أخلاق أهل البيت

أخلاق أهل البيت0%

أخلاق أهل البيت مؤلف:
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 517

أخلاق أهل البيت

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد مهدي الصدر
تصنيف: الصفحات: 517
المشاهدات: 295398
تحميل: 9590

توضيحات:

أخلاق أهل البيت
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 517 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 295398 / تحميل: 9590
الحجم الحجم الحجم
أخلاق أهل البيت

أخلاق أهل البيت

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الغيبة

وهي: ذِكر المؤمن المُعيّن بما يكره، سَواءً أكان ذلك في خَلقِه، أم خُلُقه، أو مختصّاته.

وليست الغيبة محصورةٌ باللسان، بل تشمل كلّ ما يُشعر باستنقاص الغير، قولاً أو عمَلاً، كنايةً أو تصريحاً.

وقد عرّفها الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله قائلاً: ( هل تدرون ما الغيبة ؟) قالوا: اللّه ورسوله أعلم.

قال: ( ذِكرُك أخاكَ بما يَكره ).

قيل له: أرأيت إنْ كان في أخي ما أقول ؟ قال: ( إنْ كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإنْ لم يكن فيه فقد بهتّه ).

وهي مِن أخسّ السجاياً، وألأم الصفات، وأخطَر الجرائم والآثام، وكفاها ذمّاً أنّ اللّه تعالى شبّه المُغتاب بآكل لحم الميتة، فقال:( يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ) ( الحجرات: ١٢).

وقال سُبحانه ناهياً عنها:( لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً ) ( النساء: ١٤٨ ).

وهكذا جاءت النصوص المتواترة في ذمّها، والتحذير منها:

٢٢١

قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( الغيبةُ أسرَع في دين الرجل المسلم مِن الآكلة في جوفه )(١).

وقال الصادقعليه‌السلام ( مَن روى على مؤمنٍ روايةً يُريد بها شَينه، وهدْم مروّته، ليسقط مِن أعين الناس، أخرجه اللّه عزّ وجل مِن ولايته إلى ولاية الشيطان )(٢).

وقال الصادقعليه‌السلام : ( لا تَغتَب فتُغتَب، ولا تَحفُر لأخيك حُفرة، فتقَع فيها، فإنّك كما تَدين تُدان )(٣).

وقال الصادقعليه‌السلام : ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : مَن أذاع فاحشةً كان كمبتدئها، ومِن عيّر مؤمناً بشيءٍ لا يموت حتّى يركبه )(٤).

التصامُم عن الغيبة:

وجديرٌ بالعاقل أنْ يترفّع عن مجاراة المغتابين، والاستماع إليهم،

_____________________

(١) البحار م ١٥ كتاب العشرة ص ١٧٧ عن الكافي.

(٢) البحار م ١٥ كتاب العشرة ص ١٨٧ عن ثواب الأعمال ومحاسن البرقي وأمالي الصدوق.

(٣) البحار م ١٥ كتاب العشرة ص ١٨٥ عن أمالي الصدوق.

(٤) البحار م ١٥ كتاب العشرة ص ١٨٨ عن ثواب الأعمال ومحاسن البرقي.

٢٢٢

فإنّ المستمع للغيبة صنو المستغيب، وشريكُه في الإثم.

ولا يعفيه مِن ذلك إلاّ أنْ يستنكر الغيبة بلسانه، أو يطوّر الحديث بحديثٍ بريء، أو النفار من مجلس الاغتياب، فإنْ لم يستطع ذلك كلّه، فعليه الإنكار بقلبه، ليأمن جريرة المشاركة في الاغتياب.

قال بعض الحكماء: ( إذا رأيت مَن يغتاب الناس، فاجهد جُهدَك أنْ لا يعرفك، فإنّ أشقى الناس به معارفه ).

وكما يجب التوقّي مِن استماع الغيبة، كذلك يجدر حفظ غَيبة المؤمن، والذب عن كرامته، إذا ما ذُكر بالمزريات، فعن الصادقعليه‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : مَن رَدَّ عن عرض أخيه المسلم وجبَت له الجنّة ألبتّة )(١).

وجدير بالذكر أنّ حُرمة الاغتياب مختصّةٌ بمَن يعتقد الحق، فلا تسري إلى غيره من أهل الضلال.

بواعث الغيبة:

للغيبة بواعثٌ ودوافع أهمّها ما يلي:

١ - العِداء أو الحسَد، فإنّهما أقوى دواعي الاغتياب والتشهير بالمعادي أو المحسود. نكايةً به، وتشّفياً منه.

_____________________

(١) البحار م ١٥ كتاب العشرة ص ١٨٨ عن ثواب الأعمال.

٢٢٣

٢ - الهزل: وهو باعث على ثلب المستغات، ومحاكاته إثارة للضحِك والمجون.

٣ - المباهاة: وذلك بذكرِ مساوئ الغير تشدّقاً ومباهاةً بالترفّع عنها والبراءةِ منها.

٤ - المجاراة: فكثيراً ما يندفع المرء على الاغتياب مجاراةً للأصدقاء والخُلَطاء اللاهين بالغيبة، وخشيةً مِن نفرتهم إذا لم يُحاورهم في ذلك.

مساوئ الغيبة:

مِن أهمّ الأهداف والغايات التي حقّقها الإسلام، وعنى بها عنايةً كبرى، اتّحاد المسلمين وتآزرهم وتآخيهم، ليكونوا المثَل الأعلى في القوّة والمنعة، وسموّ الكرامة، والمجد. وعزّز تلك الغاية السامية بما شرّعه من نُظُم وآداب، لتكون دستوراً خالداً للمسلمين، فحثّهم على ما ينمّي الأُلفة والمودّة، ويوثّق العلائق الاجتماعيّة، ويحقّق التآخي والتآزر، كحُسن الخُلق، وصِدق الحديث، وأداء الأمانة، والاهتمام بشؤون المسلمين، ورعاية مصالحهم العامّة. ونهاهم عن كلّ ما يعكّر صفو القلوب، ويثير الأحقاد والضغائن الموجِبة لتناكر المسلمين، وتقاطعهم كالكذِب، والغش، والخيانة، والسُّخرية.

وحيث كانت الغيبة عاملاً خطيراً، ومِعولاً هدّاماً، في تقويض صرح المجتمع، وإفساد علاقاته الوثيقة، فقد حرّمها الشرع الإسلامي،

٢٢٤

وعدّها مِن كبائر الآثام.

فمن مساوئها: أنّها تبذر سموم البغضة والفُرقة في صفوف المسلمين، فتعكّر صفو المحبّة، وتفصم عُرى الصداقة، وتقطع وشائج القرابة.

وذلك بأنّ الغيبة قد تبلغ المغتاب، وتستثير حَنَقَه على المستغيب، فيثأر منه، ويُبادله الذمّ والقدح، وطالما أثارت الفتَن الخطيرة، والمآسي المحزونة.

هذا إلى مساوئها وآثامها الروحيّة التي أوضحتها الآثار، حيث صرّحت أنّ الغيبة تنقل حسنَات المستغيب يوم القيامة إلى المُستغاب، فإنْ لم يكن له حسَنات طُرِح عليه مِن سيئات المُستغاب، كما جاء عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: ( يُؤتى بأحدِكم يوم القيامة، فيُوقف بين يدَيّ اللّه تعالى، ويُدفّع إليه كتابه، فلا يَرى حسَنَاته، فيقول: إلهي ليس هذا كتابي فإنّي لا أرى فيه طاعتي. فيقول له: إنّ ربَّك لا يضلّ ولا ينسى، ذهَب عملُك باغتياب الناس.

ثمّ يُؤتى بآخر ويُدفع إليه كتابه، فيرى فيه طاعات كثيرة، فيقول: إلهي ما هذا كتابي، فإنّي ما عمِلت هذه الطاعات، فيقول له: إنّ فلاناً اغتابك فدُفعت حسَناته إليك )(١).

مسوّغات الغيبة:

الغيبة المحرّمة هي ما قُصِد بها استنقاص المؤمن وإذلاله، فإنّ لم

_____________________

(١) جامع السعادات ج ٢ ص ٣٠١.

٢٢٥

يُقصد بها ذلك، وتوقّف عليها غرضٌ وجيه، فلا حُرمة فيها. وإليك ما ذكره العلماء من الموارد المسوّغة للغيبة:

١ - شكاية المتظلّم لإحقاق حقّه عند الحاكم، فيصُحّ نسبة الجناية والظلم إلى الغير في هذه الحالة.

٢ - نُصح المستشير في أمرٍ ما كالتزويج والأمانة، فيحقّ للمستشار أنْ يذكر مثالب المسؤول عنه.

ويصحّ كذلك تحذير المؤمن من صُحبةِ فاسقٍ أو مُضلّ، بذكر مساوئهما مِن الفِسق والضلال، صيانةً له مِن شرّهما وإضلالهما، ويصحّ جرح الشاهد إذا ما سُئل عنه.

٣ - ردّ مَن أدّعى نسَباً مزوّراً.

٤ - القدح في مقالةٍ فاسدة، أو إدعاءٍ باطل شرعاً.

٥ - الشهادة على مقترفي الجرائم والمحارم.

٦ - ضرورة التعريف: وذلك بذكر الألقاب المقيتة، التي يتوقّف عليها تعريف أصحابها، كالأعمش والأعرج ونحوهما.

٧ - النهي عن المنكر: وذلك بذكر مساوئ شخصٍ عند من يستطيع إصلاحه ونهيه عنها.

٨ - غيبة المتجاهر بالفسق كشرب الخمر، ولعب القمار، بشرط الاقتصار على ما يتجاهر به، إذ ليس لفاسقٍ غيبة.

ولا بُدّ للمرء أنْ يستهدف في جميع تلك الموارد السالفة، الغاية النبيلة، والقصد السليم، مِن بواعث الغيبة، ويتجنّب البواعث غير النبيلة، كالعِداء والحسَد ونحوهما.

٢٢٦

علاج الغيبة:

وذلك باتّباع النصائح التالية:

١ - تذكّر ما عرضناه من مساوئ الغيبة، وأخطارها الجسيمة، في دنيا الإنسان وأُخراه.

٢ - الاهتمام بتزكية النفس، وتجميلها بالخُلُق الكريم، وصونها عن معائب الناس ومساوئهم، بدلاً مِن اغتيابهم واستنقاصهم.

قيل لمحمّد بن الحنفيّة: مَن أدّبك ؟ قال:( أدّبني ربّي في نفسي، فما استحسنته مِن أُولي الألباب والبصيرة تبِعتهم به فاستعملته، وما استقبحت من الجُهّال اجتنبته وتركته متنفراً، فأوصلني ذلك إلى كنوز العلم ) (١).

٣ - استبدال الغيبة بالأحاديث الممتعة، والنوادر الشيقة، والقصص الهادفة الطريفة.

٤ - ترويض النفس على صون اللسان، وكفّه عن بوادر الغيبة وقوارصها، وبذلك تخف نوازع الغيبة وبواعثها العارمة.

كفّارة الغيبة:

وسبيلها بعد الندم على اقترافها، والتوبة من آثامها، التودّد إلى

_____________________

(١) سفينة البحار م ١ ص ٣٢٤.

٢٢٧

المُستغاب، واستبراء الذمّة منه، فإنْ صفح وعفى، وإلاّ كان التودّد إليه، والاعتذار منه، مكافئاً لسيّئة الغيبة.

هذا إذا كان المُستغاب حيّاً، ولم يثر الاستيهاب منه غضبه وحقده، فإنْ خيف ذلك، أو كان ميّتاً أو غائباً، فاللازم - والحالة هذه - الاستغفار له، تكفيراً عن اغتيابه، فعن أبي عبد اللّهعليه‌السلام قال: ( سُئل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ما كفّارة الاغتياب ؟ قال: تستغفر اللّه لِمَن اغتبته كلّما ذكرته )(١).

قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( كلّما ذكرته ) أي كلّما ذكرت المُستغاب بالغيبة.

_____________________

(١) البحار م ١٥ كتاب العشرة ص ١٨٤ عن الكافي.

٢٢٨

البهتان

وعلى ذِكر الغيبة يَحسُن الإشارة إلى البُهتان: - وهو اتّهام المؤمن، والتجنّي عليه بما لم يفعله، وهو أشدُّ إثماً وأعظَمُ جُرماً مِن الغيبة، كما قال اللّه عزَّ وجل:

( وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً ) ( النساء: ١١٢ ).

وقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

( مَن بَهَت مؤمناً أو مومنة، أو قال فيه ما ليس فيه، أقامَهُ اللّه تعالى يوم القيامة على تلٍّ مِن نار، حتّى يخرج ممّا قاله فيه )(١).

_____________________

(١) سفينة البحار م ١ ص ١١٠ عن عيون أخبار الرضاعليه‌السلام .

٢٢٩

النميمة

وهي: نقل الأحاديث التي يَكره الناس إفشاءها ونقلها مِن شخصٍِِِ إلى آخر، نكايةً بالمَحكي عنه ووقيعةً به.

والنميمة مِن أبشع الجرائم الخُلقيّة، وأخطرها في حياة الفرد والمجتمع، والنمّام ألأم الناس وأخبثهم، لاتّصافه بالغيبة، والغدْر، والنفاق، والإفساد بين الناس، والتفريق بين الأحبّاء.

لذلك جاء ذمّه، والتنديد في الآيات والأخبار:

قال تبارك وتعالى:

( وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ ) ( القلم: ١٠ - ١٣ ).

والزنيم هو الدعيّ، فظهر مِن الآية الكريمة، أنّ النميمة مِن خلال الأدعياء، وسجايا اللُّقَطاء.

٢٣٠

وقال سُبحانه:( وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ) ، فالهُمَزَة النمّام واللُّمزة المغتاب.

وعن أبي عبد اللّهعليه‌السلام قال:

( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ألا اُنبئكم بشراركم. قالوا: بلى يا رسول اللّه. قال: المشّاؤون بالنميمة، المفرّقون بين الأحبّة، الباغون للبراء العيب )(١).

وقال الباقرعليه‌السلام : ( محرّمةٌ الجنّةُ على العيّابين المشّائين بالنميمة )(٢).

وقال الصادقعليه‌السلام للمنصور: ( لا تقبَل في ذي رحِمك، وأهل الرعاية مِن أهل بيتك، قولَ مَن حرّم اللّه عليه الجنّة، وجعل مأواه النار، فإنّ النمام شاهدُ زُور، وشريكُ إبليس في الإغراءِ بين الناس، فقد قال اللّه تعالى:( أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ) ( الحُجُرات: ٦ )(٣).

_____________________

(١)، (٢) الوافي ج ٣ ص ١٦٤ عن الكافي.

(٣) البحار كتاب العشرة ص ١٩٠ عن أمالي الصدوق.

٢٣١

بواعث النميمة:

للنميمة باعثان:

١ - هتك المحكيّ عنه، والوقيعة به.

٢ - التودّد والتزلّف للمحكيّ له بنمّ الأحاديث إليه.

مساوئ النميمة:

تَجمع النميمة بين رذيلتين خطيرتين: الغيبة والنمِّ، فكلّ نميمةٍ غيبة، وليست كلّ غيبة نميمة، فمساوئها كالغيبة، بل أنكى منها وأشّد، لاشتمالها على إذاعة الأسرار، وهتك المحكيّ عنه، والوقيعة فيه، وقد تسوّل سفك الدماء، واستباحة الأموال، وانتهاك صنوف الحُرُمات، وهدر الكرامات.

كيف تعامل النمّام:

وحيث كان النمّام مِن أخطر المُفسدين، وأشدّهم إساءة وشراً بالناس، فلزِم الحذر منه، والتوقّي مِن كيده وإفساده، وذلك باتّباع النصائح الآتية:

١ - أنْ يُكذَّب النمّام، لِفِسقه وعدم وثاقته، كما قال تعالى:( إِنْ

٢٣٢

جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ) ( الحُجُرات: ٦ ).

٢ - أنْ لا يَظنّ بأخيه المؤمن سُوءاً، بمجرّد النمّ عليه، لقوله تعالى:( اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ) ( الحجرات: ١٢ ).

٣ - أنْ لا تبعثه النميمة على التجسّس والتحقّق عن واقع النمّام، لقوله تعالى:( وَلا تَجَسَّسُوا ) (الحجرات: ١٢).

٤ - أنْ لا ينمّ على النمّام بحكاية نميمته، فيكون نمّاماً ومُغتاباً، في آنٍ واحد.

وقد رُوي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام : أنّ رجلاً أتاه يَسعى إليه برجل. فقال: ( يا هذا، نحن نسأل عمّا قُلت، فإنْ كنت صادقاً مَقتْناك، وإنْ كُنت كاذباً عاقبناك، وإنْ شئت أنْ نقيلك أقلناك. قال: أقلني يا أمير المؤمنين )(١).

وعن محمّد بن الفضيل عن أبي الحسن موسىعليه‌السلام قال: قلت له: جُعِلتُ فِداك، الرجل مِن إخوتي يَبلُغني عنه الشيء الذي أكره له، فأسأله عنه فينكر ذلك، وقد أخبرني عنه قومٌ ثقات.

فقال لي: ( يا محمّد، كَذِّب سمَعك وبصرك عن أخيك، فإنْ شهد عندك خمسون قسامة، وقال لك قولاً فصدّقه وكذّبهم، ولا تذيعنّ عليه شيئاً تشينه به، وتهدم به مروّته، فتكون من الذين قال اللّه عزَّ وجل:( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ

_____________________

(١) سفينة البحار م ٢ ص ٦١٣.

٢٣٣

الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ) ( النور: ١٩ )(١).

السعاية:

ومن متممات بحث النميمة (السعاية): وهي أقسى صور النميمة، وأنكاها جريرة وإثماً، إذ تسهدف دمار المسعى به وهلاكه بالنمّ عليه، والسعاية فيه لدى المرهوبين، من ذوي السلطة والسطوة.

وأكثر ضحايا السعاية هم المرموقون من العظماء والأعلام، المحسودون على أمجادهم وفضائلهم، مما يحفز حاسديهم على إذلالهم، والنكاية بهم، فلا يستطيعون سبيلا إلى ذلك، فيكيدونهم بلؤم السعاية، إرضاءا لحسدهم وخبثهم، بيد أنه قد يبطل كيد السعاة، وتخفق سعايتهم، فتعود عليهم بالخزي والعقاب، وعلى المسعي به بالتبجيل والاعزاز.

لذلك كان الساعي من ألأم الناس، وأخطرهم جناية وشرا، كما جاء عن الصادق عن آبائهعليهم‌السلام عن النبي صلى الله عليه وآله قال: شر الناس المثلث؟ قيل: يا رسول الله ومن المثلث؟ قال: الذي يسعى بأخيه إلى السلطان، فيهلك نفسه، ويهلك أخاه، ويهلك السلطان(٢) .

____________________

(١) البحار م ١٥ كتاب العشرة ص ١٨٨ عن ثواب الأعمال للصدوق.

(٢) البحار م ١٥ كتاب العشرة ص ١٩١ عن كتاب الإمامة والتبصرة.

٢٣٤

الفُحش والسَّب والقَذف

الفحش هو: التعبير عمّا يقبح التصريح به، كألفاظ الوقاع، وآلاته ممّا يتلَفّظ به السُّفهاء، ويتحاشاه النُّبلاء، ويعبّرون عنها بالكناية والرمز كاللمس والمس، كناية عن الجُماع.

وهكذا يُكنّي الأُدباء عن ألفاظ ومفاهيم يتفادون التصريح بها لياقةً وأدباً، كالكناية عن الزوجة بالعائلة، وأُمّ الأولاد، وعن التبوّل والتغوط، بقضاء الحاجة، والرمز إلي البرَص والقرْع بالعارض مثلاً، إذ التصريح بتلك الألفاظ والمفاهيم مُستهَجَن عند العُقلاء والعارفين.

وأمّا السبّ فهو: الشتم، نحو ( يا كلب، يا خنزير، يا حمار، يا خائن ) وأمثاله من مصاديق الإهانة والتحقير.

وأمّا القذف: نحو يا منكوح، أو يا ابن الزانية، أو يا زوج الزانية، أو يا أخت الزانية.

وهذه الخصال الثلاث مِن أبشع مساوئ اللسان، وغوائله الخطيرة، التي استنكرها الشرع والعقل، وحذّرت منها الآثار والنصوص.

أمّا الفُحش

فقد قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله في ذمّه: ( إنّ اللّه حرّم الجنّة على كلّ فحّاش بذيء، قليل الحَياء، لا يُبالي

٢٣٥

ما قال ولا ما قيل له، فإنّك إنْ فتّشته لم تجده إلاّ لِغيِّة، أو شِرك شيطان )، فقيل يا رسول اللّه، وفي الناس شِرك شيطان ؟! فقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

( أما تقرأ قول اللّه تعالى:( وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ ) )( الإسراء: ٦٤ )(١).

المراد بمشاركة الشيطان للناس في الأموال دفعهم على كسبها بالوسائل المحرّمة، وإنفاقها في مجالات الغواية والآثام. وأمّا مشاركته في الأولاد: فبمشاركته الآباء في حال الوقاع إذا لم يُسمُّوا اللّه تعالى عنده، وولد غيِّة أي ولد زنا.

وعن أبي عبد اللّهعليه‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ مِن شِرار عِباد اللّه مَن تُكرَه مُجالَستُه لِفُحشِه )(٢) .

وقال الصادقعليه‌السلام : ( مَن خاف الناسُ لسانه فهو في النار )(٣).

وقالعليه‌السلام لنفرٍ من الشيعة: ( معاشِر الشيعة كونوا لنا زيناً، ولا تكونوا علينا شيناً، قولوا للناس حُسناً، واحفظوا ألسنتكم، وكفّوها عن الفضول وقبيح القول )(٤).

وأمّا السبّ

فعن أبي جعفرعليه‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : سَبَابُ المؤمن فُسوق، وقتاله كُفر، وأكل لحمه

_____________________

(١)، (٢)، (٣) الوافي ج ٣ ص ١٦٠ عن الكافي.

(٤) البحار م ١٥ ج ٢ ص ١٩٢ عن أمالي الشيخ الصدوق وأمالي ابن الشيخ الطوسي.

٢٣٦

معصية، وحُرمة ماله كحُرمة دمِه )(١).

وعن أبي الحسن موسىعليه‌السلام في رجُلَين يتسابّان فقال: ( البادئ منهما أظلَم، ووزْره ووزر صاحبه عليه، ما لَم يتعدّ المظلوم )(٢) .

وأمّا القذف

فقد قال الباقرعليه‌السلام : ( ما مِن إنسانٍ يَطعنُ في مؤمنٍ، إلاّ مات بشرِّ ميتة، وكان قَمِناً أنْ لا يرجع إلى خير )(٣).

وكان للإمام الصادقعليه‌السلام صديقٌ لا يكاد يُفارقه إذا ذهب مكاناً، فبينما هو يمشي معه في الحذّائين، ومعه غلام سِندِي يمشي خلفهما، إذ التفت الرجل يريد غلامه ثلاث مرات فلم يره، فلمّا نظر في الرابعة قال: يابن الفاعلة أين كنت ؟!

قال الراوي: فرفَع الصادق يدَه فصلَتَ بها جبهة نفسه، ثُمّ قال: سُبحان اللّه تقذف أُمّه !! قد كنت أريتَني أنّ لك ورَعاً، فإذا ليس لك ورَع. فقال: جُعلت فِداك إنّ أُمّه سنديّة مُشركة.

فقال: ( أما علِمت أنّ لكلّ أُمّة نكاحاً، تنَحّ عنّي ).

قال الراوي: فما رأيته يمشي معه، حتّى فرّق بينهما الموت(٤).

_____________________

(١) الوافي ج ٣ ص ١٦٠ عن الكافي والفقيه.

(٢)، (٣) الوافي ج ٣ ص ١٦٠ عن الكافي.

(٤) الوافي ج ٣ ص ١٦١ عن الكافي.

٢٣٧

بواعِث البَذاء

مِن الواضح أنّ تلك المُهاتَرات والقوارص، تنشأ غالِباً عن العِداء، أو الحسَد، أو الغضب، وسُوء الخُلق، وكثيراً ما تنشأ عن فساد التربية، وسُوء الأدَب، باعتياد البَذاء وعدَم التحرّج مِن آثامه ومساوئه.

مساوئ المُهاتَرات:

لا ريبَ أنّ لتِلك المُهاتَرات مِن الفُحش، والسبِّ، والقذْف، أضراراً خطيرة وآثاماً فادحة:

فمن مساوئها: أنّها تُجرّد الإنسان مِن خصائص الإنسانية المهذّبة، وأخلاقها الكريمة، وتَسِمَهُ بالسفالة والوحشيّة.

ومنها: أنّها داعية العِداء والبَغضاء، وإفساد العلاقات الاجتماعيّة، وإيجابها المَقت والمُجافاة مِن أفراد المجتمع.

ومنها: أنّها تعرّض ذويها لسخط اللّه تعالى وعقابه الأليم، كما صوّرته النصوص السالفة.

لذلك جاء التحريض على رعاية اللسان، وصونه عن قوارص البَذاء.

قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : ( اللسان سبع إنْ حُلّي عنه عقر ).

وستأتي النصوص المُشعِرة بذلك في بحث الكلِم الطيّب.

٢٣٨

السُّخرية

وهي: محاكاة أقوال الناس، أو أفعالهم، أو صِفاتهم على سبيل استنقاصهم، والضَّحِك عليهم، بألوان المُحاكاة القوليّة والفعليّة.

وقد حرّمها الشرع لإيجابها العِداء، وإثارة البَغضاء، وإفساد العلاقات الودّية بين أفراد المسلمين.

وكيف يجرؤ المرء على السُّخرية بالمؤمن ؟! واستنقاصه، وإعابته، وكلّ فردٍ سِوى المعصوم، لا يخلُوا من معائب ونقائص، ولا يأمن أنْ تجعله عوادي الزمن يوماً ما هدَفاً للسُّخرية والازدراء.

لذلك ندّد القرآن الكريم بالسُّخرية وحذّر منها:

فقال تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) ( الحُجرات: ١١ ).

وقال تعالى:( إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ ) ( المطفّفين: ٢٩ - ٣٢ ).

٢٣٩

وقال الصادقعليه‌السلام : ( مَن روى على مؤمنٍ روايةً يُريدُ بها شَينه، وهدْم مروّته، ليسقُط مِن أعيُن الناس، أخرجَه اللّه تعالى مِن ولايته إلى ولاية الشيطان، فلا يقبلُه الشيطان )(١).

وعنهعليه‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تطلبوا عثَرَات المؤمنين، فإنّه مَن تتبّع عثَرَات المؤمنين تَتَبّع اللّه عثَرَاته، ومَن تتبّع اللّه عثَرَاته يفضَحُه ولو في جوف بيته )(٢).

فجديرٌ بالعاقل أنْ ينبذ السُّخرية تحرّجاً مِن آثامها وتوقّياً مِن غوائلها، وأنْ يُقدّر الناس على حسب إيمانهم وصلاحهم، وحُسن طويتهم غاضّاً عن نقائصهم وعيوبهم، كما جاء في الخبَر: ( إنّ اللّه تعالى أخفى أولياءه في عباده، فلا تستصغرنَّ عبداً مِن عباد اللّه، فربَّما كان وليّه وأنت لا تعلم ).

_____________________

(١)، (٢) الوافي ج ٣ ص ١٦٣ عن الكافي.

٢٤٠