أخلاق أهل البيت

أخلاق أهل البيت0%

أخلاق أهل البيت مؤلف:
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 517

أخلاق أهل البيت

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد مهدي الصدر
تصنيف: الصفحات: 517
المشاهدات: 295369
تحميل: 9589

توضيحات:

أخلاق أهل البيت
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 517 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 295369 / تحميل: 9589
الحجم الحجم الحجم
أخلاق أهل البيت

أخلاق أهل البيت

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

دينار، فقالوا له: إنّ دارك تساوي خمسمِئة دينار. فقال: أبيع داري بخمسمِئة، وجوار أبي دلَف بخمسمِئة، فبلغ أبا دلَف الخبَر، فأمَر بقضاء دينه ووصله، وقال: لا تنتقل مِن جوارنا. فانظر كيف صار الجوار يُباع كما تُباع العقار ).

* * *

٤٦١

حقوق المجتمع الإسلامي

فضل المجتمع الإسلامي:

كان المجتمع الإسلامي إبّان رُقيّه وازدهاره، نموذجاً فذّاً ونمَطاً مثاليّاً بين المجتمعات العالميّة المتحضّرة، بخصائصه الرفيعة، ومزاياه الغُرّ التي بوّأته قمَم المفاخر والأمجاد، وأنشأت مِن أفراده أُسرةً إسلاميّةً مرصوصةَ الصفّ، خفّاقةَ اللواء، مرهوبةَ الجانب، موصوفةً بالفضائل والمُكرمات.

لقد كان فذّاً في عقيدته التي حوَت أسرار التوحيد، وأوضحت خصائص الإلوهيّة وصفاتها الحقّة، وجلّت واقع النبوّة والأنبياء، وفصلت حقائق المعاد، وما يجيش به مِن صوَر النعيم والعذاب.

حوَت كلّ ذلك، وصوّرته تصويراً رائعاً يستهوي العقول والقلوب ويقنع الضمائر حتّى باركها اللّه واصطفاها بين العقائد والأديان.

( وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) ( آل عمران: ٨٥ ).

وكان فذّاً في شريعته الغرّاء، تلك التي تكاملت بها شرائع السماء وبلَغت قمّة الوحي الإلهي ما جعلها الشريعة الخالدة عبر الحياة، والدستور الأمثل للبشريّة جمعاء.

وكان فذّاً في أخلاقه، فقد ازدهرت في ربوعه القِيّم الأخلاقيّة وتكاملت

٤٦٢

حتّى أصبحَت طابعاً مميّزاً للمسلم الحقّ، كما وصفه الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله: ( المؤمن مَن أمنه الناسُ على أموالهم ودمائهم، والمُسلم من سلِم المسلمون مِن يدِه ولِسانه، والمُهاجر مَن هجَر السيّئات )(١).

وكان مثلاً رفيعاً في آدابه الاجتماعيّة:

قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : ( يا بني، اجعل نفسك ميزاناً بينك وبين غيرك، فأحبِب لغَيرِك ما تُحبُّ لنفسك، واكره له ما تكره لها، ولا تَظلِم كما لا تحبّ أنْ تُظلم، وأحسن كما تُحبُّ أنْ يُحسن إليك، واستقبح مِن نفسك ما تستقبح مِن غيرك، وارضَ مِن الناس بما ترضاه لهم مِن نفسك، ولا تقُل ما لا تعلم، وإنْ قلّ ما تعلم، ولا تقل ما لا تحبّ أنْ يُقال لك )(٢).

وكان فريداً في تآخيه: فقد أعلن مبدأ المؤاخاة وحقّقه بين أفراده بأُسلوبٍ لم تستطِع تحقيقه سائر الشرائع والمبادئ:

( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ) ( الحجرات:١٠ ).

وأصبح المجتمع أُسرةٌ واحدة تستشعر روح الإخاء، وتتجاوب في عواطفها ومشاعرها، وكان ذلك مِن أعظم منجزات الإسلام وفتوحاته الإصلاحيّة.

وكان مثاليّاً في أريحيّته وتكافله: فالمسلم معنيٌّ بشؤون المجتمع والاهتمام بمصالحه، والعطف على بؤسائه ومعوزيه.

_____________________

(١) الوافي ج ١٤ ص ٤٨ عن الفقيه.

(٢) نهج البلاغة، من وصيّته لابنه الحسنعليه‌السلام .

٤٦٣

فعن أبي عبد اللّهعليه‌السلام قال: ( قال رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وآله ): مَن أصبح لا يهتمّ بأُمور المسلمين فليس بمسلم )(١).

وعنهعليه‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : الخلق عيالُ اللّه، وأحبُّ الخلقِ إلى اللّه مَن نفَع عيالَ اللّه، وأَدخَل على بيتٍ سروراً )(٢).

حقوق المجتمع الإسلامي:

للفرد قيمتهُ ومنزلته في المجتمع، بصفته لبنةً في كيانه، وغصناً مِن أغصان دَوحته، وبمقدار ما يَسعَد الفرد، وينال حقوقه الاجتماعيّة يَسعّد المجتمع، وتشيع فيه دواعي الطمأنينة والرخاء، وبشقائه وحِرمانه يشقَى المجتمع وتسوده عوامل البَلبَلَة والتخلّف.

لذلك كان حتماً مقضيّاً على المجتمع رعاية مصالح الفرد، وصيانة كرامته، ومنحه الحقوق الاجتماعيّة المشروعة، ليستشعر العزَّة والسكينة والرخاء، في إطار أُسرته الاجتماعيّة، وإليك أهمّ تلك الحقوق:

١ - حقُّ الحياة:

وهو حقٌّ طبيعيٌّ مقدّس يجب رعايته وصيانته، ويَعتبر الإسلام هدرَه

_____________________

(١) الوافي ج ٣ ص ٩٩ عن الكافي.

(٢) الوافي ج ٣ ص ٩٩ عن الكافي.

٤٦٤

والاعتداء عليه جنايةً نَكراء، وجُرماً عظيماً يتوعّد عليه بالنار:( وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً ) ( النساء: ٩٣ ).

ولم يكتفِ الإسلام بإنذار السفّاكين، ووعيدهم بالعقاب الأُخروي، فقد شرّع القَصاص مِن القاتل عمداً، والديَة عليه خطأً، حمايةً لدِماء المسلمين، وحسماً لإحداث القتل وجرائمه:( وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) ( البقرة: ١٧٩ ).

وليس للإنسان أنْ يُفرّط في حياته ويزهقها بالانتحار، وإنّما يجِب عليه حفظها وصيانتها مِن الأضرار والمهالك:( وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) ( البقرة: ١٩٥ ).

وقد بالغ الإسلام في قدسيّة الأرواح وحمايتها، حتّى حرّم قتل الجنين وإجهاضه تخلّصاً منه، وفرَض الديَة على قاتله.

٢ - حقُّ الكرامة:

لقد شرّف اللّه المؤمن وحَباه بصنوفِ التوقير والإعزاز، وألوان الدعمِ والتأييد. فحفَظ كرامته، وصَان عِرضه، وحرّم ماله ودمه، وضمِن حقوقه، ووالى عليه ألطافه، حتّى أعلن في كتابه الكريم عنايته بالمؤمن ورعايته له في الحياة العاجلة والآجلة:( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ

٤٦٥

تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ) ( حم السجدة: ٣٠ - ٣١ ).

( الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ ) ( يونس: ٦٣ - ٦٤ ).

( إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ ) ( غافر:٥١ ).

وحرّم الإسلام بعد هذا كلّ ما يبعث على استهانة المؤمن، وخدْشِ كرامته وتلويث سُمعته باغتيابه والتجسّس عليه، والسخريةِ منه ؛ ليُطهّر المجتمع الإسلامي مِن عوامل التباغض والفُرقه. ولِيُشِع في رُبوعه مفاهيم العزّة والكرامة.

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ ) ( الحجرات: ١٢).

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) ( الحجرات: ١١ ).

وهكذا حرص الإسلام على إعزاز المؤمن وحماية شرفه وكرامته حتّى بعد وفاته، فجعَل حُرمته ميّتاً كحرمتهِ حيّاً، وفرَض على المسلمين تجهيزه بعد الممات وتغسيله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه، وحرّم كلّما يثلب كرامته كالمُثلة به ونبشِ قبره، واستغابته والطعن فيه.

٤٦٦

وقد جهد الإسلام في حماية المسلمين، وضمان كرامتهم فرداً ومجتمعاً،ماديّاً وأدبيّاً:

فشرّع الحدود والديات صيانةً لأرواحهم وأموالهم وحرماتهم، وردعاً للمجرمين العابثين بأمنِ المجتمع ومقدّراته.

( وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) ( البقرة: ١٧٩ ).

( إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ) ( المائدة: ٣٣ ).

وبالَغ الإسلام في عقوبة الزاني لاستهتاره بقُدسيّة أعراض الناس، وانتهاكه صميم كرامتهم وشرفهم.

( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ ) ( النور: ٢ ).

وقرّر الحدّ الصارم على السارق حسماً لإجرامه وحِرصاً على أمن المسلمين واطمئنانهم.

( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ ) ( المائدة: ٣٨ ).

وهكذا أعلن أهل البيتعليهم‌السلام شرف المؤمن وعزّته، وأحاطوه بهالة مِن التوقير والإجلال وألوان الحصانة والصيانة:

فعن أبي جعفرعليه‌السلام قال: ( قال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه

٤٦٧

وآله ): سُباب المؤمن فسوق، وقتالُه كُفر، وأكلُ لحمه مَعصية، وحُرمة مالهِ كحُرمة دمِه )(١).

وعن أبي عبد اللّهعليه‌السلام قال:

( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : قال اللّه عزّ وجل: مَن أهان لي وليّاً، فقد أرصد لمُحاربتي. وما تقرّب إليّ عبدٌ بشيءٍ أحبُّ إليّ ممّا افترضت عليه، وإنّه ليتقرّب إليّ بالنافلة حتّى أحبّه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمَع به، وبصره الذي يُبصرُ به، ولِسانه الذي ينطق به، ويدُه التي يَبطش بها، إنْ دعاني أجبته، وإنْ سألني أعطَيته، وما تردّدت عن شيءٍ إنّا فاعله كتردّدي عن موت عبدي المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته )(٢).

وعنهعليه‌السلام قال:

( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا معشر مَن أسلَم بلسانه، ولم يخلُص الإيمان إلى قلبه، لا تذمّوا المسلمين، ولا تتّبعوا عوراتهم، فإنّه مَن يتّبع عوراتهم يتّبع اللّه عورته، ومَن يتّبع اللّه عورته يفضَحه ولو في بيته )(٣).

وعنهعليه‌السلام قال:

( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : مَن أذاع فاحشةً كان كمبتدئها

_____________________

(١) سفينة البحار ج ١ ص ٤١ عن الكافي.

(٢) سفينة البحار ج ١ ص ٤١ عن الكافي.

(٣) البحار كتاب العشرة ص ١٧٧ عن الكافي.

٤٦٨

ومَن عيّر مؤمناً بشيءٍ، لم يمُت حتّى يركبه )(١).

٣ - حقُّ الحريّة:

والحريّة هي: انعتاق الإنسان وتحرّره مِن أسرِ الرقّ والطغيان، وتمتّعه بحقوقه المشروعة. وهي مِن أقدَس الحقوق وأجلّها خطراً، وأبلغُها أثَراً في حياة الناس.

لذلك أقرّ الإسلام هذا الحقَّ وحرَص على حمايته وسيادته في المجتمع الإسلامي.

وليست الحريّة كما يفهمها الأغرار: هي التحلّل مَن جميع النظم والضوابط الكفيلة بتنظيم المجتمع، وإصلاحه وصيانة حقوقه وحُرُماته، فتلك هي حريّة الغاب والوحوش الباعثة على فساده وتسيّبه.

وإنّما الحريّة الحقّة هي: التمتّع بالحقوق المشروعة التي لا تناقض حقوق الآخرين ولا تجحف بهم.

وإليك طرفاً مِن الحريّات:

أ - الحريّة الدينيّة:

فمِن حقِّ المسلم أنْ يكون حرّاً طليقاً في عقيدته وممارسة عباداته، وأحكام شريعته. فلا يجور قسره على نبذها أو مخالفة دستورها، ويُعتبر ذلك عدواناً صارخاً على أقدَس الحرّيات، وأجلّها خطراً في دنيا الإسلام

_____________________

(١) الوافي ج ٣ ص ١٦٣ عن الكافي.

٤٦٩

والمسلمين. وعلى المسلم أنْ يكون صُلباً في عقيدته، صامداً إزاء حملات التضليل التي يشنّها أعداء الإسلام، لإغواء المسلمين وإضعاف طاقاتهم ومعنويّاتهم.

ب - الحريّة المدنيّة:

ومِن حقّ المسلم الرشيد أنْ يكون حرّاً في تصرّفاته، وممارسة شؤونه المدنيّة، فيستوطن ما أحبّ مِن البلدان، ويختار ما شاء من الحرف والمكاسب ويتخصّص فيما يهوى مِن العلوم، وينشئ ما أراد مِن العقود، كالبيع والشراء والإجارة والرهن ونحوها. وهو حرٌّ في مزاولة ذلك على ضوء الشريعة الإسلاميّة.

ج - حريّة الدعوة الإسلاميّة:

وهذه الحريّة تخصّ الأكفاء مِن المسلمين القادرين على نشر التوعية الإسلاميّة، وإرشاد المسلمين وتوجيههم وجهة الخير والصلاح. وذلك ما يبعث على تصعيد المجتمع الإسلامي ورقيّه دينيّاً وثقافيّاً واجتماعيّاً، ويعمل على وقايته وتطهيره مِن شرور الرذائل والمنكرات.

( وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) ( آل عمران: ١٠٤ ).

وقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

( لا يزال الناسُ بخيرٍ ما أمروا بالمعروف، ونهَوا عن المُنكر، وتعاونوا

٤٧٠

على البرِّ، فإذا لم يفعلوا ذلك نُزِعَت منهم البرَكات، وسُلّط بعضُهم على بعض، ولم يكُن لهم ناصرٌ في الأرض ولا في السماء )(١) .

٤ - حقُّ المساواة:

كانت الأُمَم العالميّة تعيش حياة مُزرية، تسودُها الأُثرة والأنانيّة، وتُفرّقها نوازع الامتيازات الطبقيّة. فكان التفاوت الطبَقي مِن أبرَز مظاهر العرَب الجاهليّين، إذ كانوا يضطهدون الضُّعفاء ويستعبدونهم كالأرقّاء، ولا يؤاخذون الأشراف على جنايةٍ او جُرمٍ تمييزاً لهم عن سوَقَة الناس.

وحسبُك ما كان عليه مُلوك العرَب يومذاك مِن الأنانيّة واستذلال الناس.

( فكان عَمْر بن هِند ملِكاً عربيّاً: وقد عوّد الناس أنْ يُكلّمهم مِن وراء حِجاب، وقد استكثر على سادة القبائل أنْ تأنَف أُمّهاتهم مِن خدمته في داره.

وكان النُّعمان بن المُنذر قد بلَغ به العسف أنْ يتّخذ لنفسه يوماً للرضى، يغدِق فيه النِّعم على كلّ قادِم إليه خبط عشواء، ويوماً للغضَب يقتل فيه كلّ طالع عليه مِن الصباح إلى المساء.

ومِن القصص المشهورة: قصّة ( عمليق ) ملِك طسم وجديس.

_____________________

(١) الوافي ج ٩ ص ٢٩ عن التهذيب.

٤٧١

كان يستبيح كلّ عروسٍ قبل أنْ تُزَفُّ إلى عروسها) (١).

وهكذا كانت الأُمم الغربيّة في تمايزها الطبَقي حتّى قيام الثورة الفرنسيّة التي طفقت تنادي بالمساواة، وتحفّز عليها ممّا أيقَظ الغربيّين وأثار فيهم شعور المساواة.

ولكنّ رواسب الطبقة لا تزال عالِقة في نفوس الغربيّين تُستشَفّ مِن خلال أقوالهم وتصرّفاتهم:

فالألمانيّة النازيّة: تُقدّس الجِنس الآري، وتفضّله على سائر الأجناس البشريّة.

والأُمَم الأمريكيّة: لا يزال الصراع فيها قائماً بين البيض والسود مِن جرّاء أنانيّة البيض وترفّعهم عن مخالطة السود، ومشاركتهم في المدارس والمطاعم وسائر مرافق الحياة.

وهكذا درَجَت بريطانيا على إشاعة التفاوت الطبَقي بين البيض والملوّنين في جنوب إفريقيا، حيثُ جعلَت البيض سادةً مدلّلين، والسود أرقّاء مُستعبَدين لهم.

وكذلك نجد التمايز والتفاوت واضحَين في ظِلال الحكم الشيوعي بين العامل ورئيسه، والجندي وقائده، والفنّانين والكادحين، ولم يستطيع رغم تشدّقه بالمساواة: محو الطبقيّة بين أتباعه.

_____________________

(١) حقائق الإسلام. للعقّاد ص ١٥٠.

٤٧٢

المساواة في الإسلام

لقد شرّع الإسلام مبدأ المساواة، ونشَر ظِلاله في رُبوع المجتمع الإسلامي بأُسلوبٍ مثاليٍّ فريد، لم تستطع تحقيقه سائرُ الشرائع والمبادئ. فأفراد المجتمع ذكوراً وإناثاً، بيضاً وسوداً، عرباً وعجماً، أشرافاً وسَوَقَة، أغنياءً وفقراء، كلّهم في شرعة الإسلام سواسيةً كأسنان المشط، لا يتفاضلون إلاّ بالتقوى والعمل الصالح.

( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) ( الحجرات: ١٣ ).

والقوانين الإسلاميّة والفرائض الشرعيّة نافذةً عليهم جميعاً دون تمايز وتفريق بين الأجناس والطبَقات. وما انفك النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عن تركيز مبدأ المساواة وتصعيده حتّى استطاع تطويره والتسامي به إلى المؤاخاة الروحيّة بين المؤمنين.

( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ) ( الحجرات: ١٠ ).

حسبُك في ذلك أنّ الملوك كانوا يحسبون أنّهم فوق مستوى البشر، ويترفّعون عنهم في أبراجٍ عاجيّة يطلّون منها زهواً وكِبَراً على الناس.

يأمر القرآن الكريم سيّد المُرسلين أنْ يعلن واقعه للناس:( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ) ( الكهف:١١٠ ).

٤٧٣

لذلك كان هوصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذرّيته الأطهار: المثل الأعلى في تطبيق مبدأ المساواة والدعوة إليه قولاً وعملاً.

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( إنّ اللّه تبارك وتعالى قد أذهب بالإسلام نخوةَ الجاهليّة وتفاخرها بآبائها، ألا إنّ الناس مِن آدم، وآدم مِن تراب، وأكرمهم عند اللّه اتقاهم )(١).

ويُحدّثنا الرواة: أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان في سفَر فأمر بإصلاح شاة، فقال رجل: يا رسول اللّه، عليّ ذبحها، وقال آخر: عليّ سلخها، وقال آخر: عليّ طبخها، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( وعليّ جمع الحطَب ).

فقالوا يا رسول اللّه، نحن نكفيك، فقال:

( قد علِمت أنّكم تكفوني، ولكن أكره أنْ أتميّز عليكم، فإنّ اللّه يكره مِن عبدهِ أنْ يراه متميّزاً بين أصحابه وقام فجمع الحطب )(٢).

ويحدّث الرواة: أنْ سوادة بن قيس قال للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في أيّام مرضه: يا رسول اللّه، إنّك لمّا أقبلت مِن الطائف استقبلتك، وأنت على ناقتك العضباء، وبيَدِك القضيب المَمْشوق، فرفعت القضيب وأنتَ تريد الراحلة فأصاب بطني، فأمره النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنْ يقتصّ منه فقال: اكشف لي عن بطنك يا رسول اللّه، فكشَف عن بطنه. فقال سوادة: أتأذن لي أنْ أضع فمي على بطنك، فأذن له فقال: أعوذ بموضع القصاص مِن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله النار يوم النار، فقال

_____________________

(١) الوافي ج ١٤ في وصيّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّعليه‌السلام .

(٢) سفينة البحار ج ١ ص ٤١٥.

٤٧٤

صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( يا سوادة بن قيس أتعفو أم تقتص ؟ ) فقال: بل أعفو يا رسول اللّه.

فقال: ( اللهمّ اعفُ عن سَوادة بن قيس كما عفَى عن نبيّك محمّد )(١).

وهكذا كان أمير المؤمنينعليه‌السلام :

قال الصادقعليه‌السلام : ( لما وِلّيَ عليّعليه‌السلام صعَد المنبر فحمِد اللّه وأثنى عليه، ثمّ قال: إنّي لا أرزؤكم مِن فَيئكم درهماً ما قام لي عذق بيثرب، فلتصدقكم أنفسكم، أ فَتروني مانعاً نفسي ومُعطيكم ؟.

قال: فقام إليه عقيل كرّم اللّه وجهه فقال له: اللّه ! لتجعلني وأسوَد بالمدينة سَواء. فقالعليه‌السلام : اجلس أما كان هنا أحدٌ يتكلّم غيرك ؟ وما فضلك عليه إلاّ بسابقةٍ أو تقوى )(٢).

( ومشى إليه ثُلّة مِن أصحابه عند تفرّق الناس عنه، وفرار كثير منهم إلى معاوية طلَباً لِما قي يدَيه مِن الدنيا، فقالوا: يا أمير المؤمنين، أعطِ هذه الأموال وفضل هؤلاء الأشراف مِن العرَب وقُرَيش على المَوالي والعجَم ومَن تخاف عليه مِن الناس فراره إلى معاوية.

فقال لهم أمير المؤمنينعليه‌السلام : أ تأمروني أنْ أطلب النصر بالجور ؟ لا واللّه ما أفعل، ما طلَعت شمسٌ ولاحَ في السماء نجم، واللّه لو كان مالهم

_____________________

(١) سفينة البحار ج ١ ص ٦٧١.

(٢) البحار م ٩ ص ٣٥٩ عن الكافي.

٤٧٥

لي لواسَيت بينهم، وكيف وإنّما هي أموالهم )(١).

( وقال عُمَر بن الخطّاب للناس يوماً: ما قولكم لو أنّ أميرَ المؤمنين شاهدَ امرأةَ على معصية - يعني أتكفي شهادته في إقامة الحدّ عليها - ؟.

فقال له عليّ بن أبي طالب: ( يأتي بأربعةِ شهود، أو يُجلَد حدّ القذف شأنه في ذلك شأن سائر المسلمين )(٢).

وفقد انبهر الكاتب الغربي( جَـب ) بمبدَأ المساواة في الإسلام، وراح يُعرِب عن إعجابه وإكباره لذلك، فقال في كتابه - مع الإسلام -:

ليس هناك أيّة هيئة سِوى الإسلام يُمكن أنْ تنجح مثله نجاحاً باهراً في تأليف هذه الأجناس البشريّة المُتنافرة في جبهةٍ واحدة أساسها المساواة.

وإذا وضعت منازعات دول الشرق والغرب العظمى موضع الدرس فلا بدّ مِن الالتجاء إلى الإسلام لحزم النزاع.

وبتقرير مبدأ المساواة استشعر المسلمون مفاهيم العزّة والكرامة، ومعاني الوئام والصفاء، وغدَوا قادة الأُمم وروّادها إلى العدل والحريّة والمساواة.

وفي الوقت الذي قرّر الإسلام فيه المساواة، فإنّه قرّرها بأُسلوبٍ منطقيٍّ حكيم يُلائم العقول النيّرة والفطَر السليمة، ويُساير مبادئه الخالدة في إشاعة العدل، وإتاحة فُرَص التكافؤ بين عامّة المسلمين، وإناطة التفاضل

_____________________

(١) البحار م ٩ ص ٥٣٣ ( بتصرّف وتلخيص ).

(٢) عن كتاب حقوق الإنسان بين تعاليم الإسلام، وإعلان الأُمم المتّحدة ص ٢٧ لمحمّد الغزالي.

٤٧٦

والتمايز بينهم فيما هو مقدور لهم وداخلٌ في إمكاناتهم، مِن أعمال الخير والصلاح دون ما كان خارجاً عن طاقتهم وإرادتهم، مِن وَفرة المال أو سعة الجاه.

( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) ( الحجرات: ١٣ ).

فهو يشرّع المساواة تحقيقاً لمبادئه العادلة البنّاءة ويقرّر التمايز كذلك نظَراً لبعض القِيَم والكفاءات التي لا يجوز إغفالها وهدرها.

( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ) ( الزمر:٩ ).

لذلك فضّل اللّه الأنبياء بعضهم على بعض، لاختلاف كفاءتهم وجهادهم في سبيل اللّه تعالى، وإصلاح البشَر وإسعادهم.

( تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ ) ( البقرة: ٢٥٣ ).

وفضّل العلماء على الجهّال، والمؤمنين بعضَهم على بعض، لتفاوتهم في مدارج العِلم والتُّقى والصلاح.

( يرفع اللّه الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ) ( المجادلة: ١١).

وهكذا فاضَل بين الناس في الرزق، لاختلاف كفاءاتهم وطاقاتهم في إجادة الأعمال، ووفرة الإنتاج، فلَيس مِن العدل مساواة الغبيّ بالذكيّ، والكسول بالمُجِد والعالِم المُخترع بالعامل البسيط، إذ المساواة والحالة هذه مدعاة لخَفق العبقريّات والمواهب وهدر الطاقات والجهود.

( نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ

٤٧٧

بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ) ( الزخرف: ٣٢ ).

٥ - حقّ العِلم:

للفرد قيمتُه وأثَره في المجتمع بصِفته عضواً مِن أعضائه، ولبنةً في كيانه، وعلى حسَب كفاءته ومؤهّلاته الفكريّة والجسميّة تُقاس حياة المجتمع وحالته رُقيّاً أو تخلّفاً، ازدهاراً أو خمولاً، للتفاعل القويّ بين الفرد والمجتمع.

مِن أجل ذلك دأَبت الأمَم المتحضّرة على تربية أبنائها وتثقيفهم بالعلم، حتّى فرَضوا التعليم الإجباري ويسّروه مجّاناً في مراحله الأُولى، دَعماً لحضارتهم وتصعيداً لكفاءاتهم.

وقد كان المسلمون إبّان حضارتهم مثلاً رفيعاً وقدوةً مثاليّةً في إشاعة العِلم لطلاّبه وتمجيد العُلماء وتكريمهم، حتّى استطاعت المعاهد الإسلاميّة أنْ تُخرّج أُمّةً مِن أقطاب العِلم وأعلامه.

كانوا قادةَ الفكر وبُناة الحضارة الإسلاميّة، وروّاد الأًمم إلى العلم والعرفان، وعليهم تَتلْمذ الغرب ومنهم اقتبس علمه وحضارته.

قال( سديو ) في كتابه تاريخ العرب:

- كان المسلمون في القرون الوسطى منفردين في العِلم والفلسفة والفنون وقد نشروها اينما حلت اقدامهم، وتسربت عنهم إلى أُوربا، فكانوا هُم سبباً لنهضتها وارتقائها.

٤٧٨

وقال( جوستاف لويون ) في كتابه حضارة العرب:

- ثبت الآن أنّ تأثير العرَب في الغرب عظيمٌ كتأثيرهم في الشرق، وأنّ أوربّا مدينةٌ للعرب بحضارتها.

وكان مِن أقوى بواعث ازدهار العلوم الإسلاميّة واتّساع آفاقها، أنّ حقَّ التعليم - في المجتمع الإسلامي - كان مضموناً ومتاحاً لكلّ طالبٍ مهما كان عنصره ومستواه شريفاً أو وضيعاً، غنيّاً أو فقيراً، عربيّاً أو أعجميّاً.

وأنّ الشريعة الإسلاميّة كما فرضت على كلّ مسلمٍ طلَب العِلم والتحلّي به والانتفاع بثماره اليانعة، حتّمت على العالِم أنْ ينشر علمه ويذيعه بين المسلمين ولا يكتمه عنهم.

قال الباقرعليه‌السلام : ( عالمٌ يُنتفعُ بعلمه، أفضل مِن سبعين ألف عابد )(١).

فلَم يعرف المسلمون تلك الإثرة العلميّة، التي اتّصف بها رجال الدين الغربيّون، حتّى قيام النهضة الحديثة، وبذلك أصبَح المسلمون مَشعلاً وهّاجاً بالعِلم والعرفان.

٦ - حقّ الملكيّة:

لم يشهد التاريخ فتنةً أثارت الجدل الحادّ والنزاع الضاري كفتنة المال والملكيّة في هذا العصر، فقد انقسم العالَم فيها إلى فريقين متناحرين: أحدهما

_____________________

(١) الوافي ج ١ ص ٤٠ عن الكافي.

٤٧٩

يبيح الملكيّة الفرديّة بغير حدٍّ أو شرط، وهو الفريق الرأسمالي.

وثانيهما يستنكرها ويمنعها وهو الفريق الاشتراكي. وغدا العالَم مِن جرّاء هذَين المبدَأين المتناقضين يُعاني ضروب الأزَمات والمشاكل.

وقد حسَم الإسلام هذه الفتنة، وعالَجها علاجاً ناجحاً حكيماً، لا تجِد البشريّة أفضل منه أو بديلاً عنه لتحقيق سعادتها وسلامتها.

فهو: لا يمنع الملكيّة الفرديّة، ولا يبيحها مِن غير شرط

لا يمنعها: لأنّ الإنسان مفطور على غريزة التملّك، وحُبّ النفع الذاتي، وهما نَزعَتان راسختان في النفس، لا يستطيع الانفكاك منهما والتخلّي عنهما، وإنْ تجاهلتهما النظريّات الخياليّة التي لا تؤمن بغرائز الإنسان وميوله الفطريّة.

هي حقٌّ طبيعي يُحقّق كرامة الفرد، ويُشعره بوجوده، ويُحرّره مِن عبوديّة السلطة التي تحتكر أرزاق الناس وتستعبدهم بها.

هي حقٌّ يُفجّر في الإنسان طاقات المواهب والعبقريّات، وينفخ فيه روح الأمل والرجاء، ويُحفّزه على مضاعفة الجهود ووفرة الإنتاج وتحسينه.

وفي الوقت الذي منح الإسلام حقّ الملكيّة، فإنّه لم يمنحه على طرائق الجاهليّة الرأسماليّة، التي تُجيز اكتساب المال واستثماره بأيّ وجهٍ كان، حلالاً أم حراماً ؛ ممّا يُوجِب اجتماع المال واكتنازه في أيدٍ قليلة وحِرمان أغلَب الناس منه، ووقوعهم في أسرِ الأثرياء يتحكّمون فيهم ويستغلون جهودهم كما يشاؤون.

إنّه أباح الملكيّة بأُسلوبٍ يضمن صالح الفرد، ويَضمن صالح الجماعة

٤٨٠