أخلاق أهل البيت

أخلاق أهل البيت0%

أخلاق أهل البيت مؤلف:
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 517

أخلاق أهل البيت

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد مهدي الصدر
تصنيف: الصفحات: 517
المشاهدات: 295426
تحميل: 9590

توضيحات:

أخلاق أهل البيت
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 517 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 295426 / تحميل: 9590
الحجم الحجم الحجم
أخلاق أهل البيت

أخلاق أهل البيت

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

( مَن مات ولم يعرف إمام زمانه ماتَ ميتةً جاهليّة )(١).

الإمام هو خليفة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وممثله في أُمّته، يبلغها عنه أحكام الشريعة، ويسعى جاهداً في تنظيم حياتها، وتوفير سعادتها، وإعلاء مجدها. وحيث كان الإمام كذلك، وجَب على كلّ مسلم معرفته، كما صرّح بذلك الحديث الشريف، ليكون على بصيرةٍ مِن عقيدته وشريعته، وليسير على ضوء توجيهه وهداه.

فإذا أغفل المسلم معرفة إمامه، ولم يستهد به، وهو الدليل المُخلص، والرائد الأمين، ضلّ عن نهج الإسلام وواقعه، ومات كافراً منافقاً.

وقد أشعر الحديث بضرورة وجود الإمام ووجوب معرفته مدى الحياة ؛ لأنّ إضافة الإمام إلى الزمان تستلزم استمراريّة الإمامة، وتجدّدها عبر الأزمنة والعصور.

وهكذا توالت الأحاديث النبويّة، المتواترة بين الفريقين، والمؤكّدة على ضرورة معرفة الأئمّة الطاهرين، والاهتداء بهم، كقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( في كلٍّ خلف مِن أُمّتي عدول من أهل بيتي، ينفون عن هذا الدين تحريف الضالّين، وانتحال المُبطلين، وتأويل الجاهلين. ألا وإنّ أئمّتكم وفدكم إلى اللّه، فانظروا مَن توفدون )(٢).

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ( كما جاء في صحيح مسلم ):

_____________________

(١) انظر مصادر الحديث ورواته في الغدير، للحجّة الأميني ج ١٠ ص ٣٥٩ - ٣٦٠.

(٢) المراجعات، ص ٢١.

٣٢١

( لا يزال الدين قائماً حتّى تقوم الساعة، ويكون عليهم اثنا عشر خليفة، كلّهم من قريش ).

وهذا الحديث شاهدٌ على وجود الإمامة حتّى قيام الساعة، وقصرها على الأئمّة الاثني عشر من أهل البيتعليهم‌السلام ، دون غيرهم من ملوك الأمويين والعباسيين لزيادتهم عن هذا العدد.

٢ - موالاتهم:

معرفة الإمام لا تجدي نفعاً، ولا تحقّق الأماني والآمال المعقودة عليه، إلاّ إذا اقترنت بولائه، والسير على هداه. ومتى تجرّدت المعرفة مِن ذلك غدت هزيلةً جوفاء.

ذلك أنّ الإمام هو خليفة رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وحامل لواء الإسلام، ورائد المسلمين نحو المثل الإسلاميّة العليا، يبيّن لهم حقائق الشريعة، ويجلو أحكامها، ويصونها من كيد المُلحدين ودسّهم، ويعمل جاهداً في حماية المسلمين، ونصرهم، وإسعادهم ماديّاً وروحيّاً، ديناً ودُنياً.

من أجل ذلك كان التخلّف عن موالاة الإمام والاهتداء به، مَدعاةً للزيغ والضلال، والانحراف عن خطّ الإسلام ونهجه المرسوم. كما نوّه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عن ذلك، وأوضح للمسلمين أنّ الهدى والفوز في ولاء الأئمة الطاهرين من أهل البيتعليهم‌السلام ، وأنّ الضلال والشقاء في مجافاتهم ومخالفتهم.

٣٢٢

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( إنّما مثَل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح، مَن ركبها نجا، ومَن تخلّف عنها غرق )(١).

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( إنّي تركت فيكم ما إنْ تمسّكتم به لنْ تضلّوا بعدي: كتاب اللّه حبلٌ ممدودٌ مِن السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولنْ يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما )(٢).

وقد أوضح أمير المؤمنينعليه‌السلام معنى العترة:

فعن الصادق عن آبائهعليهم‌السلام قال: سئل أمير المؤمنينعليه‌السلام عن معنى قول رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( إنّي مخلّفٌ فيكم الثقلين، كتاب اللّه وعترتي )، مَن العترة ؟

فقال: ( أنا والحسن والحسين والأئمّة التسعة مِن ولد الحسين، تاسعهم مهديّهم وقائمهم، لا يفارقون كتاب اللّه ولا يفارقهم، حتّى يردا على رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله حوضه )(٣).

وهذا الحديث يدلّ بوضوح أنّ القرآن الكريم والعترة النبويّة الطاهرة، صِنوان مقترنان مدى الدهر، لا ينفكّ احدهما عن قرينه، وأنّه كما يجب أنْ يكون القرآن دستوراً للمسلمين وحجّةً عليهم، كذلك وجَب أنْ يكون في كلّ عصر إمامٍ من أهل البيتعليهم‌السلام يتولّى إمامة المسلمين، ويوجّههم وجهة الخير والصلاح.

_____________________

(١) المراجعات، ص١٧.

(٢) المراجعات ص ١٤.

(٣) سفينة البحار، عن معاني الأخبار وعيون أخبار الرضاعليه‌السلام .

٣٢٣

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( مَن أحبَّ أنْ يحيى حياتي، ويموت ميتتي، ويدخل الجنّة التي وعَدَني ربّي وهي جنّة الخُلد، فليتولّ عليّاً وذرّيته من بعده، فإنهم لنْ يخرجوكم مِن باب هدىً، ولنْ يدخلوكم باب ضلالة )(١) .

إلى كثير من الأحاديث النبوية المحرضة على موالاة أهل البيتعليهم‌السلام والاقتداء بهم.

٣ - طاعتهم:

قال تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ) ( النساء: ٥٩).

ولقد أوجب اللّه تعالى على المسلمين في الآية الكريمة طاعة الأئمّة مِن آلِ محمّدٍ بِصفتهم خُلفاء رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأُمراء المسلمين، وقادة الفكر الإسلامي، ليستضيئوا بهُداهم، وينتفعوا بتوجيههم الهادف البنّاء، ولا ينحرفوا عن واقع الإسلام، ونهجه الأصيل.

فرَض طاعتهم، كما فرض طاعته وطاعة رسوله، سَواء ٌبسواء. وهذا ما يشعر بخلافتهم الحقّة عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعصمتهم مِن الآثام ؛ لأنّ الطاعة المطلقة لا يستحقّها إلاّ الإمام المعصوم، الذي فرض اللّه طاعته على العباد.

_____________________

(١) المراجعات ص ١٥٦.

٣٢٤

فمِن الخطأ الكبير تأويل ( أُولي الأمر ) وحملها على سائر أُمراء المسلمين، لمخالفة الكثيرين منهم للّه تعالى ورسوله، وانحرافهم عن خطّ الإسلام.

يُحدّثنا زرارة، وهو مِن أجلّ المحدّثين والرواة، عن فضل موالاة الأئمّة مِن أهل البيتعليهم‌السلام ، وضرورة طاعتهم، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال: ( بُني الإسلام على خمسة أشياء: على الصلاة، والزكاة، والصوم، والحجّ، والولاية ) قال زرارة: فقلت وأيّ شيء مِن ذلك أفضل ؟ قال: ( الولاية ؛ لأنّها مفتاحهنّ، والوالي هو الدليل عليهن..)

إلى أنْ قال: ثمّ قالعليه‌السلام : ( ذروة الأمر، وسنامه، ومفتاحه، وباب الأشياء، ورضا الرحمان.... الطاعة للإمام، بعد معرفته. إنّ اللّه عزّ وجل يقول:

( مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً ) ( النساء: ٨٠ ).

أما لو أنّ رجلاً قام ليله، وصام نهاره، وتصدّق بجميع ماله، وحجّ دهره، ولم يَعرف ولاية وليّ اللّه فيواليه، ويكون جميع أعماله بدلالته إليه، ما كان له على اللّه حقٌّ في ثواب، ولا كان من أهل الإيمان ) الخبر(١).

وقال الصادقعليه‌السلام : ( وصل اللّه طاعة وليّ أمره.. بطاعة رسوله، وطاعة رسوله... بطاعته، فمَن ترك طاعة ولاة الأمر لم يطع

_____________________

(١) سفينة البحار ج ٢، ص ٦٩١ نقل بتصرّف.

٣٢٥

اللّه ولا رسوله )(١).

٤ - أداء حقّهم مِن الخُمس:

قال تعالى:( وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) ( الأنفال: ٤١ ).

وهذا الحقّ فرضٌ محتّم على المسلمين، شرّعه اللّه عزّ وجل لأهل البيتعليهم‌السلام ومَن يمُتّ إليهم بشرف القُربى والنسَب.

وهو حقٌّ طبيعي يفرضه العقل والوجدان، كما يفرضه الشرع. فقد درجت الدوَل على تكريم موظّفيها والعاملين في حقولها، فتمنحهم راتباً تقاعديّاً يتقاضوه عِند كبر سنّهم، ويورّثونه لأبنائهم، وذلك تقديراً لجهودهم في صالح أُممهم وشعوبهم.

وقد فرض اللّه الخُمس لآل محمّد وذراريهم، تكريماً للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتقديراً لجهاده الجبّار، وتضحياته الغالية، في سبيل أُمّته، وتنزيهاً لآله عن الصدقة والزكاة.

وقد أوضح أمير المؤمنينعليه‌السلام مفهوم ذي القربى، فقال: ( نحن واللّه الذين عنى اللّه بذي القربى، الذين قرنهم اللّه بنفسه ونبيّه، فقال:( مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ ) ( الحشر:٧ )

منّا خاصّة ؛ لأنّه لم يجعل لنا سَهماً

_____________________

(١) سفينة البحار ج ٢، ص ٦٩١.

٣٢٦

في الصدقة، وأكرم اللّه نبيّه، وأكرمنا أنْ يطعمنا أوساخ ما في أيدي الناس )(١).

وعن أبي بصير قال: قلت لأبي جعفرعليه‌السلام : أصلحك اللّه، ما أيسر ما يدخل به العبد النار ؟ قال: ( مِن أكل مال اليتيم درهماً، ونحن اليتيم )(٢)

وقد دار الجدال والنقاش بين الإمامية وغيرهم، حول مفهوم الغنيمة، أهي مختصّة بغنائم الحرب، أم عامّة لجميع الفوائد والمنافع ؟ وتحقيق ذلك يخرج هذا الكتاب عن موضوعه الأخلاقي، ومرجعه المصادر الفقهيّة.

٥ - الإحسان إلى ذرّيتهم:

من دلائل مودّة الأئمّة الطاهرينعليهم‌السلام ، ومقتضيات ولائهم، والوفاء لهم... رعاية ذراريهم، والبِرّ بِهم، والإحسان إليهم. وهم جديرون بذلك، لشرف انتمائهم إلى رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وانحدارهم مِن سلالة أبنائه المعصومينعليهم‌السلام .

وقد أعرب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عن اغتباطه وحبّه لمُبجّليهم ومكرميهم، كما أوضح استنكاره وسخطه على مؤذيهم والمسيئين إليهم.

فعن الرضا عن آبائه عن عليّعليه‌السلام ، قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أربعةٌ أنا لهم شفيع يوم القيامة: المُكرم لذُرّيتي مِن

_____________________

(١) الوافي ج ٦، ص ٣٨، عن الكافي.

(٢) البحار م ٢٠، ص ٤٨، عن كمال الدين للصدوق، وتفسير العيّاشي.

٣٢٧

بعدي، والقاضي لهم حوائجهم، والساعي لهم في أمولهم عند اضطرارهم، والمحبّ لهم بقلبه ولسانه )(١).

وعن الصادق عن آبائهعليهم‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا قمتُ المقام المحمود، تشفّعت في أصحاب الكبائر مِن أُمّتي، فيُشفّعني اللّه فيهم. واللّه لا تشّفعت فيمَن آذى ذرّيتي )(٢).

٦ - مدحهم ونشر فضلهم:

طبع النُّبلاء على تقدير العظماء والمجلّين في ميادين الفضائل والمكرمات، فيطرونهم بما يستحقّونه مِن المدح والثناء، تكريماً لهم وتخليداً لمآثرهم.

وحيث كان الأئمّة الطاهرون أرفع الناس حسباً ونسباً، وأجمعهم للفضائل، وأسبقهم في ميادين المآثر والأمجاد، استحقّوا مِن مواليهم ومحبّيهم أنْ يعربوا عمّا ينطوون عليه مِن عواطف الحبّ والولاء، وبواعث الإعجاب والإكبار، وذلك بمدحهم، ونشر فضائلهم، والإشادة بمآثرهم الخالدة، تكريماً لهم، وتقديراً لجهادهم الجبّار، وتضحياتهم الغالية في خدمة الإسلام والمسلمين.

وناهيك في فضلهم أنّهم كانوا غياث المسلمين، وملاذهم في كلّ خَطب، لا يألون جُهداً في إنقاذهم، وتحريرهم مِن سطوة الطغاة والجائرين،

_____________________

(١) البحار م ٢٠، ص ٥٧، عن عيون أخبار الرضاعليه‌السلام .

(٢) البحار م ٢٠، ص ٥٧، عن أمالي الصدوق.

٣٢٨

وإمدادهم بأسمى مفاهيم العزّة والكرامة، ما وسَعهم ذلك حتّى استشهدوا في سبيل تلك الغاية السامية.

والناس إزاء أهل البيت، فريقان:

فريقٌ حاقد مُبغض، ينكر فضائلهم ومُثلهم الرفيعة ويتعامى عنها، رغم جمالها وإشراقها، فهو كما قال الشاعر:

ومَن يك ذا فَمٍ مُرّ مريضٍ

يجِد مُرّاً به الماء الزلالا

وفريقٌ والهٌ بحبّهم وولائهم، شغوفٌ بمناقبهم، طروبٌ لسماعها، ويلهج بترديدها والتنويه عنها، وإنْ عانى في سبيل ذلك ضروب الشدائد والأهوال. وهذا ما أشار إليه أمير المؤمنينعليه‌السلام بقوله:

( لو ضَربتُ خيشوم المؤمن بسيفي هذا على أنْ يبغضني ما أبغضني، ولو صبَبت الدنيا بجماتها على المنافق، على أنْ يحبّني ما أحبّني، وذلك أنّه قضى فانقضى على لسان النبيّ الأُمّيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: يا علي، لا يبغضك مؤمن، ولا يحبّك منافق ).

مِن أجل ذلك كان العارفون بفضائلهم، والمتمسّكون بولائهم، يتبارون في مدحهم، ونشر مناقبهم، معربين عن حبّهم الصادق وولائهم الأصيل، دونما طلبِ جزاءٍ ونوال.

وكان الأئمّةعليهم‌السلام يستقبلون مادحيهم بكلّ حفاوة وترحاب، شاكرين لهم عواطفهم الفيّاضة، وأناشيدهم العذبة، ويكافؤنهم عليها بما وسِعت يداهم مِن البرِّ والنوال، والدعاء لهم بالغفران، وجزيل الأجر والثواب.

٣٢٩

فقد جاء في ( خزانة الأدب ): حكى ( صاعد ) مولى الكميت، قال: دخلت مع الكميت على عليّ بن الحسينعليه‌السلام فقال: إنّي قد مدحتك بما أرجو أنْ يكون لي وسيلة عند رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ أنشده قصيدته التي أوّلها:

مَن لقلب متيم مستهام

غير ما صبوة ولا أحلام

فلمّا أتى على آخرها، قال له: ( ثوابك نعجز عنه، ولكن ما عجزنا عنه فإنّ اللّه لا يعجز عن مكافأتك، اللهمّ اغفر للكميت ). ثمّ قسط له على نفسه وعلى أهله أربعمِئه ألف درهم، وقال له: ( خذ يا أبا المستهل ). فقال له: لو وصلتني بدانق لكان شرفاً لي، ولكن إنْ أحببت أنْ تحسن إليّ فادفع إليّ بعض ثيابك أتبرّك بها، فقام فنزع ثيابه ودفعها إليه كلّها، ثمّ قال: ( اللهم إنّ الكميت جاد في آل رسولك وذرّية نبيّك بنفسه حين ضنّ الناس، وأظهر ما كتمه غيره من الحقّ، فأحيه سعيداً، وأمته شهيداً، وأره الجزاء عاجلاً، وأجزل له المثوبة آجلاً، فإنّا قد عجزْنا عن مكافأته ).

قال الكُميت: مازلت أعرف بركة دعائه(١) .

وقال دعبل: دخلت على عليّ بن موسى الرضاعليه‌السلام - بخراسان - فقال لي: ( أنشدني شيئاً ممّا أحدثت )، فأنشدته:

مدارس آياتٍ خلت مِن تلاوة

ومنزل وحي مقفرٍ العرصات

حتّى انتهيت إلى قولي:

إذا وتروا مدّوا إلى واتريهم

أكفّاً عن الأوتار منقبضاتِ

_____________________

(١) الغدير ج ٢، ص ١٨٩.

٣٣٠

فبكى حتّى أُغمي عليه، وأومأ إليّ خادم كان على رأسه: أنْ اسكت، فسكتُّ فمكث ساعة ثمّ قال لي: أعد. فأعدتُ حتّى انتهيت إلى هذا البيت أيضاً، فأصابه مثل الذي أصابه في المرّة الأولى، وأومأ الخادم إليّ أنْ أسكت، فسكت. فمكث ساعة أُخرى، ثمّ قال لي: أعد. فأعدت حتّى انتهيت إلى آخرها، فقال لي: أحسنت، ثلاث مرّات. ثمّ أمر لي بعشرة آلاف درهم، ممّا ضرب باسمه، ولم تكن دُفِعت إلى أحدٍ بعد. وأمر لي مِن في منزله، بحليّ كثيرٍ أخرجه إليّ الخادم، فقدِمت العراق، فبعت كلّ درهم منها بعشرة دراهم، اشتراها منّي الشيعة، فحصل لي مِئة ألف درهم، فكان أوّل مالٍ اعتقدته.

قال ابن مهرويه: وحدّثني حذيفة بن محمّد، أنّ دعبلاً قال له: إنّه استوهب مِن الرضاعليه‌السلام ثوباً قد لبسه، ليجعله في أكفانه. فخلع جبّةً كانت عليه، فأعطاه إيّاها. فبلغ أهل قم خبرها، فسألوه أنْ يبيعهم إيّاها بثلاثين ألف درهم، فلم يفعل، فخرجوا عليه في طريقه، فأخذوها منه غصباً، وقالوا له: إنْ شئت أنْ تأخذ المال فافعل، وإلاّ فأنت أعلم. فقال لهم: إنّي واللّه لا أعطيكم إيّاها طوعاً، ولا تنفعكم غصباً، وأشكوكم إلى الرضاعليه‌السلام . فصالحوه، على أنْ أعطَوه الثلاثين ألف درهم وفردكم مِن بطانتها، فرضي بذلك. فأعطوه فردَكم فكان في أكفانه(١).

وكم لهذه القصص مِن أشباهٍ ونظائر، يطول عرضها وتعدادها في هذا المجال المحدود.

_____________________

(١) الغدير ج ٢، ص ٣٥٠ - ٣٥١.

٣٣١

٧ - زيارة مشاهدهم:

ومِن حقوقهم على مواليهم وشيعتهم، زيارة مشاهدهم المشرّفة، والتسليم عليهم. فإنّها مِن مظاهر الحبّ والولاء، ومصاديق الوفاء والإخلاص فهم سيّان، أحياءً وأمواتاً.

قال الشيخ المفيد أعلى اللّه مقامه:

( إنّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة مِن عترته خاصّة، لا يخفى عليهم بعد الوفاة أحوال شيعتهم في دار الدنيا، بإعلام اللّه تعالى لهم ذلك حالاً بعد حال، ويسمعون كلام المناجي لهم في مشاهدهم المكرّمة العظام، بلطيفةٍ من لطائف اللّه تعالى، بيّنهم بها مِن جمهور العباد، وتبلغهم المناجاة من بُعد، كما جاءت به الرواية، وهذا مذهب فقهاء الإمامية كافّة...

وقد قال اللّه تعالى فيما يدلّ على جملته:( وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءً عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ) ( آل عمران: ١٦٩ - ١٧٠ )

وقال في قصّة مؤمن آل فرعون:( قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ) ( ياسين: ٢٦- ٢٧ ).

وقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( مَن سلّم عليّ عند قبري سمعته،

٣٣٢

ومَن سلّم عليّ مِن بعيد بلغته ). سلام اللّه عليهم ورحمته وبركاته.

ثمّ الأخبار في تفصيل ما ذكرناه، مِن الجُمل عن أئمّة آل محمّد، بما وصفناه نصّاً ولفظاً، أكثر(١).

وقد تواترت نصوص أهل البيتعليهم‌السلام ، في فضل زيارة مشاهدهم، وما تشتمل عليه من الخصائص الجليلة، والثواب الجم.

فعن الوشّا، قال: سمعت الرضاعليه‌السلام يقول: ( إنّ لكلّ إمامٍ عهداً في عنق أوليائه وشيعته، وإنّ مِن تمام الوفاء بالعهد وحُسن الأداء زيارة قبورهم، فمن زارهم رغبةً في زيارتهم وتصديقاً بما رغبوا فيه، كان أئمّتهم شفعاءهم يوم القيامة )(٢).

وعن زيد الشحّام قال: قلت لأبي عبد اللّهعليه‌السلام : ما لِمَن زار واحداً منكم ؟ قال: ( كمَن زار رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٣).

وعن أبي الحسن موسىعليه‌السلام قال: ( إذا كان يوم القيامة، كان على عرش الرحمان أربعةٌ مِن الأوّلين، وأربعةٌ مِن الآخرين، فأمّا الأربعة الذين هُم مِن الأوّلين: فنوحٌ وإبراهيم وموسى وعيسى، وأمّا الأربعة مِن الآخرين: محمّدٌ وعليّ والحسن والحسينعليهم‌السلام . ثمّ يُمدّ الطعام فيقعد

_____________________

(١) أوائل المقالات للشيخ المفيد (ره).

(٢) البحار م ٢٢، ص ٦ عن عيون أخبار الرضا، وعلل الشرائع وكامل الزيارة لابن قولويه.

(٣) البحار م ٢٢ ص ٦، عن عيون أخبار الرضا، وعلل الشرائع وكامل الزيارة لابن قولويه.

٣٣٣

معنا مَن زار قبور الأئمّة، ألا إنّ أعلاهم درجة وأقربهم حبوةً زوّار قبر ولدي )(١).

وعن أبي جعفرعليه‌السلام قال: ( قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : زارنا رسول اللّه، وقد أهدت لنا أُمّ أيمن لبناً وزبداً وتمراً، قدّمنا منه، فأكل، ثمّ قام إلى زاوية البيت فصلّى ركعات، فلمّا كان في آخر سجوده بكى بكاءً شديداً، فلَم يسأله أحدٌ منّا إجلالاً وإعظاماً، فقام الحسين في الحجرة وقال له: يا أبه لقد دخلت بيتنا، فما سررنا بشيء كسرورنا بدخولك، ثمّ بكيت بكاءً غمّاً، فما أبكاك ؟ فقال: يا بني، أتاني جبرئيل آنفاً، فأخبرني أنّكم قتلى ؟ وأنّ مصارعكم شتّى. فقال: يا أبه، فما لِمَن يزور قبورنا على تشتّتها ؟ فقال: يا بني، أُولئك طوائف من أُمّتي، يزورونكم، فيلتمسون بذلك البركة، وحقيقٌ عليّ أنْ آتيهم يوم القيامة حتّى أُخلّصهم مِن أهوال الساعة مِن ذنوبهم، ويسكنهم اللّه الجنّة )(٢).

_____________________

(١) البحار م ٢٢، ص ٨، عن الكافي.

(٢) البحار م ٢٢، ص ٧ عن كامل الزيارة، وأمالي ابن الشيخ الطوسي (ره)

٣٣٤

حقُوق العلماء

فضل العلم والعلماء:

العلم... أجلّ الفضائل، وأشرف المزايا، وأعزّ ما يتحلّى به الإنسان. فهو أساس الحضارة، ومصدر أمجاد الأُمم، وعنوان سموّها وتفوّقها في الحياة، ورائدها إلى السعاة الأبديّة، وشرف الدارين.

والعلماء... هُم ورثة الأنبياء، وخزّان العلم، ودُعاة الحقّ، وأنصار الدين، يهدون الناس إلى معرفة اللّه وطاعته، ويوجهونّهم وُجهة الخير والصلاح.

مِن أجل ذلك تضافرت الآيات والأخبار على تكريم العِلم والعُلماء، والإشادة بمقامهما الرفيع.

قال تعالى:( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ) ( الزمر: ٩).

وقال تعالى:( يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ) (المجادلة: ١١).

وقال تعالى:( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء ) ( فاطر: ٢٨).

وقال تعالى:( وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ ) ( العنكبوت:٤٣ ).

٣٣٥

وعن أبي عبد اللّهعليه‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : مَن سلَك طريقاً يطلب فيه عِلماً، سلَك اللّه به طريقاً إلى الجنّة، وإنّ الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً به، وإنّه يستغفر لطالب العِلم مَن في السماء ومَن في الأرض، حتّى الحوت في البحر. وفضل العالم على العابد، كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر. وإنّ العلماء ورثة الأنبياء، إنّ الأنبياء لم يورّثوا ديناراً ولا درهماً، ولكن ورّثوا العلم، فمَن أخذ منه أخذ بحظٍّ وافر )(١) .

وقال الباقرعليه‌السلام : ( عالمٌ يُنتفع بعلمه أفضل مِن سبعين ألفَ عابد )(٢).

وقال الصادقعليه‌السلام : ( إذا كان يوم القيامة، جمع اللّه عزّ وجل الناس في صعيد واحد، ووضعت الموازين، فتوزن دماء الشهداء مع مداد العلماء، فيرجح مِداد العلماء على دماء الشهداء )(٣).

وقال الصادقعليه‌السلام : ( إذا كان يوم القيامة، بعث اللّه عزّ وجل العالم والعابد، فإذا وقفا بين يدي اللّه عزّ وجل، قيل للعابد انطلق إلى الجنّة، وقيل للعالم قِف تشفّع للناس بحسن تأديبك لهم )(٤).

_____________________

(١) الوافي ج ١، ص ٤٢، عن الكافي.

(٢) الوافي ج ١، ص ٤٠ عن الكافي.

(٣) الوافي ج ١ ص ٤٠، عن الفقيه.

(٤) البحار م ١، ص ٧٤، عن عِلل الشراع، وبصائر الدرجات لمحمّد بن الحسن الصفّار.

٣٣٦

وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : ( يا كُميل، هلك خزّان الأموال وهُم أحياء، والعلماء باقون ما بقيَ الدهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة )(١).

وعن أبي عبد اللّهعليه‌السلام ، قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يجيء الرجل يوم القيامة، وله مِن الحسنات كالسحاب الركام، أو كالجبال الراوسي، فيقول: يا ربِّ، أنّى لي هذا ولم أعملها ؟ فيقول: هذا عِلمك الذي علّمته الناس، يُعمل به مِن بعدك )(٢).

ولا غرابة أنْ يحظى العُلماء بتلك الخصائص الجليلة، والمزايا الغرّ. فهم حماة الدين، وأعلام الإسلام، وحفَظَة آثاره الخالدة، وتراثه المدخور. يحملون للناس عبر القرون، مبادئ الشريعة وأحكامها وآدابها، فتستهدي الأجيال بأنوار علومهم، ويستنيرون بتوجيههم الهادف البنّاء.

وبديهيّ أنّ تلك المنازل الرفيعة، لا ينالها إلاّ العلماء المخلصون. المجاهدون في سبيل العقيدة والشريعة، والسائرون على الخطّ الإسلامي، والمتحلّون بآداب الإسلام وأخلاقه الكريمة.

ولهؤلاء فضلٌ كبير، وحقوقٌ مرعيّة في أعناق المسلمين، جديرةٌ بكلّ عنايةٍ واهتمام، وهي:

_____________________

(١) نهج البلاغة.

(٢) البحار م ١، ص ٧٥ عن بصائر الدرجات.

٣٣٧

١ - توقيرهم:

وهو في طليعة حقوقهم المشروعة، لتحلّيهم بالعلم والفضل، وجهادهم في صيانة الشريعة الإسلامية وتعزيزها، ودأبهم على إصلاح المُجتمع الإسلامي وإرشاده.

وقد أعرب أهل البيتعليهم‌السلام عن جلالة العلماء، وضرورة تبجيلهم وتوقيرهم، قولاً وعملاً، حتّى قرّروا أنّ النظر إليهم عبادة، وأنّ بُغضهم مَدعاة للهلاك، كما شهِد بذلك الحديث الشريف:

فعن موسى بن جعفر عن آبائهعليهم‌السلام قال: ( قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : النظر في وجه العالم حبّاً له عبادة )(١).

وعن أبي عبد اللّهعليه‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أغد عالماً أو متعلّماً، أو أُحِبَّ العلماء، ولا تكُن رابعاً فتهلَك ببغضهم )(٢).

وهكذا كانواعليهم‌السلام يبجّلون العلماء، ويرعونهم بالحفاوة والتكريم، يحدّثنا الشيخ المفيد (ره)، عن توقير الإمام الصادقعليه‌السلام لهشام بن الحكم - وكان مِن ألمع أصحابه وأسماهم مكانة عنده -: ( أنّه دخل عليه بمنى، وهو غلامٌ أوّل ما اختلط عارضاه، وفي مجلسه شيوخ الشيعة، كحمران بن أعيَن، وقيس الماصر، ويونس بن يعقوب، وأبي جعفر الأحوَل

_____________________

(١) البحار م١، ص ٦٤، عن نوادر الراوندي.

(٢) البحار م ١، ص ٥٩، عن خصال الصدوق(ره).

٣٣٨

وغيرهم، فرفَعه على جماعتهم، وليس فيهم إلاّ مَن هو أكبر سنّاً منه ).

فلمّا رأى أبو عبد اللّهعليه‌السلام أنّ ذلك الفعل كبر على أصحابه، قال: ( هذا ناصرنا بقلبه ولسانه ويده )(١).

وجاء عن أحمد البزنطي، قال: ( وبعث إليّ الرضاعليه‌السلام بحمارٍ له، فجئت إلى صريا، فمَكث عامّة الليل معه، ثمّ أتيت بعشاء، ثمّ قال: ( افرشوا له ). ثمّ أتيت بوسادة طبريّة ومرادع وكساء قياصري وملحفة مروي، فلمّا أصبت مِن العشاء، قال لي: ( ما تريد أنْ تنام ؟).

قلت: بلى، جُعلت فداك. فطرح عليّ الملحفة والكساء، ثمّ قال: ( بيّتك اللّه في عافية ).

وكنّا على سطح، فما نزل مِن عندي، قلت في نفسي: قد نلت مِن هذا الرجل كرامة ما نالها أحدٌ قطّ(٢).

٢ - بِرّهم:

همّة العلماء، وهدفهم الأسمى، خدمة الدين، وبثّ التوعية الإسلاميّة، وتوجيه المسلمين نحو الخُلق الكريم والسُلوك الأمثل، وهذا ما يقتضيهم وقتاً واسعاً، وجهداً ضخماً، يعوقهم عن اكتساب الرزق وطلب المعاش كسائر الناس.

فلا بدّ والحالة هذه، للمؤمنين المعنيين بشؤون الدين، والحريصين على

_____________________

(١) سفينة البحار ج ٢، ص ٧١٩.

(٢) سفينة البحار ج ١، ص ٨١.

٣٣٩

كيانه... أنْ يوفّروا للعُلماء وسائل الحياة الكريمة، والعيش اللائق. وذلك بأداء الحقوق الشرعيّة إليهم، التي أمر اللّه بها، وندب إليها، مِن الزكاة والخُمس، ووجوه الخيرات والمبرّات. فهم أحقّ الناس بها، وأهمّ مصاديقها، ليستطيعوا تحقيق أهدافهم، والاضطلاع بمهامّهم الدينيّة، دون أنْ يعوقهم عنها طلب المعاش.

وقد كان الغيارى مِن المسلمين الأوّلين، يتطوّعون بأريحيّة وسخاء، في رصد الأموال، وإيجاد الأوقاف، واستغلالها لصالح العلماء، وتوفير معاشهم.

وكلّما تجاهل الناس أقدار العلماء، وغمطوا حقوقهم، أدّى إلى قلّة العلماء، وهبوط الطاقات الروحيّة، وضعف النشاط الديني. ممّا يُعرّض المجتمع الإسلامي لغزو المبادئ الهدّامة، وخطر الزيغ والانحراف.

٣ - الاهتداء بهم:

لا يستغني كلّ واعٍ مستنير، عن الرجوع إلى الأخصّائيّين في مختلف العلوم والفنون، للإفادة من معارفهم وتجاربهم، كالأطباء والكيمياويّين والمهندسين ونحوهم من ذوي الاختصاص.

وحيث كان العلماء الروحانيّون متخصّصين بالعلوم الدينيّة، والمعارف الإسلاميّة، قد أوقفوا أنفسهم على خدمة الشريعة الإسلاميّة، ونشر مبادئها وأحكامها، وهداية الناس وتوجيههم وجهة الخير والصلاح.. فجدير

٣٤٠