تاريخ علم الرجال

تاريخ علم الرجال37%

تاريخ علم الرجال مؤلف:
تصنيف: علم الرجال والطبقات
الصفحات: 154

تاريخ علم الرجال
  • البداية
  • السابق
  • 154 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 148142 / تحميل: 7256
الحجم الحجم الحجم
تاريخ علم الرجال

تاريخ علم الرجال

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

تاريخ علم الرجال

تأليف العلامة

الشيخ حسين الراضي العبد الله

١

هذا الكتاب

نشر إليكترونياً وأخرج فنِّياً برعاية وإشراف

شبكة الإمامين الحسنينعليهما‌السلام للتراث والفكر الإسلامي

وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً

قسم اللجنة العلمية في الشبكة

٢

تَاريخُ عِلْمِ الرِجالِ

تأليف: حسين الراضي العبد الله

٣

المُقدّمة

٤

٥

البابُ الأوّل

تاريخ عِلم الرجال خلال القُرون الخمسة

٦

قبل الدُخول في ذلك، لا بُدّ مِن تعريف عِلم الرجال، والبحث عن موضوعه، والتعرُّف على أهميّته.

تَعريفُ عِلم الرِجالِ:

لعلّ أحسن التعاريف التي عُرّف بها عِلم الرجال، ما ذكره المولى علي كني، في حاشية توضيح المقال، قال: هو (ما يُبحث فيه عن أحوال الراوي مِن حيث اتّصافه بشرائط قبول الخَبر وعدمه)(١) .

وعلّق هو على هذا التعريف بقوله:

وهذا الحدُّ مانع، وجامع لجميع مسائل هذا العِلم، ممّا كان له تعلُّق بذات المُخبر أوّلاً وبالذات، وبالخَبر ثانياً وبالعَرض، كقولهم بأنّ فلاناً عدلٌ أو فاسق، لاقى فلاناً أو لم يلاقه، أو بالعكس كقولهم أجمعتْ العصابة على تصحيح ما يصحّ عن فلان، لإفادة ذلك المدح اتّفاقاً لمَن يُقال في حقّه(٢) .

مَوضوعُ عِلم الرجال:

موضوع كلّ عِلم ما يدور عليه ذلك العِلم مِن أبوابه وفُصوله ومسائله، وبالنسبة إلى عِلم الرجال موضوعه: هو الراوي للحديث(٣) .

____________________

(١) وجيزة في عِلم الرجال للمشكّيني: الهامش ص١٨.

(٢) وجيزة في عِلم الرجال للمشكّيني: الهامش ص١٨.

(٣) وجيزة في عِلم الرجال للمشكّيني: الهامش ص١٧.

٧

الحاجة إلى عِلم الرجال:

لا يخفى على مَن كان له أدنى اطّلاع على مسار استنباط الأحكام الشرعيّة أهميّة عِلم الرجال، ومقدار تدخُّله في استنباط الأحكام الشرعيّة، ولا يمكن أن يُصغى إلى مَن أنكر أهميّة هذا العِلم، ولا يُمكن لأيّ فقيه أن يستغني عن عِلم الرجال، فإنّ استنباط الحُكم الشرعي - في الغالب - لا يكون إلاّ مِن الروايات المأثورة عن أهل بيت العِصمة صلوات الله عليهم أجمعين، والاستدلال بها على ثُبوت حُكم شرعيّ يَتوقّف على إثبات أمرين:

١- إثبات حُجّيّة الخبر الواحد

٢- إثبات حجّيّة ظواهر الروايات بالإضافة إلينا أيضاً

وكلّ خَبر عن معصوم لا يكون حجّة، وإنما الحجّة هو خُصوص خبر الثقة أو الحسن، ومِن الظاهر أن تشخيص ذلك لا يكون إلاّ بمُراجعة عِلم الرجال، ومعرفة أحوالهم، ويتميز الثقة والحسن عن الضعيف(١)

وهذا يحتاج إلى جُهد كبير، وتتبُّع تامّ، بل وفي حالات كثيرة إلى إجراء عمليّة الاجتهاد في ذلك، وترجيح أحد الأقوال وإعمال النظر.

فإن حَمَلَة الأحاديث، وحَفَظَة السُنَن الّذين كانوا معاصرين للمعصومين، مِن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى آخر الأئمّةعليهم‌السلام ، فإنّهم يرجعون إليهم، ويُشافهونهم في أخذهم تلك الأحاديث، أو سؤالهم عندما يستشكلون في صحّة الحديث، وقد اهتمّ الأئمّةعليهم‌السلام وأصحابهم بالرواة للأحاديث، وتمييز مَن يُعتمد عليه، ومَن لا يُعتمد عليه، وكان رواة الأحاديث تَزداد في كلّ سَنَة حتّى

____________________

(١) معجم رجال الحديث ج١ ص٢٠ باختصار.

٨

قد أُحصي عدّة ثقات الرواة عن الإمام الصادقعليه‌السلام أربعة آلاف رجل، وقال الحسن بن عليّ الوشّاء: فإني أدركت في هذا المسجد - أي مسجد الكوفة - تسعمائة شيخ كلّ يقول: حدّثني جعفر بن محمّدعليه‌السلام (١) .

وقد اهتمّ أصحاب الأئمّة والعُلماء على مرِّ التاريخ بذِكر أسماء رواة الأحاديث، وشرح أحوالهم، وتوثيقهم أو جرحهم، وتعيين أزمِنتهم، وتاريخ ولادتهم ووفياتهم.

إلى غير ذلك ممّا يَرجع إلى تعريفهم وكشف أحوالهم.

لمحة عن تاريخ عِلم الرجال:

إذا أخذنا عِلم الرجال بمعناه الأعم، الباحث في أحوال الرواة وقبولهم وعدم قبولهم، فإنّ نظرة سريعة على تاريخ عِلم الرجال يعود بنا العهد إلى النصف الأوّل مِن القرن الأوّل، حيث إنّه في سَنة ٤٠ه- كَتب عبيد الله بن أبي رافع - مولى رسول الله (ص) - كتاباً في الصحابة الّذين شهدوا مع أمير المؤمنينعليه‌السلام حُروبه مِثل: صفّين، والجمل، والنهروان، وتعيين مَن كان منهم مِن البدريّين.

____________________

(١) رجال النجاشي ج١ ص ١٣٩.

٩

مِن أعلام علماء الرجال

١٠

القَرن الأوّل

١- عبيد الله بن أبي رافع: مِن أعلام القرن الأول(١) .

كان مِن خيار الشيعة وصُلحاء الأُمّة، وكان مولى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد روى عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قوله لجعفر:

( أشبهت خَلْقِي وُخلُقِي )(٢) .

وبعد وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لزم أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وشِهد معه حُروبه، وأصبح صاحب بيت المال في الكوفة، وكاتباً له مُدّة خلافتهعليه‌السلام ، وكان مُنقطعا إليه.

____________________

(١) مصادر ترجمته: رجال البرقي ص٥، رجال النجاشي ص٦٢ في ترجمة أبيه، رجال الطوسي ص٤٧ في أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام رقم ١٧ مِن حرف العين، فهرست كُتب الشيعة وأصولهم للطوسي برقم ٤٦٨، قاموس الرجال للتستري ج٧ برقم ٤٧٠٧، أعيان الشيعة ج٢ ص ٢٥٨، مُعجم رجال الحديث ج١١ ص ٦٢ رقم ٧٤٣٣، معالم العُلماء لابن شهر أشوب ص ٧٧، تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام ص ٢٣٢ و ٢٨١، طبقات الفقهاء بإشراف السبحاني ج١ ص ٤٥٠ رقم ٢٠٧.

ومِن العامّة: كتاب الث-قات لابن حبان برقم٢٣٠٠، تاريخ بغداد ج١٠ ص٣٠٤ برقم ٥٤٥٣، تهذيب الكمال ج١٩ برقم ٣٦٣٢، تهذيب التهذيب ج٧ ص١١، تقريب التهذيب برقم ٤٣١٦، الجامع الصحيح للترمذي ج٣ ح٦٥٧، وفي هامش تهذيب الكمال للمزي ج١٩ ص٣٤ نَقل عن: طبقات ابن سعد ج٥ ص٢٨٢، وتاريخ الدوري ج٢ ص٣٨٢، وابن الجُنيد الورقة ٣، وتاريخ خليفة: ٢٠٠، وطبقاته: ٢٣١ و٢٣٩، وتاريخ البخاري الكبير رقم الترجمة: ١٢١٧ و ١٩٤١، وث-قات العجلي الورقة ٣٥، وغيرها.

(٢) الإصابة لابن حجر ترجمة رقم ٥٣٠٧ عندما ترجمه بعنوان عبيد الله بن أسلم الهاشمي، مولى رسول الله (ص)، الكامل لابن عدي ج٦ ص٤٢٦، وفي هامشه عن مسند أحمد ج١ ص٩٨ و١٠٨ و١١٥، ونقله الخطيب في تاريخ بغداد ج١١ ص١٧١ رقم ٥٨٧٠، وأصل الحديث موجود في البخاري، رقم الحديث قبل ٣٧٠٨، كِتاب ٦٢ باب ١٠.

١١

روى عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وعن أبيه أبي رافع، وأُمّه أُمّ رافع واسمها: سلمى.

وروى عنه أولاده وهّم: إبراهيم، وعبد الله، وعون، ومحمّد، وغيرهم.

وقد عدّه عُلماء الشيعة مِن خواصّ أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وأثنوا عليه ثناءً جميلاً.

وقد وثّقه مِن عُلماء العامّة: ابن حِبَّان، وابن سعد، وأبو حاتم، والخطيب، والدوري، وابن الجُنيد، والعجلي، وابن شاهين، وابن حجر، والمزي وغيرهم(١) .

فقد ذكره ابن حِبّان في كِتاب الث-قات(٢) .

وقال الخطيب: وكان ثقة(٣) .

وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، وذكره في الطبقة الثانية مِن أهل

المدينة(٤) .

وقال ابن حجر: كان كاتب عليّ، وهو ثقة مِن الثالثة(٥) .

وانظر توثيق: الدوري وأبي حاتم والعجلي وابن شاهين له في هامش تهذيب الكمال(٦) .

____________________

(١) اُنظر ذلك في حاشية كتاب الفُصول المُهمّة المُحقََق تحت رقم ٦٠٢، وتهذيب الكمال.

(٢) كتاب الث-قات ج٢ ص٢٩٨ برقم ٢٣٠٠.

(٣) تاريخ بغداد ج١٠ ص٣٠٤ برقم٥٤٥٣.

(٤) تهذيب التهذيب ج٧ ص١١، تهذيب الكمال ج١٩ ص٣٥ عن الطبقات.

(٥) تقريب التهذيب ص٦٣٧ برقم٤٣١٦.

(٦) تهذيب الكمال ج١٩ ص٣٥.

١٢

كما ترجمه المزي وابن حجر، ووضعا عليه علامة رواية أصحاب الصحاح الستّة عنه.

وترجمه ابن حجر في الإصابة بعنوان: عبيد الله بن أسلم الهاشمي مولى رسول الله (ص)، وذكر عنه الحديث المتقدّم(١) .

وأسلم أسم أبي رافع.

وقد ترجمه عُلماء الإسلام على اختلاف طبقاتهم ومذاهبهم، فمنهم:

النجاشي في الرجال في ترجمة أبيه، والطوسي في الفهرست والرجال، والبرقي، وغيرهم مِن عُلماء الشيعة، وترجمه أيضاً عدد كبير مِن عُلماء السُنّة(٢) .

وهذا الكتاب الذي كتبه عبيد الله بن أبي رافع بعنوان: ( تسمية مَن شَهِد مع أمير المؤمنينعليه‌السلام الجَمل، وصفّين، والنهروان مِن ال صحابة رضي ‌الله‌ عنهم ).

رواه عنه ابنه عون عن أبيه.

ذكره الشيخ الطوسي في الفهرست، وذكر سنده إليه، وذكر له كتاب قضايا أمير المؤمنينعليه‌السلام ، بعد أن عنونه أنّه: كاتبُ أمير المؤمنينعليه‌السلام (٣) .

والكتاب الأخير ذكره النجاشي لأبيه.

____________________

(١) الإصابة رقم الترجمة ٥٣٠٧.

(٢) اُنظر ذلك في تعليقنا على الفُصول المهمّة تحت رقم ٦٠٢.

(٣) فهرست كتاب الشيعة وأُصولهم ص٣٠٦ رقم ٤٦٨ بتحقيق السيّد عبد العزيز الطباطبائي، وص١٣٧ بتحقيق السيّد محمّد صادق بحر العلوم. وانظر قاموس الرجال ج٧ ص٥٦ برقم ٤٧٠٧.

١٣

الطبراني، وابن حجر، وابن الأثير ينقلون عن الكتاب:

نقل الطبراني في المُعجم الكبير عن كتاب عبيد الله بواسطة شيخه الحضرمي وغيره رقم الحديث: ١٦١٢ و٢٠٨٦ و٢١٩٧ و٢١٩٨ و٣٣٩٤ و ٣٥٥٧ و٤١٢٥ و٤٦٠٩ و٤٦١٠ و٥١٥٤.

ونقل ابن حجر عن كتاب عبيد الله بن أبي رافع ( مَن شَهِد صِفّين مع عليّ مِن الصحابة )، التراجم برقم: ٦٣٣ و٩٥٣ و١٠٦٤ و١٠٧٦ و١٠٨٣ و١٠٩٠ و١٥٠٠ و١٧٣٦ و٢١٦٢ و٢٥٧٩ و٢٦٢٨ و٢٨٨٣ و٤٤٦٦ و٥٣١٦ و٥٥٣٨ و٥٦٢٠ و٥٧٨٦ و٦٠٤٢ و٦٦٠١ و٦٦٠٦ و٧٤٣٢ و٨٢٦٠.

وفي طبع السعادة بمصر جاء في: ج ١ص١٤٦و ٢٢٣ و٢٢٤ و٢٢٥ و ٢٩٢و ٣٣٦و٤٥٦ و ٤٥٨و ٥٠٣ و٥١٧ و٥٦٠ ، وج ٢ص١٧٤ و٤٧٧.

وكذلك ابن الأثير نقل عن هذا الكتاب في كتابه أُسد الغابة ج١ ص ٢٦٧ وج ٢ ص ٢٤ و ١٢٣و ١٢٨ و ١٦٣و ٢٢٠ طبع مصر.

وفاته:

والذي يبدو أنّه توفّي قبل نهاية القَرن الأوّل، وإن كان تأليفه للكتاب حدود سَنة ٤٠ه- كما يقول الطهراني(١) ، إلاّ أنّ ابن حجر في تقريب التهذيب ترجمه، وجعله مِن الطبقة الثالثة، أي أن وفاته بعد المائة(٢) .

والصحيح أنّه قبل المائة، فإن ابن سعد ذَكره في الطبقة الثانية مِن أهل المدينة.

____________________

(١) الذريعة ج ١٠ ص ٨٤.

(٢) تقريب التهذيب ص٦٣٧ برقم ٤٣١٦.

١٤

أوّلُ مَن ألّفَ في عِلمِ الرِجال:

ادّعى صالح بن محمّد البغدادي(١) ، وكذلك السيوطي في كتاب الأوائل:

أنّ أوّل مَن تكلّم في الرجال هو شعبة بن الحجّاج الأزدي المُتوفّى ١٦٠ ه- (وشعبة مِن أهل السُنّة ).

وأنت خبير أنّ أوّل مَن تكلّم في عِلم الرجال وألّف فيه هو عبيد الله بن أبي رافع في النِصف الأوّل مِن القرن الأوّل، وقبل شعبة بمائة سَنة.

بل قد تقدّم أن شعبة بن الحجّاج يروي عن أجلح بن عبد الله الكندي المُتوفّى ١٤٥ه-، وعن لوط بن يحيى الأزدي أبي مِخنف المُتوفّى ١٥٨ه- وهما مِن الشيعة، وقد سبقاه في التأليف.

ملاحظة:

ذكرَ العلاّمة السيد حسن الصدر في تأسيس الشيعة ص٢٣٣ أن وفاة شعبة ٢٦٠ه- وهو اشتباه قطعاً، فإنّ المزّي ترجم شعبة في تهذيب الكمال ج٢ ص٤٩٥، وذكر تاريخ وفاته ١٦٠ه- وشعبة يروي عن أجلح الكندي المُتوفّى ١٤٥ه- وعن أبي مِخنف المُتوفّى ١٥٨ه- فلاحظ.

ولعله خطأ مطبعي.

____________________

(١) تهذيب الكمال للمزي ج١٢ ص٤٩٤.

١٥

٢ - الأصبغ بن نُباته: تُوفّي بعد ١٠١ه-(١) .

الأصبغ بن نباته ابن الحارث بن عمرو التميمي الحنظلي الدارمي المُجاشعي أبو القاسم الكوفي.

قال النجاشي ( ٤ ): كان مِن خاصّة أمير المؤمنينعليه‌السلام .

روى عنهعليه‌السلام عهد الأشتر، ووصيّته إلى محمّد ابنه، له كِتاب مَقتل الحسين بن عليّعليهما‌السلام ، رواه عنه أبو الجارود(٢) .

وقال الطوسي في الفهرست ( ١١٩ ): كان مِن خاصّة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وعَمّر بعده، وروى عهد مالك الأشتر الذي عهده إليه أمير المؤمنينعليه‌السلام لمّا ولاّه مصر، ووصيّة أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى ابنه محمّد بن الحنفيّة(٣) .

____________________

(١) رجال النجاشي ص٦٩ برقم ٤، رجال البرقي ص٥، اختيار معرفة الرجال ( رجال الكشّي ) ص١٠٣ برقم ١٦٤ و١٦٥، رجال الطوسي ص٣٤، الفهرست للطوسي ص٦٢ برقم ١١٩ طبع النجف، معالم العُلماء ص٢٧ برقم ١٣٨، الرجال لابن داود الحلّي ص٥٢ ب-رقم ٢٠٤، رجال العلاّمة الحلّي ص٢٤ برقم ٩، مجمع الرجال ج١ ص٢٣١ - ٢٣٣، جامع الرواة ج١ ص١٠٦، رجال السيّد بحر العلوم ج١ ص٢٦٦، تنقيح المقال ج١ ص١٥٠ برقم ١٠٠٨، أعيان الشيعة ج٣ ص٤٦٤ - ٤٦٦، معجم رجال الحديث ج٣ ص٢١٩ برقم ١٥٠٩، طبقات الفُقهاء بإشراف السبحاني ج١ ص٢٩١ برقم ١٠٠.

ومِن العامّة: الطبقات الكبرى لابن سعد ج٦ ص٢٢٥، الكامل لابن عدي ج٢ ص١٠٢ برقم ٢٢٠، المجروحين لابن حَبّان ج١ ص١٧٤، الجرح والتعديل ج٢ ص٣١٩ برقم ١٢١٣، تهذيب الكمال ج٣ ص٣٠٨ برقم ٥٣٧، ميزان الاعتدال ج١ ص٤٣٦ برقم ١٠١٦، تهذيب التهذيب ج١ ص٣٦٢ برقم ٦٥٨، تقريب التهذيب ص ١٥١ برقم ٥٤١.

(٢) رجال النجاشي ص٦٩ رقم ٤.

(٣) الفهرست للطوسي ص٦٢ برقم ١١٩.

١٦

روى عن الإمام عليّعليه‌السلام كثيراً، فقد وقع في إسناد اثنين وستّين رواية في الكُتب الأربعة عدا ما روى عن غيره، وروى عن الأصبغ: سعد بن طريف، وأبو حَمزة الثمالي أبو الصباح الكناني، وخالد النوفلي، وأبو مريم، وعبد الله بن جرير العبدي، وعلي الحزور الغنوي، والحارث بن مغيرة، وعبدالحميد الطائي، وغيرهم(١) .

قال العجلي: كوفيّ، تابعيّ، ثقة.

وقال النسائي: متروك الحديث(٢) .

وقال ابن عدي: والأصبغ بن نباته لم أُخرج له هاهنا شيئاً؛ لأنّ عامّة ما يرويه عن عليّ لا يتابعه أحد عليه، وهو بيّن الضعف، وله عن عليّ أخبار وروايات، وإذا حدّث عن الأصبغ ثقة فهو عندي لا بأس بروايته، وإنّما الإنكار مِن جهة مَن روى عنه؛ لأنّ الراوي عنه لعلّه يكون ضعيفاً(٣) .

وقال ابن حَبّان: وهو ممَّن فُتن بحبّ عليّ، أتى بالطامّات في الروايات فاستحقّ مِن أجلها الترك(٤) .

قال سيّد الأعيان بعد أن نقل عن بعض الناس ضعفه:

فظهر مِن مجموع ذلك أنّ القدح فيه ليس إلاّ لشدّة تشيُّعه، بدليل قول ابن حَبّان الناصبيّ المعروف: فُتن بحبّ عليّ فأتى بالطامّات فاستحق الترك، فدلّ على أن تركه، وترك حديثه ليس إلاّ لشدّة حُبّه علياً، وروايته فضائله العجيبة

____________________

(١) مُعجم رجال الحديث ج٣ ص٢١٧، وطبقات الفقهاء ج١ ص٢٩٢، تهذيب الكمال ج٣ ص٣٠٨.

(٢) تهذيب الكمال ج٣ ص٣١٠.

(٣) الكامل لابن عدي ج٢ ص١٠٢ برقم ٢٢٠.

(٤) المجروحين لابن حَبّان ج١ ص١٧٤.

١٧

التي لا تحتملها عُقولهم، وهذا هو معنى نكارة حديثه، وزيقه تشيّعه، ويدل عليه أيضاً قول ابن عدي: عامّة ما يرويه عن عليّ لا يتابعه عليه أحد.

فالصواب ما قاله العجلي مِن أنّه ثقة، وأشار إليه ابن عدي بقوله: لا بأس بروايته، وجعل الإنكار مِن جهة مَن روى عنه، ولا يُلتفت إلى قدح مَن قَدح فيه؛ لأنّ الجرح إنّما يُقدّم على التعديل إذا لم يكن الجرح مُستنداً إلى سَبب عُلِمَ فساده(١) .

والحاصل إنّه كان مِن كبار التابعين، وكان شيخاً ناسكاً، وعَمّر بعده، وقد شَهِد معه وقعة الجمل وصِفّين، وكان على شَرَطة خميس، وكان شاعراً.

قال نصر بن مزاحم: وكان مِن ذخائر عليّعليه‌السلام ممَّن قد بايعه على الموت، وكان مِن فُرسان أهل العراق، وكان عليٌ يضنّ به على الحرب والقتال.

وقال أبو حاتم: وهو الذي روى عن أبي أيّوب الأنصاري، قال: أمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين، قلت يا رسول الله مع مَن؟

قال: ( مع عليّ أبن أبي طالب )(٢) .

____________________

(١) بيان الشيعة ج٣ ص٤٦٦.

(٢) المجروحين لابن حَبّان ج١ ص١٧٤.

١٨

القرنُ الثاني

٣- أجلح الكندي: المُتوفّى ١٤٥ ه-(١) .

ومِن أوائل الأشخاص الذين ألّفوا في عِلم الرجال وأخبارهم في القرن الثاني هو أجلح الكِندي.

قال الطوسي: يحيى بن عبد الله بن معاوية الكِندي الأجلح أبو حجية.

وقيل: هو أجلح بن عبد الله بن معاوية الكندي أبو حجية الكوفي المُتوفّى ١٤٥ ه-، كما ترجمه كثير مِن العامّة.

ويقال: إنّ اسمه يحيى، والأجلح لقبه(٢) .

ولذلك ذكره الشيخ الطوسي في رجاله في أصحاب الإمام الصادقعليه‌السلام بعنوان ( يحيى)، وكثير مِن عُلماء الشيعة ترجمه مرّتين في حرف الألف بعنوان ( أجلح )، وفي حرف الياء بعنوان (يحيى)، كما فعل الأردبيلي في جامع الرواة(٣) ، والسيد الخوئي في المُعجم(٤) .

ولعلّ البعض تصوّر أنّهما اثنان، والأرجح أنّه شخص واحد.

والأجلح روى عن الإمام الصادقعليه‌السلام ، وعن زيد بن علي بن الحسينعليه‌السلام ، وعمّار الدهني، وغيرهم.

____________________

(١) مصادر ترجمته: رجال الطوسي ص٣٣٥ في أصحاب الصادقعليه‌السلام ، حرف الياء رقم ٤١، جامع الرواة ج١ ص٣٩ وج٢ ص٣٣٢، قاموس الرِجال ج١ ص٣٥٩ برقم ٢٥٨، ومُعجم رجال الحديث ج١ ص٣٦٥، وج٢٠ ص٦٦، ومصفى المقال ص٤٠ و٤٩٧.

ومِن العامّة: تهذيب الكمال برقم ٢٨٢، الكامل لابن عدي ج٢ ص١٣٦ برقم ٢٣٨، ميزان الاعتدال ج١ ص٢٠٩ برقم ٢٧٣، تهذيب التهذيب ج١ ص١٨٩، تقريب التهذيب ص١٢٠ برقم ٢٨٧، وغيرها.

(٢) قاموس الرجال ج١ ص٣٥٩ برقم ٢٥٨.

(٣) جامع الرواة ج١ ص٣٩ وج٢ ص٣٣٢.

(٤) مُعجم رجال الحديث ج١ ص٣٦٥ وج٢٠ ص٦٦.

١٩

وروى عنه: ابنه عبد الله، وشعبة بن الحجّاج المُتوفّى ١٦٠ه- وغيرهما.

وقد وضع المزّي علامة أن أصحاب السُنن الأربعة قد رووا له في سُننهم والبخاري في الأدب.

توثيقه:

وكيف كان، فقد نصّ الشيخ المُفيد على وثاقته في كتاب: (الكافية في إبطال توبة الخاطئة )، حيث صحّح سَنَد رواية وقع هو في ضمنه.

قال: هذا حديث صحيح الإسناد، واضح الطريق جليل الرواية(١) .

كما وقع في أسانيد كامل الزيارات، وأسانيد الكافي، والتهذيب(٢) .

أمّا أبناء العامّة: فقد ترجموه بعنوان ( أجلح )، وكثير مِنهم نصّ على وثاقته مع نسبته إلى التشيُّع؛ فقد وثّقه ابن معين، وقال العجلي: كوف-يّ ثقة.

وقال ابن عدي: له أحاديث صالحة غير ما ذكرته، يروي عنه الكوفيّون وغيرهم، ولم أجد له شيئاً مُنكراً مجاوزاً للحدّ، لا إسناداً ولا متناً. وأرجو أنّه لا بأس به، إلاّ إن-ه يُعدّ في شيعة الكوف-ة، وهو عندي مُستقيم الحديث صدوق(٣) .

وقال الفلاّس: مُستقيم الحديث، صدوق(٤) .

وقال ابن حجر: صدوق شيعيّ(٥) .

____________________

(١) الكافية في إبطال توبة الخاطئة، طُبع ضمن موسوعة الشيخ المُفيد.

(٢) اُنظر مُعجم رجال الحديث ج١ وج٢٠.

(٣) الكامل لابن عدي ج٢ ص١٤٠ برقم ٢٣٨، وتهذيب الكمال للمزّي ج٢ ص ٢٧٥ وما بعدها.

(٤) تهذيب الكمال ج٢ ص٢٧٩.

(٥) تقريب التهذيب برقم ٢٨٧.

٢٠

الحسين حسب إرادته ، النبي يخطب والحسين يدرج في المسجد فيعثر فيقطع النبي خطبته ، ويعدو إليه ويحتضنه ويقول : « قاتل الله الشيطان ، الولد فتنة لما عثر ولدى هذا أحسست أن قلبي قد سقط مني » الى كثير من أمثال هذا مما صدر عنه سلام الله عليه في ولديه مما لست بصدد احصائه وجمعه ، ولكن أقول : إن هذا الشغف ، والحب اللامتناهي ليس لكونهما ابني بنته فحسب فان هذه النسبة لا تستوجب كل هذا العطف الخارق لسياج العرف والعادة ، ولكن لا شك ان هناك أسرارا وأسبابا هي أدق وأعمق ، أسرار روحية هي فوق هذه الوشائج الجسمية ، فهل ترى معى أن رسول الله (ص) لعله ارتفع عن أفق الزمان : وأشرف بروحيته المقدسة من نافذة الدهر ، وأطل على صحيفة التكوين من ألّفه إلى يائه ، فنظر الى الماضي والحاضر والآتى نظرة واحدة ، رأى الحوادث الآتية ممثلة بعينها في صحيفة الوجود لا بصورها على شاشة التمثيل ، رأى ما كابد ولداه من الدفاع عن دينه ، والحماية لشريعته والتضحية بأنفسهم وأموالهم وأولادهم ، وأنهم ارخصوا في المفادات كل غال وعزيز ، تجرع الحسن السم من معاوية مرارا حتى قضى بالمرة الأخيرة التي تقيا بها كبده قطعة قطعة ، ثم ضرب الحسين المثل الأعلى في التضحية والمفادات لحفظ شريعة جده ، فاستقبل السيوف والرماح والسهام وجعل صدره ونحره ورأسه ورئته ، وقاية عن المعاول التي اتخذها بنو أمية لهدم الاسلام ، وقلعه من اساسه ، ونصب نفسه وأولاده وانصاره ، الغر الميامين هدفا وشبحا لوقاية الاسلام من أن تنهار دعائمه ، وتنهد قواعده وقوائمه ، بهجمات الأمويين عليه ، حتى سلم الاسلام واشرقت أنواره ، وعلمت أسراره ، وهلك الكافرون وخسر هنالك المبطلون ، وكانت كلمة الله العليا ، وكلمة اعدائه السفلى ، وكل مسلم من أول اسلام الناس إلى اليوم بل وإلى يوم القيامة مدين ورهين بالشكر والمنة لهذين الامامين ، ولو لا

٢١

تضحيتهما التي ما حدث التأريخ بمثلها أبدا ، نعم لو لا تلك التضحية لعاد الناس بمساعي الأمويين الى جاهليتهم الأولى بل اتعس إذا ، فهل تستغرب من النبيّ (ص) تلك الحفاوة والتعظيم لهما وهما طفلان صغيران ، وقد عرف بل رأى بعين بصره تلك الحوادث الفجيعة ، وذلك الكفاح المرير من أجله وفي سبيله ، وكان يشمهما ويضمهما ويقول : « هما ولداى وريحانتاى » وباليقين انه كان يتنسم منهما العبق الربوبي ، ويتوسم بهما الألق الالهي وبهذا نعرف ويجب ان نعرف أن الحسن والحسين ، نور واحد لا يفضل احدهما على الآخر قدر عرض شعرة كل واحد منهما قد قام بواجبه ، وأدى رسالته وعمل بالمنهاج المقرر له من جده وأبيه ، والصك الذي تسلمه في أول يوم من إمامته ، إذا أردت التوسع في معرفة عظمة الحسن سلام الله عليه وشجاعته ، وبسالته ، وقوة قلبه ، وشدة عارضته ، وبليغ حجته ، وعدم أكتراثه بزخارف الملك ، وأبهة السلطان ، فانظر الى كلماته واحتجاجاته في مجلس معاوية مع رءوس المنافقين ، وضروس الكفرة الملحدين الذين كان معاوية يحرش بينهم وبين الحسن ليضحك على ذقونهم ، كابن العاص وابن شعبة ومروان ونظرائهم من زبانية جهنم الذين ما آمنوا بالله طرف عين ، انظرها واعجب بها ما شئت هناك تتمثل لك العظمة في أوج رفعتها وتتصور لك البسالة في موج لجتها ، وإن شئت المزيد فانظر الى كلماته في ساعة الموت ، ويوم انطلاقه من هذا السجن ، الكلمات التي قالها لأخيه محمد بن الحنفية فى حق أخيه الحسين ، هنالك تنفتح لك أغلاق أسرار الامامة ، ويتضح لديك إشراق أنوار النبوة والزعامة ، وتعرف المرعوية النبوية ، والولاية الكلية ، هنالك الولاية لله « والنبيّ أولى بالمؤمنين من انفسهم » ( ومن كنت مولاه فعلى مولاه ) « وإنما وليكم الله ورسوله » الآية

وقد زحف القلم ، وخرج عن المحدد ، واشتمر عن قصد الجادة

٢٢

وجادة القصد ، إنما القصارى التي أردتها من كلمتى هذه ان العداوة بين بنى هاشم وبنى أميّة ذاتية متأصلة هى عداوة الهدى للضلال ، والنور للظلام ويشهد لذلك انك لو استعرضت سيرة بنى أميّة من اولهم من عبد شمس إلى آخرهم مروان الحمار لم تجد في صحيفة الكثير بل الأكثر منهم إلا الغدر والمكر ونكث العهود ، والفسق والفجور ، والعهر والخنا وانباء الزنا إلى كل ما يتحمله لفظ الرذيلة من المعاني.

وإذا استعرضت سيرة بنى هاشم من أولهم ليومنا هذا لم تجد في صحيفة الكثير بل الأكثر منهم إلا كلما يتحمله لفظ الفضيلة من الوفاء والصدق والشجاعة والعفة ، وطهارة المولد ، وشرف النفس وعلو الهمة ، والتضحية في سبيل المبدأ ، وما الى ذلك من كرم الأخلاق ، وطهارة الأعراق ، وهب أن هناك من يعذر بنى أميّة في عداوتهم لبني هاشم ويقول : إنهم اتخذوها ذريعة ووسيلة الى الملك والسلطان ، ولكن ما عذر الموالين لبني أميّة في هذا العصر ما عذر الأموية الحديثة ، التي لا تنال بذلك حظا من حظوظ الدنيا ولا نصيبا في الآخرة.

( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ ) .

والحمد لله الذي فقأ عيني الكفر والنفاق ، وأقر عينى الاسلام والإيمان بالحسن والحسين ، والعترة الطاهرة ، ونسأله تعالى كما منّ علينا بمعرفتهم وولايتهم أن يحشرنا في زمرتهم ، ويكرمنا بشفاعتهم والبراءة من اعدائهم وعداوتهم :

أو إليكم ما دجت مزنة

وما اصطخب الرعد أو جلجلا

وأبرأ ممن يعاديكم

فان البراءة شرط الولا

٢٣

وحقا إن الزكى أبا محمد سلام الله عليه في المدة القصيرة التي عاشها بعد ابيه تحمل من الرزايا والمحن ما لم يحتملها نبي ، وما هي بأقل من المصائب التي جرت على أخيه أبي عبد الله «ع» يوم الطف ، فان النكبة الأليمة ، والضربة الأثيمة في الأخوين واحدة وإن اختلفت الأشكال والأساليب ، وكما أن الحسين قابل رزاياه بالصبر الذي عجبت منه ملائكة السماوات ، فكذلك الحسن قاتل عدوه ، وقابل الامة وارزائه بصبر عجيب. وصدر رحيب ما هان يوما ولا لان ، ولا تضرع ولا استكان ، وما أخذ من امواله التي اغتصبها معاوية منه وصارت العوبة بايدى بنى أميّة ، ما أخذ واحدا من آلاف بل من مئات الآلاف وكما لا مساغ للتفاضل بين هذين النيرين ، كذلك لا يصح القول بأن صبر الحسن دون صبر الحسين ، أو ان مصيبته اهون المصيبتين ، فسلام الله عليكما يا إمامى الهدى وسليلى على والزهراء ما ازهرت الفضيلة واكفهرت الرذيلة.

واختم كلمتي بابيات من خاتمة قصيدة رثاء لسيد الشهداء نظمتها منذ مدة تزيد على خمسين سنة استهلها :

حذوا الماء من عيني والنار من قلبي

ولا تحملوا للبرق منا ولا السحب

واختها :

بنى الشرف الوضاح والحسب الذي

تناهي فاضحى قاب قوسين للرب

لئن عدت الأحساب للفخر اوغدت

تطاول بالأنساب سيارة الشهب

فما نسبي إلا انتسابي إليكم

وما حسبي إلا بأنكم حسبى

حرر هذه الكلمة بانامله الرقيمة ، واقلامه السقيمة مرتجلا مترسلا في بضع سويعات آخرها يوم الحادي والعشرين من شهر رمضان يوم وفاة سيد الوصيين وإمام الصديقين امير المؤمنين عليه آلاف السلام والتحية سنة 1373 هـ

محمد الحسين آل كاشف الغطاء

بمدرسة العلمية بالنجف الاشرف

٢٤

البيعة

٢٥
٢٦

واعتنى الاسلام بالخلافة(1) اعتناء بالغا فأناط بها المسئوليات الضخمة فجلها مسئولة عن نهضة المسلمين وتطوهم وانطلاقهم في ميادين العلم ، وتوجيههم نحو الخير وابعادهم عن مسالك الضلال والفساد ، والعمل على ايجاد الوسائل السليمة لأسباب قوتهم ورخائهم ، كما أوكل إليها حراسة الدين والحفاظ على شئونه ، وصيانة مثله فهي المحور الذي تدور عليه سياسته وسائر شئونه.

إن حقيقة الاسلام وفكرته شاملة لجميع المناحي الدينية والسياسية فقد الف بينهما وحدة متسقة وجعلهما كلا لا يتجزأ ، وقد ادرك هذه الحقيقة جمهور كبير من علماء المستشرقين يقول بعضهم :

( إن الاسلام ليس ظاهرة دينية فقط ، وانما اتى بنظام سياسي ذلك ان مؤسسه كان نبيا وكان حاكما مثاليا خبيرا بأساليب الحكم. )

وقال جيت : ( ان الاسلام لم يكن مجرد عقائد دينية فردية ، وانما استوجب اقامة مجتمع مستقل له أسلوبه المعين في الحكم وله قوانينه وانظمته الخاصة به. )(2)

إن الخلافة ترتبط بالاسلام ارتباطا وثيقا فهي جزء من برامجه وفصل من فصوله فلا بد من اقامتها على مسرح الحياة يقول الشيخ محمد عبده :

( الاسلام دين وشرع فقد وضع حدودا ، ورسم حقوقا وليس كل معتقد في ظاهر أمره بحكم يجري عليه في عمله فقد يغلب الهوى وتتحكم

__________________

(1) الخلافة : في الاصل مصدر خلف ، يقال : خلفه في قومه خلافة فهو خليفة ، ومنه قوله تعالى : « وقال موسى لأخيه هارون اخلفنى في قومى » ثم أطلقت في العرف على الزعامة العظمى وهي الولاية العامة على كافة الأمة ، والقيام بأمورها والنهوض بأعبائها.

(2) النظام السياسي فى الاسلام : ص 15.

٢٧

الشهوة فيغمط الحق ، ويتعدى المعتدي الحد فلا تكمل الحكمة إلا إذا وجدت قوة لاقامة الحدود وتنفيذ حكم القاضي وصون نظام الجماعة. )(1)

إن الاسلام جاء بمجموعة كاملة من النظم والقوانين تهدف إلى تنظيم الحياة وصيانة الحقوق والقضاء على الغبن والظلم ، وبسط الأمن والعدل فى البلاد ، ومن الطبيعي انها تحتاج إلى قوة ودولة لتقوم بحمايتها وتطبيقها على واقع الحياة.

أما من يتولى قيادة الحكم وإدارة شئون البلاد فقد تحدث الامام أمير المؤمنين (ع) عما يعتبر فيه من الصفات بقوله :

( وقد علمتم أنه لا ينبغي أن يكون الوالى على الفروج ، والدماء ، والمغانم ، والاحكام وإمامة ، المسلمين البخيل فتكون في اموالهم نهمته(2) ولا الجاهل فيضلهم بجهله ، ولا الجافى فيقطعهم بجفائه ، ولا الحائف للدول(3) فيتخذ قوما دون قوم ، ولا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق ، ويقف فيها دون المقاطع(4) ولا المعطل للسنة فيهلك الأمة )(5)

إن من يلى امور المسلمين ويتولى ادارة شئونهم ـ فى نظر الامام ـ

__________________

(1) الاسلام والنصرانية : ص 65.

(2) النهمة : ـ بالفتح ـ الافراط فى الشهوة ، المبالغة فى الحرص.

(3) الحائف : من الحيف : الجور والظلم ، والدول : جمع دولة ـ بالضم ـ وهو المال لأنه يتداول به وينتقل من يد إلى يد ، وفى التنزيل ( كيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم ) والمراد من كلامه (ع) ان الوالى ليس له أن يحيف فى الأموال بأن يفضل قوما على قوم فى العطاء من دون سبب موجب لذلك.

(4) المقاطع : الحدود التي عينها الله لها.

(5) نهج البلاغة محمد عبده 2 / 19.

٢٨

لا بد أن يكون ندي الكف بعيدا عن البخل عالما بما تحتاج إليه الامة غير حائف للدول ، ولا مرتشي فى اعماله ، ولا معطل لحدود الله وسنة نبيه فانه اذا تجرد من هذه الصفات واجهت الأمة ـ فى عهده ـ سيلا عارما من المحن وتعرضت البلاد للازمات والنكبات.

وأعرب الذكر الحكيم فى قصة ابراهيم (ع) عمن يستحق الامامة من ذريته قال تعالى :( إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (1) وذكر المفسرون أن المراد بالعهد هو الامامة والإمامة هى الخلافة(2) فلا ينالها من تلبس بالظلم فى أي مرحلة من حياته(3) سواء أكان الظلم للنفس(4) أو للغير فانه لا يمنح بذلك اللطف.

لقد اهتم الاسلام اهتماما كثيرا فيمن يلى امور المسلمين فالزم ان يكون مثالا للعدل وعنوانا للحق ورمزا للعدل والفضائل ليرعى مصالح الأمة ويحقق فى ربوعها جميع ما تصبوا إليه من العزة والكرامة ولم نتوفر الصفات الرفيعة التي يتطلبها الاسلام فى القيادة الرشيدة إلا فى أهل البيت (ع) الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، والذين قرنهم النبي (ص)

__________________

(1) سورة البقرة : آية 124.

(2) مجمع البيان 1 / 2. 2 ط صيدا.

(3) هذا مبني على ما ذهب إليه بعض علماء الاصول فى بحوث المشتق من أنه حقيقة فى الأعم ممن تلبس بالمبدإ ومن انقضى عنه.

(4) الظلم للنفس : كالسجود للاصنام وغير ذلك من الاخلاق الذميمة ، وقد استدل علماء الشيعة بالآية الشريفة على أحقية أمير المؤمنين بالخلافة دون غيره لأنه لم يظلم نفسه بالسجود للاصنام التي سجد لها غيره من الصحابة قبل بزوغ نور الاسلام.

٢٩

بكتاب الله العزيز ـ الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ـ وجعلهم سفنا للنجاة وأمنا للعباد ، ومن الطبيعي أن ذلك لم يكن ناشئا إلا عن مدى أهميتهم ، وقد تحدث الامام أمير المؤمنين (ع) عما مثل فيهم من الصفات والنزعات بقوله :

« هم عيش العلم ، وموت الجهل ، يخبركم حلمهم عن علمهم ، وظاهرهم عن باطنهم ، وصمتهم عن حكم منطقهم. لا يخالفون الحق ولا يختلفون فيه هم دعائم الاسلام ، وولائج الاعتصام(1) بهم عاد الحق فى نصابه ، وانزاح الباطل عن مقامه ، وانقطع لسانه عن منبته ، عقلوا الدين عقل وعاية ورعاية(2) لا عقل سماع ورواية فان رواة العلم كثير ورعاته قليل »(3)

وبالاضافة الى هذه القابليات والمواهب التي يتمتعون بها فان النبي (ص) نصّ على اختصاص الخلافة فيهم وانهم أحق بالأمر من غيرهم ، وقد تواترت النصوص(4) الواردة منه بذلك كقوله :

« لا يزال هذا الدين قائما حتى تقوم الساعة ، ويكون عليهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش ».

وقال (ص) : « يكون بعدي اثنا عشر أميرا. وقال : كلهم من قريش »

__________________

(1) الولائج : جمع وليجة ، وهي المحل الذي يعتصم فيه من المطر والبرد.

(2) عقل الوعاية : الحفظ في فهم ، الرعاية : ملاحظة تعاليم الدين وتطبيق العمل عليها أما السماع والرواية من درن فهم وعمل فمنزلتهما منزلة الجهل.

(3) نهج البلاغة محمد عبده 2 / 259.

(4) التواتر : الاستفاضة في نقل الخبر بحيث يؤدي الى القطع بصدقه وذلك فيما إذا أحال العقل تواطؤ المخبرين على الكذب ، ولذا كان الخبر المتواتر من أهم الأسباب المؤدية الى القطع بالأشياء.

٣٠

الى غير ذلك من الأحاديث الدالة بصراحتها وحصرها على اختصاص الخلافة فيهم ، وانهم سفن النجاة وهداة العباد.

ومن الأئمة الطاهرين الاثنى عشر الذين أقامهم الرسول (ص) خلفاء من بعده وأمناء على تبليغ رسالته الامام الحسن ريحانته وسبطه الأكبر فقد نصبه اماما على أمته وقال فيه وفي أخيه : « الحسن والحسين امامان إن قاما وإن قعدا ». ونص على امامته الامام أمير المؤمنين (ع) وأقامه علما من بعده ، بعد أن اغتاله ابن ملجم ، وقد فزع إليه المسلمون بعد موت أمير المؤمنين وأجمعوا على مبايعته ، فقد اجتمعوا في جامع الكوفة سنة أربعين من الهجرة في صبيحة احدى وعشرين من شهر رمضان المبارك ، وأقبلعليه‌السلام وقد احتفت به البقية الباقية من صالحاء المهاجرين والأنصار فاعتلى منصة الخطابة فابتدأ ـ بعد حمد الله والثناء عليه ـ بتأبين فقيد العدالة الكبرى الامام أمير المؤمنين وتعداد بعض فضائله ومواهبه فقال :

« لقد قبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأولون بعمل ، ولم يدركه الآخرون بعمل ، لقد كان يجاهد مع رسول الله (ص) فيقيه بنفسه ، وكان رسول الله (ص) يوجهه برايته فيكنفه جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن شماله ، لا يرجع حتى يفتح الله على يديه ، ولقد توفي في هذه الليلة التي عرج فيها عيسى بن مريم (ع) وقبض فيها يوشع بن نون وصي موسى (ع) وما خلف صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم فضلت من عطائه ، أراد أن يبتاع بها خادما لأهله ».

وتمثلت صورة أبيه أمامه فخنقته العبرة وأرسل ما في عينيه من دموع وكذلك بكى جميع من حضر في جنبات الحفل ، وساد الحزن وعم الأسى ثم استأنف الامام خطابه فأعرب للناس سمو مكانته وما يتمتع به من الشرف

٣١

والمجد قائلا :

« أيها الناس ، من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا الحسن ابن علي ، وأنا ابن النبي ، وأنا ابن الوصي ، وأنا ابن البشير النذير ، وأنا ابن الداعي الى الله باذنه ، وأنا ابن السراج المنير ، وأنا من أهل البيت الذي كان جبرئيل ينزل إلينا ، ويصعد من عندنا ، وأنا من أهل البيت الذي أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، وأنا من أهل بيت افترض الله مودتهم على كل مسلم فقال تبارك وتعالى لنبيه (ص) : « قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ، ومن يقترف حسنة نزد له منها حسنا » فاقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت ».

وحفل خطابه البليغ بما يلي :

1 ـ انه عرف الناس بجهاد ابيه وعظيم بلائه في الإسلام ووقايته لرسول الله (ص) بنفسه في جميع المواقف والمشاهد وقد أبّنه بكلمة تمثلت فيها بلاغة الاعجاز وروعة الايجاز وهي قوله : « فهو لم يسبقه الأولون بعمل ، ولا يدركه الآخرون بعمل » ومن كان لم يسبقه الأولون ولم يدركه الآخرون كان أعظم شخصية بزت جميع المصلحين والعظماء في جميع مراحل التاريخ وحقا انه كذلك ، فليس في جميع فترات الزمن وآناته قديما وحديثا أحد فاق الامام أو يفوقه في مثله وأعماله وجهاده وذبه عن حظيرة الإسلام.

2 ـ وأبان (ع) في خطابه الرائع قداسة الليلة التي رحل فيها أبوه الى جنان الخلد. فلقد عرج فيها الى السماء المسيح عيسى بن مريم (ع) ورحل فيها إلى جواره تعالى يوشع بن نون وصي موسى (ع). وفي هذه الليلة العظيمة انتقل الى جوار الله سيد الأوصياء ، وعميد الأتقياء ، وحامى

٣٢

حوزة الإسلام الامام علي (ع) فهي ـ بحق ـ أشرف الليالي وأسماها عند الله.

3 ـ وأعرب (ع) لذلك الحفل الحاشد زهد أبيه وعدم اعتنائه بدنياه فلقد رحل عنها ولم يخلف من حطامها شيئا ، وقد كان في استطاعته أن يسكن أفخم القصور ، ويلبس الحرير والديباج ، ويأكل ما لذّ من الطعام ويتخذ العبيد والاماء ولكنه ترك كل ذلك رغبة فيما أعد الله له فى دار البقاء من النعيم والكرامة والسعادة ، وما أفاض عليه في هذه الدنيا من خلود الاسم والثناء العاطر والذكر الحسن المقرون بالاكبار والتقديس عند الناس جميعا!! لقد وافى الامام عليا الأجل المحتوم وما خلف سوى ثمالة من المال يتركها أقل البائسين والضعفاء ، وهو سلطان المسلمين وزعيمهم ، تجبى له الأموال الطائلة من شتى الأقطار الإسلامية ولكنه (ع) أبى أن يأخذ منها شيئا.

4 ـ وتضمن خطابه (ع) دعوة الناس إلى مبايعته ، وقد كانت دعواه رائعة بكل ما للروعة من معنى ، فلقد عرّف نفسه إلى الجماهير بأنه ابن الداعي إلى الله ، وابن السراج المنير ، وانه ممن أذهب الله عنهم الرجس والأباطيل ، وهل هناك أحد أحق بالخلافة من شخص التقت به هذه الكمالات ، واجتمعت فيه هذه الفضائل.

ولما انهى (ع) خطابه الذي لم يرو التأريخ الا شطرا منه انبرى عبيد الله بن العباس فحفز المسلمين إلى المبادرة لمبايعته قائلا :

( معاشر الناس هذا ابن نبيكم ، ووصي إمامكم فبايعوه ).

واستجاب الناس لهذه الدعوة المباركة فهتفوا بالطاعة ، واعلنوا الرضا والانقياد قائلين :

٣٣

( ما أحبه إلينا وأوجب حقه علينا وأحقه بالخلافة )(1) .

وانثالوا على الامام يبايعونه وهم ( إنما يبايعون الله ورسوله )

وأول من بايعه المؤمن الثائر والحازم اليقظ الزعيم قيس بن سعد الأنصاري فقال له بنبرات تقطر حماسا وشوقا إلى حرب اعداء الله وخصوم الاسلام :

( ابسط يدك أبايعك على كتاب الله وسنة نبيه وقتال المحلين ).

وثقل على الامام أن يعزب عن قيس من أن العمل على كتاب الله وسنة نبيه والسير على أضوائهما يغني عن اشتراط قتال المحلين لأن فيهما تبيانا لكل شيء ، فقال له بلطف ولين :

( على كتاب الله ، وسنة نبيه ، فانهما يأتيان على كل شرط )(2)

وذكر ابن قتيبة أن الامام كلما قصدته كوكبة من الناس لتبايعه يلتفت إليها قائلا :

( تبايعون لى على السمع والطاعة ، وتحاربون من حاربت وتسالمون من سالمت ).

ولما سمعوا هذا الشرط احجموا عن البيعة(3) وأمسكوا أيديهم عنها ،

__________________

(1) مقاتل الطالبيين ص 34 ، الارشاد ص 167.

(2) تأريخ ابن الأثير ج 3 ص 174 ، تأريخ ابن خالدون ج 2 ص 186.

(3) البيعة : هى العهد على الطاعة لأن المبايع يعاهد أميره على أن يسلم له أمر النظر في أمر نفسه وأمور المسلمين لا ينازعه على ذلك ويطيعه فيما يكلفه به من الأمر وكانوا إذا بايعوا الأمير وعقدوا عهده جعلوا أيديهم فى يده تأكيدا للعهد فاشبه ذلك كلا من البائع والمشتري فسمي بيعة ذكر ذلك ابن خالدون في مقدمته ص 197 ، والبيعة نوع من العقد الاجتماعي الذي ذكره ( جان جاك روسو )ـ

٣٤

وقبض الحسن يده ، فانثالوا نحو الحسين ، وهم يهتقون :

( ابسط يدك نبايعك على ما بايعنا عليه أباك ، وعلى حرب المحلين الضالين أهل الشام ).

فردعهم الحسين قائلا :

( معاذ الله أن أبايعكم ما كان الحسن حيا ).

وبعد ما رفض الحسين (ع) طلبهم أقبلوا نحو الحسن فبايعوه وهم مكرهون(1) وهذا القول بعيد فانه يدل على رغبة الامام في السلم فى أول الأمر وهو مناف لمواقفه العديدة فى إمضائه للحرب وعدم رغبته فى الموادعة والمسالمة مع خصمه كما ـ سنذكره بالتفصيل ـ ولو سلمنا صحة ذلك فانما كان مع الخوارج الذين يريدون خلق الاضطرابات والشغب في المجتمع العراقي واذاعة الخوف والارهاب بينهم بعزم الامام على الحرب ويدل على ذلك إحجامهم عن البيعة فى أول الأمر وذلك يكشف عن اضطراب نفوسهم وعدم ثقتهم وايمانهم بالخليفة الجديد ، وهذا مما عرفت به الخوارج وأما شيعته وأصحابه وخواصه فان نفوسهم قد ملئت ايمانا وثقة وحبا واخلاصا له.

ومهما يكن من شي ، فان هذا الحديث كما كان يتضمن السلم كذلك يتضمن إمضاء الحرب والتصميم عليه ، فهو جامع بين الأمرين السلم لمن دخل في الطاعة والحرب لمن خرج عنها سواء أكانوا من الخوارج أم من أهل الشام ولكن

__________________

ـ وتقوم هذه النظرية على اساس ان الاجتماع الذي يقع بين الناس في صورة شعب أو أمة انما يقوم على تعاقد بين الافراد فكل فرد قد دخل مع أفراد فراد مجتمعه فى عملية تعاقد ، ويقضي ذلك بأن يصبح الفرد جزءا من المجتمع ، وقد استدل على هذه النظرية ( روسو ) وأوضح كثيرا من جوانبها فى كتابه العقد الاجتماعي.

(1) الامامة والسياسة 1 / 170.

٣٥

لم يرق ذلك للخوارج فلذا شاغبوا فى الأمر وأرادوا الحرب خاصة لأهل الشام لا تتعداها الى غيرهم ، وقبل ان نسدل الستار على هذا الفصل نقدم إلى القارئ الكريم أمورا تتعلق فى هذا الفصل وهي كما يلى :

1 ـ قبول الخلافة :

ويتساءل كثير من النقاد عن السبب في قبول الامام للخلافة مع ما منيت به الحاضرة الاسلامية من اخطار وعواصف وفتن ، فكان الأجدر به أن يتريث فى الأمر ولا يتسرع ( كما يقولون ) ولندع الجواب إلى سماحة المغفور له الحجة آل ياسين قال نضر الله مثواه :

أما أولا :

فلما كان الواجب على الناس دينا ، الانقياد إلى بيعة الامام المنصوص عليه كان الواجب على الامام ـ مع قيام الحجة بوجود الناصر ـ قبول البيعة من الناس.

أما قيام الحجة ـ فيما نحن فيه ـ فقد كان من انثيال الناس طواعية إلى البيعة فى مختلف بلاد الاسلام ما يكفي ـ بظاهر الحال ـ دليلا عليه ولا مجال للتخلف عن الواجب مع وجود شرطه.

وأما ثانيا :

فان مبعث هذا الانعكاس البدائي عن قضية الحسنعليه‌السلام هو النظر إليها من ناحيتها الدنيوية فحسب بينما الأنسب بقضية ( إمام ) ان يستنطقها الباحث من ناحيتها الدينية على الأكثر ، وكثير هو الفرق بين الدنيا والدين

٣٦

في نظر إمام ، والقضية من هذه الناحية ظفر لا خسارة ـ كما سنأتي على توضيحه في محله المناسب ـ وهي وإن تكن معرض آلام ، ولكنها آلام في سبيل الاسلام ، ومن أولى بالاسلام من الحسن (ع) وتحمل آلامه وإنما هو نبت بيته.

واما ثالثا :

فلم يكن الحسن في رفعة مكانه من زعماء المسلمين ، وفي نسبه الممتاز ومركزه من العلم ، بالذي يستطيع الفراغ وإن أراده عن عمد ، ولا بالذي يتركه الناس وإن أراد هو ان يتركهم ، وكان لا بد للرجات العنيفة في المجتمع الاسلامي أن تتدافع إليه ، تستدعيه للوثوب إحقاقا للحق وانكارا للمنكر كما وقع لأخيه الحسينعليه‌السلام في ظرفه(1) .

ويأخذ شيخنا في الاستدلال على ضرورة قبول الامام للخلافة ، ولزوم تسرعه لإجابة الجماهير الهاتفة باسمه ، وعلى كل فليس هناك مجال للشك في أنه (ع) لو تقاعس عن الاعتلاء على العرش ، وترك الأمة حبلها على غاربها لوقعت في محاذير ومصاعب لا يمكن حلها ، ثم ما هو المبرر له في عدم التسرع في الأمر بعد ما أجمعت الأمة على مبايعته كما ذكر ذلك بالتفصيل سماحة المغفور له آل ياسين.

2 ـ عموم البيعة :

واجمع العالم الاسلامي من اقصاه إلى ادناه على مبايعة الامام والانقياد لحكومته والخضوع لأمره ، فبايعه من الكوفة اثنان واربعون الفا على السمع

__________________

(1) صلح الحسن ص 47.

٣٧

والطاعة وكذلك بايعه أهل البصرة والمدائن ، وجميع أهل العراق وبايعته فارس على يد زياد بن ابيه ، وبايعه الحجازيون واليمانيون ، على يد القائد العسكري الحازم اليقظ جارية بن قدامة وما تخلف أحد عن البيعة سوى معاوية ومن يمت به كما تخلف عن مبايعة الامام علي (ع) من قبل فكانت بيعته (ع) عامة على غرار بيعة أبيه.

3 ـ احكام الدولة :

ولما تمت البيعة أخذ (ع) في إحكام دولته فرتب العمال ، ووظف المحنكين والأشراف من عدول المؤمنين وصالحاء المسلمين واعطى الاوامر الحازمة إلى الامراء وزاد في عطاء الجيش مائة مائة ، وكان الامام علي قد فعل ذلك يوم الجمل ، هذه هي الخطة الاولى من الاحسان والبر والمعروف التي افاضها على الجيش فملك بها القلوب والسيوف حتى قال ابن كثير : ( وأحبوه أشد من حبهم لأبيه )(1) وهكذا أخذ (ع) يعمل مجدا في اصلاح دولته ، وإحكامها وصيانتها ، وقد خطب فيهم فكان منطق خطابه الحث على لزوم طاعته ووجوب الانقياد إليه لأنه من العترة الطاهرة ومن حلقات الثقل الأكبر الذي خلفه رسول الله (ص) في أمته وحذر (ع) رعيته من الاصغاء والانجراف بدعاية معاوية وبهتانه وكذبه وأمرهم بالتكاثف والاتحاد والوحدة ، لرد العدوان الأموي الذي يهدد المجتمع الاسلامي بالخطر ، وينذره بفقدان الحياة ، وقد تقدم نص هذا الخطاب في الحلقة الأولى من هذا الكتاب(2) .

__________________

(1) البداية والنهاية ج 8 ص 41.

(2) الجزء الأول ص 327.

٣٨

4 ـ اخطاء تأريخية :

ووقع فريق من المؤرخين وكتاب العصر في اخطاء حول بيعة الامام الحسن نشأت من قلة التتبع رأينا من اللازم التنبيه عليها.

1 ـ المسعودي :

ذكر المسعودى : ( أن الامام بويع بعد وفاة أبيه بيومين )(1) وهذا القول لا يتفق مع ما ذكره جمهور المؤرخين من أنه بويع له في صبيحة الليلة التي وارى فيها جثمان أبيهعليه‌السلام .

2 ـ فريد وجدي :

وذكر الاستاذ السيد محمد فريد وجدي أن الحسن (ع) : ( بويع له في الخلافة قبل وفاة والده ، ولما انتهت البيعة توفي والده )(2) وهذا القول كالقول السالف في مخالفته لاجماع المؤرخين ، فقد أجمعوا على أن البيعة كانت بعد مقتل الامام بلا فصل ، ولم يذكر مؤرخ ـ فيما نعلم ـ أنه بويع للامام في حياة أبيه.

3 ـ الخضري :

ذكر الشيخ محمد الخضري في بيعة الامام ما نصه : ( نظر الحسن إلى بيعته في انها ليست كبيعة أبيه لأنها ليست عامة ، ولكنها قاصرة على شيعتهم من أهل العراق )(3) وهذا القول مجاف للواقع فان بيعة الامام لم تكن قاصرة على أهل العراق من الشيعة ، فان عمال الامام في جميع الاقطار الاسلامية قد أخذوا له البيعة من المسلمين ـ كما ذكرناه سابقا ـ ولم

__________________

(1) التنبيه والاشراف ص 260.

(2) دائرة المعارف ج 3 ص 443 ، كنز العلوم واللغة ص 380 لفريد وجدي

(3) اتمام الوفاء في سيرة الخلفاء ص 225.

٣٩

تبق هناك أي حاظرة من الحواظر الاسلامية إلا بايعته سوى البلاد الخاضعة لمعاوية.

4 ـ طه حسين :

قال الدكتور طه حسين في بيعة الامام الحسن : ( ومهما يكن من شيء فلم يعرض الحسن نفسه على الناس ، ولم يتعرض لبيعتهم وانما دعا الناس إلى هذه البيعة قيس بن عبادة فبكى الناس ، واستجابوا واخرج الحسن للبيعة )(1) وما ذكره بعيد عن الصحة كل البعد وذلك لما يلي

1 ـ إن قوله : ( إن الحسن لم يعرض نفسه على الناس ، ولم يتعرض لبيعتهم ) لا واقعية له ويرده خطاب الحسن في تأبين أبيه ، فقد دعا الناس إلى مبايعته وحفزهم إلى طاعته وذلك بذكره للفضائل النسبية والنفسية التي اختص بها فان بيانها وهو في مقام تأبين أبيه ليس المقصود منه إلا إلا الدعوة لمبايعته ، وارشاد المجتمع الإسلامى الى أحقيته بالخلافة دون غيره.

2 ـ وأما قوله : إن قيس بن سعد دعا الناس الى البيعة ولم يكن الإمام حاظرا فاستجابوا له ، وأخرج فبويع. فانه اشتباه ظاهر وخلط غريب لأن الدعوة الى البيعة إنما كانت بعد ما أنهى الإمام خطابه السالف ولم تكن قبل ذلك الوقت والذي دعا إليها عبيد الله بن العباس وأول من بايعه قيس بن سعد كما بينّا ذلك فيما تقدم إن أغلب بحوث الدكتور فى الإمام الحس كانت خالية عن التحقيق وبعيدة عن الصواب ، فقد مرّ فى صلح الإمام وفى سائر مناحي حياته مرور منطلق فلم يقف على الحقيقة ولم يقرب من الواقع ، وسنشير الى مواضع اشتباهه إن من الناحية التأريخية أو الاستنتاج التأريخي فى كثير من الجهات التي تخص البحث

__________________

(1) على وبنوه : ص 195.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154