اختيار معرفة الرجال

اختيار معرفة الرجال8%

اختيار معرفة الرجال مؤلف:
تصنيف: علم الرجال والطبقات
الصفحات: 904

اختيار معرفة الرجال المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 904 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 70850 / تحميل: 12303
الحجم الحجم الحجم
اختيار معرفة الرجال

اختيار معرفة الرجال

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

البراء بن عازب‌

___________________________________________________________

علمه أي يختبره ويمتحنه، ومنه الحديث « وكنا نبور أولادنا بحب علي بن ابي طالب » وحديث علقمة الثقفي حتى والله ما نحسب الا أن ذلك شي‌ء يبتار به اسلامنا(١) .

وقال: وفي حديث جعفر الصادق « لا يحبنا أهل البيت كذا وكذا ولا ولد الميافعة » أي ولد الزنا يقال: يافع الرجل جارية فلان اذا زنى بها(٢) .

وقال فيه: وفي حديث أهل البيت « لا يحبنا اللاكع ولا المحبوس »(٣) .

لكع عليه الوسخ كفرح لصق به ولزمه، ولكع بضم اللام وفتح الكاف اللئيم الخسيس الوسخ الدنس، وأصل الخسيس الخلط، وذلك عن خبث الطينة واختلاط النطفة وعدم طيب الولادة.

وفي النهاية الاثيرية أيضا: في حديث الصادق « لا يحبنا أهل البيت ذو رحم منكوس » قيل: هو المأبون لانقلاب شهوته الى دبره(٤) انتهى كلام النهاية.

البراء بن عازب‌

هو أبو عامر أو أبو عمار، البراء - بالباء الموحدة والراء المخففة المفتوحتين وبالمد كسماء - بن عازب باهمال العين قبل الالف والزاء بعدها.

في القاموس: أنا براء منه لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث، أي بري‌ء والبراء أول ليلة، أو يوم من الشهر، أو آخرها، أو آخره، كابن البراء وأبراء دخل فيه واسم،

__________________

(١) نهاية ابن الاثير: ١ / ١٦١‌

(٢) نهاية ابن الاثير: ٥ / ٢٩٩‌

(٣) نهاية ابن الاثير: ٤ / ٢٦٩‌

(٤) نهاية ابن الاثير: ٥ / ١١٥‌

٢٤١

٩٤ - قال الكشي: روى جماعة من أصحابنا منهم أبو بكر الحضرمي، وأبان ابن تغلب، والحسين بن أبي العلاء، وصباح المزني، عن أبي جعفر وأبي عبد الله‌

___________________________________________________________

وابن مالك وعازب وأوس والمعرور الصحابيون(١) .

قال الشيخرحمه‌الله في باب الصحابة: البراء بن عازب الانصاري الخزرجي كنيته أبو عامر(٢) .

ثم ذكره في أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام وقال: البراء بن عازب الانصاري(٣)

وقال صاحب كتاب الصحابة: البراء بن عازب بن الحارث بن عدي بن خيثم بن مجذعة يكنى أبا عمارة، غزى مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خمس عشرة غزوة، واستصغره النبي يوم بدر فلم يشدها، واجازه يوم الخندق وهو ابن خمس عشر سنة، فنزل البراء الكوفة وتوفى بها في أيام مصعب بن الزبير(٤) .

وفي مختصر الذهبي: عنه عدي بن ثابت، وأبو اسحاق، وخلق، وشهد أحدا، ومات بعد التسعين.

قوله رحمه الله تعالى: روى جماعة من أصحابنا‌

لم يذكر طريقته في الاسناد عن الجماعة، وعني أنه من الصحيح الثابت عنهم وكذلك كلما أرسل ارسالا جاريا مجرى التعليق، قال في صدر الطريق روي، وأسقط الاسناد من البين، كما سبق في ترجمة أبي أيوب الانصاري: روى الحارث بن حصيرة.

قوله رحمه الله تعالى: منهم أبو بكر الحضرمى الخ‌

أبو بكر عبد الله بن محمد الحضرمي، قد بينا في المعلقات على الاستبصار‌

__________________

(١) القاموس: ١ / ٨‌

(٢) رجال الشيخ: ٨‌

(٣) رجال الشيخ: ٣٥‌

(٤) الاستيعاب: ١ / ١٣٩ وفيه جشم بن مجدعة‌

٢٤٢

عليهما‌السلام ان أمير المؤمنينعليه‌السلام قال للبراء بن عازب كيف وجدت هذا الدين؟ قال كنّا بمنزلة اليهود قبل أن نتبعك، تخف علينا العبادة، فلما اتبعناك ووقع حقائق الايمان في قلوبنا وجدنا العبادة قد تثاقلت في أجسادنا. قال امير المؤمنينعليه‌السلام : فمن ثم يحشر الناس يوم القيامة في صور الحمير وتحشرون فرادى فرادى يؤخذ بكم الى الجنة، ثم قال ابو عبد اللهعليه‌السلام : ما بدا لكم! ما من أحد يوم القيامة الا وهو يعوي عواء البهائم أن اشهدوا واستغفروا لنا، فنعرض عنهم فما هم بعدها بمفلحين.

___________________________________________________________

توثيقه وصحة حديثه.

وأبان بن تغلب ظاهر الجلالة في الفضل والثقة.

والحسين بن أبي العلاء الحفاف الازدي وأخواه علي وعبد الحميد وجوه ثقاة أذكياء، قد أوضحنا حالهم وحال أبيهم في المعلقات على الاستبصار وعلى الفقيه وأبطلنا ما تو همه المتوهمون في أبي العلاء، وسيستبين الامر في ذلك كله حيث يحين حينه إن شاء الله العزيز.

وصباح بن يحيى - باهمال الصاد المفتوحة وتشديد الباء المفتوحة - أبو محمد المزني - بضم الميم وفتح الزاء قبل النون - كوفي ثقة.

في القاموس: مزينة كجهينة قبيلة، وهو مزني(١) .

قولهعليه‌السلام : للبراء بن عازب كيف وجدت هذا الدين؟

قال له ذلك في زمن خلافته اذ كانعليه‌السلام بالكوفة، يعني كيف وجدت هذا الدين معي بعد ما كنت مع المتقمصين للخلافة قبلي؟ قال كنا بمنزلة اليهود قبل أن نتبعك تخف علينا العبادة، أي كنا تائهين في الجهالة، مستخفين بالعبادة، مضيعين لحدودها وأركانها، غير خاشعين في مناسكها آدابها، فلما اتبعناك انبسط نور المعرفة في صدورنا، ووقع حقائق الايمان في قلوبنا، فتثاقلت العبادة في جوارحنا وأجسادنا، وألذت واحلولت مع ذلك في نفوسنا وأرواحنا.

__________________

(١) القاموس: ٤ / ٢٧١‌

٢٤٣

قال أبو عمرو الكشي: هذا بعد أن أصابته دعوة أمير المؤمنينعليه‌السلام فيما روي من جهة العامة.

___________________________________________________________

روى البخاري في صحيحه بأسناده عن مطرف قال: صليت أنا وعمران خلف علي بن أبي طالب -رضي‌الله‌عنه - فكان اذا سجد كبر، واذا رفع كبر، واذا نهض من الركعتين كبر، فلما سلم أخذ عمران بيدي، فقال: لقد صلى بنا هذا صلاة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله أو قال: لقد ذكرني هذا صلاة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله (١) .

وروى الصدوق عروة الإسلام أبو جعفر بن بابويه وغيره من أشياخنا وأصحابنا رضوان الله تعالى عليهم عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله وتسليماته عليه تطويل القراءة في صلاة الكسوف بمثل الانبياء والكهف.

قال في الفقيه: وانكسفت الشمس على عهد أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فصلى بهم حتى كان الرجل ينظر الى الرجل قد ابتل قدمه من عرقه(٢) .

قولهرحمه‌الله : هذا بعد أن أصابته دعوة أمير المؤمنين (ع) فيما روى من جهة العامة‌

وقد غلط الحسن بن داود في شرح هذه العبارة، فظن أن معناها أن اصابة دعوتهعليه‌السلام اياه فيما روي من جهة العامة لا من طريق الخاصة.

قال في كتابه: البراء بن عازب « ل - ي - جخ - كش » شهدعليه‌السلام له بالجنة بعد أن روت العامة أنهعليه‌السلام دعا عليه لكتمانه الشهادة بيوم غدير خم فعمي(٣) .

فذلك ظن فاسد، فان دعائهعليه‌السلام عليه وإصابته دعوته اياه من الثابت، بل من المتواتر من طريق الخاصة ومن طريق العامة جميعا، وروى الكشي ذلك من طريق الخاصة بعد هذا الكلام.

__________________

(١) صحيح البخارى ١ / ١٩١ ط عامرة استبول‌

(٢) من لا يحضره الفقيه: ١ / ٣٤١‌

(٣) رجال ابن داود: ٦٤‌

٢٤٤

٩٥ - روى عبد الله بن ابراهيم، قال أخبرنا أبو مريم الانصاري، عن المنهال ابن عمرو،

___________________________________________________________

بل معنى العبارة: أن ما قالهعليه‌السلام في هذا الحديث له، وشهد له بقوله: « فيؤخذ بكم الى الجنة » روي من جهة العامة(١) ، أنه كان بعد ان أصابته دعوتهعليه‌السلام وعمي‌

قولهرحمه‌الله : روى عبد الله بن ابراهيم(٢)

أرسل اسناده عن عبد الله بن ابراهيم هذا، وهو عبد الله بن ابراهيم أبي عمر أبو محمد الغفاري، حليف الانصار سكن المزينة بالمدينة، فتارة يقال له: الغفاري، وتارة الانصاري، وتارة المزني، ويقال له أيضا: المدني، يروي عن أبي مريم الانصاري عبد الغفار الجازي ومن في طبقته، وعنه الحسن بن علي بن فضال، ومحمد ابن عيسى.

وذكر في الفهرست عبد الله بن ابراهيم الانصاري وأسند طريقه في رواية كتابه الى محمد بن عيسى عنه(٣) ، ثم ذكر عبد الله بن ابراهيم الغفاري وطريقه في رواية كتابه بالاسناد الاول عن محمد بن عيسى عنه، ويظهر من ذلك التعدد، والصحيح أنهما واحد.

قوله رحمه الله تعالى: عن المنهال بن عمرو‌

قال الشيخرحمه‌الله - في كتاب الرجال في أصحاب أبي عبد الله الحسين بن عليعليهما‌السلام : المنهال بن عمرو الاسدي.

وكذلك قال في أصحاب أبي محمد علي بن الحسينعليهما‌السلام : المنهال بن عمرو الاسدي.

__________________

(١) يعنى ان قوله فيما روى متعلق بقوله بعد ان أصابته، لا أنه متعلق بقوله أصابته دعوته‌

(٢) والعجب من المصحح لرجال الكشى المطبوع في جامعة مشهد حيث زعم أنه من العامة لأنه رتب النسخة كذا: ٩٥ - فيما روى من جهة العامة: روى عبد الله بن ابراهيم الخ‌

(٣) الفهرست: ١٢٧‌

٢٤٥

عن زر بن حبيش، قال: خرج علي بن أبي طالبعليه‌السلام من القصر، فاستقبله ركبان متقلدون بالسيوف عليهم العمائم، فقالوا: السّلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، السّلام عليك يا مولانا.

فقال عليعليه‌السلام : من هاهنا من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ فقام خالد بن زيد أبو أيوب، وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين، وقيس بن سعد بن عبادة، وعبد الله بن بديل بن ورقاء، فشهدوا جميعا أنهم سمعوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: يوم غدير خم من كنت مولاه فعلي مولاه.

فقال عليعليه‌السلام لأنس بن مالك، والبراء بن عازب: ما منعكما أن تقوما فتشهدا فقد سمعتما كما سمع القوم؟ ثم قال: اللهم ان كانا كتماها معاندة فابتلهما.

___________________________________________________________

وقال في أصحاب أبي جعفر الباقرعليه‌السلام : منهال بن عمرو الاسدي مولاهم.

وقال في أصحاب أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام : منهال بن عمرو الاسدي مولاهم كوفي، روى عن علي بن الحسين وأبي جعفر وأبي عبد اللهعليهم‌السلام (١) .

وفي مختصر الذهبي: المنهال بن عمرو الاسدي مولاهم، عن ابن الحنيفة وزر، وعنه الاعمش، وشعبة، ورواية عنه في « س » ثم تركه بآخرة، وثّقه ابن معين.

قولهرحمه‌الله : عن زر بن حبيش‌

زر بالزاء المكسورة والراء المشددة، وحبيش بضم الحاء المهملة وفتح الباء الموحدة واسكان الياء المثناة من تحت واعجام الشين أخيرا، على ما في جامع الاصول والقاموس وغيرهما من الكتب المعتبرة.

وقال العلامة في الخلاصة: بالسين المهملة(٢) .

فاعترض عليه الحسن بن داود بالتصحيف والتوهم(٣) .

__________________

(١) رجال الشيخ على الترتيب: ٧٩، ١٠١، ١٣٨، ٣١٣‌

(٢) الخلاصة: ٧٦‌

(٣) رجال ابن داود: ١٥٧‌

٢٤٦

فعمي البراء بن عازب، وبرص قدما أنس بن مالك، فحلف أنس بن مالك أن لا يكتم منقبة لعلي بن أبي طالب ولا فضلا أبدا، وأما البراء بن عازب فكان يسأل عن منزله؟ فيقال: هو في موضع كذا وكذا، فيقول: كيف يرشد من أصابته الدعوة.

___________________________________________________________

فبعض شهداء المتأخرين في حاشية الخلاصة(١) رجح كلام ابن داود، بأنه في نسخة معتبرة لكتاب الرجال للشيخ وجد ذلك مضبوطا بالشين المعجمة، ولم يتعرض للتصريح بذلك في الاصول المعول عليها في هذا الباب، كأنه لم يتبعها أصلا.

وبالجملة زر بن حبيش من أفاضل رجال أمير المؤمنينعليه‌السلام .

قال الشيخ في كتاب الرجال في أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام : زرّ بن حبيش وكان فاضلا(٢) .

وفي مختصر الذهبي: زرّ بن حبيش أبو مريم الاسدي، عاش مائة وعشرين سنة، مات سنة ٨٢.

قولهعليه‌السلام : وأما البراء بن عازب فكان يسأل عن منزله‌

أي بعد أن أصابته دعوة أمير المؤمنينعليه‌السلام وعمي، فيقال: هو في موضع كذا وكذا، فيقول: كيف يرشد من أصابته الدعوة، ولعل قوله هذا قبل ما قد سبق من حديث شهادة أمير المؤمنينعليه‌السلام له بالجنة.

__________________

(١) التعليقة على الخلاصة للشهيد الثانى غير مطبوع.

(٢) رجال الشيخ: ٤٢‌

٢٤٧

عمرو بن الحمق‌

٩٦ - جبريل بن أحمد الفاريابي، حدثني محمد بن عبد الله بن مهران، عن الحسن بن محبوب، عن أبي القاسم وهو معاوية بن عمار ( إن شاء الله ) رفعه، قال:

___________________________________________________________

عمرو بن الحمق‌

عمرو بن الحمق - باهمال الحاء وفتحها وكسر الميم - صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان من قتلة عثمان، وشهد مع أمير المؤمنينعليه‌السلام مشاهده كلها، وروى أبو عمرو الكشي - رحمه الله تعالى -: أنه من حواري أمير المؤمنينعليه‌السلام .

قال الشيخ -رحمه‌الله - في باب أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام : عمرو بن الحمق الخزاعي(١) .

وكذلك قال في أصحاب أبي محمد الحسين بن عليعليهما‌السلام : عمرو بن الحمق الخزاعي(٢) .

وفي مختصر الذهبي: عمرو بن الحمق الخزاعي صحابي، عنه جبير بن نفير، ورفاعة بن شداد، وجماعة، قتل بالموصل سنة ٥١ بعثمان.

قوله رحمه الله تعالى: جبريل بن أحمد الفاريابي‌

قد تقدم تحقيق حاله، والطريق هذا ضعيف بمحمد بن عبد الله بن مهران وهو غال كذاب.

وفي القاموس: فراب كسحاب قرية قرب سمرقند، ذكر تارة باصفهان، وكحربال بلد ببلخ، أو هو فيرياب ككيمياء، أو فارياب كقاصعاء وكساباط ناحية وراء نهر سيحون(٣) .

__________________

(١) رجال الشيخ: ٤٧‌

(٢) رجال الشيخ: ٦٩‌

(٣) القاموس: ١ / ١١٢‌

٢٤٨

أرسل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سرية، فقال لهم: انكم تضلون ساعة كذا من الليل فخذوا ذات اليسار، فانكم تمرون برجل في شأنه فتسترشدونه، فيأبى أن يرشدكم حتى تصيبوا من طعامه فيذبح لكم كبشا فيطعمكم ثم يقوم فيرشدكم، فأقرئوه مني السّلام واعلموه أني قد ظهرت بالمدينة.

فمضوا فضلوا الطريق، فقال قائل منهم: ألم يقل لكم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تياسروا ففعلوا فمروا بالرجل الذي قال لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فاستر شدوه؟ فقال لهم الرجل لا أفعل حتى تصيبوا من طعامي، ففعلوا، فأرشدهم الطريق. ونسوا ان يقرءوه السّلام من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

قال، فقال لهم وهو عمرو بن الحمقرضي‌الله‌عنه أظهر النبيعليه‌السلام بالمدينة فقالوا: نعم. فلحق به ولبث معه ما شاء الله.

ثم قال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ارجع الى الموضع الذي منه هاجرت فاذا تولى أمير المؤمنينعليه‌السلام فآته.

فانصرف الرجل حتى اذا تولى أمير المؤمنينعليه‌السلام الكوفة، أتاه وأقام معه بالكوفة، ثم ان أمير المؤمنينعليه‌السلام قال له ألك دار؟ قال: نعم. قال: بعها واجعلها في الازد، فاني غدا لو غبت لطلبك، فمنعك الازد حتى تخرج من الكوفة متوجها الى حصن الموصل، فتمر برجل مقعد فتقعد عنده، ثم تستقيه فيسقيك، ويسألك عن شأنك فأخبره وادعه الى الإسلام فانه يسلم، وأمسح بيدك على وركيه فان الله يمسح ما به وينهض قائما فيتبعك.

وتمرّ برجل أعمى على ظهر الطريق، فتستسقيه فيسقيك، ويسألك عن شأنك فأخبره وادعه الى الإسلام فانه يسلم، وأمسح يدك على عينيه فان الله عز وجل يعيده بصيرا فيتبعك، وهما يواريان بدنك في التراب، ثم تتبعك الخيل فاذا صرت قريبا من الحصن في موضع كذا وكذا رهقتك الخيل، فأنزل عن فرسك ومرّ الى الغار، فانه يشترك في دمك فسقة من الجن والانس.

٢٤٩

ففعل ما قال أمير المؤمنينعليه‌السلام قال، فلما انتهى الى الحصن قال للرجلين: اصعدا فانظرا هل تريان شيئا؟ قالا نرى خيلا مقبلة، فنزل عن فرسه ودخل الغار وعار فرسه فلما دخل الغار ضربه أسود سالخ فيه، وجاءت الخيل فلما رأوا فرسه عائرا قالوا هذا فرسه وهو قريب، فطلبه الرجال فأصابوه في الغار فكلما ضربوا ايديهم الى شي‌ء من جسمه تبعهم اللحم، فأخذوا رأسه، فأتوا به معاوية، فنصبه على رمح، وهو أول رأس نصب في الإسلام.

٩٧ - قال الكشى: وروى أن مروان بن الحكم كتب الى معاوية وهو عامله على المدينة: أما بعد. فان عمرو بن عثمان ذكر أن رجلا من أهل العراق ووجوه أهل‌

___________________________________________________________

قوله: وعار فرسه‌

باهمال العين قبل الالف والراء بعدها. قال في المغرب: عار الفرس يعير ذهب هنا وهنا من نشاطه: أوهام على وجهه لا يثنيه شي‌ء، ومنه قوله فيما لا يجوز بيعه كذا وكذا. والفرس العائر والعاند من العاند من العناد تصحيف، ويقال: سهم عاير لا يدري من رماه.

قوله: ضربه أسود سالخ‌

باهمال السين قبل الالف واللام بعدها واعجام الخاء أخيرا.

قال في القاموس: والسالخ اسم الاسود من الحيات والانثى أسودة، ولا توصف بسالخة وأسود وأسودان سالخ، وأساود سالخة وسوالخ(١) .

قوله أن رجلا من أهل العراق‌

بفتح الراء واسكان الجيم على جمع راجل، أو بالزاء المضمومة والجيم المفتوحة، أي جماعات على جمع الزجلة بالضم وهي الجماعة، أو بالزاء المفتوحة‌

__________________

(١) القاموس: ١ / ٢٦١‌

٢٥٠

الحجاز يختلفون الى الحسين بن علي، وذكر أنه لا يأمن وثوبه، وقد بحثت عن ذلك فبلغني أنه يريد الخلاف يومه هذا، ولست آمن أن يكون هذا أيضا لما بعده، فاكتب إلي برأيك في هذا، والسّلام.

فكتب اليه معاوية: أما بعد: فقد بلغني كتابك وفهمت ما ذكرت فيه من أمر الحسين، فاياك أن تعرض للحسين في شي‌ء واترك حسينا ما تركك، فانا لا نريد أن تعرّض له في شي‌ء ما وفي ببيعتنا ولم ينز على سلطاننا، فاكمن عنه ما لم يبدلك صفحته، والسّلام.

___________________________________________________________

والجيم الساكنة، بمعنى ارسال الحمام للاختبار والاستخبار.

قوله عليه وعلى شجرته الملعونة الخبيثة أصلا وفصلا أشد اللعن والعذاب: ما لم ينز على سلطاننا‌

بفتح حرف المضارعة واسكان النون وضم الزاء، من نزا على الشي‌ء ينزو نزوا ونزوانا: أي وثب وثوبا وثبانا، وقلب فلان ينزو الى كذا ينازع ويتوق اليه، والتنزي التوثب والتسرع.

وفي مجمل اللغة: التنزي تسرع الانسان الى الشر، وما نزاك على كذا أي ما حملك عليه، يقال: بالتشديد وبالتخفيف، ورجل منزو بكذا مولع به.

قوله: فاكمن عنه ما لم يبدلك صفحته‌

من كمن له كمونا، بمعنى تواري واستخفي.

قال في المغرب: ومنه الكمين من حيل الحرب، وهو أن يستخفوا في مكمن لا يفطن لهم، وكمن عنه كمونا أي اختفي.

وفي القاموس: ان الفعل منه من بابي نصر وسمع، ويقال: في المشهور من بابي ضرب ونصر(١) .

__________________

(١) القاموس: ٤ / ٢٦٣‌

٢٥١

٩٨ - وكتب معاوية الى الحسين بن عليعليه‌السلام أما بعد - فقد انتهيت إلي أمور عنك. ان كانت حقا فقد أظنّك تركتها رغبة فدعها، ولعمر الله ان من أعطى الله عهده وميثاقه لجدير بالوفاء وان كان الذي بلغني باطلا فانك أنت أعذل الناس لذلك وعظ نفسك فاذكره ولعهد الله أوف، فانك متى ما أنكرك تنكرني ومتى أكدك تكدني فاتق شقّك عصا هذه الامة وان يردهم الله على يديك في فتنة، وقد عرفت الناس وبلوتهم، فانظر لنفسك ولدينك ولأمة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ولا يسخفنّك السفهاء والذين لا يعلمون.

٩٩ - فلما وصل الكتاب الى الحسينعليه‌السلام كتب اليه: أما بعد - فقد بلغني كتابك، تذكر أنه قد بلغك عني أمور أنت لي عنها راغب وأنا لغيرها عندك جدير فان الحسنات لا يهدى لها ولا يرد اليها الا الله، وأما ما ذكرت أنه انتهى إليك عني فانه انما رقاه إليك الملاقون المشّاءون بالنميم، وما أريد لك حربا ولا عليك خلافا، وايم الله اني لخائف لله في ترك ذلك، وما أظن الله راضيا بترك ذلك، ولا عاذرا بدون الاعذار فيه إليك وفي أوليائك القاسطين الملحدين حزب الظلمة وأولياء الشياطين.

ألست القاتل حجر بن عدي أخا كندة، والمصلين العابدين الذين كانوا‌

___________________________________________________________

و « يبد » بضم حرف المضارعة من باب الافعال.

و « صفحة الشي‌ء » وجهه وجانبه، أي ما لم يظهر لك وجهه وجانبه، ولم يتكافح ولم يتظاهر لك بالمعاندة والمعاداة.

قوله: فانك أنت أعذل الناس لذلك‌

باعجام الذال بعد العين المهملة، من العذل بمعنى الملامة، يقال: عذلت الرجل اذا لمته، وعذلنا فلان فاعتذل أي لام نفسه وأعتب، يعني أنت أحق الناس بأن تكون عاذلا لمثل ذلك لائما عليه مستنكرا اياه، فخليق بك أن لا ترتكبه أبدا.

قوله عليه وعلى شجرته الطيبة المقدسة المبارك أصلها وفرعها صلوات الله التامات وتسليماته الناميات: ألست القاتل حجر بن عدى أخا كنده‌

حجر بن عدي الكندي من خواص أمير المؤمنينعليه‌السلام وأصفياء أصحابه‌

٢٥٢

ينكرون الظلم ويستعظمون البدع ولا يخافون في الله لومة لائم؟ ثم قتلتهم ظلما وعدوانا من بعد ما كنت اعطيتهم الايمان المغلظة والمواثيق المؤكدة لا تأخذهم بحدث كان بينك وبينهم ولا بإحنة تجدها في نفسك.

أو لست قاتل عمرو بن الحمق صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله العبد الصالح الذي أبلته العبادة فنحل جسمه وصفرت لونه؟ بعد ما آمنته وأعطيته من عهود الله ومواثيقه ما لو أعطيته طائرا لنزل إليك من رأس الجبل، ثم قتلته جرأة على ربك واستخفافا‌

___________________________________________________________

وأولياءه، وذكره بعضهم في عداد الصحابة.

وفي القاموس: حجر - بالضم - والد امرء القيس وجده الاعلى، وابن عدي وابن ربيعة وابن يزيد صحابيون، وابن العنبس تابعي(١) .

وقال يوسف بن عبد البر والحافظ أبو نعيم: حجر بن عنبس وقيل: ابن قيس الكندي وحجر بن عدي الأدبر، ذكرا فيمن روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا تثبت لأحدهما صحبته(٢) .

والشيخ - رحمه الله تعالى - في كتاب الرجال قال في أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام حجر بن عدي الكندي وكان من الابدال(٣) ثم ذكره في أصحاب أبي محمد الحسن ابن عليعليهما‌السلام وقال: حجر بن عدي الكندي الكوفي(٤) .

قلت: وايراده في أصحاب أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام كان خطأ لقول سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين بن عليعليهما‌السلام لمعاوية في هذه الرواية: ألست القاتل حجر بن عدي أخا كنده.

وقال أبو الحسن المسعودي - رحمه الله تعالى - في مروج الذهب: وفي‌

__________________

(١) القاموس: ٢ / ٥‌

(٢) الاستيعاب: ١ / ٣٥٩‌

(٣) رجال الشيخ: ٣٨‌

(٤) رجال الشيخ: ٦٧‌

٢٥٣

___________________________________________________________

سنة ثلاث وخمسين قتل معاوية حجر بن عدي الكندي، وهو أول من قتل صبرا في الإسلام، حمله زياد من الكوفة ومعه تسعة عشر نفرا من أهل الكوفة وأربعة من غيرها.

فلما صار الى مرج عذراء على اثنى عشر ميلا من دمشق تقدم البريد بأخبارهم الى معاوية، فبعث اليهم برجل أعور، فلما أشرف على حجر وأصحابه، قال رجل منهم: ان صدق الرجل(١) فانه سيقتل منا النصف وينجو الباقون فقيل له: وكيف ذلك؟ قال: أما ترون الرجل المقبل مصابا في إحدى عينيه.

فلما وصل اليهم قال لحجر: ان أمير المؤمنين قد أمرني بقتلك يا رأس الضلال ومعدن الكفر والطغيان والمتولي لأبي تراب، الا أن ترجعوا عن كفركم وتلعنوا أصحابكم وتتبرّءوا منه.

فقال حجر وجماعته ممن كان معه: ان الصبر على مرّ(٢) السيف لا يسر علينا مما تدعونا اليه، ثم القدوم على الله وعلى نبيه وعلى وصيه أحب إلينا من دخول النار وأجاب نصف من كان معه الى البراءة من علي.

فلما قدم حجر ليقتل قال: دعوني أصلي ركعتين فطول في صلاته، فقيل له:

أجزعا من الموت؟ قال: لا، ولكني ما تطهرت للصلاة قط إلا صليت، وما صليت قط أخف من هذه، وكيف أجزع وأني لأرى قبرا مفتوحا وسيفا مشهورا وكفنا منشورا ثم قدم فنحر: والحق به من وافقه على قوله من أصحابه.

وقيل: ان قتلهم كان في سنة خمسين، وذكر أن عدي بن حاتم الطائي دخل على معاوية: فقال له معاوية: أما أنه قد بقيت قطرة من دم عثمان لا يمحوها الا دم شريف من أشراف اليمن.

__________________

(١) وفي المصدر: الزجر‌

(٢) وفي المصدر: حد‌

٢٥٤

بذلك العهد، أولست المدعى زياد بن سمية المولود على فراش عبيد ثقيف؟ فزعمت انه ابن أبيك وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : الولد للفراش وللعاهر الحجر، فتركت سنة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تعمدا وتبعت هواك بغير هدى من الله.

___________________________________________________________

فقال عدي: والله ان قلوبنا التي أبغضاك فيها لفي صدورنا وان سيوفنا التي قاتلناك بها لعلى عواتقنا، ولئن أدنيت إلينا شبرا لندلي إليك من الشر شبرا، وان حرجمة(١) الحلقوم وحشرجة الحيزوم لا هون علينا من أن نسمع المساءة في عليعليه‌السلام فسل السيف يا معاوية يبعث السيف.

فقال معاوية: هذه كلمات حكم فاكتبوها، وأقبل على عدي محادثا كأنه ما خاطبه بشي‌ء انتهى كلام مروج الذهب(٢) .

وسيأتي في أصل الكتاب تمام القول في ترجمة حجر بن عدي إن شاء الله العزيز العليم سبحانه.

قوله عليه‌السلام أولست المدعى زياد بن سمية المولود على فراش عبيد ثقيف فزعمت أنه ابن أبيك‌

قال المسعودي في مروج الذهب: أن معاوية ادعى ذلك وأدخله في نسبه بشهادة أبي مريم السلولي، وكان أخبر الناس ببدو الامر، وذلك أنه جمع بين أبي سفيان وسمية أم زياد في الجاهلية على زنا، وكانت سمية من ذوات الرايات بالطائف تؤد الضريبة الى الحارث بن كلدة سمية، فقال: ايتني بها على ذفرها وقذرها.

فقال له زياد: مهلا يا أبا مريم! انما بعثت شاهدا ولم تبعث شاتما، فقال أبو مريم: نعم لو كنت أعفيتموني لكان أحب إلي وانما شهدت بما عاينت ورأيت، والله لقد أخذ بكور(٣) درعها وأغلقت الباب عليهما وقعدت دهشانا، فلم ألبث أن خرج‌

__________________

(١) وفي المصدر: حز‌

(٢) مروج الذهب: ٣ / ٣ - ٥‌

(٣) كار الشى‌ء يكور كورا دار وكور العمامة دورها ( منه ) وفي المصدر: بكم درعها‌

٢٥٥

ثم سلطته على العراقين، يقطع أيدي المسلمين وأرجلهم، ويسمل أعينهم، ويصلبهم على جذوع النخل كأنك لست من هذه الامة وليسوا منك.

أولست صاحب الحضرميين الذين كتب فيهم ابن سمية انهم كانوا على دين عليعليه‌السلام ؟ فكتب اليه ان اقتل كل من كان على دين علي فقتلهم ومثلهم ودين عليعليه‌السلام سر الله الذي كان يضرب عليه أباك ويضربك، وبه جلست مجلسك الذي جلست، ولو لا ذلك لكان شرفك وشرف أبيك الرحلتين.

___________________________________________________________

علي يمسح جبينه فقلت: مه يا أبا سفيان فقال: ما أصبت مثلها يا أبا مريم لو لا استرخاء من ثديها وذفر من مرفقيها.

فقام زياد فقال: أيها الناس هذا الشاهد قد ذكر ما سمعتم ولست أدري حق ذلك من باطله، وانما كان عبيد ابا مبرورا ووليا مشكورا، والشهود أعلم بما قالوا.

فقام يونس بن عبيد أخو صفية بنت عبيد بن أسد بن علاج الثقفي، وكانت صفية مولاة سمية، فقال: يا معاوية قضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الولد للفراش وللعاهر الحجر وقضيت أنت الولد للعاهر وأن الحجر للفراش، مخالفة لكتاب الله وانصرافا عن سنة رسول الله بشهادة أبي مريم على زنا أبي سفيان.

فقال معاوية: والله لتنتهين يا يونس أو لأطيرن بك طيرة بطيئا وقوعها، فقال يونس: هل الا الى الله ثم أقع؟

فقال عبد الرحمن بن أم الحكم في ذلك:

ألا أبلغ معاوية بن حرب

مغلغلة عن الرجل اليماني

أتغضب أن يقال أبوك عف

وترضى أن يقال أبوك زان

فاشهد أن رحمك من زياد

كرحم الفيل من ولد الاتان(١)

قوله عليه‌السلام : لكان شرفك وشرف أبيك الرحلتين‌

الرحلة - بالكسر - الارتحال، الرحلة - بالضم - الوجهة التي يقصدها المرتحل‌

__________________

(١) مروج الذهب: ٣ / ٦ - ٨‌

٢٥٦

وقلت فيما قلت « انظر لنفسك ولدينك ولأمة محمد واتق شق عصا هذه الامة وان تردهم الى فتنة » واني لا أعلم فتنة أعظم على هذه الامة من ولايتك عليها ولا أعظم نظرا لنفسي ولديني ولأمة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلينا أفضل من أن أجاهدك، فان فعلت فانه قربة الى الله، وان تركته فاني أستغفر الله لديني وأسأله توفيقه لإرشاد أمري.

وقلت فيما قلت « أني ان أنكرتك تنكرني وان أكدك تكدني » فكدني ما بدا لك فاني أرجو أن لا يضرني كيدك فيّ، وأن لا يكون عليّ أحد أضر منه على نفسك، على أنك قد ركبت بجهلك وتحرصت علي نقض عهدك، ولعمري ما وفيت بشرط.

ولقد نقضت عهدك بقتلك هؤلاء النفر الذين قتلتهم بعد الصلح والايمان والعهود والمواثيق، فقتلتهم من غير أن يكونوا قاتلوا وقتلوا، ولم تفعل ذلك بهم الا لذكرهم فضلنا وتعظيمهم حقنا، فقتلتهم مخافة أمر لعلك لو لم تقتلهم متّ قبل أن يفعلوا أو ماتوا قبل أن يدركوا.

فأبشر يا معاوية بالقصاص وأستيقن بالحساب واعلم أن لله تعالى كتابا لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا أحصاها، وليس الله بناس لأخذك بالظنة وقتلك أوليائه على‌

___________________________________________________________

في مسيره.

ويعنيعليه‌السلام بالرحلتين: رحلتي قريش بالشتاء والصيف، للامتيار والاتجار، كان لإشرافهم الرحلة في الشتاء الى اليمن وفي الصيف الى الشام، فيمتارون ويتجرون وذلك قصارى جاههم وشرفهم.

فدين الإسلام وهو دين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ودين علي بن أبي طالبعليه‌السلام علاهم وشرفهم ورفع قدرهم وأعلا منزلتهم، وجعل الله سبحانه استقرار ذلك منوطا بسيف عليعليه‌السلام ، ولذلك كان ضربة عليعليه‌السلام يوم الخندق توازي عمل الثقلين وأفضل من عبادة الجن والانس وأفضل من عمل الثقلين على اختلاف الروايات.

٢٥٧

التهم ونقل أوليائه من دورهم الى دار الغربة، وأخذك للناس ببيعة ابنك غلام حدث يشرب الخمر، ويلعب بالكلاب،

___________________________________________________________

قولهعليه‌السلام : ببيعة ابنك غلام حدث يشرب الخمر ويلعب بالكلاب‌

قال في مروج: وكان يزيد صاحب طرب وجوارح وقرود وفهود، ومنادمة على الشراب، وعن يمينه ابن زياد وغلب على أصحاب يزيد وعماله ما كان يفعله من الفسوق، وفي أيامه ظهر الغناء بمكة والمدينة، واستعملت الملاهي، وأظهر الناس شرب الشراب.

وكان له قرد يكنى بأبي قيس يحضره مجلس منادمته، ويطرح له متكأ، وكان قردا خبيثا، فكان يحمله على أتان وحشية قد ريضت وذللت لذلك بسرج ولجام، ويسابق بها الخيل يوم الحلبة.

فجاء في بعض الايام سابقا فتناول القصبة ودخل الحجرة قبل الخيل، وعلى أبي قيس قباء من الحرير الاحمر والاصفر مشمر وعلى رأسه قلنسوة من الحرير ذات ألوان بشقائق، وعلى الاتان سرج من الحرير الاحمر منقوش ملون بأنواع من الالوان.

وعامله الذي استعمله على جيشه المبعوث من الشام الى المدينة قاتل في الموضع المعروف بالحرة خلقا من بني هاشم، وسائر قريش وأنصار، وغيرهم من خيار الناس وأفاضلهم وقتلهم.

وأخاف المدينة وألهبها وقتل أهلها وبايعهم على أنهم عبيدا ليزيد، وسماها « نتنة » وقد سماها رسول الله « طيبة » وقال: من أخاف المدينة أخافه الله.

وليزيد وغيره من بني أمية أخبار عجيبة ومثالب كثيرة: من شرب الخمور، وقتل ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولعن الوصي، وهدم البيت واحراقه وسفك الدماء المحقونة، والفسق والفجور، وغير ذلك مما قد ورد فيه الوعيد باليأس من غفرانه، كوروده فيمن جحد توحيده وخالف رسله انتهى ما في مروج الذهب(١) .

__________________

(١) مروج الذهب ٣ / ٦٧ - ٧٢‌

٢٥٨

لا أعلمك الا وقد خسّرت نفسك وتبّرت دينك وغششت رعيتك وأخربت أمانتك وسمعت مقالة السفيه الجاهل وأخفت الورع التقي لا جلهم - والسّلام.

فلما قرأ معاوية الكتاب، قال: لقد كان في نفسه ضب ما اشعر به.

فقال يزيد يا أمير المؤمنين أجبه جوابا تصغر اليه نفسه، وتذكر فيه أباه بشي‌ء فعله قال: ودخل عبد الله بن عمرو بن العاص، فقال له معاوية: أما رأيت ما كتب به الحسين؟ قال وما هو؟ قال: فأقرأه الكتاب، فقال وما يمنعك أن تجيبه بما يصغر اليه نفسه؟ وانما قال ذلك في هوى معاوية، فقال يزيد كيف رأيت يا أمير المؤمنين رأي؟ فضحك معاوية فقال: أما يزيد فقد أشار علي بمثل رأيك، قال عبد الله: فقد أصاب يزيد.

فقال معاوية أخطأتما أرأيتما لو أني ذهبت لعيب عليّ محقا ما عسيت أن أقول فيه، ومثلي لا يحسن أن يعيب بالباطل وما لا يعرف، ومتى ما عبت به رجلا بما لا يعرفه الناس لم يخول به صاحبه ولا يراه الناس شيئا وكذبوه، وما عسيت أن أعيب حسينا، والله ما أرى للعيب فيه موضعا وقد رأيت أن أكتب اليه أتوعده وأتهدده ثم رأيت ألا أفعل ولا أمحله.

___________________________________________________________

قولهعليه‌السلام : لا أعلمك الا وقد خسرت نفسك وتبرت دينك وغششت رعيتك‌

« خسرت » باهمال السين المشددة بعد الخاء المعجمة، أي أهلكتها من التخسير بمعنى الاهلاك.

و « تبرت » بتشديد الباء الموحدة بعد التاء المثناة من فوق، من التتبير تفعيلا من التبر - بفتح التاء المثناة من فوق واسكان الباء الموحدة - بمعنى الكسر والاهلاك، والتبار - بالفتح أيضا - الهلاك.

وايم الله لقد بلغ معاوية من خسارة نفسه وتبار دينه وغشه رعيته الى خيانته اياهم في الدين أمد الاحد فوقه.

٢٥٩

خزيمة بن ثابت‌

___________________________________________________________

قال المسعودي في مروج الذهب: ولقد بلغ من أمرهم في طاعتهم له أن صلى بهم في مسيرهم الى صفين الجمعة يوم الاربعاء.

وسبط ابن الجوزي في الخصائص والمناقب قال: قال المسعودي: لقد بلغ من طاعة أهل الشام لمعاوية أنه صلى بهم الجمعة يوم الاربعاء، وغيره يقول: يوم السبت وقال: كان لنا بالامس عذر.

وكذلك قال جده أبو الفرج بن الجوزي في المنتظم.

خزيمة بن ثابت‌

هو أبو عمارة الانصاري ذو الشهادتين، خزيمة - بالخاء المعجمة المضمومة والزاء المفتوحة والياء الساكنة والميم والهاء أخيرا - ابن ثابت بن الفاكة، من عظماء أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله شهد معه بدرا وما بعدها، ومن أصفياء أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام ، شهد معه جمل والصفين، وقتل بصفين شهيدا.

ذكره الشيخ - رحمه الله تعالى - في كتاب الرجال في باب الصحابة قال:

خزيمة بن ثابت(١) .

ثم ذكره في أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام وقال: خزيمة بن ثابت(١) ذو الشهادتين(٢) .

ولقد أطبقت العامة والخاصة على أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سماه ذو الشهادتين وأقامه وحده في باب الشهادة مقام شاهدين.

والسيد المرتضى علم الهدى ذو المجدين - رضي الله تعالى عنه - في كتاب الانتصار في مسألة قضاء القاضي بعلمه: وأن قول أبي علي بن الجنيد بخلاف ذلك خرق الاجماع الامامية، ومسبوق وملحوق بانعقاده سابقا ولا حقا قبل ابن الجنيد وبعده، أورد قضية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في ابتياعه الناقة من الاعرابي من طريقين.

__________________

(١) رجال الشيخ: ١٩‌

(٢) رجال الشيخ: ٤٠‌

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

وحيث إنّ البحث هنا هو حول التوحيد الذاتي، فنرجئ البحث عن التوحيد في العبادة مطلقاً وبطلان معبودية المسيح خصوصاً إلى الفصل التاسع.

غير أنّ التدبر في هذه الآية والآيات المشابهة لها يوضح لنا نقطة مهمة وهي: أنّ الدافع الأساسي لاتخاذ شخص أو شيء معبوداً إنّما هو لأجل الاعتقاد بمالكية ذلك المعبود لضرهم ونفعهم.

وعلى هذا فكل خضوع وخشوع ينبع من هذه النقطة المهمة يمكن أن يكون مصداقاً للشرك في العبادة.

وأمّا إذا خضع أحد أمام إنسان آخر دون هذا الدافع فإنّ عمله لا يكون حينئذ إلّا احتراماً، وتكريماً وليس عبادة.

وسوف يأتي مفصل هذا القسم في الفصل التاسع إن شاء الله.

وبالتالي فإنّ القرآن الكريم يبدي نظره حول « السيد المسيح » وهو ـ في الحقيقة ـ الرأي الصحيح البعيد عن أية مبالغة أو غمط حق، وهو قوله سبحانه :

( يَا أَهْلَ الكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُوا عَلَىٰ اللهِ إلّا الحَقَّ إِنَّمَا المَسِيحُ عِيسَىٰ ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا باللهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انتَهُوا خَيْراً لَكُمْ ) (١) .

فلقد وصفت هذه الآية السيد المسيح بأفضل ما يمكن أن يكون مبيناً لحقيقة شخصية رفيعة الشأن جليلة المقام، وكان هذا الوصف والتعريف رفيعاً ومؤثراً جداً بحيث جعل النجاشي ( ملك الحبشة ) الذي سأل جعفر بن أبي طالب أن يبين له رأي القرآن في المسيح فقرأ عليه هذه الآية.

__________________

(١) النساء: ١٧١.

٣٠١

أقول: جعل النجاشي يعمد ـ بعد سماعه الآية ـ إلى عود من الأرض، ويقول :

« ما عدا [ أي ما تجاوز ] عيسى عما قلت هذا العود »(١) .

إنّ الأوصاف التي وصف بها عيسى في هذه الآية هي :

١.( إِنَّما المَسِيحُ ) ، وتعني لفظة المسيح: المبارك وقد وصف عيسى في آية أُخرى بهذا النحو :

( وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ المُقَرَّبِينَ ) (٢) .

٢.( عِيسَىٰ ابْنُ مَرْيَمَ ) ، فقد وصف في هذا المقطع بكونه « ابناً لمريم » ومع هذا كيف يجوز أن يعتبره النصارى إلهاً، أو ابناً لله ؟

٣.( رَسُولُ اللهِ ) حيث وصف بالرسالة والنبوة، فلا هو إله ولا هو رب كما ادّعى النصارى.

٤.( كَلِمَتُهُ ) ، وهنا لا بد أن نقول: إنّ الكون بأجمعه وإن كان كلمة لله وإنّ النظام البديع وإن كان يحكي عن علمه ويخبر عن حكمته ويعبَّر عن قداسته كما تعبر الألفاظ والكلمات عن معانيها، ولكن حيث إنّ هذه الكلمة ( أعني: المسيح ) خلق دون توسط أسباب وعلل، لذلك أطلقت عليه لفظة الكلمة بخصوصه لإبراز أهميته الخاصة من بين كلمات الله الأُخرى.

٥.( وَرُوحٌ مِنْهُ ) ، أي من جانب الله.

__________________

(١) الكامل لابن الأثير: ٢ / ٥٥.

(٢) آل عمران: ٤٥.

٣٠٢

التثليث في نظر العقل

بعد أن فرغنا من البحث حول التثليث من وجهة نظر القرآن، يتعين علينا أن نعرضه على المعايير العقلية لنرى مدى انطباقه على تلك المعايير.

تحكي كلمات المسيحيين ـ في كتبهم الكلامية ـ عن أنّ الاعتقاد بالتثليث ـ عندهم ـ من المسائل التعبدية التي لا تدخل في نطاق التحليل العقلي، لأنّ التصورات البشرية لا تستطيع أن تصل إلى فهم هذا المطلب، كما أنّ المقايسات التي تنبع من العالم المادي تمنع من إدراك حقيقة التثليث لأنّ حقيقته ـ حسب زعمهم ـ فوق القياسات المادية.

ثمّ يقولون: حيث إنّ تجارب البشر مقصورة بالمحدود، فإذا قال الله بأنّ طبيعته غير المحدودة تتألف من ثلاثة أشخاص، لزم قبول ذلك، إذ لا مجال للمناقشة في ذلك، وإن لم يكن هناك أي مقياس لمعرفة معناه، بل يكفي في ذلك ورود الوحي على أنّ هؤلاء الثلاثة يؤلِّفون بصورة جماعية « الطبيعة الإلهية اللامحدودة » !! وانّهم رغم تشخص كل واحد منهم وتميّزه عن الآخرين ليس بمنفصل ولا متميز عن الآخر رغم انّه ليست بينهم أية شركة في الالوهية، بل كل واحد منهم إله مستقل بذاته ومالك بانفراده لكامل الالوهية !!!(١) .

فالأب مالك ـ بانفراده ـ لتمام الالوهية وكاملها متحقق فيه دون نقصان.

والابن كذلك مالك ـ بانفراده ـ لتمام الالوهية وكامل الالوهية متحقق فيه دون نقصان.

__________________

(١) انظر إلى التناقض الواضح بين تشخص كل واحد من جانب وعدم تميز كل واحد عن الآخر، ولأجل ذلك جعلوا منطقة التثليث منطقة محرمة على العقل.

٣٠٣

وروح القدس هو أيضاً مالك بانفراده ـ لكامل الالوهية وانّ الالوهية بتمامها متحققة فيه دون نقصان.

هذه العبارات وما يشابهها من التوجيهات للتثليث المسيحي توحي بأنّهم يعتبرون مسألة التثليث فوق الاستدلال والبرهنة العقلية، وأنّها بالتالي « منطقة محرمة » على العقل، فلا يمكن الاستدلال الصحيح عليها، بل مستند ذلك هو الوحي والنقل ليس غير.

ولهذا ينبغي ـ قبل أي شيء ـ أن نبحث أوّلاً في الأدلة النقلية، وهم وان كانوا يستندون في هذه الفكرة إلى النقل ولكن ليس للتثليث أي مستند نقلي معتبر.

وأمّا « الأناجيل » الأربعة الفعلية فليست بمعتبرة إطلاقاً، إذ لا تشبه الوحي بل تدل طريقة كتابتها على أنّها من بقايا أدب القرن الأوّل والثاني الميلاديين، وهذا يعني عدم كونها متعلقة بفجر المسيحية حقيقة.

ثمّ إنّ عالم ما وراء الطبيعة وإن كان لا يمكن أن يقاس بالأُمور المادية المألوفة ولكنّه ليس بمعنى أنّ ذلك العالم فوضى وخلو من المعايير، بل لكل مقياسه الخاص، والدليل على ذلك انّ هناك سلسلة من القضايا العقلية التي لا تقبل النقاش والجدل تحكم في عالم المادة، وعالم ما وراء المادة سواء كمسألة احتياج كل معلول إلى علة وكمسألة ( امتناع اجتماع النقيضين ).

إلى غير ذلك من القواعد العامة الحاكمة في عالمي المادة والمعنى.

وعلى ذلك إذا أبطلت البراهين العقلية مسألة التثليث لم يعد مجال للاستناد بالأدلة النقلية، بل يتعين أن نعترف ببطلان النصوص هذه، ونذعن بأنّها ليست من كلام الله ووحيه إذ كيف يجوز للوحي أن يخالف ما هو مسلم عقلاً.

إذا عرفت هذا، حان الوقت لأن نعرف حقيقة الأمر من وجهة نظر العقل.

٣٠٤

هل يمكن واحد وثلاثة في آن واحد ؟

يتعين علينا أن نعرف أوّلاً ما هو المقصود من التثليث الذي ربما يعبرون عن الموصوف به ب‍ « الثالوث المقدس » وهم يقولون في تفسير فكرة « التثليث » :

إنّ الطبيعة الإلهية تتألف من ثلاثة أقانيم متساوية الجوهر أي الأب والابن وروح القدس.

والأب هو خالق جميع الكائنات بواسطة الابن، والابن هو الفادي، وروح القدس هو المطهر وهذه الأقانيم الثلاثة مع ذلك ذات رتبة واحدة، وعمل واحد(١) .

والأقنوم ـ لغة ـ يعني: الأصل، والشخص، فإذن يصرح المسيحيون بأنّ هذه الآلهة الثلاثة ذات رتبة واحدة، وعمل واحد وإرادة واحدة، بموجب هذا النقل.

ونحن نتساءل ما هو مقصودكم من الآلهة الثلاثة ؟ والواقع إنّ للتثليث صورتين لا يناسب أي واحد منهما المقام الربوبي :

١. أن يكون لكل واحد من هذه الآلهة الثلاثة وجود مستقل عن الآخر بحيث يظهر كل واحد منها في تشخص ووجود خاص، فكما أنّ لكل فرد من أفراد البشر وجوداً خاصاً، كذلك يكون لكل واحد من هذه الأقانيم، أصل مستقل، وشخصية خاصة، متميزة عما سواها.

غير أنّ هذا هو نظر « الشرك » الجاهلي الذي كان سائداً في عصر الجاهلية في

__________________

(١) قاموس الكتاب المقدس.

٣٠٥

صورة تعدد الآلهة، وقد تجلّى في النصرانية في صورة التثليث !

ولكن دلائل « التوحيد » قد أبطلت أي نوع من أنواع « الشرك » من الثنوية والتثليث في المقام الالوهي والربوبي.

وقد وافتك تلك الأدلة حول التوحيد في الذات وسيأتي ما يدل على التوحيد في الربوبية في الفصل الثامن، والعجيب ـ حقاً ـ أنّ مخترعي هذه البدعة من رجال الكنيسة يصرون ـ بشدة ـ على أن يوفقوا بين هذا « التثليث » و « التوحيد » بالقول بأنّ الإله في كونه ثلاثة، واحد، وفي كونه واحداً ثلاثة، وهل هذا إلّا تناقض فاضح ؟! إذ لا يساوي الواحد مع الثلاثة في منطق أي بشر !! وليس لهذا التأويل من سبب غير أنّ ـ هم لما واجهوا ـ من جانب ـ أدلة التوحيد اضطروا إلى الإذعان بوحدانية الله تعالى.

ولكنهم من جانب آخر لما خضعوا للعقيدة الموروثة ( أي عقيدة التثليث ) التي ترسخت في قلوبهم أيما رسوخ، حتى أنّهم أصبحوا غير قادرين من التخلص منها، والتملص من حبائلها، التجأوا إلى الجمع بين التوحيد وألتثليث وقالوا: إنّ الإله واحد في ثلاثة وثلاثة في واحد !!

أقانيم ثلاثة أم شركة مساهمة ؟!

هناك تفسير آخر للتثليث وهو: أنّ يقال انّ الأقانيم الثلاثة ليست بذات لكل منها وجود مستقل، بل هي بمجموعها تؤلف ذات إله الكون الواحد، فلا يكون أي واحد من هذه الأجزاء والأقانيم بإله بمفرده، بل الإله هو المركب من هذه الأجزاء الثلاثة.

٣٠٦

ويرد على هذا النوع من التفسير أنّ معنى هذه المقالة هو كون الله « مركباً » محتاجاً في تحقّقه وتشخصه إلى أجزاء ذاته ( أي هذه الأقانيم الثلاثة ) بحيث ما لم تجتمع لم يتحقق وجود الله.

وفي هذه الصورة سيواجه أرباب الكنيسة والنصارى إشكالات أكثر وأكبر من ذي قبل :

ألف. أن يكون إله الكون محتاجاً في تحقّق وجوده إلى الغير ( وهو كل واحد من هذه الأقانيم باعتبار أنّ الجزء غير الكل ) في حين أنّ المحتاج إلى الغير لا يمكن أن يكون إلهاً واجب الوجود، بل يكون حينئذ ممكناً مخلوقاً محتاجاً إلى من يرفع حاجته كغيره من الممكنات.

بل يلزم كون الأجزاء الممكنة مخلوقة لله سبحانه من جانب ويلزم أن يكون الإله المتكون منها مخلوقاً لها من جانب آخر.

ب. إمّا أن تكون هذه الأجزاء ممكنة الوجود أو واجبة، فعلى الأوّل يلزم احتياج الواجب ( أعني: الكل ) إلى الأجزاء الممكنة، وعلى الثاني يلزم تعدد واجب الوجود، وهو محض الشرك، وعندئد فلا مناص من أن يكون ذلك الإله الخالق بسيطاً غير مركب من أجزاء وأقانيم.

ج. انّ القول: بأنّ في الطبيعة الإلهية أشخاصاً ثلاثة، وأنّ كل واحد منها يملك تمام الالوهية، معناه أن يكون لكل واحد من هذه الثلاثة وجوداً مستقلاً مع أنّهم يقولون: إنّ طبيعة الثالوث لا تقبل التجزئة.

وبتعبير آخر، إنّ بين هذين الكلامين، أي استقلال كل اقنوم بالطبيعة الالوهية وعدم قبول طبيعة الثالوث للتجزئة، تناقضاً صريحاً.

٣٠٧

د. إذا كانت شخصية الابن إلهاً ( أي أحد الآلهة ) فلماذا كان يعبد الابن أباه ؟ وهل يعقل أن يعبد إله إلهاً آخر مساوياً له، وأن يمد إليه يد الحاجة، أو يخضع أحدهما للآخر ويخفض له جناح التذلل والعبودية وكلاهما إلهان كاملا الالوهية ؟!

هذا حق المقال حول التثليث ومن العجب أنّ أحد القسيسين القدامى وهو « أوغسطين » قال: أؤمن بالتثليث لأنّه محال(١) .

__________________

(١) راجع مقارنة الأديان المسيحية للكاتب أحمد شلبي.

٣٠٨

الفصل السادس

الله وبساطة ذاته تعالى

« وعينية صفاته لذاته »

٣٠٩

بساطة ذاته تعالى

١. التوحيد الذاتي وبساطة الذات.

٢. ذات الله منزّهة عن التركيب الخارجي.

٣. ذاته منزهة عن التركيب العقلي.

٤. صفات الله عين ذاته.

٥. الدليل على وحدة الصفات والذات.

٦. تعدد الصفات وبساطة الذات كيف ؟

٣١٠

بساطة ذاته تعالى

ويقع البحث في هذا الفصل في مقامين :

١. ذات الله منزّهة عن التركيب.

٢. صفات الله عين ذاته.

بعد ما عرفنا « التوحيد الذاتي » بمعنى نفي الشبيه والنظير والمثيل لله سبحانه ببراهينه، يتعين علينا الآن أن نستعرض « التوحيد الذاتي » من زاوية أُخرى، وهي بساطة الذات الإلهية، ونفي أي نوع من أنواع التركيب الخارجي والعقلي فيها.

ولما كانت لمسألة بساطة الذات عن التركيب الخارجي والعقلي، ومسألة التوحيد في الصفات ( بمعنى اتحاد الذات مع صفاتها وجوداً وخارجاً ) دلائل مشتركة جعلناهما في فصل واحد وهو الفصل الحاضر، مع الاعتراف بأنّ المسألتين من بابين مختلفين، فمسألة « بساطة الذات » من فروع التوحيد الذاتي، ومسألة اتحاد الذات والصفات من شعب التوحيد في الصفات، ونركز بحثنا أوّلاً على بساطة الذات.

التوحيد الذاتي وبساطة الذات

للتوحيد الذاتي معنيان :

٣١١

١. أنّ الله واحد لا يتصور له نظير ولا مثيل.

٢. أنّ ذاته تعالى بسيطة ومنزهة عن أي نوع من أنواع التركيب، والكثرة العقلية، والخارجية.

وقد اصطلح بعض العلماء على التوحيد الذاتي بالمعنى الأوّل بالواحدية، وبالمعنى الثاني بالأحدية، ولعل هذين الاصطلاحين مبتنيان على أنّ لفظة « واحد » تعني في لغة العرب ما يقابل الاثنين فإذا قلنا: « الله واحد »، يعني: لا ثاني له ولا نظير ولا مثيل ولا عديل، ولكن لفظة « أحد »، تعني الوحدة في مقابل التركيب، وإذا وجدنا القرآن يصف الله بلفظة الأحد ويقول:( هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) فهو يقصد مقابلة « التثليث التركيبي » الذي كانت النصارى تدعيه فتزعم بأنّ المقام الالوهي « مركب » من ثلاثة أقانيم.

ويدل على ذلك أنّه لو كان المقصود من « أحد » في هذه الآية هو أنّ الله واحد، ولا نظير له لما كان ثمة داع لتكرار هذا المضمون في ذيل السورة إذ يقول:( وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ ) ، ويتضح ما قلناه إذا وقفنا على أنّ هذه السورة برمتها نزلت في رد عقائد المسيحيين، وإن لم يرد ذكرهم بالاسم.

وعلى كل حال سواء أطابق هذا الاصطلاح المعنى اللغوي ل‍: « الواحد » أو « الأحد » أم لا(١) ، فإنّ مثل هذا الاصطلاح سبب للتفكيك بين نوعين من « التوحيد الذاتي ».

* * *

__________________

(١) سنثبت في البحث القرآني لهذا الفصل أنّ المعنى اللغوي للواحد والأحد هو الذي جاء في هذا الاصطلاح.

٣١٢

قد يتصور الإنسان ـ في النظرة البدائية ـ أنّه لا توجد في القرآن أية آية أو آيات ناظرة إلى هذا القسم من التوحيد ( أي بساطة الذات )، وكأنّ القرآن أو كل أمثال هذه البحوث إلى عقل البشر، ولكننا عندما نعيد النظر في القرآن بعد الاطلاع على التحقيقات الفلسفية التي من شأنها إعطاء الإنسان نظرة أعمق وأوسع نجد أنّ القرآن يصف الله سبحانه بطائفة من الصفات التي لا تنسجم مع أي نوع من أنواع التركيب في الذات أبداً، وهو يدل ضمنياً على نفي التركيب وإثبات البساطة لذاته تعالى، وقد ذكرنا في السابق أنّ القرآن ذو أبعاد متعددة من حيث الأهداف والمعاني وإنّه يمكن أن يدرك بعد من أبعاد الآية في النظرة الأُولى بينما ينكشف بعد آخر لنفس الآية في النظرة الثانية في حين يكون اكتشاف بعد ثالث ورابع لنفس الآية محتاجاً إلى مزيد تعمّق وإمعان.

ويؤيد هذا الأمر ما قاله الإمام السجاد حول آيات من سورة الحديد :

« إنّ الله عز وجل علم أنّه يكون في آخر الزمان أقوام متعمّقون فأنزل الله عز وجل( قُل هُوَ اللهُ أَحَدٌ *اللهُ الصَّمَدُ ) والآيات من سورة الحديد إلى قوله( وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ) فمن رام وراء ما هنالك هلك(١) .

لهذا يجب أن لا نكتفي ـ في استخراج المعارف المتعلّقة بالمبدأ أو المعاد من الآيات القرآنية ـ بالنظرة الأُولى بل لابد من الغوص في بحار القرآن، معتمدين على النظر الأعمق، والجهد الفكري الأكثر، فحينئذ سنرى أيّة جواهر ثمينة سنصيب في هذا الغوص المبارك.

لهذا السبب ولكي نقوي من نظرتنا فإنّنا سنعالج مسألة « بساطة أو تركيب

__________________

(١) توحيد الصدوق: ٢٨٣ ـ ٢٨٤ طبع الغفاري.

٣١٣

الذات » وكذا التوحيد في الصفات من نظر العقل أوّلاً، ثم نطرح بعد ذلك هذه المسألة على القرآن وصحاح الأحاديث.

١. ذات الله منزّهة عن التركيب الخارجي

والمراد من « التركيب الخارجي » هو أن يكون الشيء ذا أجزاء خارجية، كالمعادن والمحاليل الكيمياوية، التي تتألف من الأجزاء المختلفة.

ولكن مثل هذا « التركيب » يستحيل في شأن الله سبحانه، لأنّ الشيء المركب من مجموعة الأجزاء سيكون « محتاجاً » في وجوده إلى تلك الأجزاء لا محالة، والمحتاج إلى غيره معلول لذلك الغير ولا يصلح للإلوهية حينئذ.

هذا مضافاً إلى أنّ الأجزاء المؤلفة للذات الإلهية إمّا أن تكون « واجبة الوجود » فحينئذ سنقع في مشكلة « تعدد الآلهة » التي يعبر عنها في علم الكلام بتعدد القدماء.

وإمّا أن تكون « ممكنة الوجود » وفي هذه الصورة ستحتاج هذه الأجزاء إلى الغير ليوجدها، فيكون معنى هذا أنّ ما فرضناه « إلهاً » يكون معلولاً لأجزاء ذاته التي هي معلولة لموجود أعلى وبالتالي لا يكون إلهاً.

٢. ذاته منزّهة عن الأجزاء العقلية

ولتوضيح هذا النوع من البساطة نذكر الأُمور التالية :

أ. انّ الشيء، يعرف بجنسه وفصله أو ما يقوم مقامهما التي تسمّى بالماهية وليس للماهية أي دور، إلّا تحديد وجود الأشياء وبيان موقعها في عالم الوجود.

٣١٤

ب. انّ كل موجود ممكن مركب من شيئين: ماهية ووجود وليس المقصود تركبه من الجزءين الخارجيين كالعناصر المتركبة، بل المراد هو أنّ الذهن النقاد يرى الشيء الخارجي الواحد ـ في مختبر العقل ـ مكوناً من جزءين :

أحدهما يحكي عن مرتبته الوجودية وانّه يقع في أي مرتبة من مراتب الوجود، من الجماد والنبات والحيوان، وغيرها، والثاني يحكي عن عينيته الخارجية التي طرد بها العدم عن ساحة الماهية.

ولكن هذا النوع من التركيب يستحيل في شأن الذات الإلهية، لأنّها إذا كانت مؤلفة من وجود وماهية، انطرح هذا السؤال :

إنّ الماهية كانت في حد ذاتها فاقدة للوجود والعينية، فبماذا طرد هذا العدم وأُقيم محله الوجود فإنّ هذا الطرد يحتاج ـ تبعاً لقانون العلية العام ـ إلى عامل خارجي عن ذات الشيء ؟ ومن المعلوم أنّ الشيء المحتاج إلى العلة الخارجة عن وجوده ممكن لا يستحق الالوهية ؟!

ولأجل هذا ذهب العلماء إلى بساطة ذاته وانّها منزّهة عن الماهية، وهو عين الوجود وصرفه.

٣. صفات الله عين ذاته

لا شك في أنّ لله سبحانه صفات، كالعلم والقدرة والحياة، غير أنّه يجب أن نقف على أنّها هل هي أزلية أم حادثة، وعلى الأوّل فهل هي « زائدة » على الذات، وبعبارة أُخرى هل الصفات « عين » الذات أو « غيرها » ؟

إنّ هناك فرقة واحدة أعني الكرامية أتباع محمد بن كرام السجستاني ذهبت

٣١٥

إلى حدوث الصفات، وقالوا بخلو الذات الإلهية عنها ـ في البداية ـ ثم اتصفت بها فيما بعد(١) .

ولو تجاوزنا هذه الفرقة لوجدنا جميع الفلاسفة والمتكلمين الإسلاميين متفقين على « أزلية » هذه الصفات.

ومما لا يخفى أنّ الكرامية وغيرها مذاهب ابتدعتها السياسة العباسية آنذاك لإشغال المفكّرين الإسلاميين بالبحوث والمناقشات الجانبية، لكي تسهل لهم السيطرة على الأُمّة الإسلامية، ولأجل هذا لا نجد لهذه المذاهب المفتعلة بأيدي السياسات الزمنية المنحرفة أي أثر إلّا في طيات كتب الملل والنحل فقط.

ولو كانت « الذات الإلهية » فاقدة لهذه الصفات منذ الأزل لاستلزم ذلك حتماً أن تكون الصفات « ممكنة » وحادثة، وحيث إنّ كل ممكن مرتبط بعلة، ومحتاج إلى محدث لزم أن نقف على محدثها.

فهل وجدت من قبل نفسها، أو من قبل الله سبحانه، أو من جانب علة أُخرى ؟ وكلّها باطلة.

أمّا الأوّل فلا يحتاج إلى مزيد بيان إذ لا يعقل أن يكون الشيء علة لنفسه، وأمّا الثاني فكسابقه فإنّ فاقد الشيء لا يكون معطيه، إذ كيف يمكن أن يكون فاقد العلم معطياً له ؟ وأمّا الاحتمال الثالث فكسابقيه أيضاً، إذ ليس هناك عامل خارجي محدث أخذاً بحكم التوحيد في الذات، ولأجل ذلك اختار الجمهور من الإسلاميين، أزلية الصفات.

__________________

(١) الأسفار الأربعة: ٦ / ١٢٣.

٣١٦

فإذا ثبتت أزلية صفاته سبحانه كذاته يبقى بحث آخر وهو :

هل هذه الصفات القديمة الأزلية زائدة عليها لازمة لها، كما ذهب إلى ذلك فريق من المتكلمين الإسلاميين كالأشاعرة(١) ، أم هي « عين » الذات، وأنّه ليس للذات والصفات سوى مصداق واحد لا أكثر، وهنا يتعين علينا أن نتوقف قليلاً لنرى التفاوت بين القولين ثم بمعونة العقل نميز الصحيح عن غير الصحيح منها.

ولوضوح المطلب نقدم أُموراً لها صلة بالموضوع :

١. انّ قولنا: الله سبحانه عالم، مركب من كلمتين: الله وعالم، وكل واحدة تحكي عن أمر، فالمبتدأ يحكي عن الذات، والخبر يحكي عن صفته.

والقائل باتحاد صفاته مع ذاته لا يقول باتحاد مفاهيمها مع ذاته أي اتحاد مفهوم العالم وما وضع عليه ذلك اللفظ مع مفهوم لفظ الجلالة الذي وضع عليه ذلك اللفظ، بل يقصد منه اتحاد واقعية العلم مع واقعية ذاته وانّ وجوداً واحداً ببساطته ووحدته مصداق لكلا المفهومين، وليس مصداق لفظ الجلالة في الخارج غير مصداق لفظ العالم.

ثم يبقى هنا سؤال وهو أنّ ذاك الاتحاد لا يختص بذاته سبحانه بل هو حال عامة الموجودات مع صفاتها، فلماذا اختص هذا البحث بالله سبحانه ؟ وهذا ما نرجع إليه في الكلام التالي.

٢. إذا قلنا أنّ زيداً عالم نرى أنّ علمه ليس بمنفصل عن ذاته ووجوده، بحيث لا يمكننا أن نشير إلى علمه على حدة وعلى ذاته إلى انفرادها، فنقول هذا

__________________

(١) كشف المراد: ١٨١، والأسفار الأربعة: ٦ / ١٢٣.

٣١٧

ذاته وهذا علمه، بل الذات والعلم متحدان على الصعيد الخارجي.

وعند ذلك يتوجه السؤال الآتي: ما هو مقصود القائلين باتحاد صفاته سبحانه مع ذاته ؟ فإنّ الاتحاد حسب ما أوضحناه ليس منحصراً به سبحانه بل جار في جميع الموجودات الممكنة، فإنّ كل موجود ممكن يختلف عن صفاته مفهوماً ويتحد معها خارجاً.

عندما نقول: الصدف أبيض، أو العسل حلو، فإنّ البياض متحد بالصدف، والحلاوة متحدة بالعسل بحيث لا يمكن الإشارة إلى الحلاوة بمعزل عن العسل، وهكذا بالنسبة إلى بياض الصدف، فما الفرق بين النوعين من الاتحاد ؟ ويجاب على ذلك، بأنّ المقصود من اتحاد الذات الإلهية مع صفاته تعالى ليس من قبيل اتحاد الصدف مع بياضه، وعلم زيد مع ذاته بل هو نوع خاص من الاتحاد والعينية لا يوجد في غير الله. وتوضيح ذلك هو ما تقرؤه في البيان التالي :

٣. انّ « الصفات والذات » في الممكنات وان كانت تتمتع بنوع من الاتحاد في كل الموارد ولكن كيفية الاتحاد في مورد « الصفات والذات الإلهية » تختلف عن الاتحاد في الممكنات.

فإنّ علم زيد وان كان متحداً مع ذاته بنوع من الاتحاد ولكن علمه لا يتحد مع ذاته في جميع مراحلها، بل يتحد معها في بعض مراحل الذات، بدليل أنّ زيداً كان في مجتمعه ـ ذات يوم ـ ولم يكن معه ذلك العلم ـ فكانت الذات متحققة ولم يكن العلم معها، وهذا يشعر بأنّ ذاته أي ما به يكون زيد، زيداً غير علمه، وهذا يشعر بأنّ ذاك الاتحاد ليس بمنزلة يجعل الصفات في مرتبة حقيقته وذاته.

وبعبارة أُخرى فإنّ ملاك إنسانية زيد والعناصر المكونة لذاته هي ما يوجد

٣١٨

في الآخرين سواء بسواء فإنّ ملاك الإنسانية، والعناصر المكونة لحقيقة الأفراد الآخرين هي « الحيوانية والناطقية » التي تتكون منهما ذات زيد، أما « علمه » فما هو إلّا « حلية » توجت إنسانيته، وزينتها، وفضلتها على الآخرين، ولتوضيح الحقيقة نفترض « بناء » قد تم وبقي طلاؤه الذي يطلى به ظواهر البناء وخارجه وأبوابه وجدرانه.

وفي هذه الصورة، فإنّ كل ما ينقش على جدران هذا البناء، يضيف إلى جمال البناء جمالاً إضافياً، لكن هذا الطلاء رغم أنّه ليس منفصلاً عن البناء وجدرانه وأبوابه، إلّا أنّه لا يشكل حقيقة البناء، لأنّ العناصر والمواد المنشئة لذلك البناء هي الحديد والاسمنت والجص والآجر، وليست الأصباغ والطلاء.

وعلى هذا فإنّ اتحاد الأبواب والجدران مع الطلاء ( عندما نقول الجدار أزرق ) لا يعني أنّ اللون جزء من واقعيته وذاته، بل غاية ما في الأمر أنّ الألوان قد اتحدت بظاهر الجدار لا أنّها اتحدت بذاته وحقيقته، وعلى هذا النمط يكون بياض الصدف وحمرة التفاح وصفرة الليمون، كما أنّ على غرار هذا يكون اتحاد علم زيد بذاته.

وخلاصة القول: إنّ الاتحاد في هذه الموارد ليس بمعنى أنّ « العارض » قد أصبح جزءاً من ذات « المعروض » بل اتحد مع بعض مراحله ومعنى هذا أنّ العارض والمعروض شيء واحد ولكن دون أن يكون العارض داخلاً في ذات المعروض وجزءاً من حقيقته، وعلى هذا فالمقصود من « وحدة صفات الله مع ذاته » ليس على هذا النمط من الاتحاد بل وحدة آكد وأشد بمعنى أنّ « صفات الله تؤلِّف ذاته » سبحانه فهي « عين » ذاته وليست عارضة عليها، وبالتالي ليس يعني، أنّ ذاته شيء وصفاته شيء آخر، بل صفاته هي ذاته وحقيقته، فعلم الإنسان بشيء

٣١٩

إنّما هو بعلم زائد على ذاته فهو بالعلم الزائد يطّلع على ما هو خارج عن ذاته فيدرك المرئيات والمسموعات عن طريق « الصور الذهنية » التي تدخل إلى الذهن بواسطة الحواس الخمس، وإذا أخذت منه هذه « الصور الذهنية » لم يعد قادراً على درك ما هو خارج عن ذاته ولكنه يحتفظ بذاته مع فقد علمه، وبما أنّ ذات الله عين علمه، وليس العلم بزائد على ذاته، فهو تعالى يدرك جميع المبصرات والمسموعات بنفس ذاته بحيث يكون فرض سلب العلم والقدرة عنه تعالى مساوياً لفرض نفي ذاته.

وعلى هذا فالمقصود من « اتحاد صفات الله مع ذاته » هو عينية الصفات للذات في عامة مراحلها، وكون العلم الإلهي عين الذات الإلهية، وكذا القدرة والحياة، وغيرها من صفات الذات فهي عين ذاته سبحانه، لا أنّ الذات شيء وحقيقة مستقلة، والصفات حقائق طارئة على الذات وعارضة لها.

نظرية الأشاعرة في الصفات

إنّ القول بزيادة الصفات على الذات لا يخلو من مفاسد عقلية أظهرها أنّه يستلزم وجود قدماء ثمانية حسب تعدد صفاته تعالى، وليس هذا إلّا الفرار من خرافة التثليث المسيحي، والوقوع في ورطة القول بالقدماء الثمانية بدل الثلاثة في حين أنّ براهين « التوحيد الذاتي » قاضية بانحصار القديم في الله سبحانه وعدم وجود « واجب آخر سواه ».

الدليل على وحدة الصفات والذات

١. انّ القول باتحاد ذاته سبحانه مع صفاته وعينية أحدهما للآخر يوجب

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793

794

795

796

797

798

799

800

801

802

803

804

805

806

807

808

809

810

811

812

813

814

815

816

817

818

819

820

821

822

823

824

825

826

827

828

829

830

831

832

833

834

835

836

837

838

839

840

841

842

843

844

845

846

847

848

849

850

851

852

853

854

855

856

857

858

859

860

861

862

863

864

865

866

867

868

869

870

871

872

873

874

875

876

877

878

879

880

881

882

883

884

885

886

887

888

889

890

891

892

893

894

895

896

897

898

899

900

901

902

903

904