تاريخ علم الرجال

تاريخ علم الرجال37%

تاريخ علم الرجال مؤلف:
تصنيف: علم الرجال والطبقات
الصفحات: 154

تاريخ علم الرجال
  • البداية
  • السابق
  • 154 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 148696 / تحميل: 7299
الحجم الحجم الحجم
تاريخ علم الرجال

تاريخ علم الرجال

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

تاريخ علم الرجال

تأليف العلامة

الشيخ حسين الراضي العبد الله

١

هذا الكتاب

نشر إليكترونياً وأخرج فنِّياً برعاية وإشراف

شبكة الإمامين الحسنينعليهما‌السلام للتراث والفكر الإسلامي

وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً

قسم اللجنة العلمية في الشبكة

٢

تَاريخُ عِلْمِ الرِجالِ

تأليف: حسين الراضي العبد الله

٣

المُقدّمة

٤

٥

البابُ الأوّل

تاريخ عِلم الرجال خلال القُرون الخمسة

٦

قبل الدُخول في ذلك، لا بُدّ مِن تعريف عِلم الرجال، والبحث عن موضوعه، والتعرُّف على أهميّته.

تَعريفُ عِلم الرِجالِ:

لعلّ أحسن التعاريف التي عُرّف بها عِلم الرجال، ما ذكره المولى علي كني، في حاشية توضيح المقال، قال: هو (ما يُبحث فيه عن أحوال الراوي مِن حيث اتّصافه بشرائط قبول الخَبر وعدمه)(١) .

وعلّق هو على هذا التعريف بقوله:

وهذا الحدُّ مانع، وجامع لجميع مسائل هذا العِلم، ممّا كان له تعلُّق بذات المُخبر أوّلاً وبالذات، وبالخَبر ثانياً وبالعَرض، كقولهم بأنّ فلاناً عدلٌ أو فاسق، لاقى فلاناً أو لم يلاقه، أو بالعكس كقولهم أجمعتْ العصابة على تصحيح ما يصحّ عن فلان، لإفادة ذلك المدح اتّفاقاً لمَن يُقال في حقّه(٢) .

مَوضوعُ عِلم الرجال:

موضوع كلّ عِلم ما يدور عليه ذلك العِلم مِن أبوابه وفُصوله ومسائله، وبالنسبة إلى عِلم الرجال موضوعه: هو الراوي للحديث(٣) .

____________________

(١) وجيزة في عِلم الرجال للمشكّيني: الهامش ص١٨.

(٢) وجيزة في عِلم الرجال للمشكّيني: الهامش ص١٨.

(٣) وجيزة في عِلم الرجال للمشكّيني: الهامش ص١٧.

٧

الحاجة إلى عِلم الرجال:

لا يخفى على مَن كان له أدنى اطّلاع على مسار استنباط الأحكام الشرعيّة أهميّة عِلم الرجال، ومقدار تدخُّله في استنباط الأحكام الشرعيّة، ولا يمكن أن يُصغى إلى مَن أنكر أهميّة هذا العِلم، ولا يُمكن لأيّ فقيه أن يستغني عن عِلم الرجال، فإنّ استنباط الحُكم الشرعي - في الغالب - لا يكون إلاّ مِن الروايات المأثورة عن أهل بيت العِصمة صلوات الله عليهم أجمعين، والاستدلال بها على ثُبوت حُكم شرعيّ يَتوقّف على إثبات أمرين:

١- إثبات حُجّيّة الخبر الواحد

٢- إثبات حجّيّة ظواهر الروايات بالإضافة إلينا أيضاً

وكلّ خَبر عن معصوم لا يكون حجّة، وإنما الحجّة هو خُصوص خبر الثقة أو الحسن، ومِن الظاهر أن تشخيص ذلك لا يكون إلاّ بمُراجعة عِلم الرجال، ومعرفة أحوالهم، ويتميز الثقة والحسن عن الضعيف(١)

وهذا يحتاج إلى جُهد كبير، وتتبُّع تامّ، بل وفي حالات كثيرة إلى إجراء عمليّة الاجتهاد في ذلك، وترجيح أحد الأقوال وإعمال النظر.

فإن حَمَلَة الأحاديث، وحَفَظَة السُنَن الّذين كانوا معاصرين للمعصومين، مِن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى آخر الأئمّةعليهم‌السلام ، فإنّهم يرجعون إليهم، ويُشافهونهم في أخذهم تلك الأحاديث، أو سؤالهم عندما يستشكلون في صحّة الحديث، وقد اهتمّ الأئمّةعليهم‌السلام وأصحابهم بالرواة للأحاديث، وتمييز مَن يُعتمد عليه، ومَن لا يُعتمد عليه، وكان رواة الأحاديث تَزداد في كلّ سَنَة حتّى

____________________

(١) معجم رجال الحديث ج١ ص٢٠ باختصار.

٨

قد أُحصي عدّة ثقات الرواة عن الإمام الصادقعليه‌السلام أربعة آلاف رجل، وقال الحسن بن عليّ الوشّاء: فإني أدركت في هذا المسجد - أي مسجد الكوفة - تسعمائة شيخ كلّ يقول: حدّثني جعفر بن محمّدعليه‌السلام (١) .

وقد اهتمّ أصحاب الأئمّة والعُلماء على مرِّ التاريخ بذِكر أسماء رواة الأحاديث، وشرح أحوالهم، وتوثيقهم أو جرحهم، وتعيين أزمِنتهم، وتاريخ ولادتهم ووفياتهم.

إلى غير ذلك ممّا يَرجع إلى تعريفهم وكشف أحوالهم.

لمحة عن تاريخ عِلم الرجال:

إذا أخذنا عِلم الرجال بمعناه الأعم، الباحث في أحوال الرواة وقبولهم وعدم قبولهم، فإنّ نظرة سريعة على تاريخ عِلم الرجال يعود بنا العهد إلى النصف الأوّل مِن القرن الأوّل، حيث إنّه في سَنة ٤٠ه- كَتب عبيد الله بن أبي رافع - مولى رسول الله (ص) - كتاباً في الصحابة الّذين شهدوا مع أمير المؤمنينعليه‌السلام حُروبه مِثل: صفّين، والجمل، والنهروان، وتعيين مَن كان منهم مِن البدريّين.

____________________

(١) رجال النجاشي ج١ ص ١٣٩.

٩

مِن أعلام علماء الرجال

١٠

القَرن الأوّل

١- عبيد الله بن أبي رافع: مِن أعلام القرن الأول(١) .

كان مِن خيار الشيعة وصُلحاء الأُمّة، وكان مولى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد روى عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قوله لجعفر:

( أشبهت خَلْقِي وُخلُقِي )(٢) .

وبعد وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لزم أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وشِهد معه حُروبه، وأصبح صاحب بيت المال في الكوفة، وكاتباً له مُدّة خلافتهعليه‌السلام ، وكان مُنقطعا إليه.

____________________

(١) مصادر ترجمته: رجال البرقي ص٥، رجال النجاشي ص٦٢ في ترجمة أبيه، رجال الطوسي ص٤٧ في أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام رقم ١٧ مِن حرف العين، فهرست كُتب الشيعة وأصولهم للطوسي برقم ٤٦٨، قاموس الرجال للتستري ج٧ برقم ٤٧٠٧، أعيان الشيعة ج٢ ص ٢٥٨، مُعجم رجال الحديث ج١١ ص ٦٢ رقم ٧٤٣٣، معالم العُلماء لابن شهر أشوب ص ٧٧، تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام ص ٢٣٢ و ٢٨١، طبقات الفقهاء بإشراف السبحاني ج١ ص ٤٥٠ رقم ٢٠٧.

ومِن العامّة: كتاب الث-قات لابن حبان برقم٢٣٠٠، تاريخ بغداد ج١٠ ص٣٠٤ برقم ٥٤٥٣، تهذيب الكمال ج١٩ برقم ٣٦٣٢، تهذيب التهذيب ج٧ ص١١، تقريب التهذيب برقم ٤٣١٦، الجامع الصحيح للترمذي ج٣ ح٦٥٧، وفي هامش تهذيب الكمال للمزي ج١٩ ص٣٤ نَقل عن: طبقات ابن سعد ج٥ ص٢٨٢، وتاريخ الدوري ج٢ ص٣٨٢، وابن الجُنيد الورقة ٣، وتاريخ خليفة: ٢٠٠، وطبقاته: ٢٣١ و٢٣٩، وتاريخ البخاري الكبير رقم الترجمة: ١٢١٧ و ١٩٤١، وث-قات العجلي الورقة ٣٥، وغيرها.

(٢) الإصابة لابن حجر ترجمة رقم ٥٣٠٧ عندما ترجمه بعنوان عبيد الله بن أسلم الهاشمي، مولى رسول الله (ص)، الكامل لابن عدي ج٦ ص٤٢٦، وفي هامشه عن مسند أحمد ج١ ص٩٨ و١٠٨ و١١٥، ونقله الخطيب في تاريخ بغداد ج١١ ص١٧١ رقم ٥٨٧٠، وأصل الحديث موجود في البخاري، رقم الحديث قبل ٣٧٠٨، كِتاب ٦٢ باب ١٠.

١١

روى عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وعن أبيه أبي رافع، وأُمّه أُمّ رافع واسمها: سلمى.

وروى عنه أولاده وهّم: إبراهيم، وعبد الله، وعون، ومحمّد، وغيرهم.

وقد عدّه عُلماء الشيعة مِن خواصّ أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وأثنوا عليه ثناءً جميلاً.

وقد وثّقه مِن عُلماء العامّة: ابن حِبَّان، وابن سعد، وأبو حاتم، والخطيب، والدوري، وابن الجُنيد، والعجلي، وابن شاهين، وابن حجر، والمزي وغيرهم(١) .

فقد ذكره ابن حِبّان في كِتاب الث-قات(٢) .

وقال الخطيب: وكان ثقة(٣) .

وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، وذكره في الطبقة الثانية مِن أهل

المدينة(٤) .

وقال ابن حجر: كان كاتب عليّ، وهو ثقة مِن الثالثة(٥) .

وانظر توثيق: الدوري وأبي حاتم والعجلي وابن شاهين له في هامش تهذيب الكمال(٦) .

____________________

(١) اُنظر ذلك في حاشية كتاب الفُصول المُهمّة المُحقََق تحت رقم ٦٠٢، وتهذيب الكمال.

(٢) كتاب الث-قات ج٢ ص٢٩٨ برقم ٢٣٠٠.

(٣) تاريخ بغداد ج١٠ ص٣٠٤ برقم٥٤٥٣.

(٤) تهذيب التهذيب ج٧ ص١١، تهذيب الكمال ج١٩ ص٣٥ عن الطبقات.

(٥) تقريب التهذيب ص٦٣٧ برقم٤٣١٦.

(٦) تهذيب الكمال ج١٩ ص٣٥.

١٢

كما ترجمه المزي وابن حجر، ووضعا عليه علامة رواية أصحاب الصحاح الستّة عنه.

وترجمه ابن حجر في الإصابة بعنوان: عبيد الله بن أسلم الهاشمي مولى رسول الله (ص)، وذكر عنه الحديث المتقدّم(١) .

وأسلم أسم أبي رافع.

وقد ترجمه عُلماء الإسلام على اختلاف طبقاتهم ومذاهبهم، فمنهم:

النجاشي في الرجال في ترجمة أبيه، والطوسي في الفهرست والرجال، والبرقي، وغيرهم مِن عُلماء الشيعة، وترجمه أيضاً عدد كبير مِن عُلماء السُنّة(٢) .

وهذا الكتاب الذي كتبه عبيد الله بن أبي رافع بعنوان: ( تسمية مَن شَهِد مع أمير المؤمنينعليه‌السلام الجَمل، وصفّين، والنهروان مِن ال صحابة رضي ‌الله‌ عنهم ).

رواه عنه ابنه عون عن أبيه.

ذكره الشيخ الطوسي في الفهرست، وذكر سنده إليه، وذكر له كتاب قضايا أمير المؤمنينعليه‌السلام ، بعد أن عنونه أنّه: كاتبُ أمير المؤمنينعليه‌السلام (٣) .

والكتاب الأخير ذكره النجاشي لأبيه.

____________________

(١) الإصابة رقم الترجمة ٥٣٠٧.

(٢) اُنظر ذلك في تعليقنا على الفُصول المهمّة تحت رقم ٦٠٢.

(٣) فهرست كتاب الشيعة وأُصولهم ص٣٠٦ رقم ٤٦٨ بتحقيق السيّد عبد العزيز الطباطبائي، وص١٣٧ بتحقيق السيّد محمّد صادق بحر العلوم. وانظر قاموس الرجال ج٧ ص٥٦ برقم ٤٧٠٧.

١٣

الطبراني، وابن حجر، وابن الأثير ينقلون عن الكتاب:

نقل الطبراني في المُعجم الكبير عن كتاب عبيد الله بواسطة شيخه الحضرمي وغيره رقم الحديث: ١٦١٢ و٢٠٨٦ و٢١٩٧ و٢١٩٨ و٣٣٩٤ و ٣٥٥٧ و٤١٢٥ و٤٦٠٩ و٤٦١٠ و٥١٥٤.

ونقل ابن حجر عن كتاب عبيد الله بن أبي رافع ( مَن شَهِد صِفّين مع عليّ مِن الصحابة )، التراجم برقم: ٦٣٣ و٩٥٣ و١٠٦٤ و١٠٧٦ و١٠٨٣ و١٠٩٠ و١٥٠٠ و١٧٣٦ و٢١٦٢ و٢٥٧٩ و٢٦٢٨ و٢٨٨٣ و٤٤٦٦ و٥٣١٦ و٥٥٣٨ و٥٦٢٠ و٥٧٨٦ و٦٠٤٢ و٦٦٠١ و٦٦٠٦ و٧٤٣٢ و٨٢٦٠.

وفي طبع السعادة بمصر جاء في: ج ١ص١٤٦و ٢٢٣ و٢٢٤ و٢٢٥ و ٢٩٢و ٣٣٦و٤٥٦ و ٤٥٨و ٥٠٣ و٥١٧ و٥٦٠ ، وج ٢ص١٧٤ و٤٧٧.

وكذلك ابن الأثير نقل عن هذا الكتاب في كتابه أُسد الغابة ج١ ص ٢٦٧ وج ٢ ص ٢٤ و ١٢٣و ١٢٨ و ١٦٣و ٢٢٠ طبع مصر.

وفاته:

والذي يبدو أنّه توفّي قبل نهاية القَرن الأوّل، وإن كان تأليفه للكتاب حدود سَنة ٤٠ه- كما يقول الطهراني(١) ، إلاّ أنّ ابن حجر في تقريب التهذيب ترجمه، وجعله مِن الطبقة الثالثة، أي أن وفاته بعد المائة(٢) .

والصحيح أنّه قبل المائة، فإن ابن سعد ذَكره في الطبقة الثانية مِن أهل المدينة.

____________________

(١) الذريعة ج ١٠ ص ٨٤.

(٢) تقريب التهذيب ص٦٣٧ برقم ٤٣١٦.

١٤

أوّلُ مَن ألّفَ في عِلمِ الرِجال:

ادّعى صالح بن محمّد البغدادي(١) ، وكذلك السيوطي في كتاب الأوائل:

أنّ أوّل مَن تكلّم في الرجال هو شعبة بن الحجّاج الأزدي المُتوفّى ١٦٠ ه- (وشعبة مِن أهل السُنّة ).

وأنت خبير أنّ أوّل مَن تكلّم في عِلم الرجال وألّف فيه هو عبيد الله بن أبي رافع في النِصف الأوّل مِن القرن الأوّل، وقبل شعبة بمائة سَنة.

بل قد تقدّم أن شعبة بن الحجّاج يروي عن أجلح بن عبد الله الكندي المُتوفّى ١٤٥ه-، وعن لوط بن يحيى الأزدي أبي مِخنف المُتوفّى ١٥٨ه- وهما مِن الشيعة، وقد سبقاه في التأليف.

ملاحظة:

ذكرَ العلاّمة السيد حسن الصدر في تأسيس الشيعة ص٢٣٣ أن وفاة شعبة ٢٦٠ه- وهو اشتباه قطعاً، فإنّ المزّي ترجم شعبة في تهذيب الكمال ج٢ ص٤٩٥، وذكر تاريخ وفاته ١٦٠ه- وشعبة يروي عن أجلح الكندي المُتوفّى ١٤٥ه- وعن أبي مِخنف المُتوفّى ١٥٨ه- فلاحظ.

ولعله خطأ مطبعي.

____________________

(١) تهذيب الكمال للمزي ج١٢ ص٤٩٤.

١٥

٢ - الأصبغ بن نُباته: تُوفّي بعد ١٠١ه-(١) .

الأصبغ بن نباته ابن الحارث بن عمرو التميمي الحنظلي الدارمي المُجاشعي أبو القاسم الكوفي.

قال النجاشي ( ٤ ): كان مِن خاصّة أمير المؤمنينعليه‌السلام .

روى عنهعليه‌السلام عهد الأشتر، ووصيّته إلى محمّد ابنه، له كِتاب مَقتل الحسين بن عليّعليهما‌السلام ، رواه عنه أبو الجارود(٢) .

وقال الطوسي في الفهرست ( ١١٩ ): كان مِن خاصّة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وعَمّر بعده، وروى عهد مالك الأشتر الذي عهده إليه أمير المؤمنينعليه‌السلام لمّا ولاّه مصر، ووصيّة أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى ابنه محمّد بن الحنفيّة(٣) .

____________________

(١) رجال النجاشي ص٦٩ برقم ٤، رجال البرقي ص٥، اختيار معرفة الرجال ( رجال الكشّي ) ص١٠٣ برقم ١٦٤ و١٦٥، رجال الطوسي ص٣٤، الفهرست للطوسي ص٦٢ برقم ١١٩ طبع النجف، معالم العُلماء ص٢٧ برقم ١٣٨، الرجال لابن داود الحلّي ص٥٢ ب-رقم ٢٠٤، رجال العلاّمة الحلّي ص٢٤ برقم ٩، مجمع الرجال ج١ ص٢٣١ - ٢٣٣، جامع الرواة ج١ ص١٠٦، رجال السيّد بحر العلوم ج١ ص٢٦٦، تنقيح المقال ج١ ص١٥٠ برقم ١٠٠٨، أعيان الشيعة ج٣ ص٤٦٤ - ٤٦٦، معجم رجال الحديث ج٣ ص٢١٩ برقم ١٥٠٩، طبقات الفُقهاء بإشراف السبحاني ج١ ص٢٩١ برقم ١٠٠.

ومِن العامّة: الطبقات الكبرى لابن سعد ج٦ ص٢٢٥، الكامل لابن عدي ج٢ ص١٠٢ برقم ٢٢٠، المجروحين لابن حَبّان ج١ ص١٧٤، الجرح والتعديل ج٢ ص٣١٩ برقم ١٢١٣، تهذيب الكمال ج٣ ص٣٠٨ برقم ٥٣٧، ميزان الاعتدال ج١ ص٤٣٦ برقم ١٠١٦، تهذيب التهذيب ج١ ص٣٦٢ برقم ٦٥٨، تقريب التهذيب ص ١٥١ برقم ٥٤١.

(٢) رجال النجاشي ص٦٩ رقم ٤.

(٣) الفهرست للطوسي ص٦٢ برقم ١١٩.

١٦

روى عن الإمام عليّعليه‌السلام كثيراً، فقد وقع في إسناد اثنين وستّين رواية في الكُتب الأربعة عدا ما روى عن غيره، وروى عن الأصبغ: سعد بن طريف، وأبو حَمزة الثمالي أبو الصباح الكناني، وخالد النوفلي، وأبو مريم، وعبد الله بن جرير العبدي، وعلي الحزور الغنوي، والحارث بن مغيرة، وعبدالحميد الطائي، وغيرهم(١) .

قال العجلي: كوفيّ، تابعيّ، ثقة.

وقال النسائي: متروك الحديث(٢) .

وقال ابن عدي: والأصبغ بن نباته لم أُخرج له هاهنا شيئاً؛ لأنّ عامّة ما يرويه عن عليّ لا يتابعه أحد عليه، وهو بيّن الضعف، وله عن عليّ أخبار وروايات، وإذا حدّث عن الأصبغ ثقة فهو عندي لا بأس بروايته، وإنّما الإنكار مِن جهة مَن روى عنه؛ لأنّ الراوي عنه لعلّه يكون ضعيفاً(٣) .

وقال ابن حَبّان: وهو ممَّن فُتن بحبّ عليّ، أتى بالطامّات في الروايات فاستحقّ مِن أجلها الترك(٤) .

قال سيّد الأعيان بعد أن نقل عن بعض الناس ضعفه:

فظهر مِن مجموع ذلك أنّ القدح فيه ليس إلاّ لشدّة تشيُّعه، بدليل قول ابن حَبّان الناصبيّ المعروف: فُتن بحبّ عليّ فأتى بالطامّات فاستحق الترك، فدلّ على أن تركه، وترك حديثه ليس إلاّ لشدّة حُبّه علياً، وروايته فضائله العجيبة

____________________

(١) مُعجم رجال الحديث ج٣ ص٢١٧، وطبقات الفقهاء ج١ ص٢٩٢، تهذيب الكمال ج٣ ص٣٠٨.

(٢) تهذيب الكمال ج٣ ص٣١٠.

(٣) الكامل لابن عدي ج٢ ص١٠٢ برقم ٢٢٠.

(٤) المجروحين لابن حَبّان ج١ ص١٧٤.

١٧

التي لا تحتملها عُقولهم، وهذا هو معنى نكارة حديثه، وزيقه تشيّعه، ويدل عليه أيضاً قول ابن عدي: عامّة ما يرويه عن عليّ لا يتابعه عليه أحد.

فالصواب ما قاله العجلي مِن أنّه ثقة، وأشار إليه ابن عدي بقوله: لا بأس بروايته، وجعل الإنكار مِن جهة مَن روى عنه، ولا يُلتفت إلى قدح مَن قَدح فيه؛ لأنّ الجرح إنّما يُقدّم على التعديل إذا لم يكن الجرح مُستنداً إلى سَبب عُلِمَ فساده(١) .

والحاصل إنّه كان مِن كبار التابعين، وكان شيخاً ناسكاً، وعَمّر بعده، وقد شَهِد معه وقعة الجمل وصِفّين، وكان على شَرَطة خميس، وكان شاعراً.

قال نصر بن مزاحم: وكان مِن ذخائر عليّعليه‌السلام ممَّن قد بايعه على الموت، وكان مِن فُرسان أهل العراق، وكان عليٌ يضنّ به على الحرب والقتال.

وقال أبو حاتم: وهو الذي روى عن أبي أيّوب الأنصاري، قال: أمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين، قلت يا رسول الله مع مَن؟

قال: ( مع عليّ أبن أبي طالب )(٢) .

____________________

(١) بيان الشيعة ج٣ ص٤٦٦.

(٢) المجروحين لابن حَبّان ج١ ص١٧٤.

١٨

القرنُ الثاني

٣- أجلح الكندي: المُتوفّى ١٤٥ ه-(١) .

ومِن أوائل الأشخاص الذين ألّفوا في عِلم الرجال وأخبارهم في القرن الثاني هو أجلح الكِندي.

قال الطوسي: يحيى بن عبد الله بن معاوية الكِندي الأجلح أبو حجية.

وقيل: هو أجلح بن عبد الله بن معاوية الكندي أبو حجية الكوفي المُتوفّى ١٤٥ ه-، كما ترجمه كثير مِن العامّة.

ويقال: إنّ اسمه يحيى، والأجلح لقبه(٢) .

ولذلك ذكره الشيخ الطوسي في رجاله في أصحاب الإمام الصادقعليه‌السلام بعنوان ( يحيى)، وكثير مِن عُلماء الشيعة ترجمه مرّتين في حرف الألف بعنوان ( أجلح )، وفي حرف الياء بعنوان (يحيى)، كما فعل الأردبيلي في جامع الرواة(٣) ، والسيد الخوئي في المُعجم(٤) .

ولعلّ البعض تصوّر أنّهما اثنان، والأرجح أنّه شخص واحد.

والأجلح روى عن الإمام الصادقعليه‌السلام ، وعن زيد بن علي بن الحسينعليه‌السلام ، وعمّار الدهني، وغيرهم.

____________________

(١) مصادر ترجمته: رجال الطوسي ص٣٣٥ في أصحاب الصادقعليه‌السلام ، حرف الياء رقم ٤١، جامع الرواة ج١ ص٣٩ وج٢ ص٣٣٢، قاموس الرِجال ج١ ص٣٥٩ برقم ٢٥٨، ومُعجم رجال الحديث ج١ ص٣٦٥، وج٢٠ ص٦٦، ومصفى المقال ص٤٠ و٤٩٧.

ومِن العامّة: تهذيب الكمال برقم ٢٨٢، الكامل لابن عدي ج٢ ص١٣٦ برقم ٢٣٨، ميزان الاعتدال ج١ ص٢٠٩ برقم ٢٧٣، تهذيب التهذيب ج١ ص١٨٩، تقريب التهذيب ص١٢٠ برقم ٢٨٧، وغيرها.

(٢) قاموس الرجال ج١ ص٣٥٩ برقم ٢٥٨.

(٣) جامع الرواة ج١ ص٣٩ وج٢ ص٣٣٢.

(٤) مُعجم رجال الحديث ج١ ص٣٦٥ وج٢٠ ص٦٦.

١٩

وروى عنه: ابنه عبد الله، وشعبة بن الحجّاج المُتوفّى ١٦٠ه- وغيرهما.

وقد وضع المزّي علامة أن أصحاب السُنن الأربعة قد رووا له في سُننهم والبخاري في الأدب.

توثيقه:

وكيف كان، فقد نصّ الشيخ المُفيد على وثاقته في كتاب: (الكافية في إبطال توبة الخاطئة )، حيث صحّح سَنَد رواية وقع هو في ضمنه.

قال: هذا حديث صحيح الإسناد، واضح الطريق جليل الرواية(١) .

كما وقع في أسانيد كامل الزيارات، وأسانيد الكافي، والتهذيب(٢) .

أمّا أبناء العامّة: فقد ترجموه بعنوان ( أجلح )، وكثير مِنهم نصّ على وثاقته مع نسبته إلى التشيُّع؛ فقد وثّقه ابن معين، وقال العجلي: كوف-يّ ثقة.

وقال ابن عدي: له أحاديث صالحة غير ما ذكرته، يروي عنه الكوفيّون وغيرهم، ولم أجد له شيئاً مُنكراً مجاوزاً للحدّ، لا إسناداً ولا متناً. وأرجو أنّه لا بأس به، إلاّ إن-ه يُعدّ في شيعة الكوف-ة، وهو عندي مُستقيم الحديث صدوق(٣) .

وقال الفلاّس: مُستقيم الحديث، صدوق(٤) .

وقال ابن حجر: صدوق شيعيّ(٥) .

____________________

(١) الكافية في إبطال توبة الخاطئة، طُبع ضمن موسوعة الشيخ المُفيد.

(٢) اُنظر مُعجم رجال الحديث ج١ وج٢٠.

(٣) الكامل لابن عدي ج٢ ص١٤٠ برقم ٢٣٨، وتهذيب الكمال للمزّي ج٢ ص ٢٧٥ وما بعدها.

(٤) تهذيب الكمال ج٢ ص٢٧٩.

(٥) تقريب التهذيب برقم ٢٨٧.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

اشترى للقراض وقع الشراء له ، ووجب الثمن عليه ، وإذا تلفت بعد الشراء فقد وقع الشراء للقراض ، ومَلَكه ربّ المال ، وإذا تلف الثمن كان الثمن على مالكه يسلّم إليه ألفاً أُخرى ليدفعها ، فإن هلكت أيضاً سلّم إليه أُخرى ، وعلى هذا.

واختلفوا في رأس مال القراض.

منهم مَنْ قال : إنّ الألفين الأوّلة والثانية تكونان رأس المال.

ومنهم مَنْ قال : الثانية خاصّةً ، والاولى انفسخ القراض فيها(١) .

وقال ابن سريج : إنّ الشراء يقع للعامل ، سواء تلفت الألف قبل الشراء أو بعده ، وحمل كلام الشافعي على عمومه(٢) .

وإنّما كان كذلك ؛ لأنّها إذا تلفت قبل الشراء فقد انفسخ القراض ، فإن اشترى قبل تلفها فقد صحّ الشراء للقراض ، إلّا أنّ إذنه تناول الشراء بها أو بعدها في الثمن ، فإذا تعذّر ذلك ، فقد حصل الشراء على غير الوجه الذي أذن ، فيصير الشراء للعامل.

قال : وهذا مثل أن يعقد الحجّ عن غيره ، فيصحّ الإحرام عنه ، فإذا أفسده الأجير ، صار عنه ؛ لأنّه خالف في الإذن ، كذا هنا.

لا يقال : لو وكّل وكيلاً ودفع إليه ألفاً ليشتري له سلعةً فاشتراها وقبل أن يدفع الثمن هلك في يده ، أليس يكون الشراء للموكّل والألف عليه؟

لأنّا نقول : قال ابن سريج : في ذلك وجهان :

____________________

(١) راجع : بحر المذهب ٩ : ٢٣٠ ، وحلية العلماء ٥ : ٣٤٢ ، والعزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٩.

(٢) بحر المذهب ٩ : ٢٣٠ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤٢ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٨.

١٢١

أحدهما : إنّه يلزم الوكيل ، كمسألتنا.

والثاني : إنّه يلزم الموكّل(١) .

والفرق بينهما : إنّه أذن العاملَ في التصرّف في ألفٍ واحدة على أنّه لا يزيد عليها ؛ لأنّ إذنه تناول المال ، ولا يلزمه أن يزيد على ذلك ، وفي الوكالة تعلّق إذنه بشراء العبد وقد اشتراه له ، فكان ثمنه عليه.

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ٢٣٠ - ٢٣١.

١٢٢

١٢٣

الفصل الرابع : في التنازع‌

مسألة ٢٧٧ : لو ادّعى العامل التلفَ ، صُدّق باليمين وعدم البيّنة ، سواء ادّعاه قبل دورانه في التجارة أو بعدها(١) ؛ لأنّه أمين في المال ، كالمستودع.

والأصل فيه : إنّه يتصرّف في مال غيره بإذنه ، فكان أميناً ، كالوكيل.

ولما رواه الحلبي - في الحسن - عن الصادقعليه‌السلام قال : « صاحب الوديعة والبضاعة مؤتمنان »(٢) .

وفي الصحيح عن محمّد بن مسلم أنّه سأل الباقرَعليه‌السلام عن الرجل يستبضع المال فيهلك أو يسرق أعلى صاحبه ضمان؟ قال : « ليس عليه غُرْمٌ بعد أن يكون الرجل أميناً »(٣) .

وبه قال الشافعي(٤) ، وفرّق بين العامل وبين المستعير حيث ذهب إلى أنّ المستعير ضامن(٥) : بأنّ المستعير قبضه لمنفعة نفسه خاصّةً بغير استحقاقٍ ، وهنا معظم المنفعة لربّ المال.

وفرّق أيضاً بين العامل وبين الأجير المشترك ، فإنّه عنده - على أحد القولين - ضامن ؛ لأنّ المنفعة تعجّلت له ، فكان قبضه للمال لمنفعةٍ حصلت‌

____________________

(١) الظاهر : « بعده ».

(٢) الكافي ٥ : ٢٣٨ / ١ ، الفقيه ٣ : ١٩٣ / ٨٧٨ ، التهذيب ٧ : ١٧٩ / ٧٩٠.

(٣) الكافي ٥ : ٢٣٨ - ٢٣٩ / ٤ ، التهذيب ٧ : ١٨٤ / ٨١٢.

(٤) مختصر المزني : ١٢٢ ، الحاوي الكبير ٧ : ٣٢٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٦ ، بحر المذهب ٩ : ٢٠٤ ، الوسيط ٤ : ١٣٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٤٠١ ، البيان ٧ : ٢٠٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٢.

(٥) راجع : ج ١٦ - من هذا الكتاب - ص ٢٧٣ ، الهامش (٤)

١٢٤

له ، وهنا لم تحصل له بالقبض منفعة معجّلة ، فافترقا(١) .

إذا عرفت هذا ، فإنّ قوله مقبول في التلف ، سواء ادّعى التلف بسببٍ ظاهر أو خفيّ أو لم يذكر سبباً ، وسواء أمكنه إقامة البيّنة على السبب أو لا.

وللشافعي تفصيل(٢) تقدّم مثله في الوديعة(٣) .

مسألة ٢٧٨ : لو اختلف المالك والعامل في ردّ المال ، فادّعاه العامل وأنكره المالك ، فالأقوى : تقديم قول المالك - وهو قول أحمد ، وأحد وجهي الشافعيّة(٤) - لأنّه قبض المال لنفع نفسه ، فلم يقبل قوله في ردّه إلى المالك ، كالمستعير ، ولأنّ صاحب المال منكر والعامل مدّعٍ ، فيُقدَّم قول المنكر مع اليمين إذا لم تكن هناك بيّنة.

والوجه الثاني لأصحاب الشافعي : إنّه يُقدَّم قول العامل مع اليمين ؛ لأنّه أمين ، ولأنّ معظم النفع لربّ المال ، والعامل كالمستودع(٥) .

ونمنع أنّه أمين في المتنازع ، ولا ينفع في غيره.

والفرق بينه وبين المستودع ظاهر ؛ فإنّ المستودع لا نفع له في الوديعة البتّة.

ونمنع أنّ معظم النفع لربّ المال. سلّمنا ، لكنّ العامل لم يقبضه إلّا لنفع نفسه ، ولم يأخذه لنفع ربّ المال.

____________________

(١) راجع : البيان ٧ : ٢٠٤.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٤٠١ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٢.

(٣) راجع : ج ١٦ - من هذا الكتاب - ص ٢١٢ ، المسألة ٦٢.

(٤ و ٥) الحاوي الكبير ٧ : ٣٢٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٦ ، بحر المذهب ٩ : ٢٠٤ ، الوسيط ٤ : ١٣٠ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥٤ ، البيان ٧ : ٢٠٣ - ٢٠٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٢.

١٢٥

مسألة ٢٧٩ : لو اختلفا في الربح ، فالقول قول العامل مع يمينه وعدم البيّنة - سواء اختلفا في أصله وحصوله بأن ادّعى المالك الربحَ وأنكر العامل وقال : ما ربحتُ شيئاً ، أو في مقداره بأن ادّعى المالك أنّه ربح ألفاً وادّعى العامل أنّه ربح مائة - لأنّه أمين.

وكذا لو قال : كنتُ ربحتُ كذا ثمّ خسرتُ وذهب الربح ، وادّعى المالك بقاءه في يده ، قُدّم قول العامل مع اليمين ؛ لأنّه أمين ، كما لو ادّعى المستودع التلفَ ، وكما لو ادّعاه العامل في أصل المال فكذا في ربحه ، ولأنّه أمين يُقبل قوله في التلف فيُقبل في الخسارة ، كالوكيل ، وبه قال الشافعي وغيره(١) .

وأمّا لو قال العامل : ربحتُ ألفاً ، ثمّ قال : غلطتُ في الحساب ، وإنّما الربح مائة ، أو تبيّنتُ أنّه لا ربح هنا ، أو قال : كذبتُ في الإخبار بالربح خوفاً من انتزاع المال من يدي فأخبرتُ بذلك ، لم يُقبل رجوعه ؛ لأنّه أقرّ بحقٍّ عليه ثمّ رجع عنه ، فلم يُقبل ، كسائر الأقارير ، وبه قال الشافعي(٢) .

وقال مالك : إن كان بين يديه موسم يتوقّع فيه ربح ، قُبِل قوله : كذبتُ ليترك المال في يدي فأربح في الموسم ، بخلاف ما إذا قال : خسرتُ بعد الربح الذي أخبرتُ عنه ، فإنّه لا يُقبل ، كما لو ادّعى عليه وديعة ، فقال له : ما أودعتَ عندي شيئاً ، ثمّ قامت البيّنة بالإيداع ، فادّعى التلف ، لم يُقبل قوله ، أمّا لو قال : ما تستحقّ علَيَّ شيئاً ، ثمّ قامت البيّنة بالإيداع ، فادّعى‌

____________________

(١) الوسيط ٤ : ١٣١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٤٠١ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٢ ، المغني ٥ : ١٩٤ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٦.

(٢) مختصر المزني : ١٢٣ ، الحاوي الكبير ٧ : ٣٥٣ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢٤ ، الوسيط ٤ : ١٣١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٤٠٠ ، البيان ٧ : ٢٠٧ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٢.

١٢٦

التلف ، كان القولُ قولَه مع يمينه ؛ لأنّه ليس فيه تكذيب لقوله الأوّل ، كذا هنا(١) .

هذا إذا كانت دعوى الخسران في موضعٍ يُحتمل بأن عرض في الأسواق كساد ، ولو لم يُحتمل لم يُقبل.

مسألة ٢٨٠ : إذا اشترى العامل سلعةً فظهر فيها ربح ثمّ اختلفا ، فقال صاحب المال : اشتريتَه للقراض ، وقال العامل : اشتريتُه لنفسي ، قُدّم قول العامل مع اليمين ، وكذا لو ظهر خسران فاختلفا ، فادّعى صاحب المال أنّه اشتراه لنفسه ، وادّعى العامل أنّه اشتراه للقراض ، قُدّم قول العامل مع اليمين ؛ لأنّ الاختلاف هنا في نيّة العامل ، وهو أبصر بما نواه ، ولا يطّلع على ذلك من البشر أحد سواه ، وإنّما يكون مال القراض بقصده ونيّته - وهو أحد قولَي الشافعي(٢) - ولأنّ في المسألة الأُولى المال في يد العامل ، فإذا ادّعى ملكه فالقول قوله.

وقد ذكر الشافعي في الوكيل والموكّل إذا اختلفا في بيع شي‌ءٍ أو شراء شي‌ءٍ ، فقال الموكّل : ما بعتَه ، أو قال : ما اشتريتَه ، وقال الوكيل : بعتُ أو اشتريتُ ، قولين(٣) .

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ٢٢٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٤٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٦.

(٢) مختصر المزني : ١٢٣ ، الحاوي الكبير ٧ : ٣٤٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٦ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢٣ ، الوسيط ٤ : ١٣١ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٤٠٠ ، البيان ٧ : ٢٠٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٢.

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٥٢١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٦٤ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢٣ ، الوسيط ٣ : ٣١٠ ، حلية العلماء ٥ : ١٥٧ ، البيان ٦ : ٤١٥ ، و ٧ : ٢٠٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٦٤ - ٢٦٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦٨.

١٢٧

واختلف أصحابه.

فمنهم مَنْ قال هنا أيضاً : قولان ، يعني في المسألة الثانية التي ظهر فيها الخسران :

أحدهما : القول قول ربّ المال ؛ لأنّ الأصل أنّه ما اشتراه لمال القراض ، والأصل عدم وقوعه للقراض ، كأحد القولين فيما إذا قال الوكيل : بعتُ ما أمرتني ببيعه ، أو اشتريتُ ما أمرتني بشرائه ، فقال الموكّل : لم تفعل.

والثاني : القول قول الوكيل ؛ لأنّه أعلم بما نواه.

ومنهم مَنْ قال هنا : القول قول العامل قولاً واحداً ، بخلاف مسألة الوكالة.

والفرق بينهما : إنّ الموكّل والوكيل اختلفا في أصل البيع والشراء ، وهنا اتّفقا على أنّه اشتراه ، وإنّما اختلفا في صفة الشراء ، فكان القولُ قولَ مَنْ باشر الشراء(١) .

ولو أقام المالك بيّنةً في الصورة الثانية ، ففي الحكم بها للشافعيّة وجهان ، أحدهما : المنع ؛ لأنّه قد يشتري لنفسه بمال القراض متعدّياً ، فيبطل البيع ، ولا يكون للقراض(٢) .

مسألة ٢٨١ : لو اختلفا في قدر حصّة العامل من الربح ، فقال المالك : شرطتُ(٣) لك الثلث ، وقال العامل : بل النصف ، فالقول قول المالك مع‌

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ٢٢٣ ، البيان ٧ : ٢٠٦.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٣٤٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٦ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢٣ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥٦ ، البيان ٧ : ٢٠٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٢.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « اشترطتُ ».

١٢٨

يمينه وعدم البيّنة ، عند علمائنا - وبه قال الثوري وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي وابن المنذر وأحمد في إحدى الروايتين(١) - لأنّ المالك منكر لما ادّعاه العامل من زيادة السدس ، والقول قول المنكر مع اليمين.

وقال الشافعي : يتحالفان ؛ لأنّهما اختلفا في عوض العقد وصفته ، فأشبه اختلاف المتبايعين في قدر الثمن ، وكالإجارة ، فإذا حلفا فسخ العقد ، واختصّ الربح والخسران بالمالك ، وللعامل أُجرة المثل عن عمله ، كما لو كان القراض فاسداً - وفيه وجه : إنّها إن كانت أكثر من نصف الربح فليس له إلّا قدر النصف ؛ لأنّه لا يدّعي أكثر منه(٢) - ولو حلف أحدهما ونكل الآخَر حُكم للحالف بما ادّعاه(٣) .

وعن أحمد رواية ثانية : إنّ العامل إذا ادّعى أُجرة المثل وزيادة يتغابن الناس بمثلها فالقول قوله ، وإن ادّعى أكثر فالقول قوله فيما وافق أُجرة المثل(٤) .

____________________

(١) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٤٣ ، الحاوي الكبير ٧ : ٣٥٠ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢٨ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥٤ ، المغني ٥ : ١٩٣ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٥ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٦٤ / ١٧٣٨ ، المبسوط - للسرخسي - ٢٢ : ٨٩ ، بدائع الصنائع ٦ : ١٠٩ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٩٤ / ٣٤٨٣ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ١٦٥ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢١٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٢ - ٢٢٣.

(٣) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٤٤ ، الحاوي الكبير ٧ : ٣٥٠ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٦ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢٧ - ٢٢٨ ، الوجيز ١ : ٢٢٦ ، الوسيط ٤ : ١٣٠ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٤٠٠ ، البيان ٧ : ٢٠٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٢ ، المغني ٥ : ١٩٣ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٥ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٦٤ / ١٧٣٨ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٩٤ / ٣٤٨٥.

(٤) المغني ٥ : ١٩٣ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٥.

١٢٩

والمعتمد ما قلناه ؛ لأنّ المالك منكر ، ولأنّه اختلاف في فعله ، وهو أبصر به وأعرف ، ولأنّ الأصل تبعيّة الربح للمال ، فالقول قول مَنْ يدّعيه ، وعلى مَنْ يدّعي خلافَه البيّنةُ.

مسألة ٢٨٢ : لو اختلفا في قدر رأس المال ، فقال المالك : دفعتُ إليك ألفين هي رأس المال ، وقال العامل : بل دفعتَ إلَيَّ ألفاً واحدة هي رأس المال ، قُدّم قول العامل مع اليمين.

قال ابن المنذر : أجمع كلّ مَنْ يُحفظ عنه من أهل العلم أنّ القول قول العامل في قدر رأس المال ، كذلك قال الثوري وإسحاق وأصحاب الرأي(١) .

لأنّ المالك يدّعي عليه قبضاً وهو ينكره ، والقول قول المنكر ، والأصل عدم القبض إلّا فيما يُقرّ به ، ولأنّ المال في يد العامل وهو يدّعيه لنفسه ربحاً ، وربّ المال يدّعيه لنفسه ، فالقول قول صاحب اليد.

ولا فرق عندنا بين أن يختلفا وهناك ربح أو لم يكن ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(٢) .

ولهم وجهٌ آخَر : إنّ الأمر كذلك إن لم يكن هناك ربح ، وإن كان تحالفا ؛ لأنّ قدر الربح يتفاوت به ، فأشبه الاختلاف في القدر المشروط من‌

____________________

(١) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٤٣ ، المغني ٥ : ١٩٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٤ - ١٧٥ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٩٤ - ٥٩٥ / ٣٤٨٦ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ١٦٥ ، بدائع الصنائع ٦ : ١٠٩ ، المبسوط - للسرخسي - ٢٢ : ٩١ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢١٤.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٦ ، الوسيط ٤ : ١٣٠ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥٤ و ٣٥٥ ، البيان ٧ : ٢٠٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٣.

١٣٠

الربح(١) .

والحكم في الأصل ممنوع على ما تقدّم ، مع أنّ الفرق ظاهر ؛ فإنّ الاختلاف في القدر المشروط من الربح اختلاف في كيفيّة العقد ، والاختلاف هنا اختلاف في القبض ، فيُصدَّق فيه النافي ، كما لو اختلف المتبايعان في قبض الثمن ، فإنّ المصدَّق البائع.

مسألة ٢٨٣ : لو كان العامل اثنين وشرط المالك لهما نصفَ الربح بينهما بالسويّة وله النصف ، وتصرّفا واتّجرا فنضّ المال ثلاثة آلاف ، ثمّ اختلفوا فقال ربّ المال : إنّ رأس المال ألفان ، فصدّقه أحد العاملين وكذّبه الآخَر وقال : بل دفعتَ إلينا ألفاً واحدة ، لزم الـمُقرّ ما أقرّ به ، ثمّ يحلف المنكر ؛ لما بيّنّا من تقديم قول العامل في قدر رأس المال ، ويُقضى للمنكر بموجب قوله ، فالربح بزعم المنكر ألفان وقد استحقّ بيمينه منهما خمسمائة ، فتُسلّم إليه ، ويأخذ المالك من الباقي ألفين عن رأس المال ؛ لاتّفاق المالك والـمُقرّ عليه ، تبقى خمسمائة تُقسَّم بين المالك والمصدِّق أثلاثاً ؛ لاتّفاقهم على أنّ ما يأخذه المالك مِثْلا ما يأخذه كلّ واحدٍ من العاملين ، وما أخذه المنكر كالتالف منهما ، فيأخذ المالك ثلثي خمسمائة والمصدِّق ثلثها ؛ لأنّ نصيب ربّ المال من الربح نصفه ، ونصيب المصدِّق الربع ، فيقسّم بينهما على ثلاثة أسهم ، وما أخذه الحالف كالتالف ، والتالف في المضاربة يُحسب من الربح.

ولو كان الحاصل ألفين لا غير ، فادّعاها المالك رأسَ المال ، فصدّقه أحدهما وكذّبه الآخَر وادّعى أنّ رأس المال ألف والألف الأُخرى ربح ،

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٦ ، الوسيط ٤ : ١٣٠ - ١٣١ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥٥ ، البيان ٧ : ٢٠٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٣.

١٣١

صُدّق المكذِّب بيمينه ، فإذا حلف أخذ ربعها مائتين وخمسين الزائدة على ما أقرّ به ، والباقي يأخذه المالك.

مسألة ٢٨٤ : لو اختلفا في جنس مال القراض ، فادّعى المالك أنّ رأس المال كان دنانير ، وقال العامل : بل دراهم ، فالقول قول العامل مع يمينه ؛ لما تقدّم من أنّه أمين.

ولو اختلفا في أصل القراض ، مثل : أن يدفع إلى رجلٍ مالاً يتّجر به ، فربح ، فقال المالك : إنّ المال الذي في يدك كان قراضاً والربح بيننا ، وقال التاجر : بل كان قرضاً علَيَّ ، ربحه كلّه لي ، فالقول قول المالك مع يمينه ؛ لأنّه ملكه ، والأصل تبعيّة الربح له ، فمدّعي خلافه يفتقر الى البيّنة ، ولأنّه ملكه فالقول قوله في صفة خروجه عن يده ، فإذا حلف قُسّم الربح بينهما.

وقال بعض العامّة : يتحالفان ، ويكون للعامل أكثر الأمرين ممّا شُرط له أو أُجرة مثله ؛ لأنّه إن كان الأكثر نصيبه من الربح ، فربّ المال يعترف له به ، وهو يدّعي كلّه ، وإن كان أُجرة مثله أكثر ، فالقول قوله مع يمينه في عمله ، كما أنّ القول قول ربّ المال في ماله ، فإذا حلف قُبِل قوله في أنّه ما عمل بهذا الشرط ، وإنّما عمل لعوضٍ لم يسلم له ، فتكون له أُجرة المثل(١) .

ولو أقام كلٌّ منهما بيّنةً بدعواه ، فالأقوى : إنّه يُحكم ببيّنة العامل ؛ لأنّ القول قول المالك ، فتكون البيّنة بيّنة العامل.

وقال أحمد : إنّهما يتعارضان ، ويُقسّم الربح بينهما نصفين(٢) .

ولو قال ربّ المال : كان بضاعةً فالربح كلّه لي ، وقال العامل : كان قراضاً ، فالأقرب : إنّهما يتحالفان ، ويكون للعامل أقلّ الأمرين من نصيبه‌

____________________

(١) المغني ٥ : ١٩٥ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٧.

(٢) المغني ٥ : ١٩٥ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٧ - ١٧٨.

١٣٢

من الربح أو أُجرة مثله ؛ لأنّه لا يدّعي أكثر من نصيبه من الربح ، فلا يستحقّ زيادةً عليه وإن كان الأقلّ أُجرة مثله ، فلم يثبت كونه قراضاً ، فيكون له أُجرة عمله.

ويحتمل أن يكون القول قولَ العامل ؛ لأنّ عمله له ، فيكون القولُ قولَه فيه.

ولو قال المالك : كان بضاعةً ، وقال العامل : كان قرضاً علَيَّ ، حلف كلٌّ منهما على إنكار ما ادّعاه خصمه ، وكان للعامل أُجرة عمله لا غير.

ولو خسر المال أو تلف ، فقال المالك : كان قرضاً ، وقال العامل : كان قراضاً أو بضاعةً ، فالقول قول المالك.

وكذا لو كان هناك ربح فادّعى العامل القراضَ والمالك الغصبَ ، فإنّه يُقدّم قول المالك مع يمينه.

* * *

١٣٣

الفصل الخامس : في التفاسخ واللواحق‌

مسألة ٢٨٥ : قد بيّنّا أنّ القراض من العقود الجائزة من الطرفين ، كالوكالة والشركة ، بل هو عينهما ؛ فإنّه وكالة في الابتداء ، ثمّ قد يصير شركةً في الأثناء ، فلكلّ واحدٍ من المالك والعامل فسخه والخروج منه متى شاء ، ولا يحتاج فيه إلى حضور الآخَر ورضاه ؛ لأنّ العامل يشتري ويبيع لربّ المال بإذنه ، فكان له فسخه ، كالوكالة ، وبه قال الشافعي(١) .

وقال أبو حنيفة : يعتبر الحضور كما ذكر في خيار الشرط(٢) .

والحكم في الأصل ممنوع.

إذا ثبت هذا ، فإن فسخا العقد أو أحدهما ، فإن كان قبل العمل عاد المالك في رأس المال ، ولم يكن للعامل أن يشتري بعده.

وإن كان قد عمل ، فإن كان المال ناضّاً ولا ربح فيه أخذه المالك أيضاً ، وكان للعامل أُجرة عمله إلى ذلك الوقت ، وإن كان فيه ربح أخذ رأس ماله وحصّته من الربح ، وأخذ العامل حصّته منه.

وإن لم يكن المال ناضّاً ، فإن كان دَيْناً بأن باع نسيئةً بإذن المالك ، فإن كان في المال ربح كان على العامل جبايته ، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة(٣) .

____________________

(١) البيان ٧ : ١٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٨.

(٢) بدائع الصنائع ٦ : ٧٧ و ١٠٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٨ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٣٥ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٠٩ ، المغني ٥ : ١٨٠ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٢.

١٣٤

وإن لم يكن هناك ربح ، قال الشيخرحمه‌الله : يجب على العامل جبايته أيضاً(١) ، وبه قال الشافعي ؛ لأنّ المضاربة تقتضي ردّ رأس المال على صفته ، والديون لا تجري مجرى المال الناضّ ، فيجب(٢) عليه أن ينضّه إذا أمكنه ، كما لو كانت عروضاً فإنّه يجب عليه بيعها(٣) .

والأصل فيه : إنّ الدَّيْن ملك ناقص ، والذي أخذه كان ملكاً تامّاً ، فليردّ كما أخذ.

وقال أبو حنيفة : إن كان في المال ربح كان عليه أن يجبيه ، وإن لم يكن فيه ربح لم يجب عليه أن يقتضيه ؛ لأنّه إذا لم يكن فيه ربح لم يكن له غرض في العمل ، فصار(٤) كالوكيل(٥) .

والفرق : إنّ الوكيل لا يلزمه بيع العروض ، والعامل يلزمه.

مسألة ٢٨٦ : لو فسخ المالك القراض والحاصل دراهم مكسّرة وكان رأس المال صحاحا ، فإن قدر على إبدالها بالصحاح وزناً أبدلها ، وإلّا باعها بغير جنسها من النقد ، واشترى بها الصحاح.

ويجوز أن يبيعها بعرضٍ ويشتري به الصحاح ؛ لأنّه سعي في إنضاض المال ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة ، والثاني : لا يجوز ؛ لأنّه قد‌

____________________

(١) الخلاف ٣ : ٤٦٣ - ٤٦٤ ، المسألة ١٠ من كتاب القراض.

(٢) في الطبعة الحجريّة : « فوجب ».

(٣) بحر المذهب ٩ : ٢٠٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٩ ، البيان ٧ : ١٩٨ و ١٩٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٨ ، المغني ٥ : ١٨٠ - ١٨١ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٢.

(٤) في النُّسَخ الخطّيّة : « فكان » بدل « فصار ».

(٥) الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٣٥ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٠٩ ، بحر المذهب ٩ : ٢٠٨ ، البيان ٧ : ١٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠ ، المغني ٥ : ١٨٠ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٢.

١٣٥

يتعوّق عليه بيع العرض(١) .

ولو كان رأس المال دنانير والحاصل دراهم ، أو بالعكس ، أو كان رأس المال أحد النقدين والحاصل متاع ، فإن لم يكن هناك ربح فعلى العامل بيعه إن طلبه المالك.

وللعامل أيضاً بيعه وإن كره المالك - وبه قال الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق(٢) - لأنّ حقّ العامل في الربح لا يظهر إلّا بالبيع.

ولا يجب على المالك الصبر وتأخير البيع إلى موسم رواج المتاع - وبه قال الشافعي(٣) - لأنّ حقّ المالك معجَّل.

وقال مالك : للعامل أن يؤخّر البيع إلى الموسم(٤) .

ولو طلب المالك أن يأخذه بقيمته ، جاز ، وما يبقى بعد ذلك بينهما يتقاسمانه.

وإن لم يطلب ذلك ، وطلب أن يباع بجنس رأس المال ، لزم ذلك ، ويباع منه بقدر رأس المال ، ولا يُجبر العامل على بيع الباقي.

ولو قال العامل : قد تركتُ حقّي منه فخُذْه على صفته ولا تكلّفني البيع ، فالأقرب : إنّه لا يُجبر المالك على القبول ؛ لأنّ له طلب ردّ المال كما أخذه ، وفي الإنضاض مشقّة ومئونة ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة ، والثاني :

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٨.

(٢) المغني ٥ : ١٧٩ - ١٨٠ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٨ - ٢١٩.

(٣) بحر المذهب ٩ : ٢٠٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٩.

(٤) بحر المذهب ٩ : ٢٠٨ - ٢٠٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠.

١٣٦

إنّه يجب على المالك القبول(١) .

وقد اختلفت الشافعيّة في مأخذ الوجهين هنا وفي كيفيّة خروجهما.

فقال بعضهم : إنّ هذا مبنيّ على الخلاف في أنّه متى يملك العامل الربحَ؟ إن قلنا بالظهور ، لم يلزم المالك قبول ملكه ، ولم يسقط به طلب البيع ، وإن قلنا بالقسمة ، أُجيب ؛ لأنّه لم يبق له توقّع فائدةٍ ، فلا معنى لتكليفه تحمّل مشقّةٍ(٢) .

وقال بعضهم : بل هُما مفرَّعان أوّلاً على أنّ حقّ العامل هل يسقط بالترك والإسقاط؟ وهو مبنيّ على أنّ الربح متى يملك؟ إن قلنا بالظهور ، لم يسقط كسائر المملوكات ، وإن قلنا بالقسمة ، سقط على أصحّ الوجهين ؛ لأنّه مَلَك أن يملك ، فكان له العفو والإسقاط كالشفعة ، فإن قلنا : لا يسقط حقّه بالترك ، لم يسقط بتركه المطالبة بالبيع ، وإذا قلنا : يسقط ، ففيه خلاف - سيأتي - في أنّه هل يُكلّف البيع إذا لم يكن في المال ربح؟(٣) .

ولو قال المالك : لا تبع ونقتسم العروض بتقويم عَدْلين ، أو قال : أُعطيك نصيبك من الربح ناضّاً ، فالأقوى : إنّ للعامل الامتناع ؛ لأنّه قد يجد زبوناً(٤) يشتريه بأكثر من قيمته.

وللشافعيّة وجهان بناهما قومٌ منهم على أنّ الربح متى يملك؟ إن قلنا بالظهور ، فله البيع ، وإن قلنا بالقسمة ، فلا ؛ لوصوله إلى حقّه بما يقوله المالك(٥) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٩.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠ - ٤١.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤١.

(٤) راجع : ج ١٤ - من هذا الكتاب - ص ١٦١ ، الهامش (٥)

(٥) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤١ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٩.

١٣٧

وقطع بعضهم على الثاني ، وقال : إذا غرس المستعير في أرض العارية ، كان للمعير أن يتملّكه بالقيمة ؛ لأنّ الضرر مندفع عنه بأخذ القيمة ، فهنا أولى(١) .

والأصل ممنوع.

ثمّ اختلفوا ، فالذي قطع به محقّقوهم أنّ الذي يلزمه بيعه وإنضاضه قدر رأس المال خاصّةً ، أمّا الزائد فحكمه حكم عرضٍ آخَر يشترك فيه اثنان ، لا يكلّف واحد منهما بيعه ؛ لأنّه في الحقيقة مشترك بين المالك والعامل ، ولا يلزم الشريك أن ينضّ مال شريكه ، ولأنّ الواجب عليه أن ينضّ رأس المال ليردّ عليه رأس ماله على صفته ، ولا يوجد هذا المعنى في الربح.

وإذا باع بطلب المالك أو بدونه ، باع بنقد البلد إن كان من جنس رأس المال ، ولو لم يكن من جنسه باعه بما يرى من المصلحة إمّا برأس المال أو بنقد البلد ، فإن اقتضت بيعه بنقد البلد باعه به ، وحصل به رأس المال(٢) .

مسألة ٢٨٧ : لو لم يكن في المال ربح ، ففي وجوب البيع على العامل وإنضاض المال لو كلّفه المالك إشكال ينشأ : من أنّ غرض البيع أن يظهر الربح ليصل العامل إلى حقّه منه ، فإذا لم يكن ربح وارتفع العقد لم يحسن تكليفه تعباً بلا فائدة ، ومن أنّ العامل في عهدة أن يردّ المال كما أخذه ؛ لئلّا يلزم المالك في ردّه إلى ما كان مئونة وكلفة.

وللشافعيّة وجهان(٣) كهذين.

____________________

(١ - ٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤١ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٩.

١٣٨

وهل للعامل البيع لو رضي المالك بإمساك المتاع؟ إشكال ينشأ : من أنّه قد يجد زبوناً يشتريه بزيادةٍ ، فيحصل له ربحٌ ما ، ومن أنّ المالك قد كفاه مئونة البيع ، وهو شغل لا فائدة فيه.

وللشافعيّة وجهان(١) .

والثاني عندي أقوى ؛ لأنّ المضارب إنّما يستحقّ الربح إلى حين الفسخ ، وحصول راغبٍ يزيد إنّما حصل بعد فسخ العقد ، فلا يستحقّها العامل.

وقال بعضهم : إنّ العامل ليس له البيع بما يساويه بعد الفسخ قطعاً ، وله أن يبيع بأكثر ممّا يساويه عند الظفر بزبونٍ(٢) .

وتردّد بعضهم في ذلك ؛ لأنّ هذه الزيادة ليست ربحاً في الحقيقة ، وإنّما هو رزق يساق إلى مالك العروض(٣) .

وعلى القول بأنّه ليس للعامل البيع إذا أراد المالك إمساك العروض أو اتّفقا على أخذ المالك العروض ثمّ ظهر ربح بارتفاع السوق ، فهل للعامل نصيبٌ فيه ؛ لحصوله بكسبه ، أو لا ؛ لظهوره بعد الفسخ؟ الأقوى : الثاني ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة(٤) .

مسألة ٢٨٨ : يرتفع القراض بقول المالك : « فسختُ القراض » و « رفعتُه » و « أبطلتُه » وما أدّى هذا المعنى ، وبقوله للعامل : « لا تتصرّف بعد هذا » أو « قد أزلتُ يدك عنه » أو « أبطلتُ حكمك فيه » وباسترجاع المال من العامل لقصد رفع القراض.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٩.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٢.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٩.

١٣٩

ولو باع المالك ما اشتراه العامل للقراض ، فإن قصد بذلك إعانة العامل لم يرتفع ، وإن قصد رفع حكم العامل فيه ارتفع ، كما أنّ الموكّل لو باع ما وكّل في بيعه ، فإنّ الوكيل ينعزل ، كذا العامل هنا ؛ لأنّه في الحقيقة وكيلٌ خاصّ ، ولو لم يقصد شيئاً منهما احتُمل حمله على الأوّل وعلى الثاني.

وللشافعيّة وجهان(١) .

ولو حبس العامل ومنعه من التصرّف ، أو قال : لا قراض بيننا ، فالأقرب : الانعزال.

مسألة ٢٨٩ : القراض من العقود الجائزة يبطل بموت المالك أو العامل أو جنون أحدهما أو إغمائه أو الحجر عليه للسفه ؛ لأنّه متصرّف في مال غيره بإذنه ، فهو كالوكيل.

ولا فرق بين ما قبل التصرّف وبعده.

فإذا مات المالك ، فإن كان المال ناضّاً لا ربح فيه أخذه الوارث ، وإن كان فيه ربح اقتسماه.

وتُقدَّم حصّة العامل على جميع الغرماء ، ولم يأخذوا شيئاً من نصيبه ؛ لأنّه يملك الربح بالظهور ، فكان شريكاً للمالك ، وليس لربّ المال شي‌ء من نصيبه ، فهو كالشريك ، ولأنّ حقّه متعلّق بعين المال دون الذمّة ، فكان مقدَّماً ، كحقّ الجناية ، ولأنّه متعلّق بالمال قبل الموت ، فكان أسبق ، كحقّ الرهن.

وإن كان المال عرضاً ، فالمطالبة بالبيع والتنضيض كما في حالة‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٩.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154