كتاب الثقلين الاسلام وشبهات المستشرقين

كتاب الثقلين الاسلام وشبهات المستشرقين0%

كتاب الثقلين الاسلام وشبهات المستشرقين مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 376

كتاب الثقلين الاسلام وشبهات المستشرقين

مؤلف: الشيخ فؤاد كاظم المقدادي
تصنيف:

الصفحات: 376
المشاهدات: 115654
تحميل: 6010

توضيحات:

كتاب الثقلين الاسلام وشبهات المستشرقين
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 376 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 115654 / تحميل: 6010
الحجم الحجم الحجم
كتاب الثقلين الاسلام وشبهات المستشرقين

كتاب الثقلين الاسلام وشبهات المستشرقين

مؤلف:
العربية

على الإسلام إيجاد القوميّات)(١) ، وعلى ضوء ذلك (ولِدت فكرة القوميّة اللبنانيّة المسيحيّة. هذه الفكرة التي شجعتها الأوساط السياسيّة الدينيّة الفرنسيّة، ميّزت تلك الفترة من تاريخ لبنان)(٢) ، ولابدّ لأجل تحقيق هذا الهدف الكبير من توفير المستلزمات الأساسيّة لذلك خصوصاً على أرض الشرق وفي وسط مجتمعاته، فعمدوا إلى إنشاء المدارس والجامعات التي تقوم أساساً على التنظير للفكر القومي والطائفي، وتتعهّد طلاّبها بالإعداد والتربية وفق منهج ذلك الفكر، وأساليب التعليم الغربيّة المتّبعة في أوربّا.

ومن أبرز أمثلة ذلك هو (قيامهم في عام ١٨٦٥م بإنشاء الكليّة السوريّة الإنجيليّة [ الجامعة الأميركيّة حالياً ] في بيروت والتي وصفت جريدة (الديار) - في عددها المرقم ١٩١١ الصادر في ١٠ تموز ١٩٤٩م - طلاّبها بأنّهم [ رسل القوميّة العربيّة إلى أنحاء الشرق العربي ](٣) .

وكان أوّل ثمرةٍ لهذا التخطيط المدروس (عصبة العمل القومي)، وهي أوّل منظمة قوميّة ولِدت في ظروف التصارع بين أطراف الاستكبار العالمي حينذاك، وخصوصاً بين الفرنسيّين والانجليز.. وكانت فرنسا قد ثبّتت نفوذها في لبنان وسوريا، وأوجدت لها قواعد فكريّة وسياسيّة، وامتلكت العديد من المؤسّسات الثقافيّة كالجامعات والمدارس ونحوها، التي أصبحت فيما بعد بمثابة مراكز لتخريج كوادر سياسيّة وفكريّة مدرّبة لصالح فرنسا(٤) .

ك - إنشاء الكليّات والمعاهد العلميّة والثقافيّة في البلاد الإسلاميّة، تحت إشراف وإدارة المستشرقين الفرنسيّين، واعتمادها وسيلةً لنشر الفكر العلماني

____________________

(١) مجلّة رسالة الجهاد - ليبيا: العدد ١٤.

(٢) الصليبي، كمال - تاريخ لبنان الحديث: ١٥٢.

(٣) مجلّة رسالة الجهاد - ليبيا: العدد ١٤.

(٤) للمؤلّف - السياسة الفرنسيّة في الشرق الأوسط: ١١٥.

١٢١

المعادي للإسلام.

وباستقراءٍ لنماذجٍ مختارة من المشاريع التعليميّة لفرنسا في الشرق، يظهر بوضوح الهدف التخريبي المعادي للإسلام من إنشائها.

منها إنشاء أوّل بعثة يسوعيّة في سوريا عام ١٦٢٦م، وهي التي كانت تُدار من قِبل المشرف العام في (فرنسا ليون)، والتي نقلت إلى بيروت سنة ١٨٧٥م، فإنّها بعد ذلك تحولت إلى ما يسمّى بـ (جامعة القديس يوسف)، وفي عام ١٨٨١م، اعترف البابا (ليون الثالث عشر) بالصفة الجامعيّة لهذه المؤسّسة، الذي أنشأ بأمر كنسي (كليّة الفلسفة والعلوم الدينيّة للدراسات الشرقيّة) [أيّ الاستشراقيّة](١) .

وقد توسّعت هذه المؤسّسات التعليميّة بعد ذلك توسّعاً كبيراً في لبنان وسوريا وشمال إفريقيا، وشكّلت عنصراً أساسيّاً في الكيان الاستكباري الفرنسي لما تمثّلته من أهدافٍ كبرى له، فقد (كان لابدّ من إنشاء طبقة حاكمة لهذا الشعب المسيحي المستعبد والمنهك من قِبل المشركين، كان لابدّ من تشكيل طبقة وسطى.

يُضاف إلى ذلك: إنّ مجمل هذا الجزء من الشرق الأدنى كان بحكم الواقع، ومن خلال علاقاته الطبيعيّة قد أنجر وراء حضارة الغرب الماديّة، وبدل الوقوف ضدّ تيّار لا يقاوم فضّل السير معه.

والأكثر من ذلك هو أنّ اليسوعيّين في سوريا كانوا يسعون إلى تصدير هذا التيّار لكي يتسنّى لهم قيادته)(٢) ، وحينما فرض الانتداب الفرنسي على سوريا ولبنان عام ١٩١٩م فرض معه منهاج التعليم الرسمي الذي كان يُساعد المبشرين في أعمالهم(٣) ، (وكانت مدارس الإرساليّات الكاثوليكيّة تحبّب فرنسا إلى التلاميذ النصارى)(٤) .

____________________

(١) مجلّة المنتقى/ العدد الأوّل - ابريل ١٩٨٣م: ٦٩.

(٢) شارلس - تقرير عن البعثات اليسوعيّة - باريس ١٩٢٩م/ عن مجلّة المنتقى/ العدد الأوّل ٦٩.

(٣) Les Jesuites En Syrie ١٠ : ٦٥.

(٤) Ibid, ٢ : ٨.

١٢٢

يقول(ساطع الحصري) وزير التربية السوري في عهد فيصل: (إنّ النُظُم العديدة التي وضِعَت في سوريا، في عهد الانتداب الفرنسي، إنّما كانت تنفيذاً لسياسةٍ مرسومةٍ بوضوحٍ وإتقان، ونستطيع أنْ نقول: إنّ غاية هذه السياسة كانت تأمين سيطرة الثقافة الفرنسيّة والنظُم الفرنسيّة على معارف البلاد، سيطرةً مطلقةً من غير التفات إلى ما تتطلّبه أُصول التربية السليمة والعلم الصحيح.

إنّها كانت (تعطي للغة الفرنسيّة وللشهادات الفرنسيّة امتيازات مهمّة، وتتحيّز للمعاهد التعليميّة الفرنسيّة تحيّزاً مفرطاً، يجعلها أحياناً ليست صاحبة امتياز فحسب، بل صاحبة انحصار واحتكار أيضاً)(١) .

ومن تلك النماذج أيضاً إنشاء كليّة الطب في سوريا، والتي عبّر عنها السفير الفرنسي في القسطنطينيّة بالإشادة بـ(غامبيثا) والكاردينال(لافيجري) صاحبي فكرة الكليّة [كليّة الطبّ]، اللذين أرادا إيجاد مدرسة فرنسيّة في سوريا، يؤمّها شبّان البلد من أجل العلوم الطبيّة، والتعمّق في دراسة لغتنا، كي ينتشروا فيما بعد في أنحاء الشرق كافّة، كأصدقاء لنفوذنا وحضارتنا(٢) .

وفي عام ١٨٨٩م أُلحق بكليّة الطب كليّة الصيدلة، ومنذ ذلك الحين أُلغيَ التمييز بين الدبلوم الفرنسي وبين الدبلوم المُعطى في بيروت.

كما أُلحقت كليّة الطب في بيروت بكليّة الطب في ليون، وأُتْبِعت ماليّاً للمساعدات الحكوميّة، وهكذا غدت مع كليّة الصيدلة (أرضاً رائعةً للتوسّع الفرنسي، تخرّج منها حوالي ٥٣٥ طبيباً، يحملون الدبلوم الفرنسي، ويبشّرون بنفوذنا، وبفعاليّة طرائقنا العلميّة لا في

____________________

(١) تقارير عن أحوال المعارف في سوريا / عن الدكتور الخالدي مصطفى والدكتور فروخ، عمر - التبشير والاستعمار في البلاد العربيّة: ٨٦.

(٢) أرشيف وزارة الخارجيّة الفرنسيّة - رسالة من سفير فرنسا في القسطنطينيّة إلى وزير الشؤون الخارجيّة في أكتوبر (ت ١) ١٨٩٨م / عن الدكتور عتريسي، طلال - البعثات اليسوعيّة: ١٣٠.

١٢٣

سوريا فقط، بل في الإمبراطوريّة العثمانيّة بأسرها، وحتّى في فارس ومصر...)(١) .

ويؤكّد الهدف غير العلمي لمثل هذه المعاهد والكليّات تحديد أحد المسؤولين الفرنسيّين لأهداف كليّة الطب اليسوعيّة في بيروت قائلاً: (إنّ غاية المؤسِّسين [غامبيثا والكاردينال لافيجري] الأولى، أنْ يجعلا من هذه الكليّة فكرة سياسيّة ومؤسّسة دعائيّة..)(٢) .

والذي يؤكّد هذه السياسة الفرنسيّة الوثائق الدامغة المتمثّلة في مراسلات القناصل السياسيّة الفرنسيّة، نشير إلى نماذج منها:

١ - وثيقة رقم(١) :

تركيا - بيروت مجلّد رقم(٢) ١٨٤٠ - ١٨٤١م.

بيروت ١٨ كانون الثاني (يناير) ١٨٤١م.

من ج. بريتون إلى الوزير غيزو سكرتير الدولة في وزارة الشؤون الخارجيّة.

.. كنت قد قدّمت في شهر آيار عام ١٨٤٠م إلى حضرة وزير الشؤون الخارجيّة، بعض الملاحظات حول إنشاء كليّة في سوريا، وكانت الموافقة قد تمّت على تصميم المشروع في روما في بداية ١٨٣٩م... هذه المؤسّسة ستؤثّر بشكل إيجابي جدّاً على مصالح فرنسا راهناً ومستقبلاً؛ لأنّها ستلبّي حاجةً ملحّة لدى المسيحيّين، وستنشر بينهم، تحت الإشراف الفرنسي، المعارف الأخلاقيّة، والعلميّة، والصناعيّة...

إنّ مسيحيّي لبنان وسوريا بأكملها يتمنّون افتتاح كليّة آسيويّة؛ لأنّهم يشعرون بأنّها ستكون نواة انبعاثهم الاجتماعي... حين ننشر في هذا البلد بواسطة اللغة الفرنسية، التعليم، والأخلاق، والفنون المفيدة، والزراعة، فإنّنا

____________________

(١) R. Risteihueber Traditions Francaises Au Liban Paris ١٩١٨ p. ٢٧٩.

(٢) الدكتور عتريسي، طلال - البعثات اليسوعيّة: ١٢.

١٢٤

سنسيطر على الشعب، وسيكون لفرنسا هنا في كلّ وقتٍ جيشٌ متفان.

٢ - وثيقة رقم(١٤) : مراسلات القناصل السياسية تركيا - بيروت - مجلّد رقم(٢) .

إنّ الإمبراطوريّة العثمانيّة تتلاشى، لكن سورية بموقعها الجغرافي بين آسيا الصغرى ومصر، تعتبر مركز هذه الإمبراطوريّة، لا بل قلبها، كما تملك في الوقت نفسه إمكانيّة لإعادة الحياة التي انحسرت عن أطراف هذا الجسم الكبير.

أمّا أمر ذلك فمنوطٌ بفرنسا، بأنْ تؤسّس وسط الشعب السوري كلّية كبيرة دينيّة مدنيّة، وزراعيّة، يكون هدفها إدخال الحضارة الفرنسيّة إلى سورية، وتعميم اللغة الفرنسيّة فيها، وتأمين هيمنة بلدنا على منطقة خصبة ومنتجة وفي خلال علاقاتنا المزدوجة، السياسية والتجاريّة مع هذا البلد، يمكن أنْ نجني أكثر العلاقات نفعاً...

إنّ إنشاء مؤسّسة تكون في الوقت نفسه كليّة دينيّة، ومزرعة نموذجية، ومدرسة للفنون والمِهَن، ليس خرافة، فقد وافق الأب القديس (غريغور السادس عشر) على تصميم المشروع وأمر بتنفيذه، والأساتذة حاضرون. إنهم رجال كرام من جمعية يسوع تطوّعوا بملء إرادتهم لهذا العمل... هكذا نجعل من سورية حليفاً أكثر أهمية من مستعمرة، لانها ستكون منتجة لنا دون أيّ تضحية في المال والأنفس.

إذن يجب ألاّ نناقش مسألة إرسال اليسوعيين إلى سورية، بل علينا أنْ نعمل لجعل وجودهم في هذا البلد مفيداً لمصالح فرنسا. على أيّ حال، يجب الاعتراف بأن اليسوعيين هم خير العاملين.

(دون توقيع ودون تاريخ ومن المحتمل أنّها كُتبت بين عامي ١٨٤٠ - ١٨٤٤ نسبة

١٢٥

إلى وثائق أُخرى)(١) .

٣ - الوثيقة رقم(٩) : سفارة فرنسا لدى الباب العالي.

الإدارة السياسيّة رقم ٢١٧.

١٨ ت ١ (أكتوبر) ١٨٩٨م، سعادة الوزير Delcasse وزير الشؤون الخارجيّة في باريس.

حول كليّة الطب في بيروت:

تعود فكرة تأسيس هذه الكليّة إلى (غامبيثا) والكاردينال (لافيجري)، والهدف من الفكرة إيجاد كليّة فرنسيّة كبيرة في سورية يأتي إليها شبّان هذا البلد ليتعلّموا فيها العلوم الطبيّة، ويتمكّنوا من دراسة لغتنا، كي ينتشروا في المشرق، فيما بعد، على غرار الكثير من أصدقاء نفوذنا وحضارتنا.

إنّ الغاية الأُولى للمؤسّسين أنْ يجعلا من هذه الكليّة فكرة سياسيّة ومؤسّسة دعائيّة.

(التوقيع غير واضح)

ل - تبنّي العمل الاستشراقي وتزويده بكلّ عوامل القدرة والحركة بهدف أنْ تكون فرنسا كعبة للاستشراف ومدارسه، وجعل اللغة الفرنسيّة بديلاً أساسيّا عن اللغة العربيّة، ولهذا نجد أنّ العلاقة على مستوى التخطيط والتنظير بين الاستشراق والتبشير من جهة، والتوجّهات الاستعماريّة الفرنسيّة من جهة أُخرى، علاقة موضوعيّة مترابطة، كعلاقة أجزاء الشيء الواحد ببعضها، وتنعكس هذه العلاقة على الواقع العملي لتكشف بشكل أوضح، عند المتتبّع الهادف، الترابط الميداني بين هذا الثالوث المُبرمج، بشكلٍ لا يمكن فصل أحدها عن الآخر، وإلاّ

____________________

(١) جميع الوثائق المشار إليها أعلاه عن الدكتور عتريسي، طلال - البعثات اليسوعيّة: ٩١.

١٢٦

اختلّت المعادلة وتخلّفت النتائج الحقيقيّة المُستهدفة عن التحقّق في الواقع، وهذا يُفسّر لنا كيف أنّ فرنسا تريد أنْ تصبح قبلة الاستشراق والتبشير العالمي؛ لتضمن لنفسها حركة استعماريّة واسعة وفاعلة في عمق الشرق، وبأكبر مدى زماني مُمكن.

ويؤكّد ذلك( إنّ الدراسات الشرقيّة التي شاعت مجدّداً والتي بدت بالفعل وكأنّها عصر نهضة، زوّدت(الرومانتيكيين) بكنوزٍ من المعلومات، ومع ذلك فإنّ جذور الاستشراق العلمي ترجع إلى اهتمامات حركة التنوير، وكان كلّ شخص في أوربّا يرغب في التعرف بطريقة وافية على لغات الشرق الأدنى وحضاراته يتوجّه إلى مدرسة اللغات الشرقيّة الحيّة في باريس التي أسّستها حكومة المؤتمر الثوريّة(الكونتانسيون) في مارس ١٧٩٥م بإيعاز من(لانغليز).

وقد أصرّ هذا الأخير بصورة خاصّة على عنصر الفائدة العمليّة، ولكنه أكّد أيضاً ما يُمكن أنْ تسهم به اللغات الشرقية في تقدم الأدب والعلم) (١) .

ومن المفارقات أن يكون الرائد الكبير في هذا المجال هو(سلفستر دوساسي) ، الذي أصبح أُستاذ جميع المستشرقين الاوربيين، وأصبحت باريس الكعبة التي يؤمّها جميع الذين يرغبون في التخصص بدراسة الشرق الأدنى(٢) .. وبقي اسلوبه في العمل حتى يومنا هذا هو الأسلوب الذي يتبعه عدد كبير من المستشرقين(٣) .

وفي سعيهم الهادف الى جعل اللغة الفرنسيّة بديلاً أساسيّاً عن اللغة العربيّة كتب المستعمرون الفرنسيّون في أحد التقارير التي وضعت سنة ١٨٤٨م: (إنّ

____________________

(١) Fuck, op. Cit, p. ١٤١.

(٢) Fuck, op. Cit, pp. ١٤٠ ٥٨ ; H Deherain, Silver De Sacy, Ses Contemporains Et SES Sicciples (paris, ١٩٣٨).

(٣) شاخت وبوزورث - ترجمة الدكتور السمهوري، محمّد زهير - تراث الإسلام (القسم الأوّل) - عالم المعرفة: ٧٥.

١٢٧

الجزائر لنْ تصبح فرنسيّة إلاّ عندما تصبح لغتنا الفرنسيّة لغة قوميّة فيها، والعمل الجبّار الذي يتحتّم علينا إنجازه، هو السعي وراء جعل الفرنسيّة اللغة الدارجة بين الأهالي إلى أنْ تقوم مقام العربية، وهذا هو السبيل لاستمالتهم إلينا، وتمثّلهم بنا، واندماجهم، وجعلهم فرنسيّين)(١) .

م - الدعوة إلى بعث الحضارات القديمة وإحياء اللغة العاميّة مقابل اللغة العربيّة الفصحى.

ولا يخفى إنّ الهدف من وراء هذا الأسلوب هو إعادة الشرقيّين إلى أُصولهم الجاهليّة قبل الإسلام، وإبعادهم عن أُصول ومصادر دينهم الحنيف.

يقول المستشرق الشهير(جب) : (.. وقد كان مِن أهمّ مظاهر فرنجة العالم الإسلامي تنمية الاهتمام ببعث الحضارات القديمة، التي ازدهرت في البلاد المختلفة التي يشغلها المسلمون الآن، فمثل هذا الاهتمام موجود في تركيا وفي مصر وفي اندونيسيا وفي العراق وفي إيران، وقد تكون أهميّته محصورة الآن في تقوية شعور العداء لأوربّا، ولكن مِن الممكن أنْ يلعب في المستقبل دوراً مهمّاً في تقوية الوطنيّة الشعوبيّة وتدعيم مقوّماتها)(٢) .

وفي سبيل إحياء اللغة العاميّة مقابل اللغة العربية الفصحى. يقول المستشرقون وتلاميذهم بكلّ قوّة: (إنّ لغة القرآن الفصحى إنّما هي لا تساير حاجات العصر، فيجب أنْ تعمّ اللغة العاميّة حتّى تصبح لغة الجرائد والمؤلّفات)(٣) . وقد تكرّرت منهم هذه الدعوة بصورة شائقة جذّابة كسبت تأييد المثقّفين في مصر وأوقفتهم بجانبها، وقد عنيت حكومات الاحتلال وبعيدو النظر من الولاة والمستعمرين والمفكّرين الغربيّين بهذا الموضوع عناية فائقة، ونشطوا

____________________

(١) الدكتور عمارة، محمّد - الأُمّة العربيّة وقضيّة التوحيد: ٩٦ - ٩٧.

(٢) جب - وجهة الإسلام: ٣٤٢.

(٣) حسين، محمّد محمّد - الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر: الجزء الثاني.

١٢٨

في تحبيب هذه الفكرة وترويجها، وقد كان لهذه الدعوة دويٌّ في مصر في فجر هذا القرن، أفزع كثيراً من المحبّين للإسلام والغيارى على اللغة العربيّة(١) .

أثر المدرسة الاستشراقيّة الفرنسيّة على الفكر الاستشراقي العام

خلال السنوات الأُولى من القرن العشرين، كان بإمكان رجال مثل(بلفور وكرومر) أنْ يقولوا ما قالوه، وبالطريقة التي بها قالوه، لأنّ تراثا من الاستشراق أقدم من تراث القرن التاسع عشر، زوّدهم بمفردات وصور وبلاغة ومجازات ليقولوه بها، ومع ذلك فإنّ الاستشراق عَزّز وعُزّز بالمعرفة الأكيدة لكون أوربّا أو الغرب تسيطر، بمعنى الكلمة الحرفي، على الجزء الأعظم من سطح الأرض.

ذلك أنّ مرحلة التقدّم الضخم في مؤسّسات الاستشراق وفي مضمونه، تواكبت تماماً مع مرحلة التوسّع الأوربّي الفريد، فمن ١٨١٥م إلى ١٩١٤م اتّسع مجال السيطرة الأوربيّة الاستعماريّة المباشرة من حوالي ٣٥% من سطح الأرض إلى حوالي ٨٥% منه.

وقد تأثّرت بهذا التوسّع جميع القارّات، وبشكلٍ خاص إفريقيا وآسيا، وكانت الإمبراطوريّتان العُظميان: الإمبراطوريّة البريطانيّة، والإمبراطوريّة الفرنسيّة، اللتان كانتا حليفتَين وشريكَتين في بعض الأشياء، ومتنافستين ومتعاديتين في أشياء أُخرى؛ وكانت ممتلكاتهم المستعمرة ومجالات نفوذهما الإمبراطوريّة في الشرق، من شواطئ المتوسّط الشرقيّة إلى الهند الصينيّة، والملايو، متلاصقةً وأحياناً كثيرةً متداخلةً، وكثيراً ما دارت حولها الحروب،

____________________

(١) الندوي، السيّد أبو الحسن عليّ الحسيني - الصراع بين الفكرة الإسلاميّة والفكرة الغربيّة: ١٨٦.

١٢٩

غير أنّ الشرق الأدنى أو بلدان الشرق الأدنى والعربي - حيث كان الإسلام قد حدّد الخصائص الثقافيّة والعِرقيّة - كان المجال الذي واجه فيه البريطانيّون والفرنسيّون أحدهما الآخر، و(الشرق) بأكثر درجات الحِدّة والتوتّر، والأُلفة والتعقيد.

وطوال معظم القرن التاسع عشر، كما قال لورد - الزبري عام ١٨٨١م، كانت وجهة نظرهما المشتركة للشرق إشكاليّة بصورة معقّدة: (حين يكون لديك... حليفٌ وفيٌّ مصمّم على أنْ يتدخّل في بلدٍ أنت عميق الاهتمام به، فإنّ أمامك ثلاث سُبل للتصرّف، فقد تشجب، أو تحتكر، أو تشارك.

أمّا الشجب فإنّه كان سيؤدّي إلى وضع الفرنسيّين عبر طريقنا إلى الهند؛ والاحتكار كان سيعني الاقتراب جدّاً من المخاطرة بالحرب. وهكذا عقدنا العزم على المشاركة)(١) .

(وقد شاركوا فعلاً... إلاّ أنّ ما شاركوا به لم يكن أرضاً أو أرباحاً أو حكماً وحسب، بل كان القوّة الفكريّة التي ما فتئتُ اسمّيها الاستشراق، وبمعنىً ما، كان الاستشراق مكتبة أو سجل حفظ (أرشيفاً) من المعلومات المشتركة، وفي بعض جوانبها، الممتلكة بصورة جماعيّة، وكان ما يضمّ هذا الملف إلى بعضه بعضاً أسرة من الأفكار، وطقماً من القِيم الموحّدة، برهن بطرقٍ مختلفة أنّها فعّالة)(٢) .

إنّ المبادرة والسبْق الذي تميّزت به المدرسة الاستشراقيّة الفرنسيّة وتبنّيها لمنهج يتناول أساسيّات العمل الاستشراقي، جعل من باريس كعبةً لجمعَيّ المستشرقين الأوربيّين، الأمر الذي أثّر على مجمل المدارس الاستشراقيّة الأوربيّة في الطريقة والأُسلوب، وفي المنهج والأهداف.. ويثبت هذه ما قاله كل من(شاخت وبوزورث) وهما يسردان أُصول وآثار الاستشراق الفرنسي، على عموم الاستشراق الأوربّي: قائلين: (وكان كلُّ شخص في أوربّا يرغب في

____________________

(١) سعيد، إدوارد - الاستشراق: ٧٢.

(٢) المصدر السابق.

١٣٠

التعريف بطريقة وافية على لغات الشرق الأدنى وحضاراته، يتوجّه إلى مدرسة اللغات الشرقيّة الحيّة في باريس، التي أسّستها حكومة المؤتمر الثوريّة(الكونفانسيون) في مارس ١٧٩٥م بإيعاز من(لانغليز) ... ومن المفارقات أنْ يكون الرائد الكبير في هذا المجال هو(سلفستر دوساسي) ، الذي أصبح أُستاذ جميع المستشرقين الأوربيّين، وأصبحت باريس الكعبة التي يؤمّها جميع الذين يرغبون في التخصّص بدراسة الشرق الأدنى... وبقي أُسلوبه في العمل حتّى يومنا هذا هو الأُسلوب نفسه الذي يتّبعه عددٌ كبير من المستشرقين)(١) .

____________________

(١) شاخت وبوزورث - ترجمة الدكتور السمهوري، محمّد زهير، تراث الإسلام (القسم الأوّل) - عالم المعرفة.

١٣١

١٣٢

الفصل الرابع

نماذج من أبرز الموضوعات التي ركّز عليها المستشرقون دسّهم وتشويههم

* القرآن الكريم

* إعجاز القرآن الكريم

* الوحي القرآني

* ترجمة القرآن للّغات الأخرى

* سيرةُ الرّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأهل بيته (عليهم السلام)

١٣٣

١٣٤

لمّا كانت أغلب دوافع الاستشراق - كما ذكرنا سابقاً - إمّا تبشيريّة أو استعماريّة، أو إنّها مستوحاة منهما وتصبّ في غاياتهما، فإنّ أبرز الموضوعات التي سيتناولها المستشرقون ستكون موضوعات الدين الإسلامي الذي حل محل النصرانية في اغلب بلدان الشرق، ووقف في طريق امتدادها وامتداد دولها في تلك البلدان، بل إنّه ظلّ على مدى التاريخ المقارع والمنافس الرئيسي لها بين الشعوب، واستطاع أنْ يغزوها في عقر دارها، كما حصل في غرب أوربّا مستولياً على إسبانيا إلى حدود فرنسا، وما حصل في شرق أوربّا إلى حدود الصين، وكذلك في وسطها إلى حدود النمسا.

وبهذا الصدد قال أحدهم وهو المستشرق الألماني(بيكر) : (... إنّ هناك عِداءً في النصرانيّة للإسلام بسبب أنّ الإسلام عندما انتشر في العصور الوسطى أقام سدّاً منيعاً في وجه انتشار النصرانيّة، ثمّ امتدّ إلى البلاد التي كانت خاضعة لصولجانها.

ويقول آخر وهو(لورانس براون) :( إنّ الخطر الحقيقي كامن في نظامه [الإسلام] وفي قدرته على التوسّع والإخضاع وفي حيويّتهِ، إنّه الجدار الوحيد في وجه الاستعمار الأوربّي)(١) ، ولا شكّ في أنّ أوّل أساس يقوم عليه الإسلام والثقل الأكبر فيه وفي ارتباط المسلمين به، عقيدةً وديناً، هو القرآن الكريم باعتباره كلام الله ووحيه لرسوله محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وثاني هذه الأُسُس

____________________

(١) راجع: د. خالدي، مصطفى. ود. فروخ، عمر (التبشير والاستعمار في البلاد العربيّة). وراجع أيضاً: جريدة البلاغ الكويتيّة. العدد ٥٨ ص١٢.

وراجع أيضاً: مجلّة البعث الإسلامي الهنديّة العدد ٩ السنة ٨.

١٣٥

والمقوّمات هي سيرة رسول الإسلام (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأهل بيته الطاهرين (عليهم السلام).

وبمرور سريع على كتابات المستشرقين تتأكّد دعوانا هذه، فنجد أنّ أكثر ما تناولوه بالدسّ والتشويه وركّزوا شبهاتهم عليه في كتاباتهم هما هذان الأساسان، فلنرَ ماذا كتبوا عنهما! على إنّنا سنتناول أهمّ تفاصيل الدسّ والتشويه وبيان مغالطاتهم فيها، وكذلك الردّ على أهمّ شبهاتهم المُثارة حول هذين الأساسَين في الفصل القادم.

١٣٦

القرآن الكريم

من خلال استعراض كتابات جميع المستشرقين وأعمالهم التي تناولوا فيها القرآن، نجدها مليئةً بالشبهات وإثارات التشكيك والتشويه حول جوانب أساسيّة، هي المقوّم الرئيسي له بصفته كتاباً سماويّاً كريماً - على اختلاف في درجات ومستويات التشكيك والشبهة والتشويه - ومن أبرزها هي:

إعجاز القرآن الكريم

الهدف الأساسي من وراء التشكيك ونفي إعجاز القرآن الكريم، في أسلوبه البلاغي وإخباراته الغيبيّة وحقائقه العلميّة واضح، وهو إسقاط الدليل الذي يثبت سماويّته وخلوده بخلود جوانب إعجازه من جهة، وإسقاط دعوى نبوّة محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وإرساله من قِبل الله تعالى للعالمين من جهة أُخرى.

وبذلك يفقد القرآن الكريم والنبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قدسيّتهما لدى المسلمين، تلك القدسيّة القائمة على أساس أنّ القرآن الكريم كلام الله، أوحاه لنبيّه محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وعندها يصبح شأن القرآن لديهم شأن أيّ كتاب بشري يطاله التغيير والتعديل أو الإهمال، وما (محمّد) إلاّ رجلٌ متميّز بذكاءٍ وقدرةٍ اجتماعيّة استطاع من خلالها أنْ يُهيمن على قومه ويقنعهم بأساليبه النفسيّة، أنّه نبيٌ ورسولٌ لهم من الله بهذا القرآن.

وفي مقدّمة من أورد

١٣٧

الشبهات وأثار التشكيكات في هذا الجانب من المستشرقين هو المستشرق الانجليزي(دافيد صموئيل مرجليوث) الذي سبقت منّا ترجمة مختصرة له، والذي ركّز شبهاته على إثارة الشكّ برواية الشعر العربي الجاهلي، فلعلّ في الشعر الجاهلي الذي لم يُروَ ما هو أبلغ من القرآن.

وذلك لمنزلة الشعر الجاهلي باعتباره أمارة وعلامة على بلاغة القرآن وفصاحته، وهذا القول يطوي تحته تشكيكا في الإعجاز البلاغي للقرآن الكريم.

وممّن في المقدّمة أيضاً المستشرقان(كارل فلرِّس) (١) ، و(پاول كراوس) (٢) اللذان يدّعيان أنّ القرآن لم يكن معرباً، وان اللغويّين هُم الذين حذوه على مثال لغة الشعر العربي، الذي يتميّز بوجود الإعراب في مقابل اللهجة الملكيّة، التي كانت على زعمهما غير معربة(٣) .

ويُمكن تلخيص محاولتهم هنا بلحاظ وجهين رئيسيّين(٤) :

الوجه الأوّل :

محاولة إبراز النقص والخطأ في الأسلوب والمحتوى القرآني، من خلال ثلاث شبهات:

الشبهة الأولى: بما إنّ المرتكز الرئيسي للإعجاز القرآني هو الفصاحة والبلاغة القرآنيّة، ولما كنا نجد في القرآن الكريم بعض الآيات التي لا تنسجم مع

____________________

(١) مستشرق ألماني (١٨٥٧ - ١٩٠٩م).

(٢) مستشرق ألماني من أصل تشيكوسلوفاكي (١٩٠٤ - ١٩٤٤م).

(٣) الجندي، أنور - مخطّطات الاستشراق - مجلّة منار الإسلام - العدد ٧ - السنة ١٤.

(٤) في عرض الشبهات حول الإعجاز القرآني، تراجع المصادر التالية:

أ - الخوئي، أبو القاسم - البيان.

ب - البلاغي، محمّد جواد - الهدى إلى دين المصطفى.

ح - الحكيم، محمّد باقر - علوم القرآن.

د - ابن نبيّ، مالك - الظاهرة القرآنيّة.

١٣٨

قواعد وأُسُس الفصاحة والبلاغة والنطق التي وضعها العرب، بل إنّها تخالفها، إذن يمكننا [والقول للمستشرقين] الادعاء بأن القرآن الكريم ليس معجزاً؛ لأنّه لم يسر على نهج القواعد العربيّة وأُصولها.

الشبهة الثانية: بالمقارنة بين القرآن والكتب الدينيّة الأُخرى كالتوراة والإنجيل، نجده عنها عندما يتحدّث عن قصص الأنبياء، في حوادث كثيرة ينسبها إلى الأنبياء وأُممهم، وهذا يدعونا للشكّ في أنْ يكون مصدر القرآن هو الوحي الإلهي؛ وذلك لانّ الكتب الدينيّة الأُخرى هي من الوحي الإلهي باعتراف القرآن، فكيف يُناقض الوحي نفسه في الإخبار عن حوادث تاريخيّة واقعيّة؟

ثمّ إنّ هذهِ الكتب الدينيّة لا زالت تتداولها أُمم هؤلاء الأنبياء، وهُم بطبيعة ارتباطهم الديني والاجتماعي بأنبيائهم أدقّ اطّلاعاً على أحوالهم من القرآن، الذي جاء في أُمّةٍ ومجتمعٍ منفصلَين عن تاريخ هؤلاء الأنبياء.

الشبهة الثالثة: إنّ أُسلوب القرآن في تناول الأفكار والمفاهيم وعرضها لا ينسجم مع أساليب البلاغة العربيّة، ولا يسير على الطريقة العلميّة في المنهج والعرض؛ وذلك لأنّه يجعل المواضيع المتعدّدة متشابكة بعضها مع بعض، فهو حين يتحدّث في التاريخ، ينتقل إلى موضوع آخر من الوعد والوعيد والحكم والأمثال والأحكام وغير ذلك من الجهات، فلا يجعل القارئ قادراً على الإلمام بالأفكار القرآنيّة.

الوجه الثاني:

محاولة إثبات أنّ القرآن الكريم ليس معجزة، لقدرة البشر على الإتيان بمثله، وتمثّلت محاولاتهم بالشبهات التالية:

الشبهة الأولى: إنّنا لا نشكّ في أنْ يتمكّن ذوو القدرة والمعرفة باللغة العربيّة، من الإتيان بمثل بعض الكلمات القرآنيّة، فحين تتوفّر هذه القدرة في بعض

١٣٩

الكلمات فمن المعقول أنْ تتوفّر أيضاً في كلمات أُخرى، وهذا ينتهي بنا إلى أنْ نجزم بوجود القدرة على الإتيان بسورة أو أكثر من القرآن الكريم لدى أمثال هؤلاء؛ لأنّ من يقدر على بعض القرآن يُمكن أنْ نتصوّر فيه القدرة على الباقي بشكلٍ معقول.

الشبهة الثانية: إنّ العرب الذين عاصروا الدعوة أو تأخّروا عنها بزمنٍ قليل لم يُعارضوا القرآن الكريم، لا لعدم قدرتهم على ذلك، بل خوفاً على أنفسهم وأموالهم من المعارضة بسبب سيطرة المسلمين الدينيّة على الحكم، ومحاربتهم كل من يُعادي الإسلام أو يظهر الخلاف معهُ.

وحين انتهت السلطة إلى الأمويّين - الذين لم يكونوا مهتمّين بالحفاظ على الإسلام والالتزام به، الأمر الذي كان يفسح المجال لمن يُريد أنْ يعارض القرآن الكريم أنْ يُظهر معارضته - انصرف الناس عن التفكير بمعارضته؛ لأنّه أصبح من المرتكزات الموروثة لديهم، ولأنّ القرآن كان في ذلك الحين قد أصبح أمراً معروفاً ومألوفاً في حياة الأُمّة، بأُسلوبه وطريقة عرضه، بسبب رشاقة ألفاظه ومتانة معانيه.

الشبهة الثالثة: إنّ المعجزة لا يكفي فيها أنْ تكون مُعجزة لجميع البشر عن الإتيان بمثلها، بل لابدّ أنْ تكون صالحة لأْن يتعرّف جميع الناس على جوانب التحدّي فيها؛ لأنّها الدليل الذي بواسطته تثبت النبوّة، والقرآن ليس كذلك؛ لأنّ إعجازه في الأُسلوب البلاغي لا يكفي فيه عجز الناس عن الإتيان بمثله، بل لابدّ من معرفة جوانب التحدّي والإعجاز فيه من بلاغته وسموّ التعبير فيه، وهذه المعرفة لا تتوفّر إلاّ للخاصّة من الناس، الذين يُمارسون الكلام العربي البليغ، ويعرفون دقائق تركيبه وميزاته.

١٤٠