اختيار معرفة الرجال

اختيار معرفة الرجال6%

اختيار معرفة الرجال مؤلف:
تصنيف: علم الرجال والطبقات
الصفحات: 904

اختيار معرفة الرجال المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 904 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 70859 / تحميل: 12305
الحجم الحجم الحجم
اختيار معرفة الرجال

اختيار معرفة الرجال

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

٢٩٢ - حمدان، قال حدثنا معاوية، عن شعيب العقرقوفي، عن أبي بصير، قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن امرأة تزوجت ولها زوج فظهر عليها؟ قال: ترجم المرأة ويضرب الرجل مائة سوط لأنه لم يسأل.

قال شعيب: فدخلت على أبي الحسنعليه‌السلام فقلت له: امرأة تزوجت ولها زوج قال: ترجم المرأة ولا شي‌ء على الرجل، فلقيت أبا بصير فقلت له: اني سألت أبا الحسنعليه‌السلام عن المرأة التي تزوجت ولها زوج، قال: ترجم المرأة ولا شي‌ء على الرجل، قال: فمسح على صدره وقال: ما أظن صاحبنا تناهى حكمه بعد.

___________________________________________________________

وهو أول النصوص على جلالة أبي بصير الاسدي المكفوف في الثقة والفقه والعلم وصحة الحديث وارتفاع المرتبة.

وبالجملة قول رهط من المتأخرين في رميه بالضعف والوقف مما لا مأخذ له أصلا، وهو والمرادي كلاهما ثقتان صحيحا الحديث، وسيجي‌ء في الكتاب نقل الاجماع على تصحيح ما يصح عنهما والاقرار لهما بالفقه.

بل الحق أن الاسدي أحق باستصحاح حديثه من المرادي، لشهادة النجاشي له بانه ثقة وجيه. وعدم توثيقه للمرادي، ولسلامته عن الذم في الروايات والاخبار فلا تكن من الغافلين.

قوله: عن شعيب العقرقوفى عن أبى بصير‌

أي المرادي كما يصرح به في الحديث الآتي.

قوله: فظهر عليها‌

أي فعلت زوجها عليها وأثبت عند الحاكم زوجتها له.

قوله: فمسح على صدره‌

انما مسح على صدره عند قوله: هذا، لان الصدر موضع العلم.

قوله: تناهى حكمه بعد‌

اما بكسر الحاء المهملة واسكان اللام بمعنى العلم، أو بضم الحاء وتسكين‌

٤٠١

٢٩٣ - علي بن محمد، قال حدثني محمد بن أحمد، عن محمد بن الحسن، عن صفوان، عن شعيب بن يعقوب العقرقوفي، قال: سألت أبا الحسنعليه‌السلام عن رجل تزوج امرأة ولها زوج ولم يعلم؟ قال: ترجم المرأة وليس على الرجل شي‌ء اذا لم يعلم، فذكرت ذلك لأبي بصير المرادي، قال: قال لي والله جعفر ترجم المرأة ويجلد الرجل الحد، وقال بيده على صدره يحكّها: اظن صاحبنا ما تكامل علمه.

٣٩٤ - علي بن محمد، قال حدثني محمد بن أحمد بن الوليد، عن حماد بن عثمان‌

___________________________________________________________

الكاف بمعنى كمال العلم والحكمة كما في( رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً ) (١) .

وحيث أن هذا الحديث كان في زمان الصادقعليه‌السلام وأبو الحسنعليه‌السلام ، لم يكن يومئذ اماما، وعلم الامام انما يتكامل فيضانه من المبدأ الفياض على قلبه حين ما تصل نوبة الامامة اليه.

فمعنى كلام أبي بصير: ان صاحبنا أبا الحسنعليه‌السلام اذ ليس هو الامام اليوم لم يتناه علمه ولم يبلغ نهاية الكمال واتمام بعده، بل انما يبلغ النهاية عند ما تنتقل اليه الامامة.

ويرد عليه أن الامر وان كان كذلك الا أن ملكة العصمة عاصمة للنفس باذن الله تعالى عن الوقوع في الخطأ.

فالحق أن يقال: ان قول أبي الحسنعليه‌السلام فيما اذا كان الرجل المتزوج بها لم يعلم رأسا أن لها زوجا، وقول ابي عبد اللهعليه‌السلام فيما اذا كان يعلم ذلك ثم عقد عليها ونكحها من غير أن يثبت عند الحاكم موت زوجها ببينة شرعية، فالقولان غير متدافعين.

والسيد بن طاوس في الجواب عن الحديث تجشم القدح في الطريق لمطالبه(٢) باتصال السند واعتباره، وفيه مالا يخفى على الممارس المتمهر.

__________________

(١) سورة الشعراء: ٨٣‌

(٢) وفي « م » بالمطالبة‌

٤٠٢

قال: خرجت أنا وابن أبي يعفور وآخر الى الحيرة أو الى بعض المواضع فتذاكرنا الدنيا، فقال أبو بصير المرادي: أما أن صاحبكم لو ظفر بها لاستأثر بها، قال: فأغفى فجاء كلب يريد أن يشغر عليه فذهبت لا طرده، فقال لي ابن أبي يعفور: دعه قال: فجاء حتى شغر في أذنه.

___________________________________________________________

قوله: الى الحيرة أو الى بعض المواضع‌

قال في المغرب: الحيرة بالكسر مدينة كان يسكنها النعمان بن المنذر وهي على رأس ميل من الكوفة.

وفي القاموس: ان الحيرة بالكسر كربلا أو موضع بها(١) .

وفي النهاية الاثيرية: الحيرة بكسر الحاء البلد القديم بظهر الكوفة(٢) .

قوله: لو ظفر بها لاستأثر بها‌

الكلام فيه نظير ما سبق في « لاشتمل عليها بكسائه » ‌

وقال السيد بن طاوس: مقتضاه أن الصادقعليه‌السلام لو ظفر بالخلافة لاستاثر بها وان لم يصرح بالصادقعليه‌السلام لكن الظاهر هذا. ثم قال: أقول ان هذا حديث حسن السند، وانما القول في متنه حسب ما أسلفت.

قلت: سنده صحيح ومحمد بن أحمد بن الوليد، هو محمد بن الوليد البجلى أبو جعفر الكوفي الحداد الثقة النقي الحديث، وقد أسلفنا تحقق حاله في الحواشي.

قوله: فأغفى فجاء كلب يريد أن يشغر عليه‌

غفى غفوا نام أو نعس، وكذلك أغفى إغفاء. وشغر الكلب يشغر بالفتح فيهما من باب منع رفع رجله فبال.

__________________

(١) القاموس: ٢ / ١٦ وفيه وحيران‌

(٢) نهاية ابن الاثير: ١ / ٤٦٧‌

٤٠٣

٢٩٥ - حمدويه وابراهيم قال: حدثنا العبيدي، عن حماد بن عيسى، عن الحسين ابن مختار، عن أبي بصير، قال: كنت أقرئ امرأة كنت أعلمها القرآن، قال: فمازحتها بشي‌ء، قال فقدمت على أبي جعفرعليه‌السلام ، قال، فقال لي: يا ابا بصير اي شي‌ء قلت للمرأة؟ قال: قلت بيدي هكذا، وغطا وجهه، قال، فقال لي: لا تعودن اليها.

٢٩٦ - محمد بن مسعود، قال: سألت علي بن الحسن بن فضال عن أبى بصير فقال: وكان اسمه يحيى بن أبي القاسم، فقال: أبو بصير كان يكنى أبا محمد وكان‌

___________________________________________________________

وفي القاموس: رفع احدى رجليه ليبول بال أو لم يبل(١) .

قوله: فقال: وكان اسمه يحيى بن أبى القاسم‌

قلت: وقيل: اسم أبيه القاسم، وأما يحيى بن القاسم الازدي الحذاء فهو رجل آخر غير أبي بصير الازدي المكفوف يحيى بن القاسم، وهو أيضا من أصحاب الصادق والكاظمعليهما‌السلام . وقيل فيه: انه كان واقفيا.

والشيخ ذكر هما كليهما في كتاب الرجال(٢) وليا من غير فصل، وكذلك السيد المكرم جمال الدين احمد بن طاوس في كتابه واختياره.

وأبو عمرو الكشي روى عن حمدويه أنه ذكر عن بعض أشياخه أن يحيى بن القاسم الحذاء الازدي واقفي، وأنه روى عن أبي بصير الاسدي يحيى بن القاسم المكفوف عن الصادقعليه‌السلام .

وروى الكشي أيضا في حديث آخر أن يحيى بن القاسم الحذاء الازدي رجع عن الوقف، وأوردهما السيد بن طاوس في اختياره.

ثم ان رهطا من المتأخرين توهم اتحاد الرجلين، كأنهم عن ذلك كله من الذاهلين، فبناء على وهمهم الكاذب هذا زعموا أنه قد قيل في أبي بصير الاسدي‌

__________________

(١) القاموس: ٢ / ٦٠‌

(٢) رجال الشيخ: ص ٣٦٤‌

٤٠٤

مولى لبنى أسد وكان مكفوفا، فسألته هل يتهم بالغلو؟ فقال: أما الغلو: فلا لم يتهم، ولكن كان مخلطا.

___________________________________________________________

المكفوف أنه واقفي، وان هو الازور واختلاق، ولذلك لم يورد ابو الحسين أحمد ابن الغضائري فيه طعنا وغميزة فليعلم.

قوله: وسألته هل يتهم بالغلو؟ فقال: اما الغلو فلا‌

قلت: كما من الاختلاق اتهامه بالغلو فكذلك من التكاذيب نسبته الى الواقفة أليس قد قال النجاشي: أن أبا بصير الاسدي يحيى بن أبي القاسم المكفوف مات سنة خمسين ومائة(١) ؟

وكذلك الشيخ في كتاب الرجال قال في أصحاب أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام يحيى بن القاسم أبو محمد يعرف بأبي بصير الاسدي مولاهم كوفي تابعي مات سنة خمسين ومائة بعد أبي عبد اللهعليه‌السلام (٢) ؟

وقال في الفهرست: يحيى بن القاسم يكنى أبا بصير، له كتاب مناسك الحج، رواه علي بن أبي حمزة، والحسين بن أبي العلاء عنه(٣)

ومات سنة خمسين ومائة ومولانا أبو عبد الله الصادقعليه‌السلام قبض بالمدينة في شوال، وقيل: في منتصف رجب يوم الاثنين سنة ثمان وأربعين ومائة.

وقبض مولانا أبو الحسن الكاظمعليه‌السلام مسموما ببغداد في حبس السندي بن شاهك لست بقين من رجب سنة ثلاث وثمانين ومائة وقيل: لخمس خلون من رجب سنة احدى وثمانين ومائة.

فيكون أبو بصير يحيى بن أبى القاسم قد توفى بعد الصادقعليه‌السلام لسنتين وقبل الكاظمعليه‌السلام بثلاث وثلاثين سنة أو احدى وثلاثين سنة.

__________________

(١) رجال النجاشى: ٣٤٤‌

(٢) رجال الشيخ: ٣٣٣‌

(٣) الفهرست: ٢٠٧‌

٤٠٥

___________________________________________________________

والواقفة هم الذين بعد الكاظمعليه‌السلام ذهبوا الى الوقف عليه وقالوا: انه حي لم يمت وأنه الامام القائم، ولم يقولوا بامامة مولانا الرضا علي بن موسىعليه‌السلام .

فاذن الطعن في أبي بصير بالوقف من باب الجهل بأحوال الرجال، ونسبة ذلك الى الشيخ في كتاب الرجال في باب أصحاب أبي عبد الله، أو في باب أصحاب أبي الحسن الكاظمعليه‌السلام أيضا اختلاق وافتراء عليه، وما وقع إلينا من نسخ كتاب الرجال غير موجود في شي‌ء منه ما يدل عليه أصلا.

وأقول: لعل منشأ التباس الامر على القاصرين؛ أن يحيى بن القاسم أبا بصير الاسدي، ويحيى بن القاسم الحذاء الازدي رجلان ذكرهما الشيخ في أصحاب الصادقعليه‌السلام ولاء، وكذلك السيد بن طاوس في كتابه وفي اختياره، وقد قيل في يحيى بن القاسم الحذاء الازدي: أنه واقفى، فظن أنهما واحد فنسب الى أبي بصير الاسدي أنه مرمي بالوقف.

فأما ما رواه أبو عمرو الكشي في الكتاب عن حمدويه عن بعض أشياخه أن يحيى بن القاسم الحذاء الازدي واقفي، وأنه عن أبي بصير عن الصادقعليه‌السلام قال: ان جاءكم من يخبركم أن ابني هذا - يعنى به أبا الحسن موسىعليه‌السلام - مات ولبن وقبر ونفضوا أيديهم من تراب قبره فلا تصدقوا.

ففيه أولا أن في الطريق الحسن أو الحسين بن قياما وهو واقفي عنيد ملعون لا يعبأ بروايته.

وثانيا أن معنى كلام الصادقعليه‌السلام على تقدير صحة الرواية: ان من جاءكم يخبركم أن ابني موسى مات في زمني كما مات ابني اسماعيل فلا تصدقوه، فانه امام الخلق بعدي. وليس المراد أنه الامام المهدي القائم المعهود بعدي.

وبالجملة جلالة أبي بصير الاسدي يحيى بن القاسم مما ليس يخفى على متمهر‌

٤٠٦

٢٩٧ - محمد بن مسعود، قال: حدثني جبريل بن أحمد، قال: حدثني محمد بن عيسى، عن يونس، عن حماد الناب، قال: جلس أبو بصير على باب أبي عبد اللهعليه‌السلام ليطلب الاذن، فلم يؤذن له، فقال: لو كان معنا طبق لإذن، قال: فجاء كلب فشغر في وجه أبي بصير، قال: أف أف ما هذا؟ قال جليسه: هذا كلب شغر في وجهك.

___________________________________________________________

في علم الرجال، وكفاه ما رواه الكشي عن حمدويه عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عن شعيب العقرقوفى قال قلت: لأبي عبد اللهعليه‌السلام ربما احتجنا أن نسأل عن الشي‌ء فمن نسأل؟ قال: عليك بالاسدى يعني أبا بصير.

وروايات ضمان الصادقعليه‌السلام له، فلا تكونن من الممترين.

قوله: لو كان معنا طبق لإذن‌

في القاموس: الطبق محركة غطاء كل شي‌ء والذي يؤكل عليه، ومن الناس والجراد الكثير، أو الجماعة كالطبق بالكسر ومنه( لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ ) (١) .

وفي مفردات الراغب: ذلك اشارة الى أحوال الانسان من ترقيه في أحوال شتى. وقيل: لكل جماعة متطابقة في أمر طبق(٢) ، وقيل: الناس طبقات(٣) .

وفي الصحاح: الطبق واحد الاطباق، ويقال: أتانا طبق من الناس وطبق من الجراد، أي جماعة وطبقات الناس منازلهم في مراتبهم(٤) .

وفي مجمل اللغة: الطبق الحال.

قال ابن الاثير: وقيل: الطبق المنزلة والطبقات المنازل والمراتب(٥) .

__________________

(١) القاموس: ٣ / ٢٥٥ والاية سورة الانشقاق: ١٩.

(٢) وفي المصدر: لكل جماعة متطابقة هم في أم طبق.

(٣) مفردات الراغب: ٣٠١‌

(٤) الصحاح: ٤ / ١٥١٢‌

(٥) نهاية ابن الاثير: ٣ / ١١٤‌

٤٠٧

٢٩٨ - محمد بن مسعود، قال: حدثني علي بن محمد القمي، عن محمد بن أحمد، عن أحمد بن الحسن، عن علي بن الحكم، عن مثنى الحناط، عن أبي بصير قال: دخلت على أبي جعفرعليه‌السلام قلت: تقدرون أن تحيوا الموتى وتبرءوا الاكمه والابرص؟ فقال لي: باذن الله.

___________________________________________________________

ويوم مطبق اذا أطبق الغيم السماء وطبقها وغطاها، والطبق أيضا ما توضع عليه الفواكه ونحوها.

وكلام أبي بصير يحتمل الحمل على أكثر هذه المعاني، فمعناه لو كان معنا جماعة لأذن لنا، أو لو كان معنا حال أو منزلة لأذن لنا، أو لو كان معنا من يكون مغطى على أمره متهما في دينه لأذن لنا من باب التقية والخوف.

وأما أنا فحيث أني رجل ضرير مسكين غير مطبق بضم الشك في ديني فلم يؤذن لي.

فهذا فيه حزازة من سوء الادب غير مفضية الى الخروج عن سبيل الدين.

فأما اذا أريد به لو كان معنا طبق موضوع عليه شي‌ء من الهدايا لأذن لنا، فهو كما قال السيد بن طاوس في اختياره: ما أبعد هذا من الحق والحجة(١) من القول، أين مناسبة هذا القول لعلو مكان مولانا الصادقعليه‌السلام وجلالة قدره، نعوذ بالله من اتباع الهوى والوقوع في الفتنة ونستعين.

قوله: عن مثنى الحناط‌

الذي يظهر من الكتاب في هذا الموضع ومما قد سبق في ترجمة زرارة أن أبا بصير هذا هو الليث المرادي الضرير، والمشهور أنه الاسدي يحيى بن أبي القاسم المكفوف، وعندي أن القصة وقعت لهما كليهما.

وقال علي بن أحمد العقيقي: يحيى بن القاسم الاسدي مولاهم ولد مكفوفا،

__________________

(١) وفي نسخة « م » وأسمجه من القول.

٤٠٨

ثم قال ادن مني فمسح على وجهي وعلى عيني، فأبصرت السماء والارض والبيوت، فقال لي: أتحب أن تكون كذا ولك ما للناس وعليك ما عليهم يوم القيامة أم تعود كما كنت ولك الجنة الخالص؟ قلت: أعود كما كنت، فمسح على عيني فعدت.

في أبى بصير عبد الله بن محمد الاسدى‌

٢٩٩ - طاهر بن عيسى، قال: حدثني جعفر بن أحمد الشجاعي، عن محمد ابن الحسين، عن احمد بن الحسن الميثمي، عن عبد الله بن وضاح، عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن مسألة في القرآن؟ فغضب وقال: انا رجل تحضرني قريش وغيرهم وانما تسألني عن القرآن، فلم أزل أطلب اليه وأتضرع حتى رضي، وكان عنده رجل من اهل المدينة مقبل عليه.

فقعدت عند باب البيت على بثي وحزني، اذ دخل بشير الدهان فسلم وجلس عندي، وقال لي سله عن الامام بعده؟ فقلت: لو رأيتني مما قد خرجت من هيئة لم تقل لي سله، فقطع أبو عبد اللهعليه‌السلام حديثه مع الرجل، ثم أقبل فقال: يا أبا محمد ليس لكم أن تدخلوا علينا في أمرنا وانما عليكم أن تسمعوا وتطيعوا اذا أمرتم.

في عبد الملك بن أعين أبى الضريس‌

٣٠٠ - حدثني حمدويه، قال: حدثني محمد بن عيسى، عن أبي نصر، عن‌

___________________________________________________________

رأى الدنيا مرتين؛ مسح أبو عبد اللهعليه‌السلام على عينيه وقال: انظر ما ترى؟ فقال: أرى كوة في البيت وقد أرانيها أبوك من قبلك.

في عبد الملك بن أعين أبى الضريس‌

أبو الضريس بضم الضاد المعجمة على التصغير.

قال في القاموس. وكزبير علم(١) .

__________________

(١) القاموس: ٢ / ٢٢٥‌

٤٠٩

الحسن بن موسى، عن زرارة، قال: قدم ابو عبد الله مكة، فسأل عن عبد الملك ابن أعين؟ فقال: مات؟ قيل نعم فقال: لا ولكن صلى هاهنا، ورفع يديه ودعا له واجتهد في الدعاء وترحم عليه.

___________________________________________________________

والصدوق أبو جعفر بن بابويه - رضوان الله تعالى عليه - في مسندة كتاب من لا يحضره الفقيه في ذكر أسناده عن عبد الملك بن أعين قال: وكنيته أبو ضريس وزار الصادقعليه‌السلام قبره بالمدينة مع أصحابه(١) . وذلك أدل دليل على علو مرتبته وارتفاع منزلته فليعرف.

قوله: قال قدم أبو عبد الله مكة‌

قلت: الظاهر أن لفظة « من » سقطت هاهنا من قلم الناسخ، فان عبد الملك بن أعين مات بالمدينة وقبره هناك وأبو عبد اللهعليه‌السلام لما قدم من مكة زار قبره بالمدينة مع أصحابه، كما قد نقلناه عن الصدوق في مسندة الفقيه فليعلم.

قوله: فقال لا، ولكن صلى هاهنا‌

ولكن صلى اما أنه تتمة كلام الامامعليه‌السلام ، ورفع يده أول كلام زرارة، وصلى بمعنى تلا السابق في السابقة: وهو مأخوذ من الصلا بالفتح والقصر أي الظهر من الانسان.

أو من كل ذي أربع، أو ما انحدر من الوركين، أو ما عن يمين الذئب وشماله، وهما صلوان، والمصلي تالي السابق مطلقا.

أو في الفرس على الحقيقة، وفي الانسان على الاستعارة، يقال: صلى الفرس المصلى، وهو الذي يتلو السابق، لان رأسه عند صلا الفرس الاول.

يعنيعليه‌السلام أن عبد الملك بن أعين لم يمت، بل هو من الاحياء المرزوقين الفرحين عند ربهم رزقا قدسيا روحانيا، وفرحا أبديا عقلانيا، ولكنه بموته الظاهري‌

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه: ٤ / ٩٧‌

٤١٠

٣٠١ - علي بن الحسن، قال: حدثني علي بن أسباط، عن علي بن الحسن بن عبد الملك بن أعين، عن ابن بكير، عن زرارة، قال، قال لي أبو عبد اللهعليه‌السلام بعد موت عبد الملك بن أعين: اللهم ان أبا الضريس كنا عنده خيرتك من خلقك، فصيره في ثقل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم القيامة، ثم قال أبو عبد الله: أما رأيته يعني في النوم؟ فتذكرت فقلت: لا، فقال: سبحان الله مثل أبي الضريس لم يأت بعد.

___________________________________________________________

الجسداني هاهنا.

وفي نسخ عديده « ما هنا » بالميم مكان الهاء، أي في هذه النشأة البائدة البائرة صلى، أي تلا من سبقه في السباق الى الحياة الحقيقية العقلية والبهجة الحقة الالهية.

وفي بعض النسخ « صلى هنيئة هنا » أي تلا السابق في السباق هنا شيئا يسيرا، واما أنه أول كلام زرارة وصلى هاهنا أي أتى هاهنا بالصلاة.

والمعنى أنهعليه‌السلام قال بلسانه لا: أي لم يمت عبد الملك ولكنهعليه‌السلام صلى في هذا الموضع ورفع يده بعد الصلاة ودعا لعبد الملك واجتهد في الدعاء له، وترحم عليه كما يترحم على الميت ويدعا له، فعلم من فعلهعليه‌السلام أنه انما عني بقوله لا نفي الموت الحقيقي واثبات الحياة الابدية الحقيقية، ولم يعن به نفي الموت الظاهر الجسماني، فليفقه.

قولهعليه‌السلام : فصيره في ثقل محمد صلواتك عليه‌

ثقل الرجل - بالتحريك - حشمه أي قرابته وعياله ومن يغضب له ويذب عنه، اذا أصابه أمر ونزلت به ملمة، وثقل المسافر متاعه وأهل حزانته.

يعنيعليه‌السلام : ان أبا ضريس كان يعتقد أنا خيرتك من خلقك، فاجعله من حشم محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل حزانته صلواتك عليه وآله، وصيره يوم القيامة في زمرتهم ومن جملتهم(١) .

__________________

(١) وفي « ن » جماعتهم.

٤١١

٣٠٢ - حمدويه، قال: حدثني يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن علي ابن عطيه قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام لعبد الملك بن أعين: كيف سميت ابنك ضريسا؟

فقال: كيف سماك أبوك جعفرا؟ قال: ان جعفرا نهر في الجنة وضريس اسم شيطان.

في حمران بن أعين‌

٣٠٣ - حمدويه، قال: حدثني محمد بن عيسى، عن ابن أبي عمير، عن هشام ابن الحكم، عن حجر بن زايدة عن حمران بن أعين، قال قلت لأبي جعفرعليه‌السلام اني أعطيت الله عهدا، لا اخرج من المدينة حتى تخبرني عما أسألك، قال، فقال لي: سل قال، قلت: أمن شيعتكم أنا؟ قال: نعم في الدنيا والآخرة.

٣٠٤ - محمد، قال: حدثني محمد بن عيسى، عن زياد القندى، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنه قال في حمران: انه رجل من أهل الجنة.

محمد بن شاذان، عن الفضل بن شاذان، قال: روى عن ابن أبي عمير، عن عدة من اصحابنا، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال، كان يقول: حمران بن أعين مؤمن لا يرتد والله أبدا.

٣٠٥ - محمد بن مسعود، قال: حدثنا علي بن الحسين بن علي بن فضال، قال: حدثني العباس بن عامر، عن أبان بن عثمان، عن الحارث بن المغيرة، قال قال حمران بن أعين: ان الحكم بن عيينه،

___________________________________________________________

ثم قال أبو عبد اللهعليه‌السلام لزرارة: أما رأيته؟ يعني أبا ضريس في النوم، قال زرارة فتذكرت من حالي فقلت: لا فقالعليه‌السلام : سبحان الله مثل أبي الضريس لم يأت بعد؟! وهو تعريض لزرارة.

في حمران بن أعين

قوله: أن الحكم بن عيينه‌

الدائر على الالسن في المشهور مطابقا لما في المغرب والقاموس وغيرهما من‌

٤١٢

يروي عن علي بن الحسينعليه‌السلام أن علم عليعليه‌السلام في أية مسأله فلا يخبرنا.

قال حمران: سألت أبا جعفرعليه‌السلام ؟ فقال: ان عليناعليه‌السلام كان بمنزلة صاحب سليمان وصاحب موسى ولم يكن نبيا ولا رسولا، ثم قال: وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث، قال فعجب أبو جعفر.

___________________________________________________________

كتب اللغة « عيينة » بياءين مثناتين من تحت بعد العين المهملة المضمومة ثم النون.

وقال العلامة - رحمه الله تعالى - في الايضاح والخلاصة(١) وطابقه الحسن ابن داود في كتابه(٢) : « الحكم بن عتيبة » بالتاء المنقطة فوقها نقطتين بعد العين والياء المنقطة تحتها نقطتين والباء المنقطة تحتها نقطة، وكذلك ضبطه بعض علماء العامة أيضا.

قوله: يروى عن على بن الحسينعليهم‌السلام

يعني قال حمران بن أعين: ان الحكم كان يروي عن علي بن الحسينعليهم‌السلام أن علم عليعليه‌السلام في أية مرتبة ومنزلة يصح أن يسأل عنها ويستخبر عن درجتها، ولكن كان لا يخبرنا بذلك.

فسألت أبا جعفرعليه‌السلام عن حقيقة الامر، فقالعليه‌السلام : ان علياعليه‌السلام لم يكن رسولا ولا نبيا بل كان محدثا، منزلته في هذه الامة في العلم المنزل على قلبه باذن الله سبحانه منزلة آصف بن برخيا صاحب سليمان، وخضر صاحب موسىعليهما‌السلام في الامم السابقة، وان كان عليعليه‌السلام منزلته أعلى من منزلتهما وأعظم، ثم قالعليه‌السلام في تأويل ما في التنزيل الكريم( وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ ) ولا محدث الاية »(٣) .

ثم قال حمران: واذ ذكرت ذلك لأبي جعفرعليه‌السلام تعجب أبو جعفرعليه‌السلام من أمر الحكم بن عيينة.

__________________

(١) الخلاصة: ٢١٨‌

(٢) رجال ابن داود: ٤٤٩‌

(٣) سورة الحج: ٥٢‌

٤١٣

٣٠٦ - محمد بن مسعود، قال: حدثني علي بن الحسن، عن العباس بن عامر، عن أبان، عن الحارث، قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: ان حمران كان يقول نمد الحبل، من جاوزه من علوى وغيره برئنا منه.

٣٠٧ - حدثني محمد بن الحسن البرناني، وعثمان بن حامد، قالا: حدثنا محمد ابن يزداد، عن محمد بن الحسين، عن الحجال، عن العلاء بن رزين القلاء، عن ابي خالد الاخرس، قال قال حمران بن أعين، لأبي جعفرعليه‌السلام : جعلت فداك أني حلفت ألا أبرح المدينة حتى أعلم ما أنا، قال: فقال أبو جعفرعليه‌السلام : فتريد ما ذا يا حمران؟ قال: تخبرني ما أنا؟ قال: أنت لنا شيعة في الدنيا والآخرة.

٣٠٨ - حمدويه بن نصير، قال: حدثني محمد بن عيسى، عن ابن أبي عمير عن ابن أذينه، عن زرارة، قال: قدمت المدينة وأنا شاب أمرد، فدخلت سرادقا لأبي جعفرعليه‌السلام بمنى، فرأيت قوما جلوسا في الفسطاط وصدر المجلس ليس فيه أحد ورأيت رجلا جالسا ناحية يحتجم، فعرفت برأيي أنه أبو جعفرعليه‌السلام فقصدت نحوه فسلمت عليه، فرد السّلام علي، فجلست بين يديه والحجام خلفه.

فقال: امن بني أعين أنت؟ فقلت، نعم أنا زرارة بن أعين، فقال: انما عرفتك بالشبه، احج حمران؟ قلت: لا وهو يقرئك السّلام، فقال: انه من المؤمنين حقّا لا‌

___________________________________________________________

ويحتمل أن يكون أبو جعفر كنية للحكم أيضا، وان كان يكنى أبا محمد فيكون المعنى: اني ذكرت قول أبي جعفرعليه‌السلام للحكم فعجب منه، والله سبحانه أعلم.

قوله: نمد الحبل من جاوزه‌

يعني نحن نمد حبل الدين الحنيف القويم والصراط السوي المستقيم، من لدن رسول الله ووصيه علي بن أبي طالب، ثم الائمة الاوصياء الطاهرين من ولده الى الامام الثاني عشر المهدي القائم الموعود، فمن جاوز هذا الحبل علويا كان أو غير علوي تبر أنا منه.

٤١٤

يرجع أبدا، اذا لقبته فاقرئه مني السّلام، وقل له: لم حدثت الحكم بن عيينة عني أن الاوصياء محدثون لا تحدثه وأشباهه بمثل هذا الحديث.

فقال زرارة: فحمدت الله تعالى وأثنيت عليه فقلت: الحمد لله، فقال هو الحمد لله ثم قلت أحمده وأستعينه، فقال: هو أحمد وأستعينه، فكنت كلما ذكرت الله في كلام ذكره كما أذكره حتى فرغت من كلامي.

٣٠٩ - حدثني الحسين بن الحسن بن بندار القمي، قال: حدثني سعد بن عبد الله القمي، قال: حدثنا عبد الله الحجال، عن عبد الله بن بكير، عن زرارة، قال: لوددت أن كل شي‌ء في قلبي في قلب أصغر انسان من شيعة آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٣١٠ - وبهذا الاسناد: عن الحجال، عن صفوان، قال: كان يجلس حمران مع أصحابه فلا يزال معهم في الرواية عن آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله فان خلطوا في ذلك بغيره ردهم اليه، فان صنعوا ذلك عدل ثلاث مرات قام عنهم وتركهم.

٣١١ - اسحاق بن محمد قال: حدثنا علي بن داود الحداد، عن حريز بن عبد الله، قال كنت عند أبي عبد اللهعليه‌السلام فدخل عليه حمران بن أعين وجويرية بن أسماء، فلما خرجا قال: أما حمران فمؤمن، وأما جويرية فزنديق لا يعلم أبدا، فقتل هارون جويرية بعد ذلك.

٣١٢ - يوسف بن السخت قال: حدثني محمد بن جمهور، عن فضالة بن أيوب،

___________________________________________________________

قوله: حدثنى محمد بن جمهور‌

قال النجاشي - رحمه الله تعالى - في كتابه: محمد بن جمهور أبو عبد الله القمي ضعيف الحديث فاسد المذهب وقيل فيه أشياء الله أعلم بها من عظمها، روى عن الرضاعليه‌السلام (١) .

وكذلك الشيخ - رحمه الله تعالى - في كتاب الرجال في أصحاب أبي الحسن‌

__________________

(١) رجال النجاشى: ٢٦٠‌

٤١٥

عن بكير بن أعين، قال: حججت أول حجة فصرت الى منى، فسألت عن فسطاط أبي عبد اللهعليه‌السلام فدخلت علية، فرأيت في الفسطاط جماعة فأقبلت أنظر في وجوههم فلم أره فيهم، وكان في ناحية الفسطاط يحتجم، فقال: هلم إلي! ثم قال: يا غلام أمن بني أعين أنت؟ قلت: نعم جعلني الله فداك قال: أيهم أنت؟ قلت: أنا بكير بن أعين، قال لي: ما فعل حمران؟ قلت: لم يحج العام على شوق شديد منه إليك، وهو يقرأ عليك السّلام، فقال: عليك وعليه السلام، حمران مؤمن من أهل الجنة لا يرتاب أبدا لا والله لا والله لا تخبره.

الى هنا انتهى الجزء الثاني ويتلوه في الجزء الثالث حدثني محمد بن مسعود قال حدثني علي بن محمد. والحمد لله رب العالمين وصلواته على سيدنا محمد النبي وآله الطاهرين.

___________________________________________________________

الرضاعليه‌السلام قال: محمد بن جمهور العمي عربي بصري غال(١) .

وقال في باب لم: محمد بن الحسن بن جمهور العمي، روى سعد عن أحمد ابن الحسين بن سعيد عنه(٢) .

وهذا يدل على التعدد، ولكن في الفهرست قال، محمد بن الحسن بن الجمهور العمي البصري له كتب، جماعة منها كتاب الملاحم، وكتاب صاحب الزمان وله الرسالة الذهبية عن الرضاعليه‌السلام ، وله كتاب وقت خروج القائمعليه‌السلام . ثم ذكر طريقه اليه بالاسناد عن العمركي بن علي عن محمد بن جمهور(٣) .

فبين من ذلك أن محمد بن الحسن بن جمهور ومحمد بن جمهور واحد، وهو العمي البصري. وايراده مرة أخرى في باب لم لان حديثه عن الرضاعليه‌السلام من غير واسطة قليل، والله سبحانه أعلم.

__________________

(١) رجال الشيخ: ٣٨٧‌

(٢) رجال الشيخ: ٥١٢‌

(٣) الفهرست: ١٧٢‌

٤١٦

٤١٧

الجزء الثالث من الاختيار

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‌

وصلى الله على محمد وآله الاكرمين وسلم تسليما

٣١٣ - محمد بن مسعود، قال: حدثني علي بن محمد، قال: حدثني محمد ابن أحمد، عن محمد بن موسى الهمداني، عن منصور بن العباس، عن مروك بن عبيد، عمن رواه، عن زيد الشحام، قال: قال لي أبو عبد اللهعليه‌السلام : ما وجدت أحدا اخذ بقولي وأطاع أمري وحذا حذو أصحاب آبائي غير رجلين رحمهما الله: عبد الله ابن ابي يعفور وحمران بن أعين، اما انهما مؤمنان خالصان من شيعتنا، أسماؤهم عندنا في كتاب أصحاب اليمين الذي أعطى الله محمدا.

٣١٤ - علي بن محمد، قال: حدثني محمد بن موسى، عن محمد بن خالد، عن مروك بن عبيد، عمن أخبره عن هشام بن الحكم، قال: سمعته يقول: حمران مؤمن لا يرتد أبدا، ثم قال: نعم الشفيع أنا وآبائي لحمران بن أعين يوم القيامة، نأخذ بيده ولا نزايله حتى ندخل الجنة جميعا.

٤١٨

في بكير بن أعين‌

٣١٥ - حدثني حمدويه، قال: حدثنا يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن الفضيل وابراهيم ابني محمد الاشعريين، قالا: ان أبا عبد اللهعليه‌السلام لما بلغه وفاه بكير بن أعين، قال: أما والله لقد أنزله الله بين رسول الله وبين امير المؤمنين صلوات الله عليهما.

٣١٦ - محمد بن مسعود، قال: حدثني علي بن الحسن، عن أبيه، عن ابراهيم بن محمد الاشعرى، عن عبيد بن زرارة.

والحسن بن جهم بن بكير، عن عمه عبد الله بن بكير، عن عبيد بن زرارة، قال: كنت عند أبي عبد اللهعليه‌السلام فذكر بكير بن أعين فقال: رحم الله بكيرا وقد فعل فنظرت اليه وكنت يومئذ حديث السن، فقال: اني اقول إن شاء الله.

___________________________________________________________

في بكير بن أعين‌

قوله: فذكر بكير بن أعين

فذكر على صيغة المعلوم، أي فذكر أبو عبد اللهعليه‌السلام بكير بن أعين فقال: رحم الله بكيرا.

أو على ما لم يسم فاعله، أي فذكر عند أبي عبد اللهعليه‌السلام بكير فقالعليه‌السلام رحم الله بكيرا وقد فعل، أي وقد رحمه فانه مرحوم مغفور لا محالة بايمان وايقانه وهداه وتقواه.

أو هو شهادة منهعليه‌السلام بأن الله تعالى قد رحم بكيرا بما عندهعليه‌السلام من العلم الذي ورثه عن آبائه الصادقين باذن الله سبحانه.

قوله (ع): فقال انى أقول‌

« فقال » كلام أبي عبد اللهعليه‌السلام والقائل بكير، وقوله « أني أقول إن شاء الله » ‌

٤١٩

في بنى أعين: مالك وقعنب‌

٣١٧ - قال علي بن الحسن بن فضال: قعنب بن أعين أخو حمران مرجئ.

٣١٨ - حدثني حمدويه، قال: حدثني محمد بن عيسى بن عبيد، عن الحسن ابن علي بن يقطين، قال: كان لهم غير زرارة واخوته أخوان ليسا في شي‌ء من هذا الامر؛ مالك وقعنب.

في قيس بن رمانة‌

٣١٩ - حمدويه وابراهيم، قالا: حدثنا الحسن بن موسى، قال: حدثني علي بن أسباط، عن قيس بن رمانة، قال: أتيت أبا جعفرعليه‌السلام فشكوت اليه الدين وخفة المال، قال، فقال: أيت قبر النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فاشكو اليه وعد إلي.

قال: فذهبت ففعلت الذي أمرني، ثم رجعت اليه، فقال لي: ارفع المصلى‌

___________________________________________________________

يعنيعليه‌السلام فنظرت ذات يوم الى بكير وكنت يومئذ حديث السن، فقال لي اني أقول إن شاء الله أي اني سأقول بك وبامامتك وأدين الله بولايتك واتباعك إن شاء الله تعالى.

قلت: وانما قال ذلك لما قد كان مولانا الباقرعليه‌السلام أخبره بأن الامام بعده ابنه جعفرعليه‌السلام ، وأنه يدرك زمانه ويقول بامامته ويدين الله تعالى بولايته واتباعه.

في بنى أعين: مالك وقعنب‌

قوله: قعنب بن أعين أخو حمران مرجئ

« مرجئ » على صيغة المفعول: اما من المهموز، أو من الناقص،

يعني أن قعنب بن أعين ليس هو من الموقنين والمتقنين والمستيقنين الذين يستوجبون الجنة بايقانهم واستيقانهم. بل أنه من الذين ذكرهم الله بقوله( وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ إِمّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ ) (١)

__________________

(١) سورة التوبة: ١٠٦‌

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

٥١

غزوة الطائف

« الطائف » من مصايف الحجاز ومن المناطق الخصبة ، الكثيرة الزرع فيها ، وتقع الطائف في الجنوب الشرقي من مكة على بعد (١٢) فرسخا منها ، وقد كانت ولا تزال بسبب مناخها اللطيف ، وبساتينها المثمرة ، ونخيلها الكثيرة مقصدا بل مركزا وموطنا لطلاب اللذة والراحة من أهل الحجاز.

وقد كانت قبيلة ثقيف التي كانت تعدّ من القبائل العربية القوية الكثيرة العدد تسكن في هذا البلد.

وكانت أعراب ثقيف من الذين شاركوا في معركة « حنين » ضدّ الاسلام والمسلمين ، ثم لجئوا بعد الهزيمة المنكرة التي لحقت بهم على أيدي جنود الاسلام الظافرين إلى بلدهم الذي كان لهم آنذاك فيه حصن قويّ ومنيع.

ولتكميل الانتصار الاسلامي أمر الرسول القائدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بملاحقة الهاربين المنهزمين في معركة حنين.

من هنا كلّفصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبا عامر الأشعري وأبا موسى الأشعري وفريقا من جنود الاسلام بملاحقة من لجأ منهم إلى « أوطاس » فقتل القائد الأوّل في هذه الواقعة ، واستطاع الثاني أن يحرز انتصارا كبيرا على العدو ويفرق جمعه(١) .

وأما النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفسه فقد توجه بالبقية من جيشه الى

__________________

(١) المغازي : ج ٣ ص ٩١٥ و ٩١٦.

٥٢١

الطائف(١) ، ومرّ في طريقه على حصن مالك بن عوف النصرى مثير فتنة « حنين » ورأس المؤامرة ، فهدمه وسوّاه بالأرض.

على أن تهديم حصن « مالك » لم يكن بدافع انتقاميّ بل كان لأجل ان لا يترك وراءه نقطة اعتماد وملجأ للعدوّ.

تحركت أعمدة الجيش الاسلامي الواحدة تلو الاخرى ، واستقرت حول مدينة الطائف.

كان حصن الطائف حصنا منيعا ، مرتفع الجدران ، قوي البنيان ، فيه أبراج للمراقبة مسيطرة على خارج الحصن سيطرة كاملة.

ومنذ أن استقرّ الجيش الاسلامي خارج الطائف بدأ حصاره لها ، غير أنّ الحصار لم يتكامل بعد حتى عمد العدو إلى رمي المسلمين للحيلولة دون تقدّمهم نحو المواقع المرسومة لها ، فقتل بهذا جماعة من المسلمين في بداية هذه الواقعة.

فأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الجيش بالانسحاب والتراجع التكتيكي الى نقطة بعيدة عند مرمى العدوّ ، والتمركز فيها ريثما تصدر الاوامر الجديدة

وهنا اقترح « سلمان الفارسي » الذي سبق له أن اقترح حفر الخندق في معركة الاحزاب ، وكان ذا خبرة بفنون القتال ، اقترح على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأن يرمي الحصن بالمنجنيق(٢) ، وكان هذا الجهاز الذي كان يستخدم في حروب تلك الأعصر يؤدى نفس دور الدبابة في الحروب الراهنة.

فقام امراء الجيش الاسلامي بنصب المنجنيق بارشاد وتوجيه من سلمان ، وأخذوا يرمون الحصن المذكور وأبراجها الشاهقة بالحجارة طوال عشرين يوما متوالية.

ولكن العدوّ لم يسكت تجاه هذه العمليات القوية التي بدأها المسلمون ،

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٢١ ص ١٦٣.

(٢) امتاع الاسماع : ج ١ ص ٤١٧.

٥٢٢

فزاد من رميه واستمر في ذلك ، فوقعت بين المسلمين بعض الاصابات نتيجة ذلك(١) .

والآن يجب أن نرى كيف حصل المسلمون على جهاز المنجنيق ، هذا؟

يرى البعض أن سلمانا هو الذي صنع هذا الجهاز وعلّم المسلمين كيفية استخدامه في هذه الغزوة(٢) .

ويرى آخرون ان المسلمين حصلوا على هذا الجهاز وغنموه من اليهود في خيبر عند فتح قلاعهم وحصونهم واصطحبوه معهم إلى الطائف واستخدموه في غزوها.

ولا يبعد أن الصحابي الجليل سلمان الفارسي قد ادخل بعض التحسينات على ذلك الذي جلبه المسلمون من خيبر ، وعلّم المسلمين كيفية نصبه واستخدامه في القتال ، فانه يستفاد من التاريخ أن المنجنيق لم يكن منحصرا في المنجنيق الذي حصل عليه من يهود خيبر ، لأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعث الطفيل بن عمرو الدوسي لتحطيم أصنام لقبيلة « دوس » في وقت متزامن مع خروجه الى معركة حنين ثم الطائف فعاد الطفل فاتحا مع من خرجوا تحت إمرته من جنود الاسلام الاربعمائة ، وكانوا برمتهم من أبناء قبيلته ، فقد قدم الطائف على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع عدد واحد من جهاز المنجنيق وعربتين حربيتين خاصتين ، وقد استخدمت هذه الآليات في غزوة الطائف.

شدخ جدار الحصن بالمنجنيق :

كان لا بدّ لاخضاع العدو ودفعه إلى الاستسلام من القيام بحملات واسعة ومن مختلف الاطراف والنواحي ، ولهذا تقرر أن يقوم جنود الاسلام ، مضافا إلى

__________________

(١) الطبقات الكبرى : ج ٢ ص ١٥٨.

(٢) السيرة النبوية : ج ٤ ص ١٢٦ ، وابن هشام يرى أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو اول من أستخدم المنجنيق في الجزيرة العربية.

٥٢٣

رمي الحصن بالمنجنيق ، إيجاد ثغرة في الجدار واجه مشكلة كبرى ، لأن السهام والاحجار ، والنيران كانت تنصبّ على رءوس المقاتلين المسلمين كالمطر ، ولم يكن في مقدور أحد منهم الاقتراب والدنوّ من جدار الحصن ، فكان أفضل وسيلة لتحقيق هذا الهدف هو استخدام الدبابة التي كانت في جيوش العالم الكبرى في تلك العصور في صورتها البدائية.

وكانت الدبابة آنذاك تصنع من الخشب وتغطى بجلود البقر ، ويدخل تحتها جماعة من الجنود الاقوياء ثم تتحرك نحو الحصن حتى تدنو إليه ، ويقوم الجنود بعملية إيجاد ثغرة او نقب في جدار الحصن ، فاستخدم نفر من جنود الاسلام الشجعان الاشداء هذا الجهاز بالطريقة المذكورة ، بيد أن العدو قد حال دون هذا العمل إذ ألقى على الدبابة سكك الحديد المحماة بالنار فاخرب سقفها ، واضطرّ أفرادها الى الخروج منها ، فرمتهم ثقيف بالنبل فقتلت منهم رجلا واحدا ولم ينتج هذه التكتيك القتالي ، ولم يتحقق أي نجاح في هذا المجال ، فانصرف المسلمون عن استخدامه(١) .

ضغوط اقتصادية ونفسية :

إن تحقيق الانتصار لا ينحصر في مجرد استخدام الطرق والتكتيكات العسكرية ، بل للقائد الحكيم أن يستخدم ـ لاضعاف قوة العدو وكسر صموده ـ الضربات والضغوط الاقتصادية ويجبره على الاستسلام.

وقد تكون الضربة النفسية والاقتصادية اقوى مفعولا بدرجات أى إن أثرها تفوق بمراتب عديدة أثر الضربة العسكرية ، والإضرار البدني الذي يلحق بجنود العدو وأفراده.

ولقد كانت أرض الطائف أرض زراعة ، ونخيل وأعناب ، وكانت معروفة

__________________

(١) المغازي : ج ٣ ص ٩٢٨.

٥٢٤

في الحجاز بخصبها ، وكثرة محاصيلها وخيراتها ، لأن أهلها كانوا يجهدون كثيرا في تنمية نخيلهم وأعنابهم ورعايتها ، ويولون الحفاظ عليها اهتماما كبيرا ، ويعطون هذا الأمر القسط الاكبر من جهودهم.

فأعلن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لتهديد المتمردين اللاجئين إلى الحصن ، والمعتصمين به ، بأنه سيعمد إلى قطع أعناب ثقيف ، وإفناء مزارعها إذا واصل المعتصمون بالحصن مقاومتهم ولم يسلموا للمسلمين.

فلم يكترث العدو بهذا التهديد لأنه لم يك يتصور أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ وهو النبي الذي عرف برحمته ورافته ـ يستخدم مثل هذه الطريقة.

وفجأة وجدت « ثقيف » أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أصدر أوامره بقطع الأعناب ، واتلاف المزارع وتحريقها ، فوقع المسلمون فيها يقطعون ويحرقون.

فعجّت « ثقيف » لذلك وضجّت ، واستغاثت برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأقسمت عليه بالرحم والقرابة أن يكف عن ذلك ، فتركها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم احتراما لوشيجة القربى التي كانت بينه وبين « ثقيف ».

ان المعتصمين بحصن الطائف وان كانوا من مثيرى معركة حنين والطائف ، وتانك الغزوتان اللتان كلّفتا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الكثير من الخسائر والمتاعب غير أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل مع ذلك التماس العدو وطلبه هذا ، فابدى وللمرة الاخرى وجه الاسلام الرحيم وكشف عن إنسانيته في التعامل مع العدوّ اللدود في ميدان القتال ، وأمر أصحابه بالكف عن قطع الاعناب وتحريقها.

ثم إن مع ما نعرفه ونعهده من أخلاق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأساليبه الانسانية في مجال التعامل مع العدوّ ، يمكننا أن ندرك بسرعة أن الامر بقطع الاعناب وتحريق المزارع كان مجرد تهديد ومحاولة ضغط على العدو بحيث إذا لم تنجح هذه الطريقة معه لكفّ عنها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتما.

٥٢٥

آخر محاولة لفتح حصن الطائف :

كانت قبيلة « ثقيف » جماعة ثريّة ، وذات مال كثير ، وعبيد وإماء كثيرين ، ولكي يحصل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على معلومات دقيقة عن الاوضاع في داخل الحصن ، ويعرف بالتالي حجم امكانات العدو ومدى استعداداته من جهة ، ويوجد الاختلاف في صفوفه من جهة اخرى أمر أن يعلن عن القرار التالي : وينادى : أي عبد نزل من الحصن وخرج إلينا فهو حرّ.

ونفعت هذه الطريقة إلى حدّ ما ، فقد خرج من الحصن بطريقة ماهرة حوالي بضعة عشر رجلا من عبيد ثقيف ورقيقهم ، والتحقوا بصفوف المسلمين فعرف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من خلال التحقيق معهم أنّ المعتصمين بالحصن لا ينوون الاستسلام ، وأنهم مستعدون للمقاومة حتى لو طال الحصار عاما واحدا ، فإنهم قد أعدّوا لمثل هذا الحصار الطويل الطعام الكافي ، ولن يقعوا في أزمة بسبب طول الحصار.

جيش الاسلام يعود الى المدينة :

استخدم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذه الغزوة جميع الاساليب والتكتيكات العسكرية المادية والنفسيّة ضدّ العدوّ ، وقد اثبتت التجربة أن فتح الحصن يحتاج إلى مزيد من الصبر والعمل على حين لم تكن ظروف الجيش الاسلامي وامكاناته ـ يومذاك ـ لتسمح بذلك القدر من الصبر والترقب ، والانتظار والتوقف ، اكثر ممّا توقف ومكث في تلك المنطقة وذلك :

أولا : لأنه قتل في اثناء هذه المحاصرة (١٣) مسلما سبعة منهم من قريش ، وأربعة من الانصار ، ورجل واحد من قبيلة اخرى.

هذا مضافا إلى من استشهد من المسلمين في وادي « حنين » إثر هجوم العدوّ الغادر ، وانفراط صفوف الجيش الاسلامي ، والذين لم يذكر التاريخ مع

٥٢٦

الأسف أسماءهم ، وخصوصياتهم ، ولهذا كان قد دبّ نوع من التعب في نفوس جنود الإسلام لم يكن من الصالح تجاهله.

وثانيا : أن شهر شوال قد انتهى ، وبدأ شهر ذي القعدة الذي كان معدودا عند العرب من الاشهر الحرم وقد أيّد الاسلام فيما بعد هذه السنّة ، وأكّد حرمة الاشهر الحرم.

من هنا كان من الضروري ـ حفاظا على هذه السنّة ـ(١) إنهاء الحصار في أقرب وقت لكي لا تتّهم عرب ثقيف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمخالفة السنّة الصالحة وخرقها.

أضف إلى ذلك دنوّ حلول موسم الحج ، مع العلم بأن إدارة ذلك الموسم ومناسكه كانت في ذلك العام للمسلمين ، بعد أن كانت ـ قبل ذلك ـ تدار بواسطة المشركين وبرعايتهم.

ولا شك أن موسم الحج الذي كان سببا لحصول اجتماع بشريّ عظيم من سكان الجزيرة العربية كان يوفّر اكبر وافضل فرصة لتبليغ الاسلام ، وبيان حقيقة التوحيد ، وكان على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان يستغل هذه الفرصة العظيمة التي اتيحت له لأوّل مرة ، في مجال الدعوة ، ويستفيد منها اكثر قدر ممكن ويولي اهتمامه لقضايا اخرى اكثر أهميّة وخطورة من فتح حصن واقع في منطقة نائية.

مع أخذ هذه الظروف بنظر الاعتبار ترك الرسول القائدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حصار الطائف وعاد بجيشه إلى الجعرّانة التي جعلها محلا لحفظ أسرى حنين وغنائمها.

__________________

(١) ويدلّ على هذا الأمر أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ترك مكة متوجها إلى الطائف في الخامس من شهر شوال واستغرقت مدة الحصار عشرين يوما ، وصرفت بقيّة الايام ( وهي خمسة ) في المسير إلى حنين ، وفي المعركة.

وقولنا بأن الحصار طال عشرين يوما يستند إلى رواية نقلها ابن هشام ، إلاّ أن ابن سعد ذكر مدة الحصار أربعين يوما ( الطبقات الكبرى ج ٢ ص ١٥٨ ).

٥٢٧

حوادث ما بعد الحرب :

انتهت حوادث معركة « حنين » و « الطائف » وعاد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من دون تحقيق نتيجة قطعية الى « الجعرانه » لتقسيم غنائم معركة « حنين ».

والغنائم التي حصل عليها المسلمون في معركة « حنين » كانت من اكبر الغنائم التي غنموها طوال المعارك الاسلامية كلّها ، لأن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم قدم « الجعرّانة » كان هناك ستة آلاف أسير و (٢٤) ألف من الإبل واكثر من (٤٠) ألف رأس غنم و (٨٥٢) كيلو غرام من الفضة يحافظ عليها في مركز الغنائم(١) وكان من الممكن أن تسدّد القيادة من هذه الغنائم قسما كبيرا من ميزانية الجيش الاسلامي.

لقد مكث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في « الجعرّانة » ثلاثة عشر يوما ، وفي هذه المدة قسّم تلك الغنائم بطريقة خاصة ملفتة للنظر وجديرة بالتأمل والدراسة.

فقد خلّى سبيل بعض الأسرى ، وتركهم لذوبهم ، وخطّط لاخضاع ( او بالاحرى إسلام ) مالك بن عوف النصري مثير معركة حنين والطائف الهارب ، كما أظهر تقديره وشكره لمواقف الاشخاص في هاتين الغزوتين وخدماتهم ، وجذب بسياسته الحكيمة افئدة أعداء الاسلام ، ورغّبها في عقيدة التوحيد الشريفة ، وأنهى نقاشا حدث بينه وبين جماعة الأنصار حول طريقة تقسيم الغنائم بخطبة جميلة.

وإليك تفصيل الكلام في المواضيع المذكورة :

١ ـ لقد دأب رسول الاسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على احترام حقوق الأفراد ، وتثمين جهودهم مهما ضؤلت ودقّت ، وعلى أن لا يبخس أحدا عمله ، فإذا أحسن

__________________

(١) الطبقات الكبرى : ج ٢ ص ١٥٢.

٥٢٨

إليه أحد قابل إحسانه بما يزيد عليه أضعافا مضاعفة. وكان ذلك من أبرز صفاته وأخلاقهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فقد رضع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وترعرع في قبيلة بني سعد التي هي من قبائل هوازن ، وقد ارضعته امرأة من هذه القبيلة تدعى « حليمة السعدية » ، وقد بقي في تلك القبيلة خمسة أعوام.

وقد شاركت قبيلة بني سعد في معركة حنين ضدّ الاسلام فسبيت بعض نسائهم وأطفالهم على أيدي المسلمين ، كما وقعت بعض أموالهم بأيديهم أيضا ، وقد ندمت على فعلها ندما شديدا.

وقد كانوا يعلمون أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نشأ وترعرع فيهم ، ورضع بلبن نسائهم هذا من ناحية ، ومن ناحية اخرى كانوا يعرفون أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ملء قلبه الرحمة والمروءة ومعرفة الجميل ، فاذا سنح لهم أن يذكّروه بذلك لأطلق أسراهم حتما.

فقدم أربعة عشر رجلا من رؤسائهم الذين كانوا قد أسلموا جميعا « الجعرانة » على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد أمّروا على أنفسهم شخصيتين من رجالهم أحدهما هو « زهير بن صرد » والآخر عم للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الرضاعة ، فقالوا : يا رسول الله إنّما في هذه الأسرى من يكفلك من عماتك وخالاتك ، وحواضنك ، وقد حضنّاك في حجورنا وارضعناك بثدينا ، ولقد رايتك مرضعا فما رأيت مرضعا خيرا منك ، ورأيتك فطيما فما رأيت فطيما خيرا منك ، ورأيتك شابا فما رأيت شابا خيرا منك ، وقد تكاملت فيك خلال الخير ، ونحن مع ذلك أهلك وعشيرتك فامنن علينا منّ الله عليك.

وقال زهير بن صرد : يا رسول الله إنّما في هذه الحظائر عماتك وخالاتك وحواضنك اللاتي كنّ يكفلنك ، ولو أننا ملحنا للحارث بن أبي شمر ، أو النعمان بن المنذر ، ثم نزل منا بمثل الذي نزلت به رجونا عطفه وعائدته علينا وأنت خير المكفولين.

٥٢٩

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهم :

« إن أحسن الحديث أصدقه ، وعندي من ترون من المسلمين ، فابناؤكم ونساؤكم أحبّ إليكم أم أموالكم »؟

قالوا : يا رسول الله خيّرتنا بين أحسابنا وأموالنا وما كنّا نعدل بالأحساب شيئا ، فردّ علينا أبناءنا ونساءنا.

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« أما ما لي ولبني عبد المطلب فهو لكم واسأل لكم الناس وإذا صلّيت الظهر بالناس فقولوا : إنا لنستشفع برسول الله الى المسلمين ، وبالمسلمين الى رسول الله فاني سأقول : لكم ما كان لي ولبني عبد المطّلب فهو لكم وسأطلب لكم إلى الناس ».

فلما صلّى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الظهر بالناس قاموا فتكلموا بالذي أمرهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالوا : إنا نستشفع برسول الله الى المسلمين وبالمسلمين إلى رسول الله.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم.

وبهذا وهب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهم نصيبه من الاسرى.

فقال المهاجرون : أمّا ما كان لنا فهو لرسول الله.

وقال الانصار : ما كان لنا فهو لرسول الله.

وهكذا وهب الانصار والمهاجرون نصيبهم من الاسرى تبعا لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يتأخر عن ذلك إلاّ قليلون مثل « الاقرع بن حابس » و « عيينة بن حصن » فقد امتنعا عن أن يهبا نصيبهما ، ويطلق سراح ما عندهم من السبايا ، فقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : إن هؤلاء القوم جاءوا مسلمين وقد استأنيت بهم ، فخيّرتهم بين النساء والأبناء ، والأموال ، فلم يعدلوا بالأبناء والنساء ، فمن كانت عنده منهنّ شيء فطابت نفسه أن يردّه فليرسل ،

٥٣٠

ومن أبى منكم وتمسك بحقه فليردّ عليهم ، فله بكل انسان ست فرائض ( أي سوف أعطيه بدل الواحد ستا ) من أول ما يفيء الله به علينا(١) .

فكان لعمل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذا أثر عظيم في نفوس المسلمين حيث خلّوا سبيل جميع من كان في أيديهم من الاسرى والسبايا إلا امرأة عجوز امتنع « عيينة » من ردّها إلى ذوبها.

وهكذا أثمر عمل صالح غرست شتيلته ـ قبل ستين عاما ـ في أرض قبيلة بني سعد على يدى حليمة السعدية ، فاتت اكلها بعد مدة طويلة ، واطلق بفضل ذلك العمل الصالح سراح جميع الاسرى والسبايا من هوازن(٢) .

ثم ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعا اخته من الرضاعة « الشيماء »(٣) وبسط لها رداءه ثم قال : اجلسي عليه ، ورحّب بها ، ودمعت عيناه ، وسألها عن امّه وابيه من الرضاعة ، فاخبرته بموتهما في الزمان ، ثم قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لها :

« إن أحببت فأقيمي عندنا محبّبة مكرّمة وإن أحببت أن امتّعك وترجعي الى قومك فعلت ».

فقالت : بل تمتّعني وتردّني إلى قومي ، فمتّعها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وردّها الى قومها ، بعد أن أسلمت طوعا ورغبة ، وأعطاها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثلاثة أعبد وجارية(٤) .

وقد قوّى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باخلائه سبيل جميع أسرى هوازن وسباياها من رغبة هوازن في الاسلام ، فاسلموا من قلوبهم ، وهكذا فقدت

__________________

(١) المغازي : ج ٣ ص ٩٤٩ ـ ٩٥٣.

(٢) الطبقات الكبرى : ج ٢ ص ١٥٣ و ١٥٤ ، السيرة النبوية : ج ٢ ص ٤٩٠ ، والحادثة التاريخية هذه جسّدت مضمون قول الله تعالى : «مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ » ( النحل : ٩٧ ).

(٣) هي الشيماء بنت الحارث بن عبد العزى.

(٤) البداية والنهاية : ج ٢ ص ٣٦٣ و ٣٦٤ ، الامتاع : ج ١ ص ٤١٣.

٥٣١

« الطائف » آخر حليف من حلفائها.

٢ ـ اسلام مالك بن عوف :

في هذا الأثناء اغتنم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الفرصة ليعالج مشكلته مع « مالك بن عوف النصري » مثير حرب حنين ، عن طريق وفد بني سعد وذلك بترغيبه في الاسلام ، وعزله عن حليفه : « ثقيف ».

ولهذا سألهم عن مالك ما فعل؟ فقالوا يا رسول الله هو بالطائف مع ثقيف.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« أخبروا مالكا أنّه إن أتاني مسلما رددت عليه أهله وماله وأعطيته مائة من الابل ».

فبلّغ وفد هوازن مالكا كلام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمانه المشروط ، فقرّر مالك الذي كان يرى بامّ عينيه تعاظم أمر الاسلام ، واشتداد أزره كما رأى رحمة النبي ولطفه ، أن يخرج من الطائف ، ويلتحق بالمسلمين ، ولكنه كان يخشى أن تعرف « ثقيف » بنيته فتحبسه في الحصن ، ولهذا عمد الى خطة خاصة للفرار ، فقد أمر باعداد راحلته فهيّئت له ، وأمر بفرس له فأتي به إلى الطائف ، فركب فرسه وركّضه حتى أتى راحلته حيث أمر بها أن تحبس فركبها ، فلحق برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فادركه بالجعرانة أو بمكة ، فردّ عليه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أهله وماله ، وأعطاه مائة من الابل كما وعد من قبل ، واسلم فحسن إسلامه ، ثم استعمله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على من أسلم من قومه وقبائل « ثمالة » و « سلمة » و « فهم ».

وقد انشد « مالك بن عوف » أبياتا عند ما أسلم يصف فيها خلائق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الكريمة ، ويمدحه أجمل مديح اذ يقول :

ما إن رأيت ولا سمعت بمثله

في الناس كلّهم بمثل محمّد

أوفى وأعطى للجزيل إذ اجتدي

ومتى تشأ يخبرك عما في غد

٥٣٢

وإذا الكتيبة عرّدت أنيابها

بالسمهريّ وضرب كلّ مهنّد

فكأنّه ليث على أشباله

وسط الهباءة خادر في مرصد

وصار يقاتل بتلك القبائل ثقيفا لا يخرج لهم سرح إلاّ أغار عليه حتى ضيّق عليهم لما حصل عليه من مكانة وعزة في الاسلام ، وبعد أن أدرك قبح موقف « ثقيف »(١) .

٣ ـ تقسيم الغنائم :

كان أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يلحّون عليه أن يسرع في تقسيم غنائم الحرب ، ولكي يدلّل النبي الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على حياده الكامل في تقسيم الغنائم قام إلى بعير فأخذ وبرة من سنامه فجعلها بين إصبعيه ثم رفعها ثم قال :

« أيّها الناس والله مالي في فيئكم ولا هذه الوبرة إلاّ الخمس ، والخمس مردود عليكم ، فادّوا الخياط والمخيط فإن الغلول ( أي الخيانة في بيت المال ) يكون على أهله عارا ، ونارا ، وشنارا يوم القيامة ».

ثم ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قسّم أموال بيت المال بين المسلمين ، واما الخمس الذي هو حقه الخاص به فقد وزّعه بين أشراف قريش الحديثي العهد بالاسلام يتألّفهم ، ويتألف بهم قومهم ، فأعطى من هذا المال لـ : أبي سفيان بن حرب ، وابنه معاوية ، وحكيم بن حزام ، والحارث بن الحارث ، والحارث بن هشام ، وسهيل بن عمرو ، وحويطب بن عبد العزى ، والعلاء بن جارية وصفوان بن أميّة ، وغيرهم ممّن كانوا يعادونه الى الأمس القريب من رءوس الشرك ورموز الكفر ، لكلّ واحد منهم مائة بعير(٢) .

__________________

(١) السيرة النبوية : ج ٢ ص ٤٩١ وعرّدت أي عوّجت.

(٢) راجع المحبّر : ص ٤٧٣ ، المغازي : ج ٣ ص ٩٤٤ ـ ٩٤٨ ، السيرة النبوية : ج ٣ ص ٤٩٣ ، امتاع الاسماع : ج ١ ص ٤٢٣.

٥٣٣

وقد كان لهذا العطاء السخيّ أثره الطيب والبالغ في نفوس تلك الجماعة التي شملها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم برحمته ، ولطفه ، وعنايته ، وكرمه ، واشتدت رغبتهم في الاسلام.

وهذا الفريق هم من يصطلح عليهم في الفقه الاسلامي بالمؤلفة قلوبهم ، وهم يشكّلون إحدى مصارف الزكاة بنص القرآن الكريم.

ويقول ابن سعد في الطبقات الكبرى بعد ان ذكر قصة هذا التقسيم الخاص للغنائم : وأعطى ذلك كله من الخمس وهو أثبت الاقاويل عندنا(١) .

ولقد شق هذا النوع من الاسلوب في تقسيم الغنائم وهذا النمط من البذل الذي مارسه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، شقّ على بعض المسلمين ، وبخاصة الانصار وقد جهلوا بالمصالح التي كان يراعيها ، والأهداف العليا التي كان يتوخّاها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من هذا النوع من البذل والعطاء ( وهو تخصيص حديثي العهد بالاسلام باكثر الغنائم ).

لقد كانوا يتصورون ان التعصب القبلي هو الذي دفع بالرسول القائدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أن يقسم خمس الغنيمة بين أبناء قبيلته حتى أن احدهم ( وهو ذو الخويصرة التميمي ) قال لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكل وقاحة : يا محمّد قد رأيت ما صنعت في هذا اليوم ، لم أرك عدلت!!

فغضب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من كلامه هذا وقال :

« ويحك إذا لم يكن العدل عندي فعند من يكون »؟!

فطلب عمر بن الخطاب من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يأذن له بقتله ، فلم يأذن له النبي وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« دعه فانّه سيكون له شيعة يتعمّقون في الدين ( أي يتتبّعون أقصاه ) حتى

__________________

(١) الطبقات الكبرى : ج ٣ ص ١٥٣.

٥٣٤

يخرجوا منه كما يخرج السهم من الرميّة »(١) .

وقد كان هذا الرجل ـ كما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم زعيم فرقة الخوارج في عهد حكومة الإمام عليّعليه‌السلام ، فهو الذي قاد تلك الفرقة الخطرة ، غير أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يقدم على عقوبته على ما بدر منه فيما بعد لأن القصاص أو العقاب قبل الجناية يخالف قواعد الإسلام.

ولقد رفع « سعد بن عبادة » شكوى الأنصار حول كيفية تقسيم الخمس إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لسعد : اجمع من كان هاهنا من الأنصار في هذه الحظيرة.

فجمع سعد الانصار في تلك الخطيرة ، فلما اجتمعوا دخل عليهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليه جلال النبوة ، وهيبة الرسالة ، فحمد الله واثنى عليه بالذي هو أهله ثم قال :

« يا معشر الأنصار ما مقالة بلغتني عنكم وجدة وجدتموها في أنفسكم؟ ألم آتكم ضلاّلا فهداكم الله وعالة فاغناكم الله ، وأعداء فألّف الله بين قلوبكم »؟

قالوا : بلى الله ورسوله أمنّ وافضل!

قال :

ألا تجيبوني يا معشر الانصار »؟

قالوا : وما ذا نجيبك يا رسول الله ولرسول الله المنّ والفضل؟

قال :

« أما والله لو شئتم قلتم فصدقتم أتيتنا مكذّبا فصدّقناك ومخذولا فنصرناك

__________________

(١) السيرة النبوية : ج ٢ ص ٤٩٦ ، السيرة الحلبية : ج ٣ ص ١٢٢ ، وفي المغازي : ج ٣ ص ٩٤٨ أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال فيه : « دعه إنّ له أصحابا يحقّر أحدكم صلاته مع صلاتهم ، وصيامه مع صيامهم ، يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية يخرجون على فرقة من المسلمين ». وراجع امتاع الاسماع : ج ١ ص ٤٢٥ وجاء في السيرة الحلبية انه أصل الخوارج.

٥٣٥

وطريدا فآويناك وعائلا فآسيناك!(١) وجدتم في أنفسكم يا معشر الأنصار في شيء من الدّنيا تألّفت به قوما ليسلموا ووكلتكم إلى إسلامكم ، أفلا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير ، وترجعوا برسول الله إلى رحالكم؟

والذي نفس محمّد بيده لو لا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار ، ولو سلك الناس شعبا وسلكت الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار ».

ثم ترحّم على الأنصار وعلى أبنائهم وعلى أبناء أبنائهم فقال :

« اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار ».

وقد كانت كلمات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذه من القوة والعاطفيّة بحيث أثارت مشاعر الأنصار ، فبكوا بعد سماعها بكاء شديدا حتى اخضلّت لحاهم وابتلّت بالدموع وقالوا : رضينا يا رسول الله حظّا وقسما!!!

ثم انصرف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتفرّقوا(٢) .

ان هذه القصة تكشف عن عمق حكمة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعن حنكته السياسيّة البالغة ، وكيف أنه كان يعالج المشاكل باساليب مناسبة وبروح الصدق واللطف.

رسول الله يعتمر :

ثم ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خرج من الجعرانة معتمرا ، بعد ان قسم الغنائم ، فلما فرغ من عمرته انصرف راجعا الى المدينة ، فقدم المدينة في اواخر شهر ذي القعدة ، أو أوائل شهر ذي الحجة.

__________________

(١) إن هذا يفيد ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما كان ينسى فضل أحد عليه وان كان هوصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صاحب الفضل الاكبر على الناس اجمعين.

(٢) السيرة النبوية : ج ٢ ص ٤٩٨ و ٤٩٩ ، المغازي : ج ٣ ص ٩٥٧ و ٩٥٨.

٥٣٦

٥٢

لاميّة كعب بن زهير المعروفة

« بانت سعاد »

فرغ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في منتصف شهر ذي القعدة ، من السنة الثامنة للهجرة من قسمة غنائم حنين في الجعرانة ، وكان موسم الحج على الأبواب ، وكانت هذه السنة هي السنة الاولى التي كان يتوجب على الحجيج العرب ، مسلمين ومشركين ، أن يقوموا بمناسك الحج تحت رعاية الحكومة الاسلامية.

وكان اشتراك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذه الشعائر يزيد الحج عظمة وجلالا ، وكان من الممكن ـ وبفضل قيادته الحكيمة ـ أن تتم في ذلك الحشد الهائل والاجتماع العظيم دعوة صحيحة وقوية وواسعة إلى الاسلام ، بينما كانت ثمة مسئوليات في المدينة تنتظر عودة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد مضى على مفارقته المدينة ما يقرب من ثلاثة أشهر ، وكانت الأعمال التي يجب أن يقوم بها هو بنفسه قد تعطّلت طوال هذه المدة.

وبعد دراسة هذه المسألة من جوانبها المختلفة رأى الرسول القائدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يكتفي بعمرة ، يغادر بعدها مكة ليصل الى المدينة في أقرب وقت ممكن.

ولكنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأى أنه لا بدّ أن يعيّن شخصا صالحا لادارة الامور السياسية والدينية في المنطقة الحديثة العهد بالفتح الاسلامي ( نعني مكة ) حتى لا تحدث في غيابه أزمة فيها ، وحتى تجري الامور على النسق الصحيح والمطلوب.

٥٣٧

من هنا استخلف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « عتّاب بن اسيد » على مكة ، وكان عتاب شابا لبيبا يتسم بالصبر والجلد ، وكان له من العمر اذ ذاك عشرون سنة ، وقد قرّر له النبي راتبا قدره درهم واحد كل يوم.

وبهذا العمل ( أي تعيين شاب حديث العهد بالاسلام والايمان في مقتبل العمر ، ولكن كفؤ لتسيير الامور في مكة ، وتفضيله على كثير من الشيوخ وكبار السنّ ) حطّم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سدّا خياليا ، ومفهوما باطلا في مجال التوظيف والتأمير.

فان جماعة من الناس لما أمّر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « عتابا » على أهل مكة قالوا : إن محمّدا لا يزال يستخفّ بناحتى ولّى علينا غلاما حدث السنّ ابن ثمانية عشر سنة ، ونحن مشايخ ذو والاسنان فاجابهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله في كتاب كتبه لعتاب :

« لا يحتجّ محتجّ منكم في مخالفته بصغر سنّه ، فليس الاكبر هو الأفضل بل الأفضل هو الاكبر وهو الاكبر في موالاتنا وموالاة أوليائنا ومعاداة أعدائنا فلذلك جعلناه الأمير عليكم والرئيس عليكم فمن أطاعه فمرحبا به ومن خالفه فلا يبعد الله غيره »(١) .

وبهذا أثبتصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عمليا أن حيازة المناصب الاجتماعية إنما تدور فقط حول معيار الأهلية والجدارة ، والكفاءة ، وأنّ صغر السنّ لا يمنع من ذلك اذا كان صاحبه يتمتع بكفاءة عالية.

ثم ان « عتّابا » قام فخطب في الناس فقال : أيّها الناس أجاع الله كبد من جاع على درهم ، فقد رزقني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم درهما كل يوم ، فليست بي حاجة إلى أحد(٢) .

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٢١ ص ١٢٢ و ١٢٣. امتاع الاسماع : ج ١ ص ٤٣٢ و ٤٣٣.

(٢) السيرة النبوية : ج ٢ ص ٥٠٠.

٥٣٨

وأحسن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الاختيار أيضا عند ما عيّن « معاذ بن جبل » ليعلّم الناس القرآن ويفقههم في الدين ، فقد كان معاذ ممن عرف بالفقه ، والمعرفة باحكام القرآن بين أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما بعثه للقضاء ، الى اليمن سألهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بم تقضي إن عرض قضاء فقال : أقضى بما في كتاب الله.

قال : فان لم يكن في كتاب الله؟

قال : أقضي بما قضى به الرسول.

قال : فإن لم يكن فيما قضى به الرسول؟

قال : أجتهد رأيي ولا آلو.

فضرب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صدره ، وقال :

« الحمد الله الّذي وفّق رسول رسول الله لما يرضى رسول الله »(١) .

قصة كعب بن زهير بن أبي سلمى :

كان « زهير بن أبي سلمى » من شعراء العرب البارعين في العهد الجاهلي ، فهو صاحب إحدى المعلّقات السبع التي بقيت منصوبة في الكعبة المعظّمة حتى قبيل نزول القرآن الكريم ، وكانت تفتخر بها العرب ، وتبدأ معلّقته تلك بقوله :

أمن أمّ أوفى دمنة لم تكلّم

بحومانة الدرّاج فالمتثلّم

وقد توفي « زهير » قبل عصر الرسالة ، وخلّف ولدين هما : « بجير » ، و « كعب » وكان الأول ممّن آمن برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونصره ، وأحبّه ، بينما عادى الثاني ( كعب ) رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بشدّة ، وحيث أنه كان ذا قريحة شعرية موروثة قوية ، لهذا كان يهجو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قصائده

__________________

(١) الطبقات الكبرى : ج ٢ ص ٣٤٧ و ٣٤٨ ، ويكتب الجزري في اسد الغابة : ( ج ٣ ص ٣٥٨ ) كان عتاب رجلا خبيرا صالحا فاضلا.

٥٣٩

وأشعاره ويؤلّب الناس ضدّ الإسلام.

ولما قدم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المدينة في الرابع والعشرين من شهر ذي القعدة كان « بجير » قد شارك مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في فتح مكة ، وحصار الطائف ، وقد شاهد عن كثب كيف هدّد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالقتل بعض الشعراء الذين كانوا يهجون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويؤلّبون الناس ضدّ الإسلام ، وأهدر دماءهم.

فكتب بهذا إلى أخيه ( كعب ) ونصحه في آخر كتابه قائلا : إن كانت لك في نفسك حاجة فطر الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فانه لا يقتل أحدا جاءه تائبا.

فاطمأنّ كعب بكلام أخيه ، وتوجّه من فوره إلى المدينة فدخل المسجد ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتهيأ لصلاة الصبح ، فصلّى مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأوّل مرّة ثم جلس إليه ، ووضع يده في يده ، وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يعرفه ، فقال : يا رسول الله إن كعب بن زهير قد جاء ليستأمن منك تائبا مسلما فهل أنت قابل منه إن أنا جئتك به؟

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : نعم.

قال : أنا يا رسول الله كعب بن زهير(١) .

ثم أخرج كعب قصيدته اللاميّة العصماء التي مدح فيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والتي كان قد أنشأها من قبل ، وانشدها بين يدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المسجد ليتلافى بها ما سبق أن بدر منه من هجاء وطعن في سيد المرسلينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) .

__________________

(١) روي أنه وثب على كعب ـ في تلك الحال ـ رجل من الانصار فقال : يا رسول الله دعني وعدوّ الله أن أضرب عنقه ، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : دعه عنك فانه قد جاء تائبا نازعا ( عما كان عليه ) السيرة النبوية : ج ٢ ص ٥٠١.

(٢) السيرة الحلبية : ج ٣ ص ٢٤٢.

٥٤٠

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793

794

795

796

797

798

799

800

801

802

803

804

805

806

807

808

809

810

811

812

813

814

815

816

817

818

819

820

821

822

823

824

825

826

827

828

829

830

831

832

833

834

835

836

837

838

839

840

841

842

843

844

845

846

847

848

849

850

851

852

853

854

855

856

857

858

859

860

861

862

863

864

865

866

867

868

869

870

871

872

873

874

875

876

877

878

879

880

881

882

883

884

885

886

887

888

889

890

891

892

893

894

895

896

897

898

899

900

901

902

903

904