هنا أحدٌ يتكلّم غيرك، وما فضلك عليه إلاّ بسابقة أو بتقوى )(٢).

وجاء في صواعق ابن حجَر ص ٧٩ قال: وأخرج ابن عساكر أنّ

_____________________

(١) فضائل الخمسة من الصحاح الستّة ج ١ ص ١٢٢ عن صحيح ابن ماجة.

(٢) البحار م ٩ ص ٥٣٩ عن الكافي.

١١٣

عقيلاً سأل عليّاًعليه‌السلام فقال: إنّي محتاج، وإنّي فقير فأعطني. قال: ( اصبر حتّى يخرج عطاؤك مَع المسلمين، فأعطيك معهم، فألح عليه )، فقال لرجلٍ: ( خذ بيده وانطلق به إلى حوانيت أهل السوق فقل له دُقّ هذه الأقفال، وخُذ ما في هذه الحوانيت ). قال: تريد أنْ تتّخذني سارقاً ؟ قال: ( وأنت تريد أنْ تتّخذني سارقاً، أنْ آخذ أموال المسلمين فأعطيكها دونهم ؟ ).

قال: لآتيَنّ معاوية. قال: ( أنت وذاك ). فأتى معاوية فسأله فأعطاه مِئة ألف، ثُمّ قال: اصعد على المنبر، فاذكر ما أولاك به عليّ وما أوّليتك، فصعد فحمِد اللّه، وأثنى عليه، ثُمّ قال: أيّها الناس إنّي أخبركم أنّي أردْت عليّاًعليه‌السلام على دينه فاختار دينه، وإنّي أردت معاوية على دينه فاختارني على دينه(١).

ومشى إليهعليه‌السلام ثُلّة من أصحابه عند تفرّق الناس عنه، وفرار كثيرٍ منهم إلى معاوية، طلَباً لما في يدَيه مِن الدنيا، فقالوا: يا أمير المؤمنين، أعطِ هذه الأموال، وفضّل هؤلاء الأشراف من العرب وقريش على الموالي والعجَم، ومَن تخاف عليه من الناس فراره إلى معاوية، فقال لهم أمير المؤمنينعليه‌السلام : ( أتأمروني أنْ أطلب النصر بالجور، لا واللّه ما أفعل، ما طلعَت شمسٌ، ولاحَ في السماء نجمٌ، واللّه، لو كان مالُهم لي لواسَيت بينهم، وكيف وإنّما هي أموالهم )(٢).

وقال ابن عبّاس: أتيتُه ( يعني أمير المؤمنين عليّاً ) فوجدته يخصف

_____________________

(١) فضائل الخمسة عن الصحاح الستة ج ٣ ص ١٥.

(٢) البحار م ٩ ص ٥٣٣ بتصرّف.

١١٤

نعلاً، ثُمّ ضمّها إلى صاحبتها، وقال لي: ( قوّمها ). فقلت: ليس لهما قيمة.

قال: ( على ذلك ). قلت: كسْر درهم. قال: ( واللّه، لهما أحبّ إليّ مِن أمركم هذا إلاّ أنْ أقيم حدّاً ( حقّاً ) أو ادفع باطلاً )(١) .

وهو القائل: ( واللّه لئن أبيت على حسَك السعدان مُسهّداً، وأُجَرُّ في الأغلال مُصفّداً، أحَبّ إليّ مِن أنْ ألقى اللّه ورسولَه يوم القيامة ظالِماً لبعض العباد، وغاصباً لشيءٍ من الحُطام، وكيف أظلِم أحداً لنفسٍ يَسرع إلى البلى قفولها، ويطول في الثرى حلولها )(٢).

_____________________

(١) سفينة البحار ج ١ ص ٥٧٠ بتصرف.

(٢) سفينة البحار ج ٢ ص ٦٠٦ عن النهج.

١١٥

الظلم

الظلم لغةً: وضع الشيء في غير موضعه، فالشرك ظلمٌ عظيم، لجعله موضع التوحيد عند المشركين.

وعرفاً هو: بخس الحقّ، والاعتداء على الغير، قولاً أو عمَلاً، كالسباب، والاغتياب، ومصادرة المال، واجترام الضرب أو القتل، ونحو ذلك من صوَر الظُلامات المادّيّة أو المعنويّة.

والظلم من السجايا الراسخة في أغلب النفوس، وقد عانت منه البشريّة في تاريخها المديد ألوان المآسي والأهوال، ممّا جهّم الحياة، ووسمها بطابعٍ كئيب رهيب.

والظلم مِن شيَم النفوس فإنْ تجِد

ذا عفّة فلعلّة لا يظلِمُ

من أجل ذلك كان الظلم جماع الآثام ومنبع الشرور، وداعية الفساد والدمار.

وقد تكاثرت الآيات والأخبار بذمّه والتحذير منه:

قال تعالى:( إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ) (١).

( إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) (٢).

_____________________

(١) الأنعام: ٢١.

(٢) الأنعام: ١٤٤.

١١٦

( وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ) (١).

( إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) (٢).

( وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا ) (٣).

وقال تعالى:( وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ ) (٤).

وقال سُبحانه:( وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الأَرْضِ لافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ) (٥).

وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : ( واللّه لو أعطيتُ الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها، على أنْ أعصي اللّه في نملَة أسلُبها جُلب شعيرةٍ ما فعلت، وإنّ دنياكم لأهوَن عليّ مِن ورقةٍ في فمِ جرادة، ما لعليٍّ ونعيمٍ يفنى ولذّة لا تبقى )(٦) .

وعن أبي بصير قال: ( دخَل رجُلان على أبي عبد اللّهعليه‌السلام في مداراةٍ بينهما ومعاملة، فلمّا أنْ سمِع كلامها قال: ( أما إنّه ما ظفَر أحدٌ بخير من ظفَر بالظلم. أما إنّ المظلوم يأخُذ مِن دين الظالم أكثر ممّا يأخذ الظالم من مال المظلوم ). ثُمّ قال: ( مَن يفعل الشرّ بالناس فلا

_____________________

(١) آل عمران: ٥٧.

(٢) إبراهيم: ٢٢.

(٣) يونس: ١٣.

(٤) إبراهيم: ٤٢.

(٥) يونس: ٥٤.

(٦) نهج البلاغة.

١١٧

ينكر الشر إذا فُعِل به، أمّا إنّه إنّما يحصِد ابن آدم ما يزرَع، وليس يحصد أحدٌ مِن المرِّ حُلواً، ولا مِن الحُلوِ مرَّاً، فاصطلَح الرجلان قبل أنْ يقوما )(١).

وقالعليه‌السلام : ( مَن أكل مال أخيه ظُلماً ولم يردَّه إليه، أكل جذوةً مِن النار يوم القيامة )(٢).

وقال الصادقعليه‌السلام : ( مَن ظلَم سلّط اللّه عليه من يظلمه، أو على عقِبَه، أو على عقِب عقِبَه ).

قال ( الراوي ): يظلم هو فيسلّط على عقبه ؟

فقال: ( إنّ اللّه تعالى يقول:( وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً ) )( النساء: ٩ )(٣) .

وتعليلاً للخبر الشريف: أنّ مؤاخذة الأبناء بجرائم الآباء إنّما هو في الأبناء الذين ارتضوا مظالم آبائهم أو اغتنموا تراثهم المغصوب، ففي مؤاخذتهم زجرٌ عاطفيٌّ رهيب، يردع الظالم عن العدوان خَشيةً على أبنائه الأعزّاء، وبشارةً للمظلوم على معالجة ظالمه بالانتقام، مشفوعة بثواب ظُلامته في الآخرة.

وعن أبي عبد اللّهعليه‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( مَن أصبح لا يهمّ بظلمٍ غفَر اللّه له ما اجترم )(٤).

أي ما اجترم من الذنوب التي بينه وبين اللّه عزَّ وجل في ذلك اليوم.

إلى كثير من الروايات الشريفة التي ستراها في مطاوي هذا البحث.

_____________________

(١)، (٢)، (٣)، (٤) الوافي ج ٣ ص ١٦٢ عن الكافي.

١١٨

أنواع الظلم:

يتنوع الظلم صوراً نشير إليها إشارة لامحة:

١ - ظلم الإنسان نفسه:

وذلك بإهمال توجيهها إلى طاعة اللّه عزّ وجل، وتقويمها بالخلق الكريم، والسلوك الرضيّ، ممّا يزجّها في متاهات الغواية والضلال، فتبوء آنذاك بالخيبة والهوان.

( وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ) (١).

٢ - ظلم الإنسان عائلته:

وذلك بإهمال تربيتهم تربيةً إسلاميّةً صادقة، وإغفال توجيههم وجهة الخير والصلاح، وسياستهم بالقسوةِ والعُنف، والتقتير عليهم بضرورات الحياة ولوازم العيش الكريم، ممّا يُوجب تسيّبهم وبلبلة حياتهم، مادّياً وأدبيّاً.

٣ - ظلم الإنسان ذوي قرباه:

وذلك بجفائهم وخذلانهم في الشدائد والأزَمات، وحرمانهم مِن مشاعر العطف والبِرّ، ممّا يبعث على تناكرهم وتقاطعهم.

٤- ظلم الإنسان للمجتمع:

وذلك بالاستعلاء على أفراده وبخس حقوقهم، والاستخفاف بكراماتهم،

_____________________

(١) الشمس: ( ٧ - ١٠ ).

١١٩

وعدم الاهتمام بشؤونهم ومصالحهم. ونحو ذلك من دواعي تسيّب المجتمع وضعف طاقاته.

وأبشع المظالم الاجتماعيّة، ظُلم الضعفاء، الذين لا يستطيعون صدّ العدوان عنهم، ولا يملكون إلاّ الشكاة والضراعة إلى العدل الرحيم في أساهم، وظلاماتهم.

فعن الباقرعليه‌السلام قال: ( لمّا حضر عليّ بن الحسينعليه‌السلام الوفاة، ضمّني إلى صدره، ثُمّ قال: يا بني، أوصيك بما أوصاني به أبي حين حضَرَته الوفاة، وبما ذكر أنّ أباه أوصاه، قال: يا بني، إيّاك وظلم مَن لا يجِد عليك ناصراً إلاّ اللّه تعالى )(١).

٥ - ظلم الحكّام والمتسلّطين:

وذلك باستبدادهم، وخنقهم حرّيّة الشعوب، وامتهان كرامتها، وابتزاز أموالها، وتسخيرها لمصالحهم الخاصّة، مِن أجل ذلك كان ظلم الحكّام أسوأ أنواع الظُلم وأشدّها نُكراً، وأبلغها ضرراً في كيان الأُمّة ومقدّراتها.

قال الصادقعليه‌السلام : ( إنّ اللّه تعالى أوحى إلى نبيٍّ مِن الأنبياء، في مملكةِ جبّارٍ مِن الجبابرة: أنْ ائت هذا الجبّار فقل له: إنّي لم استعملك على سفك الدماء، واتّخاذ الأموال، وإنّما استعملتك لتكفّ عنّي أصوات المظلومين، فإنّي لنْ أدَع ظلامتهم وإنْ كانوا كفّاراً )(٢).

_____________________

(١)، (٢) الوافي ج ٣ ص ١٦٢ عن الكافي.

١٢٠