اختيار معرفة الرجال

اختيار معرفة الرجال6%

اختيار معرفة الرجال مؤلف:
تصنيف: علم الرجال والطبقات
الصفحات: 904

اختيار معرفة الرجال المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 904 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 70854 / تحميل: 12305
الحجم الحجم الحجم
اختيار معرفة الرجال

اختيار معرفة الرجال

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

قال، وقال: ان أبا ذر بكى من خشية الله حتى اشتكى عينيه فخافوا عليهما، فقيل له يا أبا ذر لو دعوت الله في عينيك؟ فقال: اني عنهما لمشغول وما عناني أكبر. فقيل له: وما شغلك عنهما؟ قال: العظيمتان الجنة والنار. قال: وقيل له عند الموت يا أبا ذر ما مالك؟ قال علمي. قالوا انا نسألك عن الذهب والفضة؟ قال ما أصبح فلا امسي وما أمسي فلا أصبح لنا كندوج ندع فيه حرّ متاعنا، سمعت حبيبي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: كندوج المرء قبره.

___________________________________________________________

منحي عن الخير لا يستحق الا أن يقال: جزاه الله عني مذمة وبعادا عن الرواء والنضارة بعد رغيفي شعير اتخذ أحدهما لي غذاء به أتغذى والاخر عشاء به أتعشى وبعد شملتي صوف أتخذ لي أحدهما ازارا وبها أتزر والاخرى رداء بها أرتدي.

قوله رضى الله تعالى عنه: وما عنانى أكبر‌

بالتشديد على التفعيل من العناء باهمال العين المفتوحة قبل النون وبالمد المشقة والشدة والاذى والالم، عناه يعنيه تعنية فتعنى وهو يتعاني الشدائد والمشاق والآلام.

قوله رضى الله تعالى عنه: ما أصبح فلا أمسى وما أمسى فلا أصبح‌

على سياقه الدعاء عليه، والهمزة للدخول أي ما منه أصبح ودخل في الصباح فلا أبقاه الله الى الامساء، وما منه أمسى ودخل في المساء فلا أبقاه الله الى الاصباح والدخول في الصباح، « لنا كندوج » أي وعاء نضع فيه « حر متاعنا » حر كل شي‌ء باهمال الحاء المضمومة قبل الراء المشددة نجيبه ونفيسه وطيبه وصميمه، وأرض حرة لا سبخة فيها، وطين حر لا رمل فيه، ورملة حرة طيبة النبات ونزل في حر الوادي أي في وسطها قاله في الاساس(١) .

قوله (ص) كندوج المرء قبره‌

الكندوج بالضم على وزن صندوق شبه المخزن.

__________________

(١) أساس البلاغة: ١٢١‌

١٢١

٥٥ - محمد بن مسعود ومحمد بن الحسن البراثى، قالا حدثنا ابراهيم بن‌

___________________________________________________________

قال في القاموس: معرب كندو(١) .

قوله رحمه الله تعالى: ومحمد بن الحسن البراثى‌

في طائفة جمة من النسخ بالباء الموحدة قبل الراء والثاء المثلثة بعد الالف.

قال في القاموس: قرية من نهر الملك، أو محلة عتيقة بالجانب الغربي، وجامع براثا معروف، وأحمد بن محمد بن خالد وجعفر بن محمد وأبو شعيب البراثيون محدثون(٢) .

وقال شيخنا الشهيد في الذكرى: مسجد براثا في غربي بغداد، وهو باق الى الان رأيته وصليت فيه(٣) .

وفي بعض النسخ البراني بالراء المشددة بعد الباء الموحدة والنون بعد الالف.

قال الشيخ في باب لم: محمد بن الحسن البراني يكنى أبا بكر كاتب له رواية(٤) .

قلت: وكأنه محمد بن الحسن بن روزبه أبو بكر المدائني الكاتب نزيل الرحبة الوارد في أسناد الصحيفة الكريمة السجادية.

وفي القاموس: البرة موضع قتل فيه قابيل هابيل، والبرانية قرية ببخارا منها سهل بن محمود البراني الفقيه والنجيب محمد بن محمد البراني المحدث(٥) .

ولقد حققنا القول فيه في المعلقات على الصحيفة الكريمة(٦) .

__________________

(١) القاموس: ١ / ٢٠٥‌

(٢) القاموس: ١ / ١٦٢‌

(٣) الذكرى: ١٥٥‌

(٤) رجال الشيخ: ٤٩٧‌

(٥) القاموس: ١ / ٣٧١‌

(٦) التعليقة على الصحيفة السجادية المطبوع على هامش نور الأنوار للجزائرى: ٢٦ والكتاب سيطبع قريبا بتحقيقنا وتعليقنا عليه.

١٢٢

محمد بن فارس، قال حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن محمد بن سنان عن الحسين بن المختار، عن زيد الشحام، قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول طلب‌

___________________________________________________________

وفي نسخة عتيقة كأنها أصح النسخ « البرنانى » بنونين من حاشيتي الالف وهذا هو الصحيح في هذا الاسناد.

قال الشيخ في باب لم: محمد بن الحسن البرناني روى عنه الكشي(١) .

وقد أسلفنا تصحيح النسبة فيه، وضبطه بعضهم « البرثاني » بضم الباء الموحدة والثاء المثلثة بعد الراء نسبة الى قبيلة برثن.

قال في الصحاح: وبرثن حي من بني أسد(٢) .

قوله رحمه الله تعالى: قالا: حدثنا ابراهيم بن محمد بن فارس‌

هو النيسابوري من أصحاب أبي الحسن الثالث وأبي محمد العسكريينعليهما‌السلام ذكره الشيخ في أصحابهما(٣) .

قال في الخلاصة: لا بأس به في نفسه ولكن بعض من يروي هو عنه(٤) .

قلت: وهذه بعينها عبارة محمد بن مسعود العياشي على ما روى عنه الكشي(٥) وسيجي‌ء في الكتاب، فقول بعض شهداء المتأخرين(٦) في حاشيته على الخلاصة في كتاب الكشي ثقة في نفسه نقل لا أصل له.

قوله رحمه الله تعالى: عن الحسين بن المختار‌

هو القلانسي وقد أوضحنا لك فيما سبق استقامته وثقته.

__________________

(١) رجال الشيخ: ٥٠٩.

(٢) الصحاح: ٥ / ٢٠٧٨‌

(٣) رجال الشيخ: ٤١٠ و ٤٢٨‌

(٤) الخلاصة: ٧‌

(٥) رجال الكشى: ٤٤٦ ط نجف.

(٦) هو الشهيد الثانى في حاشيته على الخلاصة غير مطبوع.

١٢٣

أبو ذر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقيل له انه في حائط كذا وكذا، فتوجه في طلبه فوجده نائما فأعظمه أن ينبهه، فأراد ان يستبري نومه من يقظته فأخذ عسيبا يابسا فكسره ليسمعه صوته فسمعه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فرفع رأسه، فقال: يا أبا ذر تخدعني أما علمت أني أرى أعمالكم في منامي كما أراكم في يقظتي ان عيني تنامان ولا ينام قلبي.

___________________________________________________________

قولهعليه‌السلام : فأخذ عسيبا يابسا‌

باهمال العين المفتوحة وكسر السين المهملة وتسكين المثناة من تحت قبل الياء الموحدة، أي جريدة من النخل مستقيمة دقيقة.

قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ان عينى تنامان ولا ينام قلبى‌

قال السيد المكرم الرضي أخو السيد المعظم المرتضى رضي الله تعالى عنهما في كتاب مجازات الحديث: ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسّلام تنام عيناي ولا ينام قلبي. وهذا القول عند المحققين من العلماء مجاز، لأنهعليه‌السلام لو كان قلبه لا ينام على الحقيقة كقلوب الناس لكان ذلك من أكبر معجزاته وأبهر آياته، ولوجب أن تتظاهر الاخبار بنقله، كما تظاهرت بنقل غيره من أعلامه ودلالته.

ومما يحقق قولنا ما رواه عبد الله بن عباس رحمهما الله من أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله نام ونفخ فصلى ولم يتوض، فقيل له عليه الصلاة والسّلام في ذلك فقال: ليس الوضوء على من نام قاعدا انما الوضوء على من نام مضطجعا، وفي بعض الروايات أو متوركا فانه اذا نام كذلك استرخت مفاصله.

فبين عليه الصلاة والسّلام أنه لو نام مضطجعا للزمه الوضوء لاسترخاء مفاصله، فلو كان قلبه لا ينام لما وجب عليه الوضوء اذا نام مضطجعا، كما لا يجب عليه اذا نام قاعدا، وقد يجوز أن يكون المراد بقولهعليه‌السلام : تنام عيناي ولا ينام قلبي. أنه لا يعتقد في حال نومه من الرؤيا الفاسدة والمنامات المتضادة ما يعتقده غيره من سائر البشر، فيكون في حكم المستيقظ وبمنزلة المتحفظ(١) انتهى كلامه رفع مقامه.

__________________

(١) المجازات النبوية: ١٧٥ - ١٧٦‌

١٢٤

___________________________________________________________

قلت: هذا الحديث متواتر قد تظافرت وتظاهرت طرق نقله، وما ذكره من رواية ابن عباس خبر من باب الآحاد ولا تعويل عليه، والعمل في المذهب من طريق أهل البيتعليهم‌السلام أن مطلق النوم الغالب على الحواس ناقض للوضوء اضطجاعا كان أو قعودا.

فاما سبيل مغزاه من طريق العلوم البرهانية فهو: أنه قد أقر في مقره في العلوم الطبيعي وفي العلم الذي فوق الطبيعة أن النفس الانسانية اذا كانت منهمكة في جنبة البدن وفي غواشي عالم الطبيعة لم يكن طريقها في الرؤية الابصارية الا من سبيل الظاهر من ممر الجليدية.

وأما الانسان المتأله اذا صار أكيد العلاقة بعالم الملكوت وقوى ارتباط قوته القدسية بالجواهر النورية والأنوار العقلية، فتهيأ له الرؤية البصرية في اليقظة وفي النوم لا من سبيل الظاهر، بل من سبيل الباطن بانطباع الصورة في حسه المشترك واختلاس قوته المتخيلة من فيض عالم العقل لا بحضور مادة خارجية.

ومن هناك كان النبي احدى خاصياته الثلاث التي منها تستتم ضروب النبوة أن تتشبح له الملائكة فيرى من تتنزل عليه من ملائكة الله المقربين، ويسمع كلام الله منتظما على لسان روح القدس الامين باذن الله المهيمن الملك الحق المبين.

وهذا هو الذي يعبر عنه بالوحي والايحاء على ما قد أسمعناك فيما تلونا عليك من قبل، وليس يتيسر ذلك للنبي متى ما أراد وحيثما أراد، بل انما له وقت موقوت من الله سبحانه يلقى عليه فيضه اذا شاء كيف شاء، وسواء في ذلك حال النوم وحال اليقظة.

فاذن ربما يكون النبي تنام عيناه ولا ينام قلبه فيرى ويسمع في النوم ما يراه ويسمعه في اليقظة، ولكن لا من سبيل الظاهر، بل من سبيل الباطن من جهة الاتصال بالملأ الاعلى والانخراط في سلك الملكوت، ولا كذلك ساير البشر، فهذا معنى قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله تنام عيناي ولا ينام قلبي، ولم يزد أنه يبصر ويسمع في النوم كما يبصر ويسمع في اليقظة دائما في جميع أوقات النوم واليقظة فليتعرف.

١٢٥

عمار‌

٥٦ - حدثني علي بن محمد بن قتيبة النيسابوري، قال حدثنا الفضل بن شاذان عن محمد بن سنان، عن أبي خالد، عن حمران بن أعين، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال قلت: ما تقول في عمار؟ قال: رحم الله عمارا، ثلاثا قاتل مع أمير المؤمنين ( صلوات الله عليه وآله ) وقتل شهيدا. قال: قلت في نفسي ما تكون منزلة أعظم من هذه المنزلة؟ فالتفت إليّ، فقال لعلك تقول مثل الثلاثة! هيهات! قال، قلت: وما علمه انه يقتل في ذلك اليوم؟ قال: انه لما رأى الحرب لا تزداد الاشدة والقتل لا يزداد إلا كثرة ترك الصف وجاء الى أمير المؤمنينعليه‌السلام فقال يا أمير المؤمنين هو هو؟ قال: ارجع الى صفك، فقال له ذلك ثلاث مرات، كل ذلك يقول له ارجع الى صفك، فلما أن كان في الثالثة قال له نعم. فرجع الى صفه وهو يقول: اليوم ألقى الاحبة محمدا وحزبه.

___________________________________________________________

في عمار بن ياسررضي‌الله‌عنه

هو أبو اليقظان سماه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالطيب المطيب شهد بدرا، ولم يشهدها ابن من المؤمنين غيره، وشهد أحدا والمشاهد كلها مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والجمل وصفين مع أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وقتل بصفين شهيدا ودفن هناك سنة سبع وثلاثين وهو ابن ثلاث وتسعين سنة.

قولهرحمه‌الله : عن أبى خالد‌

يعني به الكابلي وقد فصلنا القول فيه سابقا.

قولهعليه‌السلام : فقال يا أمير المؤمنين هو هو؟

يعني يومنا هذا هو يومي الذي خبرني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه تقتلني فيه الفئة الباغية.

١٢٦

٥٧ - محمد بن أحمد بن أبي عوف البخاري ومحمد بن سعد بن مزيد الكشي قالا حدثنا أبو علي المحمودي محمد بن أحمد بن حماد المروزي، قال عمار بن ياسر الذي قال فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد ألقته قريش في النار: يا نار كوني بردا وسلاما على عمار كما كنت بردا وسلاما على ابراهيم، فلم تصله النار ولم يصله منها مكروه وقتلت قريش أبويه ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: صبرا آل ياسر موعدكم الجنة، ما تريدون من عمار؟ عمار مع الحق والحق مع عمار حيث كان، عمار‌

___________________________________________________________

قوله رحمه الله تعالى: محمد بن أحمد بن أبى عوف البخارى ومحمد ابن سعد(١) بن مزيد الكشى‌

قد مر ذكرهما وتحقيق القول فيهما في صدر الكتاب.

قوله: فلم تصله النار‌

بفتح التاء المضارعة وتسكين الصاد المهملة، أي لم تشوه ولم تحرقه، يقال: صلى اللحم يصليه صليا شواه وألقاه في النار للإحراق، والصلا بالفتح والقصر، والصلاء بالكسر والمد النار أو الوقود أو الشواء، ولم يصله بفتح الياء وكسر الصاد من الوصول.

وفي طائفة من النسخ « فلم يصبه » منها مكروه بالباء الموحدة بعد الصاد من الاصابة.

قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : عمار مع الحق والحق مع عمار حيث كان‌

هذا الحديث عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله صحيح ثابت الصحة عند العامة والخاصة من غير طريق واحد، وكذلك « واهدوا هدي عمار » متفق عليه لدى الجميع، يروى بفتح الهاء وكسرها واسكان الدال.

قال ابن الاثير في النهاية: الهدي السيرة والهيئة والطريقة، ومنه الحديث: واهدوا هدي عمار. أي سيروا بسيرته وتهيّؤا بهيئته، يقال: هدى هدي فلان اذا‌

__________________

(١) وفي « ن » و « س »: سعيد‌

١٢٧

___________________________________________________________

صار بسيرته(١) .

ورووا: اذا سلك الناس واديا وعمارا واديا فاسلكوا مسلك عمار.

قلت: وذلك كله اخبار منهصلى‌الله‌عليه‌وآله بأن فيما يقع بعده من الاثرة يكون العمار مع عليعليه‌السلام متبعا له متبرءا عمن يستأثر عليه صلوات الله عليه بحقه، كالمقداد وأبو ذر وسلمان وغيرهم من السابقين، كما قد سبق في الكتاب.

قال المسعودي في مروج الذهب: وقد كان عمار حين بويع عثمان بلغه قول أبي سفيان صخر بن حرب في دار عثمان في الوقت الذي بويع فيه عثمان، ودخل داره ومعه بنو أمية، قال أبو سفيان: أفيكم أحد من غيركم؟ وقد كان أعمى قالوا: لا قال: يا بني انكم تلقفتموها تلقف الكرة، فو الذي يحلف به أبو سفيان لتصيرن الى صبيانكم وراثة، فانتهره عثمان وساءه ما قال، ونمى هذا القول الى المهاجرين والانصار وغير ذلك:

فقام عمار في المسجد وقال: يا معشر قريش أما اذ صرفتم هذا الامر من أهل بيت نبيكم هاهنا مرة وهاهنا مرة، فما أنا بآمن أن ينزعه الله منكم فيضعه في غيركم، كما نزعتموه من أهله ووضعتموه في غير أهله.

وقام المقداد فقال: ما رأيت مثل الذي أوذي به أهل هذا البيت بعد نبيهم، فقال له عبد الرحمن بن عوف: وما أنت وذلك يا مقداد بن عمرو فقال: اني والله لا حبهم بحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله اياهم، وأن الحق معهم وفيهم يا عبد الرحمن، أعجب من قريش، وانما تطولهم على الناس بفضل أهل هذا البيت، قد أصفقوا على نزع سلطان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعده من أيديهم، أما وايم الله يا عبد الرحمن لو أجد على قريش أنصارا لقاتلتهم كقتالي اياهم مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم بدر(٢) .

__________________

(١) نهاية ابن الاثير: ٥ / ٢٥٣‌

(٢) مروج الذهب: ٢ / ٣٤٢‌

١٢٨

جلدة بين عيني وانفي تقتله الفئة الباغية، وقال وقت قتلهم إياه: اليوم ألقى الاحبة محمدا وحزبه، يدعوهم الى الجنة ويدعونه الى النار.

٥٨ - حمدويه وابراهيم قالا حدثنا أيوب بن نوح، عن صفوان، عن عاصم ابن حميد، عن فضيل الرسان، قال سمعت أبا داود، وهو يقول حدثني بريدة الاسلمى‌

___________________________________________________________

قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : عمار جلدة بين عينى وأنفى‌

وفي بعض النسخ جلدة ما بين عيني وأنفي، وهذا أشهر في الرواية في أصول العامة والخاصة، وذلك كناية عن شدة الاتصال والاختصاص. الجلد: قشر البدن، وجمعه الجلود.

قال في الصحاح: الجلد واحد الجلود، والجلدة أخص منه(١) .

ومتن الحديث منتظما: تقتله الفئة الباغية يدعوهم الى الجنة ويدعونه الى النار.

وأما « قال وقت قتلهم اياه اليوم ألقى الاحبة محمدا وحزبه » فكلام الراوي نقلا لقول عمار وقع في البين اقحاما.

قوله رحمه الله تعالى: عن عاصم بن حميد عن فضيل الرسان‌

الطريق حسن بالفضيل الرسان، وعالي الاسناد في الطبقة الاولى، وأبو داود من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذكره الشيخرحمه‌الله في كتاب الرجال(٢) .

وسيرد في الكتاب حديثه عن عمران بن حصين: أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر فلانا وفلانا - يعني أبا بكر وعمر - أن يسلما على عليعليه‌السلام بإمرة المؤمنين الحديث.

وبريدة الاسلمي أخوه لأمه وهو أيضا من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من السابقين الذين رجعوا الى أمير المؤمنينعليه‌السلام قاله العلامة في الخلاصة(٣) وسيرد في الكتاب‌

__________________

(١) الصحاح: ١ / ٤٥٥‌

(٢) رجال الشيخ: ٣٢‌

(٣) الخلاصة: ٢٧ وفيه بريد الاسلمى‌

١٢٩

قال سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: ان الجنة تشتاق الى ثلاثة قال فجاء أبو بكر، فقيل له: يا أبا بكر أنت الصديق وأنت ثاني اثنين اذ هما في الغار، فلو سألت رسول‌

___________________________________________________________

من ذي قبل إن شاء الله العزيز.

وذكر الشيخ في أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام بريدة الخصيب الاسلمي الخزاعي وقال: مدني عربي(١) .

وقيل: بريدة أبو الخصيب.

الصواب فيه ضم الحاء وفتح الصاد المهملتين على التصغير كزبير كما في جامع الاصول والقاموس(٢) والمغرب، وضبطه المصحفون باعجام الخاء المفتوحة واهمال الصاد المكسورة بعدها ويقال باعجام الضاد.

قوله: أنت الصديق‌

بكسر الصاد والدال المشددة المهملتين على فعيل بناء للمبالغة في التصديق.

ونحن نقول: يستبين من فزعه وحزنه في الغار، وهو مع النبي الكريم الموعود من السماء بالنصر والتأييد والامن والغلبة، وقوله « ان تصب اليوم ذهب دين الله » أنه كان ضعيف اليقين جدا في الوثوق بالله والتصديق لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهو بذلك خارج عن استحقاق اسم التصديق.

قوله: وأنت ثانى اثنين اذ هما في الغار‌

بسكون الياء ارتفاعا على الخبر، أي أنت أحد اثنين اذ هما في الغار، وأما في التنزيل الكريم فثاني اثنين عبارة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال الله تعالى( إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها ) (٣) الضمائر كلها لرسول‌

__________________

(١) رجال الشيخ: ٣٥‌

(٢) القاموس: ٣ / ٥٥‌

(٣) سورة التوبة: ٤٠‌

١٣٠

___________________________________________________________

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله باتفاق المفسرين.

قال في الكشاف: وأسند الاخراج الى الكفار كما أسند اليهم في قوله( مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ ) لأنهم حين هموا باخراجه أذن الله له في الخروج فكأنهم أخرجوه( ثانِيَ اثْنَيْنِ ) أحد اثنين، كقوله ثالث ثلاثة، وهما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأبو بكر وانتصابه على الحال وقرئ ثاني اثنين بالسكون و( إِذْ هُما ) بدل من اذ أخرجه، والغار نقب في أعلى ثور، وهو جبل في يمين مكة على مسيرة ساعة مكثا فيه ثلاثا.

( إِذْ يَقُولُ ) بدل ثان قيل: طلع المشركون فوق الغار فاشفق أبو بكر على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: ان تصب اليوم ذهب دين الله، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما ظنك باثنين الله ثالثهما وقيل: لما دخل الغار بعث الله حمامتين فباضتا في أسفله والعنكبوت فنسجت عليه فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : اللهم أعم أبصارهم: فجعلوا يترددون حول الغار ولا يفطنون قد أخذ الله أبصارهم عنه « سكينة » ما ألقي في قلبه من الامنة التي سكن عندها وعلم أنهم لا يصلون اليه، والجنود الملائكة يوم بدر والاحزاب وحنين(١) .

قلت: سياق(٢) الاية الكريمة بلسان بلاغتها تنطق بوجوه من الطعن في جلالة أبي بكر:

الاول: أن همه وحزنه وفزعه وانزعاجه وقلقه حين اذ هو مع النبي الكريم المأمور من تلقاء ربه الحفيظ الرقيب بالخروج والهجرة، والموعود من السماء على لسان روح القدس الامين بالتأييد والنصرة، مما يكشف عن ضعف يقينه وركاكة ايمانه جدا.

الثاني: أن انزال الله سكينته عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقط لا على أبي بكر ولا عليهما جميعا، مع كون أبي بكر أحوج الى السكينة حينئذ لقلقه وحزنه يدل على أنه لم يكن‌

__________________

(١) الكشاف: ٢ / ١٩٠‌

(٢) وفي « س » ساقة آية الكريمة.

١٣١

___________________________________________________________

أهلا لذلك.

وتحامل احتمال أن يرجع الضمير في عليه على أبي بكر كما تجشمه البيضاوي مع أن فيه خرق اتفاق المفسرين وشق عصاهم خلاف ما تتعاطاه قوانين العلوم اللسانية والفنون الادبية، أليس ضمير « أيده » و « عليه » في الجملتين المعطوفة والمعطوفة عليها يعودان الى مفاد واحد، وضمير( وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها ) في الجملة المعطوفة للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بلا امتراء، فكذلك ضمير عليه في الجملة المعطوف عليها، أعني( فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ ) .

الثالث: أن أسلوب( إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ ) في العبارة عن أبي بكر يضاهي أسلوب( يا صاحِبَيِ السِّجْنِ ) (١) في سورة يوسف( فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ ) (٢) في سورة الكهف، فلا تكونن عن ديدن القرآن الحكيم وهجيراه في رموزه وأسراره من الغافلين.

ثم اني أقول: يا سبحان الله ما أبعد البون وأبين البعد بين درجة أبي بكر في اليقين والثقة بالله ورسوله حين كان مع النبي في الغار، وبين درجة مولانا علي بن أبي طالبعليه‌السلام ليلة المبيت على فراش رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وحده، فاديا اياه بنفسه، باذلا مهجته في سبيل ربه ويقينه وثقته بالله، كجبل راس لا تزلزله الرياح العواصف ولا تزعجه الرماح القواصف، وقد نزل فيه التنزيل الكريم( وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ ) (٣) .

قال علامة علماء العامة وامام المتشككين منهم فخر الدين الرازي في التفسير الكبير: في سبب النزول روايات:

__________________

(١) سورة يوسف: ٣٩‌

(٢) سورة الكهف: ٣٤‌

(٣) سورة البقرة: ٢٠٧‌

١٣٢

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من هؤلاء الثلاثة؟ قال اني أخاف أن أسأله فلا أكون منهم فتعيرني بذلك بنو تيم، قال، ثم جاء عمر، فقيل له: يا أبا حفص ان رسول الله (ص) قال: ان الجنة تشتاق الى ثلاثة وأنت الفاروق الذي ينطق الملك على لسانك فلو سألت رسول الله‌

___________________________________________________________

احداها: أنها نزلت في الذين عذبوا في الله عمار وأبويه ياسر وسمية وبلال وصهيب وخباب.

والرواية الثانية: أنها نزلت في رجل أمر بمعروف ونهى عن منكر.

والرواية الثالثة: أنها نزلت في علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه بات على فراش رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ليلة خروجه الى الغار، يروى أنه لما نام على فراشه قام جبرئيل عند رأسه وميكائيل عند رجله وجبرئيل ينادي بخ بخ من مثلك يا بن أبي طالب يباهي الله بك الملائكة ونزلت الاية انتهى كلامه(١) .

وكذلك في تفسير العلامة الاعرج النيسابوري وفي سائر التفاسير.

قوله: فتعيرنى بذلك بنو تيم‌

عجبا يا بن أبي قحافة جعلت مخافتك الانحطاط عن هذه الدرجة من حيث تعيير بني تيم اياك، لا من حيث ألم الحرمان عنها.

قوله: وأنت الفاروق‌

يروون في وجه تسميتهم اياه فاروقا ما تستشم منه رائحة الموضوعية.

فلنذكر ما في تفسير البيضاوي في ذلك فعليه يدور كلامهم جميعا( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطّاغُوتِ ) (٢) عن ابن عباس أن منافقا خاصم يهوديا، فدعاه اليهودي الى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ودعاه المنافق الى كعب بن الاشرف، ثم احتكما الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فحكم لليهودي فلم يرض المنافق وقال: تعال نتحاكم الى عمر فقال اليهودي لعمر:

__________________

(١) التفسير الكبير: ٥ / ٢٠٤ وهو من المتفق عليه عند الخاصة والعامة.

(٢) سورة النساء: ٦٠‌

١٣٣

___________________________________________________________

قضى لي رسول الله فلم يرض بقضائه وخاصم إليك فقال عمر للمنافق: أكذلك؟ قال: نعم، فقال: مكانكما حتى أخرج إليكما، فدخل عمر فأخذ بسيفه ثم خرج فضرب به عنق المنافق حتى برد وقال، هكذا أقضي لمن لم يرض بقضاء الله ورسوله فنزلت وقال جبرئيلعليه‌السلام : ان عمر فرق بين الحق والباطل فسمي الفاروق.

والطاغوت على هذا كعب بن الاشرف، وفي معناه من يحكم بالباطل ويؤثر لا جله سمي بذلك لفرط طغيانه أو لتشبيهه بالشيطان، أو لان التحكم اليه تحاكم الى الشيطان من حيث أنه الحامل عليه كما قال( وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً ) وقرئ أن يكفروا بها على أن الطاغوت جمع لقوله( أَوْلِياؤُهُمُ الطّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ ) .

( وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ ) وقرئ تعالوا بضم اللام على أنه حذف لام الفعل اعتباطا، ثم ضم اللام لو او الضمير( رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً ) وهو مصدر أو اسم للمصدر الذي هو الصد، والفرق بينه وبين السد أنه غير محسوس والسد محسوس، ويصدون في موضع الحال.

فكيف يكون حالهم( إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ ) كقتل عمر المنافق أو النقمة من الله( بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ) من التحاكم الى غيرك وعدم الرضا بحكمك( ثُمَّ جاؤُكَ ) حين يصابون للاعتذار، عطف على أصابتهم وقيل: على يصدون وما بينهما اعتراض،( يَحْلِفُونَ بِاللهِ ) حال( إِنْ أَرَدْنا إِلاّ إِحْساناً وَتَوْفِيقاً ) ما أردنا الا الفصل بالوجه الاحسن والتوفيق بين الخصمين ولم نرد مخالفتك، وقيل: جاء أصحاب القتيل طالبين بدمه وقالوا: ما أردنا بالتحكم الى عمر الا أن يحسن الى صاحبنا ويوفق بينه وبين خصمه انتهى(١) .

قلت: يا قوم أليس ما قدمت أيديهم الذي جاءوا أصحاب القتيل للاعتذار عنه‌

__________________

(١) نقل القصة بتمامه الزمخشرى في الكشاف مع تفاوت يسير: ١ / ٥٣٦‌

١٣٤

___________________________________________________________

وهو التحاكم الى عمر باعترافكم هو التحاكم الى الطاغوت الذي عليه المعاتبة في الاية الكريمة، وعنه اعتذروا أصحاب القتيل الطالبون بدمه بأنه انما أرادوا بذلك الاصلاح والتوفيق بين الخصمين، لا القضاء والحكم لمن له الحق على خصمه، والعدول عن رسول الله بالتحاكم اليه حتى يستحق القتل ويكون دمه هدرا.

فكيف يستقيم قولكم؟ والطاغوت على هذا كعب بن الاشرف بل المستبين على هذا أن يكون الطاغوت هاهنا هو عمر أو عمر وكعب بن الاشرف جميعا.

وبالجملة كل من يراد أن يتحاكم اليه لا الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فليس يصح لكم في التوجيه الا أن تقولوا سمى عمر بذلك [ كما سمى به كعب بن الاشرف على المجاز المرسل ] لان التحاكم اليه كان تحاكما الى الطاغوت، أي الشيطان، لان الشيطان كان الحامل عليه، أو لما كان فيه من الفظاظة والغلظة فسمي ذلك « طغيانا » والفظّ الغليظ « طاغوتا »، واذا كان الطاغوت جمعا كما قلتم وهو الصواب لقوله سبحانه( أَوْلِياؤُهُمُ الطّاغُوتُ ) فلا يصح حمله على كعب بن الاشرف فقط.

فاذن ما أسندتموه الى جبرئيلعليه‌السلام من القول وجعلتموه سببا لتسميتكم عمر بـ « الفاروق » غير مناسب لمشرع المقام ومنهل البلاغة.

ثم أقول: قد روى مفسروكم ومحدثوكم أن قوله سبحانه وتعالى( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) (١) نزل في عمر فحديث التهوك في ذلك مستفيض مشهور متلون المتن متشعب الطريق في أصولكم الصحاح وشرحه شراح الحديث من علمائكم.

قال صاحب الكشاف في الفائق: النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال له عمر: انا نسمع أحاديث من يهود تعجبنا أفترى أن نكتب بعضها فقال: أمتهوكون أنتم؟ كما تهوكت اليهود‌

__________________

(١) سورة البقره: ٢٠٨ - ٢٠٩‌

١٣٥

___________________________________________________________

والنصارى، لقد جئتكم بها بيضاء نقية، ولو كان موسى حيا ما وسعه الا اتباعي. تهوك وتهور أخوان في معنى وقع في الامر بغير روية، قال الاصمعي: المتهوك الذي يقع في كل أمر وأنشد الكسائى:

رآني امرؤ لا هذرة متهوكا

ولا واهنا شراب ماء المظالم

وقيل: التهوك والتهفك: الاضطراب في القول وأن لا يكون على استقامة، الضمير في بها للملة الحنفية. انتهى كلام الفائق(١) .

وقال ابن الاثير في النهاية: في الحديث أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعمر في كلام: أمتهوكون أنتم كما تهوكت اليهود والنصارى لقد جئت بها بيضاء نقية، التهوك كالتهور وهو الوقوع في الامر بغير رؤية، والمتهوك الذي يقع في كل أمر وقيل: هو المتحير، وفي حديث آخر أن عمر أتاه بصحيفة أخذها من بعض أهل الكتاب فغضب وقال: أمتهوكون فيها يا بن الخطاب. انتهى ما في النهاية(٢) .

وأيضا اعتراض عمر على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم الحديبية وشكه في الامر وقوله: ما شككت في ديني منذ أسلمت الا يومي هذا(٣) . من الصحيح الثابت في صحاحكم الستة، وكذلك خطأه في كثير من أقضيته وأحكامه في زمن خلافته، فهو ليس يستحق اسم الفاروق.

بل أن الصديق الاكبر والفاروق الاعظم أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام الذي هو ديان هذه الامة بعد نبيها، أي قاضيها، ورباني هذه الامة، وذو قرنيها، وباب حطة هذه الامة، وأقضى الناس في هذه الامة، ومثله في الناس كمثل قل هو الله أحد في القرآن، وهو مع الحق والحق معه يدور معه حيث ما دار، وقد صح وثبت‌

__________________

(١) الفائق: ٤ / ١١٦‌

(٢) نهاية ابن الاثير: ٥ / ٢٨٢‌

(٣) رواه مسلم في صحيحه: ٣ / ١٤١١ والسيد بن طاوس في الطرائف: ٤٤١.

١٣٦

من هؤلاء الثلاثة؟ فقال اني أخاف أن أسأله فلا أكون منهم فتعيرني بذلك بنو عدي ثم جاء عليعليه‌السلام فقيل له: يا أبا الحسن ان رسول الله (ص) قال: ان الجنة مشتاق الى ثلاثة فلو سألته من هؤلاء الثلاثة؟ فقال أسأله ان كنت منهم حمدت الله وان لم أكن منهم حمدت الله، قال، فقال عليعليه‌السلام يا رسول الله انك قلت ان الجنة لتشتاق الى ثلاثة فمن هؤلاء الثلاثة؟ قال: أنت منهم وأنت أولهم، وسلمان الفارسي فانّه قليل الكبر وهو لك ناصح فاتخذه لنفسك، وعمار بن ياسر شهد معك مشاهد غير واحدة ليس منها الا وهو فيها، كثير خيره، ضويّ نوره، عظيم أجره.

___________________________________________________________

واستبان واستفاض جميع ذلك في الحديث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله برواية أثبته الثقات عند العامة والخاصة(١) ، وسيان في الاعتراف بذلك كله العدو والولي واللاجّ الجدلي والمتقن المبتغي لسواء السبيل فليتبصر.

قوله: فتعيرنى بذلك بنواعدى‌

اقتدى بأبي بكر في مخافة التعيير وعدم الاكتراث للانحطاط عن هذه الدرجة.

قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنت منهم وأنت أولهم‌

وفي المشكاة وصحيح الترمذي وغيرهما من صحاح العامة وأصولهم عن أنس قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : الجنة تشتاق الى ثلاثة علي وعمار وسلمان(٢) .

قوله: ضوى نوره‌

بتشديد الياء، وأصله ضوي‌ء بالهمزة على فعيل للمبالغة من الضوء والضياء، قلبت الهمزة ياء وادغمت الياء في الياء، كما تقلب وتدغم همزة الملي بمعنى الغني المقتدر على فعيل من الملاءة، فيقال: مليّ بتشديد الياء.

وفي بعض النسخ « وضي‌ء » بتقديم الواو على الضاد اما نقلا مكانيا فيكون أيضا‌

__________________

(١) روى جميع ذلك عن طرق مختلفة في احقاق الحق المجلد الرابع الى السابع فراجع.

(٢) رواه الحاكم في المستدرك: ٣ / ١٣٧ وابن الاثير في أسد الغابة: ٢ / ٣٣٠ والذهبى في ميزان الاعتدال: ١ / ١١٦ وابن حجر في الصواعق المحرقة: ٧٥‌

١٣٧

٥٩ - محمد بن مسعود، قال حدثني جعفر بن أحمد، قال حدثنا حمدان بن سليمان النيسابوري والعمركي بن علي البوفكي النيسابوري، عن محمد بن عيسى عن يونس بن عبد الرحمن، عن عبد الله الحجال، عن علي بن عقبة، عن رجل، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي وعمار يعملون مسجدا فمرّ عثمان في بزّة له يخطر فقال له امير المؤمنينعليه‌السلام : ارجزبه فقال عمار:

___________________________________________________________

فعيلا من الضوء، واما على أنه فعيل من الوضاءة وهي الحسن والبهجة والبهاء والنضرة.

وفي النهاية الاثيرية: الوضاءة الحسن والبهجة، يقال: وضأت فهي وضيئة، وهي أوضأ منك، أي أحسن(١) .

وفي المغرب: الوضي‌ء الحسن النظيف، وقد وضأ وضاءة وتوضأ وضوءا حسنا بوضوء طاهر، بالضم المصدر، وبالفتح الماء الذي يتوضأ به، والميضأة والميضاءة على مفعلة ومفعالة المطهرة التي يتوضأ فيها أو منها.

قولهرحمه‌الله : حمدان بن سليمان النيسابورى والعمركى بن على البوفكى‌

السند جليل جدا، وعالي الاسناد في الطبقة الثانية، وصحي بيونس بن عبد الرحمن عن رجل، وان كان المرسل عن رجل هو علي بن عقبة، لا يونس بن عبد الرحمن فليعلم.

قولهعليه‌السلام : فمر عثمان في بزة له يخطر‌

بكسر الموحدة وتشديد الزاء، أي في ثوب تجمل، يقال: خرجوا وعليهم الخزوز والبزوز أي الثياب الجياد قاله في الاساس(٢) .

وقال في المغرب: البزة بالهاء وكسر الباء الهيئة من قولهم رجل حسن البزة‌

__________________

(١) نهاية ابن الاثير: ٥ / ١٩٥‌

(٢) أساس البلاغة: ٣٨‌

١٣٨

لا يستوى من يعمر المساجد

يظل فيها راكعا وساجدا

ومن تراه عاندا معاندا

عن العباد لا يزال حائدا

___________________________________________________________

وقيل: هي الثياب والسلاح.

وفي القاموس: البز الثياب، أو متاع البيت من الثياب ونحوها، وبايعه البزاز وحرفته البزازة والسلاح كالبزة بالكسر(١) .

و « يخطر » بفتح ياء المضارعة وكسر الطاء المهملة بعد الخاء المعجمة، أي يهتز ويرفع يديه في مشيته، وناقة خطارة تحرك ذنبها اذا نشطت في السير قاله في الاساس والقاموس وغير هما(٢) .

وفي الصحاح: خطر ان الرجل اهتزازه في المشي وتبختره، وخطر الرمح يخطر اهتز، ورمح خطار ذو اهتزاز، ويقال: خطران الرمح ارتفاعه وانخفاضه(٣) .

قوله رضى الله تعالى عنه: يظل فيها راكعا وساجدا‌

ظل يفعل كذا يظل بالكسر في الماضي والفتح في المضارع من باب علم.

قال في القاموس: ظل نهاره يفعل كذا وليله سمع في الشعر يظل بالفتح ظلا وظلولا وظللت بالكسر وظلت كلست وظلت كملت، وأصله ظللت(٤) .

وفي الصحاح: ومنه قوله تعالى( فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ ) يكسر ويفتح وأصله وظللتم تفكهون، فهو من شواذ التخفيف ومنه قولهم: مست الشي‌ء يحذفون منه السين الاولى ويحولون كسرتها الى الميم، ومنهم من يذر الميم على حالها مفتوحة(٥) .

__________________

(١) القاموس: ٢ / ١٦٦‌

(٢) اساس البلاغة: ١٦٨ والقاموس: ٢ / ٢٢‌

(٣) الصحاح: ٢ / ٦٤٨‌

(٤) القاموس: ٤ / ١٠‌

(٥) الصحاح: ٥ / ١٧٥٦‌

١٣٩

قال، فأتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال ما أسلمنا لتشتم أعراضنا وأنفسنا! فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أفتحب أن تقال؟ فنزلت آيتان( يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا ) الاية، ثم قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليعليه‌السلام : اكتب هذا في صاحبك: ثم قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : اكتب هذه الاية: انما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله.

٦٠ - جعفر بن معروف، قال حدثنا الحسن بن علي بن نعمان، عن أبيه، عن صالح الحذاء، قال لما أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ببناء المسجد قسم عليهم المواضع وضم الى كل رجل رجلا، فضم عمارا الى عليعليه‌السلام قال فبيناهم في علاج البناء اذ خرج عثمان من داره وارتفع الغبار فتمنع بثوبه وعرض بوجهه، قال، فقال عليعليه‌السلام لعمار اذا قلت شيئا فرد علي قال، فقال عليعليه‌السلام :

لا يستوى من يعمر المساجد

يظل فيها راكعا وساجدا

كمن يرى عن الطريق عائدا.

___________________________________________________________

قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أفتحب أن تقال‌

أي أن تذكر عند الناس بهذه المقالة وينسب إليك هذا القول، أو أن تكون مكتوبا عند الله بها وتكتبها الكتبة عليك وتثبتها في صحيفة عملك.

قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : اكتب هذا في صاحبك‌

أي في عمار، وهذا اشارة الى ما أمر بكتبته وهو( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ) (١) أو في عثمان فيكون هذا اشارة الى( يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا ) (٢) والمعنى: اكتب يمنون عليك أن أسلموا في عثمان وانما المؤمنون الذين آمنوا في عمار.

قولهعليه‌السلام : فتمنع بثوبه‌

أي تأبه وتعزز، وتفعلا من المنعة بالتحريك، أو بالتسكين أيضا بمعنى العز،

__________________

(١) سورة الحجرات: ١٥‌

(٢) سورة الحجرات: ١٧‌

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

ـ فذاك أبو تراب.

ـ كلا ، ذاك أبو الحسن والحسين (ع).

والتفت مدير شرطة زياد الى صيفي منكرا عليه مقاله ليتقرب الى ابن سمية قائلا :

« يقول لك الأمير : هو ابو تراب ، وتقول أنت : لا؟!! »

فنهره صيفي ورد عليه وهو غير معتن به ولا بأميره قائلا :

« وإن كذب الأمير أتريد أن اكذب وأشهد له على باطل كما شهد! »

فثار ابن سمية وانتفخت اوداجه غضبا ، فقال له :

« وهذا أيضا مع ذنبك ».

والتفت الى شرطته وهو مغيظ فقال لهم : « علي بالعصا » فأتى بها فالتفت الى صيفي :

« ما قولك؟ ».

فقال له بكل شجاعة وايمان :

« أحسن قول أنا قائله فى عبد من عباد الله المؤمنين. »

وأمر زياد جلاوزته بضرب عاتقه حتى يلصق بالأرض ، فبادروا إليه وضربوه ضربا عنيفا حتى وصل عاتقه الى الأرض ، ثم أمرهم بالكف عنه والتفت إليه :

« إيه ما قولك فى علي؟ »

وأصر بطل العقيدة على ايمانه فقال :

ـ والله لو شرحتني بالمواسي والمدى ما قلت إلا ما سمعت مني.

ـ لتلعننه أو لأضربن عنقك!

ـ إذا تضربها والله قبل ذلك فان أبيت إلا أن تضربها. رضيت

٣٦١

بالله وشقيت أنت!

« ادفعوا في رقبته ».

ثم أمر به ثانيا أن يوقر في الحديد ويلقى فى ظلمات السجون(1) وأخيرا بعثه مع حجر فاستشهد معه في مرج عذراء.

ج ـ قبيصة بن ربيعة :

ومن جملة أصحاب حجر الذين أرهقهم زياد قبيصة بن ربيعة العبسي فقد بعث إليه مدير شرطته شداد بن الهيثم فهجم عليه خفية فلما أحس به قبيصة أخذ سيفه ووقف للدفاع عن نفسه ولحق به فريق من قومه فقال مدير الشرطة الى قبيصة مخادعا :

« أنت آمن على دمك ومالك ، فلم تقتل نفسك؟ »

ولما سمع بذلك اصحابه انخدعوا فلم يحاموا عنه ولم ينقذوه لأن خوفهم من سلطة زياد كان اشد وقعا في نفوسهم من خطر الموت ، فاندفعوا قائلين :

« قد امنت فعلام تقتل نفسك وتقتلنا معك؟ »

ولم يذعن لمقالة اصحابه وذلك لعلمه بغدر الأمويين وعدم وفائهم بالعهد والوعد فقال لهم :

« ويحكم إن هذا الدعي ابن العاهرة ، والله لئن وقعت فى يده لا افلت ابدا أو يقتلني ».

ـ كلا.

ولما لم يجد بدا من ذلك وضع يده في ايديهم وأخذ اسيرا الى زياد فلما مثل عنده قال له :

« أما والله لأجعلن لك شاغلا عن تلقيح الفتن والتوثب على الامراء »

__________________

(1) الطبري 4 / 198 ، الكامل 3 / 139.

٣٦٢

ـ إني لم آتك إلا على الأمان.

ـ انطلقوا به الى السجن(1) .

لقد نقض زياد الأمان وخاس بالميثاق ، ثم أمر به أن يحمل مع حجر وأصحابه الى مرج عذراء ، فحمل معهم ، فلما انتهت قافلتهم الى جبانة ( عرزم ) وكانت فيها داره ، نظر إليها وإذا بناته قد أشرفن من أعلا الدار ينظرن إليه ، وهن يخمشن الوجوه ، ويخلطن الدموع بالدعاء ، قد أخذتهن المائقة ، ومزق الأسى قلوبهن ، فلما نظر الى ذلك المنظر الرهيب طلب من الشرطة الموكلة بخفارته أن يسمحوا له بالدنو من بناته ليوصيهن بما أراد ، فسمحوا له بذلك ، فلما دنا منهن علا صراخهن فأمرهن بالسكوت والخلود الى الصبر ، وأرضاهن بوصيته التي مثلت الإيمان والرضا بقضاء الله قائلا :

« اتقين الله عز وجل ، واصبرن ، فاني أرجو من ربي في وجهي هذا إحدى الحسنيين إما الشهادة وهي السعادة ، وإما الانصراف إليكن في عافية ، وإن الذي كان يرزقكن ويكفيني مئونتكن هو الله تعالى ، وهو حي لا يموت ، أرجو أن لا يضيعكن ، وأن يحفظني فيكن ».

ثم ودعهن وانصرف ، ولما رأى من معه شجو بناته وما داخلهن من الفزع والمصاب رقّوا لهن ، ثم رفعوا أيديهم بالدعاء والابتهال الى الله تعالى طالبين منه العافية والسلامة الى قبيصة فانبرى إليهم قائلا :

« إنه لمما يعدل عندي خطر ما أنا فيه هلاك قومي حيث لا ينصرونني »(2) .

__________________

(1) تاريخ الطبري 6 / 149.

(2) نفس المصدر.

٣٦٣

أراد بذلك عدم نصرة قومه وخذلانهم له ، وان ذلك أشد وقعا على نفسه من هلاكه ، وسار قبيصة مع حجر الى مرج عذراء فاستشهد معه ، وأما بقية اصحاب حجر الذين استشهدوا معه فلم نعثر على معلومات وافية عنهم ، ونشير الى أسمائهم وهم :

شريك بن شداد الحضرمي.

كدام بن حيان العنزي.

محرز بن شهاب التميمي.

وهؤلاء الحماة الذين قدموا نفوسهم ضحايا للعقيدة ، وقرابين للحق

كانوا من خيار المسلمين ومن صالحائهم ، قد ساقتهم السلطة الأموية الى ساحة الإعدام ، فاستباحت دماءهم ، لا لذنب اقترفوه ، سوى مودتهم للعترة الطاهرة التي هي عديلة القرآن الكريم في لزوم مراعاتها ومودتها.

صدى الفاجعة :

وذعر المسلمون لهذا الحادث الخطير ، وعم السخط جميع ارجاء البلاد لأن حجرا من أعلام الإسلام ، ومن خيار صحابة النبيّ (ص) ، وقد انتهكت في قتله حرمة الإسلام ، لأنه لم يحدث فسادا في الأرض ، وإنما رأى منكرا فناهضه ، وجورا فناجزه ، رأى زيادا يؤخر الصلاة فطالبه باقامتها ورآه يسب امير المؤمنين فطالبه بالكف عنه ، فقتل من اجل ذلك ، وقد اندفعت الشخصيات الرفيعة في العالم الإسلامى الى اعلان سخطها على معاوية والى الإنكار عليه ، ومن الخير ان نذكر بعضهم ونستمع الى نقدهم وهم :

أ ـ الإمام الحسين (ع).

ورفع الإمام الحسين (ع) من يثرب رسالة الى معاوية أنكر فيها

٣٦٤

اشد الإنكار على ما ارتكبه من قتل حجر واصحابه الأبرار وهذا نصها :

« الست القاتل حجرا اخا كندة ، والمصلين العابدين الذين كانوا ينكرون الظلم ، ويستعظمون البدع ، ولا يخافون فى الله لومة لائم؟ قتلتهم ظلما وعدوانا من بعد ما كنت اعطيتهم الإيمان المغلظة ، والمواثيق المؤكدة أن لا تأخذهم بحدث ، كان بينك وبينهم ولا بإحنة تجدها في نفسك عليهم »(1) .

لقد انكر الإمام (ع) برسالته على معاوية استباحته لدم حجر واصحابه المثاليين الذين انكروا الظلم وناهضوا الجور ، واستعظموا البدع وقد قتلهم ظلما وعدوانا ، بعد ما أكد على نفسه واعطاهم المواثيق المؤكدة ان لا يأخذهم بحدث ولا بإحنة فيما مضى ، ولكن ابن هند قد خاس بذلك ولم يف به.

ب ـ عائشة :

ومن جملة المنكرين على معاوية عائشة ، فقد دخل عليها في بيتها بعد منصرفه من الحج فقالت له :

« أأمنت ان اخبأ لك من يقتلك؟ »

فقال لها مخادعا :

« بيت الأمن دخلت ».

ـ اما خشيت الله في قتل حجر واصحابه؟(2) .

وكانت دوما تتحدث عن مصاب حجر فقد حدثت عما سمعته من رسول الله (ص) فى فضله قالت : سمعت رسول الله (ص) يقول :

__________________

(1) البحار 10 / 149.

(2) الطبري 6 / 156.

٣٦٥

سيقتل بعذراء أناس يغضب الله لهم وأهل السماء »(1) وقالت منددة بأهل الكوفة : « أما والله لو علم معاوية أن عند أهل الكوفة منعة ما اجترأ على أن يأخذ حجرا وأصحابه من بينهم حتى يقتلهم بالشام ، ولكن ابن آكلة الأكباد علم أنه قد ذهب الناس ، أما والله إن كانوا لجمجمة العرب عزا ومنعة وفقها ولله در لبيد حيث يقول :

ذهب الذين يعاش في أكنافهم

وبقيت في خلف كجلد الأجرب

لا ينفعون ولا يرجى خيرهم

ويعاب قائلهم وان لم يشغب(2)

ج ـ الربيع بن زياد :

ومن الناقمين على معاوية الربيع بن زياد البصري(3) عامله على خراسان فانه لما سمع بالنبإ المؤلم طاش لبّه وذهبت نفسه حسرات فقال والحزن باد عليه :

« لا تزال العرب تقتل صبرا بعده ـ أي بعد مقتل حجر ـ ولو نفرت عند قتله لم يقتل واحد منهم صبرا. ولكنها أقرت فذلت!! »

إن أهل الكوفة لو منعوا السلطة الأموية من قتل حجر وأصحابه لما

__________________

(1) البداية والنهاية 8 / 55 ، الاصابة 1 / 314.

(2) الاستيعاب 1 / 357.

(3) الربيع بن زياد بن أنس الحارثي البصري كان عاملا لمعاوية على خراسان وكان كاتبه الحسن البصري ، روي عن أبي بن كعب ، وعن جماعة وروى عنه قوم ، توفي سنة 51 ، جاء ذلك في تهذيب التهذيب 3 / 43 ، وجاء في الاصابة 1 / 491 ، ان الربيع وفد على عمر بن الخطاب فقال له : يا أمير المؤمنين والله ما وليت هذه الأمّة إلا ببلية ابتليت بها ، ولو أن شاة ضلت بشاطئ الفرات لسئلت عنها يوم القيامة ، فبكى عمر حينما سمع منه هذا الكلام.

٣٦٦

تمكن الأمويون من قتل أحرارهم وأخيارهم ، ولكنهم رضوا بالخمول والذل وكرهوا الموت في سبيل الله ، فهان أمرهم وذلوا ، وعمل فيهم الأمويون ما أرادوا من اخضاعهم للذل والهوان.

وبقي الربيع ذاهل النفس ، خائر القوى ، قد مزق الأسى قلبه ، فلما صار يوم الجمعة صلى بالناس صلاة الجمعة ، وبعد الفراغ منها خطب الناس فقال فى خطابه :

« أيها الناس ، إني قد مللت الحياة وإني داع فأمنوا » ثم رفع يديه بالدعاء فقال :

« اللهم ، إن كان للربيع عندك خير فاقبضه إليك وعجل ».

فاستجاب الله دعاءه فما فارق المجالس حتى وافاه الأجل المحتوم(1) .

د ـ الحسن البصري :

وعدّ الحسن البصري قتل حجر إحدى الموبقات الأربعة التي ارتكبها معاوية ، فقال فيما يخص حجرا :

« ويل له من حجر وأصحاب حجر مرتين »(2) .

ه ـ عبد الله بن عمر :

لقد ذعر ابن عمر حينما علم بمقتل حجر ، فقد أخبر بقتله وهو بالسوق وكان محتبى فأطلق حبوته وولى وهو يبكي أشد البكاء وأمرّه(3) .

و ـ معاوية بن خديج :

__________________

(1) الكامل 3 / 195.

(2) ذكرنا حديثه بكامله مع ترجمته فى فصول هذا الكتاب.

(3) الاصابة 1 / 314.

٣٦٧

وانتهى الخبر المؤلم الى معاوية بن خديج(1) وكان في افريقية مع الجيش ، فقال لقومه الذين كانوا معه من كندة :

« ألا ترون أنا نقاتل لقريش ونقتل أنفسنا لنثبت ملكها ، وأنهم يثبون على بنى عمنا فيقتلونهم ».

لقد كان قتل حجر من الأحداث الكبار وكان صدعا في الاسلام وبلاء على عموم العرب ، وكان معاوية نفسه لا يشك فى ذلك فكان ينظر إليه شبحا مخيفا ويردد ذكره في خلواته ، وقد ذكره كثيرا في مرضه الذي هلك فيه فكان يقول : « ويلي منك يا حجر » وكان يقول : « يوم لي من ابن الأدبار ـ يعني حجرا ـ طويل » قال ذلك ثلاث مرات(2) .

نعم ، أن يومه لطويل من حجر وأمثاله من المؤمنين والصالحين الذين سفك دماءهم لا لذنب اقترفوه ، سوى حبهم لأهل البيت ، وهنا ينتهي بنا الحديث عن محنة حجر وأصحابه لنلتقي بزملاء له آخرين.

رشيد الهجري :

ورشيد الهجري يعد في طليعة رجال الإسلام ورعا وتقى وعلما وفضلا ، فقد تتلمذ فى مدرسة أمير المؤمنين ونال الكثير من علومه ومعارفه فكان (ع) يسميه ( رشيد البلايا ) وحدثت ابنته قنو قالت : سمعت أبي يقول :

__________________

(1) معاوية بن خديج بن جفنة السكوني ، وقيل الكندي : هو الذي قتل العبد الصالح الطيب محمد بن أبي بكر بأمر ابن العاص ، وقد غزا افريقية ثلاث مرات ، جاء ذلك في الاستيعاب 3 / 389.

(2) الطبري 6 / 156.

٣٦٨

« قال لي أمير المؤمنين ، يا رشيد كيف صبرك إذا أرسل إليك دعي بني أمية فقطع يديك ورجليك ولسانك؟ »

ـ يا أمير المؤمنين آخر ذلك الى الجنة؟

ـ يا رشيد أنت معي في الدنيا والآخرة.

وخرج رشيد مع أمير المؤمنين الى بستان فاستظلا تحت نخلة ، فقام صاحب البستان الى نخلة ، فأخذ منها رطبا وقدمه الى أمير المؤمنين فأكلعليه‌السلام منه ، فالتفت رشيد الى الإمام قائلا له :

« ما أطيب هذا الرطب!؟ »

ـ أما انك ستصلب على جذعها!!

فكان رشيد بعد حديث الإمام يتعاهد تلك النخلة التي أكل من رطبها فيسقيها ويتعبد تحتها واجتاز عليها يوما فرأى سعفها قد قطع فشعر بدنو أجله ، واجتاز عليها مرة أخرى فرأى نصفها قد جعل زرنوقا يستسقى عليه فتيقن بدنو الأجل المحتوم منه(1) ، وفي فترات تلك المدة الرهيبة بعث خلفه ابن سمية ، فلما حضر عنده قال له :

« ما قال لك خليلك إنا فاعلون بك؟ »

ـ تقطعون يديّ ورجليّ وتصلبونني.

ـ أما والله لأكذّبن حديثه ، خلّوا سبيله.

فخلت الجلاوزة سراحه ، فلما خرج قال زياد لجلاوزته : ردّوه ، فردوه إليه ، فالتفت له قائلا :

« لا نجد لك شيئا أصلح مما قال صاحبك ، إنك لا تزال تبغي لنا سوءا إن بقيت ، اقطعوا يديه ورجليه » ، فامتثلت الجلاوزة أمره ، فقطعوا

__________________

(1) التعليقات على منهج المقال ص 140.

٣٦٩

يديه ورجليه وهو يتكلم ، فغاظ كلامه زيادا ، فقال لجلاوزته : اصلبوه خنقا ، فقال رشيد لهم : « قد بقي لي عندكم شيء ما أراكم فعلتموه ـ أراد بذلك قطع لسانه ـ » فأمر ابن سمية بقطع لسانه ولما أرادوا قطع لسانه قال لهم : « نفسوا عني حتى أتكلم كلمة واحدة » ، فأعطوه ذلك ، فقال : « هذا والله تصديق خبر أمير المؤمنين (ع) أخبرني بقطع لساني » ، ثم قطع الجلاوزة لسانه(1) .

أي ذنب اقترفه هذا العابد العظيم حتى يستحق هذا التنكيل ويمثل به بدلك التمثيل الفظيع ، ولكن ابن سمية ومعاوية قد راما بذلك تصفية الحساب مع شيعة أهل البيت والقضاء على روح التشيع.

عمرو بن الحمق الخزاعي :

وكان عمرو بن الحمق يحمل شعورا دينيا قويا حيا ، وكان من خيرة

الصحابة في ورعه وتقواه ، وهو الذي سقى النبي لبنا فدعا له (ص) بأن يمتعه الله بشبابه ، فاستجاب الله دعاء نبيه فأخذ عمرو بعنق الثمانين عاما ولم تر في كريمته شعرة بيضاء(2) .

وكان من صفوة أصحاب أمير المؤمنين (ع) ومن خلص أصحابه ، وقد دعاعليه‌السلام له فقال : « اللهم نوّر قلبه بالتقى ، واهده الى صراطك المستقيم »(3) ، وكان (ع) يكبره ويجله ويقدمه على غيره ، فقد قال

__________________

(1) سفينة البحار 1 / 522 ، وقال الحافظ الذهبي في التذكرة قتل زياد رشيدا الهجري لتشيعه ، فقطع لسانه وصلبه.

(2) الاصابة 2 / 526.

(3) سفينة البحار 2 / 360.

٣٧٠

له : « ليت في جندي مثلك مائة ». وقال لأمير المؤمنين معربا له عن ولائه واخلاصه :

« يا أمير المؤمنين ، والله ما أحببتك للدنيا ولا للمنزلة تكون لي بها ، وإنما أحببتك لخمس خصال ، إنك أول المؤمنين إيمانا ، وابن عم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأعظم المهاجرين والأنصار ، وزوج سيدة النساءعليها‌السلام ، وأبو ذريته الباقية من رسول الله (ص) ، فلو قطعت الجبال الرواسي ، وعبرت البحار الطوامي في توهين عدوك وتلقيح حجتك لرأيت ذلك قليلا من كثير ما يجب علي من حقك »(1) .

وقد دلّ حديثه على عقيدته وإيمانه وعظيم ولائه لأمير المؤمنين (ع) ولاء يلتمس منه وجه الله ويبغي فيه الدار الآخرة.

ولما ولى زياد الكوفة وتتبع زعماء الشيعة ووجوههم خاف الخزاعي من سلطته الغاشمة ففرّ الى المدائن ومعه رفاعة بن شداد فمكثا فيها برهة من الزمن ثم هربا الى الموصل وقبل أن يصلا إليها مكثا في جبل هناك ليستجما فيه ، وبلغ بلتعة بن أبي عبد الله عامل معاوية أن رجلين قد كمنا في جبل من جبال الموصل فاستنكر شأنهما فسار إليهما مع فريق من أصحابه ، فلما انتهوا الى الجبل خرج إليهما عمرو ورفاعة ، فأما عمرو فقد كان مريضا لأنه قد سقي سما وليس عنده قوى يستطيع بها على خلاص نفسه فوقف ولم يهرب ، وأما رفاعة فقد كان في شرخ الشباب فاعتلى فرسه ثم التفت الى عمرو فقال له : « أقاتل عنك؟ ».

فنهاه عن ذلك وقال له :

« وما ينفعني أن تقاتل انج بنفسك إن استطعت. »

__________________

(1) التعليقات ص 246.

٣٧١

ومضى رفاعة فهجم على القوم فأفرجوا له ، ثم خرجوا فى طلبه فلم يتمكنوا عليه لأنه كان راميا ، وأخذ عمرو أسيرا وطلبوا منه أن يعرفهم شخصيته فامتنع وقال لهم :

« أنا من إن تركتموه كان أسلم لكم ، وإن قتلتموه كان أضر لكم ».

وأصروا عليه أن يعرفهم نفسه ، فأبى ، فارتابوا من أمره ، فأرسلوه مخفورا الى عبد الرحمن بن عبد الله الثقفي حاكم الموصل ، فلما رآه عرفه ورفع بالوقت رسالة الى معاوية عرفه بالأمر ، فأجابه :

« إنه زعم أنه طعن عثمان بن عفان تسع طعنات بمشاقص(1) كانت معه ، وإنا لا نريد أن نعتدي عليه ، فاطعنه تسع طعنات كما طعن عثمان ».

فأخرجه عبد الرحمن وأمر بطعنه تسع طعنات فمات في الاولى أو الثانية منها(2) ثم احتز رأسه وبعثه الى معاوية فأمر أن يطاف به في الشام وغيره فكان أول رأس طيف به في الإسلام(3) ثم أمر به أن يبعث الى زوجته آمنة بنت الشريد وكانت في سجنه فجيء به فوضع فى حجرها وهي غافلة لا تعلم من أمره شيئا ، فلما بصرت به اضطربت حتى كادت أن تموت ثم قالت ودموعها تتبلور على وجهها :

« وا حزناه لصغره في دار هوان ، وضيق من ضيمه سلطان ، نفيتموه عني طويلا ، وأهديتموه إليّ قتيلا ، فأهلا وسهلا بمن كنت له غير قالية ، وأنا له اليوم غير ناسية ».

__________________

(1) المشاقص : جمع مفرده ـ مشقص ـ النصل العريض ، أو سهم فيه نصل عريض.

(2) تاريخ الطبري.

(3) الاستيعاب 2 / 517.

٣٧٢

ثم التفتت الى الحرسي فقالت له :

« ارجع به أيها الرسول الى معاوية فقل له : ولا تطوه دونه ، أيتم الله ولدك ، وأوحش منك أهلك ، ولا غفر لك ذنبك ».

ورجع الرسول الى معاوية فأخبره بمقالتها فغضب وغاظه كلامها فأمر باحضارها في مجلسه ، فجيء بها إليه فقال لها :

« أنت يا عدوة الله صاحبة الكلام الذي بلغنى؟ »

فانبرت إليه غير مكترثة ولا هيّابة لسلطانه قائلة :

« نعم ، غير نازعة عنه ، ولا معتذرة منه ، ولا منكرة له ، فلعمري لقد اجتهدت فى الدعاء ان نفع الاجتهاد وإن الحق لمن وراء العباد ، وما بلغت شيئا من جزائك وإن الله بالنقمة من ورائك!! »

فالتفت إياس بن حسل الى معاوية متقربا إليه :

« أقتل هذه يا أمير المؤمنين؟ فو الله ما كان زوجها أحق بالقتل منها ».

فقالت له : « تبا لك ، ويلك بين لحييك كجثمان الضفدع ، ثم أنت تدعوه الى قتلي كما قتل زوجي بالأمس!!! إن تريد إلا أن تكون جبارا فى الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين ».

فضحك معاوية وقال متبهرا :

« لله درك اخرجي!! ثم لا أسمع بك في شيء من الشام ».

فقالت له : « وأبي لأخرجن ثم لا تسمع لي في شيء من الشام فما الشام لي بحبيب ولا اعرج فيها على حميم ، وما هي لي بوطن ، ولا أحن فيها الى سكن ، ولقد عظم فيها ديني ، وما قرت فيها عيني ، وما أنا فيها إليك بعائدة ، ولا حيث كنت بحامدة ».

وثقل كلامها على معاوية فأشار إليها ببنانه بالخروج ، فخرجت

٣٧٣

وهي تقول :

واعجبي لمعاوية يكف عنى لسانه ويشير الى الخروج ببنانه ، أما والله ليعارضنه عمرو بكلام مؤيد شديد أوجع من نوافد الحديد ، أو ما أنا بابنة الشريد ».

ثم خرجت من مجلسه(1) لقد كان قتل عمرو من الأحداث الجسام في الإسلام لأنه من صحابة النبي (ص) وقد عمد معاوية الى اراقة دمه فخالف بذلك ما أمر الله به من حرمة سفك دماء المسلمين إلا بالحق ، ولم يشف قتله غليل معاوية فقد أمر بأن يطاف برأسه في بلاد المسلمين وبعث به الى زوجته فروعها وكادت أن تموت من ألم المصاب ، وقد رفع الإمام الحسين (ع) من يثرب رسالة الى معاوية انكر فيها ارتكابه لهذا الحادث الخطير وهذا نصها :

« أو لست قاتل عمرو بن الحمق صاحب رسول الله (ص) العبد الصالح الذي أبلته العبادة فنحل جسمه ، واصفر لونه بعد ما أمنته وأعطيته من عهود الله ومواثيقه ما لو اعطيته طائرا لنزل إليك من رأس الجبل ثم قتلته جرأة على ربك ، واستخفافا بذلك العهد »(2) .

لقد اشاد الإمام بفضل عمرو فذكر أنه صاحب رسول الله (ص) وانه قد أبلت العبادة جسمه ، كما ذكر ان معاوية قد ابرم عهدا خاصا فى شأنه يتضمن أمنه وعدم البغي عليه ولكنه قد خاس بعهده ولم يف به.

__________________

(1) أعلام النساء 1 / 4.

(2) التعليقات ص 246.

٣٧٤

أوفى بن حصن :

وكان أوفى بن حصن من المنددين بالسياسة الأموية ، ومن الناقدين لسلطتهم ، وكان يذيع مساوئهم بين أوساط الكوفيين فبلغ ذلك زيادا فبعث في طلبه فاختفى أوفى واستعرض زياد الناس فاجتاز عليه أوفى فشك في أمره فقال لمن معه :

« من هذا؟ »

ـ أوفى بن حصن.

ـ عليّ به.

فجيء به إليه فقال متبهرا : « أتتك بخائن رجلاه تسعى ». ثم التفت إليه قائلا :

ـ ما رأيك في عثمان؟

ـ ختن رسول الله (ص) على ابنتيه.

ـ ما تقول في معاوية؟

ـ جواد حليم.

ـ ما تقول فيّ؟

ـ بلغني أنك قلت بالبصرة : « والله لآخذن البريء بالسقيم والمقبل بالمدبر »

ـ قد قلت ذلك.

ـ خبطتها خبط عشواء!!

ـ ليس النفاخ بشر الزمرة.

ثم أمر بقتله(1) ، إن نكران أوفى لسياسة زياد في ذلك الظرف

__________________

(1) الكامل 3 / 183.

٣٧٥

العصيب من اعظم الأعمال التي قام بها ، ومن أفضل الجهاد الذي عناه رسول الله (ص) بقوله : « أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر ، وأفضل الشهداء حمزة بن عبد المطلب ، ورجل تكلم عند سلطان جائر ، فأمر به فقتل »(1) .

جويرية بن مسهر العبدي :

وكان جويرية من خلّص أصحاب الإمام أمير المؤمنين ومن حملة حديثه ومن المقربين عنده فقد نظر إليه يوما فناداه : يا جويرية الحق بي فأني إذا رأيتك هويتك ، ثم حدثه ببعض أسرار الإمامة وقال له : « يا جويرية أحب حبيبنا ما أحبنا فاذا أبغضنا فابغضه ، وابغض بغيضنا ما ابغضنا فاذا أحبنا فأحبه »(2) ، ودخل على أمير المؤمنين يوما وكان مضطجعا فقال له جويرية :

« أيها النائم استيقظ فلتضربن على رأسك ضربة تخضب منها لحيتك ».

فتبسم أمير المؤمنين (ع) وانبرى إليه فأخبره بما يجري عليه من بعده من ولاة الجور قائلا :

« وأحدثك يا جويرية بأمرك ، أما والذي نفسي بيده لتعتلن(3) الى العتل الزنيم ، فليقطعن يدك ورجلك وليصلبنك تحت جذع كافر »(4) .

وما دارت الأيام حتى استدعى ابن سمية جويرية فأمر بقطع يده ورجله

__________________

(1) النصائح ص 60.

(2) ابن أبي الحديد وقريب منه جاء في التعليقات ص 366.

(3) لتعتلن : أي لتجذبن.

(4) الكافر : القصير.

٣٧٦

ثم صلبه على جذع قصير(1) ، وقد ألف هشام بن محمد السائب كتابا فى فاجعة جويرية ورشيد وميثم التمار(2) .

عبد الله بن يحيى الحضرمي :

وكان عبد الله الحضرمى من أولياء أمير المؤمنين ومن صفوة أصحابه وكان من شرطة الخميس(3) وقد قال (ع) له يوم الجمل :

« أبشر يا عبد الله فانك وأباك من شرطة الخميس حقا لقد أخبرني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله باسمك واسم أبيك في شرطة الخميس(4) .

ولما قتل أمير المؤمنين (ع) حزن عليه عبد الله حزنا مرهقا فترك الكوفة وبنى له صومعة يتعبد فيها هو وأصحابه المؤمنون ، ولما علم ابن هند بجزعهم وحزنهم على موت أمير المؤمنين (ع) أمر باحضارهم عنده ، فلما جيء بهم أمر بقتلهم صبرا فقتلوا(5) ففي ذمة الله هؤلاء الصلحاء الأخيار الذين سفكت دماؤهم ، وتقطعت أوصالهم ، ولم يرتكبوا ذنبا أو يحدثوا في الإسلام حدثا سوى ولائهم لأمير المؤمنين (ع) امتثالا لرسول الله صلى الله

__________________

(1) شرح ابن أبي الحديد.

(2) التعليقات ص 366.

(3) الخميس : اسم من أسماء الجيش سمي به لأنه قد قسم الى خمسة أقسام المقدمة والميمنة والميسرة والقلب والساقة ، وقيل : إنما سمى به لأن الغنائم تخمّس فيه جاء ذلك فى نهاية ابن الأثير ، وذكرت بعض المصادر أن شرطة الخميس كانوا معروفين بالثقة والعدالة حتى كانت شهادة أحدهم تعدل شهادة رجلين.

(4) التعليقات ص 214.

(5) البحار 10 / 102.

٣٧٧

عليه وآله الذي فرض ودّه على جميع المسلمين.

ولم يقتصر معاوية في عدائه للشيعة على قتل زعمائهم ، فقد قام بأمور بالغة الخطورة وهي :

هدم دور الشيعة :

وبذل معاوية جميع جهوده في سبيل القضاء على شيعة أمير المؤمنين فأمر عماله أن يهدموا دورهم ، فقامت جلاوزته بهدمها(1) وقد تركهم بلا مأوى يأوون إليه كل ذلك لأجل القضاء على التشيع ومحو ذكر أهل البيتعليهم‌السلام .

عدم قبول شهادة الشيعة :

وعمل معاوية جميع ما يمكنه في اذلال الشيعة وفهرهم ، فقد كتب الى جميع عماله أن لا يجيزوا لأحد من شيعة أمير المؤمنين وأهل بيته شهادة(2) فامتثل العمال أمره ، فلم تقبل شهادة الشيعة وهم من ثقات المسلمين وعدولهم وأخيارهم.

اشاعة الارهاب والاعتقال :

وأذاع معاوية الرعب والإرهاب فى نفوس الشيعة فخلّد بعضهم في السجون حتى ماتوا ، وروّع جمعا آخرين حتى تركوا أوطانهم وفرّوا هائمين على وجه الأرض يطاردهم الخوف والرعب ، وقد قبضت شرطته

__________________

(1) اعيان الشيعة 4 / 46.

(2) شرح ابن أبي الحديد 3 / 15 ، ذخيرة الدارين ص 19.

٣٧٨

على الكثيرين منهم فجيء بهم مخفورين إليه فقابلهم بالاستخفاف والاستهانة والتحقير ونحن نذكر أسماءهم مع ما جرى عليهم من العسف والظلم وهم :

1 ـ محمد بن أبي حذيفة :

محمد بن أبي حذيفة يعد في طليعة ثقات الإسلام ومن خيرة صالحاء المسلمين فقد كان من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر وقد قال أمير المؤمنين (ع) في حقه : « ان المحامدة تأبى أن يعصى الله » ثم عده منهم ، وكان ملازما لأمير المؤمنين وفى خدمته ، ولما قتل (ع) وانتهى الأمر الى معاوية أراد قتله ثم بدا له أن يسجنه فسجنه أمدا غير قصير ، والتفت يوما الى أصحابه فقال لهم : « ألا نرسل الى هذا السفيه محمد بن أبي حذيفة فنبكته ونخبره بضلاله ، ونأمره أن يقوم فيسب عليا » فأجابوه الى ذلك ، ثم أمر باحضاره فلما مثل عنده التفت إليه قائلا :

« يا محمد ألم يأن لك أن تبصر ما كنت عليه من الضلالة بنصرتك علي بن أبي طالب (ع) ألم تعلم أن عثمان قتل مظلوما وان عائشة وطلحة والزبير خرجوا يطلبون بدمه وان عليا هو الذي دس الناس في قتله ونحن اليوم نطلب بدمه ».

فأجابه محمد : « إنك لتعلم أني أمس القوم بك رحما وأعرفهم بك ».

فقال له معاوية : أجل. واندفع محمد فقال له :

« فو الله الذي لا إله غيره ما اعلم أحدا شرك في دم عثمان والّب الناس عليه غيرك لما استعملك ، ومن كان مثلك فسأله المهاجرون والأنصار أن يعزلك فأبى ففعلوا به ما بلغك ، والله ما أحد شرك فى قتله بدئا وأخيرا إلا طلحة والزبير وعائشة فهم الذين شهدوا عليه بالعظمة وألّبوا عليه الناس وشركهم في ذلك عبد الرحمن بن عوف وابن مسعود وعمار والأنصار جميعا ».

٣٧٩

فارتاع معاوية وقال منكرا عليه :

« قد كان ذلك؟!! »

« أي والله ، وإني لأشهد أنك منذ عرفتك في الجاهلية والإسلام لعلى خلق واحد ، ما زاد الإسلام فيك لا قليلا ولا كثيرا وإن علامة ذلك فيك لبينة تلومنى على حبي عليا ، خرج مع علي كل صوام قوام مهاجري وانصاري وخرج معك ابناء المنافقين والطلقاء والعنقاء خدعتهم عن دينهم ، وخدعوك عن دنياك ، والله يا معاوية ما خفي عليك ما صنعت ، وما خفي عليهم ما صنعوا إذ احلوا انفسهم بسخط الله في طاعتك ، والله لا ازال احب عليا لله ولرسوله ، وابغضك في الله ورسوله ابدا ما بقيت!! »

ففزع معاوية وقال : « إني اراك على ضلالك بعد ردوه الى السجن »

فردوه للسجن فمكث فيه مدة من الزمن حتى مات فيه(1) .

لقد لاقى محمد حتفه وهو مروع في ظلمات السجون لأنه لم يرتض اعمال معاوية ولم يقره على منكراته ومساوئه ، وهكذا كان مصير الأحرار والنبلاء المعارضين لحكومة معاوية يلاقون التعذيب والتنكيل والتخليد في السجون.

2 ـ عبد الله بن هاشم المرقال :

ومن زعماء الشيعة وعيونهم الذين روعهم معاوية الزعيم المثالي عبد الله ابن هاشم المرقال ، فقد كان معاوية يحمل فى نفسه كمدا وحقدا عليه وذلك لولائه واخلاصه لأمير المؤمنين (ع) ولموقف ابيه هاشم في يوم صفين ذلك الموقف الخالد الذي اخافه وارهبه حتى صمم على الهزيمة والفرار ، وللتشفي والانتقام منه فقد كتب الى عامله زياد رسالة يطلب فيها القبض على عبد الله

__________________

(1) رجال الكشي ص 47.

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793

794

795

796

797

798

799

800

801

802

803

804

805

806

807

808

809

810

811

812

813

814

815

816

817

818

819

820

821

822

823

824

825

826

827

828

829

830

831

832

833

834

835

836

837

838

839

840

841

842

843

844

845

846

847

848

849

850

851

852

853

854

855

856

857

858

859

860

861

862

863

864

865

866

867

868

869

870

871

872

873

874

875

876

877

878

879

880

881

882

883

884

885

886

887

888

889

890

891

892

893

894

895

896

897

898

899

900

901

902

903

904