اختيار معرفة الرجال

اختيار معرفة الرجال6%

اختيار معرفة الرجال مؤلف:
تصنيف: علم الرجال والطبقات
الصفحات: 904

اختيار معرفة الرجال المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 904 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 70851 / تحميل: 12303
الحجم الحجم الحجم
اختيار معرفة الرجال

اختيار معرفة الرجال

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

قال: قال أبو الحسن موسى بن جعفرعليهما‌السلام اذا كان يوم القيامة نادى مناد أين حواري محمد بن عبد الله رسول الله الذين لم ينقضوا العهد ومضوا عليه؟ فيقوم سلمان والمقداد وأبو ذر؟ ثم ينادي مناد أين حواري علي بن أبي طالبعليه‌السلام وصي‌

___________________________________________________________

المضمومة والراء قبل الالف وبعدها(١) .

وكذلك ضبطه العلامة أيضا في الايضاح نسبة الى زرارة بن أعين.

وذلك عندي منظور في صحته.

قولهعليه‌السلام : أين حوارى محمد بن عبد الله رسول اللهعليه‌السلام

قال في الكشاف: حواري الرجل صفوته وخالصته، ومنه قيل للحضريات الحواريات لخلوص ألوانهن ونظافتهن وفي وزنه الحوالي وهو الكثير الحيلة(٢) .

قلت: واما الذي بمعنى حول الشي‌ء وجوانبه وأطرافه كما يقال: حوالينا وحواليكم وبين ظهرانينا وبين ظهرانيكم، فعلى هيئة صيغة المثناة من غير ارادة معنى التثنية لا على وزن الحواري ولا على هيئة وزن الجمع. ومنه في حديث الاستسقاء: اللهم حوالينا ولا علينا(٣) .

والمشهور أن الحواري أصله من الحور بمعنى خلوص البياض، والتحوير بمعنى التبييض، والخبز الحواري الذي نخل طحينه مرة بعد مرة. ومنه في الحديث: الحواري من امتي أي خاصتي من أصحابي وأنصاري.

والحواريون من أصحاب عيسىعليه‌السلام أول من آمن به من أصفيائه وخلصائه‌

__________________

(١) رجال ابن داود: ٢٤٥ قال: وبعض الاصحاب أثبته « الرازى » وهما، بناء على الوهم الاول. وقال في ص ٤١: وبعض فضلاء أصحابنا - وهو العلامة في الخلاصة - أثبته في تصنيفه « أبو غالب الرازى » وأن الامامعليه‌السلام قال: « وأما الرازى » وهو غلط، وانما هو « الزرارى » نسبة الى زرارة بن أعين.

(٢) الكشاف: ١ / ٤٣٢‌

(٣) رواه مسلم في صحيحه: ٢ / ٦١٤‌

٤١

___________________________________________________________

وكانوا اثني عشر رجلا قيل: كانوا قصارين يحورون الثياب أي يبيضونها فسموا الحواريين، ثم صار هذا الاسم مستعملا فيمن أشبههم من الذين خلصوا من كل ريب ونقوا من كل عيب وأخلصوا سرائرهم ونياتهم في نصرة الانبياء والاوصياء والتصديق بهم.

وقيل: كانوا صيادين وقيل: كانوا ملوكا يلبسون البيض من الثياب قاله العزيزي في غريب القرآن وغيره.

وقال الراغب في المفردات: قال بعض العلماء: انما سموا حواريين لأنهم كانوا يطهرون نفوس الناس بافادتهم الدين والعلم المشار اليه بقوله عز وجل( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (١) . وقال: انما كانوا قصارين على التمثيل والتشبيه، وتصور منه من لم يتخصص بمعرفة الحقائق المهنة المتداولة بين العامة. قال: وانما كانوا صيادين لاصطيادهم نفوس الناس من الحيرة وقودهم الى الحق(٢) .

وعندي أنه يجوز أن يعتبر أصل الحواري من الحور بمعنى الرجوع، لان حواري الرجل يرجع اليه في أموره، وحواري النبي أو الوصي يرجع اليه في دينه لا الى غيره.

ومنه المحاورة والتحاور: أي المراجعة في التكلم والتراجع في المخاطبة، وكلمته فلم يحر جوابا ولا أحار خطابا أي لم يرجع إليّ كلاما، ونعوذ بالله من الحور بعد الكور، أي من الرجوع الى النقصان بعد كمال الزيادة.

__________________

(١) سورة الاحزاب: ٣٣‌

(٢) المفردات: ١٣٥‌

٤٢

محمد بن عبد الله رسول الله؟ فيقوم عمرو بن الحمق الخزاعي ومحمد بن أبي بكر وميثم بن يحيى التمار مولى بني أسد وأويس القرني.

قال ثم ينادي المنادي أين حواري الحسن بن علي بن فاطمة بنت محمد بن عبد الله رسول الله؟ فيقوم سفيان بن أبي ليلى الهمداني وحذيفة بن أسيد الغفاري. قال، ثم ينادي المنادي أين حواري الحسين بن عليعليه‌السلام ؟ فيقوم كل من استشهد معه ولم يتخلّف عنه. قال، ثم ينادي المنادي أين حواري علي بن الحسينعليه‌السلام ؟ فيقوم جبير ابن مطعم ويحيى بن أم الطويل وأبو خالد الكابلي وسعيد بن المسيب. ثم ينادي المنادي اين حواري محمد بن علي وحواري جعفر بن محمد؟ فيقوم عبد الله بن شريك العامري وزرارة بن أعين وبريد بن معاوية العجلي ومحمد بن مسلم وأبو‌

___________________________________________________________

قولهعليه‌السلام : فيقوم عمرو بن الحمق الخزاعى‌

قال في القاموس: الحمق ككتف الخفيف اللحية وعمرو بن الحمق صحابي(١) .

والشيخ رحمه الله تعالى في كتاب الرجال ذكره في رجال أمير المؤمنينعليه‌السلام (٢) وفي أصحاب أبي محمد الحسن بن عليعليهما‌السلام (٣) .

وسيتكرر بعده في الكتاب مدحه.

قولهعليه‌السلام : جبير بن مطعم ويحيى بن أم الطويل وابو خالد الكابلى‌

جبير بن مطعم بضم الجيم وفتح الموحدة على صيغة التصغير، وضم الميم وفتح العين على اسم المفعول من الاطعام.

ذكره الشيخ رحمه الله تعالى في كتاب الرجال في باب من روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

(١) القاموس: ٣ / ٢٢٣‌

(٢) رجال الشيخ: ٤٧‌

(٣) المصدر: ٦٩‌

٤٣

___________________________________________________________

من الصحابة قال في باب الجيم: جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف يكنى أبا محمد مات سنة ثمان وخمسين(١) .

وفي مختصر أبي عبد الله الذهبي: جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل ممن حسن اسلامه، عنه ابناه محمد ونافع وابن المسيب، سيد حليم وقور نسابة، مات سنة ستة وخمسين.

فمن العجب قول الحسن بن داود في كتابه جبير بن مطعم « كش » أنه من حواري « ين » ولم أره في كتب الشيخرحمه‌الله (٢) .

وسيرد في الكتاب من طريق أبي عمرو الكشي عن الفضل بن شاذان مسندا عن أبي عبد اللهعليه‌السلام : ارتد الناس بعد قتل الحسينعليه‌السلام الا ثلاثة أبو خالد الكابلي ويحيى بن أم الطويل وجبير بن مطعم. وفي رواية يونس عن حمزة بن محمد الطيار مثله، وزاد فيه وجابر بن عبد الله الانصاري، ثم ان الناس لحقوا وكثروا(٣) . وقد روى الفضل بن شاذان وغيره.

ونقله حسن بن داود في كتابه: أن يحيى بن أم الطويل أمه وشيكته كانت ظئر علي بن الحسين سيد الساجدينعليه‌السلام وكانعليه‌السلام يدعوها أمّا، وهي التي زوجها فعابه على ذلك عبد الملك بن مروان بأنه زوج أمه توهما منه أنها والدتهعليه‌السلام وكانت والدتهعليه‌السلام شهر بانوى قد توفيت وهو صغير السن(٤) .

قلت: فاذن قد ظهر أن يحيى بن أم الطويل أخو سيد العابدينعليه‌السلام من جهة الرضاع، وأمه من النسب أمهعليه‌السلام من الرضاعة.

__________________

(١) رجال الشيخ: ١٤‌

(٢) رجال ابن داود: ٨١‌

(٣) رجال الكشى: ١٢٣‌

(٤) رجال ابن داود: ٣٧١ - ٣٧٢‌

٤٤

بصير ليث بن البختري المرادي وعبد الله بن أبي يعفور وعامر بن عبد الله بن جداعة وحجر بن زائدة وحمران بن أعين. ثم ينادي سائر الشيعة مع سائر الائمةعليهم‌السلام يوم القيامة، فهؤلاء المتحورة أول السابقين وأول المقربين وأول المتحورين من التابعين.

___________________________________________________________

واستبان معنى ما رواه أبو جعفر الكليني رضوان الله تعالى عليه في جامعه الكافي: أن علي بن الحسينعليه‌السلام كان له أخ من أمه.

وكذلك ما في كتاب المحاضرات للراغب: ان أم علي بن الحسين بن زين العابدينعليه‌السلام تزوجت في زمانه بعد أبيه الحسينعليه‌السلام سيد الشهداء وعابه على ذلك عبد الملك بن مروان فليعلم(١) .

قولهعليه‌السلام : عامر بن عبد الله بن جداعة‌

بضم الجيم واهمال الدال على ما قد ضبطه العلامة في الايضاح، وربما يضبط باعجام الدال بعد الجيم المضمومة.

و « حجر بن زائدة » باهمال الحاء المضمومة قبل الجيم الساكنة.

و « حمران بن أعين » بضم الحاء المهملة على ما ضبطه الاكثر، وقيل: بكسرها أخو زرارة بن أعين باهمال العين الساكنة بين الهمزة والياء المثناة من تحت المفتوحتين، وهو من القراء المتقنين قرأ عليه حمزة، وعلماء العامة يعرفون جلالته ويطعون فيه بالرفض.

قال الذهبي في ميزان الاعتدال: حمران بن أعين كوفي روى عن أبي الطفيل وغيره، وقرأ عليه حمزة، وكان يتقن بالقرآن. وقال أبو حاتم: شيخ. وقال أبو داود: رافضي. وروى حمزة عن حمران بن أعين أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قرأ: ان لدينا أنكالا وجحيما. فصعق.

قولهعليه‌السلام : فهؤلاء المتحورة أول السابقين‌

على التفعل من الحواري أي الجاعلون أنفسهم حواريين، فهذه الرواية معول‌

__________________

(١) راجع رجال ابن داود: ٣٧٢‌

٤٥

٢١ - جبريل بن أحمد، قال حدثني محمد بن عيسى، عن ابن أبي نجران، عن صفوان بن مهران الجمّال، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ان الله تعالى أمرني بحب أربعة، قالوا: ومن هم يا رسول الله؟ قال: علي بن أبي طالب ثم سكت، ثم قال: ان الله أمرني بحب أربعة قالوا: ومن هم يا رسول الله؟ قال علي بن أبي طالبعليه‌السلام والمقداد بن الاسود وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي.

٢٢ - حمدويه بن نصير، قال حدثني محمد بن عيسى. ومحمد بن مسعود، قالا حدثنا جبريل بن أحمد، قال حدثنا محمد بن عيسى، عن النضر بن سويد، عن محمد ابن بشير، عمن حدثه، قال ما بقي أحد الا وقد جال جولة الا المقداد بن الاسود فان قلبه كان مثل زبر الحديد.

___________________________________________________________

عليها في ارتفاع منزلة هؤلاء المتحورين السابقين المقربين.

وقول بعض شهداء المتأخرين في حواشي الخلاصة(١) أن في طريقها علي بن سليمان وهو مجهول، لا تعويل عليه كما دريت ومرفوعة الحسين بن سعيد في ذم عامر وحجر غير صالحة للمعارضة، وسيستبين لك إن شاء الله العزيز العليم.

قولهرحمه‌الله : جبرئيل بن أحمد قال: حدثنى محمد بن عيسى‌

يعني به العبيدي اليقطيني‌

قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ان الله أمرنى بحب أربعة قالوا: ومن هم يا رسول الله قال: على بن أبى طالبعليه‌السلام

هذا الحديث ثابت الصحة عند العامة من طرقهم في صحاحهم وأصولهم ومصابيحهم ومشكاتهم بأسانيد غير محصورة.

قولهرحمه‌الله : الا وقد جال جولة‌

بالجيم أي انزعج في سره انزعاجة ما، وحاد قلبه عن سبيله حيدة ما.

__________________

(١) هو الشهيد الثانى رحمة الله عليه في حاشيته على الخلاصة غير مطبوع.

٤٦

٢٣ - طاهر بن عيسى الوراق، رفعه الى محمد بن سفيان، عن محمد بن سليمان الديلمى، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا سلمان لو عرض علمك على مقداد لكفر، يا مقداد لو عرض علمك على سلمان لكفر.

٢٤ - علي بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن أبي بكر الحضرمي، قال: قال‌

___________________________________________________________

قال في المغرب: أصاب المسلمين جولة هي كناية عن الهزيمة ولا تستعمل الا في حق الاولياء، وأصلها من الجولان.

قوله رحمه الله تعالى: طاهر بن عيسى الوراق‌

هو أبو محمد من أهل كش من مشيخة الشيوخ.

قال الشيخ في كتاب الرجال: صاحب كتاب روى عنه الكشي، وروى هو عن أحمد بن جعفر الخزاعي عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب(١) .

وهذا الطريق بعد الرفع ضعيف بمحمد بن سليمان الديلمي عن علي بن أبي حمزة البطائني عن أبي بصير المكفوف يحيى بن القاسم، أو أبي القاسم.

قولهعليه‌السلام : لكفر‌

بالتخفيف على المجرد من الكفور بالشي‌ء والكفران به، بمعنى الجحود والانكار، أو بالتشديد على التفعيل للنسبة من كفره تكفيرا، أي نسبه الى الكفر.

قولهرحمه‌الله : على بن الحكم عن سيف بن عميرة‌

الطريق صحيح على التعليق لان طريق أبي عمرو الكشي الى علي بن الحكم صحيح معروف.

وليعلم أن رواية ارتداد الناس الا القليل منهم بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله غير مختصة بطريق أصحابنا رضوان الله تعالى عليهم، بل أن حديث أنباء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه ترتد‌

__________________

(١) رجال الشيخ ص ٤٧٧ وفيه صاحب كتب‌

٤٧

___________________________________________________________

الصحابة وترجع القهقرى بعده عليه وآله السّلام، عند علماء العامة صحيح ثابت في أصولهم الستة الصحاح وجامع أصولهم ومستدركهم ومسندهم ومصابيحهم ومشكاتهم وغيرها من كتبهم المعتبرة بأسانيدهم المتصلة ومسانيدهم المعتمدة من طرق متكثرة، تحكم في القدر المشترك بينها بالتواتر وفي كثير منها نصوص على أن ذلك الارتداد انما هو في الامامة والخلافة، لا بعبادة الاوثان والشرك بالله عز وجل(١) .

فمن جملة ذلك في صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه كان يحدث أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: يرد عليّ يوم القيامة رهط من أصحابي فيحلئون عن الحوض فأقول يا رب أصحابي فيقال: انه لا علم لك بما أحدثوا بعدك، انهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى(٢) .

عن ابن المسيب أنه كان يحدث عن أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: يرد علي الحوض رجال من أصحابي فيحلئون عنه فأقول: يا رب أصحابي فيقول: انك لا علم لك بما أحدثوا بعدك، انهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى(٣) .

عن أنس عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: ليردن عليّ ناس من أصحابي الحوض حتى اذا عرفتهم اختلجوا دوني فأقول: أصحابي فيقول: لا تدري ما أحدثوا بعدك(٤) .

أبو حازم عن سهل بن سعد قال: قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : اني فرطكم على الحوض من مرّ عليّ شرب ومن شرب لم يظمأ أبدا، ليردن علي اقوام أعرفهم ويعرفوني ثم يحال بيني وبينهم. قال أبو حازم: فسمعني النعمان بن أبي عياش فقال: هكذا سمعت من سهل فقلت: نعم فقال: أشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته وهو يزيد فيها فأقول:

__________________

(١) وقد أوردنا مصادر رواية الارتداد في ذيل كتاب الطرائف: ٣٧٦‌

(٢) صحيح البخارى: ٧ / ٢٠٨ ط دار الطباعة العامرة باستانبول.

(٣) نفس المصدر من البخارى.

(٤) صحيح البخارى: ٧ / ٢٠٧. وروى نحوه عن أنس مسلم في صحيحه: ٤ / ١٨٠٠‌

٤٨

___________________________________________________________

انهم مني فيقال: انك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول: سحقا سحقا لمن غير بعدي(١) .

عن المغيرة قال: سمعت أبا وائل عن عبد الله عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: أنا فرطكم على الحوض، وليرفعن معي رجال منكم ثم ليختلجن دوني فأقول: يا رب أصحابي فيقال: انك لا تدري ما أحدثوا بعدك(٢) .

عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: بينا أنا قائم اذا زمرة حتى اذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال: هلم فقلت: أين؟ قال الى النار والله قلت: وما شأنهم؟ قال: انهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى، ثم اذا زمرة حتى اذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال: هلم فقلت: أين؟ قال: الى النار والله، قلت: ما شأنهم؟ قال، انهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى بعدك، فلا أراه يخلص فيهم الامثل همل النعم(٣) .

عن عقبة أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله خرج يوما فصلى على [ أهل ] أحد صلاته على الميت ثم انصرف الى المنبر فقال: اني فرطكم وأنا شهيد عليكم واني والله لا نظر الى حوضي الان واني أعطيت مفاتيح خزائن الارض أو مفاتيح الارض، واني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي ولكني أخاف عليكم أن تنافسوا فيها(٤) .

ففي الصحيحين من المتفق عليه في باب الحرص على الامارة عن أبي هريرة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: انكم ستحرصون على الامارة وستكون ندامة يوم القيامة فنعمت المرضعة وبئست الفاطمة(٥) .

__________________

(١) صحيح البخارى: ٧ / ٢٠٧ - ٢٠٨ وصحيح مسلم: ٤ / ١٧٩٣‌

(٢) صحيح البخارى: ٧ / ٢٠٦ وصحيح مسلم: ٤ / ١٧٩٦.

(٣) صحيح البخارى: ٧ / ٢٠٨ - ٢٠٩‌

(٤) صحيح البخارى: ٧ / ١٧٣ و ٢٠٩. وصحيح مسلم: ٤ / ١٧٩٥‌

(٥) جامع الاصول: ٤ / ٤٥٠ قال: أخرجه البخارى والنسائى.

٤٩

___________________________________________________________

وفي صحيحي الترمذي والنسائي والمصابيح والمشكاة عن كعب بن عجرة قال: قال لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أعيذك بالله من امارة السفهاء قال: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: أمراء سيكون بعدي من دخل عليهم فصدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم، فليسوا مني ولست منهم ولن يردوا علي الحوض، ومن لم يدخل عليهم ولم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فاولئك مني وأنا منهم وأولئك يردون علي الحوض(١) .

وعن أبي ذر قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كيف أنتم وأئمة من بعدي يستأثرون بهذا الفي‌ء قلت: أما والذي بعثك بالحق أضع سيفي على عاتقي فأقاتلهم حتى ألقاك قال: أولا أدلك على خير من ذلك تصبر حتى تلقاني(٢) .

وفي صحيح مسلم وسنن أبي داود عن ابن عباس عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: انكم محشورون حفاة عراة غرلا، ثم قرء( كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنّا كُنّا فاعِلِينَ ) (٣) وأول من يكسي يوم القيامة ابراهيمعليه‌السلام ، وان ناسا من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال فأقول: أصحابي أصحابي، فيقول: انهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم فأقول، كما قال العبد الصالح:( وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ ) الى قوله( الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) (٤) » قال أبو داود في السنن: هذا حديث متفق على صحته أخرجه مسلم من محمد بن مثنى، وغيره عن محمد بن‌

__________________

(١) جامع الاصول: ٤ / ٤٦٠‌

(٢) جامع الاصول: ١٠ / ٣٩٤ - ٣٩٥. والفى‌ء ما يحصل للمسلمين من أموال الكفار وأملاكهم عن غير قتال ولا حرب. والاستئثار: الانفراد بالشي‌ء والتخصص به‌

(٣) الانبياء: ١٠٤‌

(٤) المائدة: ١١٧ و ١١٨‌

٥٠

أبو جعفرعليه‌السلام ارتد الناس: الا ثلاثة نفر سلمان وأبو ذر والمقداد. قال: قلت فعمار؟ قال: قد كان جاض جيضة ثم رجع، ثم قال: ان اردت الذي لم يشك ولم يدخله شي‌ء فالمقداد، فأما سلمان فانه عرض في قلبه عارض ان عند أمير المؤمنينعليه‌السلام اسم الله‌

___________________________________________________________

جعفر عن شعبة عن المغيرة(١) .

و « الغرل » جمع أغرل وهو الاغلف، وقوله « لم يزالوا مرتدين ».

لم يرد به الردة عن الإسلام، انما معناه التخلف عن بعض الحقوق الواجبة.

قال ابن الاثير في النهاية وجامع الاصول: انهم كانوا يمشون بعدك القهقرى قال الازهري: معناه الارتداد عما كانوا عليه، وقد قهقر وتقهقر والقهقرى مصدر(٢) ،

فهذه نبذة مما في أصول المخالفين وصحاحهم، ومن أحب الاستقصاء فعليه بما أوردناه في كتبنا(٣) .

قولهعليه‌السلام : قد كان جاض جيضة‌

يروى بالجيم قبل الالف والضاد المعجمة بعدها يقال: جاض عن الحق جيضة أي عدل، وجاض في القتال اذا فر، وأصل الجيض الميل عن الشي‌ء.

ويروى باهمال الحاء والصاد من حاشيتي الالف من حاص عن الشي‌ء اذا حاد عنه، وحاص القوم في القتال حيصا وحيصة: أي جالوا جولة يطلبون الفرار، والمحيص: المحيد والمهرب.

وبعض القاصرين أهمل الحاء وأعجم الضاد من حيض النساء، وتحامل توجيهه بما لا يتفوه به ذو مسكة ما.

__________________

(١) صحيح مسلم: ٤ / ٢١٩٥ كتاب الجنة. وغر لا جمع أغرل، وهو الذى لم يختن وبقيت معه غرلته وهى الجلدة التى تقطع في الختان.

(٢) نهاية ابن الاثير: ٤ / ١٢٩.

(٣) ومن أحسن ما كتب المصنف في ذلك هو كتاب شرح تقدمة تقويم الايمان غير مطبوع‌

٥١

الاعظم لو تكلّم به لأخذتهم الارض وهو هكذا، فلبب ووجئت عنقه حتى تركت كالسلقة، فمر به أمير المؤمنينعليه‌السلام فقال له يا أبا عبد الله هذا من ذاك بايع، فبايع، وأما أبو ذر فأمره أمير المؤمنينعليه‌السلام بالسكوت ولم يكن يأخذه في الله لومة لائم فأبى الا أن يتكلم فمر به عثمان فأمر به، ثم أناب الناس بعد فكان أول من أناب أبو سنان الانصاري وأبو عمرة وشتيرة وكانوا سبعة، فلم يكن يعرف حق أمير المؤمنينعليه‌السلام الا هؤلاء السبعة.

٢٥ - حمدويه بن نصير، قال حدثنا أبو الحسين بن نوح، قال حدثنا صفوان ابن يحيى، عن ابن بكير، عن زرارة، قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: أدرك سلمان العلم الاول والعلم الاخر، وهو بحر لا ينزح، وهو منّا أهل البيت.

بلغ من علمه: أنه مر برجل في رهط فقال له: يا عبد الله تب الى الله عز وجل من الذي عملت به في بطن بيتك البارحة، قال: ثم مضى، فقال له القوم: لقد رماك سلمان بأمر فما دفعته عن نفسك. قال: انه أخبرني بأمر ما اطلّع عليه الا الله وأنا.

وفي خبر آخر مثله، وزاد في آخره: ان الرجل كان أبا بكر بن أبي قحافة.

___________________________________________________________

قولهعليه‌السلام : فلبب ووجئت عنقه‌

كلتاهما على ما لم يسم فاعله، اللبة: المنخر. واللبب: موضع القلادة من الصدر.

قال في الصحاح: لببت الرجل تلبيبا: اذا جمعت ثيابه عند صدره ونحره في الخصومة ثم جررته(١) .

وفي النهاية الاثيرية: لببت الرجل لبا ولبيته تلبيا اذا جعلت في عنقه ثوبا أو غيره وجررته، وأخذت بتلبيب فلان: اذا جمعت عليه ثوبه الذي هو لا بسه وقبضت عليه تجره، والتلبيب: مجمع ما في موضع اللبب من ثياب الرجل(٢) .

والوجي‌ء: الضرب باليد أو بالسكين. يقال: وجأه في عنقه من باب منع،

__________________

(١) الصحاح: ١ / ٢١٦‌

(٢) نهاية ابن الاثير: ٤ / ٢٢٣‌

٥٢

___________________________________________________________

ومنه ليس في كذا وكذا ولا في الوجاءة قصاص، والوجاء: بالكسر على فعال نوع من الخصاء، وهو أن تضرب العروق بحديدة وتطعن فيها من غير اخراج البيضتين يقال: كبش موجوء اذا فعل به ذلك قاله في المغرب.

والسلقة: بالهاء واحدة السلق. باهمال السين المكسورة واسكان اللام قبل القاف، وهو اسم لجنس النبت المعروف يؤكل يقال له في بلاد العجم « چقندر ».

قال في القاموس: السلق بالكسر مسيل الماء، والجمع كعثمان وبقلة معروفة تجلو وتحلل وتلين وتسر النفس نافع للنقرس والمفاصل، وعصيره اذا صب على الخمر خللها بعد ساعتين، وعلى الخل خمره بعد أربع، وعصير أصله سعوطا ترياق وجع السن والاذن والشقيقة، وسلق الماء وسلق البر نباتان، والسلق أيضا أثر التسع في جنب البعير، وكذلك السلق بالتحريك، وسلق فلانا طعنه وصرعه وألقاه على ظهره وسلقه باللسان أذاه بالكلام وسلق اللحم عن العظم نحاه عنه(١) .

ومعنى الحديث: ان سلمان عرض في قلبه عارض الشك والاعتراض أن أمير المؤمنين عنده الاسم الاعظم فليته يدعو الله عز وجل به عليهم، فاذا القوم قد هجموا عليه فلببوه ووجاؤا عنقه يجرونه الى أبي بكر للبيعة وهو ممتنع منها حتى تركوا عنقه الموجوء.

وتأنيث الضمير العائد اليه باعتبار معنى الرقبة، كأنه السلقة من فرط ما وجاؤها فمر به أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وقد اطلعه الله جل وعز على ما قد خالجه في سره وعرض له في قلبه، فقال له: يا أبا عبد الله هذا من ذاك بايعهم على التقية، وكن بقضاء الله وقدره من الراضين، ولا تكونن عن سر القدر من الغافلين، ولا على ما جف به القلم في القضاء الاول من المعترضين، فرضي سلمان وسارع وسمع وأطاع وبايع.

__________________

(١) القاموس: ٣ / ٢٤٦‌

٥٣

٢٦ - جبريل بن أحمد، قال حدثني الحسن بن خرزاذ، قال حدثني أحمد بن علي وعلي بن أسباط، قالا: حدثنا الحكم بن مسكين، عن الحسن بن صهيب، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: ذكر عنده سلمان الفارسي قال فقال أبو جعفرعليه‌السلام : مه لا تقولوا سلمان الفارسي ولكن قولوا سلمان المحمدي، ذلك رجل منّا أهل البيت.

___________________________________________________________

وعلى نمط آخر: أنه عرض في قلبه العارض وتخالج في صدره الخاطر، ثم تنبه وأناب، فأخذ بتلبيبه فوجأ عنقه حتى تركها كالسلقة زجرا وعقوبة لنفسه، فمر به أمير المؤمنينعليه‌السلام فقال له، هذا من ذاك وأن ذاك منك حيود ما عن السبيل، فاستأنف الانابة وجدد البيعة فأناب اليهعليه‌السلام ، وبايع على تنقية السر من عوارض الشكوك وخواطر الاوهام.

قولهرحمه‌الله : جبرئيل بن أحمد قال: حدثنى الحسن بن خرزاذ‌

يعني بالحسن بن خرزاذ الذي هو من أهل كش من طبقات باب « لم » لا القمي المعدود من أصحاب أبي محمد الحسن العسكريعليه‌السلام ،

ذكر الشيخ الاول في باب « لم »(١) والثاني في أصحاب العسكريعليه‌السلام (٢) .

وقال النجاشي، الحسن بن خرزاذ قمي كثير الحديث له كتاب أسماء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وكتاب المتعة، وقيل: انه غلا في آخر عمره، أخبرنا محمد بن محمد قال: حدثنا جعفر بن محمد قال: حدثنا محمد بن الوارث السمرقندي قال: حدثنا أبو علي بن الحسن بن علي القمي قال: حدثنا الحسن بن خرزاذ بكتابه(٣) .

قوله رحمه الله تعالى: الحكم بن مسكين‌

قال النجاشي في كتابه: الحكم بن مسكين أبو محمد كوفي مولى ثقيف المكفوف روى عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، ذكره أبو العباس، له كتاب الوصايا كتاب‌

__________________

(١) رجال الشيخ: ٤٦٣‌

(٢) بل في أصحاب الهادىعليه‌السلام رجال الشيخ: ٤١٣.

(٣) رجال النجاشى: ٣٥. ط طهران‌

٥٤

٢٧ - جبريل بن أحمد، قال حدثني الحسن بن خرّزاذ، قال حدثني الحسن بن علي بن فضّال، عن ثعلبة بن ميمون، عن زرارة، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: كان عليعليه‌السلام محدثا، وكان سلمان محدثا.

___________________________________________________________

الطلاق كتاب الظهار، أخبرنا الحسين بن عبيد الله قال: حدثنا أحمد بن جعفر بن سفيان(١) قال: حدثنا حميد بن زياد قال: حدثنا الحسن بن موسى الخشاب عن الحكم بكتاب الطلاق والظهار(٢) .

وشيخنا الشهيد في الذكرى نقل عن العلامة في المختلف في باب صلاة الجمعة أنه قال: في طريق رواية محمد بن مسلم « الحكم بن مسكين » ولا يحضرني الان حاله فنحن نمنع صحة السند، ثم اعترض عليه فقال قلت: الحكم ذكره الكشي ولم يتعرض له بذم(٣) ، والرواية لا يطعن فيها كون الراوي مجهولا عند بعض الاصحاب(٤) .

ونحن نقول: نعم ذكر الكشي الرجل من دون أن يتعرض لنقل طعن فيه أو غميزة آية جلالة الرجل.

ولكن الحكم بن مسكين لا ترجمة له في كتاب الاختيار هذا للشيخ رحمه الله تعالى، ولا في كتاب اختيار السيد جمال الدين أحمد بن طاوس من كتاب الكشي، فكأنه قدس الله لطيفه قد وجده في أصل كتاب الكشي، أو كان رائما للنقل عن النجاشي فجرى على لسان قلمه الكشي والله سبحانه أعلم.

قولهعليه‌السلام : كان علىعليه‌السلام محدثا وكان سلمان محدثا‌

بفتح الدال المشددة على اسم المفعول من باب التفعيل، أما عليعليه‌السلام

__________________

(١) وفي المصدر: سفين ولعله هو سفيان كتب على هذا النحو.

(٢) رجال النجاشى: ١٠٥‌

(٣) وفي المصدر: بذم في الرواية مشهورة جدا بين الاصحاب لا يظهر فيها الخ.

(٤) الذكرى: ٢٣١‌

٥٥

٢٨ - محمد بن مسعود، قال حدثني أحمد بن منصور الخزاعي، عن أحمد ابن الفضل الخزاعي، عن محمد بن زياد، عن حمّاد بن عثمان، عن عبد الرحمن ابن أعين، قال سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول: كان سلمان من المتوسمين.

٢٩ - جبريل بن أحمد، قال حدثني الحسن بن خرزاذ، قال حدثني اسماعيل ابن مهران، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: سلمان علّم الاسم الاعظم.

___________________________________________________________

فمحدث على المعنى المصطلح عليه حقيقة، وأما سلمان فكان محدثا على التجوز بمعنى المفهم الملهم، وسيستبين لك شرح ذلك إن شاء الله تعالى.

قوله رحمه الله تعالى: أحمد بن منصور الخزاعى‌

هو الذي يقال له محمد بن منصور بن نصر الخزاعي من أصحاب أبي الحسن الرضاعليه‌السلام .

صرح بذلك الشيخ رحمه الله تعالى في كتاب الرجال حيث ذكر في أصحاب علي بن موسى الرضاعليه‌السلام محمد بن منصور بن نصر الخزاعي، ثم كرر ذكره فقال: محمد بن نصر الخزاعي، ويقال له: أحمد بن منصور(١) .

قوله رحمه الله تعالى: عن محمد بن زياد‌

يعني به محمد بن الحسن بن زياد العطار فانه يقال له: محمد بن زياد أيضا، كما قاله النجاشي في أسناد طريقه اليه وقال: كوفي ثقة روى أبوه عن أبي عبد اللهعليه‌السلام (٢) .

قولهعليه‌السلام : كان سلمان من المتوسمين‌

قال الراغب في المفردات: الوسم التأثير والسمة الاثر، قال تعالى( سِيماهُمْ

__________________

(١) رجال الشيخ: ٣٩١ و ٣٨٩‌

(٢) رجال النجاشى: ٢٨٥‌

٥٦

٣٠ - جبريل بن أحمد، قال حدثني الحسن بن خرزاذ، عن اسماعيل بن مهران، عن أبان عن جناح، قال حدثني الحسن بن حمّاد، بلغ به، قال: كان‌

___________________________________________________________

فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ) (١) » وقال:( تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ ) (٢) وقوله تعالى( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ ) (٣) أي للمتبرين العارفين المتعظين، وهذا التوسم هو الذي سماه قوم الذكاء: وقوم الفطنة، وقوم الفراسة، وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : اتقوا فراسة المؤمن وقال: المؤمن ينظر بنور الله(٤) .

قوله رحمه الله تعالى: عن أبان عن جناح‌

أبان الذي يروي عنه اسماعيل بن مهران هو أبان بن محمد البجلي ابن أخت صفوان بن يحيى، كان ثقة وجها في أصحابنا الكوفيين قاله النجاشي(٥) .

أو هو أبان بن عثمان الاحمر البجلي أحد من أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم.

و « جناح » الذي روى أبان عنه هو جناح بن عبد الحميد الكوفي، ويحتمل جناح بن رزين مولى مفضل بن قيس الاشعري، ذكرهما الشيخ في أصحاب أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام (٦) .

وما في بعض النسخ(٧) أبان بن جناح مكان « عن » فمن تصحيف الناسخين.

__________________

(١) سورة الفتح: ٢٩‌

(٢) سورة البقرة: ٢٧٣‌

(٣) سورة الحجر: ٧٥‌

(٤) المفردات: ٥٢٤‌

(٥) رجال النجاشى: ١٢‌

(٦) رجال الشيخ: ١٦٤‌

(٧) كما في المطبوع من رجال الكشى بجامعة مشهد والنجف الاشرف.

٥٧

سلمان اذا رأى الجمل الذي يقال له عسكر يضربه، فيقال له يا أبا عبد الله ما تريد من هذه البهيمة؟ فيقول: ما هذا بهيمة ولكن هذا عسكر بن كنعان الجني، يا أعرابي لا ينفق جملك هاهنا ولكن اذهب به الى الحوأب فانك تعطى به ما تريد.

٣١ - جبريل بن أحمد، حدثني الحسن بن خرزاذ، قال حدثني اسماعيل بن مهران، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: اشتروا عسكرا بسبعمائة درهم وكان شيطانا.

___________________________________________________________

قولهرحمه‌الله : اذا رأى الجمل الذى يقال له عسكر يضربه‌

كان هودج عائشة في وقعة الجمل على جمل اسمه عسكر قاله المطرزى في المغرب في: ن ك.

وقال أبو الحسن المسعودى رحمه الله تعالى في مروج الذهب: انصرف عن اليمن عامل عثمان فأتي مكه، فصادف فيها عائشة وطلحة والزبير ومروان بن الحكم في آخرين من بني أمية، فكان ممن حرض على الطلب بدم عثمان وأعطي عائشة وطلحة والزبير أربعمائة ألف درهم وكراعا وسلاحا وبعث الى عائشة بالجمل المسمى « عسكرا » وكان شراؤه من اليمن بمأتي دينار انتهى(١) .

قلت: فلذلك كان يضربه سلمان رضي الله تعالى عنه.

قولهرحمه‌الله : لا ينفق جملك هاهنا‌

أي لا يروج من النفاق بمعنى الرواج، ولكن اذهب به الى الحوأب بفتح الحاء المهملة واسكان الواو بعدها همزة مفتوحة ثم باء موحدة.

وفي طائفة من النسخ الحوب بتشديد الواو للقلب والادغام.

وفي الحديث المتواتر المشهور انهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: ايتكن صاحبة الجمل تنبحها كلاب الحوأب.

__________________

(١) مروج الذهب: ٢ / ٣٥٧ ط دار الاندلس.

٥٨

٣٢ - حمدويه بن نصير، قال: حدثني محمد بن عيسى، عن حنان بن سدير، عن أبيه عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: جلس عدة من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ينتسبون وفيهم سلمان الفارسي، وان عمر سأله عن نسبه وأصله؟ فقال: أنا سلمان بن عبد الله كنت ضالا فهداني الله بمحمد، وكنت عائلا فأغناني الله بمحمد، وكنت مملوكا فاعتقني الله بمحمد، فهذا حسبي ونسبي.

ثم خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فحدثه سلمان وشكى اليه ما لقي من القوم وما قال لهم فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا معشر قريش ان حسب الرجل دينه، ومروته خلقه، وأصله عقله، قال الله تعالي:( إِنّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ ) . يا سلمان ليس لا حد من هؤلاء عليك فضل الا بتقوى الله، وان كان التقوى لك عليهم فأنت أفضل.

٣٣ - جبريل بن أحمد. قال حدثني أبو سعيد الادمي سهل بن زياد، عن منخّل، عن جابر، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: دخل أبو ذر على سلمان وهو يطبخ قدرا له، فبيناهما يتحدثان اذا انكبّت القدر على وجهها على الارض، فلم يسقط من مرقها‌

___________________________________________________________

قال ابن الاثير في النهاية وجامع الاصول: الحوأب منزل بين بصرة ومكة وهو الذي نزلته عائشة فنبحتها الكلاب لما جاءت الى البصرة وفي وقعة الجمل(١) .

قولهعليه‌السلام : فبينا هما يتحدثان اذا انكبت القدر‌

اختلفت النسخ في « بينا » و « بينما » و « اذ » و « اذا » و « انكبت » و « انكفأت » والمعنى في ذلك كله واحد يزاد في بين ما او الالف فيجعل بمنزلة حين، فيقال: بينما زيد يفعل كذا وبينا يفعل كذا،

واذ وقتية لما مضى من الزمان، وقد تكون للمفاجأة وهي التي بعد بينا وبينما.

واذا تكون للمفاجأة وتكون ظرفا زمانيا للماضي، أو للمستقبل، أو للحال، وقد تكون ظرف مكان وتكون شرطية.

__________________

(١) نهاية ابن الاثير: ١ / ٤٥٦‌

٥٩

ولا ودكها شي‌ء، فعجب من ذلك أبو ذر عجبا شديدا، وأخذ سلمان القدر فوضعها على وجهها حالها الاول على النار ثانية، وأقبلا يتحدثان، فبيناهما يتحدثان اذ انكبت القدر على وجهها، فلم يسقط منها شي‌ء من مرقها ولا ودكها، قال: فخرج أبو ذر وهو مذعور من عند سلمان، فبينا هو متفكر اذ لقى أمير المؤمنينعليه‌السلام قال له: يا أبا ذر ما الذي أخرجك من عند سلمان وما الذي ذعرك؟ فقال له أبو ذر: يا أمير المؤمنين رأيت سلمان صنع كذا وكذا فعجبت من ذلك. فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : يا أبا ذر ان سلمان لو حدثك بما يعلم لقلت رحم الله قاتل سلمان، يا أبا ذر أن سلمان باب الله في الارض من عرفه كان مؤمنا ومن أنكره كان كافرا، وان سلمان منا أهل البيت.

٣٤ - طاهر بن عيسى الوارق الكشي قال: حدثني أبو سعيد جعفر بن أحمد بن أيوب التاجر السمرقندي

___________________________________________________________

وكببت الاناء فانكب وكفأته فانكفأ وقلبته فانقلب كلها بمعنى واحد،

والودك وسم اللحم وهو بالتحريك كالمرق.

قولهعليه‌السلام : وما الذى ذعرك‌

باعجام الذال واهمال العين. وفي بعض النسخ « أذعرك » من باب الافعال، وهما بمعنى يقال: ذعره يذعره ذعرا بالفتح فهو مذعور من باب منع خوفه، وأذعره اذعارا فهو مذعر أيضا أخافه، كما فزعه يفزعه فزعا وأفزعه يفزعه افزاعا،

و « الذعر » بالضم الخوف، والفعل منه ذعر يذعر فهو ذاعر من باب فرح يفرح، والذعر بالتحريك الدهش والفعل منه أيضا من باب فرح.

قولهرحمه‌الله : أبو سعيد جعفر بن أحمد بن أيوب التاجر السمرقندى‌

في نسخ كتاب أبي العباس النجاشي التي وقعت إليّ جميعا « العاجز » أو « المعاجز » بالعين المهملة قبل الالف وبالجيم والزاء بعدها قال: جعفر بن أحمد بن أيوب السمرقندي أبو سعيد يقال له ابن العاجز كان صحيح الحديث والمذهب روى‌

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

يقوم فيجدّد الوضوء، ثم يقوم، فلا يزال يصلّي حتى يطلع الفجر، فلست أدري متى يقول الغلام إنّ الفجر قد طلع؟ إذ قد وثب هو لصلاة الفجر فهذا دأبه منذ حُوّل لي ).

وهكذا كان الإمام سيّد المتقين، وإمام المنيبين قد طبع على قلبه حب الله تعالى، وهام بعبادته وطاعته.

ولمّا رأى عبد الله الفضل للإمام حذّره من أن يستجيب لهارون باغتياله قائلاً له: ( اتق الله، ولا تحدث في أمره حدثاً يكون منه زوال النعمة فقد تعلم أنّه لم يفعل أحد سوء إلاّ كانت نعمته زائلة ).

فانبرى الفضل يؤيّد ما قاله عبد الله.

( قد أرسلوا إليّ غير مرة يأمرونني بقتله فلم أجبهم إلى ذلك )(1) .

لقد خاف الفضل من نقمة الله وعذابه في الدنيا والآخرة إن اغتال الإمام، أو تعرّض له بمكروه.

نصّه على إمامة الرضا:

ونصب الإمام موسىعليه‌السلام ولده الإمام الرضاعليه‌السلام علماً لشيعته ومرجعاً لأمّته وقد خرجت من السجن عدّة ألواح كتب فيها ( عهدي إلى ولدي الأكبر )(2) .

وقد أهتم الإمام موسى بتعيين ولده إماماً من بعده، وعهد بذلك إلى جمهرة كبيرة من أعلام شيعته كان من بينهم ما يلي:

1 - محمد بن إسماعيل:

روى محمد بن إسماعيل الهاشمي قال: دخلت على أبي الحسن موسى بن جعفر، وقد اشتكى شكاة شديدة فقلت له: ( أسأل الله أن لا يريناه - أي فقدك - فإلى مَن؟ ).

قالعليه‌السلام :

____________________

(1) حياة الإمام موسى بن جعفر 2 / 469 - 471.

(2) نفس المصدر.

٨١

( إلى ابني علي، فكتابه كتابي، وهو وصيي، وخليفتي من بعدي )(1) .

2 - علي بن يقطين:

روى علي بن يقطين، قال: كنت عند أبي الحسن موسى بن جعفرعليه‌السلام ، وعنده علي ابنه، فقال: يا علي هذا ابني سيد ولدي، وقد نحلته كنيتي، وكان في المجلس هشام بن سالم فضرب على جبهته، وقال: إنّا لله نعى والله إليك نفسه(2) .

3 - نعيم بن قابوس:

روى نعيم بن قابوس، قال: قال أبو الحسنعليه‌السلام : علي ابني أكبر ولدي، واسمعهم لقولي: وأطوعهم لأمري، ينظر في كتاب الجفر والجامعة، ولا ينظر فيهما إلاّ نبي أو وصي نبي(3) .

4 - داود بن كثير:

روى داود بن كثير الرقي، قال: قلت لموسى الكاظم: جُعلت فداك، إنّي قد كبرت، وكبر سنّي، فخذ بيدي، وأنقذني من النار، مَن صاحبنا بعدك؟

فأشارعليه‌السلام إلى ابنه أبي الحسن الرضا، وقال: هذا صاحبكم بعدي(4) .

5 - سليمان بن حفص:

روى سليمان بن حفص المروزي، قال: دخلت على أبي الحسن موسى بن جعفر وأنا أريد أن أسأله عن الحجّة على الناس بعده، فلمّا نظر إليّ ابتداني، وقال: يا سليمان إنّ عليّاً ابني ووصيي، والحجّة على الناس بعدي، وهو أفضل ولدي، فإن بقيت بعدي فاشهد له بذلك عند شيعتي وأهل ولايتي، المستخبرين عن خليفتي بعدي(5) .

____________________

(1) كشف الغمّة 3 / 88.

(2) كشف الغمّة 3 / 88.

(3) كشف الغمّة 3 / 88.

(4) الفصول المهمّة (ص 225).

(5) عيون أخبار الرضا 1 / 26.

٨٢

6 - عبد الله الهاشمي:

قال عبد الله الهاشمي: كنّا عند القبر - أي قبر النبي (ص) - نحو ستين رجلاً منا ومن موالينا، إذ أقبل أبو إبراهيم موسى بن جعفرعليه‌السلام ويد علي ابنه في يده فقال: أتدرون من أنا!

قلنا: أنت سيدنا وكبيرنا، فقال: سمّوني وانسبوني، فقلنا: أنت موسى بن جعفر بن محمد، فقال: من هذا؟ - وأشار إلى ابنه - قلنا: هو علي بن موسى بن جعفر، قال: فاشهدوا أنّه وكيلي في حياتي، ووصيي بعد موتي(1).

7 - عبد الله بن مرحوم:

روى عبد الله بن مرحوم قال: خرجت من البصرة أريد المدينة، فلمّا صرت في بعض الطريق لقيت أبا إبراهيم، وهو يذهب به إلى البصرة، فأرسل إليّ فدخلت عليه فدفع إلي كتباً، وأمرني أن أوصلها إلى المدينة، فقلت: إلى مَن ادفعها جُعلت فداك؟ قال: إلى علي ابني، فإنّه وصيي، والقيّم بأمري، وخير بنيّ(2).

8 - عبد الله بن الحرث:

روى عبد الله بن الحرث، قال: بعث إلينا أبو إبراهيم فجمعنا ثم قال: أتدرون لم جمعتكم!

قلنا: لا، قال: اشهدوا أنّ عليّاً ابني هذا وصيي، والقيّم بأمري، وخليفتي من بعدي، مَن كان له عندي دين فليأخذه من ابني هذا، ومَن كانت له عندي عدّة فليستنجزها منه، ومَن لم يكن له بد من لقائي فلا يلقني إلاّ بكتابه(3)

9 - حيدر بن أيوب:

روى حيدر بن أيوب، قال: كنّا بالمدينة في موضع يعرف بالقبا فيه محمد بن زيد بن علي، فجاء بعد الوقت الذي كان يجيئنا فيه فقلنا له: جعلنا الله فداك ما حبسك؟ - أي ما أخّرك عن المجيء - قال: دعانا أبو إبراهيم اليوم سبعة عشر رجلاً من ولد علي وفاطمةعليهما‌السلام ، فأشهدنا لعلي ابنه بالوصية والوكالة في حياته وبعد موته، وإنّ أمره جايز - أي نافذ - عليه، وله، ثم قال محمد: والله يا حيدر لقد عقد له الإمامة اليوم، وليقولن الشيعة به من بعده، قلت:

____________________

(1) عيون أخبار الرضا 1 / 26 - 27.

(2) عيون أخبار الرضا.

(3) عيون أخبار الرضا.

٨٣

بل يبقيه الله، وأي شيء هذا؟

يا حيدر إذا أوصى إليه فقد عقد له بالإمامة(1).

10 - الحسين بن بشير:

قال الحسين بن بشير: أقام لنا أبو الحسن موسى بن جعفر ابنه عليّاً، كما أقام رسول الله (ص)، عليّاً يوم غدير خم، فقال: يا أهل المدينة أو قال: يا أهل المسجد هذا وصيي من بعدي(2) .

11 - جعفر بن خلف:

روى جعفر بن خلف قال: سمعت أبا الحسن موسى بن جعفر يقول: سمعت أبا الحسن موسى بن جعفرعليهما‌السلام يقول: سعد امرؤ لم يمت حتى يرى منه خلف، وقد أراني الله من ابني هذا خلفا وأشار إليه - يعني الرضا -(3).

12 - نصر بن قابوس:

روى نصر بن قابوس قال: قلت لأبي إبراهيم موسى بن جعفرعليه‌السلام ، إنّي سألت أباك مَن الذي يكون بعدك؟ فأخبرني أنّك أنت هو، فلمّا توفّي أبو عبد الله ذهب الناس يميناً وشمالاً، وقلت: أنا وأصحابي بك، فأخبرني مَن الذي يكون بعدك؟ قال: ابني علي(4) .

13 - محمد بن سنان:

روى محمد بن سنان قال: دخلت على أبي الحسن قبل أن يحمل إلى العراق بسنة، وعلي ابنه بين يديه، فقال لي: يا محمد، فقلت: لبّيك، قال: إنّه سيكون في هذه السنة حركة، فلا تجزع منها، ثم أطرق، ونكت بيده في الأرض، ورفع رأسه إليّ وهو يقول: ويضل الله الظالمين، ويفعل الله ما يشاء، قلت: وما ذاك؟

قال: مَن ظلم ابني هذا حقّه، وجحد إمامته من بعدي، كان كمَن ظلم علي بن أبي طالبعليه‌السلام حقّه، وجحد إمامته من بعد محمد (صلي الله عليه وآله). فعلمت أنّه قد نعى إلى نفسه، ودلّ على ابنه، فقلت:

____________________

(1) عيون أخبار الرضا.

(2) عيون أخبار الرضا.

(3) عيون أخبار الرضا 1 / 30.

(4) عيون أخبار الرضا 1 / 31.

٨٤

والله لئن مدّ الله في عمري لأسلمن إليه حقه، ولأقرن له بالإمامة، وأشهد أنّه من بعدك حجّة الله تعالى على خلقه، والداعي إلى دينه، فقال لي: يا محمد يمد الله في عمرك، وتدعو إلى إمامته، وإمامة مَن يقوم مقامه من بعده، فقلت: مَن ذاك جُعلت فداك؟ قال: محمد ابنه، قال: قلت: فالرضا والتسليم، قال: نعم كذلك وجدتك في شيعتنا أبين من البرق في الليلة الظلماء، ثم قال: يا محمد إنّ المفضل كان أنسي ومستراحي، وأنت أنسهما ومستراحهما(1) حرام على النار أن تمسّك أبداً(2) .

هذه بعض النصوص التي أُثرت عن الإمام موسىعليه‌السلام على إمامة ولده الإمام الرضاعليه‌السلام ، وقد حفلت باهتمام الإمام موسى في هذا الموضوع، ولعلّ السبب في ذلك يعود إلى تفنيد القائلين بالوقف على إمامته، وإبطال شبههم، وتحذير المسلمين منهم.

وصيّة الإمام:

وأقام الإمام موسىعليه‌السلام ولده الرضا وصيّاً من بعده، وقد أوصاه بوصيّتين، وهما يتضمّنان ولايته على صدقاته، ونيابته عنه في شؤونه الخاصة والعامة، وإلزام أبنائه باتباعه، والانصياع لأوامره، كما عهد إلى السيدات من بناته أن يكون زواجهن بيد الإمام الرضا؛ لأنّه اعرف بالكفؤ من غيره، فينبغي أن لا يتزوجن إلاّ بمؤمن تقي يعرف مكانتهن ومنزلتهن.

أمّا الوصية الثانية فقد ذكرناها في كتابنا حياة الإمام موسىعليه‌السلام فلا حاجة لذكرها فإنّي لا أحب أن أذكر شيئاً قد كتبته.

سجن السندي:

وأمر الرشيد بسجن الإمام في سجن السندي بن شاهك وهو شرّير لم تدخل الرحمة إلى قلبه، وقد تنكّر لجميع القيم، لا يؤمن بالآخرة ولا يرجو لله وقاراً، فقابل الإمام بكل قسوة وجفاء فضيق عليه في مأكله ومشربه، وكبّله بالقيود، ويقول الرواة إنّه قيّده بثلاثين رطلاً من الحديد.

____________________

(1) الضمير يرجع إلى الإمام الرضا وابنه محمد الجواد.

(2) عيون أخبار الرضا 1 / 32 - 33.

٨٥

وأقبل الإمام على عادته على العبادة فكان في أغلب أوقاته يصلّي لربّه، ويقرأ كتاب الله، ويمجّده ويحمده على أن فرّغه لعبادته.

كتابه إلى هارون:

وأرسل الإمام رسالة إلى هارون أعرب فيها عن نقمته عليه وهذا نصّها: ( إنّه لن ينقضي عنّي يوم من البلاء حتى ينقضي عنك يوم من الرخاء حتى نفنى جميعاً إلى يوم ليس فيه انقضاء، وهناك يخسر المبطلون )(1) .

وحكت هذه الرسالة ما ألمّ بالإمام من الجزع والأسى من السجن وأنّه سيحاكم الطاغية أمام الله تعالى في يوم يخسر فيه المبطلون.

اغتيال الإمام:

وعهد الطاغية إلى السندي أو إلى غيره من رجال دولته باغتيال الإمام، فدسّ له سمّاً فاتكاً في رطب، وأجبره السندي على تناوله، فأكل منه رطبات يسيرة، فقال له السندي: ( زد على ذلك... )..

فرمقه الإمام بطرفه، وقال له: ( حسبك قد بلغت ما تحتاج إليه... ).(2) .

وتفاعل السم في بدن الإمام، وأخذ يعاني الآلام القاسية وقد حفّت به الشرطة القساة، ولازمه السندي، فكان يسمعه مرّ الكلام وأقساه، ومنع عنه جميع الإسعافات ليعجل له النهاية المحتومة.

لقد عانى الإمام في تلك الفترة الرهيبة أقسى ألوان المحن والخطوب، فقد تقطّعت أوصاله من السم، وكان أشق عليه ما يسمعه من انتهاك لحرمته وكرامته من السندي وجلاوزته.

إلى الرفيق الأعلى:

وسرى السمّ في جميع أجزاء بدن الإمامعليه‌السلام ، وأخذ يعاني أقسى ألوان الأوجاع والآلام، واستدعى الإمام السندي فلمّا مثل عنده أمره أن يحضر مولى

____________________

(1) البداية والنهاية 10 / 183.

(2) حياة الإمام موسى بن جعفر 1 / 499 - 500.

٨٦

له ينزل عند دار العباس بن محمد في مشرعة القصب ليتولّى تجهيزه، وسأله السندي أن يأذن له في تجهيزه فأبى، وقال: إنّا أهل بيت مهور نسائنا، وحج صرورتنا، وأكفان موتانا من طاهر أموالنا، وعندي كفني(1) واحضر له السندي مولاه فعهد له بتجهيزه.

ولمّا ثقل حال الإمام، وأشرف على النهاية المحتومة استدعى المسيب بن زهرة، وقال له: ( إنّي على ما عرفتك من الرحيل إلى الله عزّ وجل فإذا دعوت بشربة من ماء فشربتها ورأيتني قد انتفخت، واصفرّ لوني واحمرّ، واخضرّ، وأتلوّن ألواناً، فأخبر الطاغية بوفاتي... ).

قال المسيب: فلم أزل أراقب وعده، حتى دعاعليه‌السلام بشربة فشربها، ثم استدعاني فقال: ( يا مسيب إنّ هذا الرجس السندي بن شاهك سيزعم أنّه يتولّى غسلي، ودفني، وهيهات، هيهات أن يكون ذلك أبداً فإذا حملت إلى المقبرة المعروفة بمقابر قريش فألحدوني بها، ولا ترفعوا قبري فوق أربعة أصابع مفرجات، ولا تأخذوا من تربتي شيئاً لتتبركوا به فإنّ كل تربة لنا محرّمة إلاّ تربة جدّي الحسين بن علي فإنّ الله عزّ وجل جعلها شفاء لشيعتنا وأوليائنا... ).

قال المسيب: ثم رأيت شخصاً أشبه الأشخاص به جالساً إلى جانبه، وكان عهدي بسيّدي الرضاعليه‌السلام وهو غلام فأردت أن أسأله، فصاح بي سيدي موسى وقال: أليس قد نهيتك، ثم إنّه غاب ذلك الشخص، وجئت إلى الإمام فإذا به جثّة هامدة قد فارق الحياة، فانتهيت بالخبر إلى الرشيد(2) .

لقد سمت روح الإمام إلى خالقها العظيم تحفّها ملائكة الرحمن بطاقات من زهور الجنّة، وتستقبلها أرواح الأنبياء والأوصياء والمصطفين الأخيار.

سيّدي أبا الرضا: لقد مضيت إلى دار الخلود بعد أن أدّيت رسالتك، ورفعت كلمة الله عالية في الأرض، ونافحت عن حقوق المظلومين، والمضطهدين، وقاومت الطغيان والاستبداد، فما أعظم عائدتك على الإسلام والمسلمين.

سيّدي أبا الرضا:

____________________

(1) مقاتل الطالبيين (ص 504).

(2) حياة الإمام موسى 2 / 514 - 515.

٨٧

لقد تجرّعت أنواع المحن والغصص والخطوب من طاغية زمانك فأودعك في سجونه، وضيّق عليك في كل شيء، وحال بينك وبين شيعتك وأبنائك وعائلتك؛ لأنّك لم تسايره ولم تبرّر منكره، فقد تزعّمت الجبهة المعارضة للظلم والطغيان، ورحت تندد بسياسته الهوجاء التي بنيت على سرقة أموال المسلمين، وإنفاقها في ملذّاته، ولياليه الحمراء، فسلام الله عليك غادية ورائحة، وسلام الله عليك يوم ولدت ويوم متّ ويوم تُبعث حيّاً.

تحقيق الشرطة في الحادث:

وقامت الشرطة بدورها في التحقيق في سبب وفاة الإمام، وقد بذلت قصارى جهودها في أنّ الإمام مات حتف أنفه؛ لتبرئ ساحة الطاغية هارون، وقد قام بذلك السندي ابن شاهك، وكان ذلك في مواضع منها ما رواه عمرو بن واقد، قال: أرسل إليّ السندي بن شاهك في بعض الليل وأنا ببغداد فخشيت أن يكون لسوء يريده لي، فأوصيت عيالي بما احتجت إليه، وقلت: إنّا لله وإنّا إليه راجعون.

ثم ركبت إليه، فلمّا رآني مقبلاً قال: ( يا أبا حفص لعلّنا أرعبناك وأزعجناك؟... ).

( نعم )...

( ليس هنا إلاّ الخير... ).

( فرسول تبعثه إلى منزلي ليخبرهم خبري... ).

( نعم )... ولمّا هدأ روعه، وذهب عنه الخوف، قال له السندي: ( يا أبا حفص أتدري لم أرسلت إليك؟... )..

( لا ).

( أتعرف موسى بن جعفر؟... ).

( أي والله أعرفه وبيني وبينه صداقة منذ دهر... ).

هل ببغداد ممّن يقبل قوله تعرفه أنّه يعرفه؟... ).

( نعم ).

ثم إنّه سمّى له أشخاصاً ممّن يعرفون الإمام، فبعث خلفهم فقال لهم: هل تعرفون قوماً يعرفون موسى بن جعفر؟

فسمّوا له قوماً فأحضرهم، وقد استوعب الليل فعله حتى انبلج نور الصبح، ولمّا كمل عنده من الشهود نيّف وخمسون رجلاً،

٨٨

أمر بإحضار كاتبه، ويعرف اليوم بكاتب الضبط، فأخذ في تسجيل أسمائهم ومنازلهم وأعمالهم وصفاتهم وبعد انتهائه من الضبط أخبر السندي بذلك فخرج من محلّه، والتفت إلى عمرو فقال له: قم يا أبا حفص فاكشف الثوب عن وجه موسى بن جعفر، فكشف عمرو الثوب عن وجه الإمام، والتفت السندي إلى الجماعة، فقال لهم: انظروا إليه، فدنا واحد منهم بعد واحد، فنظروا إليه جميعاً، ثم قال لهم:

( تشهدون كلّكم أنّ هذا موسى بن جعفر؟... ).

( نعم ).

ثم أمر غلامه بتجريد الإمام من ملابسه، ففعل الغلام ذلك، ثم التفت إلى القوم فقال لهم: ( أترون به أثراً تنكرونه؟... ) فقالوا: ( لا ). ثم سجّل شهادتهم وانصرفوا(1) .

كما استدعى فقهاء بغداد ووجوهها، وفيهم الهيثم بن عدي فسجّل شهادتهم بإنّ الإمام مات حتف أنفه(2). وفعل هارون مثل ذلك من الإجراءات والسبب في ذلك تنزيهه من اقتراف الجريمة، ونفي المسؤولية عنه.

وضعه على الجسر:

ووضع جثمان الإمام سليل النبوّة على جسر الرصافة ينظر إليه القريب والبعيد، وتتفرّج عليه المارّة، وقد احتفت به الشرطة، وكشفت وجهه للناس، وقد حاول الطاغية بذلك إذلال الشيعة والاستهانة بمقدّساتها وكان هذا الإجراء من أقسى ألوان المحن التي عانتها الشيعة؛ فقد كوى بذلك قلوبهم وعواطفهم، يقول الشيخ محمد ملة:

مَن مبلغ الإسلام أنّ زعيمه

قد مات في سجن الرشيد سميما

فالغيّ بات بموته طرب الحشا

وغدا لمأتمه الرشاد مقيما

ملقىً على جسر الرصافة نعشه

فيه الملائك أحدقوا تعظيما

وقال الخطيب المفوّه الشيخ محمد علي اليعقوبي:

مثل موسى يرمى على الجسر ميتاً

لم يشيّعه للقبور موحّد

حملوه وللحديد برجليه هزيج

له الأهاضيب تنهد(3)

____________________

(1) حياة الإمام موسى بن جعفر 2 / 519.

(2) حياة الإمام موسى بن جعفر 2 / 519.

(3) حياة الإمام موسى بن جعفر 2 / 521.

٨٩

النداء الفظيع:

يا لهول المصاب، يا لروعة الخطب، لقد انتهك السندي جميع حرمات الإسلام، فقد أمر الجلادين أن ينادوا على الجثمان المقدس بنداء مؤلم، فبدل أن ينادوا بالحضور لجنازة الطيب ابن الطيب أمرهم أن ينادوا بعكس ذلك، وانطلق العبيد والأنذال يجوبون في شوارع بغداد رافعين أصواتهم بذلك النداء القذر، وأمرهم ثانياً أن ينادوا بنداء آخر: ( هذا موسى بن جعفر الذي تزعم الرافضة أنّه لا يموت فانظروا إليه ميتاً... )(1) .

قيام سليمان بتجهيز الإمام:

وكان سليمان مطلاًّ على نهر دجلة في قصره، فرأى الشرطة وقطعات من الجيش تجوب في الشوارع، والناس مضطربة، فزعة، فهاله ذلك، فالتفت إلى ولده وغلمانه قائلاً: ( ما الخبر؟ ).

فقالوا له: ( هذا السندي بن شاهك ينادي على موسى بن جعفر... ).

وأخبروه بندائه الفظيع، فخاف سليمان من حدث الفتنة وانفجار الوضع بما لا تحمد عقباه، وصاح بولده:

( انزلوا مع غلمانكم فخذوه من أيديهم، فإن مانعوكم فاضربوهم وخرقوا ما عليهم من سواد - وهو لباس الشرطة والجيش - )(2) .

وانطلق أبناء سليمان مسرعين ومعهم غلمانهم وحرّاسهم إلى الشرطة، فأخذوا الجثمان المقدس من أيديهم، ولم تبد الشرطة أيّة مقاومة معهم، فسليمان عم الخليفة وأهم شخصية لامعة في الأسرة العباسية.

وحمل جثمان الإمام إلى سليمان فأمر أن ينادي في شوارع بغداد بنداء معاكس لنداء السندي، وانطلق المنادون رافعين أصواتهم بهذا النداء:

( ألا مَن أراد أن يحضر جنازة الطيب ابن الطيب موسى بن جعفر فليحضر ).

____________________

(1) حياة الإمام موسى بن جعفر.

(2) حياة الإمام موسى بن جعفر.

٩٠

وخرج الناس على اختلاف طبقاتهم لتشييع جثمان إمام المسلمين وسيد المتقين والعابدين، وخرجت الشيعة وهي تلطم الصدور وتذرف الدموع وخرجت السيدات من نسائهم، وهن يندبن الإمام، ويرفعن أصواتهن بالنياحة عليه. وسارت مواكب التشييع وهي تجوب شوارع بغداد، وتردد أهازيج اللوعة والحزن، وأمام النعش المقدس مجامير العطور، وانتهى به إلى موضع في سوق سُمّي بعد ذلك بسوق الرياحين، كما بني على الموضع الذي وضع فيه الجثمان المقدس لئلاّ تطأه الناس بأقدامهم تكريماً له(1) ، وانبرى شاعر ملهم فأبّن الإمام بهذه الأبيات الرائعة:

قد قلت للرجل المولّى غسله

هلاّ أطعت وكنت من نصائحه

جنبه ماءك ثم غسّله بما

أذرت عيون المجد عند بكائه

وأزل أفاويه الحنوط ونحّها

عنه وحنّطه بطيب ثنائه

ومر الملائكة الكرام بحمله

كرماً ألست تراهم بإزائه

لا توه أعناق الرجال بحمله

يكفي الذي حملوه من نعمائه(2)

وسارت المواكب متجهة إلى محلّة باب التبن، وقد ساد عليها الوجوم والحزن، حتى انتهت إلى مقابر قريش فحفر للجثمان العظيم قبر، وأنزله فيه سليمان بن أبي جعفر، وهو مذهول اللب، فواراه فيه، وارى فيه الحلم والكرم والعلم، والإباء.

وانصرف المشيعون، وهم يعددون فضائل الإمام، ويذكرون بمزيد من اللوعة الخسارة التي منّي بها المسلمون، فتحيّات من الله على تلك الروح العظيمة التي ملأت الدنيا بفضائلها وآثارها ومآثرها.

تقلّد الإمام الرضا للزعامة الكبرى:

وتقلّد الإمام الرضاعليه‌السلام بعد وفاة أبيه الزعامة الدينية الكبرى، والمرجعية العامة للمسلمين، وقد احتف به العلماء والفقهاء وهم يسجلون آراءه في ميادين الآداب والحكمة، وما يفتي به من المسائل الشرعية وغير ذلك من صنوف المعارف والعلم.

____________________

(1) الأنوار البهية (ص 99).

(2) الإتحاف بحب الأشراف (ص 57).

٩١

سفره إلى البصرة:

وبعد وفاة الإمام الكاظمعليه‌السلام سافر الإمام الرضاعليه‌السلام إلى البصرة للتدليل على إمامته، وإبطال شبه المنحرفين عن الحق، وقد نزل ضيفاً في دار الحسن بن محمد العلوي، وقد عقد في داره مؤتمراً عاماً ضمّ جمعاً من المسلمين كان من بينهم عمرو بن هداب، وهو من المنحرفين عن آل البيتعليهم‌السلام والمعادين لهم، كما دعا فيه جاثليق النصارى، ورأس الجالوت، والتفت إليهم الإمام فقال لهم:

( إنّي إنّما جمعتكم لتسألوني عمّا شيءتم من آثار النبوة وعلامات الإمامة التي لا تجدونها إلاّ عندنا أهل البيت، فهلموا أسألكم... ).

وبادر عمرو بن هداب فقال له: ( إنّ محمد بن الفضل الهاشمي أخبرنا عنك أنك تعرف كل ما أنزله الله، وانك تعرف كل لسان ولغة... ).

وانبرى الإمامعليه‌السلام فصدّق مقالة محمد بن الفضل في حقّه قائلاً: ( صدق محمد بن الفضل أنا أخبرته بذلك... ).

سارع عمرو قائلاً: ( إنّا نختبرك قبل كل شيء بالألسن، واللغات، هذا رومي، وهذا هندي، وهذا فارسي، وهذا تركي، قد أحضرناهم... ).

فقالعليه‌السلام : ( فليتكلّموا بما أحبوا، أجب كل واحد منهم بلسانه إن شاء الله... ).

وتقدم كل واحد منهم أمام الإمام فسأله عن مسألة فأجابعليه‌السلام عنها بلغته، وبهر القوم وعجبوا، والتفت الإمام إلى عمرو فقال له: ( إن أنا أخبرتك أنّك ستبتلي في هذه الأيام بدم ذي رحم لك هل كنت مصدقاً لي؟... ).

( لا، فإنّ الغيب لا يعلمه إلاّ الله تعالى... ).

وردّ الإمام عليه مقالته: ( أو ليس الله تعالى يقول:( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاّ مَنِ ارْتَضَى مِن رسُولٍ ) فرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عند الله مرتضى، ونحن ورثة ذلك

٩٢

الرسول الذي أطلعه الله على ما يشاء من غيبه فعلمنا ما كان، وما يكون إلى يوم القيامة. وإنّ الذي أخبرتك به يا بن هداب لكائن إلى خمسة أيام وإن لم يصح في هذه المدة فإنّي.. وإن صحّ فتعلم أنّك راد على الله ورسوله.

وأضاف الإمام قائلاً: ( أما إنّك ستصاب ببصرك، وتصير مكفوفاً، فلا تبصر سهلاً، ولا جبلاً وهذا كائن بعد أيام، ولك عندي دلالة أخرى، إنّك ستحلف يميناً كاذبة فتضرب بالبرص... ).

وأقسم محمد بن الفضل بالله بأنّ ما أخبر به الإمام قد تحقّق، وقيل لابن هداب: ( هل صدق الرضا بما أخبر به؟... ).

فقال: والله لقد علمت في الوقت الذي أخبرني به أنّه كائن، ولكنّي كنت أتجلّد.

والتفت الإمام إلى الجاثليق فقال له: ( هل دلّ الإنجيل عل نبوّة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ ).

وسارع الجاثليق قائلاً: ( لو دلّ الإنجيل على ذلك ما جحدناه... ).

ووجّه الإمام له السؤال التالي: ( اخبرني عن السكنة التي لكم في السفر الثالث؟... ). وأجاب الجاثليق: ( إنّها اسم من أسماء الله تعالى لا يجوز لنا أن نظهره... ).

وردّ عليه الإمام قائلاً: ( فان قربه ربّك أنّه اسم محمد، وأقر عيسى به، وأنّه بشر بني إسرائيل بمحمد لتقربه، ولا تنكره؟... ).

ولم يجد الجاثليق بُدّاً من الموافقة على ذلك قائلاً: ( إن فعلت أقررت، فإنّي لا أرد الإنجيل ولا أجحده... ).

وأخذ الإمام يقيم عليه الحجّة قائلاً: ( خذ على السفر الثالث الذي فيه ذكر محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وبشارة عيسى

٩٣

بمحمد؟... ).

وسارع الجاثليق قائلا: ( هات ما قلته... ).

فأخذ الإمامعليه‌السلام يتلو عليه السفر من الإنجيل الذي فيه ذكر الرسول محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقال للجاثليق: ( من هذا الموصوف؟... ).

قال الجاثليق: ( صفه ).

وأخذ الإمامعليه‌السلام في وصفه قائلاً: ( لا أصفه إلاّ بما وصفه الله، وهو صاحب الناقة، والعصا، والكساء، النبي الأمي، الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل، يأمرهم بالمعروف، وينهاهم عن المنكر، ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث، ويضع عنهم إصرهم، والأغلال التي كانت عليهم، يهدي إلى الطريق الأقصد، والمنهاج الأعدل، والصراط الأقوم. سألتك يا جاثليق بحق عيسى روح الله، وكلمته، هل تجدون هذه الصفة في الإنجيل لهذا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ ).

وأطرق الجاثليق مليّاً برأسه إلى الأرض، وقد ضاقت عليه الأرض بما رحبت، فقد سدّ عليه الإمام كل نافذة يسلك منها، ولم يسعه أن يجحد الإنجيل، فأجاب الإمام قائلاً: نعم هذه الصفة من الإنجيل، وقد ذكر عيسى في الإنجيل هذا النبي ولم يصح عند النصارى أنّه صاحبكم ).

وانبرى الإمام يقيم عليه الحجّة، ويبطل أوهامه قائلاً: ( أما إذا لم تكفر بجحود الإنجيل، وأقررت بما فيه من صفة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فخذ على السفر الثاني، فإنّه قد ذكره وذكر وصيّه، وذكر ابنته فاطمة وذكر الحسن والحسين... ).

وقد استبان للجاثليق ورأس الجالوت أنّ الإمامعليه‌السلام عالم بالتوراة والإنجيل، وأنّه واقف على جميع ما جاء فيهما، وفكّرا في التخلص من حجج الإمام فأبديا الشك في أن الذي بشر به موسى والسيد المسيح هو النبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وطفقا قائلين:

٩٤

( لقد بشر به موسى وعيسى جميعاً، ولكن لم يتقرّر عندنا أنّه محمد هذا، فأمّا كون اسمه محمد، فلا يجوز أن نقر لكم بنبوته، ونحن شاكون أنّه محمّدكم أو غيره... ).

وانبرى الإمام ففنّد شبهتهم قائلاً: ( احتججتم بالشك، فهل بعث الله قبل أو بعد من ولد آدم إلى يومنا هذا نبيّاً اسمه محمد أو تجدونه في شيء من الكتب التي أنزلها الله على جميع الأنبياء غير محمد؟... ).

وأحجما عن الجواب، ولم يجدا شبهة يتمسكان بها، وأصرّا على العناد والجحود قائلين: ( لا يجوز لنا أن نقر لك بأنّ محمّداً هو محمّدكم، فإنّا إن أقررنا لك بمحمد ووصيّه وابنته وابنيها على ما ذكرتم أدخلتمونا في الإسلام كرهاً... ).

وانبرى الإمام قائلاً: ( أنت يا جاثليق آمن في ذمّة الله، وذمّة رسوله أنّه لا يبدؤك منّا شيء تكرهه... ).

وسارع الجاثليق قائلاً: ( إذ قد آمنتني، فان هذا النبي الذي اسمه محمد، وهذا الوصي الذي اسمه علي، وهذه البنت التي اسمها فاطمة، وهذان السبطان اللذان اسمهما الحسن والحسين في التوراة والإنجيل والزبور، وطفق الإمام قائلاً: ( هل هذا صدق وعدل؟... ).

( بل صدق وعدل... ).

وسكت الجاثليق، واعترف بالحق، والتفت الإمام إلى رأس الجالوت فقال له: ( اسمع يا رأس الجالوت السفر الفلاني من زبور داود... ).

قال رأس الجالوت: ( بارك الله فيك وفيمَن ولدك: هات ما عندك... ).

وأخذ الإمام يتلو عليه السفر الأول من الزبور حتى انتهى إلى ذكر محمد وعلي وفاطمة والحسن الحسين، ووجه الإمام له السؤال التالي: ( سألتك يا رأس الجالوت بحق الله هذا في زبور داود؟... ).

( نعم هذا بعينه في الزبور بأسمائهم... ).

٩٥

وانبرى الإمام قائلاً: ( بحق عشر الآيات التي أنزلها الله على موسى بن عمران في التوراة هل تجد صفة محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين في التوراة منسوبين إلى العدل والفضل؟ ).

ولم يسع رأس الجالوت إلاّ الإقرار والاعتراف بذلك، وأخذ الإمام يتلو في سفر آخر من التوراة، وقد بهر رأس الجالوت من اطلاع الإمام ومن فصاحته وبلاغته، وتفسيره ما جاء في النبي وعلي وفاطمة والحسنين، فقال رأس الجالوت: ( والله يا بن محمد لولا الرياسة التي حصلت لي على جميع اليهود لآمنت بأحمد، واتبعت أمرك، فو الله الذي أنزل التوراة على موسى، والزبور على داود، ما رأيت اقرأ للتوراة والإنجيل والزبور منك، ولا رأيت أحسن تفسيراً وفصاحة لهذه الكتب منك ).

وقد استغرقت مناظرة الإمام معهم وقتاً كثيراً حتى صار وقت صلاة الظهر فقامعليه‌السلام فصلّى بالناس صلاة الظهر، وانصرف إلى شؤونه الخاصة، وفي الغد عاد إلى مجلسه، وقد جاءوا بجارية رومية لامتحان الإمامعليه‌السلام ، فكلّمها الإمام بلغتها، والجاثليق حاضر، وكان عارفاً بلغتها، فقال الإمام للجارية: ( أيّما أحب إليك محمد أم عيسى؟... ).

فقالت الجارية: ( كان فيما مضى عيسى أحب إليّ؛ لأنّي لم أكن أعرف محمداً، وبعد أن عرفت محمداً فهو أحب إليّ من عيسى... ).

والتفت لها الجاثليق فقال لها: ( إذا كنت دخلت في دين محمد فهل تبغضين عيسى؟... ).

وأنكرت الجارية كلامه فقالت: ( معاذ الله بل أحب عيسى، وأومن به، ولكن محمداً أحب إلي... ).

والتفت الإمام إلى الجاثليق فطلب منه أن يترجم للجماعة كلام الجارية، فترجمه لهم، وطلب الجاثليق من الإمام أن يحاجج مسيحيّاً من السند له معرفة بالمسيحية، وصاحب جدل، فحاججه الإمام بلغته، فآمن السندي بالإسلام، وأقرّ للإمامعليه‌السلام بالإمامة، وطلبعليه‌السلام من محمد بن الفضل أن يأخذه إلى الحمام ليغتسل، ويطهر بدنه من درن الشرك، فأخذه محمد إلى الحمّام، وكساه بثياب نظيفة، وأمر الإمام بحمله إلى يثرب ليتلقى من علومه، ثم ودّع الإمام أصحابه

٩٦

ومضى إلى المدينة المنوّرة(1) .

سفره إلى الكوفة:

وغادر الإمامعليه‌السلام يثرب متوجّهاً إلى الكوفة، فلمّا انتهى إليها استقبل فيها استقبالاً حاشداً، وقد نزل ضيفاً في دار حفص بن عمير اليشكري، وقد احتف به العلماء والمتكلمون وهم يسألونه عن مختلف المسائل، وهو يجيبهم عنها، وقد عقد مؤتمراً عامّاً ضمّ بعض علماء النصارى واليهود، وجرت بينه وبينهم مناظرات أدت إلى انتصاره وعجزهم عن مجاراته، والتفت الإمامعليه‌السلام إلى الحاضرين، فقال لهم: ( يا معاشر الناس، أليس أنصف الناس مَن حاجّ خصمه بملّته وبكتابه، وشريعته؟... ).

فقالوا جميعاً: ( نعم ).

فقالعليه‌السلام : ( اعلموا أنّه ليس بإمام بعد محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله إلاّ مَن قام بما قام به محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله حين يفضي له الأمر، ولا يصلح للإمامة إلاّ مَن حاج الأمم بالبراهين للإمامة... ).

وانبرى عالم يهودي فقال له: ( ما الدليل على الإمام؟... )

فقالعليه‌السلام :

( أن يكون عالماً بالتوراة والإنجيل والزبور والقرآن الحكيم فيحاج أهل التوراة بتوراتهم، وأهل الإنجيل بإنجيلهم وأهل القرآن بقرآنهم، وأن يكون عالماً بجميع اللغات حتى لا يخفي عليه لسان واحد، فيحاج كل قوم بلغتهم، ثم يكون مع هذه الخصال تقياً، نقياً من كل دنس، طاهراً من كل عيب، عادلاً، منصفاً، حكيماً، رؤوفاً، رحيماً، غفوراً، عطوفاً، صادقاً، مشفقاً، بارّاً، أميناً، مأموناً... )(2) .

وجرت بينه وبين بعض الحاضرين مناظرات أدّت إلى تمسّك الشيعة بالإمام

____________________

(1) البحار 12 / 21 - 23، بتصرف نقلنا الخبر.

(2) البحار 12 / 23، نقلنا الحديث بتصرف.

٩٧

عليه‌السلام ، وزيادة إيمانهم بقدراته العلمية الهائلة كما أدّت إلى إفحام القوى المعارضة للإمام، وعجزهم عن مجاراته وبهذا نطوي الحديث عن دور الإمام في ظلال أبيه، وبعد وفاته.

٩٨

٩٩

مناظراته واحتجاجاته

واتسم عصر الإمام الرضاعليه‌السلام بشيوع المناظرات والاحتجاجات بين زعماء الأديان والمذاهب الإسلامية وغيرها، وقد احتدم الجدال بينهم في كثير من البحوث الكلامية خصوصاً فيما يتعلّق بأصول الدين، وقد حفلت الكتب الكلامية وغيرها بألوان من ذلك الصراع العقائدي مشفوعة بالأدلة التي أقامها المتكلمون على ما يذهبون إليه.

ومن بين المسائل التي عظم فيها النزاع، واحتدم فيها الجدال بين الشيعة والسنّة: ( الإمامة )، فالشيعة تصر على أنّ الإمامة كالنبوّة غير خاضعة لاختيار الأمّة وانتخابها، وإنّما أمرها بيد الله تعالى فهو الذي يختار لها مَن يشاء من صلحاء عباده ممّن امتحن قلوبهم للإيمان كما يشترطون في الإمام أن يكون معصوماً عن الخطأ، وأن يكون أعلم الأمّة، وأدراها لا في شؤون الشريعة الإسلامية فحسب وإنما في جميع علوم الحياة، وأنكر جمهور أهل السنّة ذلك جملةً وتفصيلاً، ومن الجدير بالذكر أنّ أروقة الملوك والوزراء في عصر الإمام قد عقدت فيها مجالس للمناظرة بين زعماء المذاهب الإسلامية فقد عقدت البرامكة مجالس ضمت المتكلمين من علماء السنة، فناظروا العالم الكبير هشام بن الحكم، وحاججوه في أمر الإمامة، فتغلّب عليهم ببالغ الحجّة، وقوّة البرهان، وممّا لا ريب فيه أنّ عقد البرامكة للخوض في هذه البحوث الحساسة لم تكن بواعثه علمية فقط، وإنّما كانت للاطلاع على ما تملكه الشيعة من الأدلة الحاسمة لإثبات معتقداتها في الإمامة.

ولمّا جعل المأمون ولاية العهد للإمام الرضاعليه‌السلام التي لم تكن عن إخلاص، ولا عن إيمان بأنّ الإمام أحق وأولى بالخلافة منه، وإنّما كانت لأسباب سياسية سوف نتحدث عنها في غضون هذا الكتاب، وقد أوعز إلى ولاته في جميع

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793

794

795

796

797

798

799

800

801

802

803

804

805

806

807

808

809

810

811

812

813

814

815

816

817

818

819

820

821

822

823

824

825

826

827

828

829

830

831

832

833

834

835

836

837

838

839

840

841

842

843

844

845

846

847

848

849

850

851

852

853

854

855

856

857

858

859

860

861

862

863

864

865

866

867

868

869

870

871

872

873

874

875

876

877

878

879

880

881

882

883

884

885

886

887

888

889

890

891

892

893

894

895

896

897

898

899

900

901

902

903

904