اختيار معرفة الرجال

اختيار معرفة الرجال6%

اختيار معرفة الرجال مؤلف:
تصنيف: علم الرجال والطبقات
الصفحات: 904

اختيار معرفة الرجال المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 904 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 70857 / تحميل: 12305
الحجم الحجم الحجم
اختيار معرفة الرجال

اختيار معرفة الرجال

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

___________________________________________________________

صدره، وقال: يا بن اليهودي ما أجرأك في ديننا، فقال عثمان: ما أكثر أذاك لي غيب وجهك عني فقد آذيتني.

فخرج أبو ذر الى الشام، فكتب معاوية الى عثمان ان أبا ذر تجتمع اليه الجموع ولا آمن أن يفسدهم عليك، فان كان لك في القوم حاجة فاحمله إليك، فكتب اليه فحمله على بعير عليه قتب يا بس معه خمسون من الصقالبة يطردون(١) به حتى أتوا به المدينة، وقد تسلخت بواطن أفخاذه، وكاد يقلت(٢) فقيل: انك تموت من ذلك فقال: هيهات أن أموت حتى أنفي.

وذكر جوامع ما نزل به بعد ومن يتولى دفنه، فأحسن اليه في داره أياما ثم ادخل عليه فجثا عليه وتكلم بأشياء، وذكر الخبر في ولد أبي العاص اذا بلغوا ثلاثين رجلا اتخذوا عباد الله حولا، ومر في الخبر بطوله وتكلم بكلام كثير.

وكان في ذلك اليوم قد أتي عثمان بتركة عبد الرحمن بن عوف الزهري من المال، فنضدت البدار حتى حالت بين عثمان وبين الرجل القائم، فقال عثمان: اني لأرجو لعبد الرحمن خيرا لأنه كان يتصدق ويقري الضيف وترك ما ترون، فقال كعب الاحبار: صدقت يا أمير المؤمنين، فشال أبو ذر العصا فضرب بها رأس كعب ولم يشغله ما كان به من الا لم وقال: يا بن اليهودي تقول لرجل مات وخلف هذا المال كله ان الله أعطاه خير الدنيا وخير الآخرة وتقطع على الله بذلك، وأنا سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: ما يسرني أن أموت فادع ما يزن قيراطا.

فقال له عثمان وأرعني وجهك قال أسير الى مكة قال: لا والله قال: فتمنعني من بيت ربي أعبده فيه حتى أموت قال: أي والله فقال: الى الشام فقال: لا والله قال: فالبصرة قال: لا والله، فاختر غير هذه البلدان قال: لا والله ما اختار غير ما ذكرت لك‌

__________________

(١) وفي هامش النسخ: ينظرونه‌

(٢) أى يهلك.

١٠١

___________________________________________________________

ولو تركتني في دار هجرتي ما أردت شيئا من البلدان، فسيرني حيث شئت من البلاد.

فقال: اني مسيرك الى الربذة قال: الله اكبر صدق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد أخبرني بكل ما أنا لاق، قال عثمان: وما قال لك؟ قال خبرني بأني أمنع عن مكة والمدينة وأموت بالربذة ويتولى مواراتي نفر يريدون من العراق نحو الحجاز.

وبعث أبو ذر الى حميل له فحمل عليه امرأته وقيل: ابنته، وأمر عثمان أن يتحاماه الناس حتى يسيروا الى الربذة، فلما طلع على المدينة ومروان يسيره عنها، طلع عليه علي بن أبي طالبعليه‌السلام ومعه ابناه وعقيل أخاه وعبد الله بن جعفر وعمار بن ياسر فاعترض مروان فقال: يا علي ان أمير المؤمنين نهى الناس أن يصحبوا أبا ذر ويشيعوه، فان كنت لم تعلم بذلك أعلمتك.

فحمل عليه علي بن أبي طالب فضرب بين أذني راحلته وقال: تنح نحاك الله الى النار، ومضى مع أبي ذر فشيعه ثم ودعه وانصرف، فلما أراد على الانصراف بكى أبو ذر، وقال: رحمكم الله أهل بيت اذا رأيتك يا أبا الحسن وجهك ذكرت بكم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فشكى مروان الى عثمان ما فعل به علي، فقال عثمان: يا معشر المسلمين من يعذرني من علي رد رسولي عما وجهته وفعل وفعل والله لنعطينه حقه، فلما رجع علي استقبله الناس فقالوا: ان أمير المؤمنين عليك غضبان لتشييعك أبا ذر، فقال علي: غضب الخيل على اللجم.

ثم جاء فلما كان العشي جاء الى عثمان فقال له: ما حملك على ما صنعت بمروان؟ ولم اجترأت عليّ ورددت رسولي وأمري؟ قال: أما مروان فانه استقبلني يردني فرددته عن ردي، وأما أمرك فلم أرده، قال عثمان: أو لم يبلغك أني قد نهيت الناس عن أبي ذر وعن تشييعه؟ قال علي: أو كلما أمرتنا به من شي‌ء نرى طاعة الله والحق في خلافه اتبعنا أمرك لعمر الله لا نفعل.

١٠٢

القطار يحمل النار: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: اذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلا اتخذوا دين الله دخلا وعباد الله خولا ومال الله دولا. فقتلوه فقرا وجوعا وذلا‌

___________________________________________________________

قال عثمان: أقد مروان قال: وما أقيده؟ قال: ضربت بين أذني راحلته وشتمته فهو شاتمك وضارب بين أذني راحلتك، قال علي: أما راحلتي فهي تملك، فان أراد أن يضربها كما ضربت راحلته فليفعل، فاما أنا فو الله لان شتمني لأشتمنك أنت بمثله بما لا أكذب فيه ولا أقول الا حقا، قال عثمان: فلم لا يشتمك اذا شتمته، فو الله ما أنت عندي بأفضل منه.

فغضب عليعليه‌السلام وقال: ألي تقول هذا القول وبمروان تعدلني، فأنا والله أفضل منك، وأبي أفضل من أبيك، وأمي أفضل من أمك، وهذه نبلى قد نبلتها وهلم فانبل نبلك.

فغضب عثمان واحمر وجهه وقام فدخل، وانصرف علي فاجتمع اليه أهل بيته ورجال من المهاجرين والانصار، فلما كان من الغد واجتمع الناس الى عثمان شكى اليهم عليا وقال: انه يعيبني، وبظاهر من يعيبني، يريد بذلك أبا ذر وعمارا وغيرهما، فدخل الناس بينهما حتى أصلحوا بينهما، وقال له علي: والله ما أردت بتشييعي أبا ذر الا الله انتهى كلام مروج الذهب في هذا الباب(١) .

قولهعليه‌السلام : اتخذوا دين الله دخلا وعباد الله خولا ومال الله دو لا‌

رواها أكثر الصحابة عنهعليه‌السلام على هذا النسق. دخلا وخولا بالتحريك و « دولا » بضم الدال وفتح الواو.

قال ابن الاثير في النهاية في د - خ: في حديث قتادة بن نعمان وكنت أرى اسلامه مدخولا، الدخل بالتحريك العيب والغش والفساد يعني: ان ايمانه كان متزلزلا فيه نفاق، ومنه حديث أبي هريرة « اذا بلغ بنوا أبي العاص ثلاثين كان دين‌

__________________

(١) مروج الذهب: ٢ / ٣٣٩ - ٣٤٢‌

١٠٣

___________________________________________________________

الله دخلا وعباد الله خولا » وحقيقته أن يدخلوا في الدين أمورا لم تجر بها السنة(١) .

وقال في خ: والخول حشم الرجل وأتباعه واحدهم خائل، وقد يكون واحدا ويقع على العبد والامة، وهو مأخوذ من التخويل التمليك، وقيل من الرعاية، ومنه حديث أبي هريرة « اذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين كان عباد الله خولا » أي خدما وعبيدا يعني أنهم يستخدمونهم ويستعبدونهم، وفيه « أنه كان يخولنا بالموعظة » أي يتعهدنا، من قولهم فلان خولي مال وخائل مال، وهو الذي يصلحه ويقيم به انتهى كلام النهاية(٢) .

وفي الصحاح: الخائل الحافظ للشي‌ء ويقال: فلان يخول على أهله أي يرعى عليهم، وخوله الله الشي‌ء أي ملكه اياه، وقد خلت المال أخوله اذ أحسنت القيام عليه يقال: هو خال مال وخولي مال أي حسن القيام عليه، والتخول التعهد وفي الحديث « كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يتخولنا بالموعظة مخافة السامة » وخول الرجل حشمه الواحد خائل وقد يكون الخول واحدا وهو اسم يقع على العبد والامة قال الفراء: وهو جمع خائل وهو الراعي، وقال غيره: هو مأخوذ من التخويل وهو التمليك(٣) .

و « الدول » بضم الدال وفتح الواو جمع الدولة بالضم يقال: جاء فلان بدولاته أي بدواهيه.

قال الراغب في المفردات: الدولة - بالفتح - والدولة - بالضم - واحدة وقيل: الدولة بالضم في المال، والدولة بالفتح في الحرب والجاه، وقيل: الدولة اسم الشي‌ء الذي يتداول بعينه، والدولة المصدر، قال الله تعالى( كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ ) (٤) وتداول القوم كذا، أي تداولوه من حيث الدولة، وداول الله كذا بينهم‌

__________________

(١) نهاية ابن الاثير: ٢ / ١٠٨‌

(٢) نهاية ابن الاثير: ٢ / ٨٨ وفيه أخيرا: ويقوم به.

(٣) الصحاح: ٤ / ١٦٩٠‌

(٤) سورة الحشر: ٧‌

١٠٤

وضرا وصبرا.

٤٩ - أبو علي أحمد بن علي السلولي شقران القمي، قال حدثني الحسن بن‌

___________________________________________________________

قال الله تعالى( وَتِلْكَ الْأَيّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النّاسِ ) (١) والدؤلول الداهية، والجمع الدآليل والدؤلات(٢) .

قولهعليه‌السلام : وصبرا‌

الصبر في القتل وفي اليمين في الفقه.

والحديث معروف في النهاية الاثيرية: في حديث الصوم « صم شهر الصبر » هو شهر رمضان وأصل الصبر الحبس: يسمى الصوم صبرا لما فيه من حبس النفس عن الطعام والشراب والنكاح، وفيه « أنه نهى عن قتل شي‌ء من الدواب صبرا هو أن يمسك من ذوات الروح شي‌ء حيا ثم يرمي بشي‌ء حتى يموت، ومنه الحديث « نهى عن المصبورة ونهى عن صبر ذي الروح » ومنه الحديث « في الذي أمسك رجلا وقتلوا آخرا اقتلوا القاتل واصبروا الصابر » أي أحبسوا الذي حبسه للموت حتى يموت كفعله به، وكل من قتل في معركة ولا حرب ولا خطأ فانه مقتول صبرا، ومنه حديث ابن مسعود « أن » رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن صبر الروح » وهو الخصاء والخصاء صبر شديد، وفيه « من أحلف على يمين مصبورة كاذبا » وفي حديث آخر « من حلف على يمين صبرا » أي ألزم بها وحبس عليها وكانت لازمة لصاحبها من جهة الحكم، وقيل:

لها مصبورة وان كان صاحبها في الحقيقة هو المصبور، لأنه انما صبر من أجلها أي حبس فوضعت بالصبر وأضيفت اليه مجازا(٣) .

قوله رحمه الله تعالى: أبو على أحمد بن على السلولى‌

في القاموس: سلول فخذ من قيس(٤) .

__________________

(١) سورة آل عمران: ١٤٠‌

(٢) مفردات الراغب: ١٧٤‌

(٣) نهاية ابن الاثير: ٣ / ٨‌

(٤) القاموس: ٣ / ٣٩٧‌

١٠٥

حماد، عن أبي عبد الله البرقي،

___________________________________________________________

وفي الصحاح: سلول قبيلة من هوازن وهم بنو مرة بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن، وسلول اسم أمهم نسبوا اليها، منهم عبد الله بن همام الشاعر السلولي(١) .

ثم في طائفة من النسخ في هذا الموضع « سعدان القمي » بالسين والعين والدال المهملات قبل الالف والنون أخيرا، وذلك تصحيف وتحريف من النساخ(٢) ، والصواب ما يتكرر من بعد في الاسانيد على اتفاق عامة النسخ وهو « شقران » بضم الشين المعجمة قبل القاف الساكنة والراء بعدها قبل الالف ثم النون أخيرا، والرجل معروف كثير الرواية.

وذكره الشيخ في كتاب الرجال قال في باب لم: أحمد بن علي السلولي المعروف بالشقران القمي المعروف بالشقران القمي المقيم بكش، وكان أشل دوارا(٣) .

وفي بعض نسخ كتاب الرجال التيملي مكان السلولي.

قولهرحمه‌الله : قال: حدثنى الحسن بن حماد‌

قد سبق مثله في الاسانيد السابقة، والذي يستبين أنه من غلط الناسخ، والصحيح خلف بن حماد بالخاء المعجمة ثم اللام والفاء أخيرا، فهو الذي يروي عن أبى عبد الله محمد بن خالد البرقي، ويتكرر في الاسانيد كثيرا، وهو من الشيوخ.

ذكره الشيخ في باب الخاء المعجمة من باب لم قال: خلف بن حماد مكنى أبا صالح من أهل كش(٤) .

__________________

(١) الصحاح: ٥ / ١٧٣١‌

(٢) كما في المطبوع من رجال الكشى بجامعة مشهد والنجف الاشرف.

(٣) رجال الشيخ: ٤٣٩ والموجود فيه القمى بدل السلولى.

(٤) رجال الشيخ: ٤٧٢‌

١٠٦

عن عبد الرحمن بن محمد بن أبي حكيم، عن أبي خديجة الجمال، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: دخل أبو ذر على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومعه جبريل، فقال جبريل: من هذا يا رسول الله؟ قال أبو ذر: قال أما أنه في السماء أعرف منه في الارض وسأله عن كلمات يقولهن اذا أصبح قال، فقال يا أبا ذر كلمات تقولهنّ اذا أصبحت فما هنّ؟ قال أقول‌

___________________________________________________________

وأبو عبد الله البرقي يروي عن خلف بن حماد الاسدي على ما في الفهرست(١) .

قوله رحمه الله تعالى عنه: عن عبد الرحمن بن محمد بن أبى حكيم‌

في النسخ على التصغير، وفي كتب الرجال محمد بن الحكم بن المختار بن أبي عبيدة الثقفي الكوفي من أصحاب الصادقعليه‌السلام مكبرا(٢) .

وعبد الرحمن بن محمد من أصحاب أبي جعفر الجوادعليه‌السلام ، ويقال: ربما روى عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام .

قوله رحمه الله تعالى عنه: عن أبى خديجة الجمال‌

هو سالم بن مكرم على ما يستبين فيما سيرد في الكتاب إن شاء الله العزيز، وهو الذي صرح الشيخ بتوثيقه في بعض المواضع، وثنى توثيقه النجاشي(٣) .

وزعم الحسن بن داود أن ذاك هو أبو خديجة الرواجني، وذا أبو خديجة الجمال وهما اثنان ولا توثيق في ذا من أحد(٤) .

وذلك وهم منه فاسد، قد أوضحنا فساده في المعلقات على الخلاصة، وعلى كتابه، وعلى كتاب النجاشي، وعلى غيرها من كتب الرجال، وفي الرواشح السماوية، وفي المعلقات على الفقيه، وعلى الاستبصار.

__________________

(١) الفهرست: ٩٢‌

(٢) رجال الشيخ: ٣٠٦ وفيه محمد بن أبى الحكم الخ.

(٣) رجال النجاشى: ١٤٢‌

(٤) رجال ابن داود: ١٦٥‌

١٠٧

يا رسول الله: اللهم اني أسألك الايمان بك والعافية من جميع البلايا والشكر على العافية والغنى عن الناس.

٥٠ - حمدويه وابراهيم ابنا نصير، قالا حدثنا أيّوب بن نوح، عن صفوان ابن يحيى، عن عاصم بن حميد الحنّاط، عن أبي بصير، عن عمرو بن سعيد، قال حدثنا عبد الملك بن أبي ذر الغفاري، قال بعثني أمير المؤمنينعليه‌السلام يوم مزق عثمان المصاحف، فقال: ادع أباك! فجاء أبي اليه مسرعا، فقال: يا أبا ذر أتى اليوم في الإسلام أمر عظيم، مزق كتاب الله ووضع فيه الحديد، وحق على الله أن يسلّط الحديد على من مزق كتابه بالحديد. قال، فقال له أبو ذر: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

___________________________________________________________

قولهعليه‌السلام : اللهم انى أسألك‌

دعاء أبي ذر رضي الله تعالى عنه معروف في كتب الدعاء وفيما أواظب عليه في وردي « اللهم اني أسألك الايمان بك، والرضا بقضائك، والغناء عن الناس والعافية من جميع البلاء، والشكر على العافية يا ولي العافية ».

قوله رحمه الله تعالى: حمدويه وابراهيم ابنا نصير الى اخره‌

الطريق نقي صحيح على الأصحّ، فان عمرو بن سعيد المدائني ثقة من أصحاب أبي الحسن الرضاعليه‌السلام قد وثقه النجاشي(١) ، ولم يذكر غميزة فيه ولا طعنا في مذهبه وانما روى أبو عمرو الكشي عن نصر بن الصباح أنه فطحي، ولكن قال نصر: لا اعتمد على قوله. وابو بصير هو ليث المرادي، كما هو المستبين من الطبقة.

قوله رحمه الله تعالى: قال: حدثنا عبد الملك بن ابى ذر الغفارى‌

هو في الاستقامة على طريقة أبيه رضي الله تعالى عنهما.

__________________

(١) رجال النجاشى: ٢٢١.

١٠٨

يقول: أن أهل الجبرية من بعد موسى قاتلوا أهل النبوة فظهروا عليهم فقتلوهم زمانا‌

___________________________________________________________

قولهعليه‌السلام : ان أهل الجبرية(١)

بالتحريك، وربما يقال: الجبرية بكسر الجيم والباء، ويعنيعليه‌السلام بهم المجوس وهم لا يقولون بقدرة وارادة للإنسان في فعله أصلا، بل يثبتون للعالم الاكبر بنظامه الجملي مبدئين: يسمون أحدهما يزدان واليه يسندون الخيرات بأسرها، والاخر أهر من واليه يضيفون الشرور بأسرها على الاطلاق.

وعلى طريقتهم الاشاعرة في نفي تأثير قدرة العبد وارادته في أفعاله مطلقا، فانهم يسندون أفاعيله من الخيرات والشرور جميعا الى قدرة الله سبحانه وارادته ابتداء، من غير مدخلية للعبد ولا لممكن ما من الممكنات في ذلك بجهة من جهات التأثير والعلية والتقدم العقلي بالذات أصلا، بل على مجرد المقارنة الاتفاقية المعبر عنها عندهم بالكسب لا غير.

ومن هناك استتبت علاقة التشبيه في الحديث المشهور بالمتواتر عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله : القدرية مجوس هذه الامة(٢) .

أليس كل من على ساهرة اقليم العقل وفي دائرة ملة الإسلام يعلم بالبرهان انه ما من ممكن ذاتي عينا كان أو فعلا، وجوهرا كان أو عرضا، الا ولا منتدح له في ترتب سلسلة السببية والمسببية من الانتهاء الى مسبب الاسباب من غير سبب على الاطلاق، والاستناد الى قدرته الحقة القيومية وارادته الربوبية الوجوبية بآخره، وان كان الفاعل المباشر قريبا، والاخير من أجزاء العلة التامة لفعل العبد قدرته وأرادته المنبعثتان عن القدرة التامة الواجبة والارادة الحقة الفعالة.

فاذن ليس يصح التشبيه من حيث اثبات مبدئين، اذ ليس يقول بذلك أحد من المعتزلة والامامية والحكماء الالهيين المثبتين للحيوان قدرة مباشرة للفعل، وإرادة‌

__________________

(١) وفي المطبوع من رجال الكشى بجامعة مشهد. أهل الحبرية بالحاء المهملة.

(٢) رواه في الطرائف: ٣٤٤. وهناك مقالات حول عقائد المجبرة فراجع.

١٠٩

___________________________________________________________

متقدمة عليه تقدما بالطبع، فقد انصرح أن ملاك التشبيه سلب الفعل عن العبد ونفي قدرته واختياره على سبيل العلية كما قالته المجوس، وانما ذلك مذهب الاشعرية في هذه الامة فهم القدرية في قولهعليه‌السلام القدرية مجوس هذه الامة لا غيرهم.

وما تحمله امام المتشككين فخر الدين الرازي ومتابعوه في تصحيح كون المعتزلة هم القدرية مما ليس له مساق الى سبيل الصحة ومعاد الى طريق الصواب، وان أحببت بسط القول فيه فعليك بكتابنا الايقاضات.

قال الجوهري في الصحاح: الجبر أن تغني الرجل عن فقر أو تصلح عظمه من كسر، يقال: جبرت العظم جبرا وجبر العظم نفسه جبورا، أي انجبر واجتبر العظم مثل انجبر، يقال: جبر الله فلانا فاجتبر أي سد مفاقره، والجبر خلاف القدر، قال أبو عبيد: هو كلام مولد والجبرية بالتحريك خلاف القدرية(١) .

وقال الراغب في المفردات: أصل الجبر اصلاح الشي‌ء بضرب من القهر، يقال: جبرته فانجبر واجتبر، وقد قيل: جبرته فجبر لقول الشاعر:

« قد جبر الدين الاله فجبر » ‌

هذا قول أكثر أهل اللغة وقال بعضهم: ليس قوله فجبر مذكورا على سبيل الانفعال، بل ذلك على سبيل الفعل، وكرره ونبه بالاول على الابتداء باصلاحه وبالثاني على تتميمه، فكأنه قال قصد جبر الدين وابتدأ به فتمم جبره، وذلك أن فعل تارة يقال لمن ابتدأ بفعل، وتارة لمن فرغ عنه، وتجبر يقال: اما لتصور معنى الاجتهاد، أو المبالغة، او لمعنى التكلف، وقد يقال: الجبر في الاصلاح المجرد نحو قول عليعليه‌السلام يا جابر كل كسير ومسهل كل عسير، وتارة في القهر المجرد نحو قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله لا جبر ولا تفويض، والجبر في الحساب الحاق شي‌ء به اصلاحا لما يريد اصلاحه، وسمي السلطان جبرا لقهره الناس على ما يريده، أو لإصلاح أمورهم،

__________________

(١) الصحاح: ٢ / ٦٠٧ - ٦٠٨‌

١١٠

___________________________________________________________

والاجبار في الاصل حمل الغير على أن يجبر الاخر، لكن تعورف في الاكراه المجرد فقيل: أجبرته على كذا، كقولك أكرهته وسمي الذين يدعون أن الله تعالى يكره العباد على المعاصي في تعارف المتكلمين مجبرة، وفي قول المتقدمين جبرية وجبرية(١) .

أي بالتحريك وبكسر الجيم والباء، كما نقلناه عن الصحاح.

وقال في القاموس: الجبرية خلاف القدرية، والتسكين لحن، أو هو الصواب، والتحريك للازدواج، والجبار الله تعالى لتكبره، والمتكبر الذي لا يرى لأحد عليه حقا، فهو بين الجبرية والجبرياء بمكسورتين، والجبرية بكسرات والجبرية والجبروة والجبروتي والجبروت محركات(٢) .

وقال في أساس البلاغة: وقوم جبرية، وهو كذا ذراعا بذراع الجبار أي بذراع الملك، وفي الحديث: دعوها فانها جبارة وما كانت نبوة إلا تناسخها ملك جبرية. أي الا تجبر الملوك فيها(٣) .

قلت: قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في هذا الحديث: ان أهل الجبرية من بعد موسى قاتلوا أهل النبوة تنصيص على أن أهل الجبرية مقابل أهل النبوة، وهم الكفرة من المجوس الذين قاتلوا بني اسرائيل فظهروا، أي غلبوا عليهم فقتلوهم، واستمروا في عتوهم وغلبتهم عليهم زمانا طويلا، وحديثه عليه وآله الصلاة والسّلام: القدرية مجوس هذه الامة. ناص على أن المجبرة القائلين بالقدر على سبيل محوضة الاجبار وصرافة الالجاء من غير مدخلية لاختيار العبد في فعله أصلا، منزلتهم في هذه الامة منزلة المجوس الجبرية الذاهبين الى أن فعل الانسان مطلقا انما فاعله التام على الاجبار‌

__________________

(١) مفررات الراغب: ٨٥ - ٨٦‌

(٢) القاموس: ١ / ٣٨٤ - ٣٨٥‌

(٣) أساس البلاغة: ٨١‌

١١١

طويلا، ثم ان الله بعث فتية فهاجروا الى غبر آبائهم فقاتلهم فقتلوهم، وأنت بمنزلتهم‌

___________________________________________________________

البحت يزدان أو أهرمن.

فاذن قد استبان أن الجبرية والقدرية واحدة وجعلهما متقابلين، كما ذهبت اليه علماء الاشاعرة في الصدر الاول، ثم جرى عليه كلام أهل اللغة، والمتأخرون بنوا عليه الاصطلاح أخيرا لا أصل له يركن اليه ولا ركن يعتمد عليه.

ثم كيف يسوغ اثبات نسبة نفاة أمر اليه وسلب القول به عن مثبتيه. وما يقال: ان تبالغهم في النفي والانكار مصحح الاسناد والنسبة. ليس يستحق الاصاخة له والاصغاء اليه.

قولهعليه‌السلام : ثم ان الله بعث فتية فهاجروا الى غبر آبائهم‌

في أكثر النسخ « فتية » بكسر الفاء واسكان المثناة من فوق قبل المثناة من تحت المفتوحة على جمع فتي بالتشديد، كما صبية في جمع صبي، يعني شبابا.

قال في المغرب: الفتى من الناس الشباب القوي والجمع فتية وفتيان.

وفي نسخة « فئة » بكسر الفاء وفتح الهمزة واحدة فيئين.

و « غبر » باعجام الغين قبل الباء الموحدة، اما محركة بمعنى التراب والارض أي الى ديار آبائهم، أو بضم الغين وتسكين الباء أو تشديدها مفتوحة بمعنى بقية آبائهم ومن بقي منهم، والغبر والغبر بقية اللبن في الضرع وغبر المرض بقاياه، وكذلك غبر الليل والغابر من كل شي‌ء الباقي منه قاله في الصحاح(١) .

وقال في القاموس: غبر غبورا مكث وذهب ضد، وهو غابر من غبر كركع، وغبر الشي‌ء بالضم بقيته كغبره، والجمع أغبار(٢) .

__________________

(١) الصحاح: ٢ / ٧٦٥‌

(٢) القاموس: ٢ / ٩٩‌

١١٢

يا علي. فقال علي: قتلتني يا أبا ذر. فقال أبو ذر: أما والله لقد علمت أنه سيبدأ بك.

٥١ - حمدويه وابراهيم ابنا نصير، قالا حدثنا أيوب بن نوح، عن صفوان ابن يحيى، عن عاصم بن حميد الحنفي، عن فضيل الرسّان، قال حدثني أبو عبد الله عن أبي سخيلة، قال حججت أنا وسلمان بن ربيعة، قال فمررنا بالربذة، قال فأتينا‌

___________________________________________________________

قولهعليه‌السلام : قتلتنى يا أبا ذر‌

يعنى أخبرت بقتلي فقال أبو ذر: نعم قد علمت أنه سيبدأ في العترة الطاهرة بك يا أمير المؤمنين.

قوله رحمه الله تعالى: حمدويه وابراهيم ابنا نصير‌

الطريق حسن بفضيل الرسان، وهو الفضيل بن الزبير الاسدي مولاهم الكوفي الرسان، ذكره الشيخ في كتاب الرجال في أصحاب أبي جعفر الباقر وفي أصحاب أبي عبد الله الصادقعليهما‌السلام بالتصغير(١) ، وكذلك في كتاب أبي عمرو الكشي(٢) ، والحسن بن داود أورده في كتابه مكبرا(٣) .

وأبو عبد الله هذا الذي روى عنه الفضيل الرسان هو أبو عبد الله البجلي الكوفي من أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام من اليمن، ذكره العلامة في الخلاصة(٤) ، والشيخ في كتاب الرجال(٥) . أو أبو عبد الله الجدلي بفتح الجيم والدال من أوليائهعليه‌السلام وخواصه من مضر، كما أورده في الخلاصة، واسمه عبيد بن عبد.

قال في الخلاصة: قيل: انه كان تحت راية المختار، ويقال: اسمه عبد الرحمن ابن عبد ربه(٦) .

__________________

(١) رجال الشيخ: ١٣٢ و ٢٧٢‌

(٢) رجال الكشى: ٣٣٨ ط مشهد و ٢٨٧ ط نجف.

(٣) رجال ابن داود: ٢٧١‌

(٤) الخلاصة: ١٩٤‌

(٥) رجال الشيخ: ٦٣‌

(٦) الخلاصة ١٢٧‌

١١٣

أبا ذر فسلمنا عليه، قال فقال لنا: ان كانت بعدي فتنة وهي كائنة فعليكم بكتاب الله والشيخ علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، فاني سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يقول: علي أول من آمن بي وصدقني، وهو أول من يصافحني يوم القيامة، وهو الصديق الاكبر، وهو‌

___________________________________________________________

وذكرة الشيخ في كتاب الرجال في أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ثم أورده في أصحاب أبي عبد اللهعليه‌السلام وقال: عبد الرحمن بن عبد ربه الخزرجي(١) . طعنوا عليه بالرفض.

وقال ابن حجر في التقريب: عبد أو عبد الرحمن بن عبد أبو عبد الله الجدلي ثقة، رمي بالتشيع من كبار الثالثة.

و « أبو سخيلة » بضم السين المهملة وفتح الخاء المعجمة، كما قال في الخلاصة ناقلا عن البرقي(٢) ، وذكره الشيخ في كتاب الرجال في أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام (٣) .

قوله رضى الله تعالى عنه: وهى كائنة‌

يعني ألا وهي كائنة لا محال من غير امتراء، لما قد أخبرنا به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

قوله (ص): على أول من آمن بى وصدقنى‌

والعامة رووا هذا الحديث من طرق عديدة غير طريق أبي ذر(٤) .

أورد أبو عبد الله الذهبي مع شدة عناده ونصبه في ميزان الاعتدال أنه ذكر العقيلي بالاسناد عن ابن عباس عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال لام سلمة: ان عليا لحمه من لحمي وهو مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي، قال ابن عباس، ستكون فتنة فمن أدركها فعليه بخصلتين كتاب الله وعلي بن أبي طالب، فاني سمعت‌

__________________

(١) رجال الشيخ: ٥٠ و ٧٦‌

(٢) الخلاصة: ١٩٥‌

(٣) رجال الشيخ: ٦٥‌

(٤) وقد أوردنا مصادر هذا الحديث عن طرق العامة والخاصة في كتاب الطرائف: ١٨‌

١١٤

الفاروق بعدي يفرق بين الحق والباطل، وهو يعسوب المؤمنين والمال يعسوب الظلمة.

٥٢ - وبهذا الاسناد عن الفضيل الرسان، قال حدثني أبو عمر، عن حذيفة ابن أسيد، قال سمعت أبا ذر، يقول وهو متعلق بحلقة باب الكعبة، أنا جندب بن جنادة لمن عرفني وأنا أبو ذر لمن لم يعرفني، اني سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يقول:

___________________________________________________________

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول وهو آخذ بيد علي: هذا أول من آمن بي وأول من يصافحني يوم القيامة، وهو فاروق هذه الامة يفرق بين الحق والباطل، وهو يعسوب المؤمنين والمال يعسوب الظلمة، وهو الصديق الاكبر، وهو خليفتي من بعدي.

وفي ميزان الاعتدال أيضا: أن سليمان بن عبد الله روى عن معاذة عن علي:

أنا الصديق الاكبر قال مذكور في كتاب العقيلي(١) :

قولهعليه‌السلام : وهو يعسوب المؤمنين والمال يعسوب الظلمة‌

أي يجتمع على اتباعه والتمسك به قلوب المؤمنين، كما على التمسك بالمال قلوب الظلمة.

قال في الصحاح: واليعسوب ملك النحل، ومنه قيل للسيد: يعسوب قومه والياء فيه من الزوائد لأنه ليس في الكلام فعلول غير صعفوق(٢) .

قوله رحمه الله تعالى: وبهذا الاسناد عن الفضيل الرسان قال: حدثنى أبو عمر عن حذيفة بن أسيد‌

أبو عمر هو زاذان الفارسي بالزاء قبل الالف والذال المعجمة بعدها والنون بعد الالف الثانية، أورده في الخلاصة من أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام من مضر(٣) ، وذكر الشيخ في باب الزاء من أصحابهعليه‌السلام زاذان يكنى أبا عمر الفارسي زياد بن‌

__________________

(١) ميزان الاعتدال: ٢ / ٢١٢ ط السعادة بمصر و ١ / ٤١٧‌

(٢) الصحاح: ١ / ١٨١‌

(٣) الخلاصة: ١٩٢ وفيه أبو عمرو الفارسى.

١١٥

من قاتلني في الاولى والثانية فهو في الثالثة من شيعة الدجال انما مثل أهل بيتي‌

___________________________________________________________

الجعدة(١) .

و « حذيفة » ذكره الشيخ في كتاب الرجال فيمن روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من الصحابة قال: حذيفة بن أسيد الغفاري أبو سريحة صاحب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو ابن أمية(٢) .

ثم ذكره في أصحاب أبي محمد الحسنعليه‌السلام فقال: حذيفة بن أسيد الغفاري(٣) .

وقد تقدم في الكتاب في حديث الحواريين أنه من حواري الحسن بن عليعليهما‌السلام .

قال ابن الاثير في جامع الاصول: أسيد بفتح الهمزة وكسر السين المهملة وبالدال المهملة. وأبو سريحة بفتح السين المهملة وكسر الراء بالحاء المهملة.

وقال الحسن بن داود: وفي نسخة من كتاب الرجال للشيخ أبو سرعة(٤) .

قلت: ولا تعويل عليه.

قوله (ص): من قاتلنى في الاولى والثانية وهو في الثالثة من شيعة الدجال‌

في الاولى والثانية، وفي نسخة وفي الثانية خبر من قاتلني.

والمعنى: من قاتلني ففي الطبقتين الاولى والثانية، يعني بالطبقة الاولى من بارزهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالمقاتلة في زمانه، وبالطبقة الثانية من قاتل علياعليه‌السلام بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لعليعليه‌السلام : يا علي حربك حربي.

__________________

(١) رجال الشيخ: ٤٢ وزياد بن الجعدة رجل آخر غير زاذان الفارسى ولعل وقع سهوا من المؤلف.

(٢) رجال الشيخ: ١٦ وفيه أبو سرعة.

(٣) المصدر: ٦٧‌

(٤) رجال ابن داود: ١٠١‌

١١٦

في هذه الامّة مثل سفينة نوح في لجة البحر من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق. ألا هل بلّغت.

___________________________________________________________

ولقوله: منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت أنا على تنزيله(١) .

وعني به عليا، فمن قاتل علياعليه‌السلام فهو كمن بارز النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالمقاتلة، وأما من قاتلهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الطبقة الثالثة فهم الذين يقاتلون المهدي من آل محمدعليه‌السلام في آخر الزمان، وهم من شيعة الدجال.

ففي الصحيفة المكرمة الرضوية بأسناده عن أبيه عن آبائه عن علي بن أبي طالب عليهم صلوات الله وتسليماته: من قاتلنا في آخر الزمان فكأنما قاتلنا للدجال. قال الاستاذ أبو القاسم الطائي: سألت علي بن موسى الرضا عمن قاتلنا في آخر الزمان قال: من قاتل صاحب عيسى بن مريم وهو المهديعليه‌السلام .

قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : انما مثل أهل بيتى مثل سفينة نوح‌

هذا الحديث عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله متشعب الطريق متنا وسندا من طريق أبي ذر رضي الله تعالى عنه ومن طريق غيره عند العامة والخاصة(٢) .

__________________

(١) رواه جماعة من أعلام العامة بطرق مختلفة منهم أحمد بن حنبل في مسنده: ٣ / ٣٣ ط ميمنية بمصر والنسائى في الخصائص: ٤٠ والحاكم في المستدرك: ٣ / ١٢٢ ط حيدرآباد الدكن وأبو نعيم في حلية الاولياء: ١ / ٦٧ ط مصر والطبرى في رياض النضرة: ٢ / ١٩١ ط محمد أمين بمصر وابن كثير في البداية والنهاية: ٦ / ٢١٧ والسيوطى في تاريخ الخلفاء. ١٧٣ وغيرها مما يطول ذكرها.

(٢) واما من طريق الخاصة فرواه السيد بن طاوس عن عدة طرق في كتاب الطرائف: ١٣٢، وابن بطريق في العمدة: ١٨٧، والعلامة المجلسى في البحار: ٢٣ / ١٢٤.

واما من طريق العامة فرواه ابن قتيبة في عيون الاخبار: ١ / ٢١١ ط مصر، والحاكم في المستدرك: ٣ / ١٥٠ ط دكن، وابن المغازلى في المناقب: ١٣٢ - ١٣٤. والخوارزمى في مقتل الحسين، والذهبى في ميزان الاعتدال: ١ / ٢٢٤ ط مصر والسيوطى في تاريخ الخلفاء: ٥٧٣، والقندوزى في ينابيع المودة: ٢٨ ط اسلامبول.

١١٧

٥٣ - جعفر بن معروف، قال حدثني الحسن بن علي بن النعمان، قال حدثنى أبي، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: أرسل عثمان الى أبي ذر موليين له ومعهما مائتا دينار، فقال لهما انطلقا بها الى‌

___________________________________________________________

وفي الصحيفة المكرمة الرضوية باسناده المكرم عن آبائه الطاهرين عن أمير المؤمنين عليه وعليهم السلام قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها زخ في النار(١) .

وكذلك رواه كثير من العامة صاحب المشكاة وغيره، وفي المشكاة ومسند أحمد بن حنبل عن أبي ذر أنه قال وهو آخذ بباب الكعبة: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: ألا ان مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق(٢) .

قال ابن الاثير في النهاية في باب الزاء مع الخاء المعجمة: في الحديث مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من تخلف عنها زخ به في النار أي دفع ورمي يقال: زخه يزخه زخا(٣) .

وقال صاحب الكشاف في أساس البلاغة: زخه في وهدة دفعه فيها، وفي الحديث مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق وزخ في النار وزخ في قفاه(٤) .

قوله رحمه الله تعالى: جعفر بن معروف‌

ذكره الشيخ في باب لم، وقال: يكنى أبا محمد من أهل كش وكيل وكان مكاتبا(٥) .

__________________

(١) صحيفة الرضا: ٢٢‌

(٢) رواه بهذه الالفاظ الطبرانى في المعجم الصغير: ٧٨ ط الدهلى‌

(٣) نهاية ابن الاثير: ٢ / ٢٩٨.

(٤) أساس البلاغة: ٢٦٨‌

(٥) رجال الشيخ: ٤٥٨‌

١١٨

أبي ذر فقولا له: ان عثمان يقرئك السّلام وهو يقول لك هذه مائتا دينار فاستعن بها على ما نابك، فقال أبو ذر هل أعطي أحد من المسلمين مثل ما أعطاني؟ قالا لا. قال: فانما أنا رجل من المسلمين يسعني ما يسع المسلمين قالا له: انه يقول هذا من صلب ما لي وبالله الذي لا إله الا هو ما خالطها حرام ولا بعثت بها إليك الا من حلال. فقال: لا حاجة لي فيها وقد أصبحت يومي هذا وأنا من أغنى الناس. فقالا له عافاك الله وأصلحك! ما نرى في بيتك قليلا ولا كثيرا مما يستمتع به؟ فقال: بلى تحت هذه

___________________________________________________________

وليس هو جعفر بن معروف السمرقندي الذي ذكره أحمد بن الحسين الغضائري وقال: كنيته أبو الفضل يروي عنه العياشي كثيرا.

والحسن بن علي بن النعمان صحيح الحديث له كتاب كثير الفوائد قاله النجاشي(١) ، وفي طبقته من يروي عنه الصفار وأحمد بن أبي عبد الله البرقي. وأبوه علي ابن النعمان الاعلم أبو الحسن النخعي مولاهم الكوفي من أصحاب أبي الحسن الرضاعليه‌السلام ثقة ثبت وجه صحيح الحديث واضح الطريقة، وهو الوارد في أسناد زبور آل محمد وإنجيل أهل البيت الصحيفة الكريمة السجادية، يروي عنه كتابه محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ومحمد بن أبي عبد الله.

وعلي بن أبي حمزة الثمالي لا البطائني لكون علي بن النعمان الاعلم أكثري الرواية عنه.

وأبو بصير هو ليث بن البخترى المرادي ويقال له: أبو بصير الاصغر لا يحيى بن القاسم المكفوف، لرواية ابن أبي حمزة الثمالي عنه، فالطريق نقي حسن بعلي بن أبي حمزة، بل صحيح على ما ستعلمه إن شاء الله العزيز.

قولهرضي‌الله‌عنه : تحت هذه الاكاف‌

اكاف الحمار بكسر الهمزة معروف. وفي القاموس: وبالضم أيضا(٢) ،

__________________

(١) رجال النجاشى: ٣١‌

(٢) القاموس: ٣ / ١١٨‌

١١٩

الاكاف التي ترون رغيفا شعير قد أتي عليهما أيام فما أصنع بهذه الدنانير، لا والله حتى يعلم الله اني لا أقدر على قليل ولا كثير، ولقد أصبحت غنيا بولاية علي بن أبي طالبعليه‌السلام وعترته الهادين المهديين الراضين المرضيين الذين يهدون بالحق وبه يعدلون، وكذلك سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول، فانه لقبيح بالشيخ أن يكون كذابا، فرداها عليه وأعلماه أنه لا حاجة لي فيها ولا فيما عنده، حتى ألقى الله ربي فيكون هو الحاكم فيما بيني وبينه.

٥٤ - حدثني علي بن محمد القتيبي، قال حدثني الفضل بن شاذان، قال حدثني أبي، عن علي بن الحكم، عن موسى بن بكر، قال قال أبو الحسنعليه‌السلام قال أبو ذر: من جزى الله عنه الدنيا خيرا فجزاها الله عني مذمة بعد رغيفي شعير أتغدى باحدهما وأتعشى بالاخر، وبعد شملتي صوف أتزر باحداهما وأرتدي بالاخرى.

___________________________________________________________

والاكاف: صانعه. والجمع الاكف بضمتين.

قال في المغرب: والسرج الذي على هيئته هو ما يجعل على مقدمة شبه الرمانة، والوكاف لغة ومنه او كف الحمار وأكفه ايكافا ووكفه توكيفا أي شد عليه الاكاف، وأما أكف الاكاف تأكيفا فمعناه اتخذه.

قوله رحمه الله تعالى: عن موسى بن بكر الواسطى‌

ذكره الشيخ في أصحاب أبي الحسن الكاظمعليه‌السلام وقال: أصله كوفي واقفي له كتاب يروي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام (١) .

واني لست استثبت وقف الرجل، ولا شيخنا أبو العباس النجاشي تعرض لنقله، وستطلع على ما رواه أبو عمرو الكشي في مدحه مما ينصرح به أن أسناد الوقف اليه اختلاق عليه، فاذن الطريق حسن على الأصحّ.

قوله رضى الله تعالى عنه: من جزى الله عنه الدنيا‌

يعني من كان شي‌ء من الدنيا عنده مشكورا محمودا مرغوبا اليه يستحق أن يقال: جزاه الله عني خيرا فأنا على خلاف سيرته، فان كل ما في الدنيا مذموم مقبوح‌

__________________

(١) رجال الشيخ: ٣٥٩‌

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

ذلك فيما يرويه المؤرخون أن معاوية أراد عزله عن الكوفة فبلغه ذلك ، فرأى أن يسافر الى دمشق ويبادر بتقديم استقالته عن منصبه حتى لا تكون عليه حزازة ، وليرى الناس أنه كاره للإمارة والحكم ، ولما وصل الى دمشق عنّ له أن يلتقي بيزيد قبل التقائه بمعاوية فيحبذ له الخلافة من بعد أبيه ليتخذ من اغرائه وسيلة الى اقراره فى الحكم ، كما أدلى بذلك لأصحابه ولما التقى بيزيد قال له :

« إنه قد ذهب أعيان أصحاب محمد (ص) وكبراء قريش وذوو أسنانهم ، وإنما بقي أبناؤهم وأنت من أفضلهم ، وأحسنهم رأيا ، وأعلمهم بالسنة والسياسة ، ولا أدري ما يمنع أمير المؤمنين أن يعقد لك البيعة؟. »

ولما سمع ذلك يزيد الطائش المغرور طار لبه فرحا وسرورا فانبرى إليه قائلا :

« أو ترى ذلك يتم؟ »

« نعم ».

ومضى يزيد مستعجلا الى أبيه فأخبره بمقالة المغيرة ، فارتاح معاوية بذلك وبعث بالوقت خلفه فعرض عليه مقالته ليزيد فأجابه بصدور ذلك منه ثم انبرى إليه يحفزه على تحقيق هذه الفكرة قائلا له مقال المنافق الذي لا يعرف الخير ولا يفكر به :

« يا أمير المؤمنين ، قد رأيت ما كان من سفك الدماء والاختلاف بعد عثمان. وفي يزيد منك خلف فاعقد له ، فان حدث بك حدث كان كهفا للناس وخلفا منك ، ولا تسفك دماء ، ولا تكون فتنة!! »

وأصابت هذه الكلمات الهدف المقصود لمعاوية فقال له مخادعا ومستشيرا :

« ومن لي بهذا؟ »

٤٢١

« أكفيك أهل الكوفة ، ويكفيك زياد أهل البصرة ، وليس بعد هذين المصرين أحد يخالفك. »

فاستحسن معاوية رأيه ، وأجازه على ذلك فأقره فى عمله ، ثم أمره بالخروج الى الكوفة ليعمل على تحقيق ذلك ، ولما انصرف عنه اجتمع بقومه فبادروه بالسؤال عن مصيره فأجابهم بما جلبه من البلاء والفتن لعموم المسلمين من أجل غايته قائلا :

« لقد وضعت رجل معاوية فى غرز بعيد الغاية على أمة محمد (ص) وفتقت عليهم فتقا لا يرتق أبدا » وتمثل :

بمثلي شاهد النجوى وغالى

بي الأعداء والخصم الغضابا

وسار المغيرة حتى انتهى الى الكوفة ، ففاوض بمهمته جماعة ممن عرفهم بالولاء والإخلاص للبيت الأموي فأجابوه الى ما أراد فأوفد منهم عشرة الى معاوية بعد أن أرشاهم بثلاثين ألف درهم ، وجعل عليهم عميدا ولده موسى ، فلما انتهوا الى معاوية حبذوا له الأمر ودعوه الى انجازه فشكرهم معاوية ، وأوصاهم بكتمان الأمر ، ثم التفت الى ابن المغيرة فساره قائلا :

« بكم اشترى أبوك من هؤلاء دينهم؟ »

ـ بثلاثين ألف درهم.

فضحك معاوية وقال :

« لقد هان عليهم دينهم »(1) .

لقد توصل معاوية الى تحقيق ذلك بشراء الأديان والضمائر والى الاعتماد

__________________

(1) تأريخ الطبري 6 / 169 ، الكامل لابن الأثير 3 / 214 ، وكان قدوم المغيرة على معاوية في سنة 45 ، ففي هذه السنة عمل معاوية مقدمات البيعة لولده.

٤٢٢

على الوسائل التي لم يألفها المسلمون ، ولم يقرها الدين.

وفود الأمصار :

ووجه معاوية دعوة رسمية الى جميع الشخصيات الرفيعة فى العالم الإسلامى يدعوهم الى الحضور في دمشق ليفاوضهم في أمر البيعة ليزيد ، فلما حضروا عنده دعا الضحاك بن قيس الفهري سرّا وقال له :

« إذا جلست على المنبر ، وفرغت من بعض موعظتي وكلامى ، فاستاذني للقيام ، فاذا أذنت لك فاحمد الله تعالى ، واذكر يزيد وقل فيه الذي يحق له عليك ، من حسن الثناء عليه ، ثم ادعني الى توليته من بعدي فاني قد رأيت وأجمعت على توليته ، فاسأل الله في ذلك ، وفى غيره الخيرة وحسن القضاء ».

ثم دعا فريقا آخر من الأذناب والعملاء الذين هان عليهم دينهم فباعوه بأبخس الأثمان ، فأمرهم بتصديق مقالة الضحاك وتأييد فكرته ، وهم : عبد الرحمن بن عثمان الثقفي ، وعبد الله بن مسعدة الفزاري ، وثور بن معن السلمي ، وعبد الله بن عصام الأشعري ، فاستجابوا لدعوته ، ونزى معاوية على المنبر فحدث الناس بما شاء أن يتحدث به ، وبعد الفراغ من حديثه انبرى إليه الضحاك فاستأذنه بالكلام فأذن له ، فقال بعد حمد الله والثناء عليه : « أصلح الله أمير المؤمنين ، وأمتع به ، إنا قد بلونا الجماعة والألفة والاختلاف ، والفرقة ، فوجدناها ألمّ لشعثنا ، وأمنة لسبلنا ، وحاقنة لدمائنا وعائدة علينا فى عاجل ما نرجو ، وآجل ما نؤمل ، مع ما ترجو به الجماعة من الألفة ، ولا خير لنا أن نترك سدى ، والأيام عوج رواجع والله يقول : « كل يوم هو في شأن » ، ولسنا ندري ما يختلف به العصران ، وأنت

٤٢٣

يا أمير المؤمنين ميت كما مات من كان قبلك من أنبياء الله وخلفائه ، نسأل الله بك المتاع ، وقد رأينا من دعة يزيد بن أمير المؤمنين ، وحسن مذهبه وقصد سيرته ، ويمن نقيبته ، مع ما قسم الله له من المحبة في المسلمين ، والشبه بأمير المؤمنين ، في عقله ، وسياسته وشيمته المرضية ، ما دعانا الى الرضا به في امورنا ، والقنوع به في الولاية علينا ، فليوله أمير المؤمنين ـ أكرمه الله ـ عهده ، وليجعله لنا ملجأ ومفزعا بعده ، نأوي إليه إن كان كون ، فانه ليس أحد أحق بها منه ، فاعزم على ذلك عزم الله لك في رشدك ، ووفقك في امورنا ».

ودل هذا الكلام على أن صاحبه رجل سوء ونفاق ، فقد عمد الى سحق جميع القيم الإنسانية في سبيل أطماعه ومنافعه.

ولما فرغ الضحاك من مقالته انبرى من بعده زملاؤه فأيدوا مقالته ، وأخذوا ينسبون ليزيد فضائل المحسنين ، ويضفون عليه مواهب العبقريين ، ويطلقون عليه الألقاب الضخمة ، والنعوت الشريفة التي اتصف بعكسها ، وأخذوا يموهون على المجتمع أنهم إنما تكلموا من صالحه واسعاده ، وهم ـ يعلم الله ـ إنما أرادوا هلاكه وتحطيمه ، والقضاء على نواميسه ومقدساته وبعد ما انتهى حديث هؤلاء التفت معاوية الى الوفد العراقي ليسمع رأيه وكان شخصية الوفد الأحنف بن قيس حليم العرب وسيد تميم فطلب منه معاوية الرأي فى الأمر ، فقام الأحنف خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم التفت الى معاوية قائلا :

« أصلح الله أمير المؤمنين ، ان الناس قد أمسوا فى منكر زمان قد سلف ، ومعروف زمان مؤتنف ، ويزيد بن أمير المؤمنين ، نعم الخلف وقد حلبت الدهر أشطره يا أمير المؤمنين فاعرف من تسند إليه الأمر من

٤٢٤

بعدك ، ثم اعص أمر من يأمرك ، لا يغررك من يشير عليك ، ولا ينظر لك وأنت أنظر للجماعة ، وأعلم باستقامة الطاعة ، مع أن أهل الحجاز وأهل العراق لا يرضون بهذا ، ولا يبايعون ليزيد ما كان الحسن حيا » :

لقد منح الأحنف النصيحة الى معاوية وأرشده الى الحق فأشار عليه بعدم سماع أقوال المرتزقين الذين ينظرون الى صالح أنفسهم أكثر مما ينظرون لصالحه ، وبيّن له أن العراقيين والحجازيين لا يرضون بهذه البيعة ما دام حفيد الرسول وسبطه الأول حيا ، وقد اثارت هذه الكلمات غضب النفعيين والمرتشين الذين تذرع معاوية بهم الى تحقيق هدفه فقام إليه الضحاك بن قيس فندد بمقالته وشتم العراقيين وهذا نص كلامه :

« أصلح الله أمير المؤمنين ، إن أهل النفاق من أهل العراق مروءتهم في أنفسهم الشقاق ، والفتهم في دينهم الفراق ، يرون الحق على أهوائهم كأنما ينظرون بأقفائهم ، اختالوا جهلا وبطرا ، لا يرقبون من الله راقبة ، ولا يخافون وبال عاقبة ، اتخذوا ابليس لهم ربا ، واتخذهم ابليس حزبا ، فمن يقاربوه لا يسروه ، ومن يفارقوه لا يضروه ، فادفع رأيهم يا أمير المؤمنين فى نحورهم ، وكلامهم في صدورهم ، ما للحسن وذوي الحسن في سلطان الله الذي استخلف به معاوية في أرضه؟ هيهات لا تورث الخلافة عن كلالة ، ولا يحجب غير الذكر العصبة ، فوطنوا أنفسكم يا أهل العراق على المناصحة لإمامكم ، وكاتب نبيكم وصهره ، يسلم لكم العاجل ، وتربحوا من الآجل ».

ولم نحسب أن العراق قد ذم بمثل هذا الذم الفظيع ، أو وصم بمثل هذه الامور ، ولكن العراقيين هم الذين جروا لأنفسهم هذا البلاء وتركوا هذا الوغد وأمثاله يحط من كرامتهم ، ويتطاول عليهم.

٤٢٥

وعلى أي حال ، فان الأحنف لم يذعن لمعاوية ولم يعتن بمقالة الضحاك فقد انبرى يهدد معاوية باعلان الحرب إن أصرّ على تنفيذ فكرته قائلا :

« يا أمير المؤمنين ، إنا قد فررنا(1) عنك قريشا فوجدناك أكرمها زندا ، وأشدها عقدا ، وأوفاها عهدا ، قد علمت أنك لم تفتح العراق عنوة ، ولم تظهر عليها قعصا ، ولكنك أعطيت الحسن بن علي من عهود الله ما قد علمت ليكون له الأمر من بعدك ، فان تف فأنت أهل الوفاء وإن تغدر تعلم ، والله إن وراء الحسن خيولا جيادا ، وأذرعا شدادا ، وسيوفا حدادا ، إن تدن له شبرا من غدر ، تجد وراءه باعا من نصر ، وإنك تعلم أن أهل العراق ما أحبوك منذ أبغضوك ، ولا أبغضوا عليا وحسنا منذ أحبوهما ، وما نزل عليهم فى ذلك غير من السماء ، وإن السيوف التي شهروها عليك مع علي يوم صفين لعلى عواتقهم ، والقلوب التي أبغضوك بها لبين جوانحهم ، وأيم الله إن الحسن لأحب لأهل العراق من علي ».

لقد بالغ الأحنف فى نصح معاوية ، وذكر له تمسك العراقيين بولاء أهل البيت (ع) وان اخلاصهم للإمام الحسن أكثر من أبيه ، وهم على استعداد الى مناجزته إن نفذ بيعة يزيد ، وانطلق عبد الرحمن بن عثمان فندد بمقالة الأحنف ، وحرض معاوية على تنجيز مهمته قائلا له :

« أصلح الله أمير المؤمنين ، ان رأي الناس مختلف ، وكثير منهم منحرف ، لا يدعون أحدا الى رشاد ، ولا يجيبون داعيا الى سداد ، مجانبون لرأي الخلفاء ، مخالفون لهم في السنة والقضاء ، وقد وقفت ليزيد فى أحسن القضية وأرضاها لحمل الرعية ، فاذا خار الله لك فاعزم ثم اقطع قالة الكلام فان يزيد أعظمنا حلما وعلما ، وأوسعنا كنفا ، وخيرنا سلفا ، قد

__________________

(1) فررنا : أي بحثنا وفتشنا.

٤٢٦

أحكمته التجارب ، وقصدت به سبل المذاهب فلا يصرفنك عن بيعته صارف ، ولا يقفن بك دونها واقف ، ممن هو شاسع عاص ينوص للفتنة كل مناص لسانه ملتو ، وفي صدره داء دوّى ، إن قال فشر قائل ، وإن سكت فذو دغائل ، قد عرفت من هم أولئك وما هم عليه لك من المجانبة للتوفيق والكلف للتفريق فاجعل ببيعته عنا الغمة ، واجمع به شمل الأمّة ، فلا تحد عنه إذا هديت له ، ولا تنش عنه إذا وقفت له ، فان ذلك الرأي لنا ولك ، والحق علينا وعليك ، اسأل الله العون وحسن العاقبة لنا ولك ».

وصورت لنا هذه الكلمات ضميرا قلقا ، ونفسا أثيمة ، قد اعتنقت الشر ، وابتعدت عن الخير ، وانبرى معاوية يهدد من لا يوافقه على رغبته ليفرض على المجتمع الخضوع لفكرته ، والرضا ببيعة يزيد قائلا :

« أيها الناس : إن لإبليس إخوانا وخلاّنا ، بهم يستعد ، وإياهم يستعين ، وعلى ألسنتهم ينطق ، إن رجوا طمعا أو جفوا ، وإن استغنى عنهم أرجفوا ، ثم يلحقون الفتن بالفجور ، ويشققون لها حطب النفاق ، عيابون مرتابون ، إن ولوا عروة أمر حنقوا ، وإن دعوا الى غي أسرفوا وليسوا أولئك بمنتهين ، ولا بمقلعين ، ولا متعظين ، حتى تصيبهم صواعق خزي وبيل ، وتحل بهم قوارع أمر جليل ، تجتث اصولهم كاجتثاث اصول الفقع(1) فأولى لأولئك ثم أولى ، فانا قد قدما وأنذرنا إن أغنى التقدم شيئا أو نفع النذر ».

بمثل هذا الإرهاب الفظيع الذي لم يعهد له نظير تذرع معاوية الى تحقيق فكرته ، ثم استدعى الضحاك بن قيس فولاه الكوفة جزاء لكلامه

__________________

(1) الفقع : بالفتح والكسر ، البيضاء الرخوة من الكماة.

٤٢٧

بعد هلاك المغيرة ، واستدعى عبد الرحمن فولاه الجزيرة ، وقام يزيد بن المقفع رافعا عقيرته قائلا :

« أمير المؤمنين هذا ـ وأشار الى معاوية ـ ».

ثم قال : « فإن هلك ، فهذا ـ وأشار الى يزيد ـ ».

ثم قال : « فمن أبى ، فهذا ـ وأشار الى السيف ـ!!! »

فاستحسن معاوية كلامه وقال له :

« اجلس ، فأنت سيد الخطباء وأكرمهم!! »

بهذا اللون من الإرهاب فرض معاوية ابنه الفاسق الفاجر خليفة على المسلمين ، فلولا السيف لما وجد الى ذلك سبيلا. ولما رأى الأحنف بن قيس تصميم معاوية على فكرته وعدم تنازله عنها انبرى إليه قائلا :

« يا أمير المؤمنين : أنت أعلمنا بليله ونهاره ، وبسره وعلانيته ، فان كنت تعلم أنه خير لك فوله واستخلفه ، وإن كنت تعلم أنه شر لك ، فلا تزوده الدنيا وأنت صائر الى الآخرة ، فانه ليس لك من الآخرة إلا ما طاب ، واعلم أنه لا حجة لك عند الله إن قدمت يزيد على الحسن والحسين وأنت تعلم من هما ، وإلى ما هما ، وإنما علينا أن نقول : سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير »(1) .

ولم يعتن معاوية بمقالة الأحنف ونصحه ، ولم يفكر في مصير المسلمين إذا استخلف عليهم ولده قرين الفهود والمدمن على الخمور ، وأخذ معاوية ولده يزيد فأجلسه فى قبة حمراء وبايعه بولاية العهد وأمر الناس بمبايعته ، وأقبل بعض العملاء فسلم عليهما ثم أقبل على معاوية فقال له :

« يا أمير المؤمنين : اعلم انك لو لم تول هذا ـ وأشار الى يزيد ـ

__________________

(1) الامامة والسياسة 1 / 174 ـ 180.

٤٢٨

أمور المسلمين لاضعتها ».

فالتفت معاوية الى الأحنف :

« ما بالك لا تقول يا أبا بحر؟ »

ـ أخاف الله إذا كذبت ، وأخافكم إذا صدقت.

ـ جزاك الله على الطاعة خيرا.

وخرج الأحنف فلقيه ذلك الرجل بعد أن أجزل له معاوية بالعطاء فقال للأحنف معتذرا من مقالته :

« يا أبا بحر : إني لأعلم ان شر من خلق الله هذا وابنه ـ يعنى معاوية ويزيد ـ ولكنهم استوثقوا من هذه الأموال بالأبواب والأقفال ، فليس يطمع في استخراجها إلا بما سمعت »(1) .

لقد أحدث معاوية بهذه البيعة المشومة صدعا في الإسلام ، وقد صور لنا الشاعر الموهوب عبد الله بن هشام السلولي بمقطوعته الرائعة جزعه وجزع خيار المسلمين من خلافة يزيد بقوله :

فان تأتوا برملة أو بهند

نبايعها أميرة مؤمنينا

إذا ما مات كسرى قام كسرى

نعد ثلاثة متناسقينا

فيا لهفا لو أن لنا ألوفا

ولكن لا نعود كما عنينا

إذا لضربتموا حتى تعودوا

بمكة تلعقون بها السخينا

خشينا الغيظ حتى لو شربنا

دماء بني أميّة ما روينا

لقد ضاعت رعيتكم وأنتم

تصيدون الأرانب غافلينا(2)

لقد ذعر المسلمون في جميع أقطار الأرض من هذا الحادث الخطير

__________________

(1) تاريخ ابن خلكان 1 / 230 ، التمدن الإسلامى 4 / 76 ـ 77.

(2) مروج الذهب 2 / 339.

٤٢٩

لأن الخلافة عندهم ليست كسروية ولا قيصرية حتى تورث بل أمرها شورى بين المسلمين يختارون لخلافتهم من أحبوا وذلك عند الجمهور من أبناء السنة والجماعة ، وأما عند الشيعة فإنها حق شرعي لأمير المؤمنين وأولاده الطيبين كما نصّ النبي (ص) على ذلك.

ومهما يكن من شيء فإن معاوية بعد ما أخذ البيعة ليزيد من أهل دمشق رفع مذكرة الى جميع عماله يطلب فيها أخذ البيعة ليزيد من جميع المواطنين ، واستجاب جميع عماله لذلك سوى مروان بن الحكم فإنه قد ورم أنفه لصرف الأمر عنه وهو شيخ الأمويين بعد معاوية ، وتوجّه فورا بحاشيته الى دمشق ، فلما مثل عند معاوية انبرى إليه وهو مغيظ قائلا :

« أقم الامور يا ابن أبي سفيان ، واعدل عن تأميرك الصبيان ، واعلم أن لك من قومك نظراء ، وأن لك على مناوءتهم وزراء ».

فاندفع إليه معاوية يخادعه قائلا له بناعم القول :

« أنت نظير أمير المؤمنين ، وعدته في كل شديدة ، وعضده ، والثاني بعد ولي عهده. »

ثم أعطاه ولاية العهد حيلة منه ومكرا وأخرجه من عاصمته مكرما فلما وصل الى يثرب عزله عن منصبه(1) وجعل مكانه سعيد بن العاص وقيل الوليد بن عاقبة ، وكتب إليه أن يأخذ البيعة من أهل المدينة لولده إلا انه فشل أخيرا فى أداء مهمته فقد أصرت الجماهير على رفض دعوة معاوية وعدم طاعته في شأن خليفته الجديد ، خصوصا الشخصيات الرفيعة من أبناء المهاجرين والأنصار فإنهم قد شجبوا ذلك وأعلنوا سخطهم وإنكارهم على معاوية ، فإنهم كانوا يحقرون يزيد ويأنفون أن يعد في مصافهم ،

__________________

(1) مروج الذهب 2 / 330.

٤٣٠

فضلا عن أن يكون خليفة عليهم.

سفرة معاوية الاولى بشرب :

ورأى معاوية بعد امتناع المدنيين عن بيعة يزيد واجماعهم على رفضها أن ينطلق بنفسه الى المدينة ليفاوض أهل الحل والعقد ، وليشتري الذمم والضمائر بالأموال ، ويتوعد ويرهب من لم يخضع للمادة ليفوز ولده بالخلافة وسافر من أجل هذه الغاية الى يثرب وذلك سنة خمسين من الهجرة ، فلما انتهى إليها بعث فورا نحو عبد الله بن عباس ، وعبد الله بن جعفر ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن الزبير. فلما حضروا عنده أمر حاجبه أن لا يسمح لأحد بالدخول عليه حتى يخرج هؤلاء النفر من عنده ثم التفت إليهم قائلا :

« الحمد لله الذي أمرنا بحمده ، ووعدنا عليه ثوابه ، نحمده كثيرا كما أنعم علينا كثيرا ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله.

أما بعد : فإني قد كبر سني ، ووهن عظمي ، وقرب أجلي ، وأوشكت أن أدعى فأجيب ، وقد رأيت أن أستخلف بعدي يزيد ، ورأيته لكم رضا ، وأنتم عبادلة قريش وخيارهم ، وأبناء خيارهم ، ولم يمنعني أن أحضر حسنا وحسينا إلا أنهما أولاد أبيهما علي ، على حسن رأيي فيهما ، وشديد محبتي لهما فردوا على أمير المؤمنين خيرا ، رحمكم الله ».

وقد احتوى كلامه على اللين والمدح والثناء ، ولكن هؤلاء الأبطال الذين هم نخبة العرب والمسلمين رأيا وإقداما ، لم يذعنوا لمعاوية وردوا عليه مقاله وعرفوه بمن هو أهل للخلافة وأول من تكلم منهم حبر الأمّة عبد الله

٤٣١

ابن عباس فقال :

« الحمد لله الذي ألهمنا أن نحمده ، واستوجب علينا الشكر على آلائه وحسن بلائه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وصلى الله على محمد وآل محمد.

أما بعد : فانك قد تكلمات فأنصتنا ، وقلت فسمعنا ، وإن الله جل ثناؤه ، وتقدست أسماؤه اختار محمدا (ص) لرسالته ، واختاره لوحيه ، وشرّفه على خلقه ، فأشرف الناس من تشرف به ، وأولاهم بالأمر أخصهم به ، وإنما على الأمّة التسليم لنبيها ، إذا اختاره الله لها ، فإنه إنما اختار محمدا (ص) بعلمه ، وهو العليم الخبير ، واستغفر الله لي ولكم ».

وتكلم من بعده عبد الله بن جعفر فقال :

« الحمد لله أهل الحمد ومنتهاه : نحمده على إلهامنا حمده ، ونرغب إليه في تأدية حقه ، وأشهد أن لا إله إلا الله واحدا صمدا ، لم يتخذ صاحبة ولا ولدا ، وأن محمدا عبده ورسوله (ص).

أما بعد : فان هذه الخلافة إن أخذ فيها بالقرآن ، فأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ، وإن أخذ فيها بسنة رسول الله (ص) فأولو رسول الله (ص) ، وإن أخذ فيها بسنة الشيخين أبي بكر وعمر فأي الناس أفضل وأكمل وأحق بهذا الأمر من آل الرسول؟ وأيم الله لو ولوه بعد نبيهم لوضعوا الأمر موضعه لحقه وصدقه ، ولأطيع الرحمن وعصي الشيطان ، وما اختلف في الأمّة سيفان ، فاتق الله يا معاوية ، فانك قد صرت راعيا ، ونحن رعية ، فانظر لرعيتك ، فانك مسئول عنها غدا ، وأما ما ذكرت من ابني عمي ، وتركك أن تحضرهما ، فو الله ما أصبت الحق ، ولا يجوز لك ذلك إلا بهما ، وإنك لتعلم انهما معدن العلم

٤٣٢

والكرم ، فقل أودع واستغفر الله لي ولكم ».

وبيّن عبد الله بن جعفر استحقاق أهل البيت (ع) للخلافة على جميع الوجوه فان كان مدرك استحقاقها القرآن الكريم فأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض ، وإن كانت السنة المقدسة قال الرسول أولى بالأمر من غيرهم ، وإن كانت سنة الشيخين قال الرسول (ص) أولى بالأمر وذلك لمواهبهم وكمالهم وتقدمهم على غيرهم بالعلم والفضل ، ثم بيّن الأضرار الناجمة من ترك الأمّة لهم وعدم اتباعهم ، وانبرى من بعده عبد الله بن الزبير فقال :

« الحمد لله الذي عرفنا دينه ، وأكرمنا برسوله ، أحمده على ما أبلى وأولى ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله.

أما بعد : فان هذه الخلافة لقريش خاصة ، تتناولها بمآثرها السنية وأفعالها المرضية ، مع شرف الآباء وكرم الأبناء ، فاتق الله يا معاوية وأنصف نفسك ، فإن هذا عبد الله بن عباس ابن عم رسول الله (ص) ، وهذا عبد الله بن جعفر ذي الجناحين ابن عم رسول الله (ص) ، وأنا عبد الله بن الزبير ابن عمة رسول الله ، وعلي خلف حسنا وحسينا وأنت تعلم من هما ، وما هما ، فاتق الله يا معاوية ، وأنت الحاكم بيننا وبين نفسك ».

وقد رشح ابن الزبير هؤلاء النفر للخلافة ، وحفزهم لمعارضة معاوية وإفساد مهمته ، وانبرى من بعده عبد الله بن عمر فقال :

« الحمد لله الذي أكرمنا بدينه ، وشرفنا بنبيه (ص).

أما بعد : فإن هذه الخلافة ليست بهرقلية ، ولا قيصرية ، ولا كسروية يتوارثها الأبناء عن الآباء ، ولو كان كذلك كنت القائم بها بعد أبي ، فو الله ما أدخلنى مع الستة من أصحاب الشورى إلا على أن الخلافة ليست

٤٣٣

شرطا مشروطا ، وإنما هي في قريش خاصة ، لمن كان لها أهلا ممن ارتضاه المسلمون لأنفسهم ممن كان أتقى وأرضى ، فإن كنت تريد الفتيان من قريش فلعمري إن يزيد من فتيانها ، واعلم انه لا يغني عنك من الله شيئا ».

لقد شجب ابن عمر بيعة يزيد ولكنه لم يلبث أن سمع وأطاع وبايع له لأن معاوية قد أرشاه بمائة ألف دينار(1) وبذلك فقد باع عليه ضميره ودينه.

ومهما يكن من شيء فان معاوية قد ثقل عليه كلام هؤلاء النفر فلقد جابهوه بعدم صلاحية ابنه للخلافة ، وانهم أولى بها منه ، وانبرى إليهم مجيبا :

« قد قلت وقلتم ، وإنه قد ذهبت الآباء وبقيت الأبناء ، فابني أحب إلي من أبنائهم ، مع ان ابني إن قاولتموه وجد مقالا ، وإنما كان هذا الأمر لبني عبد مناف لأنهم أهل رسول الله (ص) فلما مضى رسول الله ولىّ الناس أبا بكر وعمر من غير معدن الملك والخلافة ، غير أنهما سارا بسيرة جميلة ثم رجع الملك الى بني عبد مناف فلا يزال فيهم الى يوم القيامة وقد أخرجك الله يا ابن الزبير وأنت يا ابن عمر منها ، فأما ابنا عمي هذان فليسا بخارجين من الرأي إن شاء الله ».

وعلى أي حال فقد فشل معاوية فى مهمته ونزح عن يثرب وولى الى عاصمته ، وأعرض عن ذكر بيعة يزيد(2) فلقد عرف انها لا تتم ما دام الحسن حيا ، فأخذ يطيل التفكير في كيفية اغتيال الإمام حتى يتم له الأمر وقد توصل الى ما أراد ، فاغتاله بالسم كما سنبينه عند نهاية المطاف من هذا الكتاب.

__________________

(1) سنن البيهقي 8 / 159 ، تأريخ ابن كثير 8 / 137 ، فتح الباري 13 / 59.

(2) الامامة والسياسة 1 / 180 ـ 183 ، جمهرة الخطب 2 / 233 ـ 236.

٤٣٤

لقد اتخذ معاوية بعد اغتياله للإمام جميع التدابير ، واعتمد على جميع الوسائل فى ارغام المسلمين على بيعة يزيد ، وفرضه حاكما عليهم ، وقد راسل الوجوه من أبناء المهاجرين والأنصار يدعوهم الى ذلك ، وذكر المؤرخون نصوص رسائله مع أجوبتهم له ، وقد كتب الى الإمام الحسينعليه‌السلام ما نصه :

« أما بعد : فقد انتهت إلي منك امور ، لم أكن أظنك بها رغبة عنها ، وإن أحق الناس بالوفاء لمن أعطى بيعة من كان مثلك ، في خطرك وشرفك ، ومنزلتك التي أنزلك الله بها ، فلا تنازع الى قطيعتك ، واتق الله ، ولا تردن هذه الأمّة في فتنة ، وانظر لنفسك ودينك وأمّة محمد ، ولا يستخفنك الذين لا يوقنون »

وأجابه أبو الشهداء (ع) فذكر له الاحداث الجسام التي ارتكبها وعرض عليه ما مني به المسلمون من الظلم والجور فى دوره ، وقد استشهدنا ببعض فصوله للاستدلال به على شجب الإمام الحسين (ع) لموبقات معاوية وقد جاء فى آخر جوابه ما لفظه :

« وقلت فيما قلت : لا ترد هذه الأمّة في فتنة. وإني لا أعلم فتنة لها أعظم من امارتك عليها.

وقلت فيما قلت : انظر لنفسك ولدينك ، ولأمّة محمد ، وإني والله ما أعرف أفضل من جهادك ، فإن أفعل فإنه قربة الى ربي ، وإن لم أفعل فأستغفر الله لذنبي وأسأله التوفيق لما يحب ويرضى.

وقلت فيما قلت : متى تكدني أكدك ، فكدني يا معاوية فيما بدا لك فلعمري لقديما يكاد الصالحون ، وإني لأرجو أن لا تضر إلا نفسك ، ولا تمحق إلا عملك ، فكدني ما بدا لك.

٤٣٥

واتق الله يا معاوية ، واعلم أن لله كتابا لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها! واعلم أن الله ليس بناس لك ، قتلك بالظنة ، وأخذك بالتهمة وامارتك صبيا يشرب الخمر ، ويلعب بالكلاب!! ما أراك إلا وقد أوبقت نفسك ، وأهلكت دينك ، وأضعت الرعية والسلام. »(1)

ولم يجد مع ابن هند النصح ، ولا التحذير من عقوبة الله ، فقد راح يعمل بوحي من جاهليته الى ضرب الإسلام ، والى ارغام المسلمين على مبايعة يزيد المستحل لجميع ما حرم الله.

سفره الثاني الى يثرب :

ولما رأى معاوية أن خيار الصحابة ، وأبناء المهاجرين والأنصار لم يستجيبوا لدعوته ، وأصروا على رفض بيعة يزيد سافر مرة أخرى الى يثرب ، وقد أحاط نفسه بالقوى العسكرية ليرغم الجبهة المعارضة على الاستجابة له ، وفي اليوم الثاني من قدومه أرسل الى الإمام الحسين ، والى عبد الله بن عباس ، وسبق ابن عباس فأجلسه معاوية عن يساره وشاغله بالحديث حتى أقبل الحسين (ع) فأجلسه عن يمينه وسأله عن بني الحسن وعن أسنانهم فاخبره بذلك ، وخطب معاوية خطبة أشاد فيها بيزيد ، وذكر علمه بالقرآن والسنة ، وحسن سياسته ، ثم دعاهم الى بيعته والى الاستجابة لقوله.

خطبة الامام الحسين :

وقام أبي الضيم بعد خطاب معاوية فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :

__________________

(1) الإمامة والسياسة 1 / 188 ـ 190.

٤٣٦

« أما بعد : يا معاوية ، فلن يؤدي القائل وإن أطنب في صفة الرسول (ص) من جميع جزءا ، وقد فهمت ما لبست به الخلف بعد رسول الله (ص) من ايجاز الصفة ، والتنكب عن استبلاغ النعت ، وهيهات هيهات يا معاوية ، فضح الصبح فحمة الدجى ، وبهرت الشمس أنوار السرج ، ولقد فضلت حتى أفرطت ، واستأثرت حتى أجحفت ، ومنعت حتى بخلت ، وجرت حتى جاوزت ، ما بذلت لذي حق من اسم حقه من نصيب ، حتى أخذ الشيطان حظه الأوفر ، ونصيبه الأكمل.

وفهمت ما ذكرته عن يزيد من اكتماله وسياسته لأمّة محمد ، تريد أن توهم الناس في يزيد ، كأنك تصف محجوبا ، أو تنعت غائبا ، أو تخبر عما كان مما احتويته بعلم خاص ، وقد دل يزيد من نفسه على موقع رأيه ، فخذ ليزيد فيما أخذ به من استقرائه الكلاب المهارشة عند التحارش والحمام السبّق لأترابهن ، والقيان ذوات المعازف ، وضروب الملاهي تجده ناصرا.

ودع عنك ما تحاول!! فما أغناك أن تلقي الله بوزر هذا الخلق بأكثر مما أنت لاقيه ، فو الله ما برحت تقدح باطلا في جور ، وحنقا في ظلم ، حنى ملأت الأسقية ، وما بينك وبين الموت إلا غمضة ، فتقدم على عمل محفوظ في يوم مشهود ، ولات حين مناص ، ورأيتك عرضت بنا بعد هذا الأمر ، ومنعتنا عن آبائنا تراثا ، ولقد لعمر الله أورثنا الرسول (ص) ولادة ، وجئت لنا بها ما حججتم به القائم عند موت الرسول فاذعن للحجة بذلك ، ورده الإيمان الى النصف ، فركبتم الأعاليل ، وفعلتم الأفاعيل وقلتم كان ويكون حتى أتاك الأمر يا معاوية من طريق كان قصدها لغيرك فهناك فاعتبروا يا اولي الأبصار.

٤٣٧

وذكرت قيادة الرجل القوم بعهد رسول الله (ص) وتأميره له ، وقد كان ذلك ، ولعمرو بن العاص يومئذ فضيلة بصحبة الرسول وبيعته له ، وما صار لعمر الله يومئذ مبعثهم حتى أنف القوم إمرته ، وكرهوا تقديمه ، وعدوا عليه أفعاله ، فقال (ص) : لا جرم معشر المهاجرين لا يعمل عليكم بعد اليوم غيري ، فكيف تحتج بالمنسوخ من فعل الرسول فى أوكد الأحكام ، وأولاها بالمجتمع عليه من الصواب؟ أم كيف صاحبت بصاحب تابعا ، وحولك من لا يؤمن في صحبته ، ولا يعتمد فى دينه وقرابته وتتخطاهم الى مسرف مفتون ، تريد أن تلبس الناس شبهة يسعد بها الباقي فى دنياه ، وتشقى بها في آخرتك ، إن هذا لهو الخسران المبين ، واستغفر الله لي ولكم. »

وذهل معاوية فنظر الى ابن عباس فقال له :

« ما هذا يا ابن عباس؟؟ »

« لعمر الله إنها لذرية الرسول ، وأحد أصحاب الكساء ، ومن البيت المطهر ، قاله عما تريد ، فإن لك في الناس مقنعا حتى يحكم الله بأمره وهو خير الحاكمين »(1) .

وانصرف الإمام (ع) وترك الأسى يحر في نفس معاوية ، واعتمد معاوية بعد ذلك على جميع وسائل العنف والإرهاب ، فقد روى المؤرخون أنه لما كان في مكة أحضر الإمام الحسين ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الرحمن ابن أبي بكر ، وابن عمر وقال لهم : إني أتقدم إليكم ، إنه قد أعذر من أنذر ، إني كنت أخطب فيكم ، فيقوم إليّ القائم منكم فيكذبني على رءوس الناس ، فأحمل ذلك وأصفح. وإني قائم بمقالة ، فأقسم بالله لئن ردّ عليّ

__________________

(1) الإمامة والسياسة 1 / 195 ـ 196.

٤٣٨

أحدكم كلمة فى مقامى هذا ، لا ترجع إليه كلمة غيرها حتى يسبقها السيف الى رأسه ، فلا يبقينّ رجل إلا على نفسه!

ودعا صاحب حرسه بحضورهم فقال له : أقم على رأس كل رجل من هؤلاء رجلين ومع كل واحد سيف ، فان ذهب رجل يردّ عليّ كلمة بتصديق أو تكذيب فليضرباه بسيفيهما؟!

وخرج وخرجت الجماعة معه فنزى على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :

« إن هؤلاء الرهط سادة المسلمين وخيارهم ، لا يبتز أمر دونهم ، ولا يقضى إلا عن مشورتهم ، وانهم قد رضوا وبايعوا يزيد ، فبايعوا على اسم الله »(1) .

وبهذه الوسائل الرهيبة ، والكذب السافر حمل معاوية المسلمين على بيعة يزيد وقد انتهك بذلك الحرمات ، والقى المسلمين فى الفتن والبلاء.

عائشة وبيعة يزيد :

ولم تعارض عائشة هذه البيعة المشومة ، ولم تعمل أي عمل إيجابي ضد هذه الكارثة الكبرى التي روع بها المسلمون ، وانتهكت بها حرمة الإسلام ، فقد كانت تدلي بالرأي لمعاوية في حمل المعارضين على الطاعة فقد أوصته بالرفق بهم ، واللين معهم ليستجيبوا له قائلة :

« وارفق بهم ـ أي بالمعارضين ـ فإنهم يصيرون الى ما تحب إن شاء الله!! »(2)

__________________

(1) الكامل لابن الأثير وغيره.

(2) الإمامة والسياسة.

٤٣٩

لقد وقفت عائشة هذا الموقف المؤسف من بيعة يزيد الماجن الخليع وهي من دون شك تعلم بفسقه ، وبلعبه بالفهود والقرود ، واستباحته لما حرم الله ، إن الفكر ليقف حائرا أمام موقفها هذا ، وموقفها من بيعة أمير المؤمنين (ع) الذي هو أخو النبي وأبو سبطيه ، وباب مدينة علمه ، فإنها لما أخبرت ببيعته انهارت أعصابها ، وهتفت وهي حانقة مغيظة ، وبصرها يشير الى السماء ثم ينخفض فيشير الى الأرض قائلة :

« والله ليت هذه انطبقت على هذه إن تمّ الأمر لابن أبي طالب!! »

وقفلت راجعة الى مكة تحفز الجماهير لحرب الإمام رائد العدالة الاجتماعية الكبرى في الأرض ، فقادت الجيوش لمناجزته حتى أغرقت الأرض بالدماء ، وأشاعت الثكل والحزن والحداد بين المسلمين للإطاحة بحكمه.

وعلى أي حال ، فإن موقف عائشة من بيعة يزيد ، وتأييد ابن عمر وسائر القوى النفعية لها قد أخلد للمسلمين الفتن والمصاعب وجرّ لهم الويلات والخطوب ، فقد سارت الخلافة الإسلامية تنتقل بالوراثة الى الطلقاء وأبنائهم الذين لم يألوا جاهدا في الكيد للإسلام ، وفى نشر البغي والفساد في الأرض.

٤٤٠

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793

794

795

796

797

798

799

800

801

802

803

804

805

806

807

808

809

810

811

812

813

814

815

816

817

818

819

820

821

822

823

824

825

826

827

828

829

830

831

832

833

834

835

836

837

838

839

840

841

842

843

844

845

846

847

848

849

850

851

852

853

854

855

856

857

858

859

860

861

862

863

864

865

866

867

868

869

870

871

872

873

874

875

876

877

878

879

880

881

882

883

884

885

886

887

888

889

890

891

892

893

894

895

896

897

898

899

900

901

902

903

904