• البداية
  • السابق
  • 34 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 19385 / تحميل: 5410
الحجم الحجم الحجم
ازاحة الوسوسة عن تقبيل الاعتاب المقدسة

ازاحة الوسوسة عن تقبيل الاعتاب المقدسة

مؤلف:
العربية

إزاحة الوسوسة

عن تقبيل الأعتاب المقدّسة

تأليف

الشيخ عبد الله المامقانيرحمه‌الله ١٢٩٠-١٣٥١

تحقيق: نزار الحسن

١

الإهداء:

هل غيرُ سادتي مَنْ يستحقُّ الإهداء ؟

هل غيرُهم يَستحقُّ التقبيل ؟

هل غيرُهم يليقُ به المدحُ والإطراء ؟

فإلى محمّدٍ وآله النُجَبَاء

أرفعُ عملي البيسطَ المتواضعَ إلى حضراتهم

وأرواحهم المقدّسة .

نزار

٢

١- مقدّمة التحقيق:

الحمدُ لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على محمّدٍ وآله الطاهرين.

اليوم عصر الوَسْوَسةِ والتشكيك في كلِّ شيءٍ حتّى في المقدّسات والعقيدة، بحُججٍ واهيةٍ ضعيفة، يُشوّشُوا بها على العوام وأصحاب النفوس الركيكة؛ ليُزَلزلوا الناسَ عن الحقّ والحقيقية، ولكنْ هيهات هيهات أنْ تُغطّى الشمسَ بغربال، بل تبزغُ كلَّ يومٍ على الأجيال.

رغم أنّ المشكّكين حاولوا أنْ يُزوّقوا ويُدلّسوا تشكيكاتهم ووَسَاوِسهم بحِيَلٍ شتّى، وذرائعَ مختلفة، ولكنّهم عَجَزوا كلَّ العجز وانقلبَ السحرُ على الساحر.

النَّواصِبُ والمُبغضون يحاولونَ في كلِّ وقت أنْ يَزرعوا شبهةً، ويَغرسوا وَسوسَةً كي يحصدوا نَصباً وبُغضاً، وعِداءً لآلِ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مُنذ القرونالأُولى وحتّى يومنا هذا، ولكنّ الله تعالى تكفّل بردّهم وردْعهم وقهرهم، وقَوقَعتِهم في جُحورهم.

وفي نفس الوقت تصدّى علماؤنا الأبرارـ الذين ساروا على نهج الأئمّة الأطهارـ لردِّ كلِّ شبهةٍ ووَسوَسَةٍ أثارها الشياطينُ من الإنس، ومن بين هؤلاء العلماء العاملين الذين نذروا أنفسهم لخدمة المذهب الحقّ ( الشيخ الجليل والعلامّة النبيل عبد الله المامقاني المتوفّى ١٣٥١هـ ).

حيثُ هذّبَ يَراعه الشريف ونَصرَ الدوحة الطاهرة كعادته، فردَّ شبهةً سيّالة في كلِّ عصرٍ ومِصر بشكل مُقتضبٍ وشافي استخدمَ النقل والعقل دليلاً فأصبحت رسالةً قيّمةً اسماها: (إزاحة الوَسْوَسَة عن تقبيل الأعتاب المقدّسة ).

الرسالة وعَمَلنا

عثرنا على الرسالة الشريفة ضِمن مجموعة رسائل في مركز إحياء التراث الإسلامي بإشراف ( السيّد أحمد الحُسيني الأشكوري ) دام ظلّه.

حيثُ تتألّف الرسالة من ١١ صفحة من القطع ( الرحلي ) بخطٍ جميل ومَقروء.

ذكرها الشيخ ( أغا بزرگ الطهراني ) في الذريعة: ج١, ص٥٢٨, برقم ٢٥٧٥, وقال: قد طُبعتْ في المطبعة المرتضويّة على الحَجَر مع كتاب ( مخزن اللآلئ ). وأيضاً نفس المؤلّفرحمه‌الله ذكر هذا في مخزن المعاني: ص١٨٦.

فقمنا بتحقيق الرسالة حسب المراحل المعروفة في علم التحقيق من تحقيق المتن وتقطيعه، وتخريج المصادر وتطبيقها مع مصادر الأم، وإكمال الأدلّة التي ذكرها

٣

المؤلّف بشكل إشارة عابرة.

وكان عملي في هذه الرسالة عندما عطّل أُستاذنا ( آية الله الشيخ محمّد السنَد رفع الله شأنه ) درسه بمناسبة استشهاد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيثُ صادف يوم ( أربعاء وخميس وجمعة ) فاغتنمْتُ الفرصة لتحقيق هذه الرسالة الشريفة.

فلله الشكر على ما وفّقنا لإنجاز هذا العمل.

٢- نُبذة من أحوال المؤلِّفرحمه‌الله

هو الشيخ عبد الله بن الشيخ محمّد حسن بن الشيخ عبد الله بن الشيخ محمّد باقر بن علي أكبر بن رضا المامقاني. قال المؤلِّف في كتابه مَخزن المعاني:

ولدتُ بأرض النجف الأشرف، وتاريخ ولادتي على التحقيق غير معلوم؛ إلاّ أنّ الذي استفدّته من شهادات جدّتي وخالتي وقرائن أُخَر أنّي ولدتُ بين الظهرين خامس عشر ربيع الأوّل سنة ألف ومائتين وتسعين، وأرضعتني والدتي قُدّس سرّها سنة وعدّة أشهر.

ثُمّ إنّي لما دخلتُ في السنة الخامسة أخذتني والدتي (قدّس سرّها) إلى امرأة تركيّة فالتَمَسَت منها أنْ تعلّمني القرآن المجيد فأبَت، فردّتني والدتي (رحمة الله عليها) إلى دارنا آيسة، فلمّا كان من الغد جاءت المرأة بين الطلوعين تبكي بكاءَ شَفَقةٍ وفَرح وقالت: إنّ الصدّيقة الكبرى سلام الله عليها أمَرتني في الطيف بأنْ اُعلّم عبد الله القرآن الشريف، فأخذتني معها وأخذت تعلّمني القرآن، وقد كان من آثار ذلك الطيف أنّها كانت تحبّني حبّاً لم أرَ مثله حتّى من الأمِّ لولدها.. ولذا إلى الآن لم أترك ذكرها بالخيرات والنيابة عنها في الزيارات وقراءة القرآن لها.

ثُمّ إنّي لمّا خَتمتُ القرآن المجيد اشتغلتُ ببعض الكتب الفارسيّة ومقدّمات العربيّة من الصرف والنحو... ولم يكن لي معلّم مُربي فحار الوالدقدس‌سره والتجأ إلى أنْ يُباحث لي بنفسه فباحث لي من باب الإضافة ـ من شرح السيوطي ـ إلى باب الإخبار...

وفي ضمنها حضَرتُ معالم الأصول على يد الوالدقدس‌سره وفرغتُ من ذلك كلّه في سَنَتين وخمسة أشهر تقريباً؛ لِمَا كنتُ ملتزماً به من عدم ترك التدريس طول السنة حتّى أيام الجُمُعات، إلاّ يوم عاشوراء فحسب، وكنتُ أتدرَّس صُبحاً بدرسين من كتابين وأردّهما عليهقدس‌سره عصراً ما علّمني حذو النعل بالنعل، وأتدرَّس بدرسين آخرين وأردّها صُبح اليوم اللاحق وهكذا.

٤

وقد بلغتُ بالاحتلام في الليلة الرابعة من شهر ذي الحجّة الحرام من سنة (١٣٠٤).

ولمّا فرغتُ من الرسائل حضرتُ بحث الشيخ الوالد العلامّةقدس‌سره في الأُصول خارجاً في حادي عشر ربيع الأوّل سنة (١٣٠٨) وبعدها بسنةٍ حضرتُ الفقه(١) .

الشيخ المامقاني والإمام المهديعليه‌السلام

يقول الشيخ عبد الله المامقانيرحمه‌الله في مقدّمة كتابه النفيس (تنقيح المقال في أحوال الرجال): وجدتُ إقبال أفواج التوفيق ونزول الألطاف والتأييدات الخاصّة عليَّ إلى أنْ يقول:

من غريب آثار التوفيق إنّي كلّما أردتُ وجدانَ مطلبٍ في كتاب وجدتُه نصبَ عيني بمجرّد فتحه، وقُلَّ بل ندرَ تعطيلي في الفحص عنه، واتّفقَ لي في أوائل اشتغالي به ـ كتاب تنقيح المقال ـ ليلة من الليالي الطوال إنّي احتجتُ ثلاث ساعات تقريباً قبل الفجر رهن التهذيب ولم يكن عندي، فرأيتُ بقاء خمس ساعات إلى طلوع الشمس ولا يُمكنني أنْ أتعطّل، ولا أنْ أُحرز بغير مراجعة التهذيب فحصل لي من ذلك انقطاعٌ غريب إلى مولانا الحجّةِ المنتظر (عجّل الله فرجه وجعلنا من كلِّ مكروه فداه)

وخاطبتُه بقولي:

سيدي منّي بذل النفس ومنكَ الإعانة وأنا أُريد منكَ الآن رهنَ التهذيب، ومن شدّة انقطاعي جرَتْ دمعتي، وكان عندنا مقدار كتب وقفيّة قطعات بالخطوط القديمة الرديّة في النحو والصرف والتفسير وغيرها، وكانت متروكة؛ لأنّا فحصنا عنها مراراً فلم نجد فيها ما يُنتفع به، وما كنتُ أحتمل بوجهٍ وجود التهذيب فيها، فقمتُ من حيثُ لا أشعرُ ومضيتُ إلى تلك الكتب ومددتُ يدي وتناولتُ كتاباً منها وإذا هو قطعة من التهذيب بخطٍ جيّد في خصوص الرّهن، فنقلتُ منه موضع الحاجة، ومن الغريب أنّي فحصتُ عنه بعد ذلك مراراً عديدة فلم أجده، فعلمتُ أنّ ذلك كان لطفاً مخصوصاً منه (أرواحنا فداه)( ٢) .

ــــــــــــــــــ

(١) لمعرفة المزيد عن أحوال المحقّق المامقاني وأسرته راجع كتاب مَخزن المعاني، بقلم المحقّق نفسه.

(٢) تنقيح المقال: ج١، ص١، الطبعة الحجريّة.

٥

أهم مؤلّفاته وآثاره:

١- نهاية المقال في تكملة غاية الآمال: (تعليق على خيارات الشيخ المحقّق الأنصاري).

٢- مناهج المتّقين في فقه أئمّة الحقّ واليقين.

٣- مقباس الهداية في علم الدراية.

٤- مرآة الرشاد في الوصيّة إلى الأحبّة والأولاد.

٥- مرآة الكمال لمَنْ رامَ دَرْك مصالح الأعمال.

٦- مخزن المعاني في ترجمة المحقّق المامقاني.

٧- رسالة الجمع بين فاطميّتين في النكاح.

٨- رسالة في أحكام العزل عن الحرّة الدائمة وغيرها.

٩- رسالة المسائل البصريّة (يتضمّن السؤال والجواب عن (٢٨٥) مسألة من المسائل المهمّة.

١٠- رسالة وسيلة التقى في حواشي العروة الوثقى.

١١- رسالة السيف البتّار في دَفعِ شُبُهات الكفّار.

١٢- منهج الرشاد.

١٣- تحفة الخيرة في أحكام الحجّ والعمرة.

١٤- إزاحة الوَسوسة عن تقبيل الأعتاب المقدّسة: (وهو الماثل بين يديك الكريمتين).

١٥- تنقيح المقال في علم الرجال.

وغيرها من المؤلّفات التي دوّنها بقلمه الشريف.

نزار نعمة الحسن

١٨/ ربيع الأوّل/ ١٤٢٧هـ

٦

نماذج من المخطوطة

الصفحة الأولى

٧

الصفحة الأخيرة

٨

مقدّمة المؤلِّف:

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه ثقتي

الحمد لله والصلاة على محمّدٍ وآله الطاهرين وبعد:

فيقول العبد الفاني عبد الله المامقاني عفا الله سبحانه بكرمه عن جرائمه: إنّه قد سألني بعض الأخوان عن تقبيل الأعتاب المقدّسة لمَنْ زارَ ذَويها، ونَقَل لي الإشكال، بل المَنْع من ذلك عن بعض مَنْ اتّخذ الاعوجاج شعاراً وسَبَباً للاشتهار من المعاصرين، والتَمَسَني وضعَ رسالةٍ في ذلك، فأجبت مسئوله وأهديتُها إلى الأعتاب المقدّسة،وسمّيتُها بـ (إزاحة الوَسْوسَة عن تقبيل الأعتاب المقدّسة ).

وأسأل الله تعالى أنْ ينفعني بها يوم فقري وفاقتي وأقول مُستمّداً من الربّ الرؤوف.

أمّا التقبيل للأعتاب من دُون وضع الجبهة عليها فلا ينبغي التأمّل في جوازه وحُسنه؛ لأنّه تعظيم للشعائر، وإظهار حبٍّ وإرادة. وقد نسب الشهيد(١) رحمه‌الله ذلك في الدروس إلى عَمل الإماميّة والسيرة عليه منهم مستمّرة(٢) .

وقد جرت العادة بإكرام المحبوب، والحبّ لـه بتقبيل بَدَنِه، وباب داره وجُدرانها، وتقبيل قَبرِه وتُربته(٣) ، ولذا قال الشاعر:

أمرُّ على الدِّيار ديارُ سَلمى

أُُقبّل ذا الجدار وذا الجدارا

وما حُبُّ الديار شَغَفْنَ قَلبِي

ولكنْ حُبُّ مَنْ سكَن الديارا(٤)

ولقد اعترض عامّي على شيعي في تقبيل الأضرحة المقدّسة للأئمّة (عليهم الصلاة والسلام) وأبواب حَضَراتهم وجُدرانها: بأنّكم تُقبّلون الفضّةَ والحديدَ والخشبَ والصخرة ونحوها ؟

ــــــــــــــــــ

(١) هو الشيخ محمّد بن مكّي العاملي المعروف بالشهيد الأوّل (٧٨٦). لـه مؤلّفات كثيرة أشهرها اللمعة الدمشقيّة، وكتاب (الدروس الشرعيّة في فقه الإماميّة) حيث لم يُمهله الأجل كي يتمّ كتابه فجفّ قلمه الشريف حتّى كتاب الرهن.

(٢) الدروس الشرعيّة: ج٢، ص٢٤، كتاب المزار، ط: قم جماعة المدرّسين.

(٣) قال الشيخ جعفر كاشف الغطاءرحمه‌الله المتوفّى (١٢٢٨) في كتابه منهج الرشاد ص١٤٩: تقبيل المحبّة؛ لأنّ مَن أحبّ شخصاً أحبَّ مكانه وثيابه وداره ومزاره، فلا يكون تقبيل الأعتاب والجدران والأبواب إلاّ كتقبيل بعض ثياب الأحباب.

(٤) نهج الرشاد لمن أراد السداد: ص١٤٩، وكشف الارتياب: ص٣٤٨.

٩

فأجاب الشيعي بالبيت المَزبور، مُريداً بذلك كون تقبيل ما لـه تعلّق بالمحبوب إكراماً لـه، لا لمتعلقة(١) .

وأجاب آخر: بالنقض بتقبيل جلد الغنم الذي صار جلداً للقرآن المَجيد، وتقبيل البيت الذي هو حَجَر(٢) ؟

ــــــــــــــــــ

(١) لا شكَّ إنّ الاستغراق في المحبّة يحمل على الإذن في ذلك، والمقصود من ذلك كلِّه الاحترام والتعظيم والناس تختلف مراتبهم في ذلك كما كانت تختلف في حياته فأُناس حين يرونه لا يملكون أنفسهم بل يُبادرون إليه، وأُناس فيهم أناة والكلُّ محلّ خير.

قال ابن حجر: استنبط بعضهم من مشروعيّة تقبيل الحجر الأسود جواز تقبيل كل مَنْ يستحق التعظيم من آدمي وغيره إلى أنْ قال: ونُقِل عن ابن الصيف اليماني أحد علماء مكّة من الشافعيّة جواز تقبيل المصحف وأجزاء الحديث وقبور الصالحين. (راجع كشف الارتياب للسيّد العاملي: ص٣٤٧، ط قم أنصاريان).

(٢) قال عمر بن الخطاب: (إنّي لأقبلّك وإنّي أعلم أنّكَ حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أنّي رأيتُ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يُقبلكَ ما قبلّتُكَ، ولذلك جوّز أحد علماء مكّة تقبيل المصحف وأجزاء الحديث، وتقبيل المحصف عليه عمل المسلمين كلّهم جيلاً بعد جيل، ورُوي ( أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طافَ راكباً وكان يستلم الركن بمِحجَنِه ويُقبّل المحجن) رواه مسلم في صحيحه: ج٥، ص٣٨٠، وابن ماجة في سننه: ج٢، ص١١٥. و(المِحجن) بكسر الميم عصا محنيّة الرأس.

إذا جاز تقبيل المِحجن لملامسة الركن أفلا يجوز تقبيل قبرٍ حلَّ فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أشرف الموجودات.

١٠

السجود على الأعتاب

وأمّا وضع الجبهة على الأعتاب المقدّسة فإنْ كان بقصد سجدة الشكر لله تعالى على بلوغه تلك البقعة المطهّرة، ونيله لتلك النعمة فلا ريبَ في حُسنه ورُجحانه، وإنْ كان بقصد السجود لـه فهو كالركوع لـه محرّم ومحظور؛ لأنّ الركوعَ والسجودَ لا يكونان إلاّ لله تعالى(١) ، وإلى بعض ما ذكرنا، أشار الشهيدقدس‌سره في الدروس بقوله:

( ولا كراهةَ في تقبيل الضرائح، بل هو سنّة

عندنا، ولو كان هناك تقيّة فتركُه أولى، وأمّا تقبيل الأعتاب فلم نقِف فيه على نصٍّ يُعتدُّ به، ولكن عليه الإماميّة، ولو سَجَدَ الزائر ونوى بالسجدة (الشكر لله تعالى) على بلوغه تلك البقعة كان أولى(٢) انتهى كلامه رفع أعلامه.

ولقد نقل لي حضرة الشيخ الوالد العلامّة أنار الله بُرهانه: إنّ الفاضل الدربندي(٣) قدس‌سره قال للشيخ العلامّة الأنصاري(٤) قدس‌سره : ( إنّ فعلك عند الشيعة حُجّة فإذا زرتَ قبور الأئمّةعليهم‌السلام فقبّل أعتابهم لِيَقتَدي بكَ الشيعة )،

فأجاب الشيخقدس‌سره : ( بأنّي حين التشرّف إلى زيارة أبي الفضلعليه‌السلام فضلاً عن الأئمّةعليهم‌السلام اُقبّل عتبته؛ المقدّسة؛ لأنّها مُثخَن(٥) بأقدام الزائرين فضلاً عن أنّها عتبة أبي الفضلعليه‌السلام هذا مُجمل الكلام في ذلك.

الدليل على عدم جواز التقبيل

والذي يُمكن أنْ يكون مستنداً للإشكال شيء من أمور:

الأول:

ــــــــــــــــــ

(١) أو بأمر الله لغيره كما في سجود الملائكة لآدم بأمر الله تعالى:( وإذ قُلنا للملائكة اسجُدُوا لآدم فسجدوا إلاّ إبليس... )

(٢) الدروس الشرعيّة في فقه الإماميّة للشهيد الأوّل: ج٢، ص٢٤، كتاب المزار،ط قم جماعة المدرّسين.

(٣) هو العلامّة الشيخ الفاضل الملاّ آغا بن عابد بن رمضان بن زاهد الشيرواني الحائري الدربندي المولود في دربند في حدود عام (١٢٠٨) والمتوفّى (١٢٨٥) صاحب كتاب أسرار الشهادة.

(٤) هو الشيخ الأعظم مرتضى الأنصاري المتوفّى (١٢٨١هـ) كان آيةً في الزهد والورع والتقوى والعلم صاحب كتاب المكاسب والرسائل.

(٥) هكذا ورد في المخطوطة.

١١

إنّه قد ورد مَنعُهمعليهم‌السلام من تقبيل أقدامِهم المقدّسة في زمان حياتهم، وقد عقد في الوسائل باباً بعدم جواز السجود للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والإمامعليه‌السلام في الزيارة ولا غيرها(١) ، ثُمّ ذكر رواية السيّد عبد الكريم بن أحمد بن طاووس(٢) في (فرحة الغري) قال: ذكر حسن بن الحسين(٣) بن طحال المقداديرضي‌الله‌عنه : إنّ زين العابدينعليه‌السلام ورَدَ إلى الكوفة ودخل مسجدها وبه أبو حمزة الثمالي، وكان من زُهّاد أهل الكوفة (ومشايخها)(٤) فصلّى ركعتين(٥) وذكر دعاءً إلى أنْ قال: فتَبِعتَه إلى مناخ الكوفة فوجدتُ عبداً أسود ومعه نجيبٌ وناقة.

فقلتُ: يا أسود مَنْ الرّجل؟ فقال: أو تَخفَى عليكَ شمائلُه هو عليّ بن الحسينعليهما‌السلام ، قال أبو حمزة: فأكبَبتُ على قدميه اُقبّلهما فرفع رأسي بيده وقال:( لا يا أبا حمزة، إنّما يكون السجودُ لله عزّ وجلّ، ) فقلت: يابن رسول الله ما أقدمك إلينا ؟

قالعليه‌السلام :( ما رأيتَ، ولو عَلِم الناس ما فيه من الفضل لأتَوه ولو حبواً ) الحديث(٦) .

ــــــــــــــــــ

(١) وسائل الشيعة، للحرّ العامليرحمه‌الله المتوفّى (١١٠٤): ج١٤، ص٤٠٧، كتاب الحجّ، باب ٣٥، ح١، ط مؤسّسة آل البيتعليهم‌السلام .

(٢) هو السيّد جمال الدين أبو الفضائل أحمد بن سعد الدين أبي إبراهيم موسى بن جعفر بن محمّد بن أحمد بن محمّد بن أحمد بن أبي عبد الله محمّد الطاووس بن إسحاق بن الحسن بن محمّد بن سُليمان بن داود بن الحسن المثنّى بن الحسن السبط بن عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام كان عالماً فقيهاً أديباً توفّى في سنة (٦٧٣هـ) في الحلّة، وترك مؤلّفات عديدة منها: فرحة الغري وعين العبرة في غبن العترة...

(٣) في الوسائل: (حسن بن حسين) وفي فرحة الغري: (حسن بن الحسين).

(٤) بين القوسين أثبتناه من المصدر.

(٥) في فرحة الغري: (قال أبو حمزة: فما سمعتُ أطيب من لهجته، فدنوتُ منه لأسمع ما يقول، فسمعته يقول: ( إلهي إنْ كان قد عصيتُك، فإني قد أطعتُك في أحبِّ الأشياء إليكَ، الإقرار بوحدانيّتك منّاً منكَ عليَّ، لا منّاً منّي عليكَ ) والدعاء معروف ثُمّ نهض....

(٦) إلى هنا نقله الحرّ العاملي في الوسائل: ج١٤، ص٤٠٨، باب٣٥، كتاب الحجّ، ج١. ولكن للحديث صِلة وتتمّة ذكرها ابن طاووس: ( هل لك أنْ تزورَ معي قبر جدّي عليّ بن أبي طالب؟ قلتُ: أجل، فسرتُ في ظلِّ ناقته يحدثني حتّى أتينا الغريّين، وهي بُقعة بيضاء تلمع نوراً، فنزلَ عن ناقته، ومرّغ خدّيه عليها، وقال: ( يا أبا حمزة هذا قبر جدّي علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، ثُمّ زاره بزيارةٍ أولها: ( السلامُ على اسم الله الرضي، ونور وجهه المضيء )، ثُمّ ودّعه ومضى إلى المدينة، ورجعتُ أنا إلى الكوفة. راجع فرحة الغري: ص٧٥، الباب الرابع، ح١٩، ط: قم مركز الغدير للدراسات الإسلاميّة.

١٢

والتقريب: إنّ في نَهْيَهعليه‌السلام من السجدة لغير الله سبحانه بعد ما انكبّ على قدميه دلالةً على كون الإنكباب لتقبيل الرجل سجدة فضلاً عن نفس التقبيل، فيأتي مثله في الإنكباب بتقبيل العتبة فيكون ممنوعاً منه.

مناقشةُ الرواية المانعة من التقبيل

والجواب عن ذلك:

أولاً: إنّ الرواية مرسلة لا حجّة فيها(١) .

وثانياً: إنّها مضطربة المتن؛ فإنّها رُويَت على أنحاء مختلفة، فقد رواها في البحار عن الشيخ الشهيدقدس‌سره ، ومؤلّف المزار الكبير(٢) بالإسناد مرفوعاً إلى أبي حمزة قال: بينا أنا قاعد في المسجد عند السابعة، إذا برجل ممّا يلي أبواب كِندة قد دخل فنظرتُ إلى أحسن الناس وجهاً وأطيبهم ريحاً، وأنظفهم ثياباً(٣) معمّم بلا طَيلَسَان ولا إزار، وعليه قميص ودرّاعة وعمامة، وفي رجليه نعلان عربيّان فخلّع نَعليه، ثُمّ قام عند السابعة ورفع مِسبحتَيه حتّى بَلَغَتا شحمةَ أُذُنيه(٤) ثُمّ أرسلهما بالتكبير فلم تبقَ في بَدَني شعرةٌ إلاّ قامت، ثُمّ صلّى أربع ركَعَات أحسَنَ ركوعهنّ وسجودهن وقال:( إلهي... ) ثُمّ ذكر الدعاء،(٥)

ــــــــــــــــــ

(١) المُرسَل لـه إطلاقان:

أ- (المرسل بالمعنى العام): وهو ما حُذِف جميع رُواته أو بعضهم، واحداً أو أكثر، وإنْ ذُكر الساقط بلفظ مبهم كرجلٍ وبعض أصحابنا. (مقابس الهداية للمامقاني: ج١، ص٣٣٦).

ب – (المرسل بالمعنى الخاص): هو ما أسنده التابعي إلى النبيّ من غير ذكر الواسطة. (الرعاية للشهيد الثاني: ص١٣٦).

واختلفت الآراء حول حجّيّة الخبر المرسَل فللوقوف على هذه الآراء راجع كتاب مقابس الهداية للشيخ المامقاني: ج١، ص٣٣٨ وأصول الحديث وأحكامه في علم الدراية للسبحاني: ص١٠٨.

(٢) المزار الكبير لابن المشهدي: ص١٦٨، باب١١ ذكر العمل بالمسجد الجامع بالكوفة.

(٣) في البحار: (وأنظفهم ثوباً).

(٤) في البحار: (شحمتي اُذنه).

(٥) وهذا نصُّ الدعاء من البحار: ( إلهي إنْ كنتُ قد عصيتُكَ فقد أطعتكَ في أحبِّ الأشياء إليك الإيمان بك، منّاً منك به عليَّ لا منّاً منّي به عليكَ لم أتخذ لكَ ولداً، ولم أدع لكَ شريكاً، وقد عصيتُك على غير وجه المكابرة، ولا الخروج عن عبوديّتكَ. ولا الجحود لربوبيّتكَ، ولكن اتّبعتُ هواي، وأزلّني الشيطان بعد الحجّة عليَّ والبيان، فإنْ تعذّبني فبذنوبي غير ظالمٍ لي، وإنْ تعف عنّي فبجودك وكرمكَ يا كريم ).

١٣

ثُمّ خرّ ساجداً يقولها حتّى انقطع نفسه وقال أيضاً في سجوده:( يامَنْ يَقدِر على قَضاء حَوائج السائلين ) إلى أنْ قال: ثُمّ رفع رأسه فتأمّلته فإذا هو مولاي زين العابدين عليّ بن الحسينعليه‌السلام فانكببتُ على يديه اُقبلهما فنَزَع يده منّي، وأومأ إليَّ بالسكوت، فقلتُ: يا.مولاي أنا ممّن عُرِفتُ في ولايتكم فما الذي أقدمك إلى هاهنا ؟ قال:( هوَ ما رأيتَ ) الحديث(١) .

ورُويَ أيضاً في البحار، عن أمالي الصدوقرحمه‌الله عن محمّد بن عليّ بن الفضل، عن محمّد بن عمّار القطّان، عن الحسين بن عليّ بن الحكم، عن إسماعيل بن إبراهيم عن سهل، عن ابن محبوب، عن الثمالي قال: دخلتُ مسجد الكوفة فإذا أنا برجلٍ عند الاسطوانة السابعة قائم يُصلّي يُحسن ركوعه وسجوده، فجئتُ لأنظر إليه فسبقني إلى السجود فسمعته يقول في سجوده:( اللهمّ إنْ كنتُ قد عَصَيتُك فقد أطعتك في أحبّ الأشياء ) ،

إلى أنْ قال: ثُمّ انفتل وخَرَج من باب كِندة فَتَبِعته حتّى أتى مناخ الكلبتني فمرَّ بأسود فأمره(٢) بشيءٍ لم أفهمه، فقلتُ: مَنْ هذا ؟ فقال: هذا عليُّ بن الحسينعليه‌السلام فقلت: جعلني الله فداك ما أقدمك هذا الموضع ؟ فقال الذي رأيتَ(٣) .

وروى في الوسائل: عن علي بن محمّد، عن صالح بن أبي حمّاد، عن علي بن الحكم، عن مالك بن عطيّة، عن أبي حمزة قال: إنّ أوّل ما عرفتُ عن عليِّ بن الحسينعليه‌السلام أنّي رأيتُ رجلاً دخل من باب الفيل فصلّى أربع ركعات فتبعته حتّى أتى بِئر الركوة(٤) وإذا بناقتين معقولتين ومعهما غُلامٌ أسود، فقلتُ لـه: مَنْ هذا ؟

قال عليُّ بن الحسين فدَنَوتُ إليه، وسلّمتُ عليه فقلتُ: ما أقدمك بلاداً قُتِلَ فيها أبوك وجدّك ؟ فقال:( زُرتُ أبي وصلّيتُ في هذا المسجد، ثُمّ قال:ها هو ذا وجهي ) .

الحديث(٥) .

ــــــــــــــــــ

(١) الشهيد الأوّل في مزاره: ص٢٣٨، وبحار الأنوار: ج٩٧، ص٣٨٨، ح١٢، باب فضل الكوفة ومسجدها الأعظم وأعماله.

(٢) في بعض النسخ: (فأسرّه).

(٣) آمالي الصدوق: ص٣١٢، البحار: ج٩٧، ص٣٩٠، ح١٥، باب فضل الكوفة ومسجدها الأعظم وأعماله.

(٤) في بعض نسخ الوسائل الخطيّة: (الزكوةَ).

(٥) وسائل الشيعة للحرّ العامليرحمه‌الله : ج٥، ص٢٥٤، ح٥، باب تأكّد إستحباب قصد مسجد الأعظم بالكوفة، ط: مؤسّسة آل البيت.

١٤

وفيه أيضاً، عن محمّد بن الحسن بإسناده عن أحمد بن محمّد، عن أحمد بن الحسن، عن محمّد بن الحسين(١) وعليّ بن حديد، عن محمّد بن سِنان، عن عمرو بن خالد، عن أبي حمزة الثمالي(٢) : إنّ عليّ بن الحسينعليه‌السلام أتى مسجد الكوفة عمداً من المدينة فصلّى فيه ركعات، ثُمّ عادَ حتّى ركِب راحلته وأخذ الطريق. الحديث(٣) .

وفيه أيضاً، بإسناده عن جعفر بن محمّد بن قولويه، عن محمّد بن الحسين الجوهري، عن محمّد بن الحسين، عن عليّ بن حديد، عن محمّد بن سُليمان، عن عمرو بن خالد مثله،

إلاّ أنّه قال: فصلّى ركعتين ( ثُمّ جاء )(٤) .

وقفةٌ مع هذه الأخبار

أقول: الظاهر إنّ تلك الاختلافات بقرينة وحدة الراوي والمروي عنه(٥) والقضيّة كلّها في بيان قضيّةٍ واحدة فضلاً عن بُعدِ تعدّد مجيئهعليه‌السلام ، ومصادفة الثمالي في جميعه لـه، وسؤاله في الجميع عن جهة مجيئهعليه‌السلام مع أنّ أكثرها تتضمّن عدم معرفتَهُ لـهُعليه‌السلام ، ومن البعيد إنّه لم يعرفهعليه‌السلام في المرّات التالية(٦) ، وقد تضمّنت الرواية الأولى الإنكباب لتقبيل رجلِهعليه‌السلام ، وتضمّنت المرفوعة المذكورة الإنكباب لتقبيل يدهعليه‌السلام ، وخَلَت باقي الروايات عن الإنكباب بالكليّة، مع اختلافها من سائر الجهات أيضاً. فيكون في الروايات نوع اضطراب مانع من التمسّك بها عند أهل الفنّ.

ــــــــــــــــــ

(١) في الوسائل المطبوع: (الحصين).

(٢) أبو حمزة الثمالي هو ثابت بن دينار يُكنى بأبي صفيّة، كوفي، ثقة، لقي عليّ بن الحسين وأبا جعفر ـ الباقر ـ وأبا عبد الله الصادق ـ وأبا الحسن الكاظم ـعليهم‌السلام ، وكان من خيار أصحابنا، وثقاتهم، ومعتمدهم في الرواية والحديث.

راجع نقد الرجال للسيّد مصطفى التفريشي: ج١، ص٣١١، رقم ٨٤٠ ط قم آل البيتعليهم‌السلام .

(٣) نفس المصدر نفسه: ح٦.

(٤) نفس المصدر نفسه: ح٧، ولكن بين القوسين من المصدر.

(٥) الراوي: (أبو حمزة الثمالي) والمروي عنه (الإمام زين العابدين عليه السلام).

(٦) بل من البعيد جداً أنْ يكون شخصُ الإمام السجادعليه‌السلام غيرُ معروف عند أبي حمزة الثمالي؛ لأنّه كان من أصحاب الإمام السجاد حسب ما ذكره الشيخ الطوسي في رجاله: ص١١٠، رقم (١٠٨٣) والعلامّة في الخلاصّة: ص٨٥، فصل ٤، باب١، ح٥، بالإضافة إلى ذلك أنّ الإمام زين العابدينعليه‌السلام كان ناراً على علم ويشهد بذلك حادثة الفرزدق مع هشام بن عبد الملك.

١٥

وثالثاً: إنّ من الواضح إنّ الإنكباب لتقبيل الرجل ليس سجدةً فيُحتمل أنّ أبا حمزة حين انكبَّ لتقبيل قَدَميهعليه‌السلام سجدَ لـه، فضلاً عن التقبيل، فمنعه الإمامعليه‌السلام عن ذلك ويكون قد سَقَط ذلك من الرواية كسُقوط أصل الإنكباب للتقبيل عن أكثر الروايات المزبورة، ومنع هذا الاحتمال استناداً إلى جلالة شأن أبي حمزة(١) عن عدم علمه بحُرمة السجود لغير الله سبحانه، يدفعه صريح جواب الإمامعليه‌السلام ، وليس بعزيز على مَنْ شاهد جلالة شأن الإمامعليه‌السلام واستغرق في بحار أُبّهته أنْ يصدرَ منه تعظيم يعلم بعدم مشروعيّته غفلةً منه عن حرمته لغير لله تعالى، كما وقع الاستئذان للسجدة لأصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فقد رُوي في الوسائل، عن محمّد بن الحسن الصفّار(٢) في بصائر الدرجات بإسناده عن عبد الرحمن بن كثير، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال:( كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوماً قاعداً في أصحابه، إذ مرّ به بَعير فجاءَ حتّى ضربَ بجرانه الأرضَ ورغا (٣) فقال رجلٌ: يا رسولَ الله أسجدَ لكَ هذا البَعير، فنحن أحقُّ أنْ نفعل؟

فقال:لا بل اسجدوا لله، ثُمّ قال: لو أمرتُ أحداً أنْ يسجدَ لأحدٍ، لأمرتُ المرأةَ أنْ تسجدَ لزوجها) . الخبر(٤) .

ــــــــــــــــــ

(١) روى الكشّي في رجاله: ص٤٨٥، ٩١٩، عن الإمام الصادقعليه‌السلام : (أبو حمزة في زمانه كلقمان في زمانه) وفي بعضها (كسلمان).

(٢) هو محمّد بن الحسن بن فروّخ الصفّار القمّي كان وجيهاً في أصحابنا القمّيّين ثقة عظيم القدر راجحاً قليل السقط في الرواية، توفّي بقم سنة .(٢٩٠هـ) هكذا قال عنه ابن داود في رجاله: ص١٧٠، رقم ١٣٥٩،القسم الأوّل. صاحب كتاب بصائر الدرجات.

(٣) الرغاء: هو صوت الإبل، كما الثغاء؛ للغنم.

(٤) عن بصائر الدرجات الكبرى: ص٣٦٨، ج٧، باب١٥. ولكن يوجد تفاوت بين رواية الوسائل ورواية البصائر، وسائل الشيعة: ج٦، باب عدم جواز السجود لغير الله وأحكام سجود التلاوة وسجدة الشكر، ح١.

١٦

ورابعاً: إنّها معارضةً بأخبار أُخَر أقوى ناطقة بوقوع التقبيل لأقدامهمعليهم‌السلام من شيعتهم وعدم منعهم لهم، من ذلك فمنها:

أدلّـةُ التقبيل

ما رواه الفاضل المجلسيرحمه‌الله في البحار، عن أمالي الشيخرحمه‌الله عن جماعة، عن أبي المفضّل، قال: حدّثنا أبو أحمد عن عُبيد الله بن الحسين العلوي، عن محمّد بن عليّ بن حمزة العلوي، عن أبيه، عن الحسين بن زيد بن عليّ، قال: سألتُ أبا عبد الله جعفر بن محمّدالصادق عليه‌السلام عن سِنِّ جدّنا عليّ بن الحسينعليهما‌السلام ، فقال:( أخبرني أبي، عن أبيه عليّ بن الحسين عليهم‌السلام قال: كُنت أمشي خَلف عمّي وأبيَ، الحسن والحسين عليهما‌السلام ، في بعض طُرُقَات المدينة في العام الذي قُبِضَ فيه عمّي الحسن عليه‌السلام ، وأنا يَومئذٍ غُلام (لم أراهق أو كُدتُ) (١) ، فلَقِيهُما جابر بن عبد الله (٢) وأنس بن مالك (٣) الأنصاريّان في جماعة من قريش والأنصار، فما تمالك جابر بن عبد الله حتّى انّكبَ على أيدِيَهما وأرجلَهما يقبلّهما، فقال لـه رجل من قريش كان نسيباً لمروان: أتصنع هذا يا أبا عبد الله، وأنتَ في سنّك (هذا) (٤) ، وموضعك من صُحبَةِ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟! وكان جابر قد شَهِد بدراً، فقال لـه: إليك عنّي فلو علِمتَ يا أخا قريش من فضلهما ومكانهما (من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) (٥) ما أعلم لقبلّتَ ما تحت أقدامهما من التراب .

ثُمّ أقبل جابر على أنَس بن مالك، فقال: يا أبا حمزة، أخبَرَنِي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيهما بأمرٍ ما ظننته أنْ يكون في بشر ) الحديث(٦) .

ــــــــــــــــــ

(١) بين القوسين أثبتناه من المصدر. وفي المخطوطة: (قد ناهزتُ الحلم أو كدّتُ).

(٢) جابر بن عبد الله بن عمرو ابن حزام الأنصاري، نزل المدينة، شهد بدراً وثماني عشر غزوة مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، من أصحاب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليّ والحسن والحسين وعلي بن الحسين والباقرعليهم‌السلام .

(٣) أنس بن مالك، أبو حمزة، خادم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأنصاري، من أصحاب الرسول، وذكر الكشّي أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام دعا عليه وبرصَ لكتمان حديث غدير خم، فحلف أنس بن مالك أنْ لا يكتم منقبة لعليّعليه‌السلام ولا فضلاً أبداً.

(٤) بين القوسين من المصدر.

(٥) بين القوسين غير موجود في المصدر.

(٦) آمالي الشيخ الطوسيرحمه‌الله : ص٤٩٩، المجلس الثامن عشر، ح٢، ط قم مؤسّسة البعثة، والبحار: ج٢٢، ص١١٠، ح٧٦.

١٧

ومنها: ما رواه فيه عن العيون بإسناده عن أحمد بن عيسى بن زيد بن عليّ، عن عمّهِ الصادقعليه‌السلام قال:( كان عليُّ بن الحسين عليه‌السلام لا يُسافر إلاّ مع رِفقَة لا يعرفونه ويشترط عليهم أنْ يكون من خَدَم الرّفقة فيما يحتاجون إليه، فسافر مرّةً مع قومٍ فرآه رجلٌ فعرفه فقال لهم: أتدرون مَنْ هذا ؟ فقالوا لا، قال: هذا عليُّ بن الحسين عليه‌السلام ، فوثَبوا إليه فقبّلوا يده ورجله وقالوا: يابن رسول الله أردتَ أنْ تصلينا نارَ جهنّم لو بدرتْ منّا إليك يدٌ أو لسان أما كنّا قد هلكنا إلى آخر الدّهر؟ فما الذي يحملك على هذا ؟ فقال: إنّي كنتُ سَافرت مرّةً مع قومٍ يعرفونني فأعطوني برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما لا استحقُّ فأنّي أخاف أنْ تعطوني مثل ذلك فصار كتمان أمري أحبّ إلىَّ) (١) .

ومنها: ما في البحار أيضاً عن أمالي الصدوقرحمه‌الله بإسناده عن أبان بن عثمان، عن الصادق جعفر بن محمّدعليه‌السلام قال:( إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال ذات يوم لجابر بن عبد الله الأنصاري: يا جابر إنّك ستبقى حتّى تلقى ولدي محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام المعروف في التوراة بالباقر، فإذا لقِيته فأقرأه عنّي (٢) السلام، فدَخَل جابر إلى عليّ بن الحسين عليه‌السلام فوجد محمّد بن عليّ عليه‌السلام عندَهُ غلاماً فقال لـه: يا غلام أقبل فأقبل، ثُمّ قال لـه: أدبر فأدبر.

فقال جابر: شمائل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وربّ الكعبة، ثُمّ أقبل على عليِّ بن الحسين عليه‌السلام ، فقال لـه: مَنْ هذا؟ قال: هذا ابني وصاحب الأمر (من) (٣) بعدي، محمّد الباقر فقامَ جابر فوقع على قدميه يقبّلهما ويقول: نفسي لنفسِك الفداء يابن رسول الله، اقبل سلام أبيك، إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يَقرأ عليك السلام، قال: فدَمِعت عينا أبي جعفر عليه‌السلام ثُمّ قال: يا جابر على أبي رسول الله السلام ما دامتْ السمواتُ والأرض وعليك يا جابر بما بلّغتَ السلام. الخبر(٤) .

ومنها: ما في البحار أيضاً، عن رجال الكشّي قال: وجدتُ بخطِّ محمّد بن بندار (القمّي)(٥) عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن محمّد بن سالم قال: لمّا حُمِل سيّدي موسى بن جعفرعليهما‌السلام إلى هارون جاء إليه هشام بن إبراهيم العبّاسي، فقال لـه: يا سيّدي قد كُتبَ لي صكّ إلى الفضل بن يونس فتسأله أنْ يروّج أمري.

ــــــــــــــــــ

(١) البحار: ج٤٦، ص٦٩، ح٤١، باب استجابة دعائهعليه‌السلام .

(٢) في البحار: (منّي).

(٣) (مِن) في البحار غير موجودة.

(٤) أمالي الشيخ الصدوق ص٣٥٣، البحار: ج٤٦، ص٢٢٣، ح١.

(٥) بين القوسين من المصدر.

١٨

قال: فركِب إليه أبو الحسنعليه‌السلام فدخل عليه حاجبه فقال: يا سيدي أبو الحسن موسىعليه‌السلام بالباب، فقال: فإنْ كنتَ صادقاً فأنتَ حرٌ ولك كذا وكذا، فخرج الفضل بن يونس حافياً يعدو حتّى خرج إليه فوقع على قدميه يقبلّهما، ثُمّ سأله أنْ يدخلَ فدخل فقال لـه: اقضِ حاجة هاشم بن إبراهيم، فقضاها. الحديث(١) .

ومنها: خبر أبي خالد الطويل المروي في باب النصّ على مولانا السجّادعليه‌السلام المتضمّن بشهادة الحجر الأسعد بإمامته، وتقبيل محمّد بن الحنفيّة رجلَه وقوله لـه: الأمر لك(٢) .

ــــــــــــــــــ

(١) رجال الكشي: ص٤٢١، رقم (٣٥٦) ط: كربلاء.

(٢) عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن أبي عبيدة وزرارة جميعاً، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: لمّا قُتل الحسينعليه‌السلام أرسل محمّد بن الحنفيّة إلى عليّ بن الحسينعليهما‌السلام فخلا به فقال له:

يا ابن أخي قد علمت أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دفع الوصيّة والإمامة من بعده إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام ثمّ إلى الحسنعليه‌السلام ، ثمّ إلى الحسينعليه‌السلام وقد قتل أبوك (رضي الله عنه وصلّى على روحه) ولم يوصِ، وأنا عمّك وصنو أبيك وولادتي من عليّعليه‌السلام في سنّي وقديمي أحقّ بها منك في حداثتك، فلا تنازعني في الوصيّة والإمامة ولا تحاجّني، فقال لـه عليّ بن الحسينعليه‌السلام :

( يا عم اتّق الله ولا تدّع ما ليس لك بحق إنّي أعظك أنْ تكون من الجاهلين، إنّ أبي يا عمّعليه‌السلام أوصى إليَّ قبل أنْ يتوجّه إلى العراق وعهِد إليَّ في ذلك قبل أنْ يستشهد بساعة، وهذا سلاح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندي، فلا تتعرّض لهذا، فإنّي أخاف عليك نقص العمر وتشتّت الحال، إنّ الله عزّ وجلّ جعل الوصيّةَ والإمامة في عقب الحسينعليه‌السلام ، فإذا أردتَ أنْ تعلم ذلك فانطلِق بنا إلى الحجر الأسود حتّى نتحاكم إليه ونسأله عن ذلك، قال أبو جعفرعليه‌السلام :

وكان الكلام بينهما بمكّة، فانطلقا حتّى أتيا الحجر الأسود، فقال عليّ بن الحسين لمحمّد بن الحنفيّة: ابدأ أنت فابتهل إلى الله عز وجل وسله أنْ ينطق لك الحجر ثمّ سلْ، فابتَهَل محمّد في الدعاء وسأل الله ثُمّ دعا الحجر فلم يُجبه، فقال عليّ بن الحسينعليهما‌السلام : يا عم لو كنتَ وصيّاً وإماماً لأجابك، قال لـه محمّد: فادع الله أنت يا ابن أخي وسله، فدعا الله عليُّ بن الحسينعليهما‌السلام بما أراد ثمّ قال: أسألك بالذي جعل فيك ميثاق الأنبياء، وميثاق الأوصياء، وميثاق الناس أجمعين لمّا أخبرتنا مَنْ الوصيّ والإمام بعد الحسين بن عليّعليه‌السلام ؟

قال: فتحرك الحجر حتّى كاد أنْ يزول عن موضعه، ثمّ أنطقه الله عزّ وجلّ بلسان عربي مُبين، فقال: اللهم إنّ الوصيّةَ والإمامةَ بعد الحسين بن عليّعليهما‌السلام إلى عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب وابن فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: فانصرف محمّد بن عليّ وهو يتولّى عليّ بن الحسينعليه‌السلام . =

١٩

= أخرجه الكليني في الكافي: ج١، ص٣٤٨، ح٥، باب ( ما يفصل به بين دعوى المحقّ والمُبطل في أمر الإمامة ) والصفّار القمّي في بصائر الدرجات: ص٥٢٢، ح٣، باب١٧، ح١٠، والطبرسي في الاحتجاج: ج٢، ص٤١، ط قم الشريف الرضي، وابن سُليمان الحلّي في مختصر بصائر الدرجات: ص١٧٠، ط المكتبة الحيدريّة،والحرُّ العاملي في إثبات الهداة: ج٤، ص٦٢، ح٤، باب١٧، ط بيروت الأعلمي، والسيّد هاشم البحراني في مدينة المعاجز: ج٢، ص٢٥١، ح٥٩، بيروت الأعلمي، والعلاّمة المجلسي في البحار: ج٤٢، ص٧٨، ح٦، باب الرد على الكيسانيّة، والميرزا محمّد تقي الملّقب بحجّة الإسلام في صحيفة الأبرار: ج٢، ص٢١٣، ح١ط بيروت الأعلمي. ودلائل الإمامة للطبري: ص٢٠٧، ح١٩، والإمامة والتبصرة من الحيرة لعلي بن الحسين بن بابويه القمي المتوفى (٣٢٩هـ) ص٦٠، ح٤٩، باب١٠، وكشف الغمّة: ج٢، ص٦٥٢، ط قم، والمناقب لابن شهر آشوب: ج٤، ص١٥٩، ط بيروت دار الأضواء، والراونديرحمه‌الله المتوفّى (٥٧٣) في الخرائج والجرائح: ج١، ص٢٥٨، ط بيروت الأعلمي: بعد ما ذكر الرواية السالفة بعينها ولكن في رواية الخرائج زيادة وهي محلّ الشاهد وهو: (فقبّل محمّد بن الحنفيّة رجله وقال: الأمر لكَ).

فالظاهر أنّ المرحوم المامقاني اعتمدَ على هذه الرواية دون البقيّة؛ لأنّ رواية الخرائج عن أبي خالد الكابلي هذا أوّلاً، وثانياً: رواية الخرائج فيها محلّ الشاهد وهو تقبيل رِجل الإمام من قِبَل عمّه.

وفي رواية أُخرى نقلها ابن حمزة الطوسي في الثاقب في المناقب: ص٣٥٢، ح١، الفصل٢: ( إنّ الإمام السجادعليه‌السلام فيما احتجّ به على ابن الحنفيّة أنْ يأتيا المقابر فمضيا معاً وانتهيا إلى قبر صاحبه قريب العهد فقالعليه‌السلام لمحمّد:

( سل صاحب هذا القبر عمّن يستحقّ الإمامة بعد الحسينعليه‌السلام فلم يفعل ابن الحنفيّة، وطلب من الإمام أنْ يسأله فدعا عليُّ بن الحسين ربّه تعالى ثُمّ دعا صاحب القبر فانكشف القبر عن رجلٍ ينفض التراب عن رأسه وهو يقول: الحقُّ لعليّ بن الحسينعليه‌السلام دونكَ يا محمّد، فوقع محمّد بن الحنفيّة على رِجل عليّ بن الحسين يُقبّلها ويلوذُ به ويطلب منه العفو عمّا صدرَ منه ). وأيضاً نقل هذا السيّد المقرّمرحمه‌الله المتوفّى (١٣١٧هـ) في حياة الإمام زين العابدين: ص٢٦٢.

والشيخ عبّاس القمّي المتوفّى (١٣٥٩) في منتهى الآمال: ج٢، ص٣٦،الفصل الخامس: بعدما ذكر الرواية بشكلٍ كامل ومفصل علّق قائلاً: (وفي بعض الروايات أنّ محمّد بن الحنفيّة أهوى إلى قدمي الإمامعليه‌السلام فقبّلها، وقال: إنّ الإمامة مختصّةٌ بكَ).

٢٠