شرح البداية في علم الدراية

شرح البداية في علم الدراية  0%

شرح البداية في علم الدراية  مؤلف:
الناشر: مكتبة چهل ستون العامة
تصنيف: علم الدراية
الصفحات: 170

شرح البداية في علم الدراية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ زين الدين علي بن محمد الجبعي العاملي (الشهيد الثاني)
الناشر: مكتبة چهل ستون العامة
تصنيف: الصفحات: 170
المشاهدات: 55327
تحميل: 6961

توضيحات:

شرح البداية في علم الدراية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 170 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 55327 / تحميل: 6961
الحجم الحجم الحجم
شرح البداية في علم الدراية

شرح البداية في علم الدراية

مؤلف:
الناشر: مكتبة چهل ستون العامة
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

والخبر المتواتر معنىً كشجاعة عليٍّ وكرمهِ(١) ، وكرم حاتم(٢) ، فإنَّه قد رُوي وقائع في شجاعته وكرمهما، وإنْ لم يتواتر كلُّ واحدٍ، لكنَّ القدر المشترك متواتر. والخبر المحتف بالقرائن: كمَن يخبر عن مرضه عند الحكيم، ونبضُه ولونُهُ يدُلاّن عليه، وكذا مَن يخبر عن موت أحد ٍ، والنّياحُ والصِّياحُ في بيته، وكُنّا عالمين بمرضه، وأمثال ذلك كثيرةٌ. وإنكار جماعةٍ(٣) أصل العلم به، للتَّخلُّف عنه، خطأ ؛ لجواز عدم الشرائط في صورة التخلُّف، خصوصاً مع عدم الضَّبط لهذه الجهات بالعبارات.

وما - أي: الخبرُ الذي - عُلِمَ وجودُ مخبَره: بالنّظر؛ كقولنا: مُحمّدٌ رسولُ الله.

وقد يُعلم كذبه كذلك:

أي: بالضرورة، أو النظر. وأمثلتهما تُعلم بالمقايسة على السابق. أ - فالمعلومُ كِذبه ضرورةً: ما خالفَ المتواتر، وما عُلِمَ عدمُ وجود مخبره ضرورةً: حِسّياً، أو وجدانيّاً، أو بديهيّاً. ب - و[المعلومُ كِذبُه] كَسباً: الخبرُ المخالِفُ لِمَا دَلَّ عليه دليلٌ قاطعٌ بالكسب. ومنه الخبر الذي تتوفّر الدّواعي على نقله ولم ينقل كسقوط المؤذّن عن المنارة، ونحو ذلك(٤) .

وقد يحتمل الخبر الأمرين:

الصِّدق والكذبُ، لا بالنظر إلى ذاته ؛ إذ جميع الأخبار تحتملها كذلك، كأكثر الأخبار ؛ فإنَّ الموافقَ منها للقسمين الأوّلين قليل(٥) .

____________________

(١) هو ابنُ أبي طالبعليه‌السلام . وُلدَ يوم الجمعة في ١٣ رجب، بعد ولادة النبيِّ بثلاثينَ عاماً، أشهر كُناه: أبو الحسن، أشهر ألقابه: المُرتضى. أوّل مَن آمن برسالة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، واختصَّه النبيُّ بالأخوَّة حين آخى بين المُسلمين. أمَّره النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله في كثير من غزواته وسراياه. مُدِح في كثير من آيات القرآن العظيم، وعلى لسان النبيّ في أحاديثه الشّريفة. بُويع له بالخلافة في غدير خم في يوم ١٨ ذي الحجة، سنة ١٠ من الهجرة، وتسلَّمها سنةَ ٣٥ هجريّة. وبعد ذلك بخمس سنوات استشهد في عاصمة حكمه الكوفة، سنة ٤٠ للهجرة ؛ بضربةٍ الخارجيّ عبد الرحمن بن ملجم المرادي، ليلة ١٩ رمضان، أثناء أداء فريضة الفجر ؛ ودُفن في الغريّ. من كلماته: قيمةُ كُلّ امرئٍ ما يُحسنه. سرّك دمُك، فلا تجرينَّه إلاّ في أوداجك. يُنظر: لمحاتٌ من تأريخ أهل البيت، ص١٧ - ٢١.

(٢) حاتِم بن عبدالله بن سعد بن الحشرج الطائيّ القحطاني، أبو عدي، فارس، شاعر، جاهلي، يُضرب المثل بجوده. كان من أهل نجد، وزار الشّام، فتزوَّج ماويَّة بنت حجر الغسَّانيَّة، ومات في عوارضَ (جبل في بلاد طيٍّ) سنةَ ٤٦ ه-. شعره كثير ضاعَ معظمه، وبقي منه ديوانٌ صغير - ط. ينظر: الأعلام: ٢/ ١٥١.

(٣) قال المدديّ: منهم السيِّد المرتضى، اختاره في: الذريعة إلى أصول الشريعة/ ٢/ ٥١٧ - ٥١٨.

(٤) يُنظر: الكفاية في علم الرواية، ص١٧.

(٥) ينظر: المصدر نفسه، ص١٨.

٦١

الحقل السادس:

في

التواتَرِ وشروط تحقُّقه

وينقسِمُ الخبرُ مُطلقاً - أعمُّ من المعلوم صدقه وعدمه - إلى: متواترٍ، وآحاد.

أمَّا الحديثُ في هذا الحقلِ، فهو عن المتواتر من حيثُ:

أوَّلاً: شرائط مُخبِريه(١)

هو: ما بَلَغَتْ في الكثرة مبلغاً أحالتْ العادةُ تواطؤهم - أي اتِّفاقهم - على الكذب، واستمرَّ ذلك الوصف في جميع الطبقات حيثُ يتعدَّد ؛ بأن يرويه قومٌ عن قوم، وهكذا إلى الأوَّل. فيكونُ أوّله في هذا الوصف كآخره، ووسطهُ كطرفيه ؛ ليحصل الوصف: وهو استحالة التواطؤ على الكذب ؛ للكثرة في جميع الطبقات المتعدِّدة(٢) .

وبهذا ينتفي التواتُر عن كثير من الأخبار التي قد بلغت رواتها في زماننا ذلك الحد، لكن لم يتَّفق ذلك في غيره، خصوصاً في الابتداء، وظنَّ كونها متواترةً مَنْ لم يتفطَّنْ لهذا الشرط.

ولا ينحصر ذلك في عدد خاصٍّ على الأصحِّ ؛ بل المُعتَبَر العدد المحصِّل للوصف ؛ فقد يحصل في بعض المُخبرين بعشرةٍ وأقلِّ، وقد لا يحصل بمائة ؛ بسبب قُربهم إلى وصف الصدق وعدمه.

وقد خالف في ذلك قومٌ، فاعتبروا اثني عشر ؛ عدد النُقباء(٣) ؛ أو عشرين ؛ لآية العشرين

____________________

(١) الذي في النسخة المخطوطة (ورقة ٧، لوحة ب، سطر ٣): (والأوَّل: هو ما بلغت...)، بدون: (أمَّا الحديث في هذا الحقل، فهو عن: المتواتر ؛ من حيثُ أوَّلاً: شرايطُ مُخبِريه).

(٢) يُنظر: الكفاية في علم الدراية، ص١٦.

(٣) لِقولهِ تعالى في سورةِ المائدةِ، الآية ١٢:( وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً ) .

٦٢

الصابرين(١) ؛ أو السبعين ؛ لاختيار موسى لهم(٢) ، ليحصل العلمُ بخبرهم إذا رجعوا(٣) ؛ أو ثلاثمائة وثلاثة عشر ؛ عدد أهل بدر(٤) . ولا يخفى ما في هذه الاختلافات من فنون الجُزَافات(٥) . وأيُّ ارتباطٍ لهذا العدد بالمُراد(٦) ؟! وما الذي أخرجه عن نظائره، ممَّا ذُكِرَ في القُرآن من ضروب الأعداد(٧) ؟

ثانياً: شروطُ سامعيه(٨)

وشروطُ حصولِ العلمِ به - أي بالخبرِ المتواتَرِ -:

____________________

(١) لقوله تعالى في سورة الأنفال، الآية ٦٦:( إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ ) .

(٢) قال الأب فردينان توتيل: موسى (القرن ١٣ ق. م) أشهر رجال التوراة، ومن أكبر مشترعي البشرية من سبط لاوي. ولد في مصر، وأنقذته ابنة فرعون من المياه، فتربَّى في قصر أبيها. بدأ رسالته في سنِّ الأربعين، بعد أن لجأ إلى بريِّة سينا، فأرسلَهُ الربُّ لينقذ بني إسرائيل من مظالم فرعون، فجازَ معهم بريَّة سينا مُدَّة أربعين سنةٍ. تلقّى من الربِّ - على جبل حوريب - الوصايا العشر ؛ فسلَّمهم إيَّاها، وسنَّ لهم الشرائع الأدبيَّة والكهنوتيَّة والاجتماعية، فكانت دستورهم الدينيّ والمدنيّ ؛ لهذا يعتبر موسى المؤسِّس والمخلِّص والمشترع. لُقّب: ب- (كليمِ الله). ماتَ ولم يدخل أرضَ الميعاد. المنجد في الأعلام، ص٦٩٤.

(٣) لقوله تعالى في سورة الأعراف، الآية ١٥٦:( وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا ) .

(٤) وعلَّق المددي هنا: (وقيل: بالأربعة ؛ قياساً على شهود الزِّنا، وقيل: بالخمسة ؛ قياساً على اللِّعان، وتوقَّف فيه القاضي الباقلاني، وقيل: سبعة ؛ قياساً على غسل الإناء من ولوغ الكلب سبع مرَّات، وقيل: عشرة ؛ لقوله تعالى:( تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ) ، وقيل: أربعون ؛ إمَّا أخذاً من عدد الجمعة، وأمَّا لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (خيرُ السّرايا أربعون)، وقيل: خمسون ؛ قياساً على القَسامة). ينظر: المستصفى: ١/ ١٣٧ - ١٣٨، وفواتح الرّحموت بشرح مُسلَّم الثبوت: ٢/ ١١٦ - ١١٧ (المطبوع بهامش المستصفى)، وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي: ٢/ ١٧٧ (الهامش).

(٥) وعلَّق فضيلتهُ أيضاً: (يلاحظ هنا أمران:

١ - أنَّ هذه الأقوال العجيبة - لعلَّ الأصح التعبير عنها بالمختلقة - لم تُنْسب إلى قائل معيَّن ؛ بل في كُل المصادر - في أصول الفقه، ودراية، الحديث - تذكر هذه الأقوال مجهولةَ القائل.

٢ - لعلَّ الأصل في هذه الأقوال أنَّها كانت من أهل التسنُّن ؛ غير الإماميّة، ثُمَّ تسرَّبت إلى كُتب الإماميَّة الاثني عشرية ؛ وإلاّ لم نجد في مصنَّف من مصنَّفاتنا شيئاً من هذه الأقوال، بل ولم يتوقَّف أحدٌ منهم في ترجيح قولٍ أو تضعيف آخر). (٦) قال ابن حجر: لا معنى لتعيين العدد على الصحيح. ينظر: شرح النخبة، ص٣.

(٧) كما في قوله تعالى في سورة الإسراء، الآية ١٠١:( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ) ، وفي سورة المدثَّر، الآية ٣٠:( لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ *عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ ) ، وفي سورة ص، الآية ٢٣:( إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ ) ، وفي سورة الكهف، الآية ٢٥:( وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً ) ، وهكذا في بقية آيات الأعداد القُرآنيّة.

(٨) الذي في النسخة الخطِّ-يِّة (ورقة ٨، لوحة ١، سطر ٥): (وشرطُ حصولِ العلمِ به) فقط، بدون (ثانياً: شروطُ سامعيه).

٦٣

[أ -] انتفاؤه ؛ أيْ انتفاءُ العلمِ المستفادُ منه اضطراراً - عن السَّامع(١) ؛ لاستحالةِ تحصيل الحاصل. وتحصيلُ التقويةِ أيضاً محالٌ ؛ لأنَّ العلمَ يستحيلُ أن يكون أقوى ممَّا كان.

[ب -] وأنْ لا يسبق شبهةٌ إلى السامع، أو تقليد، ينافي موجب خبره (٢) ؛ بأنْ يكونَ مُعتقداً نفيهُ. وهذا شرط اختصَّ به السيِّد المرتضىرحمه‌الله ، وتبعه عليه جماعةٌ من المحقِّقين ؛ وهو جيِّد في موضعه(٣) .

واحتجَّ عليه: بأنَّ حصول العلم عقيب خبر التواتر، إذا كان بالعادة، جاز أن يختلف ذلك باختلاف الأحوال ؛ فيحصل للسامع إذا لم يكن قد اعتقد نقيض ذلك الحكم قبل ذلك، ولا يحصلُ إذا اعتقد ذلك.

وبهذا الشَّرط يحصل الجوابُ لِمن خالف الإسلام من الفِرق ؛ إذا ادّعى عدَم بلوغه التواتر بدعوى نبيِّناصلى‌الله‌عليه‌وآله النبوَّة، وظهور المعجزات على يده موافقةً لدعواه ؛ فإنَّ المانع لحصول العلم لهم بذلك، دون المُسلمين، سبق الشُّبهة إلى نفيه.

____________________

(١) أي يُشترط انتفاء العلم الضروريِّ عن السَّامع، كما لو أُخبِر عمَّا شاهده، فإنَّه لا يحصلُ حينئذٍ العلم مِنَ الخبر، وإلاّ لَزِم تحصيلُ الحاصل، أو تقوية العلم الضروريِّ، وكلاهم مُحالان. خطِّيَّة الدكتور محفوظ، ص٧.

(٢) أي موجب خبر التواتر. خطِّيَّة الدكتور محفوظ، ص٨.

(٣) قال السيِّد المرتضىرحمه‌الله : قلنا: لابُدَّ من شرط نختصُّ نحن به، وهو: أنْ يكونَ مَن أُخبر بالخبَر...، لم يُسبق بشُبهةٍ، أو تقليد، إلى اعتقاد نفي موجب الخبر ؛ لأنَّ هذا العلم [يعني: الحاصل من التواتر]، إذا كان مستنداً إلى العادة، وليس بموجَبٍ عن سببٍ، جاز في شروطه النّقصان و الزيادة، بحسب ما يعلم الله تعالى من المصلحة.

وإنَّما احتجنا إلى هذا الشرط ؛ لئلاّ يُقال لنا: أيُّ فرق بين خبر البلدان، والأخبار الواردة بمعجزات النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، سوى القرآن ؛ كحنين الجذع، وانشقاق القمر، وتسبيح الحصَى، وما أشبه ذلك؟! وأيُّ فرق - أيضاً - بين: أخبار البلدان، وخبر النصِّ الجليِّ على أمير المؤمنين عليِّعليه‌السلام ، الذي تنفرد الإماميّة بنقله؟! وألا أجزتم أن يكون العِلم بذلك كُلُّه ضروريّاً كما أجزتموه في أخبار البلدان...). يُنظر: الذريعة: ٢/ ٤٩١ - ٤٩٢، ومعالم الدين وملاذ المجتهدين، ص٤١٥.

٦٤

- ٣ -

ولولا الشرطُ المذكور، لم يتحقَّق جوابُنا لهم عن غير مُعجزة القُرآن.

وبهذا أجابَ السيّد عن نفي مَن خالفهُ تواترَ النصِّ(١) على إمامة عليّعليه‌السلام ؛ حيث إنَّهم اعتقدوا نفي النصّ لِشُبهةٍ.

[ج- ] واستنادُ المخبِرين إلى إحساس ؛ بأن يكون المُخْبَر عنه محسوساً بالبصر، أو غيره من الحواسِّ الخمس. فلو كانَ مستندُهُ العقلَ - كحدوثِ العالَم، وصدقِ الأنبياء - لم يحصَل لنا العلم(٢) .

____________________

(١) يُمكن لنا أن نقول لمَن خالف الإسلام من اليهود والنصارى: بم أثبتم نبوَّة موسى وعيسى (على نبيِّنا وعليهما‌ السلام ) بعد ثبوت نبوَّة الأنبياء المتقدِّمينعليهم‌السلام ؟ فما جوابُكم فهو جوابُنا إثبات نبوّة خاتم الأنبياءعليه‌السلام عليكم كما لا يخفى. (م ح م د) عفى عنه، (هامش المخطوطة المتعمدة، ورقة ٨، لوحة ب).

وطبعاً معلومٌ أنَّ المراد بعبارة (مَن خالفه تواتر النص): مَن خالف السيد في القول بتواتر النص، وإلاّ فيُناسب أن يكون الفعل (خالف) مجرّداً من الضمير.

(٢) إنَّ هذا الشرط - كما وافقني بذلك صاحب السماحة الزِّنجاني دام ظلِّه -: هو من شروط المُخبِر، وليس السامع. وعليه، يظهر أنَّ هناك اشتباهاً قد حصل ؛ وكأنَّه من النسَّاخ، كيف لا وممَّا يؤيّد الإفادة قول صاحب (المعالم)؟! قالَ ابنُ الشهيد الثاني: إنَّ حصول العلم بالتواتر يتوقَّف على اجتماع شرائط بعضها في المخبِرين، وبعضُها في السامعين.

فالأوّل : ثلاثةٌ

الأوّل: أن يبلغوا في الكثرة حدَّاً يمتنع معه - في العادة - تواطؤهم على الكذب.

الثاني: أن يستند علمهم إلى الحسِّ ؛ فإنِّه في مثل حدوث العالم، لا يفيدُ قطعاً.

الثالث: استواء الطرفين والواسطة ؛ أعني: بلوغُ جميعٍ طبقات المخبِرين، في الأوّل والآخر والوسط، بالغاً ما بلغ عدد التواتر.

والثاني: أمران

الأوّل: أن لا يكونوا عالمين بما أخبروا عنه اضطراراً ؛ لاستحالة تحصيل الحاصل.

الثاني: أن لا يكون السامع قد سبق بشبهة، أو تقليد، تؤدِّي إلى اعتقاد نفي موجب الخبر، وهذا الشرط ذكره السيّد المُرتضى، وهو جيد.... معالمُ الدِّين وملاذ المجتهدين، ص٤١٤ - ٤١٥.

وواضحٌ بعد ذلك فيما أقول: كيف أنَّ من مثل مطلب (الأخبار) يمثِّل حلقة الوصل بين دراية الحديث باعتباره من أهمِّ مطالبه من جهة، وأصول الفقه باعتباره من مُهمّ مطالبه من جهةٍ ثانية. وكيف أنَّ ابن الشهيد، غايرَ الشهيدَ في جعل شرطه الثالث من شروطٍ السَّماع شرطاً ثانياً من شروط مخبريه. ونحنُ مع ابن الشهيد فيما يبدو لنا أنَّه الأنسب.

٦٥

ثالثاً: مصاديق تحقِّقه(١)

وهو - أي التواتر - متحقِّق في أصول الشرائع - كوجوب الصلاة اليوميَّة وأعداد ركعاتها، والزكاة، والحجِّ - تحقُّقاً كثيراً.

وفي الحقيقة مرجع إثبات تواترها إلى المعنويِّ، لا اللفظي ؛ إذ الكلامُ في الأخبار الدّالّة عليه كغيرها. وقليلٌ تحقُّقه في الأحاديث الخاصّة، المنقولة بألفاظ مخصوصةٍ ؛ لعدم اتّفاق الطّرفين والوسط فيها، وإنْ تواتر مدلولُها في بعض الموارد ؛ كالأخبار الدالَّة على شجاعة عليٍّعليه‌السلام وكرم حاتم، ونظائرهما. فإنَّ كلَّ فرد خاص من تلك الأخبار الدالَّة على أنَّ عليَّاًعليه‌السلام قتل فلاناً وفعل كذا، غير متواتر ؛ وكذا الأخبار الدالَّة على أنَّ حاتماً أعطى الفرس الفلانيَّة، والجملَ والرمح وغيرها، إلاّ أنَّ القدر المشترك بينها متواترٌ ؛ تدلُّ عليه تلك الجزئيَّات، المتعدِّدةُ آحاداً، بالتضمُّن(٢) .

وعلى هذا يُنزَّل ما ادّعى المرتضى ومَن تبعه تواتره من الأخبار الدالَّة على النصِّ وغيره ؛ إذ لا شبهة في أنَّ كلَّ واحدٍ من تلك الأخبار آحادٌ، وقد أومأ إلى ذلك في مسائله التبَّانيَّات(٣) .

ولم نتحقَّق إلى الآن خبراً خاصَّاً بلغ حدَّ التواتر، إلاّ ما سيأتي ؛ حتّى قيلَ - والقائلُ

____________________

(١) الذي في النسخة الخطِّيَّة (ورقة ٨، لوحة ب، سطر ٩ - ١٠): (وهو، أي التواتر) فقط، بدون (ثالثاً: مصاديقُ تحقُّقه).

(٢) قال ابنُ الشهيد الثاني: قد تتكثَّرُ الأخبار في الوقائع وتختلف، ولكن يشتمل كلُّ واحدٍ منها على معنى مشترك بينها ؛ بجهةِ التضمُّن و الالتزام، فيحصل العلم بذلك القدر المشترك، ويُسمَّى: المتواتر من جهة المعنى. وذلك كوقائع أمير المؤمنين في حروبه ؛ من قتله في غزوات بدرٍ كذا، وفعله في أُحُدٍ كذا، إلى غير ذلك، فإنَّه يدلّ بالالتزام على شجاعته. وقد تواتر ذلك منه، وإن كان لا يبلغ شيء من ذلك الجزئيات درجةَ القطع. معالم الدين وملاذ المجتهدين، ص٤١٥.

(٣) التبّنيَّات: واحدُها التبّاني، وهو منسوبٌ إلى التبَّان، وهو رجلٌ بيَّاع للتبن، وكانَ من اليمن، سأل منه (رض) هذه المسائل. خطِّيَّة الدكتور محفوظ، ص٩.

٦٦

ابن الصّلاح(١) - : (مَنْ سُئِل عن إبراز مثالٍ لذلك أعياه طلبه)(٢) ؛ هذا مع كثرة رواتهم، قديماً وحديثاً، وانتشارهم في أقطار الأرض.

قالَ: وحديثُ (إنَّما الأعمالُ بالنيَّات)(٣)

_____________________

(١) عثمان بن عبد الرحمن، المعروف بابن الصَّلاح. وُلِدَ في شرخان، قُرب شهرزور، سنة ٥٧٧ه-، وانتقل إلى الموصل ثُم إلى خُراسان، فبيت المقدس، حيث وُلِّي التدريس في الصَّلاحية، وانتقل إلى دمشق. ولاّه الملك الأشرف في دمشق تدريس دار الحديث، وتوفِّي فيها سنة ٦٤٣ه-. له كتاب (معرفة أنواع علوم الحديث - ط) يُعرف بمقدِّمة ابن الصّلاح. ينظر: الأعلام: ٤/ ٣٦٩.

(٢) قال ابن الصلاح: (ومَن سُئل عن إبراز مثال لذلك من الحديث أعياه تطلّبه). مقدّمة ابن الصلاح، ص ٣٩٣.

(٣) هكذا ورد الحديث في صحيح البخاري(١/ ٢، ط١، ١٣٠٤ه-)، باب: كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله؟ وجاء فيه: حدَّثنا الحميدي قال: حدّثنا سفيان قال: حدّثنا يحيى بن سعيد الأنصاري قال: أخبرني محمّد بن إبراهيم التيميّ: أنَّه سمع علقمة بن وقَّاص الليثي يقول: سمعت عمر بن الخطَّابرضي‌الله‌عنه على المنبر قال: سمعتُ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: (إنَّما الأعمالُ بالنيِّات، وإنَّما لكلِّ امرئٍ ما نوى، فمَن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو إلى امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه). كما جاء في هذا البخاري أيضاً حاشية للسَّنديّ جدُّ محترمة، حول قيمة هذا الحديث، وأوَّليَّ-ته في مقدمات الأعمال. ينظر: صحيح البخاري: ١/ ٢ - ٣.

هذا، وقد ورد الحديث أيضاً في صحيح مسلم(م٣/ ١٥١٥- ١٥١٦)، غير أنَّ لفظ: (النيَّة)، جاءت فيه بدلاً من: (النيَّات)، وعبارة: (لكلّ امرئ)، بدلاً من: (لامرئٍ)، وزيادة جملة: (فمَن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله)، قبل جملة: (ومن كانت هجرته لدينا...).

نعم، الذي جاء في صحيح البخاري(١/ ١٤) هو المطابق لِمَا في صحيح مسلم(٣/ ١٥١٥).

وقال خادم السُّ-نَّة، محمد فؤاد عبد الباقي، في هامش صحيح مسلم(٣/ ١٥١٥):

(أجمع المُسلمون على عظم موقع هذا الحديث، وكثرة فوائده وصحَّته. قال الشافعي وآخرون: هو ثلث الإسلام. وقال الشافعي: يدخل في سبعين باباً من الفقه. وقال آخرون: هو ربع الإسلام. وقال عبد الرحمان بن مهديّ وغيره: ينبغي لمَن صنَّف كتاباً أن يبدأ فيه بهذا الحديث ؛ تنبيهاً للطالب على تصحيح النيَّة. ونقل الخطّابي هذا عن الأئمة مطلقاً، وقد فعل ذلك البُخاري وغيره، فابتدأوا به قبل كلِّ شيء، وذكره البخاري في سبعة مواضع من كتابه. قال الحُفَّاظ: ولم يصح هذا الحديث عن النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلاّ من رواية عمر بن الخطَّاب! ولا عن عمر إلاّ من رواية علقمة بن وقَّاص! ولا عن علقمة إلاّ من رواية محمد بن إبراهيم التيميّ! ولا عن محمد إلاّ من رواية يحيى بن سعيد الأنصاريّ! وعن يحيى أنتشر!! فرواه عنه أكثر من مائتي إنسان، أكثرهم أئمَّة ؛ ولهذا قال الأئمَّة: ليس هو متواتراً، وإن كان مشهوراً عند الخاصة والعامّة ؛ لأنَّه فقد شرط التواتر في أوَّله.

وفيه طُرفة من طُرَف الإسناد ؛ فإنَّه رواه ثلاثة تابعيُّون، بعضهم عن بعض: يحيى، ومحمّد، وعلقمة. قال جماهير العُلماء - من أهل العربيّة والأصول وغيرهم - : لفظة (إنَّما) موضوعةٌ للحصر، تثبِت المذكور وتنفي ما سواه ؛ فتقديرُ هذا الحديث: إنَّ الأعمال تحسب إذا كانت بنِيّة، ولا تُحسب إذا كانت بلا نيَّة...). ويُلاحظ أيضاً: فتح الباري: ١/ ٨ - ٩.

٦٧

ليسَ منه - أي من المتواتر(١) - وإنْ نقلَه الآن عددُ التواتر وأكثر، فإنَّ جميعَ علماء الإسلام ورواة الحديث الآن يروونه، وهم يزيدون عن عدد التواتر أضعافاً مضاعفة ؛ لأنَّ ذلك التواتر المدَّعى قد طرأ في وسط إسناده إلى الآن، دون أوّله ؛ فقد انفرد به جماعةٌ مترتِّبون، أو شاركهم مَنْ لا يخرج بهم عن الآحاد.

وأكثر ما ادُّعي تواتره من هذا القبيل: ينظر مُدَّعي التواتر إلى تحقُّقه في زمانه، أو هو وما قبله، من غير استقصاء جميع الأزمنة. ولو

أنصف، لوجدَ الأغلب خلوَّ أوّل الأمر منه، بل ربَّما صار الحديث الموضوع ابتداء متواتراً بعد ذلك(٢) ، لكن شرط التواتر مفقودٌ من جهة الابتداء.

ونازع بعض المتأخّرين في ذلك، وادَّعى وجودَ المتواترة بكثرةٍ(٣) ، وهو غريب.

نعم، حديثُ: (مَن كذب عليَّ متعمِّداً، فليتبوأ مقعده من النَّار)(٤) يُمكن ادّعاء تواتره ؛

_____________________

(١) وحديثُ: (إنَّما الأعمالُ بالنيَّات) ليس من ذلك السبيل، وإنْ نقله عدد التواتر وزيادة. مقدِّمةُ ابن الصلاح، ص٣٩٣.

(٢) وعلَّق المددي: (كما في قوله: (إقرار العقلاء على أنفسهم) ؛ فإنَّه اشتهر في ألسنة الفقهاء - سيَّما المتأخِّرين - إسناده إلى النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله . وادّعى الجواهري في كتاب (الإقرار) من كُتُبِ كتابه (جواهرُ الكلام في شرح شرائع الإسلام)، ادّعى: أنَّه مستفيضٌ ؛ بل متواتر. بل في السرائر (ص٣٩١): (لإجماع أصحابنا المنعقد: أنَّ إقرار العقلاء جائز فيما يوجب حكماً في شريعة الإسلام)، فهو في الحقيقة معقد الإجماع، وهكذا عند الجماعة، حيثُ لم نجدْ عندهم هذا المتن في مراجعهم الحديثيَّة، بكونه حديثاً ولو ضعيفاً.

(٣) ينظر: قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث، ص١٤٦، والتدريب، ص١٩٠ - ١٩١، ومحمد الصباح، الحديث النبوي، ص٢٤٦ - ٢٤٨. ويُنظر: الأزهار المُتناثرة في الأخبار المتواترة، ط مطبعة دار التأليف، القاهرة.

(٤) يُنظر: صحيح البخاري: ١/ ٢٢، ط١، باب: أثِمَ مَن كذِبَ على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حديث: ١، ٢، ٣، ٤، ٥. وصحيح مسلم: ١/ ٩ - ١٠، باب: تغليظ الكذب على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حديث: ١، ٢، ٣، ٤. وأُصول الكافي: ١/ ٦٢ ؛ كتاب: فضل العلم، باب: اختلاف الحديث، حديث ١. ويُنظر: مَن لا يحضره الفقيه: ٣/ ٣٧٢، باب: معرفة الكبائر التي أوعد الله عزَّ وجلَّ عليها النار، حديث ١٢. والمصدر نفسه: ٤/ ٢٦٤، باب: النوادر، حديث ٤، وفيه: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (يا علي، مَن كذِب عليَّ متعمِّداً فليتبوأ مقعده من النار). والاحتجاج للطبرسي: ١/ ٣٩٣.

وهناك مصادر أُخر أيضاً مذكورة في هامش علوم الحديث، لصُبحي الصالح: ص٢٠.

٦٨

فقد نقلَهُ عن النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله من الصَّحابة الجمّ الغفير ؛ أي الجمعُ الكثير. قيل - الرواة منهم له - : أربعون. وقيلَ: نيِّف - بفتح النون وتشديد الياء مكسورةُ وقد تُخفَّف - [ وهو] ما زادَ على العقد إلى أن يبلغ العقد الآخر ؛ والمُراد هنا: اثنان - وستون صحابيَّاً. ولم يزَل العددُ الراوي لهذا الحديث في ازدياد(١) .

وظاهرٌ أنَّ التواتر يتحقَّق بهذا العدد، بل بما دونَه.

____________________

(١) يُنظر: مقدِّمة ابن الصلاح، ص٣٩٤، وقواعد التحديث، ص١٧٢ - ١٧٣.

٦٩

الحقل السابع:

في

الآحاد ودرجاته(١)

وهو: ما لم ينته إلى المتواتر منه - أي من الخبر - سواءٌ كان الرّاوي واحداً أم أكثر.

ثُمّ هو ؛ أي خبر الواحد:

مستفيض:

إنْ زادت رواته عن ثلاثة في كلِّ مرتبةٍ(٢) ، أو زادت عن أثنين عندَ بعضهم ؛ مأخوذٌ من فاضَ الماءُ يفيضُ فيضاً(٣) . ويُقال له: المشهور

أيضاً، حين تزيدُ رواتُه عن ثلاثةٍ أو اثنين ؛ سُمّي بذلك لوضوحه. وقد يُغاير بينهما - أي بين المستفيض والمشهور - بأن يُجعَلَ المستفيض ما اتَّصف بذلك في ابتدائهِ وانتهائهِ على السواء، والمشهور أعمُّ من ذلك(٤) . فحديثُ (إنَّما الأعمال بالنيَّات) مشهور غير مستفيض ؛ لأنَّ الشهرة إنَّما طرأت له في وسطه كما مر.

وقد يُطلق المشهور على ما اشتهر على الألسنة، وإنْ اختصَّ بإسنادٍ واحدٍ، بل ما لا يوجد له إسناد أصلا.

وغريب:

إنْ انفرد به راوٍ واحدٌ(٥) ، في أيِّ موضعٍ وقع التفرُّد به من السَّند ؛ وإنْ تعدَّدت الطرق إليه أو منه.

____________________

(١) الذي في المخطوطة (ورقة ١٠، لوحة ١، سطر ٣): (وآحاد: وهو ما لم ينته...) فقط، بدون: (الحقل السابع: في الآحاد ودرجاته).

(٢) أي في كُلِّ طبقة من الطبقات. خطِّيَّة الدكتور محفوظ، ص٩. وينظر: الباعث الحثيث، ص١٦٥ - ١٦٦. هذا، وقد اختاره الشهيد في الذِّكرى، ص٤.

(٣) يُنظر: تهذيب اللّغة للأزهري، ١٢/ ٧٩.

(٤) يُنظر: شرح نخبة الفكر، ص٥، وتدريب الراوي، ص٣٦٨ - ٣٦٩.

(٥) وقد علَّق المددي هنا بقوله: (مثاله: ما انفردَ به أحمد بن هلال العبرتائيّ. وقد قال الشيخ في التهذيب(٩/ ٢٠٤) والاستبصار(٣/ ٢٨) قالقدس‌سره : (لا يُلتفت إلى حديثه فيما يختصُّ بنقلهِ).

كما روى الشيخ في الاستبصار أيضاً (٣/ ٣٥١) بإسنادٍ فيه أحمد بن هلال، عن أبي الحسنعليه‌السلام ، قال: (عُدَّة المرأة، إذا تُمُتِّع بها ثم ماتَ عنها زوجُها، خمسةٌ وأربعون يوما).

٧٠

ثُمَّ إنْ كانَ الإنفراد في أصل سنده، فهو الفردُ المُطلق ، وإلاّ فالفردُ النِّسبي(١) .

وغيرهما - أي ينقسم خبر الواحد إلى غير المستفيض والغريب - وهو: ما عدا ذلك المذكور من الأقسام. فمنه: العزيز ؛ وهو الذي لا يرويه أقلُّ من اثنين، عن اثنين ؛ سُمِّي عزيزاً لقِلَّةِ وجودهِ، أو لكونه عزَّ -أي قوي - بمجيئه من طريقٍ أخرى(٢) . ومنه:المقبولُ ؛ وهو ما يجبُ العملُ به عند الجمهور، ك-: الخبرِ المحتفِّ بالقرائن(٣) ، والصحيحِ عند الأكثر، والحسن على قول. والمردودُ ؛ وهو الذي لم يترجَّح صدق المُخبر به(٤) ؛ لبعضِ الموانع(٥) ، بخلاف المتواتر، فكلُّه مقبولٌ ؛ لإفادته القطعَ بصدق مُخبره. ومنهُ: المُشتَبَه حالُهُ ؛ بسببِ اشتباهِ حال راويهِ،

____________________

(١) سُمّي نسبيَّاً ؛ لأنَّ التفرَّد فيه حَصَلَ بالنسبة إلى شخص مُعيَّن، وإنْ كان الحديثُ في نفسه مشهوراً. خطِّيَّة الدكتور محفوظ، ص١٠، وينظر: قواعد في علوم الحديث، للتهانوي، ص٣٣.

(٢) ينظر: شرح نُخبة الفكر، ص٥، وفتح المغيث، للعراقي، ٤/ ٢، وتدريب الراوي، ص٣٧٥، وقواعد في علوم الحديث، للتهانوي، ص٣٢.

(٣) وقد علَّق المددي هنا بقوله: (يُراد بالقرائن هنا عمل الأصحاب به، واعتمادهم عليه، واعتناؤهم بشأنه ؛ بتدوينه في كتبهم، وذكره في أكثر المجاميع الحديثيَّة. هذا كلُّه مضافاً إلى موافقته مع الكتابِ العزيز والسُّ-نَّة الشريفة ؛ بأن تكون عليه شواهدُ من الكتاب والسُّ-نَّة (فإنَّ - كما في صحيحة محمد بن مسلم - على كُلِّ حقٍّ حقيقةً، وعلى كلّ صوابٍ نوراً، فما وافقَ كتاب اللهِ فخذوه، وما خالفَ كتابَ الله فاطرحوه) ).

(٤) قال التهانوي: (المردود: وهو ما رجُحَ كِذبُ المُخبر به). قواعد في علوم الحديث، ص٣٣.

(٥) كالفسق ونحوه. خطِّيَّة الدكتور محفوظ، ص ١٠.

٧١

وهو مُلحقٌ بالمردود عندنا ؛ حيثُ نشترط ظهور عدالة الرَّاوي، ولا نكتفي بظاهر الإسلام أو الإيمان(١) .

_____________________

(١) وقد علَّق المددي هنا بقوله: (خلافاً لجمع من المحقِّقين، حيث اكتفوا بظاهرهما ؛ وكأنَّه مبنيٌّ على: أصالة العدالة) في كلِّ مَن لم يُذكر بمدحٍ ولا قدحٍ. وهذا الاكتفاء، من المسائل الدقيقة الهامّة ؛ حيث يبتنى عليه جوازُ العمل برواياتٍ كثيرةٍ جدَّاً، أو طرحها.

٧٢

الحقلُ الثامن:

في

حصرِ الأخبار(١)

والأخبارُ مطلقاً - متواترةً كانت أم أحاداً، صحيحةً كانت أم لا - غير مُنحصرة في عددٍ مُعيَّن، بحيثُ لا يقبلُ الزيادةَ عليه ؛ لإمكان وجود أخبارٍ أُخرى بيد بعض الناس لم تصل إلى الجامع(٢) .

ومن بالغ في تتبُّعها وحصرها في عدد، كقول أحمد(٣) : (صحَّ من الأحاديث سبعمائة ألفٍ وكسر)(٤) فبحسب ما وصل إليه، لو سُلِّم ذلك

له. وحصر أحاديث أصحابنا أبعد ؛ لكثرة مَن روى عن الأئمةعليهم‌السلام منهم.

وكان قد استقرَّ أمر المتقدِّمين على أربعمائة مصنَّف لأربعمائة مصنِّف(٥) ؛ سمُّوها: الأُصول. وكان عليها اعتمادهم، ثم تداعت الحال إلى ذهاب معظم تلك الأُصول.

_____________________

(١) الذي في النسخة الخطِّيَّة (ورقة ١٠، لوحة ب، سطر ١٠): (والأخبار مطلقاً) فقط، بدون: (الحقل الثامن: في حصر الأخبار).

(٢) قال ابن كثير: (ثمَّ إنَّ البخاريَّ ومسلماً لم يلتزما بإخراج جميع ما يُحكم بصحَّ-ته من الأحاديث، فإنَّهما قد صحَّحا أحاديث ليست في كتابيهما ؛ كما ينقل الترمذيُّ وغيره عن البخاريِّ تصحيح أحاديث ليست عنده، بل في السُّنن وغيرها). الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث: ص٢٥، ص٢٦ - ٣٦.

وقد علَّق المددي هنا بقوله: (كما اطَّلعنا على رواياتٍ كثيرةٍ للإمامية منثورة في كتب الزيديَّة ؛ من قبيل: تيسير المطالب في أمالي الإمام أبي طالب... وفي كتب غير الإمامية، وهي مرويَّة بطرق أصحابنا، ومأخوذةٌ عن أُصولنا الحديثية ؛ إلاّ أنَّ أصحابنا لم يذكروها في المجاميع الحديثيّة ؛ فتجد - مثلاً - روايات كثيرةً مرويَّةً عن كتب البرقيِّ، والصفّار، والحسين بن سعيد، وغيرهم، كما في شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني.

(٣) أحمد بن محمد بن حنبل، أبو عبدالله الشيباني الوائليَّ ؛ إمام المذهب الحنبليِّ. أصلُه من مرو، وكان أبوه والي سرخس. وُلِدَ ببغدادَ سنة ١٦٤ه-، فنشأ منكبَّاً على طلب العلم ، وسافر في سبيله أسفاراً كبيرةً إلى الكوفة، والبصرة، ومكَّة، والمدينة، واليمن، والشام، و الثغور، والمغرب، والجزائر، وفارس، وخراسان، والجبال، والأطراف. وصنَّف: المسند - ط، ستة مجلدات، يحتوي على ثلاثين ألف حديث، وتوفِّي سنة ٢٤١ه-. ينظر: الأعلام: ١/ ١٩٢ - ١٩٣.

(٤) ينظر: تدريب الراوي، ص٨.

(٥) ينظر: المُعتبر في شرح المختصر، للحلِّي، ص٥، والوجيزة، للشيخ البهائي، ص١٨٣، والذريعة، للطهراني: ٢/ ١٢٥ - ١٧٠، ٦/ ٣٠١ - ٣٧٤، وأعيان الشيعة، للعاملي: ١/ ٢٦٢ - ٢٦٣، وذكرى الشيعة في أحكام الشريعة، ص ٦.

٧٣

ولخَّصها جماعة في كتبٍ خاصَّة، تقريباً على المتناول.

وأحسن ما جمع منها: الكتاب(الكافي )(١) لمحمد بن يعقوب الكليني(٢) ، و(التهذيب) (٣) للشيخ أبي جعفر الطوسي(٤) . ولا يُستغنى بأحدهما عن الآخر ؛ لأنَّ الأوَّل أجمع لفنون الأحاديث، والثاني أجمع للأحاديث المختصَّة بالأحكام الشرعيَّة.

وأمَّا(الاستبصار) (٥) ، فإنَّه أخصُّ من التهذيب غالباً، فيُمكن الغناء عنه به، وإنْ اختصَّ بالبحث عن الجمع بين الأخبار المختلفة، فإنَّ ذلك أمر خارج عن أصل الحديث.

فكتاب(مَن لا يحضره الفقيه) (٦) حسن أيضاً، إلاّ أنَّه لا يخرج عن الكتابين غالباً.

وكيف كان، فأخبارنا ليست منحصرةً فيها، إلاَّ أنَّ ما خرج عنها صار الآن غير مضبوط، ولا يُكلَّف الفقيه بالبحث عنه(٧) .

____________________

(١) قال الكليني: (وقلتَ: إنَّك تحبُّ أن يكون عندك كتاب كافٍ ؛ يجمعُ من جميع فنون علم الدين ما يكتفي به المتعلِّم، ويرجع إليه المسترشِد، ويأخذُ منه مَن يريدُ علم الدين والعمل به بالآثار الصحيحة عن الصادقينعليهما‌السلام ). الكافي: ١/ ٨.

وكان هذا الكتاب معروفاً ب-: الكليني (يُنظر: الرجال، للنجاشي، ص٢٦٦)، ويُسمَّى أيضاً: الكافي (ينظر: الرجال، للنجاشي، ص٢٦٦، والفهرست، للطوسي، ص١٣٥، ومعالم العُلماء، لابن شهر آشوب، ص٨٨). علماً بأنَّه مؤلَّف في طبعته الثالثة (١٣٨٨ه-) من: جُزأين في الأصول، وخمسة في الفروع، وواحدٍ في الروضة ؛ فيكون المجموعُ: ثمانية.

(٢) محمد بن يعقوب بن إسحاق، أبو جعفر الكليني، فقيه إمامي، من أهل كُلين بالري. كان شيخ الإمامية بالريّ وبغداد، توفِّي في بغداد سنة ٣٢٩ه-. من كتبه: الكافي في علم الدين - ط، والردِّ على القرامطة، ورسائل الأئمَّة، وكتاب في الرجال. ينظر: الأعلام للزركلي: ٨/ ١٧، ورجال النجاشي، ص٢٦٦.

(٣) والمُسمَّى في طبعته الثالثة (١٣٩٠ه-): تهذيب الأحكام، وكما سمَّاه مؤلِّفه أيضاً في مقدِّمة الاستبصار (٢/١). وهو كتاب في شرح المقنعة، للشيخ المفيد (رضوان الله عليه) ؛ وهو يقع في عشرة أجزاء.

(٤) محمد بن الحسن بن علي الطوسي: مفسِّر. نعته السبكيُّ بفقيه الشيعة ومصنِّفهم. ولد سنة ٣٨٥ه-، وانتقل من خراسان إلى بغداد سنة ٤٠٨ه- وأقام أربعين سنة، ورحل إلى الغريِّ بالنجف. فاستقرّ فيها إلى أن توفِّي سنة ٤٦٠ه-. من تصانيفه: التّبيان الجامع لعلوم القرآن - تفسير كبير مطبوع، والاستبصار فيما اختلف فيه من الأخبار - ط، والمبسوط في الفقه - ط، والعُدَّة في الأصول - ط،.... ينظر: الأعلام للزركلي: ٦/ ٣١٥.

(٥) واسمه الكامل: الاستبصار فيما اختلف من الأخبار، كما في طبعته الثالثة (سنة ١٣٩٠ه-).

(٦) كما سُمِّي بذلك من قِبَل مؤلِّفه في مقدِّمته (ج١/ ٣)، غير أنَّ التسمية على الغلاف في طبعته الخامسة (١٣٩٠ه-): فقيه مَن لا يحضره

الفقيه. وهو في أربعة أجزاء.

(٧) وقد علَّق المددي هنا بقوله: (في مثل هذا الإطلاق تأمُّل ؛ يتَّضح بعد الاطِّلاع على الكتب الفقهيَّة الاستدلاليَّة).

٧٤

الحقل التاسع:

في

تحديد البحث(١)

واعلم أنَّ متن الحديث نفسه لا يدخل في الاعتبار - أي اعتبار أهل هذا الفنِّ - إلاّ نادراً، وإنَّما يدخل في اعتبار الباحث عنه بخصوصه ؛ كالفقيه في متون الأحاديث الفقهيَّة(٢) ، والشارح لها ؛ حيث يبحث عمَّا يتعلَّق به منها.

واستُثني النادر ليدخل مثل الحديث: المقلوب، والمصحَّف، والمضطرب، والمزيد ؛ فإنَّه يبحث عنها في هذا العلم مع تعلُّقها بالمتن، بل يكتسب الحديث صفةً من القوَّة والضَّعف وغيرهما من الأوصاف؛ بحسب أوصاف الرُّواة ؛ من العدالة، والضَّبط، والإيمان. وعدمها ؛ كغير ذلك من الأوصاف(٣) .

أو بحسب الإسناد ؛ من الاتصال، والانقطاع، والإرسال، والاضطراب، وغيرها.

____________________

(١) الذي في النسخة الخطِّيَّة (ورقة ١١، لوحة ب، سطر ١): (واعلم أنَّ متن الحديث) فقط، بدون: (الحقل التاسع: في تحديد البحث).

(٢) قال أبو نصر، حسين بن أحمد الشيرازي: (العالم: الذي يعلم المتن والإسناد جميعاً، والفقيه: الذي عرف المتن ولا يعرف الإسناد، والحافظ: الذي يعرف الإسناد ولا يعرف المتن، والراوي: الذي لا يعرف المتن ولا يعرف الإسناد). ينظر: تدريب الراوي، ص٥.

(٣) الثقة والضعف. خطِّيَّة الدكتور محفوظ، ص١١. والذي في النسخة الخطِّيَّة المعتمدة (ورقة ١١، لوحة ب، سطر ٧): (كبين ذلك).

٧٥

الحقل العاشر:

في

خطَّة البحث(١)

وتحرير البحث عن ذلك في هذا العلم ؛ بذكر أوصافه وتمييز بعضها عن بعض، ينجرُّ إلى: بيان أنواعه ؛ من الصحة وأضدادها، من الحسن والثقة والضّعف، وغيرها ؛ حتى يقال: حديث صحيح، أو حسن، أو موثَّق، أو ضعيف. وينجرُّ إلى:بيان الجرح للرواة والتعديل لهم ؛ فيُقال: فلانٌ ثقة، أو غير ثقة، أو متَّهم، أو مجهول، أو كذوب، ونحو ذلك ؛ ليترتَّب عليه ما سبق من الأنواع(١) .

وإذا نُظِرَ إلى حال الطالب، انجرَّ النظر إلىكيفيَّة أخذه ؛ وطُرُق تحمُّله من: القراءة، والسماع، والإجازة، والمناولة، وغيرها. وينجرُّ الكلام إلى البحث عن:أسماء الرواة المتَّفقة الإسم والمفترقة، وأنسابهم ، ونحو ذلك.

وهذا التقرير ؛ يُناسب إفرادَ كلِّ مطلبٍ منها ببابٍ يخصُّه ؛ فها هنا أبوابٌ أربعةٌ:

الأوّل : في أقسام الحديث.

والثاني : في مَن تُقبل روايتُه أو تُرَدُّ.

والثالث : في طُرق تحمُّله ومحلِّه وكيفية روايته.

والرابع : في أسماء الرجالِ وطبقاتهم.

____________________

(١) الذي في النسخة الخطِّيَّة (ورقة ١١، لوحة ب، سطر٨): (وتحرير البحث) فقط، بدون: (الحقل العاشر: في خطَّة البحث).

٧٦

الباب الأوَّل:

في

أقسامِ الحديث

٧٧

٧٨

القسم الأوَّل:

في

الأحاديثِ الأصول

وفيه نظران:

النظر الأوَّل: في درجات الأصول

وفيه حقول:

الحقل الأوَّل:

في الصحيح(١)

وهو: ما اتّصل سندهُ إلى المعصوم، بنقل العدل الإمامي عن مثله، في جميع الطبقات، حيث تكونُ متعدِّدة، [وإنْ اعتراهُ شذوذٌ](٢) .

أ - فخرج باتّصال السند : المقطوع في أيِّ مرتبةٍ اتّفقت ؛ فإنَّه لا يُسمَّىصحيحاً ، وإن كان رواته من رجال الصحيح.

ب - وشمل قوله(إلى المعصوم) : النبيّ، والإمام.

ج- - وبقوله(بنقل العدل) : الحسن.

د - وبقوله(الإمامي) : الموثَّق.

ه- - وبقوله(في جميع الطبقات) : ما اتّفق فيه واحدٌ بغير الوصف المذكور ؛ فإنَّه - بسببه - يلحق بما يُناسبه من الأوصاف، لا بالصحيح ؛ وهو واردٌ على مَن عرَّفه من أصحابنا - كالشّهيد(٣) في الذكرى - بأنَّه: (ما اتّصلت روايتُهُ إلى المعصوم، بعدلٍ إمامي)(٤) ؛ فإنَّ اتّصالهُ

____________________

(١) الذي في النسخة الخطِّيَّة (ورقة ١٢، لوحة ١، سطر ٧): (الأوَّل: الصحيح) فقط، بدون: (النظر الأول: في درجات الأصول، وفيه حقول، الحقل الأول: في الصحيح).

(٢) هذه العبارة أضفناها، وقد استفدناها من تنبيه المؤلِّف إليها ؛ حيث يجيء فيما بعد: (ونبّه بقوله: وإن اعتراه شذوذ) ؛ ويحتمل أن تكون قد سقطت من قلم الناسخ.

(٣) الشهيد الأوّل (٧٣٤ - ٧٨٦ه-، ١٣٣٣ - ١٣٨٤م) محمد بن مكّي بن حامد العاملي النبطيّ الجِزّيني.... ينظر: الأعلام: ٧/ ٣٣٠.

(٤) ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة، ص٤.

٧٩

بالعدلِ المذكور، لا يلزم أن يكونَ في جميع الطبقات، بحسبِ إطلاقِ اللّفظ، وإنْ كانَ ذلك مُراداً.

و - ونبَّهَ بقوله(وإن اعتراه شذوذ) : على خلافِ ما اصطلح عليه العامّة من تعريفه ؛ حيث اعتبروا سلامته من الشذوذ، وقالوا في تعريفه: إنَّه (ما اتّصل سنده، بنقل العدل الضابط(١) ، عن مثله، وسَلِمَ عن شذوذٍ وعِلّة)(٢) .

وشمل تعريفهم بإطلاق العدل جميع فِرَقِ المسلمين ؛ فقبلوا روايةَ المُخالف العدل، ما لم يبلغ خلافه حدَّ الكفر(٣) ، أو يكن ذا بدعة ويروي ما يقوِّي بدعته، على أصحّ أقوالهم(٤) .

وبهذا الاعتبار كثُرت أحاديثهم الصحيحةُ وقلّت أحاديثنا [الصحيحة]، مُضافاً إلى ما اكتفوا به في العدالة ؛ من الاكتفاء بعدم ظهور الفسق، والبناء على ظاهر حال المُسلم(٥) ؛ فالأخبار الحسنة والموثّقة عندنا، صحيحةٌ عندهم، مع سلامتها من المانِعين المذكورين(٦) .

واحترزوا بالسلامة من الشذوذ، عمَّا رواه الثقة، مع مخالفته ما روى الناس، فلا يكونُ صحيحاً.

وأرادوا بالعلّة: ما فيه أسباب خفيّةٌ قادِحةٌ، يستخرجُها الماهر في الفنّ ؛ وأصحابنا لم يعتبروا في حدّ الصحيح ذلك.

____________________

(١) المرادُ بالضابط: مَن يكون حافظاً ميتقّظاً، غيرَ مغفّلٍ ولا ساهٍ ولا شاكٍ، حالةَ التحمّل. خطِّيَّة الدكتور محفوظ، ص١٣.

(٢) الخلاصة في أصول الحديث، ص٣٥، وينظر: الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث، ص٢٢.

(٣) علَّق المددي هنا بقوله: (ادّعى النواوي الاتفاق على عدم الاحتجاج بحديث مَن كُفّر ببدعته من المسلمين ؛ وتعقّبه السيوطي كما في تدريب الراوي (١/ ٣٢٤) بعدم ثبوت الاتفاق ؛ قال: فقد قيل أنَّه يُقبَل مُطلقاً، وقيلَ: يُقبل إن اعتقدَ حُرمةَ الكذب، وصحّحه صاحب (المحصول) ).

(٤) قال المددي: (حُكي عن مالك أنَّه لا يقبل أخبار أصحاب البدع والأهواء مُطلقاً ؛ والثوريّ والقاضي أبي يوسف وابن أبي ليلى: ما يُوافق ما في المتن ؛ وعن أحمد بن حنبل وابن حبّان والنواوي والسيوطي: أنَّه لا تُقبَلُ أخبارُ الداعية مُطلقاً، وتُقبَل أخبار غير الدّعاة، وقيل: هذا قولُ الأكثر عندهم. يُنظر: الكفاية للخطيب البغدادي، ص١٩٤ - ١٩٥، وتدريب الراوي: ١/ ٣٢٤ - ٣٢٥ ).

(٥) وعلَّق المددي هنا أيضاً بقوله: (نسبه الخطيب في الكفاية (ص١٤١) إلى أهل العراق، مخالفين بذلك الجمهور ؛ القائلين بعدم الاكتفاء بظاهر حال المسلم، وللتفصيل ينظر: تدريب الراوي: ١/ ٣١٦ - ٣٢٠ ).

(٦) قال المددي: أي: الشذوذ، والعِلّة.

٨٠