تاريخ علم الرجال

تاريخ علم الرجال37%

تاريخ علم الرجال مؤلف:
تصنيف: علم الرجال والطبقات
الصفحات: 154

تاريخ علم الرجال
  • البداية
  • السابق
  • 154 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 148770 / تحميل: 7305
الحجم الحجم الحجم
تاريخ علم الرجال

تاريخ علم الرجال

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

كَثُرت الكُتب في عِلم الرجال والتراجم في القرن الرابع أكثر مِن القرون المُتقدّمة، وأصبحت ذات مَظهر واضح، وإن فُقد أكثر تلك الكُتُب في حوادث ألمّت بالعالم الإسلامي، مِن حروب، وفِتن مذهبيّة قضت على الكُتُب والمكتبات والعُلماء.

وعلى كلّ حال نذكر بعض تلك الكُتُب في هذا القرن في عِلم الرجال، ونُترجم لمؤلّفيها ترجمة مختصرة مع الإشارة إلى مصادر ترجمتها.

٣١ - حميد الدهقان الكوفي: المُتوفّى ٣١٠ه-(١) .

قال النجاشي برقم ( ٣٣٧ ): حميد بن زياد بن حمّاد بن حمّاد بن زياد هواز الدهقان، أبو القاسم، كوفيّ سَكن سوراء، وانتقل إلى نينوى - قرية على العلقمي - إلى جانب الحائر على صاحبه السلام.

كان ثقة، واقفاً، وجهاً فيهم. ثمّ ذكر كتبه وسنده إليها.

وقال الطوسي في الفهرست ( ٢٣٨ ): ثقة، كثير التصانيف، روى الأُصول أكثرها، وله كُتُب كثيرة على عدد كُتُب الأُصول. ثم ذكر كُتبه وطُريقه إليها.

وقال في رجاله في مَن لم يروِ عن الأئمّة قال: عالِم جليل، واسع العِلم،

____________________

(١) اُنظر ترجمته: رجال النجاشي(٣٣٧و٦١٣و٦٧٣)،الفهرست للطوسي ( ٢٣٨ )، رجال الطوسي ص٤٦٣، ومصفى المقال ص ١٦٢، طبقات أعلام الشيعة ق ٤ ص ١٢٥، مُعجم رجال الحديث ج٦ ص ٢٨٧، قاموس الرجال ج٤ ص٥٨ رقم ٢٤٨٥.

٦١

كثير التصانيف(١) .

ووثّقه أبو غالب الزراري في رسالته إلى ابن ابنه، وقال: إنّه كان يروي عنه.

له في علم الرجال:

١- كِتاب الرجال. ذكره النجاشي برقم ( ٣٣٧ ).

٢- مَن روى عن الصادقعليه‌السلام . ذكره النجاشي (٣٣٧).

٣- فهرست. ذكره النجاشي في ترجمة ابن نهيك ( ٦١٣ ) وترجمة بزرج ( ٦٧٣ ).

تُوفّي سَنة ٣١٠ه- كما قاله النجاشي، ويظهر أنّه مِن المُعمّرين.

٣٢- إسماعيل النوبختي: ولد ٢٣٧ه - وتُوفّي ٣١١ه-(٢) .

قال النجاشي ( ٦٧ ): إسماعيل بن عليّ بن إسحاق بن أبي سهل بن نوبخت. كان شيخ المتكلّمين مِن أصحابنا وغيرهم، له جلالة في الدنيا والدين، يجري مجرى الوزراء في جلالة الكتاب(٣) .

وقال الطوسي ( ٣٦ ): أبو سهل كان شيخ المتكلمين مِن أصحابنا ببغداد ووجههم، ومتقدّم النوبختييّن في زمانه(٤) .

____________________

(١) رجال الطوسي ص٤٦٣.

(٢) اُنظر: رجال النجاشي ج١ ص١٢١ رقم ٦٧، فهرست كُتُب الشيعة للطوسي ص٣١ رقم ٣٦، أعيان الشيعة ج٣ ص٣٨٣-٣٨٨.

(٣) رجال النجاشي ج١ ص١٢١ رقم ٦٧.

(٤) فهرست كُتُب الشيعة وأُصولهم ص٣١ رقم ٣٦.

٦٢

وله كُتُب كثيرة في مُختلَفة العلوم.

وفي عِلم الرجال له كِتاب الأنوار في تواريخ الأئمّةعليهم‌السلام . ذكره النجاشي والطوسي.

ذكر سيد الأعيان أنّهُ وُلد سَنة ٣٣٧ه- وتُوفّي ٤١١ه- وهو اشتباه قطعاً، أو لعلّه غلط مطبعي؛ فإنّه مُعاصر للحسين بن روح أحد السُفراء الأربعة المُتوفّى سَنة ٣٢٦ه-، ومعاصر للحسين بن منصور الحلاّج المَقتول سَنة ٣٠٩ه-، وهذا لا يتناسب مع ما ذكره السيّد الأمين في الأعيان.

٣٣ - إسماعيل الخزاعي: وُلد سَنة ٢٥٧ه-(١) .

قال النجاشي ( ٦٨ ): إسماعيل بن عليّ بن عليّ بن رزين بن عثمان بن عبد الرحمان بن عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي، ابن أخي دعبل.

كان بواسط مقامه، ووُلّي الحُسبة بها. كان مُختلطاً يعرف منه ويُنكر، له كتاب تاريخ الأئمّةعليهم‌السلام (٢) .

٣٤ - أحمد الصميري: القرن الرابع(٣) .

قال الطوسي ( ٩٦ ): أحمد بن إبراهيم بن أبي رافع الصميري، يُكنّى أبا عبد الله، مِن وُلد عبيد بن عازب أخي البرّاء بن عازب الأنصاري. أصله الكوفة، وسكن بغداد، ثقة في الحديث، صحيح العقيدة.

____________________

(١) رجال النجاشي ج١ ص١٢٢ رقم ٦٨، فهرست كُتُب الشيعة وأُصولهم للطوسي ص٣٢ رقم ٣٧.

(٢) رجال النجاشي ج١ ص١٢٢ رقم ٦٨، وكذلك ذكره الطوسي في الفهرست ص٣٢ رقم ٣٧.

(٣) رجال النجاشي ج١ ص٢٢١ رقم ٢٠١، فهرست كُتُب الشيعة للطوسي ص رقم ( ٩٦ ).

٦٣

وقال النجاشي ( ٢٠١ ): أصله كوفي، سكن بغداد، كان ثقة في الحديث، صحيح الاعتقاد.

ثمّ عدّد كُتبه ومنها:

١ - كتاب الصفاء في تاريخ الأئمّةعليهم‌السلام . وذكره الطوسي بعنوان: الضياء.

٢ - كتاب السرائر - مثالب -. ذكرهما النجاشي والطوسي.

روى عنه الحسين بن عبيد الله الغضائري المُتوفّى ٤١١ه-.

٣٥ - أحمد بن عبيد الله الثقفي: المُتوفّى ٣١٩ه-(١) .

أبو العبّاس أحمد بن عبيد الله بن محمّد بن عمّار، الثقفي، الكاتب، مِن مشايخ القاضي الجعابي المُتوفّى ٣٥٥ه-.

قال الخطيب: له مصنفات في مقاتل الطالبييّن، وغير ذلك، وكان يتشيّع(٢) .

وقال الذهبي: إنه مِن رؤوس الشيعة(٣) .

وقال ابن حجر في لسان الميزان: أنه مِن رؤوس الشيعة(٤) .

____________________

(١) اُنظر ترجمته: الفهرست لابن النديم ص٢٤٠، تاريخ بغداد ج٥ ص٦ ترجمة ٢٢٩٩، مصفى المقال ص ٥٣، الذريعة ج١٠ ص ٨٧، لسان الميزان ج١ ص ٢١٩، طبقات أعلام الشيعة/ القرن الرابع ص ٣١، ميزان الاعتدال ج١ ص٢٥٩ رقم ٤٦٠، قاموس الرجال ج١ ص٥٠٨ رقم الترجمة ٤٣٠.

(٢) تاريخ بغداد ج٥ ص٦ ترجمة ٢٢٩٩.

(٣) ميزان الاعتدال ج١ ص٢٥٩ رقم ٤٦٠.

(٤) لسان الميزان ج١ ص٢١٩.

٦٤

وله أكثر مِن كتاب في عِلم الرجال:

وذكر ابن النديم مِن تصانيفه:

١ - رسالة في تفضيل بني هاشم وذم بني أُميّة. وذكر له كُتُباً عديدة.

٢ - الزيادات في أخبار الوزراء.

٣ - المِبيضّة في أخبار مقاتل آل أبي طالب.

٤ - أخبار حجر بن عدي.

٥ - كتاب مثالب أبي نواس.

٦ - أخبار سليمان بن أبي شيخ.

٧ - أخبار أبي العتاهية.

٨ - رسالته في مثالب معاوية.

٩ - أخبار عبد الله بن معاوية بن جعفر. وغيرها. ذكرها كلّها ابن النديم في الفهرست.

تُوفّي سَنة ٣١٩ه- كما ذكره ابن النديم، وقال الخطيب تُوفّي في شهر ربيع الأوّل سَنة ٣١٤ ه-، وفي لسان الميزان تُوفّي سَنة ٣١٠ه-.

٣٦ - محمّد بن يعقوب الكُليني: المُتوفّى ٣٢٩ه-(١) .

محمّد بن يعقوب بن إسحاق، أبو جعفر الكُليني.

قال النجاشي ( ١٠٢٧ ): شيخ أصحابنا في وقته بالري، ووجههم،

____________________

(١) اُنظر ترجمته: رجال النجاشي (١٠٢٧)، الفهرست للطوسي (٦٠٣)، رجال الطوسي في مَن لم يروِ عن الأئمّة ص٤٩٥ رقم ( ٢٧ )، قاموس الرجال ج٩ ص٦٥٩ رقم ( ٧٤١٣ )، وغيرها مِن كُتب الخاصّة والعامّة.

٦٥

وكان أوثق الناس في الحديث وأثبتهم.

وقال الطوسي ( ٦٠٣ ): يُكنّى أبا جعفر، ثقة، عارف بالأخبار.

وقال في رجاله في مَن لم يرو عن الأئمّة رقم ( ٢٧ ): جليل القدر عالِم بالأخبار(١) .

ثقة الإسلام، أمره في العِلم والفقه والحديث والثقة والورع أشهر مِن أن يذكر، وقد أثنى عليه العامّة، مثل ابن الأثير في جامع الأُصول، وابن حجر في لسان الميزان وغيرهما، والخاصّة بلا مُنازع.

وهو صاحب كتاب ( الكافي ) الّذي ألّفه في عشرين سَنة. وهو أحد الكُتب الأربعة التي عليها المُعوّل في الحديث، بل هو أعظمها وأتقنها.

تُوفّيرحمه‌الله في سَنة ٣٢٩ه-، كما ذكره النجاشي والطوسي في الرجال، ولكنّه في الفهرست ذكر وفاته سَنة ٣٢٨ه-، وقد رجّحه المحقّق التستري تأييداً لِما عن ابن الأثير، ولكن الأوّل هو الأصح؛ لنقل النجاشي ونقل الطوسي في الرجال.

له كتاب ( الرجال )، ذَكره النجاشي في ترجمته.

٣٧-أحمد بن سهل البلخي: وُلد حدود ٢٣٤، وتُوفّي ٣٢٢ه-(٢)

هو أبو زيد أحمد بن سهل البلخي، القائم بجميع العُلوم القديمة والحديثة، والفلسفة، والرياضيات.

ولد بناحية سامستيان مِن نواحي بلخ حدود ٢٣٤ه-،

____________________

(١) رجال الطوسي ص٤٩٥.

(٢) اُنظر ترجمته: الفهرست لابن النديم ص٢٢٢، الذريعة ج٤ ص٢٥٣، مصفى المقال ص٤٩، لسان الميزان ج١ ص١٨٣.

٦٦

وتُوفّي بها ٣٢٢ه- عن سبع أو ثمان وثمانين سَنة، وكان والده مِن أهل سجستان الّذين لم يَقدِموا على سبِّ الوصيّعليه‌السلام ، مع قيام غيرهم حتّى سُكّان الحرمين بذلك، بل شَرطوا عدم السبّ في عهدهم مع المُلوك الأُمويّة.

ترجمه ابن النديم، وصاحب مُعجم الأُدباء، وذكر كُتبه، ومنها: كتاب الأسماء والكُنى والألقاب، كما ذكره ابن النديم.

٣٨ - محمّد بن أبي الثلج: وُلد سَنة ٢٣٨ه- وتُوفّي ٣٢٢ه- أو ٣٢٥ه-(١) .

قال النجاشي ( ١٠٣٨ ): محمّد بن أحمد بن محمّد بن عبد الله بن إسماعيل الكاتب، أبو بكر، يُعرف ب- ابن أبي الثلج ثقة، عَين، كثير الحديث.

وقال الطوسي في رجاله: بغداديّ، خاصي، يُكنّى أبا بكر، سمع منه التلعكبري سَنة اثنتين وعشرين وثلثمائة وما بعدها إلى سَنة خمس وعشرين، وفيها مات، وله منه إجازة(٢) .

وله في الرجال عِدّة كُتب منها:

١ - أخبار النساء الممدوحات ( النجاشي ).

٢ - مَن قال بالتفضيل مِن الصحابة وغيرهم. ذكرهما النجاشي.

____________________

(١) اُنظر ترجمته: رجال النجاشي ( ١٠٣٨)، الفهرست للطوسي (٦٦٣)، رجال الطوسي ص٥٠٢ رقم ( ٦٤ )، مصفى المقال ص٣٩١، مُعجم رجال الحديث ج١٤ ص٣١٣، قاموس الرجال ج٩ ص٥٠ برقم (٦٣٤٣ و ٦٤١٠ )، تاريخ بغداد ج١ ص٣٥٤ برقم ( ٢٤٩ ).

(٢) رجال الطوسي ص٥٠٢.

٦٧

٣ - أسماء أمير المؤمنينعليه‌السلام في كِتاب الله عزّ وجل.

٤ - كِتاب البشرى والرفقة. ذكرهما الطوسي.

وُلد سَنة ٢٣٨ه- كما ذكره الخطيب في تاريخ بغداد، وأمّا وفاته فاختُلِف فيها.

قال الطوسي ٣٢٥ه-، وقال الخطيب ٣٢٢ه-، وقيل ٣٢٣ه-.

٣٩ - عبد العزيز الجَلودي: المُتوفّى ٣٣٢ه-(١) .

هو عبد العزيز يحيى بن أحمد بن عيسى الجلودي الأزدي البصري، أبو أحمد، شيخ البصرة وأخباريّها. كذا قاله النجاشي ثمّ عدّد له قرابة مائتي كتاب.

وقد ذكره الشيخ الطوسي في الفهرست، ووثّقه في رجاله.

وقال ابن النديم:الجَلودي مِن أكابر الشيعة الإماميّة، والرواة للآثار والسِيَر(٢) .

وله كتب كثيرة في الرجال منها:

١- كتاب مَن سبّه - يعني عليّاً - مِن الخُلفاء.

٢- كِتاب ذِكرُ الشيعة ومَن ذَكرهم هو - يعني عليّاً -، أو مَن أحبّ مِن الصحابة.

٣- كتاب مَن روى عنه - يعني عليّاً - مِن الصحابة.

____________________

(١) اُنظر ترجمته: رجال النجاشي (٦٣٨)، الفهرست للطوسي (٥٣٦)، رجال الطوسي ص٤٨٧ رقم ( ٦٧ )، مُعجم رجال الحديث ج١٠ ص٣٩، قاموس الرجال ج٦ ص١٨٧ رقم ( ٤١٣٣ )، الفهرست لابن النديم ص١٨٤ و٣٣٦.

(٢) الفهرست لابن النديم ص٣٣٦.

٦٨

٤- كِتاب ما قيل مِن الشعر فيه - يعني علياً - ومَن مَدَحه.

٥- أخبار التّوابين وعين الوردة.

٦- كِتاب أخبار المُحدِّثين.

٧ - كِتاب مُحبُّ عليّعليه‌السلام ومَن ذكره بخير.

٨ - كِتاب مَن أحب عليّاً وأبغضه.

٩ - كِتاب عُمّاله - يعني عليّاً - ووُلاته.

١٠ - كِتاب ما رواه مِن رأي الصحابة.

١١ - كِتاب ذِكر خديجة وفضل أهل البيتعليهم‌السلام .

١٢ - كِتاب بقيّة كلامه في العَرب وقريش والصحابة والتابعين ومَن ذمّه.

ويوجد له عَشرات الكُتب في أخبار الرجال وآحاد الرواة. ذكر كلّ ذلك النجاشي في رجاله (٦٣٨).

تُوفّي في ١٨ ذي الحجّة سَنة ٣٣٢ه- كما ذكره السيّد ابن طاوس في مُحاسبة النفس.

وقال ابن النديم انه تُوفّي بعد ٣٣٠ه-.

٤٠ - عبد العزيز البقّال الكوفي: وُلد سَنة ٢٧٢ ه- تُوفّي ٣٦٣ه-(١) .

هو عبد العزيز إسحاق بن جعفر الزيدي البقّال الكوفي، أبو القاسم. وكان زيديّاً سمع منه التلعكبري سَنة ٣٢٦ه-. ذكره الطوسي في رجاله.

له

____________________

(١) اُنظر ترجمته: الفهرست للطوسي (٥٣٧)، رجال الطوسي ص٤٨٣ رقم ( ٣٧ )، رجال ابن داود، قاموس الرجال ج٦ ص١٧٦ رقم ( ٤١١١ )، تاريخ بغداد ج١٠ ص٤٥٨ رقم ( ٥٦٢٦ )، ميزان الاعتدال ج٤ ص٣٥٨ رقم ( ٥٠٨٨ ).

٦٩

كِتاب ( في طبقات الشيعة ). ذكره الطوسي في الفهرست.

وترجمه الخطيب فقال: عبد العزيز بن إسحاق بن جعفر بن روزبهان بن الهيثم، أبو القاسم، يُعرف بابن البقّال… روى عنه محمّد بن الحسين بن عليّ بن الشبيه العلوي.

وقال أبو القاسم التنوخي: كان ابن البقّال هذا أحد المتكلّمين مِن الشيعة، وله كُتب مُصنّفة على مذهب الزيديّة يجمع حديثاً كثيراً … تُوفّي … يوم الأربعاء في جمادى الأُولى سَنة ثلاث وستّين وثلاثمائة …

وقال الخطيب: وذكر ابن الثلاّج - فيما قرأت بخطّه -: أنّه تُوفّي لعشر خَلون مِن شهر ربيع الآخر، سَنة ثلاث وستّين. قال: وذَكر أنّ مَولده في سَنة اثنتين وسبعين ومائتين(١) .

٤١ - أحمد ابن عُقدة: وُلد سَنة ٢٤٩ه- وتُوفّي سَنة ٣٣٣ه- أو ٣٣٢ ه-(٢) .

هو أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن سعيد … السبيعي الهمداني، المعروف بابن عقدة، الحافظ.

قال النجاشي ( ٢٣١ ): هذا رجل جليل في أصحاب الحديث، مشهور بالحفظ - والحكايات تختلّف عنه في الحفظ وعظمه - وكان كوفيّاً زيديّاً

____________________

(١) تاريخ بغداد ج١٠ ص٤٥٨ رقم ٥٦٢٦.

(٢) اُنظر ترجمته: رجال النجاشي (٢٣١)، الفهرست للطوسي (٨٦) ، رجال الطوسي ص٤٤١، مصفى المقال ص٢٠، قاموس الرجال ج١ ص٦٠٢، تاريخ بغداد ج٥ ص٢١٧ - ٢٢٥ رقم ( ٢٦٨٠ )، الكامل لابن عدي ج١ ص ٣٣٨ رقم الترجمة ٥٣، الميزان للذهبي ج١ ص٢٨١ رقم ٥٤٧، لسان الميزان ج١ ص٢٦٣ رقم ( ٨١٧ )، أعيان الشيعة.

٧٠

جارودياً على ذلك حتّى مات، وذكره أصحابنا؛ لاختلاطه بهم، ومُداخلته إيّاهم، وعظّم محلّه، وثقته، وأمانته.

وقال الطوسي ( ٨٦ ): وأمره في الثقة والجلالة وعِظم الحفظ أشهر مِن أن يُذكر

وقال في رجاله: جليل القدر، عظيم المنزلة … وكان حَفِظَةً …

وقال النعماني في غيبته: وهذا الرجل ممَّن لا يُطعن عليه في الثقة، ولا في العِلم بالحديث والرجال الناقلين له(١) .

وقال ابن عدي: وكان مقدَّماً في الشيعة، وفي هذه الصنعة أيضاً، ولم أجد بُدّاً مِن ذكره ؛ لأني شرطت في أوّل كتابي هذا أن أذكر فيه كلّ مَن تَكلّم فيه مُتكلّم، ولا أُحابي، ولولا ذاك لم أذكره للّذي كان في-ه مِن الفضل والمعرفة(٢) .

ونقل الخطيب في تاريخ بغداد عدّة روايات في كثرة حفظه.

وذكر النجاشي والطوسي كُتبه وهي كثيرة.

وله كُتب عديدة في الرجال منها:

١- كِتاب التاريخ وذِكر مَن روى الحديث. ذكره النجاشي، وقال الطوسي في وصف هذا الكتاب: وهو في ذِكر مَن روى الحديث مِن الناس كلّهم، العامّة والشيعة وأخبارهم، خرج منه شيء كثير.

٢ - كِتاب مَن روى عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ومسنده.

____________________

(١) الغيبة للنعماني بواسطة قاموس الرجال ج١ ص٦٠٣.

(٢) الكامل لابن عدي ج١ ص٣٣٩ رقم الترجمة ٥٣.

٧١

٣ - كِتاب مَن روى عن الحسن والحسينعليهما‌السلام .

٤ - كِتاب مَن روى عن عليّ بن الحسينعليهما‌السلام وأخباره.

٥ - كِتاب مَن روى عن أبي جعفر محمّد بن عليّعليهما‌السلام وأخباره.

٦ - كِتاب مَن روى عن زيد بن عليعليه‌السلام ومسنده.

٧ - كِتاب الرجال، وهو كِتاب مَن روى عن جعفر بن محمّدعليهما‌السلام ، وقد صرّح الشيخ المُفيد وغيره بأن فيه أربعة آلاف رَجل مِن ثقة أصحاب الصادقعليه‌السلام .

٨ - كِتاب الولاية ومَن روى غدير خُم.

٩ - كِتاب مَن روى عن عليعليه‌السلام أنّه قسيم النار.

١٠ - كِتاب الشيعة مِن أصحاب الحديث.

١١ - كِتاب تسمية مَن شَهِد مع أمير المؤمنينعليه‌السلام حروبه مِن الصحابة والتابعين. ذَكر كلّ هذه الكُتب النجاشي والطوسي.

١٢ - كِتاب مَن روى عن فاطمةعليها‌السلام مِن أولادها. ذكره الطوسي.

١٣ - كِتاب يحيى بن الحسين بن زيد وأخباره.

تُوفّي ابن عُقدة في سَنة ٣٣٣ه- كما في رجال النجاشي والفهرست للطوسي، ونقل في رجاله، والخطيب في تاريخ بغداد أنّه تُوفّي ٣٣٢ه-. وقد رجّحه المحقّق التستري.

٧٢

٤٢ - محمّد بن يحيى الصولي: المُتوفّى سَنة ٣٣٥ه- أو ٣٣٦ه-(١) .

أبو بكر محمّد بن يحيى بن العبّاس، المعروف بالصولي، الكاتب الشاعر النحوي. تلميذ المُبَّرد - محمّد بن يزيد المُتوفّى ٢٨٥ه - وذكره في معالم العُلماء مِن الشعراء الّذين يُتّقون في شعرهم.

قال الخطيب: كان أحد العُلماء بفنون الأدب، حَسن المعرفة بأخبار المُلوك وأيّام الخُلفاء، ومآثر الأشراف، وطبقات الشعراء … وكان واسع الرواية، حَسن الحفظ للآداب، حاذقاً بتصنيف الكُتب، ووضع الأشياء منها مواضعها، … ودون أخبار مَن تقدّم وتأخّر مِن الشعراء، والوزراء، والكُتّاب، والرؤساء، وكان حَسن الاعتقاد، جميل الطريقة، مقبول القول …(٢) .

وقال ابن النديم: وتُوفّي مستتراً بالبصرة؛ لأنّه روى خبراً في عليّعليه‌السلام ، فطلبته الخاصّة والعامّة للتقتله(٣) .

وذكر ابن خلكان مِن أنّه روى في عليّعليه‌السلام خبراً، فطلبوه حتّى مات مُستتراً بالبصرة سَنة ٣٣٥ه-.

____________________

(١) اُنظر ترجمته: طبقات أعلام الشيعة القرن ٤ ص٣١٤، مصفى المقال ص٤٢٧، الذريعة ج١٠ ص١٤٨، الفهرست لابن النديم ص٢٤٢-٢٤٣، لسان الميزان ج٥ ص٤٢٧، معالِم العلماء، قاموس الرجال ج٩ ص٦٥٢ رقم ( ٧٣٩٢ )، تاريخ بغداد ج٤ ص١٩٨ رقم ( ١٨٨٢ ).

(٢) تاريخ بغداد ج٤ ص١٩٨.

(٣) الفهرست لابن النديم ص٢٤٣.

٧٣

له عدّة كُتب ومنها في عِلم الرجال:

١- كِتاب الأوراق فيه أخبار جماعات كثيرة.

٢- كِتاب الوزراء.

٣ - طبقات الشعراء. ذكره الخطيب.

ثمّ كُتب أُخرى في أخبار واحد واحد مِن الرجال. ذكر ذلك ابن النديم في الفهرست، وقال: إنّه عاش إلى سَنة ٣٣٠ه-، وذكر الخطيب أنّه تُوفّي سَنة ٣٣٥ه-، ونُقل أنّه تُوفّي ٣٣٦ه-، وكذلك نَقله عن المرزباني.

٤٣ - محمّد بن الحسن بن الوليد القُمّي: تُوفّي ٣٤٣ه-(١) .

قال النجاشي ( ١٠٤٣ ): محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، أبوجعفر، شيخ القُمّيّين، وفقيههم، ومتقدّمهم، ووجههم، ويُقال أنّه نَزل قُم، وكان أصله منها، ثقة ثقة، عين، مسكون إليه إلخ.

وقال الطوسي في الفهرست ( ٧٠٨ ): جليل القدر، عارف بالرجال، موثوق به.

وقال في رجاله: جليل القدر، بصير بالفقه، ثقة، يروي عن الصفّار وسعد(٢) .

روى كثيراً عن محمّد بن الحسن الصفّار المُتوفّى ٢٩٠ه-.

____________________

(١) اُنظر ترجمته: رجال النجاشي ( ١٠٤٣و٧٠ )، الفهرست للطوسي ( ٧٠٨ )، رجال الطوسي ص٤٩٥ رقم (٢٣)، قاموس الرجال ج٩ ص١٩٠، مُعجم رجال الحديث ج١٥ ص٢٠٦.

(٢) رجال الطوسي ص٤٩٥ رقم ( ٢٣ ).

٧٤

وروى عنه كثيراً الشيخ الصدوق المُتوفّى ٣٨١ه-. تُوفّي ابن الوليد سَنة ٣٤٣ه-، قاله النجاشي.

له كُتب عديدة، ومنها كِتاب الفهرست، ذكره النجاشي، ونقل عنه في ترجمة إسماعيل بن جابر الجُعفي ( ٧٠ ).

٤٤ - أحمد الدّوري: وُلد ٢٩٩ه - تُوفّي ٣٧٩ه-(١) .

أحمد بن عبد الله بن أحمد بن جلين الدّوري. أبو بكر الوّراق.

روى عنه الحسين بن عبيد الله الغضائري.

قال النجاشي ( ٢٠٣ ): كان مِن أصحابنا، ثقة في حديثه، مسكوناً إلى روايته، لا نعرف له إلاّ كتاباً واحداً في طُرق ردّ الشمس، وما يتحقّق بأمرنا مع اختلاطه بالعامّة وروايته عنهم وروايتهم عنه.

وقال الطوسي ( ٩٧ ): كان مِن أصحابنا، ثقة في حديثه، مسكوناً إلى روايته.

وترجم له السمعاني في الأنساب قال: إنّه رافضي مشهور، وُلد ٢٩٩، وكَتب الحديث سَنة ٣١٣، ومات في رمضان ٣٧٩.

____________________

(١) اُنظر ترجمته: رجال النجاشي ج١ ص٢٢٣ رقم ( ٢٠٣ )، فهرست كُتُب الشيعة للطوسي ص٧٧ رقم ( ٩٧ )، السمعاني في الأنساب، كما عن هامش رجال النجاشي، ميزان الاعتدال للذهبي ج١ ص ٢٤٨ برقم ٤٢٥.

٧٥

٤٥ - محمّد بن الحسن المُحاربي: القرن الرابع(١) .

قال النجاشي ( ٩٤٤ ): محمّد بن الحسن بن علي، أبو عبد الله المُحاربي، جليل، مِن أصحابنا، عظيم القدر، خبير بأُمور أصحابنا، عالِم ببواطن أنسابهم.

له كِتاب الرجال، سمعت جماعة مِن أصحابنا يصفون هذا الكتاب. ثُمّ ذكر سَنده إليه.

روى هذا الكتاب عن المُترجَم ابن عُقدة المُتوفّى ٣٣٣ه-، فيبدو أنّه تُوفّي في أوائل القرن الرابع. والله العالم.

٤٦ - محمّد بن مسعود العياشي: القرن الرابع(٢) .

قال النجاشي تحت رقم( ٩٤٥ ): محمّد بن مسعود بن محمّد بن عياش السلمي السمرقندي، أبو النضر، المعروف ب- العياشي، ثقة، صدوق، عين مِن عيون هذه الطائفة، وكان يروي عن الضُعفاء كثيراً، وكان في أوّل أمره عامّي المذهب، وسمع حديث العامّة، فأكثر مِنه، ثمّ تبصّر وعاد إلينا، وكان حديث السِنّ.

ونقل النجاشي بسنده أنّ العياشي: أنفق على العِلم والحديث تركة أبيه سائرها، وكانت ثلاثمائة ألف دينار، وكانت داره كالمسجد - بين ناسخ، أو

____________________

(١) اُنظر ترجمته: رجال النجاشي (٩٤٤).

(٢) اُنظر ترجمته: رجال النجاشي (٩٤٥)، الفهرست للطوسي (٦٠٥) رجال الطوسي ص٤٩٧ رقم ( ٣٢ )، مُعجم رجال الحديث ج١٧ص٢٢٤، طبقات أعلام الشيعة ق٤ ص٣٠٥، الفهرست لابن النديم ص٣٣٤، قاموس الرجال ج٩ ص٥٧١ رقم ( ٧٢٧٣ ).

٧٦

مُقابِل، أو قارئ، أو مُعلِّق - مملوءة مِن الناس. ثمّ عدّد كُتبه وهي تزيد على مائتي كِتاب.

قال الطوسي ( ٦٠٥ ): جليل القدر، واسع الأخبار، بصير بالرواية، مطّلع عليها.

وقال في رجاله: يُكنّى أبا النضر، أكثر أهل الشرق عِلماً، وفضلاً، وأدباً، وفهماً، ونُبلاً في زمانه …(١) .

وقال ابن النديم: مِن فُقهاء الشيعة الإماميّة، أوحد دهره وزمانه في غزارة العِلم، ولِكُتبه بنواحي خراسان شأن مِن الشأن(٢) .

له في الرجال:

١ - كِتاب معرفة الناقلين. ذكره ابن النديم في الفهرست، والنجاشي، والطوسي في الفهرست.

٢ - كِتاب الأنبياء والأئمّة.

٣ - كِتاب الأوصياء. ذكرهما الطوسي وابن النديم.

والمُترجَم يروي عن عليّ بن الحسن بن فضّال وأصحابه.

ويروي عنه جماعة كثيرة منهم: أبو عمرو محمّد بن عمر بن عبد العزيز الكشّي، صاحب الرجال.

____________________

(١) رجال الطوسي ص٤٩٧.

(٢) الفهرست لابن النديم ص٣٣٣.

٧٧

٤٧ - محمّد بن جرير الطبري: القرن الرابع(١) .

قال النجاشي ( ١٠٢٥ ): محمّد بن جرير بن رستم الطبري الآملي، أبو جعفر، جليل، مِن أصحابنا كثير العِلم، حَسن الكلام، ثقة في الحديث، له كِتاب المُسترشد في الإمامة.

وقال الطوسي ( ٧١٢ ): محمّد بن جرير بن رستم الطبري الكبير، يُكنّى أبا جعفر، دين فاضل، وليس هو صاحب التاريخ فإنّه عامّي المذهب.

والمُترجَم معاصر لسَميّه محمّد بن جرير الطبري صاحب تاريخ الأُمم والملوك، وصاحب التفسير الكبير الذي هو مِن عُلماء العامّة والمُتوفّى ٣١٠ه-.

بل ربّما يوجد شخص ثالث بهذا الاسم، وهو صاحب كِتاب (دلائل الإمامة) المطبوع، وهو متأخّر طبقةً، حيث إنّه في طبقة النجاشي والطوسي، وهو شيعي أيضاً، راجع في ذلك: الذريعة ج٨ ص٢٤١ - ٢٤٧، وقاموس الرجال، وفيهما تحقيق مُهمّ حول ذلك.

وقد خلط ابن النديم بينه وبين أبي جعفر الطبري صاحب التاريخ المعروف.

وللمُترجَم كِتاب الرواة عن أهل البيت. ذكره ابن حجر في لسان الميزان ج٥ ص١٠٣.

____________________

(١) اُنظر ترجمته: رجال النجاشي (١٠٢٥)، الفهرست للطوسي (٧١١)، الفهرست لابن النديم ص٣٨٥، رجال الطوسي ص٥١٤ رقم ( ١٢٥ )، الذريعة ج٨ ص٢٤١-٢٤٧، طبقات أعلام الشيعة ق٤ ص٢٥٠، مصفى المقال ص٣٩٧، لسان الميزان ج٥ ص١٠٣، قاموس الرجال ج٩ ص١٥٥ رقم ( ٦٥١٨ )، الميزان للذهبي ج٦ ص٩٠ رقم ( ٧٣١٣ ).

٧٨

٤٨ - أحمد بن محمّد الكوفي: تُوفّي سَنة ٣٤٦ه-(١) .

قال النجاشي ( ٢٣٤ ): أحمد بن محمّد بن عمّار، أبو علي الكوفي، ثقة، جليل، مِن أصحابنا. ثمّ ذكر كُتبه.

وقال الطوسي ( ٨٨ ): شيخ، مِن أصحابنا، ثقة، جليل القدر، كثير الحديث والأُصول. ثمّ ذكر كُتبه.

وقال في رجاله: كوفيّ ثقة، روى عنه ابن داود(٢) .

ومِن كُتبه في الرجال:

١ - الممدوحين والمذمومين. وهو كِتاب كبير، قاله النجاشي.

٢ - كِتاب المبيضّة. ذكره الطوسي. والمبيضّة: وهم المخالفون لبني العبّاس، وكان شعارهم البَياض وأوّلهم في سَنة ١٣٢، وهي أوّل خلافتهم خالفهم حبيب المري مع أهل الشام وبيّضوا، وممّن خالفهم: محمّد، وإبراهيم ابني عبد الله المحض في قِبال بني العبّاس وأتباعهم، الّذين كان شعارهم السواد. وهذا الكِتاب أيضاً في تراجم الرجال حيث إنّه يُعدّد مخالفي بني العبّاس، ويذكر عقائدهم.

٣ - كِتاب أخبار آباء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفضائلهم، وإيمان أبي طالب.

تُوفّي المُترجَم سَنة ٣٤٦ه-، قاله الطوسي.

____________________

(١) اُنظر ترجمته: رجال النجاشي (٢٣٤)، الفهرست للطوسي (٨٧) ، مصفى المقال ص٧٠، رجال الطوسي ص٤٥٤، قاموس الرجال ج١ ص٦٢٦ رقم ( ٥٦٦ ).

(٢) رجال الطوسي ص٤٥٤ رقم ( ٩٨ ).

٧٩

٤٩ - يحيى بن زكريا الكنجي: القرن الرابع(١) .

يحيى بن زكريا المعروف بالكنجي، يُكنّى أبا القاسم.

روى عنه التلعكبري، وسمع مِنه سَنة ٣١٨ه-، وكان سِنّه حين لقيه أكثر مِن ١٢٠سَنة، وقد لقي العسكريعليه‌السلام ، قاله الشيخ الطوسي في رجاله ص٥١٦.

وذكره النجاشي في ترجمة الفضل بن شاذان ( ٨٣٨ ): ونقل عنه أن الفضل بن شاذان صّنف ١٨٠ كتاباً، فيظهر أنّ للكنجي كتاباً فيه ذِكرُ تصانيف الأصحاب.

٥٠ - الحسين بن حمدان الخصيبي: وُلد سَنة ٢٦٠ه - وتُوفّي ٣٤٦ه-(٢) .

الحسين بن حمدان الخصيبي، أو الحضيني، أو الحصيني، الجنبلائي، أبو عبد الله.

كان فاسد المذهب، قاله النجاشي، ومع ذلك فقد أجاز التلعكبري في سَنة٣٤٤ه-، وتُوفّي ٣٥٨ه- كما ذكره ابن داود، أو أنّه وُلد سَنة ٢٦٠ه-، وتُوفّي٣٤٦ه- كما ذكره أتباعه التابعون لمحمّد بن نصير النميري.

قال صاحب الرياض: له كِتاب يشتمل على أخبار أحوال الأئمّةعليهم‌السلام ورواتهم.

____________________

(١) اُنظر ترجمته: رجال الطوسي ص٥١٦، طبقات أعلام الشيعة ق٤ ص٣٣١، مصفى المقال ص٤٩٦، رجال النجاشي ترجمة الفضل (٨٣٨).

(٢) اُنظر ترجمته: رجال النجاشي (١٥٦)، الفهرست للطوسي (٢٢٢)، رجال الطوسي ص٤٦٧، مصفى المقال ص١٤٤، رياض العلماء ج٢ ص٥٠.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

أنحاء العالم الإسلامي بإحضار كبار العلماء من المتمرّسين في مختلف أنواع العلوم بالحضور إلى خراسان ليسألوا الإمام عن أعقد المسائل العلمية، ولمّا حضروا عنده عرض عليهم الأمر، ووعد بالثراء العريض كل مَن يسأل الإمامعليه‌السلام سؤالاً يعجز عن إجابته، والسبب في ذلك - فيما نحسب - يعود إلى ما يلي:

أوّلاً: إنّ المأمون أراد أن ينسف عقيدة الشيعة ويقضي على جميع معالمها فيما إذا عجز الإمام الرضاعليه‌السلام فإنّه يتخذ من ذلك وسيلة لنقض ما تذهب إليه الشيعة من أنّ الإمام أعلم أهل عصره، وأدراهم بجميع أنواع العلوم، ومن الطبيعي أنّ ذلك يؤدّي إلى زعزعة كيان التشيّع، وبطلان عقيدتهم في أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام .

ثانياً: إنّ الإمام لو عجز عن أجوبة المسائل التي يقدمها العلماء له فإنّ المأمون يكون في سعة من عزله عن ولاية العهد بعد أن استنفذت أغراضه السياسية منها، فقد أظهر للناس في بداية الأمر أنّه إنّما رشّح الإمام لهذا المنصب الخطير لأنّه أعلم الأمّة، ولكن لما ظهر له خلاف ذلك قام بعزله، وفي نفس الوقت تقوم وسائل إعلامه بإذاعة ذلك، والحط من شأن الإمام، وفي ذلك استجابة لعواطف الأسرة العباسية التي غاظها ترشيح المأمون للإمام لولاية العهد.

فعمدت إلى عزله، ومبايعة المغني إبراهيم - كما سنتحدث عن ذلك - وعلى إي حال فقد قام العلماء بالتفتيش عن أعقد المسائل وأكثرها صعوبة وعمقاً في جميع أنواع العلوم، وعرضوها على الإمام فأجاب عنها جواب العالم الخبير المتمرّس فيها، ويقول الرواة: إنّه سُئل عن أكثر من عشرين ألف مسألة في نوب مفرقة عاد فيها بلاط المأمون إلى مركز علمي، وخرجت الوفود العلمية، وهي مليئة بالإعجاب والإكبار بمواهب الإمام وعبقرياته، وأخذت تذيع على الناس ما يملكه الإمام من طاقات هائلة من العلم والفضل كما ذهب معظمهم إلى القول بإمامته، ممّا اضطر المأمون إلى حجب الإمام عن العلماء خوفاً أن يفتتنوا له ولم يذكر الرواة إلا كوكبة يسيرة منها، نعرض لها ولبعض ما أثر عنه هذا الموضوع، وفيما يلي ذلك:

1 - أسئلة عمران الصابئ:

وكان عمران الصابئ من كبار فلاسفة عصر الإمامعليه‌السلام كما كان الزعيم الروحي لطائفة الصابئة، وقد انتدبه المأمون لامتحان الإمام، فاختار له أعمق المسائل الفلسفية وأكثرها تعقيداً وغموضاً. وقد شرحها وعلّق عليها المحقّق الشيخ

١٠١

محمد تقي الجعفري، قال: وقد اشتمل هذا الاحتجاج على أهم المسائل الإلهية وأغمضها، وهي على إطلاقها عويصات في الحكمة المتعالية، قد أتعبت أفكار الباحثين الناظرين في ذلك الفن، ولم يأت هؤلاء الأساطين بأجوبة كافية لتلك المسائل بل تعقبها أسئلة أخرى ربّما تكون أغمض من نفس الأسئلة، وقد وقعت تلك الغوامض موارد لأسئلة عمران في هذه الرواية، وأجاب عنها الإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام ثامن حجج الله على عباده وأُمنائه في أرضه، وما بيّنه الإمام في هذا الاحتجاج مناهج واضحة لم يطمسها غبار الحجب المادية التي تثيرها العقول المحدودة في معقل المحسوسات المظلمة، هكذا ينكشف عند المتمسّكين بأذيال أهل بيت النبوّة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، ومهبط الوحي حقائق ضل في سبيل الوصول إليها الأفكار الناقصة.

( ونعرض للنص الكامل من أسئلة الصابئ وجواب الإمام عنها حسبما ذكره الشيخ الصدوق في (عيون أخبار الرضا) مع مقتطفات من تعليقات الشيخ الجعفري عليها... لقد قدم الوفد الذي كان مع عمران جملة من المسائل، وبعدما أجاب الإمامعليه‌السلام عن أسئلة الوفد الذي هو من كبار علماء النصارى، واليهود والصابئة، قال لهم: ( يا قوم إن كان فيكم أحد يخالف الإسلام، وأراد أن يسأل، فليسأل غير محتشم... )

فانبرى إليه عمران الصابئ، وكان متطلّعاً بصيراً في علم الكلام فخاطب الإمام بأدب وإكبار قائلا: ( يا عالم الناس لولا أنّك دعوت إلى مسألتك، لم أقدم عليك بالمسائل، فلقد دخلت الكوفة والبصرة، والشام، والجزيرة ولقيت المتكلّمين، فلم أقع على أحد يثبت لي واحداً - يعني أنّ الله تعالى واحد لا ثاني له - ليس غيره قائماً بوحدانيته أفتأذن لي أن أسألك... )

عرض الصابئ إلى عمق مسألته، وأنّه لم يهتد لحلها علماء الكوفة والبصرة والشام والجزيرة، ويطلب من الإمامعليه‌السلام حلها، فقابله الإمام ببسمات فيّاضة بالبشر قائلاً: ( إن كان في الجماعة عمران الصابئ فأنت هو... ).

( أنا هو )

١٠٢

سل يا عمران، وعليك بالنصفة، وإيّاك والخطل(1) والجور... ).

وأطرق الصابئ بوجهه إلى الأرض، وقال بنبرات تقطر أدباً وإجلالاً للإمام: ( والله يا سيدي ما أريد إلاّ أن تثبت لي شيئاً أتعلق به فلا أجوزه... )

لقد أعرب الصابئ عن نواياه الحسنة وأنّه يريد الحقيقة، والوصول إلى الواقع، ولا صلة له بغير ذلك، فقالعليه‌السلام : ( سل عمّا بدا لك... ).

وكان المجلس مكتظاً بالعلماء والقادة، وفي طليعتهم المأمون فانضم بعضهم إلى بعض، وانقطعوا عن الكلام ليسمعوا أسئلة الصابئ وجواب الإمام عنها، وتقدّم الصابئ بأسئلته.

س1: ( أخبرني عن الكائن الأوّل، وعمّا خلق... ) أمّا المسؤول عنه في هذه الكلمات فهو الشيء الأوّل والمادة الأُولى التي خلق الله تعالى الأشياء منها، وليس المسؤول عنه وجود الله المبدع العظيم فإنّه من الأمور الواضحة التي لا يشك فيها من يملك وعيه وإرادته، فإنّ جميع ما في الكون تدلّل على وجود خالقها فإنّه من المستحيل أن يوجد المعلول من دون علّته... ولنستمع إلى جواب الإمامعليه‌السلام عن هذه المسألة.

ج 1: ( أمّا الواحد فلم يزل واحداً كائنا، بلا حدود، ولا أعراض، ولا يزال كذلك، ثم خلق خلقاً مبتدعاً مختلفاً بأعراض وحدود مختلفة، لا في شيء أقامه، ولا في شيء حده، ولا على شيء حذاه، ومثله له، فجعل الخلق من بعد ذلك صفوة، وغير صفوة، واختلافاً وائتلافاً، وألواناً وذوقاً وطعماً لا لحاجة كانت منه إلى ذلك، ولا لفضل منزلة لم يبلغها إلاّ به ولا رأي لنفسه فيما خلق زيادة ولا نقصاناً... ).

وحكى هذا المقطع من جواب الإمامعليه‌السلام ما يلي:

أوّلاً: إنّ الله تعالى واحد لا شيء معه، وهو مجرّد من الحدود والأعراض التي هي من صفات الممكن، فهو كائن واحد، ما زال ولا يزال، وليست وحدته عددية أو نوعية أو جنسية، وإنّما بمعنى عدم ارتباطه بأي شيء مادي أو غير مادي، فهو بمرتبة من الكمال لا يشابهه أي شيء من الممكنات التي نسبتها إليه نسبة الصانع إلى المصنوع، فتبارك الله.

ثانياً: إنّ النظرة البدوية في الأشياء أنّ كل صورة لا بد لها من مادة تقوم وتحل

___________________________

(1) الخطل: المنطق الفاسد.

١٠٣

بها، ولكن هذا بالنسبة إلى غير الواجب تعالى أمّا هو فإنّه يخلق الأشياء لا من شيء كان، ولا من شيء خلق، وإنّما يقول للشيء كن فيكون، فقد ابتدع خلق الأشياء لا على شيء حذاه، ومثله له، فهو القوّة الكبرى المبدعة لخلق الأشياء لا لحاجة منه إليها، فهو المصدر الوحيد للفيض على جميع الكائنات.

والتفت الإمامعليه‌السلام إلى عمران فقال له: ( تعقل هذا يا عمران...؟ ).

( نعم والله يا سيدي... ).

( اعلم يا عمران أنّه لو كان خلق ما خلق لحاجة، لم يخلق إلاّ مَن يستعين به على حاجته، ولكان ينبغي أن يخلق أضعاف ما خلق لأنّ الأعوان كلّما كثروا كان صاحبهم أقوى، والحاجة يا عمران لا يسعها لأنّه كان لم يحدث من الخلق شيئاً إلاّ حدثت فيه حاجة أخرى؛ ولذلك أقول: لم يخلق الخلق لحاجة ولكن تقل بالخلق الحوائج بعضهم إلى بعض، وفضل بعضهم على بعض بلا حاجة منه إلى من فضل، ولا نقمة منه على من أذل... ).

وهذا الكلام متمّم لما قبله من أنّ الله تعالى خلق الخلق في غنى عنهم فهم المحتاجون إلى فيضه ورحمته وعطائه، فهو الجواد المطلق الذي بسط الرحمة والإحسان على جميع الموجودات والكائنات، وكان من فضله أنّه فضّل بعض مخلوقاته على بعض بلا حاجة منه إلى من فضل، ولا نقمة منه على من أذل.

س 2: ( يا سيدي هل كان الكائن معلوماً في نفسه عند نفسه..؟ ).

وهذا السؤال عميق للغاية، وتوضيحه - حسبما ذكره الشيخ الجعفري - أن تحصل شيء وتحققه في الانكشاف العلمي كواقع ذلك الشيء ينحل إلى هوية نفسه، وطارديته لغيره، وبذلك يكون محدوداً، فإنّ الحجر ما لم يضف إلى هويته عدم جميع أضداده لا يتحصّل تحصلاً علمياً... فإنّ النفس المعلومة ما لم يلاحظ طرد جميع ما سواها عنها لا تكون معلومة ومحصلة عند العالم وكأنّ هذا هو الموجب لسؤال عمران عن كونه تعالى معلوماً عند نفسه، فحينئذٍ لو أجاب الإمام بثبوته لاستشكل عمران هل كان تحصيل نفسه عند نفسه ملازماً لطرد غيره من المعقولات أم لا؟.

ج 2: قالعليه‌السلام : ( إنّما يكون المعلمة بالشيء لنفي خلافه، وليكن الشيء نفسه، بما نفى عنه موجوداً، ولم يكن هناك شيء يخالفه، فتدعوه الحاجة إلى

١٠٤

نفي ذلك الشيء عن نفسه بتحديد ما علم منها... والتفت الإمام إلى عمران فقال له: ( أفهمت يا عمران؟... ).

( نعم والله يا سيدي... ).

وحاصل ما أجاب به الإمامعليه‌السلام أنّ ما ذكره الصابئ إنّما يصح فيما لو كان المعلوم مقارناً بعدّة أشياء تخالفه فيلزم حينئذٍ نفي تلك الأشياء لتحصيل المعلوم إلاّ أنّ الله تعالى خالق الكون وواهب الحياة ما لم يكن هناك شيء يقارنه فلا حاجة إلى نفيه ليقرّر إرادته بذلك النفي.

س 3: أخبرني بأيّ شيء علم ما علم أبضمير أم بغير ضمير؟

أراد الصابئ بهذا السؤال إلزام الإمام بالقول بالتركيب في ذاته تعالى، من جهة أنّه ذو ضمير.

ج 3: أرأيت إذا علم بضمير هل يجد بداً من أن يجعل لذلك الضمير حداً تنتهي إليه المعرفة؟ أراد الإمام أنّ ذلك الضمير لا بد أن يعرف حقيقته وماهيته، وقد وجّه الإمام إليه السؤال التالي: ( فما ذلك الضمير؟... ).

فانقطع الصابئ عن الكلام ولم يستطع أن يقول شيئاً، فقد سد الإمام عليه كل نافذة يسلك فيها لإثبات ما يذهب إليه، والتفت الإمام إليه قائلاً: ( لا بأس إن سألتك عن الضمير نفسه فتعرفه بضمير آخر؟ فإن قلت: نعم، أفسدت عليك قولك... ).

وأقام الإمام الحجّة الكاملة والبرهان القاطع على بطلان ما التزم به الصابئ من أنّه تعالى يعلم بواسطة الضمير، وعلى هذا فلا بد من ضمير آخر يقع به الإدراك لذاته تعالى، وهذا الضمير الآخر يتوقّف على ضمير غيره، وهكذا فيلزم التسلسل، وهو ما لا نهاية له، وإن توقف الضمير الثاني على الضمير الأول فيلزم منه الدور والأمران ممّا أجمع على فسادهما، لترتب الأمور الفاسدة عليها حسبما ذكره الفلاسفة والمنطقيون وتمم الإمامعليه‌السلام حجته وبرهانه بقوله: ( يا عمران أليس ينبغي أن تعلم أنّ الواحد ليس يوصف بضمير، وليس يقال له: أكثر من فعل وعمل وصنع، وليس يتوهّم منه مذاهب وتجزية كمذاهب المخلوقين وتجزيتهم، فاعقل ذلك، وابن عليه ما علمت صواباً... ).

١٠٥

أراد لإمامعليه‌السلام أنّ صدور الأفعال والأعمال المختلفة من الله تعالى ليست على غرار غيره من الممكنات التي تحتاج إلى العلل والأسباب كالعقل، وغيره من سائر الجوارح الظاهرية، فإنّه تعالى يستحيل عليه ذلك.

س 4: ( يا سيدي ألا تخبرني عن حدود خلقه كيف هي؟ وما معانيها؟ وعلى كم نوع يكون؟... ).

واستفسر عمران عن حدود المخلوقات التي تميز بعضها عن بعض فأجابه الإمام:

ج 4: ( قد سألت فاعلم أنّ حدود خلقه على ستة أنواع: ملموس، وموزون، ومنظور إليه، وما لا ذوق له، وهو الروح، ومنها منظور إليه، وليس له وزن، ولا لمس، ولا حس، ولا لون، ولا ذوق، والتقدير والأعراض، والصور، والطول، والعرض، ومنها العمل والحركات التي تصنع الأشياء وتعملها، وتغيّرها من حال إلى حال وتزيدها، وتنقصها، فأمّا الأعمال والحركات فإنّها تنطلق؛ لأنّه لا وقت لها أكثر من قدر ما يحتاج إليه، فإذا فرغ من الشيء انطلق بالحركة، وبقي الأثر، ويجري مجرى الكلام الذي يذهب ويبقى أثره... ).

وحفل جواب الإمامعليه‌السلام بذكر الخواص والصفات التي تتميّز بها الأشياء سواء أكانت من الكائنات الحيّة أم من غيرها.

س 5: يا سيدي: ألا تخبرني عن الخالق إذا كان واحداً لا شيء غيره، ولا شيء معه، أليس قد تغيّر بخلقه الخلق... ).

ومعنى هذا السؤال أنّ الحقائق الطبيعية، التي أوجدها الله تعالى، أنّها توجب تغير الخالق العظيم بتغييرها، وهذا إنّما يلزم على القول باتحادها معه تعالى ذاتاً، وهذا مستحيل.

ج 5: ( قديم لم يتغيّر عزّ وجل بخلقه الخلق، ولكن الخلق يتغيّر، بتغييره... ).

وحاصل جواب الإمامعليه‌السلام أنّ الخالق العظيم لما كان هو الصانع والموجد للأشياء، وهو قديم فلا يلزم منه التغيير بتغيير الممكنات والكائنات.

س 6: ( يا سيدي فبأي شيء عرفناه؟... ).

ج 6: ( بغيره... إنّ جميع ما في الكون ممّا يرى، وممّا لا يرى يدلل على وجود الخالق العظيم،

١٠٦

لقد عرفناه بمخلوقاته، وآمنا به بما نشاهده من بدائع صنعته، وقد استبان بصورة واضحة لا غموض فيها في هذه العصور التي غزا الإنسان فيها الفضاء الخارجي، فقد ظهر للبشرية عظيم صنعته تعالى بما أودعه في هذا الفضاء من الكواكب التي لا تحصى ولا تعد، وكلّها تسير بانتظام، ودقّة، ولو اختلفت في مسيرها لحظة لتصادمت، وتلاشت، ولم يبق لها اثر، فسبحان الله المبدع الحكيم.

س 7: أي شيء غيره؟

ج 7: ( مشيئته، واسمه وصفته، وما أشبه ذلك، وكل ذلك محدث، مخلوق، مدبّر... ).

لقد عرفنا الله بمشيئته واسمه وصفاته التي دلّت عليه سبحانه، ففي دعاء الصباح: ( يا مَن دلّ على ذاته بذاته ).

وكل ما في الكون من موجودات تستند إليه استناد المصنوع إلى الصناع.

س 8: يا سيدي أي شيء هو؟

ج 8: ( هو نور، بمعنى أنّه هادٍ خلقه من أهل السماء، وأهل الأرض، وليس لك عليّ أكثر من توحيدي إيّاه... ).

لقد أراد عمران بسؤاله معرفة حقيقة الله تعالى، متوهّماً أنّه تعالى كسائر الممكنات والموجودات، ولمّا كان ذلك مستحيلاً، إذ كيف يحيط الإنسان الذي لا يعرف ذاته وما فيها من الأجهزة الدقيقة، كيف يعرف حقيقة الخالق العظيم المصور والمبدع للأكوان، وقد أجاب الإمامعليه‌السلام أنّه يعرف بأوصافه الظاهرية من هدايته لخلقه وغير ذلك من الأدلة الصريحة الواضحة التي تنادي بوجود خالقها العظيم.

س 9: يا سيدي: أليس قد كان ساكتاً قبل الخلق لا ينطق، ثم نطق...

ج 9: ( لا يكون السكوت إلاّ عن نطق قبله، والمثل في ذلك أنّه لا يقال للسراج: هو ساكت لا ينطق، ولا يقال: إنّ السراج ليضيء، فما يريد أن يفعل بنا لأنّ الضوء من السراج ليس بفعل منه، ولا كون، وإنّما هو ليس شيء غيره، فلمّا استضاء لنا، قلنا: قد أضاء لنا، حتى استضأنا به، فبهذا تستبصر أمرك... ).

ومعنى جواب الإمامعليه‌السلام أنّ السكوت والنطق إنّما يعرضان موضوع قابل لهما، توارد العدم والملكة وحيث إنّ نطق الله تعالى ليس على غرار ما يتصف به الناطقون من الممكنات، فيصح عليه النطق، كما يصح عليه السكوت وقد ذهبت

١٠٧

الشيعة إلى أنّ التكلّم من صفات الأفعال، لا يقوم بذاته تعالى قوام الأوصاف الذاتية، فإنّه تعالى هو الذي خلق النطق والكلام إذا أراده، وقد مثّل الإمامعليه‌السلام لذلك بالسراج فإنّه لا يقال له إنّه ساكت لا ينطق، كما أنّ إسناد الإضافة إلى السراج ليس اختياريا له، هذه بعض الاحتمالات في تفسير كلام الإمامعليه‌السلام .

س 10: ( يا سيدي: فإنّ الذي كان عندي أنّ الكائن قد تغيّر في فعله عن حاله بخلقه الخلق... ).

ج 10: ( يا عمران في قولك إنّ الكائن يتغيّر في وجه من الوجوه، حتى يصيب الذات منه ما يغيره، هل تجد النار تغيرها تغير نفسها، وهل تجد الحرارة تحرق نفسها؟ أو هل رأيت بصيراً قط رأى بصره؟... ).

إنّ هذا السؤال من عمران قد تقدّم، وقد أجابه الإمامعليه‌السلام وقد زادهعليه‌السلام توضيحاً، فقال له إنّ الكائن لا يتغيّر بوجه من الوجوه، فأفعال النفس - مثلاً - التي تصدر منها لا توجب زيادة فيها ولا نقصاناً، وهناك مثال آخر وهو البصر، فإن صدر الرؤية منه لا توجب زيادة فيه ولا نقصانا.

س 11: ( ألا تخبرني يا سيدي أهو في الخلق، أم الخلق فيه؟... )

ج 11: ( أجل هو يا عمران عن ذلك، ليس هو في الخلق، ولا الخلق فيه تعالى عن ذلك، وسأعلمك ما تعرفه، ولا قوّة إلاّ بالله، أخبرني عن المرآة أنت فيها، أم هي فيك؟ فإن كان ليس واحد منكما في صاحبه، فبأي شيء استدللت بها على نفسك يا عمران...؟ ).

لقد أحال الإمامعليه‌السلام حلول الله تعالى في خلقه، وحلولهم فيه، ومثّل لذلك بالصورة التي تنعكس في المرآة فإنّها لا تحل فيها، وكذلك المرآة لا تحل في الصورة، وإنّما النور هو الذي أوجب رؤية الصورة في المرآة، وهو غير حال في شيء منهما، يقول ابن الفارض:

بوحدته دامت لها كل كثرة

فصحت وقد آنت لها كل علة

فقد صار عين الكل فردا لذاته

وإن دخلت أفراده تحت عدة

نظرت فلم أبصر سوى محض وحدة

بغير شريك فد تغطّت بكثرة

وهنا بحوث فلسفية عميقة أعرضنا عن ذكرها إيثاراً للإيجاز.

س 12: ( بضوء بيني وبينها... ).

١٠٨

وهذا السؤال مرتبط بما قبله، وقد أوضحناه.

ج 12: هل ترى من ذلك الضوء أكثر ممّا تراه في عينك؟

عمران: نعم.

الإمام: فأرناه.

وسكت عمران، ولم يدر ما يقول، فقد سدّ الإمام عليه كل نافذة يسلك منها، وواصل الإمام حديثه قائلاً: ( فلا أرى النور إلاّ وقد دلّك، ودلّ المرآة على أنفسكما من غير أن يكون في واحد منكما، ولهذا أمثال كثيرة غير هذا لا يجد الجاهل فيها مقالاً ولله المثل الأعلى ).

تأجيل المناظرة:

وحضر وقت الصلاة، ولم يجد الإمام بدّاً من تأجيل المناظرة فالتفت إلى المأمون، فقال له: الصلاة حضرت، وخاف عمران من عدم استئناف الحوار بينه وبين الإمام، فقال له: ( يا سيدي لا تقطع عليّ مسألتي، فقد رقّ قلبي... ).

فأوعده الإمامعليه‌السلام بالعودة إلى مناظرته، ونهض الإمام فأدّى فريضة الصلاة.

استئناف المناظرة:

وعادت الجلسة، وقد حضرها المأمون، وكبار العلماء والقادة، والتفت الإمامعليه‌السلام إلى عمران فقال له: ( سل يا عمران... ).

س 13: ( يا سيدي ألا تخبرني عن الله عزّ وجل، هل يوحد بحقيقة أو يوحد بوصف؟... ).

ج 13: إنّ الله المبدأ، الواحد الكائن الأول، لم يزل واحداً لا شيء معه، فرداً لا ثاني معه، لا معلوماً - يعني بحقيقته - ولا مجهولاً، ولا محكماً، ولا متشابهاً، ولا مذكوراً، ولا منسياً، ولا شيئاً يقع عليه اسم شيء من الأشياء، ولا من وقت كان ولا إلى وقت يكون، ولا بشيء قام، ولا إلى شيء يقوم ولا إلى شيء استند، ولا في شيء استكن، وذلك كلّه قبل لخلق(1) إذ لا شيء غيره، وما أوقعت عليه من الكل

____________________

(1) في نسخة قبل خلقه الخلق.

١٠٩

فهي صفات محدثة، وترجمة يفهم بها مَن فهم. واعلم أنّ الإبداع والمشيئة والإرادة معناها واحد، وأسماؤها ثلاثة، وكان أوّل إبداعه ومشيئته وإرادته التي جعلها أصلاً لكل شيء، ودليلاً على كل شيء مدرك، وفاصلاً لكل مشكل، وبتلك الحروف تفريق كل شيء من اسم حق وباطل أو فعل أو مفعول، أو معنى أو غير معنى، وعليها اجتمعت الأمور كلّها ولم يجعل للحروف في إبداعه لها معنى غير أنفسها، تتناهى ولا وجود لها؛ لأنّها مبدعة بالإبداع. والنور في هذا الموضع أوّل فعل الله الذي هو نور السماوات والأرض، والحروف هي المفعول التي عليها مدار الكلام، والعبادات كلّها من الله عزّ وجل علّمها خلقه، وهي ثلاثة وثلاثون حرفاً، فمنها ثمانية وعشرون حرفاً تدل على لغات العربية، ومن الثمانية والعشرين اثنان وعشرون حرفا تدل على لغات السريانية والعبرانية، ومنها خمسة أحرف متحرفة في ساير اللغات من العجم والأقاليم، واللغات كلها، وهي خمسة أحرف تحرفت من الثمانية والعشرين حرفاً من اللغات فصارت الحروف ثلاثة وثلاثين حرفاً، فأمّا الخمسة المختلفة ( فيتجنح ) لا يجوز ذكرها أكثر ممّا ذكرناه ثم جعل الحروف بعد إحصائها، وأحكام عدتها فعلامته كقوله عزّ وجل:( كن فيكون ) وكن منه صنع، وما يكون به المصنوع، فالخلق الأوّل من الله عزّ وجلّ الإبداع لا بوزن له، ولا حركة، ولا سمع، ولا لون، ولا حس، والخلق الثاني الحروف، لا وزن لها، ولا لون، وهي مسموعة موصوفة، غير منظور إليها، والخلق الثالث ما كان من الأنواع كلها محسوساً، ملموساً، ذا ذوق منظور إليه والله تبارك وتعالى سابقاً للحروف، والحروف لا تدل على غير نفسها. وبهر المأمون، ولم يفهم أكثر محتويات هذه الكلمات العميقة التي تحتاج إلى وقت طويل لبيانها، وقال للإمام: ( كيف لا تدل - أي الحروف - على غير أنفسها؟... ). فأجابه الإمام موضحاً له الأمر قائلاً:

( إنّ الله تبارك وتعالى لا يجمع منها شيئاً لغير معنى أبداً، فإذا ألف منها أحرفاً أربعة أو خمسة، أو ستة، أو أكثر من ذلك، أو أقل لم يؤلّفها بغير معنى ولم يكن إلاّ لمعنى محدث لم يكن قبل ذلك شيئاً... ).

س 14: كيف لنا بمعرفة ذلك؟...

ج 14: أمّا المعرفة فوجه ذلك وبيانه: إنّك تذكر الحروف إذا لم ترد بها غير

١١٠

نفسها ذكرتها فرداً، فقلت: ا ب ت ث ج ح خ حتى تأتي على آخرها، فلم تجد لها معنى غير أنفسها، وإذا ألفتها وجعلت منها أحرفاً، وجعلتها اسماً وصفة لمعنى، ما طلبت، ووجه ما عنيت، كانت دليلة على معانيها داعية إلى الموصوف بها، أفهمته؟

( نعم ).

وواصل الإمام حديثه في بيان معاني الحروف عند تركيبها قائلاً: ( واعلم أنّه لا يكون صفة لغير موصوف، ولا حد لغير محدود، والصفات والأسماء كلها تدل على الكمال، والوجود ولا مثال على الإحاطة، كما تدل الحدود التي هي التربيع والتثليث، والتسديس؛ لأنّ الله عزّ وجل تدرك معرفته بالصفات والأسماء، ولا تدرك بالتحديد، بالطول والعرض، والقلّة والكثرة، واللون والوزن، وما أشبه ذلك، وليس يحل بالله، وتقدس شيء من ذلك حتى يعرفه خلقه بمعرفتهم أنفسهم بالضرورة التي ذكرنا. ولكن يدل على الله عزّ وجل بصفاته، ويدرك بأسمائه، ويستدل عليه بخلقه حتى لا يحتاج في ذلك الطالب المرتاد إلى رؤية عين، ولا استماع أذن، ولا لمس كف، ولا إحاطة بقلب، ولو كانت صفاته جلّ ثناؤه لا تدل عليه، وأسماؤه لا تدعو إليه، والمعلمة من الخلق لا تدركه لمعناه كانت العبادة من الخلق لأسمائه وصفاته دون معناه، فلولا أنّ ذلك كذلك لكان المعبود الموحد غير الله لأنّ صفاته وأسماءه غيره... أفهمت يا عمران؟ )

( نعم يا سيدي زدني... )

وواصل الإمام حديثه الممتع، وقد استولى على مَن حضر من العلماء والقادة، قائلاً: ( إيّاك وقول الجهّال من أهل العمى والضلال الذين يزعمون أن الله جل وتقدس موجود في الآخرة للحساب في الثواب والعقاب، وليس بموجود في الدنيا للطاعة والرجاء ولو كان في الوجود لله عزّ وجل نقص واهتضام لم يوجد في الآخرة أبداً، ولكن القوم تاهوا وعموا، وصموا عن الحق من حيث لا يعلمون، وذلك قوله عزّ وجل:( وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً ) (1) .

يعني أعمى عن الحقائق الموجودة، وقد علم ذوو الألباب أنّ الاستدلال على ما هناك لا

____________________

(1) سورة الإسراء: آية 72.

١١١

يكون إلاّ بما ها هنا، ومَن أخذ علم ذلك برأيه، وطلب وجوده وإدراكه عن نفسه دون غيرها لم يزدد من علم ذلك إلاّ بعداً؛ لأنّ الله عزّ وجل جعل علم ذلك خاصة عند قوم يعقلون ويعلمون ويفهمون... ).

س 15: ( يا سيدي ألا تخبرني عن الإبداع أخلق هو أم غير خلق؟... ).

علّق الشيخ الجعفري على هذه المسألة بقوله: إنّ هذه المسألة أيضاً ممّا أعيى الأذهان والعقول البشرية؛ لأنّها التي أوجبت افتراق المسالك والفرق المختلفة فمنهم مَن قال: باستحالة الإبداع مطلقاً أكان من الواجب، أم من الممكن، ومن قبيل المواد والصور أو العقول والنفوس وغيرها، ومنهم من جوزه مطلقاً، ومنهم من حصر إمكان الإبداع على الله تعالى على نحو العموم أي إنّه تعالى قادر على أن يبدع أي موجود شاء دون مادة سابقة له، وقع التغير عليه، وقد قالوا: إنّه مقتضى قدرته المطلقة وقابلية الموضوع ومنهم من ذهب مذاهب أخرى(1) .

ج 15: بل خلق ساكن، لا يدرك بالسكون، وإنّما صار خلقاً لأنّه شيء محدث، والله تعالى الذي أحدثه فصار خلقاً له، وإنّما هو الله عزّ وجل خلقه لا ثالث بينهما ولا ثالث غيرهما، فيما خلق الله عزّ وجل لم يعد أن يكون خلقه، وقد يكون الخلق ساكناً ومتحركاً ومختلفاً ومؤتلفاً ومعلوماً ومتشابهاً، وكل ما وقع عليه حد فهو خلق الله عزّ وجل، واعلم أنّ كل ما أوجدتك الحواس فهو معنى مدرك للحواس، وكل حاسة تدل عل ما جعل الله عزّ وجل لها في إدراكها، والفهم من القلب بجميع ذلك كله، واعلم أنّ الواحد الذي هو قائم بغير تقدير ولا تحديد خلق خلقاً مقدراً بتحديد وتقدير، وكان الذي خلق خلقين اثنين: التقدير والمقدر، وليس في كل واحد منهما لون ولا وزن، ولا ذوق، فجعل أحدهما يدرك بالآخر وجعلهما مدركين بنفسهما، ولم يخلق شيئاً فرداً قائماً بنفسه دون غيره للذي أراد من الدلالة على نفسه واثبات وجوده فالله تبارك وتعالى فرد واحد لا ثاني معه يقيمه، ولا يعضده، ولا يكنه، والخلق ممّا يمسك بعضه بعضاً بإذن الله تعالى ومشيئته، وإنّما اختلف الناس في هذا الباب حتى تاهوا وتحيّروا وطلبوا الخلاص من الظلمة بالظلمة في وصفهم الله تعالى بصفة أنفسهم، فازدادوا من الحق بعداً، ولو وصفوا الله عزّ وجل بصفاته،

____________________

(1) تحف العقول (ص 527).

١١٢

ووصفوا المخلوقين بصفاتهم لقالوا بالفهم واليقين، ولما اختلفوا، فلمّا طلبوا من ذلك ما تحيروا فيه، ارتبكوا، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم... )

س 16: ( أشهد أنّه كما وصفت، ولكن بقيت لي مسألة... ).

( سل عمّا أردت... ).

( أسألك عن الحكيم في أي شيء هو؟ وهل يحيط به شيء؟ وهل يتحوّل من شيء إلى شيء؟ أو به حاجة إلى شيء...؟ ).

ج 16: أخبرك يا عمران فاعقل ما سألت عنه، فإنّه مَن أغمض ما يرد على الخلق في مسائلهم، وليس يفهم المتفاوت عقله، العازب حلمه، ولا معجز عن فهمه أولو العقل المنصفون، أمّا أول ذلك فلو كان خلق ما خلق لحاجة منه لجاز لقائل أن يقول: يتحول إلى ما خلق لحاجة إلى ذلك، ولكنّه عزّ وجل لم يخلق شيئاً لحاجة ولم يزل ثابتا لا في شيء، ولا على شيء إلاّ أنّ الخلق يمسك بعضه بعضاً، ويدخل بعضه في بعض، ويخرج منه،

والله جلّ وتقدّس بقدرته يمسك ذلك كله، وليس يدخل في شيء ولا يخرج منه، ولا يؤوده حفظه، ولا يعجز عن إمساكه، ولا يعرف أحد من الخلق كيف ذلك؟ إلاّ الله عزّ وجل، ومن أطلعه عليه من رسله، وأهل سره، والمستحفظين لأمره وخزانه، القائمين بشريعته، وإنّما أمره كلمح البصر أو هو أقرب، إذا شاء شيئا فإنّما يقول له( كن فيكون ) بمشيئته وإرادته وليس شيء أقرب إليه من شيء، ولا شيء أبعد منه من شيء... أفهمت يا عمران؟... ).

( نعم يا سيدي... ).

إنّ الإنسان مهما أوتي من علم فهو عاجز عن معرفة نفسه وما فيها من الأجهزة الدقيقة المذهلة، فكيف ليعرف أو يحيط علماً بالخالق العظيم، مبدع الأكوان، وواهب الحياة، يقول ابن أبي الحديد:

فيك يا أعجوبة الكون غدا الفكر عليلا

فكري كلّما دان شبراً منك راح ميلا

أنت حيّرت ذوي اللب، وبلبلت العقولا

إنّ فكر الإنسان محدود فكيف يعرف حقيقة الله تعالى، نعم عرفناه وآمنّا به بمخلوقاته، فكل ذرّة في هذا الوجود تنادي بوجود الخالق العظيم الذي لا يعزب عنه مثقال ذرّة في السماء والأرض.

١١٣

إسلام الصابئ:

ولمّا رأى عمران الصابئ الطاقات الهائلة من العلم التي يتمتع بها الإمامعليه‌السلام ، والتي منها أجوبته الحاسمة من أعمق المسائل الفلسفية التي لا يهتدي لحلّها إلاّ أوصياء الأنبياء الذين منحهم الله العلم وفصل الخطاب، أعلن عمران إسلامه وطفق يقول: ( أشهد أنّ الله تعالى على ما وصفت، ووحدت، وأشهد أنّ محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله عبده المبعوث بالهدى، ودين الحق... ). ثم خرّ ساجداً لله تعالى وأسلم، وبهر العلماء والمتكلمون من علوم الإمام، ومواهبه وعبقرياته، وراحوا يحدثون الناس عن فضل الإمام وسعة علومه، وانصرف المأمون وهو غارق بالألم، قد أترعت نفسه بالحقد والحسد للإمام:

خوف محمد على الإمام:

وخاف عمّ الإمام محمد بن جعفر عليه من المأمون، وكان حاضرا في المجلس، ورأى كيف تغلب على عمران الصابئ الذي هو في طليعة فلاسفة العصر، فاستدعى الحسن بن محمد النوفلي، وكان من أصحاب الإمام فقال له: ( يا نوفلي أما رأيت ما جاء به صديقك - يعني الإمام -؟

لا والله ما ظننت أنّ علي بن موسى الرضا خاض في شيءٍ قط، ولا عرفناه به، إنّه كان يتكلّم بالمدينة، أو يجتمع إليه أصحاب الكلام؟...

( وراح النوفلي يعرفه بعلم الإمام وفضله قائلاً: ( قد كان الحجاج يأتونه فيسألونه عن أشياء من حلالهم وحرامهم فيجيبهم، وربّما كلم مَن يأتيه يحاججه... ).

وراح محمد يبدي مخاوفه من المأمون على ابن أخيه قائلاً: ( إنّي أخاف عليه أن يحسده هذا الرجل فيسمّه أو يفعل به بليّة، فأشر عليه بالإمساك عن هذه الأشياء... ).

وكان النوفلي يظن خيراً بالمأمون، ولا يخاف منه على الامام، فقال لمحمد: ) ما أراد الرجل - يعني المأمون - إلاّ امتحانه ليعلم هل عنده شيء من علوم آبائه؟... ).

ولم يقنع محمد بكلام النوفلي، فقد كان يظن السوء بالمأمون وراح يقول له: ( قل له: إنّ عمّك قد كره هذا الباب، وأحب أن تمسك عن هذه الأشياء

١١٤

لخصال شتّى... ).

وكان عمّ الإمام مصيباً في حدسه، عالماً بما تكنّه الأسرة العباسية من العداء والحقد لأهل البيتعليهم‌السلام ، وقد أثارت أسئلة الصابئ وإسلامه على يد الإمام أحقاد المأمون فقدم اغتيال الإمام كما سنوضّح ذلك في غضون هذا الكتاب.

ونقل النوفلي كلمات محمد إلى الإمامعليه‌السلام فشكره على ذلك، ودعا له بالخير.

تكريم الإمام لعمران:

وكسب الإمامعليه‌السلام في مناظرته إسلام عمران الذي هو في طليعة علماء عصره، فقد بعث خلفه، فلمّا مثل عنده رحّب به وقابله بمزيد من الحفاوة والتكريم، ودعا له بكسوة فخلعها عليه وأعطاه عشرة آلاف درهم، ففرح عمران بذلك وأخذ يدعو للإمام ويشكره على ذلك قائلاً: ( جُعلت فداك حكيت فعل جدّك أمير المؤمنين عليه السلام ).

وجعل عمران يتردد على الإمام ويكتسب من فيض علومه وصار بعد ذلك فيما يقول المؤرّخون داعية من دعاة الإسلام، وجعل المتكلمون من أصحاب المقالات والبدع يفدون عليه، ويسألونه عن مهام المسائل وهو يجيبهم عنها، حتى اجتنبوه، وأوصله المأمون بعشرة آلاف درهم، كما أعطاه الفضل بن سهل مالاً، وولاه الإمام على صدقات بلخ فأصاب الرغائب(1) .

أسئلة سليمان المروزي:

أمّا سليمان المروزي فكان متضلّعاً بالفلسفة، ومتمرسا في البحوث الكلامية وكان يعد في طليعة علماء خراسان، وقد انتدبه المأمون لامتحان الإمام الرضاعليه‌السلام وقد قابله بحفاوة وتكريم، وقال له: إنّ ابن عمي علي بن موسى الرضا، قدم علي من الحجاز، وهو يحب الكلام وأصحابه، فلا عليك أن تصير إلينا يوم التروية لمناظرته... ).

وخاف سليمان من ذلك، فقد ظن أنّ الإمام سوف يعجز عن أجوبة مسائله فيحقد عليه العلويون، وراح يعتذر من المأمون قائلاً:

____________________

(1) عيون أخبار الرضا 1 / 168 - 178، وذكر الطبرسي ما يقرب من ذلك في الاحتجاج، والمجلسي في البحار، والحسن بن شعبة في تحف العقول.

١١٥

( إنّي أكره أن أسأل مثله في مجلسك في جماعة من بني هاشم، فينتقص عند القوم إذا كلّمني، ولا يجوز الانتقاص عليه... ).

وتعهّد له المأمون، ووعده أن لا يصيبه أي أذى أو مكروه قائلاً: ( إنّما وجهت إليه لمعرفتي بقوتك، وليس مرادي إلاّ تقطعه عن حجّة واحدة فقط... ).

وهذا الكلام يدلل على سوء ما يضمره المأمون للإمام، وما يكنّه له من الحقد والعداء، واطمأن سليمان، من أي اعتداء عليه، وراح يقول للمأمون: ( حسبك يا أمير المؤمنين، اجمع بيني وبينه، وخلّني والذم... ).

ووجّه المأمون في الوقت رسوله إلى الإمام يطلب منه الحضور لمناظرة سليمان فأجابه الإمام إلى ذلك، وحضر معه وفد من أعلام أصحابه ضم عمران الصابئ الذي أسلم على يده وجرى حديث بينه وبين سليمان حول البداء، فأنكره سليمان، وأثبته عمران، وطلب سليمان رأي الإمام فيه فأقره، واستدل عليه بآيات من الذكر الحكيم، والتفت المأمون إلى سليمان فقال له: سل أبا الحسن عما بدا لك وعليك بحسن الاستماع والإنصاف، ووجه سليمان الأسئلة التالية للإمامعليه‌السلام :

س 1: ( ما تقول فيمَن جعل الإرادة اسماً وصفة مثل حي، وسميع، وبصير وقدير؟... ).

ج 1: إنّما تقول: حدثت الأشياء واختلفت لأنّه شاء وأراد، ولم تقولوا: حدثت الأشياء واختلفت لأنّه سميع بصير، فهذا دليل على أنّهما - أي الإرادة والمشيئة - ليستا مثل سميع، ولا بصير، ولا قدير.

وانبرى سليمان قائلاً: ( فإنّه لم يزل مريداً... ).

ورد عليه الإمام: ( يا سليمان فإرادته غيره؟... ).

( نعم... ).

وذهب سليمان إلى التعدد مع أنّ الله تعالى متحد مع إرادته، وأبطل الإمام شبهته قائلاً: ( قد أثبت معه شيئاً غيره لم يزل؟... ).

( ما أثبت... ).

١١٦

( أهي - أي الإرادة - محدثة؟... ).

( لا ما هي محدثة... ).

وضيق الإمام على سليمان الخناق، وراحت أقواله تتناقض فتارة يقول بقدم الإرادة، وأخرى يقول بحدوثها، فصاح به المأمون، وطلب منه عدم المكابرة، والإنصاف في حديثه قائلاً: ( عليك بالإنصاف، أما ترى من حولك من أهل النظر؟. )

والتفت المأمون إلى الإمام قائلاً: ( كلّمه يا أبا الحسن، فإنّه متكلّم خراسان ).

وسأله الإمام قائلاً: ( أهي محدثة؟... ).

فأنكر سليمان حدوث الإرادة، فردّ عليه الإمام: ( يا سليمان هي محدثة، فإنّ الشيء إذا لم يكن أزلياً كان محدثاً، وإذا لم يكن محدثاً كان أزلياً... ).

وانبرى سليمان قائلاً:

( إرادته - أي الله - منه؟ كما أنّ سمعه وبصره وعلمه منه ).

وأبطل الإمام عليه قوله، وقائلاً: ( فأراد نفسه؟... ).

( لا... ).

وأخذ الإمام يفند مقالته قائلاً له: ( فليس المريد مثل السميع والبصير ).

وراح سليمان يتخبّط خبط عشواء فقد ضيّق الإمام عليه، وسد كل نافذة يسلك منها، قائلاً: ( إنّما أراد نفسه، كما سمع نفسه، وأبصر نفسه، وعلم نفسه... ).

وانبرى الإمام فأبطل مقالته، قائلاً له: ( ما معنى أراد نفسه؟ أراد أن يكون شيئاً، وأراد أن يكون حياً، أو سميعاً، أو بصيرا أو قديراً؟... ).

ولم يدر سليمان ماذا يقول، فأجاب: ( نعم... ).

١١٧

فقال له الإمام: ( أفبإرادته كان ذلك؟... ).

( نعم... )

وطفق الإمام يبطل مقالته، ويبدي ما فيها من التناقض قائلاً: ( فليس لقولك: أراد أن يكون حياً سميعاً، بصيراً معنى، إذا لم يكن ذلك بإرادته؟... ).

والتبس الأمر على سليمان، وراح يقول: ( بلى قد كان ذلك بإرادته... ). وعجّ المجلس بالضحك، وضحك المأمون والرضاعليه‌السلام من تناقض كلام سليمان، والتفت الإمام إلى الجماعة، وطلب منهم الرفق بسليمان، ثم قال له: ) يا سليمان، فقد حال - أي الله تعالى - عندكم عن حاله وتغير عنها، وهذا ما لا يوصف الله به... ).

وبان العجز على سليمان، وانقطع الكلام، والتفت الإمام إليه ليقيم عليه الحجة قائلاً: ( يا سليمان أسألك عن مسألة...؟ ).

( سل جعلت فداك... ).

( اخبرني عنك وعن أصحابك تكلمون الناس بما تفقهون وتعرفون؟ أو بما لا تفقهون، ولا تعرفون... ).

( بل بما نفقه ونعلم... ).

وأخذ الإمام يقيم الحجّة والبرهان على خطأ ما ذهب إليه سليمان قائلاً: ( فالذي يعلم الناس أنّ المريد غير الإرادة، وأنّ المريد قبل الإرادة، وأنّ الفاعل قبل المفعول، وهذا يبطل قولكم: إنّ الإرادة والمريد شيء واحد... ).

وطفق سليمان قائلاً: ( جعلت فداك، ليس ذلك منه على ما يعرف الناس، ولا على ما يفقهون؟ ).

واندفع الإمام يبطل ما ذهب إليه قائلاً: ( فأراكم ادعيتم علم ذلك بلا معرفة، وقلتم: الإرادة كالسمع والبصر إذا كان ذلك عندكم على ما لا يعرف، ولا يعقل... ).

وحار سليمان ولم يطق جواباً أمام هذه الطاقات الهائلة من العلم التي يملكها

١١٨

الإمامعليه‌السلام ، واستأنف الإمام حديثه ليتم عليه الحجة قائلاً: ( يا سليمان هل يعلم الله جميع ما في الجنة والنار؟... ).

وأسرع سليمان قائلاً: ( نعم ).

وانبرى الإمام قائلاً: ( أفيكون ما علم الله تعالى أنه يكون من ذلك؟... ).

( نعم... ).

( فإذا كان حتى لا يبقى منه شيء، إلاّ كان يزيدهم أو يطويه عنهم؟... )

فأجاب سليمان: ( بل يزيدهم... ).

وأبطل الإمام قوله: ( فأراه في قولك: قد زادهم ما لم يكن في علمه، أنّه يكون... ).

وطفق سليمان يقول: ( جعلت فداك فالمريد لا غاية له... ).

ومضى الإمام يفنّد شبه سليمان قائلاً:

( فليس يحيط علمه عندكم بما يكون فيهما إذا لم يعرف غاية ذلك وإذا لم يحط علمه بما يكون فيهما، لم يعلم ما يكون فيهما قبل أن يكون، تعالى الله عزّ وجل عن ذلك علواً كبيراً... ).

وراح سليمان يعتذر ويوجه ما قاله: ( إنّما قلت: لا يعلمه، لأنه لا غاية لهذا، لان الله عزّ وجل وصفهما بالخلود، وكرهنا أن نجعل لهما انقطاعاً... ).

وراح الإمامعليه‌السلام يفنّد شبهه وأوصافه قائلاً: ( ليس علمه بذلك بموجب لانقطاعه عنهم؛ لأنّه قد يعلم ذلك، ثم يزيدهم ثم لا يقطعه عنهم، وكذلك قال الله عزّ وجل في كتابه:( كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ ) (1) وقال لأهل الجنّة:( عَطَاءً غَيْرَ

____________________

(1) سورة النساء / آية 56.

١١٩

مجذوذ ) (1) وقال عزّ وجل:( وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ ) (2) فهو عزّ وجل يعلم ذلك لا يقطع عنهم الزيادة... أرأيت ما أكل أهل الجنة، وما شربوا يخلف مكانه؟... ).

( بلى... ).

( أفيكون يقطع ذلك عنهم، وقد أخلف مكانه؟... ).

( لا... ).

ومضى الإمامعليه‌السلام يقرّر ما ذهب إليه قائلاً: ( فكذلك كلما يكون فيها إذا أخلف مكانه فليس بمقطوع عنهم... ).

وراح سليمان يتمسك بالشبه والأوهام ثم يزيله عنها هذه الحجج البالغة التي أقامها الإمام قائلاً: ( بلى يقطعه عنهم، ولا يزيدهم... ).

وانبرى الإمام فأبطل ذلك بقوله: ( إذا يبيد فيها، وهذا يا سليمان إبطال الخلود، وخلاف الكتاب؛ لأنّ الله عزّ وجل يقول:( لهم ما يشاؤون فيها ولدينا مزيد ) (3) .

ويقول عزّ وجل: (عطاء غير مجذوذ) ويقول عزّ وجل:( وما هم عنها بمخرجين ) (4).

ويقول عزّ وجل:( خالدين فيها أبداً ) (5)

ويقول عزّ وجل:( وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ ) .

ووجم سليمان، وحار في الجواب، وراح يسد عليه كل نافذة يسلك فيها لإثبات شبهة قائلاً له: ( يا سليمان ألا تخبرني عن الإرادة أفعل هي أم غير فعل...؟ ).

( بل هي فعل... ).

ورد الإمام عليه: ( فهي محدثة لأنّ الفعل كله محدث... ). إنّ كل ممكن معلول ومصنوع وحادث إمّا واجب الوجود تعالى فهو عارٍ عن

____________________

(1) سورة هود / آية 108

(2) سورة الواقعة / آية 33.

(3) سورة ق / آية 35.

(4) سورة الحجر / آية 48.

(5) سورة البينة / آية 8.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154