أخلاق أهل البيت

أخلاق أهل البيت0%

أخلاق أهل البيت مؤلف:
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 517

أخلاق أهل البيت

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد مهدي الصدر
تصنيف: الصفحات: 517
المشاهدات: 295319
تحميل: 9588

توضيحات:

أخلاق أهل البيت
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 517 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 295319 / تحميل: 9588
الحجم الحجم الحجم
أخلاق أهل البيت

أخلاق أهل البيت

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

بالمسلمين أنْ يستهدوا بهم ويجتنوا ثمرات علومهم، ليكونوا على بصيرةٍ من عقيدتهم وشريعتهم، ويتفادوا دعايات الغاوين والمُضلّلين مِن أعداء الإسلام.

فإذا ما تنكّروا للعلماء المخلصين، واستهانوا بتوجيههم وإرشادهم... جهلوا واقع دينهم ومبادئه وأحكامه، وغدوا عرضةً للزيغ والانحراف.

أنظروا كيف يحرض أهل البيتعليهم‌السلام على مجالسة العلماء، والتزوّد من علومهم وآدابهم، في نصوص عديدة:

فعن الصادق، عن أبيه عن آبائهعليهم‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : مجالسة أهل الدين شرف الدنيا والآخرة )(١) والمراد بأهل الدين، علماء الدين العارفون بمبادئه، العاملون بأحكامه.

وجاء في حديث الرضا عن آبائهعليهم‌السلام ، قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : مجالسة العلماء عبادة )(٢).

وقال لقمان لابنه:( يا بني، جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك، فإنّ اللّه عزّ وجل يحيي القلوب بنور الحكمة، كما يحيي الأرض بوابل السماء ) (٣) .

وعن الرضا عن آبائهعليهم‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : العلم خزائن، ومفتاحه (مفتاحها خ ل) السؤال، فاسألوا

_____________________

(١) البحار م ١ ص ٦٢، عن ثواب الأعمال، وأمالي الصدوق.

(٢) البحار م ١ ص ٦٤، عن كشف الغمّة.

(٣) البحار م ١ ص ٦٤، عن روضة الواعظين.

٣٤١

يرحمكم اللّه، فإنّه يؤجر فيه أربعة: السائل، والمعلم، والمستمع، والمحبّ لهم )(١) .

وقال الصادقعليه‌السلام : ( إنّما يهلك الناس لأنّهم لا يسألون )(٢).

_____________________

(١) البحار م ١ ص ٦٢، عن صحيفة الرضاعليه‌السلام وعيون أخبار الرضا.

(٢) الوافي ج ١ ص ٤٦، عن الكافي.

٣٤٢

حقوق الأساتذة والطلاب

الأساتذة المخلصون، المتحلّون بالإيمان والخلق الكريم، لهم مكانة سامية، وفضلٌ كبير على المجتمع، بما يسدون إليه مِن جهودٍ مشكورة في تربية أبنائهم، وتثقيفهم بالعلوم والآداب. فهم رواد الثقافة، ودعاة العلم، وبناة الحضارة، وموجهو الجيل الجديد.

لذلك كان للأساتذة على طلابهم حقوق جديرة بالرعاية والاهتمام. وأوّل حقوقهم على الطلاب، أنْ يوقّروهم ويحترموهم احترام الآباء، مكافأة لهم على تأديبهم، وتنويرهم بالعلم، وتوجيههم وجهة الخير والصلاح. كما قيل للإسكندر: إنّك تعظّم معلّمك أكثر مِن تعظيمك لأبيك !!! فقال: لأنّ أبي سبب حياتي الفانية، ومؤدّبي سبب الحياة الباقية.

قم للمعلّم وفّه التبجيلا

كاد المعلّم أنْ يكون رسولا

أرأيت أكرم أو أجلّ مِن الذي

يبني ويُنشئ أنفساً وعُقولا

وحسبُك في فضل المعلّم المُخلص وأجره الجزيل، ما أعربت عنه نصوص أهل البيتعليهم‌السلام :

فعن أبي عبد اللّهعليه‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يجيء الرجل يوم القيامة، وله مِن الحسنات كالسحاب الركام،

٣٤٣

أو الجبال الراوسي. فيقول: يا ربِّ، أنّى لي هذا ولم أعملها ؟ فيقول: هذا علمك الذي علمته الناس، يعمل به من بعدك )(١) .

وعن أبي جعفرعليه‌السلام قال: ( مَن علّم بابَ هدىً فله مثل أجرِ مَن عمِل به، ولا ينقص أولئك مِن أُجورهم شيئاً، ومَن علّم بابَ ضلالٍ كان عليه مثل أوزار مَن عمِل به، ولا ينقص مِن أوزارهم شيئاً )(٢).

ومِن حقوق الأساتذة على الطلاّب: تقدير جهودهم ومكافأتهم عليها بالشكر الجزيل، وجميل الحفاوة والتكريم، واتّباع نصائحهم العلميّة، كاستيعاب الدروس وإنجاز الواجبات المدرسيّة.

ومِن حقوقهم كذلك: التسامح والإغضاء عمّا يبدر منهم مِن صرامة أو غلظة تأديبيّة، تهدف إلى تثقيف الطالب وتهذيب أخلاقه.

وأبلغ وأجمع ما أُثر في حقوق الأساتذة المربّين، قول الإمام عليّ بن الحسين زين العابدينعليه‌السلام : ( وحقّ سايسك بالعلم: التعظيم له، والتوقير لمجلسه، وحسن الاستماع إليه، والإقبال عليه، وأنْ لا ترفع عليه صوتك، ولا تجيب أحداً يسأله عن شيء حتّى يكون هو الذي يجيب، ولا تحدّث في مجلسه أحداً، ولا تغتاب عنده أحداً، وأنْ تدفع عنه إذا ذُكر عندك بسوء، وأنْ تستر عيوبه، وتظهر مناقبه ولا تجالس له عدوّاً، ولا تعادِ له وليّاً. فإذا فعلت ذلك، شهد لك ملائكة اللّه بأنّك قصدته، وتعلّمت علمه للّه جلّ اسمه، لا للناس )(١).

_____________________

(١) البحار م ١ ص ٧٥، عن بصائر الدرجات للشيخ محمّد بن الحسن الصفّار.

(٢) الوافي ج ١ ص ٤٢، عن الكافي.

(٣) رسالة الحقوق للإمام السجّادعليه‌السلام .

٣٤٤

حقوق الطلاّب

لطلاّب العلم فضلهم وكرامتهم، باجتهادهم في تحصيل العِلم، وحفظ تراثه، ونقله للأجيال الصاعدة، ليبقى الرصيد العلمي زاخراً نامياً مدى القرون والأجيال.

من أجل ذلك، نوّهت أحاديث أهل البيتعليهم‌السلام بفضل طلاب العلم، وشرف أقدارهم وجزيل أجرهم.

فعن أبي عبد اللّهعليه‌السلام عن آبائهعليهم‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : طالب العِلم بين الجهّال كالحيّ بين الأموات )(١) .

وعن أبي عبد اللّه، قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : مَن سلَك طريقاً يطلب فيه عِلماً، سلَك اللّه به طريقاً إلى الجنّة. وإنّ الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العِلم رضاً به، وإنّه ليستغفر لطالب العلم مَن في السماء ومَن في الأرض حتّى الحوت في البحر. وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر )(٢).

وعن أبي عبد اللّهعليه‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

_____________________

(١) البحار م ١ ص ٥٨، عن أمالي الشيخ أبي علي ابن الشيخ الطوسي.

(٢) الوافي ج ١ ص ٤٢، عن الكافي.

٣٤٥

( طلب العِلم فريضة على كلّ مسلمٍ، ألاّ إنّ اللّه يحبّ بُغاة العلم )(١).

وعن أبي جعفرعليه‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : العالم والمتعلّم شريكان في الأجر، للعالم أجران وللمتعلّم أجرٌ، ولا خيرَ في سِوى ذلك )(٢).

ومِن الواضح أنّ تلك الخصائص الرفيعة، والمزايا المشرّفة، لا ينالها إلاّ طلاّب العلم المخلصون، المتذرّعون بطلبه إلى تزكية نفوسهم وتهذيب أخلاقهم، وكسب معرفة اللّه عزَّ وجل وشرف طاعته ورضاه، فإذا ما تجرّدوا مِن تلك الخصائص والغايات، حُرِموا تلك المآثر الخالدة، ولم يجنوا إلاّ المآرب الماديّة الزائلة.

وإليك مجملاً مِن حقوق الطلاّب:

١ - يجدر بأولياء الطلاّب والمعنيّون بتربيتهم وتعليمهم، أنْ يختاروا لهم أساتذة أكفّاء، متحلّين بالإيمان وحُسن الخُلق، ليكونوا قدوةً صالحة ونموذجاً حسناً لتلامذتهم.

فالطالب شديد التأثّر والمحاكاة لأساتذته ومربّيه، سرعان ما تنعكس في نفسه صفاتهم وأخلاقهم، ومِن هنا وجب اختيار المدرّسين المتّصفين بالاستقامة والصلاح.

٢ - ومن حقوق الطلاب: أنْ يستشعروا مِن أساتذتهم اللطف والإشفاق، فيُعامَلون معاملة الأبناء، ويتفادون جهدهم عن احتقارهم واضطهادهم ؛ لأنّ ذلك يحدث ردّ فعلٍ سيّئٍ فيهم، يوشك أنْ ينفّرهم مِن

_____________________

(١) الوافي ج ١ ص ٣٦، عن الكافي.

(٢) البحار م ١ ص ٥٦، عن بصائر الدرجات.

٣٤٦

تحصيل العلم.

لذلك كان مِن الحكمة في تهذيب الطلاّب وتشجيعهم على الدرس، مكافأة المُحسن بالمدح والثناء، وزجر المقصّر منهم بالتأنيب والتقريع، الذي لا يجرح العاطفة ويهدر الكرامة ويُحدث ردّ فعلٍ في الطالب.

انظر كيف يوصي الإمام زين العابدين بالمتعلّمين، في رسالته الحقوقيّة، فيقولعليه‌السلام : ( وأمّا حقّ رعيتك بالعلم، فإنّ تعلّم أنّ اللّه عزَّ وجل إنّما جعلك قيّماً لهم فيما أتاك من العلم، وفتح لك مِن خزائنه، فإنْ أحسنت في تعليم الناس ولم تخرق بهم، ولم تضجر عليهم، زادك اللّه مِن فضله، وإن أنت منعت الناس علمك أو خرقت بهم عند طلبهم العلم منك، كان حقّاً على اللّه عزّ وجل أنْ يسلبك العلم وبهاءه، ويسقط من القلوب محلك ).

٣ - وهكذا يجدر بالأساتذة أنْ يُراعوا استعداد الطالب ومستواه الفكري، فيتدرّجوا به في مراقي العِلم حسب طاقته ومؤهّلاته الفكريّة، فلا يطلعونهم على ما يسمو على أفهامهم، وتقصر عنه مداركهم. مراعين إلى ذلك اتّجاه الطالب ورغبته فيما يختار مِن العلوم، حيث لا يحسن قسرِه على علم لا يرغب فيه، ولا يميل إليه.

٤ - ويحقّ للطلاّب على أساتذتهم أنْ يتعاهدوهم بالتوجيه والإرشاد، في المجالات العلميّة وغيرها من آداب السيرة والسلوك، لينشأ الطلاّب نشأةً مثاليّة، ويكونوا نموذجاً رائعاً في الاستقامة والصلاح.

وألزم النصائح وأجدرها بالإتّباع، أنْ يعلم الطالب اللبيب أنّه يجب أنْ تكون الغاية مِن طلب العلم هي - كما أشرنا إليه - تزكية النفس،

٣٤٧

وتهذيب الضمير، والتوصّل إلى شرف طاعة اللّه تعالى ورضاه. وكسب السعادة الأبديّة الخالدة.

فإنْ لم يستهدف الطالب تلك الغايات السامية، كان ماديّاً هزيل الغاية والمأرب، لم يستثمر العلم استثماراً واعياً.

وأصدق شاهد على ذلك، الأُمم المتحضّرة اليوم، فإنّها رغم سبقها وتفوّقها في ميادين العلم والاكتشاف، تعيش حياة مزرية مِن تفسّخ الأخلاق، وتسيّب القِيَم الروحيّة، وطغيان الشرور فيها لنزعتها الماديّة، وتجرّدها مِن الدين والأخلاق، وغدت مِن جرّاء ذلك تتبارى بأفتك الأسلحة للقضاء على خصومها ومنافسيها، ممّا صيّر العالم بركاناً يُنذر البشريّة بالدمار والهلاك.

هذه لمحات خاطفة من حقوق الأساتذة والطلاّب، ومَن شاء التوسّع فيها فليرجع إلى ما كتبه علماء الأخلاق في آداب المعلّمين والمتعلّمين، وحقوق كلٍّ منهما على الآخر.

٣٤٨

حقوق الوالدين والأولاد

حقوق الوالدين

كيف يستطيع هذا القلم أنْ يصوّر جلالة الأبوين، وفضلهما على الأولاد، فهما سبب وجودهم، وعماد حياتهم، وقوام فضلهم، ونجاحهم في الحياة.

وقد جهد الوالدان ما استطاعا في رعاية أبنائهما ماديّاً ومعنويّاً، وتحمّلا في سبيلهم أشدّ المتاعب والمشاقّ. فاضطلعت الأُمّ بأعباء الحمل، وعناء الوضع، ومشقّة الإرضاع، وجهد التربية والمداراة.

واضطلع الأب بأعباء الجهاد، والسعي في توفير وسائل العَيش لأبنائه، وتثقيفهم وتأديبهم، وإعدادهم للحياة السعيدة الهانئة.

تحمّل الأبوان تلك الجهود الضخمة، فرحين مغتبطين، لا يريدان مِن أولادهما ثناءً ولا أجراً.

وناهيك في رأفة الوالدين وحنانهما الجمّ، أنّهما يُؤثران تفوّق أولادهم عليهم في مجالات الفضل والكمال، ليكونوا مثاراً للإعجاب ومدعاةً للفخر والاعتزاز، خلافاً لما طبع عليه الإنسان مِن حبّ الظهور والتفوّق على غيره.

من أجل ذلك كان فضل الوالدين على الولد عظيماً وحقّهما جسيماً، سما على كلّ فضل وحقٌّ، بعد فضل اللّه عزّ وجل وحقّه.

٣٤٩

برّ الوالدين:

وهذا ما يحتّم على الأبناء النُّبلاء أنْ يُقدّروا فضل آبائهم وعظيم إحسانهم، فيجازونهم بما يستحقّونه مِن حُسن الوفاء، وجميل التوقير والإجلال، ولطف البرّ والإحسان، وسموّ الرعاية والتكريم، أدبيّاً وماديّاً.

أنظر كيف يعظم القرآن الكريم شأن الأبوين، ويحضّ على إجلالها ومصاحبتهما بالبرّ والمعروف، حيث قال:( وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً ) ( لقمان: ١٤ - ١٥ ).

وقال تعالى:( وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً ) ( الإسراء: ٢٣ - ٢٤ ).

فقد أعربت هاتان الآيتان عن فضل الوالدين ومقامهما الرفيع، وضرورة مكافأتهما بالشكر الجزيل، والبرِّ والإحسان اللائقين بهما، فأمرت الآية الأُولى بشكرهما بعد شكر اللّه تعالى، وقرنت الثانية الإحسان إليهما بعبادته عزّ وجل، وهذا غاية التعزيز والتكريم.

وعلى هدي القرآن وضَوئه تواترت أحاديث أهل البيتعليهم‌السلام :

٣٥٠

قال الباقرعليه‌السلام : ( ثلاث لم يجعل اللّه تعالى فيهنّ رخصة: أداء الأمانة إلى البَرِّ والفاجر، والوفاء بالعهد للبَرِّ والفاجر، وبرّ الوالدين بريّن كانا أو فاجرين )(١).

وقال الصادقعليه‌السلام : ( إنّ رجُلاً أتى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال: يا رسول اللّه، أوصني. فقال: لا تشرك باللّه شيئاً، وإنْ حُرِقت بالنار وعذّبت إلاّ وقلبك مطمئنٌّ بالإيمان. ووالديك، فأطعهما وبرّهما حيّين كانا أو ميّتين، وإنْ أمَراك أنْ تخرج مِن أهلِك ومالك فافعل، فإنّ ذلك من الإيمان )(٢).

وعن أبي الحسنعليه‌السلام قال ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : كن بارّاً، واقتصر على الجنّة، وإنْ كنت عاقّاً فاقتصر على النار )

وعنهعليه‌السلام ، عن آبائهعليهم‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : نظر الولد إلى والدَيه حبّاً لهما عبادة )(٤).

وقال الصادقعليه‌السلام : ( مَن أحبّ أنْ يُخفّف اللّه عزّ وجل عنه سكَرات الموت، فليكن لقرابته وصولاً، وبوالديه بارّاً، فإذا كان كذلك هوّن اللّه عليه سكَرات الموت، ولم يُصبه في حياته فقرٌ أبداً )(٥).

_____________________

(١) الوافي ج ٣ ص ٩٣، عن الكافي.

(٢) الوافي ج ٣ ص ٩١ - ٩٢، عن الكافي.

(٣) الوافي ج ٣ ص ١٥٥، عن الكافي.

(٤) البحار م ١٦ ج ٤ ص ٢٤، عن كشف الغمّة الأربلي.

(٥) البحار م ١٦ ج ٤ ص ٢١، عن أمالي الشيخ الصدوق، وأمالي ابن الشيخ الطوسي.

٣٥١

وعن أبي عبد اللّهعليه‌السلام : ( إنّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله أتته أُختٌ له مِن الرضاعة، فلمّا نظر إليها سرّ بها وبسط ملحفته لها، فأجلسها عليها، ثمّ أقبل يُحدّثها ويضحك في وجهها. ثمّ قامت فذهبت، وجاء أخوها فلم يصنع به ما صنّع بها. فقيل له: يا رسول اللّه، صنعت بأُخته ما لم تصنع به، وهو رجل ! فقال: ( لأنّها كانت أبرّ بوالديها منه )(١) .

* * *

وفي الوقت الذي أوصت الشريعة الإسلامية ببرِّ الوالدين والإحسان إليهما، فقد آثرت الأُمّ بالقسط الأوفر مِن الرعاية والبر، نظراً لما انفردت به مِن جهودٍ جبّارة وأتعابٍ مُضنية في سبيل أبنائها، كالحمل والرضاع، ونحوهما مِن وظائف الأُمومة وواجباتها المُرهقة.

فعن أبي عبد اللّهعليه‌السلام قال: ( جاء رجلٌ إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: يا رسول اللّه، مَن أبرّ ؟ قال: أُمّك. قال: ثمّ مَن ؟ قال: أُمّك. قال: ثمّ مَن ؟ قال: أُمّك. قال: ثمّ مَن ؟ قال: أباك )(٢).

وعن إبراهيم بن مهزم قال: خرجت مِن عند أبي عبد اللّهعليه‌السلام ليلةً ممسياً، فأتيت منزلي في المدينة، وكانت أُمّي معي. فوقع بيني وبينها كلام، فأغلظت لها. فلمّا كان مِن الغد، صلّيت الغداة، وأتيت أبا عبد اللّهعليه‌السلام ، فلمّا دخلت عليه، قال لي مبتدئاً: ( يا أبا مهزم، مالك ولِخالدة ؟ أغلظت في كلامها البارحة، أما علِمت أنّ بطنها منزلٌ قد سكنته،

______________________________

(١) الوافي ج٣ ص٩٢، عن الكافي.

(٢) الوافي ج٣ ص٩٢، عن الكافي.

٣٥٢

وأنّ حِجرها مهدٌ قد غمزته، وثديها وعاءٌ قد شربته ؟ ) قال قلت: بلى. قال: فلا تغلظ لها(١).

واستمع إلى الإمام السجّادعليه‌السلام ، وهو يوصي بالأمّ، مُعدّداً جهودها وفضلها على الأبناء، بأُسلوبٍ عاطفيٍّ أخّاذ، فيقولعليه‌السلام :

( وأمّا حقّ أُمّك: أنْ تعلم أنّها حملتك حيث لا يحتمل أحدٌ أحداً، وأعطتك مِن ثمرة قلبها ما لا يُعطي أحدٌ أحداً، ووَقَتك بجميع جوارحها، ولم تُبال أنْ تجوع وتُطعِمك، وتَعطش وتسقيك، وتعري وتكسوك، وتَضحى وتظلّك، وتهجر النوم لأجلك، ووَقَتك الحرّ والبرد لتكون لها، فإنّك لا تطيق شكرها إلاّ بعون اللّه وتوفيقه )(٢).

* * *

وبِرّ الوالدين، وإنْ كان له طيبتُه ووقعه الجميل في نفس الوالدين، بيد أنّه يزداد طيبةً ووقْعاً حسَناً عند عجزهما وشدّة احتياجهما إلى الرعاية والبر، كحالات المرض والشيخوخة، وإلى هذا أشار القرآن الكريم:( إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً ).

وقد ورد أنّ رجلاً جاء إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال:

_____________________

(١) البحار م ١٦ ج ٤ص ٢٣، عن بصائر الدرجات لمحمّد بن الحسن الصفّار.

(٢) رسالة الحقوق للإمام السجادعليه‌السلام .

٣٥٣

يا رسول اللّه، إنّ أبَويّ بلغا مِن الكِبَر أنّي ألي منهما ما ولياني في الصغر، فهل قضيتهما حقّهما ؟ قال: ( لا، فإنّهما كانا يفعلان ذلك وهُما يحبّان بقاءك، وأنت تفعل ذلك وتريد موتهما )(١) .

وعن إبراهيم بن شعيب قال: قلت لأبي عبد اللّهعليه‌السلام : إنّ أبي قد كبُر جدّاً وضعُف، فنحن نحمله إذا أراد الحاجة.

فقال: ( إنْ استطعت أنْ تلي ذلك منه فافعل، ولقّمه بيدك، فإنّه جنّةٌ لك غداً )(٢).

* * *

وليس البرّ مقصوراً على حياة الوالدين فحسب، بل هو ضروري في حياتهما وبعد وفاتهما، لانقطاعهما عن الدنيا وشدّة احتياجهما إلى البرّ والإحسان.

فعن الصادقعليه‌السلام قال: ( ليس يتبع الرجل بعد موته مِن الأجر إلاّ ثلاث خصال: صدقةٌ أجراها في حياته وهي تجري بعد موته، وسنّة هدىً سَنّها فهي يُعمل بها بعد موته، أو ولدٌ صالح يدعو له )(٣).

مِن أجل ذلك فقد حرّضت وصايا أهل البيتعليهم‌السلام على برّ الوالدين بعد وفاتهما، وأكّدت عليه وذلك بقضاء ديونهما الماليّة أو العباديّة، وإسداء الخيرات والمبرّات إليهما، والاستغفار لهما، والترحّم عليهما. واعتبرت إهمال ذلك ضرباً مِن العقوق.

_____________________

(١) عن شرح الصحيفة السجاديّة، للسيّد علي خان.

(٢) الوافي ج ٣ ص ٩٢، عن الكافي.

(٣) الوافي ج ١٣ ص ٩٠، عن الكافي والتهذيب.

٣٥٤

قال الباقرعليه‌السلام : ( إنّ العبد ليكون بارّاً بوالديه في حياتهما، ثمّ يموتان فلا يقضي عنهما دينهما ولا يستغفر لهما، فيكتبه اللّه عاقّاً، وإنّه ليكون عاقّاً لهما في حياتهما غير بارٍّ بهما، فإذا ماتا قضى دينهما واستغفر لهما، فيكتبه اللّه تعالى بارّاً )(١).

وعن الصادق عن أبيه عن آبائهعليهم‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : سيّد الأبرار يوم القيامة، رجلٌ برّ والديه بعد موتهما )(٢) .

عقوق الوالدين

مِن الواضح أنّ نكران الجميل ومكافأة الإحسان بالإساءة، أمران يستنكرهما العقل والشرع، ويستهجنهما الضمير والوجدان، وكلّما عظُم الجميل والإحسان، كان جحودها أشدّ نكراً وأفظع جريرةً وإثماً.

وبهذا المقياس ندرك بشاعة عقوق الوالدين وفظاعة جرمه، حتّى عدّ مِن الكبائر الموجبة لدخول النار. ولا غرابة فالعقوق - فضلاً عن مخالفته المبادئ الإنسانيّة، وقوانين العقل والشرع - دالٌّ على موت الضمير، وضعف الإيمان، وتلاشي القِيَم الإنسانية في العاق.

_____________________

(١) الوافي ج ٣ ص ٩٣، عن الكافي.

(٢) البحار م ١٦ ج ٤ ص ٢٦، عن كتاب الإمامة والتبصرة لعليّ بن بابويه.

٣٥٥

فقد بذل الأبوان طاقات ضخمة وجهوداً جبّارة، في تربية الأبناء وتوفير ما يبعث على إسعادهم وازدهار حياتهم مادّيا وأدبيّاً، ما يعجز الأولاد عن تثمينه وتقديره.

فكيف يسوغ للأبناء تناسي تلك العواطف والألطاف ومكافأتها بالإساءة والعقوق ؟

مِن أجل ذلك حذّرت الشريعة الإسلاميّة مِن عقوق الوالدين أشدّ التحذير، وأوعدت عليه بالعقاب العاجل والآجل.

فعن أبي الحسنعليه‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : كن بارّاً، واقتصر على الجنّة، وإنْ كنت عاقّاً، فاقتصر على النار )(١).

وقال الصادقعليه‌السلام : ( لو عِلم اللّه شيئاً هو أدنى مِن أُفٍّ، لنهى عنه، وهو مِن أدنى العقوق، ومِن العقوق أنْ ينظر الرجل إلى والديه، فيحدّ النظر إليهما )(٢).

وقال الباقرعليه‌السلام : ( إنّ أبي نظر إلى رجلٍ ومعه ابنه يمشي، والابن مُتّكئ على ذراع الأب،قال: فما كلّمه أبيعليه‌السلام مقتاً له حتّى فارق الدنيا )(٣).

وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ثلاثة مِن الذنوب، تعجّل عقوبتها ولا تؤخّر إلى الآخرة: عقوق

_____________________

(١) الوافي ج ٣ ص ١٥٥، عن الكافي.

(٢) الوافي ج ٣ ص ١٥٥، عن الكافي.

(٣) الوافي ج ٣ ص ١٥٥، عن الكافي.

٣٥٦

الوالدين، والبغي على الناس، وكفر الإحسان )(١).

مساوئ العقوق:

وللعقوق مساوئٌ خطيرة، وآثارٌ سيّئة تنذر العاقّ وتتوعّده بالشقاء الدنيوي والأُخروي.

فمن آثاره أنّ العاقّ يعقّه ابنه... جزاءً وفاقاً على عقوقه لأبيه. وقد شهِد الناس صوراً وأدواراً مِن هذه المكافأة على مسرح الحياة.

مِن ذلك ما حكاه الأصمعي قال: حدّثني رجلٌ مِن الأعراب قال: خرجت من الحيّ أطلب أعقّ الناس وأبرّ الناس. فكنت أطوف بالأحياء، حتّى انتهيت إلى شيخ في عنقه حبل، يستقي بدلو لا تطيقه الإبل في الهاجر والحرّ الشديد، وخلفه شاب في يده رشاء من قدٍّ ملوي، يضربه به، قد شقّ ظهره بذلك الحبل.

فقلت له: أما تتّقي اللّه في هذا الشيخ الضعيف، أما يكفيه ما هو فيه مِن هذا الحبل حتّى تضربه ؟

قال: إنّه مع هذا أبي.

قلت: فلا جزاك اللّه خيراً.

قال: اسكت، فهكذا كان يصنع هو بأبيه، وكذا كان يصنع أبوه بجدّه.

_____________________

(١) البحار م ١٦ ج ٤ ص ٢٣، عن أمالي أبي علي ابن الشيخ الطوسي.

٣٥٧

فقلت: هذا أعقّ الناس.

ثمّ جلت أيضاً حتّى انتهيت إلى شابٍّ في عنقه زبيل، فيه شيخ كأنّه فرخ، فيضعه بين يديه في كلّ ساعة، فيزقّه كما يزقّ الفرخ.

فقلت له: ما هذا ؟

فقال: أبي، وقد خرف، فأنا أكفله.

قلت: فهذا أبرّ العرب. فرجعت وقد رأيت أعقّهم وأبرّهم(١).

ومِن آثار العقوق:

أنّه موجبٌ لشقاء العاق، وعدم ارتياحه في الحياة، لسخط الوالدين ودعائهما عليه.

وقد جاء في الحديث النبوي: ( إيّاكم ودعوة الوالد، فإنّها أحدّ مِن السيف ).

ومن آثار العقوق:

أنّ العاق يُشاهد أهوالاً مريعة عند الوفاة، ويُعاني شدائد النزع وسكرات الموت.

فعن أبي عبد اللّهعليه‌السلام : ( إنّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله حضَر شابّاً عند وفاته، فقال له: قل لا إله إلاّ اللّه. قال: فاعتقل لسانه مراراً ).

فقال لامرأة عند رأسه: ( هل لهذا أُم ؟ )

قالت: نعم، أنا أُمّه.

_____________________

(١) المحاسن والمساوئ، للبيهقي ج ٢ ص ١٩٣.

٣٥٨

قال: أَ فساخطةٌ أنتِ عليه ؟

قالت: نعم، ما كلّمته مُنذ ستّ حجج.

قال لها: ( ارضِ عنه ). قالت: رضي اللّه عنه برضاك يا رسول اللّه.

فقال له رسول اللّه: قل لا إله إلاّ اللّه. قال: فقالها.

فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما ترى ؟

فقال أرى رجلاً أسوداً قبيح المنظر، وسِخ الثياب، منتن الريح، قد وليَني الساعة فأخذ بكظمي.

فقال له النبيّ: قل: ( يا مَن يقبل اليسير ويعفو عن الكثير، اقبل مّني اليسير واعفُ عن الكثير، إنّك أنت الغفور الرحيم ). فقالها الشاب.

فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنظر، ماذا ترى ؟

قال: أرى رجلاً أبيض اللون، حسن الوجه، طيّب الريح، حسن الثياب قد وليَني، وأرى الأسود قد تولّى عنّي.

قال: أعد، فأعاد.

قال: ما ترى ؟ قال: لست أرى الأسود، وأرى الأبيض قد وليَني ثمّ طغى على تلك الحال )(١).

ومِن آثار العقوق:

أنّه مِن الذنوب الكبائر التي توعّد اللّه عليها بالنار، كما صرّحت بذلك الأخبار.

والجدير بالذكر، أنّه كما يجب على الأبناء طاعة آبائهم وبرّهم والإحسان

_____________________

(١) البحار م١٦ ج٤ ص ٢٣، عن أمالي أبي عليّ ابن الشيخ الطوسي.

٣٥٩

إليهم، كذلك يجدر بالآباء أنْ يسوسوا أبناءهم بالحكمة، ولطف المداراة، ولا يخرقوا بهم ويضطروهم إلى العقوق والعصيان.

فعن الصادق عن آبائهعليهم‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يلزم الوالدين مِن العقوق لولدهما، إذا كان الولد صالحاً، ما يلزم الولد لهما )(١).

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( لعن اللّه والدين حمَلا ولدَهما على عقوقهما، ورحِم اللّه والدَين حمَلا ولدَهما على برّهما )(٢).

حقوق الأولاد:

الأولاد الصُلحاء هم زينة الحياة، وربيع البيت، وأقمار الأسرة، وأعزّ آمالها وأمانيها، وأجل الذخائر وأنفسها. لذلك أثنى عليهم أهل البيت وغيرهم من الحكماء والأدباء.

عن أبي عبد اللّهعليه‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : الولد الصالح ريحانةٌ مِن رياحين الجنّة )(٣).

وفي حديثٍ آخر، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( مِن سعادة الرجل الولدُ الصالح )(٤).

_____________________

(١) البحار م ١٦ ج ٤ ص ٢٢، عن خصال الصدوق.

(٢) الوافي ج ١٤ ص ٥٠، عن الفقيه.

(٣) الوافي ج ١٢ ص ١٩٦، عن الكافي.

(٤) الوافي ج ١٢ ص ١٩٦، عن الفقيه.

٣٦٠