اختيار معرفة الرجال

اختيار معرفة الرجال8%

اختيار معرفة الرجال مؤلف:
تصنيف: علم الرجال والطبقات
الصفحات: 904

اختيار معرفة الرجال المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 904 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 70855 / تحميل: 12305
الحجم الحجم الحجم
اختيار معرفة الرجال

اختيار معرفة الرجال

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

قال حدثني علي بن محمد بن شجاع عن أبي العباس أحمد بن حماد المروزي عن الصادقعليه‌السلام انه قال في الحديث الذي روى فيه « ان سلمان كان محدثا » قال: انه‌

___________________________________________________________

عنه محمد بن مسعود العياشي، ذكر أحمد بن الحسينرحمه‌الله أن له كتاب الرد على من زعم أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان على دين قومه قبل النبوة، طريقنا اليه شيخنا أبو عبد الله محمد بن محمد عن جعفر بن محمد بن قولويه عن محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي عنه(١) .

والذي رأيناه في كتاب الكشي، وفي كتاب الاختيار منه للشيخ على اتفاق النسخ، وفي الاختيار منه للسيد بن طاوس « التاجر » مكان « العاجز » بالتاء المثناة من فوق قبل الالف والراء بعد الجيم.

وكذلك قال الحسن بن داود: جعفر بن أحمد بن أيوب السمرقندي يقال له: ابن التاجر كذا رأيته بخط الشيخ (ره)(٢) .

وهو مطابق لما رأيناه مذ اشتغلنا بهذه العلوم الى الان في نسخ كتاب الرجال للشيخ، لكن الموجود فيها بأسرها جعفر بن محمد بن أيوب يعرف بـ « ابن التاجر » أو « المتاجر » من أهل سمرقند متكلم له كتب(٣) ، لا جعفر بن أحمد كما في كتاب الكشي والنجاشي.

قولهرحمه‌الله : على بن محمد بن شجاع‌

وهو الذي يقال له علي بن شجاع النيسابوري، ذكره الشيخ في أصحاب أبي محمد العسكريعليه‌السلام قال: علي بن شجاع نيسابوري(٤)

__________________

(١) رجال النجاشى: ٩٣ - ٩٤ ط طهران.

(٢) رجال ابن داود: ٨٢‌

(٣) رجال الشيخ: ٤٥٨‌

(٤) رجال الشيخ: ٤٣٣‌

٦١

كان محدثا عن امامه لا يجوز به لأنه لا يحدث عن الله عز وجل الا الحجة.

٣٥ - طاهر بن عيسى قال: حدثني أبو سعيد قال: حدثني الشجاعي عن يعقوب ابن يزيد عن ابن أبي عمير عن خزيمة بن ربيعة يرفعه قال: خطب سلمان الى عمر فرده، ثم ندم فعاد اليه فقال: انما أردت أن اعلم ذهبت حمية الجاهلية عن قلبك أم هي كما هي.

٣٦ - حمدويه بن نصير قال: حدثنا محمد بن عيسى العبيدي عن يونس بن‌

___________________________________________________________

قولهعليه‌السلام : لا يجوز به‌

الباء للتعدية والعائد لكونه محدثا، أي لا يتعدى بكونه محدثا ولا يعد به عن امامه الى ملك يحدثه عن الله عز وجل، فان المحدثية على هذا السبيل لا تكون الا للحجة وغير الحجة انما محدثيته بتوسط النبي، والحجة لا عن الله بواسطة الملك لا غير.

وفي بعض النسخ « لا عن ربه » وهو تصحيف لا يجوز به.

قوله رحمه الله تعالى: قال: حدثنى الشجاعى‌

الذي استبان لنا أن الشجاعي المتكرر وروده في الاسانيد اسمه الحسن بن طيب يروي عنه العاصمي ذكر أبو العباس النجاشي ذلك في كتابه، واستفدناه منه قال: الحسن بن طيب بن حمزة الشجاعي غير خاص في أصحابنا رووا عنه له كتاب ذوات الاجنحة، ثم أسند طريقه اليه وقال: أخبرنا محمد بن محمد عن أبي الحسن ابن داود قال حدثنا الحسين بن علان قال حدثنا العاصمي عنه بهذا الكتاب(١) .

قولهعليه‌السلام : ثم ندم فعاد اليه‌

يعني ثم سلمان ندم عن خطبته الى عمر، فعاد الى عمر فقال له ذلك.

قوله رحمه الله تعالى: قال حدثنا محمد بن عيسى العبيدى‌

هذا هو الصحيح، وفي نسخ كثيرة « العنبري » مكان « العبيدي » وذلك من‌

__________________

(١) رجال النجاشى: ٣٦‌

٦٢

عبد الرحمن ومحمد بن سنان عن الحسين بن المختار عن أبي بصير عن أبي عبد الله‌

___________________________________________________________

تحريفات الناسخين وتصحيفاتهم، وان كان واردا في الانساب نسبة الى قرية باليمن، أو كناية عن خلوص النسب، وعنبري البلد مثل في الهداية، لان بني العنبر أهدى قوم قاله في القاموس(١) وغيره.

قوله رحمه الله تعالى: عن الحسين بن المختار‌

هو القلانسي الكوفي قال الشيخ في كتاب الرجال: واقفي له كتاب(٢) .

وقال النجاشي: أبو عبد الله كوفي مولى أحمس من بجيلة وأخوه الحسن يكنى أبا محمد ذكرا فيمن روى عن أبي عبد الله وأبي الحسنعليهما‌السلام ، له كتاب يرويه عنه حماد بن عيسى وغيره(٣) .

وقال ابن عقدة: عن علي بن الحسن أنه كوفي ثقة(٤) .

وفي ارشاد شيخنا المفيد في باب النص على الرضاعليه‌السلام : أنّه من خاصة الكاظم وثقاته وأهل الورع والعلم والفقه من شيعته(٥) .

وروى أبو جعفر الكليني رضوان الله تعالى عليه في جامعه الكافي أنه قال: الحسين بن المختار قال لي الصادقعليه‌السلام رحمك الله، وقد روى جماعة من الثقات عنه نصا على الرضاعليه‌السلام .

قلت: فذلك يدافع كونه واقفيا، ولذلك لم يحكم به النجاشي ولا نقله عن أحد على ما هو المعلوم من ديدن النجاشي، وبالجملة الرجل من أعيان الثقات وعيون الاثبات والله سبحانه أعلم.

__________________

(١) القاموس: ٢ / ٩٦‌

(٢) رجال الشيخ: ١٦٩ و ٣٤٦‌

(٣) رجال النجاشى: ٤٣‌

(٤) الخلاصة: ٢١٥‌

(٥) الارشاد: ٣٠٤ ط بيروت وفيه من خاصته الخ.

٦٣

عليه‌السلام قال: كان والله علي محدثا، وكان سلمان محدثا قلت: اشرح لي. قال: يبعث الله اليه ملكا ينقر في اذنه يقول كيت وكيت.

٣٧ - جبرئيل بن أحمد حدثني محمد بن عيسى عن حماد بن عيسى عن حريز عن الفضيل بن يسار عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: قال لي: تروي ما يروي الناس ان علياعليه‌السلام قال في سلمان « أدرك علم الاول وعلم الاخر »؟ قلت: نعم قال: فهل تدري ما عني؟ قلت: يعني علم بني اسرائيل وعلم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله . فقال: ليس هكذا يعني ولكن علم النبي وعلم علي وأمر النبي وأمر علي.

___________________________________________________________

قولهعليه‌السلام : قلت: اشرح لى قال: يبعث الله اليه ملكا‌

في الكافي رئيس المحدثين أبي جعفر الكليني رضي الله تعالى عنه في كتاب الحجة باب الفرق بين الرسول والنبي والمحدث(١) .

وهذا الباب من غامضات العلم وغوامض الحكمة، وقد شرحنا منهجه وأوضحنا سبيله في غير موضع واحد فنقول: قد استبان في علم ما فوق الطبيعة في باب الإيحاءات والنبوات وفي العلم الطبيعي في كتاب النفس، وحقق شريكنا السالف في الرئاسة في إلهيات الشفاء وطبيعياته، ونحن في قبسات الحق اليقين وفي سدرة المنتهى وفي الرواشح السماوية:

ان ذا القوة القدسية الصائر باستكمال نفسه المجردة في مرتبة العقل المستفاد عالما عقليا مطابقا لعوالم الوجود، قوته العقلية كبريت، وروح القدس الذي هو العقل الفعّال وواهب الصور باذن ربه نار، واذا صار من حزبه وانخرط في سلكه اشتعل ناره في كبريته دفعة وأحال نفسه الى جوهر ذاته.

فالنفس المجردة العاقلة بحسب كمال هذه القوّة شجرة يكاد زيتها يضي‌ء ولو لم تمسسه نار نور على نور، فمن كانت لشجرة نفسه القدسية ثلاث خاصيات بحسب استكمال قوى ثلاث كان نبيا، له ضروب النبوة الثلاثة من جهة كمال قوتيه‌

__________________

(١) أصول الكافى: ١ / ١٣٤‌

٦٤

___________________________________________________________

النظرية التي منها انبجاس مبادي الادراكات والعملية التي منها انبعاث مبادي التحريكات.

الاولى: ما بحسب كمال القوة العاقلة، وهي أن تكون علومه كلها بالحدس ونظريات العقلاء من المقتنصات الفكرية بالنسبة اليه جميعها حدسيات، والمعجزات العقلية كلها من هذا السبيل.

والثانية: ما بحسب كمال القوة المتخيلة وكمال القوة المشتركة المسماة عند الفلاسفة « بنطاسيا »، وهي أن يتيسر له الابصار والسماع في اليقظة، لا من سبيل الظاهر من ممر الجليدية وطريق الصماخ، بل من جنبته الباطن من سبيل الاتصال بعالم العقل والانخراط في سلك الصائرين الى اقليم نور الله سبحانه، لشدة صقالة مرائي(١) القوى الحسية واستحكام شبهها بألواح الاذهان النقية المجردة العقلية، ولا يتصحح ذلك للناقصين الا في النوم.

فبحسب كمال هذه القوة فتشبح وتتمثل الابصار النبي بالرؤية البصرية في اليقظة فيبصرهم، وينتظم ويتركب لسماعه بالقوة السمعية كلام الله تعالى على لسان الملك المتشبح له فيسمعه.

وهذا سبيل باب الوحي والايحاء وله من هذا السبيل المعجزات القولية والاخبار بالمغيبات والانذار بالعقوبات قبل وقوعها.

الثالثة: ما بحسب كمال قوة النفس في جوهر ذاتها باعتبار الفطرة الاولى الجبلية المفطورة على استعدادها الفطري وتأكد علاقة الارتباط بجناب الله، والتخلق بأخلاق الله في الفطرة الثانية المكسوبة في استعداداتها الكسبية، وهي أن تكون له ملكة ولوج في ملكوت السماء ومصير الى ذي الملك والملكوت بحسبها تطيعه‌

__________________

(١) المرائى جمع قلة للمراء وجمع الكثرة المرايا. قال في الصحاح: المراة بكسر الميم التى ينظر فيها وثلاث مراء والكثير مرايا « منه » ٦ / ٢٣٤٩‌

٦٥

٣٨ - علي بن محمد القتيبي قال: حدثني أبو محمد الفضل بن شاذان قال: حدثنا ابن أبي عمير عن عمر بن يزيد قال: قال سلمان: قال لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله اذا حضرك أو أخذك الموت حضر أقوام يجدون الريح ولا يأكلون الطعام، ثم أخرج صرة من مسك فقال: هيه أعطانيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: ثم بلها ونضحها حوله ثم‌

___________________________________________________________

هيولى عالم العناصر وتنقاد له صور الاسطقسات(١) .

ومن هذا السبيل له المعجزات الفعلية، فالمرتبة المستجمعة لهذه الخاصيات في درجة النبوة بضروبها الثلاثة.

ثم اذا اشتعلت القوة واستعلت النبوة واختص النبي بسنة قائمة بالقسط وشريعة ناسخة للشرائع ارتفع الى درجة الرسالة، فاذا قويت له هذه الشئون واستحكمت هذه الملكات واشتدت أشعة الاتصال بنور الأنوار واستكملت الخاصيات الثلاث واستتم نصاب استكمال ضروب الثلاث جدا استحق خاتمية الانبياء وسيدودة المرسلين، وصار بحيث لا تتصور في مراتب سلسلة العود مرتبة صعودية تتوسط بينه وبين جناب معاد الوجود ومنتهاه، كما لا تتصور في مراتب سلسلة البدو مرتبة هبوطية تتوسط بين جناب مبدء المبادي وغاية الغايات وبين مجعوله الاول.

واذا كان ذو القوة القدسية انما يتهيأ في الاتصال بعالم الملكوت للسماع من سبيل الباطن فقط من دون أن يبصر شبحا متمثلا ويعاين صورة متشبحة فهو المحدث بالفتح على صيغة المفعول، وهو الامام والحجة، وأما غيره فلا يكون محدثا على الحقيقة بل انما على سبيل التجوز والتوسع من باب المجاز فليعلم.

قولهرحمه‌الله : فقال: هيه اعطانيها رسول الله (ص)

هيه مبنية على الكسر وأصلها « ايه » قلبت همزتها هاء، ولقد تكررت في الحديث جدا على الاصل وعلى القلب، وهي كلمة الاستزادة اسما لفعل هو فعل الامر أي زدني من كذا، أو فعل آخر يدل على ابتغاء الزيادة وطلبها مثل ابتغى زيادة كذا وأريدها وأطلبها مثلا.

__________________

(١) في « س »: الاستقسات.

٦٦

___________________________________________________________

قال ابن الاثير في النهاية في حرف الهاء: في حديث أمية وأبي سفيان قال: يا صخر هيه فقلت: هيها، هيه بمعنى ايه فأبدل من الهمزة هاء، وايه اسم سمي به الفعل ومعناه الامر، تقول للرجل: ايه بغير تنوين اذا استزدته من الحديث المعهود بينكما، وان نونت استزدته من حديث غير معهود. لان التنوين للتنكير، فاذا سكته وكففته قلت: ايها بالنصب فالمعنى ان أمية قال له: زدني من حديثك، فقال أبو سفيان كف عن ذلك(١) .

وقال في باب الهمزة: فيه - أي الحديث - أنهعليه‌السلام أنشد شعر أمية بن أبي الصلت فقال عند كل بيت: ايه، هذه كلمة تراد بها الاستزادة وهي مبنية على الكسر فاذا وصلت نونت فقلت: ايه حدثنا، واذا قلت ايها بالنصب فانما تأمره بالسكوت وقد ترد المنصوبة بمعنى التصديق والرضا بالشي‌ء. ومنه حديث ابن الزبير لما قيل له يا بن ذات النطاقين فقال: ايها، أي صدقت ورضيت بذلك، ويروى ايه بالكسر أي زدني من هذه المنقبة(٢) .

وفي أساس البلاغة: ايه حديثا استزاده وايها لا تحدث كف(٣) .

والجوهري زاد على ذلك في الصحاح قال: ايه اسم سمي به الفعل تقول للرجل اذا استزدته من حديث أو عمل: ايه بكسر الهاء، قال ابن السكيت: فان وصلت نونت فقلت: ايه حدثنا، اذا قلت ايه يا رجل فانما تأمره بأن يزيدك من الحديث المعهود بينكما كأنك قلت هات الحديث، فان قلت ايه بالتنوين فانك قلت هات حديثا ما، لان التنوين تنكير، فاذا سكته وكففته قلت ايها عنا، واذا أردت التبعيد قلت، أيها بفتح الهمزة بمعنى هيهات(٤) .

__________________

(١) نهاية ابن الاثير: ٥ / ٢٩٠‌

(٢) نهاية ابن الاثير: ١ / ٨٧‌

(٣) أساس البلاغة: ٢٦ ط دار صادر.

(٤) الصحاح: ٦ / ٢٢٢٦‌

٦٧

قال لا مرته: قومي أجيفي الباب فقامت وأجافت الباب فرجعت وقد قبضرضي‌الله‌عنه .

حكي عن الفضل بن شاذان انه قال: ما نشأ في الإسلام رجل من كافة الناس كان أفقه من سلمان الفارسي.

٣٩ - أبو صالح خلف بن حماد الكشي قال: حدثني الحسن بن طلحة المروزي يرفعه عن حماد بن عيسى عن ابراهيم بن عمر اليماني عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: تزوج سلمان امرأة من كندة فدخل عليها فاذا لها خادمة وعلى بابها عباءة، فقال سلمان ان في بيتكم هذا لمريضا أو قد تحولت الكعبة فيه فقيل: المرأة أرادت أن تستر على نفسها فيه. قال: فما هذه الجارية؟ قالوا كان لها شي‌ء فأرادت أن تخدم. قال انّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: أيّما رجل كانت عنده جارية فلم يأتها أو لم يزوجها‌

___________________________________________________________

قولهرضي‌الله‌عنه : أجيفى الباب‌

من الاجافة قال في الصحاح: أجفت الباب أي رددته(١) .

وأصل الاجافة الايصال الى الجوف يقال: جافه الطعن والداء اذا وصل الى جوفه وأجافه الطاعن أوصله الى الجوف وطعنة جائفة.

قولهعليه‌السلام : فقال سلمان: ان في بيتكم هذا لمريضا أو قد تحولت الكعبة‌

أي في بيتكم مريض قد تخوفتم عليه فعطيتم على الباب بهذه العباءة خوفا من وصول الهواء اليه، أو تحولت الكعبة من مكانها الى موضع بيتكم فالبستموه لباس الكعبة.

و « العباية » بفتح العين كساء واسع مخطط. والعباءة بالمد والهمزة لغة فيها، والجمع عباء بالفتح قاله في المغرب.

__________________

(١) الصحاح: ٤ / ١٣٣٩‌

٦٨

من يأتيها ثم فجرت كان عليه وزر مثلها ومن أقرض قرضا فكأنّما تصدق بشطره، فان أقرضه الثانية كان برأس المال وآدى الحق الى صاحبه أن يأتيه به في بيته أو في رحله فيقول ها وخذه.

٤٠ - محمد بن مسعود، قال حدثني محمد بن يزداذ الرازي، عن محمد بن‌

___________________________________________________________

قوله (ص): وآدى الحق الى صاحبه أن يأتيه به في بيته‌

آدى بالمد على صيغة أفعل التفضيل من الاداء، والضمير في يأتيه وبيته ورحله لصاحب الحق وفي « به » للحق، وهاء مبنيا على الفتح: اما صوت يفهم منه خذ، واما من أسماء الافعال للواحد المذكر، وهاءيا للمثنى، وهاؤم للجمع.

والمعنى: أوثق الناس في الامانة وآداهم للحق الى أهله من يأتي صاحب الحق بحقه في بيته أو في رحله فيقول له: خذ حقك الذي أتيتك به.

خذه على التأكيد أوخذ استوف مني حقك، على اجتماع عاملين متوجهين نحسو معمول واحد، واعمال الاول منهما على مذهب الكوفيين، والثاني طريقة البصريين، كما في قوله سبحانه( هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ ) (١) ونظيره( آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً ) (٢) .

واما اسقاط المد والهمزة من هاء وجعل الكلام ها خذه على كلمة التنبيه والاحضار، فحسبان واه، اذ هاء التنبيهية مسلكها تنبيه الطالب على حضور مطلوبه ومبتغاه.

والحديث الكريم مغزاه: أن المرء انما يكون للحق آدى اذا أتى به صاحبه فأداه اليه من غير طلب منه فليعرف.

قوله رحمه الله تعالى: محمد بن يزداذ‌

بالياء المثناة من تحت والزاء قبل الدال المهملة والذال المعجمة بعد الالف،

__________________

(١) سورة الحاقه: ١٩‌

(٢) سورة الكهف: ٩٦‌

٦٩

علي الحداد، عن مسعدة بن صدقة، عن جعفر، عن أبيهعليه‌السلام قال: ذكرت التقيّة يوما عند عليعليه‌السلام فقال: أن لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله وقد آخى رسول الله بينهما، فما ظنّك بسائر الخلق.

٤١ - حمدويه وابراهيم ابنا نصير، قالا حدثنا أيوب بن نوح، عن صفوان ابن يحيى، عن عاصم بن حميد، عن ابراهيم بن أبي يحيى، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام الميثب هو الذي كاتب عليه سلمان فأفاءه الله على رسوله فهو في صدقتها، يعني صدقة فاطمةعليها‌السلام .

___________________________________________________________

ذكره الشيخ في أصحاب أبي محمد العسكريعليه‌السلام (١) .

قال أبو عمرو الكشي: قال ابن مسعود: لا بأس به(٢) .

قولهرحمه‌الله : ابنا نصير‌

الطريق صحيح عالي الاسناد في الطبقة الاولى وابراهيم بن أبي يحيى الصواب فيه ابراهيم بن أبي البلاد يحيى. وكأنه ايهام من النساخ.

قولهعليه‌السلام : الميثب‌

هو من الحوائط التي هي من أوقاف سيدة النساءعليها‌السلام وهي سبعة وقفتها صلوات الله عليها وأوصت بها، وهذا معنى قولهعليه‌السلام فهو في صدقتها يعني صدقة فاطمةعليها‌السلام .

روى ذلك أبو جعفر الكليني في الكافي وأبو جعفر بن بابويه في كتاب من لا يحضره الفقيه(٣) .

و « المئثب » بكسر الميم والهمزة قبل الثاء المثلثة والباء الموحدة أخيرا، والميم فيه زائدة لا من جوهر الكلمة، ويروي الميثب بالياء المثناة من تحت مكان الهمزة.

__________________

(١) رجال الشيخ: ٤٣٦ وفيه بالدال المهملة أخيرا أيضا.

(٢) رجال الكشى: ٥٣٠ ط جامعة مشهد و ٤٤٦ ط النجف الاشرف.

(٣) الفقيه: ٤ / ١٨٠ وفروع الكافى: ٧ / ٤٧.

٧٠

٤٢ - نصر بن الصبّاح وهو غال، قال حدثني اسحاق بن محمد البصري وهو متّهم، قال حدثنا أحمد بن هلال، عن علي بن أسباط، عن العلاء، عن محمد بن حكيم قال ذكر عند أبي جعفرعليه‌السلام سلمان، فقال: ذلك سلمان المحمدي، ان سلمان منّا أهل البيت، انه كان يقول للناس: هربتم من القرآن الى الأحاديث، وجدتم كتابا رقيقا حوسبتم فيه على النقير والقطمير والفتيل وحبة خردل فضاق ذلك عليكم وهربتم الى الأحاديث التي اتبعت عليكم.

___________________________________________________________

قال في القاموس في أ - ب: المئثب: كمنبر المشمل والارض السهلة والجدول وما ارتفع من الارض، والمآثب جمعه وموضع أو جبل كان فيه صدقاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله (١) .

وقال في و - ب: الميثب بكسر الميم الارض السهلة وما ارتفع من الارض وماء لعبادة وماء لعقيل ومال بالمدينة إحدى صدقاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله وموضع بمكة عند غدير خم والجدول، وموثب كمجلس ومقعد موضع(٢) .

وقال الصدوق رضوان الله تعالى عليه في الفقيه: روي أن هذه الحوائط كانت وقفا، وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يأخذ منها ما ينفق على أضيافه ومن يمر به، فلما قبض جاء العباس يخاصم فاطمةعليها‌السلام فيها فشهد عليعليه‌السلام أنها وقف عليها.

المسموع من ذكر أحد الحوائط الميثب، ولكني سمعت السيد أبا عبد الله محمد بن الحسن الموسوي أدام الله توفيقه يذكر أنها تعرف بالميثم(٣) .

قولهرحمه‌الله : اسحاق بن محمد البصرى وهو متهم‌

بضم الميم وفتح المثناة من فوق المشددة، كما يرد في الكتاب كذلك، ومنهم بالنون تصحيف.

__________________

(١) القاموس: ١ / ٣٦‌

(٢) القاموس: ١ / ١٣٦‌

(٣) من لا يحضره الفقيه: ٤ / ١٨١‌

٧١

٤٣ - آدم بن محمد القلانسي البلخي، قال حدثنا علي بن الحسين الدقاق النيسابوري، قال أخبرنا محمد بن عبد الحميد العطار، قال حدثنا ابن أبي عمير، قال حدثنا ابراهيم بن عبد الحميد، عن عمر بن يزيد، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: مر سلمان على الحدادين بالكوفة واذا شاب قد صرع والناس قد اجتمعوا حوله. فقالوا يا أبا عبد الله هذا الشاب قد صرع فلو جئت وقرأت في أذنه! قال: فجاء سلمان فلما دنا منه رفع الشاب رأسه فنظر اليه فقال: يا أبا عبد الله ليس منه شي‌ء مما يقول هؤلاء، لكني مررت بهؤلاء الحدادين وهم يضربون بالمرازب فذكرت قول الله تعالى( وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ ) قال: فدخلت في قلب سلمان من الشاب محبة فاتخذه أخا، فلم يزل معه حتى مرض الشاب، فجائه سلمان فجلس عند رأسه وهو في الموت. فقال: يا ملك الموت ارفق بأخي، فقال: يا أبا عبد الله اني بكل مؤمن رفيق.

٤٤ - نصر بن صباح البلخي أبو القاسم، قال حدثني اسحاق بن محمد البصري قال حدثني محمد بن عبد الله بن مهران، عن محمد بن سنان، عن الحسن بن منصور، قال قلت للصادقعليه‌السلام : أكان سلمان محدثا؟ قال: نعم. قلت: من يحدثه؟ قال: ملك كريم. قلت: فاذا كان سلمان كذا فصاحبه أى شي‌ء هو؟ قال: أقبل على شأنك.

___________________________________________________________

قولهعليه‌السلام : وهم يضربون بالمرازب‌

جمع المرزبة بكسر الميم وفتح الزاء وتخفيف الموحدة على اسم الاله، ومنهم من شددها.

وقال ابن الاثير: المرزبة بالتخفيف المطرقة الكبيرة التي تكون للحدادين، ومنه حديث الملك « وبيده مرزبة » ويقالها الارزبة أيضا بالهمزة والتشديد(١) .

وكذلك في الصحاح: الارزبة التي يكسر بها المدر، فان قلتها بالميم خففت قلت المرزبة(٢) .

__________________

(١) نهاية ابن الاثير: ٢ / ٢١٩‌

(٢) الصحاح: ١ / ١٣٥‌

٧٢

٤٥ - علي بن الحسن، قال حدثني محمد بن اسماعيل بن مهران، قال حدثنا اسحاق بن ابراهيم الصواف، قال حدثنا يوسف بن يعقوب، عن النهاش بن فهم، عن عمرو بن عثمان، قال دخل سلمان على رجل من إخوانه فوجده في السياق، فقال: يا ملك الموت ارفق بصاحبنا! قال: فقال الاخر يا أبا عبد الله ان ملك الموت يقرئك السّلام وهو يقول: ألا وعزة هذا البناء ليس إلينا شي‌ء.

٤٦ - أبو عبد الله جعفر بن محمد شيخ من جرجان عامي، قال حدثنا محمد بن حميد الرازى، قال حدثنا علي بن مجاهد، عن عمرو بن أبي قيس، عن عبد الاعلى، عن أبيه، عن المسيب بن نجبة الفزاري، قال: لما أتانا سلمان الفارسي قادما،

___________________________________________________________

وفي المغرب: المرزبة الميتدة، وعن الكسائي تشديد الباء.

وفي القاموس: الارزبة والمرزبة مشددتان أو الاولى فقط عصية من حديد(١) .

قولهرحمه‌الله : وهو يقول ألا وعزة هذا البناء ليس إلينا شي‌ء‌

ألا بالفتح والتخفيف كلمة استفتاح وتزيين الكلام: اما لتنبيه المخاطب، أو لتوجيه الخطاب نحوه، أو لتفهيمه سر الامر ومغزاه، واما للتحقيق والتأكيد والتسجيل على الامر، واما للحث والتخصيص والتحريص على الطلب، وقد تورد للتوبيخ والانكار وتكون أيضا للاستفهام على النفي، وقد وردت في التنزيل الكريم علي وجوه الاستعمالات جميعا.

والواو للقسم وعزة هذا البناء مقسم بها.

والمعنى بهذا البناء بناء هيكل بدن العالم الصغير الذي هو الانسان، أو بناء هيكل بدن الانسان الكبير وهو العالم الاكبر بجملة نظام الوجود من البدو الى الساقة.

والمعنى: ليس لنا من الامر إلينا شي‌ء، بل الامر كله بيد الله وانما نحن عباد مأمورون مطيعون.

__________________

(١) القاموس: ١ / ٧٣‌

٧٣

تلقّيته فيمن تلقاه فسار حتى انتهى الى كربلاء، فقال: ما تسمون هذه؟ قالوا كربلاء فقال: هذه مصارع اخواني، هذا موضع رحالهم، وهذا مناخ ركابهم، وهذا مهراق دمائهم، قتل بها خير الاولين، ويقتل بها خير الاخرين، ثم سار حتى انتهى الى حروراء، فقال: ما تسمون هذه الارض؟ قالوا: حروراء. فقال: حروراء خرج بها‌

___________________________________________________________

قولهرحمه‌الله : تلقيته فيمن تلقاه‌

على التفعل من اللقاء، أي استقبلته في جملة من استقبله، ومنه النهي عن تلقي الركبان في كتاب المتاجر.

قوله رضى الله تعالى عنه: وهذا مناخ ركابهم‌

بضم الميم على اسم المكان من باب الافعال فانه يكون على هيئة اسم المفعول، وركابهم بكسر الراء وهو اسم لجنس الابل.

قال في القاموس: المناخ بالضم مبرك الابل وقال: الركاب ككتاب الابل واحدتها راحلة(١) .

قولهرحمه‌الله : وهذا مهراق دمائهم‌

بضم الميم وفتح الهاء على مفعل، بالفتح أيضا اسم المكان من هراق الماء يهريقه، بفتح الهاء فيهما هراقة بالكسر، بمعنى أراقه يريقه اراقة صبه، والهاء بدل من الهمزة وصارت بلزومها كأنها من نفس الحرف، فلذلك ربما يبنى منه أهراق بفتح الهمزة يهريق بتسكين الهاء فيهما أهرياقا على الجمع بين البدل والمبدل. وبسط القول فيه في المعلقات على الفقيه وعلى الاستبصار.

قوله رضى الله تعالى عنه: قتل بها خير الاولين‌

كأنه عني به هابيل وخير الاخرين هو أبو عبد الله الحسينعليه‌السلام .

قولهرحمه‌الله : الى حرورا‌

هي بإهمال الهاء المفتوحة وضم الراء قبل الواو وبالقصر وبالمد قرية الخوارج‌

__________________

(١) القاموس: ١ / ٢٧٢ و ٧٥‌

٧٤

شر الاولين ويخرج بها شر الاخرين، ثم سار حتى انتهى الى بانقيا وبها جسر الكوفة الاول، فقال: ما تسمون هذه؟ قالوا: بانقيا، ثم سار حتى انتهى الى الكوفة قال: هذه الكوفة؟ قالوا: نعم. قال: قبة الإسلام.

٤٧ - محمد بن مسعود، قال حدثنا أبو عبد الله الحسين بن إشكيب، قال أخبرني الحسن بن خرزاذ القمي، قال أخبرنا محمد بن حماد الساسي، عن صالح بن فرج، عن زيد بن المعدل، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: خطب سلمان‌

___________________________________________________________

لعنهم الله.

قال ابن الاثير في النهاية: الحرورية طائفة من الخوارج نسبوا الى حروراء وحرورا بالمد والقصر، هو موضع قريب من الكوفة، كان أول مجتمعهم فيها، وهم أحد الخوارج الذين قاتلهم علي كرم الله وجهه(١) .

وفي القاموس: حروراء كجلولاء، وقد تقصر قرية بالكوفة وهو حروري(٢) .

قوله رضى الله تعالى عنه: خرج بها شر الاولين‌

شر الاولين هو عاقر ناقة صالح وشر الاخرين قاتل أمير المؤمنينعليه‌السلام عبد الرحمن ابن ملجم المرادي ضاعف الله عليه العذاب واللعنة، والحديث بذلك عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله مشهور متواتر عند العامة والخاصة.

قولهرحمه‌الله : حتى انتهى الى بانقيا‌

بالموحدة قبل الالف والنون المكسورة بعدها قبل القاف الساكنة والياء المثناة من تحت قبل الالف.

قال في القاموس: نقيا - بالكسر - قرية بالانبار منها يحيى بن معين وبانقيا قرية بالكوفة(٣) .

__________________

(١) نهاية ابن الاثير: ١ / ٣٦٦‌

(٢) القاموس: ٢ / ٨‌

(٣) القاموس: ٤ / ٣٩٧‌

٧٥

فقال: الحمد لله الذي هداني لدينه بعد جحودى له؛ اذ أنا مذك لنار الكفر أهلّ لها نصيبا أو أثبت لها رزقا، حتى ألقى الله عز وجل في قلبي حب تهامة فخرجت جائعا ظمآن قد طردني قومي وأخرجت من مالي ولا حمولة تحملني ولا متاع يجهزني‌

___________________________________________________________

( خطبة سلمان رضى الله تعالى عنه المحتوية على الغوامض والاسرار )

قوله رضى الله تعالى عنه: اذ أنا مذك لنار الكفر أهل لها نصيبا أو أثبت لها رزقا‌

ذكت النار والشمس تذكو اتقدت وأضاءت وذكيتها تذكية، وذكاء اسم للشمس، وابن ذكاء للصبح، وذلك أن يتصور الصبح تارة ابن للشمس، وتارة حاجبا لها فيقال: حاجب الشمس، ومن هناك يعبر عن سرعة الادراك وحدة الفهم بالذكاء، وعلى ذلك قولهم فلان شعله نار وذكيت الشاة ذبحتها.

وحقيقة التذكية اخراج الحرارة الغريزية، لكن خصت في الشرع بابطال الحياة واذهاقها على وجه دون وجه.

والاهلال أصله رفع الصوت عند رؤية الهلال، ثم استعمل لكل صوت، وبذلك شبه اهلال الصبي واستهلاله وقوله عز من قائل( وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ ) (١) يعني ما ذكر عليه غير اسم الله، وهو ما كان يذبح لا جل الاصنام، وقيل: الاهلال والتهلل أن يقول: لا إله الا الله.

ومن هذه الجملة ركبت هذه اللفظة، كما قولهم التبسمل والبسملة والتحولق والحولقة والتجعفل والجعفلة، بناء تركيبيا من قول الرجل « بسم الله الرحمن الرحيم » و « لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم » و « جعلت فداك ».

ومنه الاهلال بالحج، وتهلل السحاب برقه أي تلا لا تشبيها له في ذلك بالهلال.

والمعنى: كنت أهل للنار بما يكون للنيران من القرابين نصيبا، وأثبت وأحصل من ديوان السلطان من الارتزاق لبيوت النار طسقا ورزقا.

__________________

(١) سورة المائدة: ٣ وسورة النحل: ١١٥‌

٧٦

ولا مال يقويني، وكان من شأني ما قد كان، حتى أتيت محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله فعرفت من العرفان ما كنت أعلمه ورأيت من العلامة ما أخبرت بها، فأنقذني به من النار فبنت من الدنيا على المعرفة التي دخلت عليها في الإسلام.

الا أيّها الناس اسمعوا من حديثي ثم اعقلوا عنّي قد أتيت العلم كبيرا ولو أخبرتكم بكل ما أعلم لقالت طائفة لمجنون وقالت طائفة أخرى؛ اللهم اغفر لقاتل سلمان.

___________________________________________________________

قوله رضى الله تعالى عنه: فبنت من الدنيا‌

بكسر الموحدة واسكان النون من بان عن الشي‌ء يبين بينا وبينونة وبينونا: انفصل عنه وانقطع وانقلع، والبين أيضا الوصل فهو من الاضداد، والبون: الفضل والمزية، يقال بانه يبينه ويبونه وباينه فاضله وفضل عليه، ومنها وبينها بون بعيد.

قال في الصحاح: والواو أفصح فأما في البعد فيقال: ان بينهما لبينا لا غير(١)

قوله رضى الله تعالى عنه: على المعرفه التى دخلت عليها‌

على بيانيه أو نهجية، أي بينونتي من الدنيا كانت على المعرفة التي كان دخولي في الإسلام عليها.

قوله رضى الله تعالى عنه: قد أتيت العلم كبيرا‌

على صيغة المعلوم من أتاه يأتيه اتيانا، بمعنى جاءه وحضره، و « كبيرا » منصوب على الحال، أي أتيته على الكبر، أو على ما لم يسم فاعله منه، و « العلم » منصوب على أنه منزوع الخافض، أي أتيت بالعلم على الكبر.

ويروى(٢) أتيت العلم كثيرا على المجهول من الايتاء بمعنى الاعطاء، اي قد اعطيت علما كثيرا.

__________________

(١) الصحاح: ٥ / ٢٠٨٢‌

(٢) كما في المطبوع منه بجامعة مشهد‌

٧٧

ألا أن لكم منايا تتبعها بلايا، فان عند عليعليه‌السلام علم المنايا وعلم الوصايا وفصل الخطاب على منهاج هارون بن عمران، قال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنت وصيّي وخلفيتي في أهلي بمنزلة هارون من موسى، ولكنّكم أصبتم سنّة الاولى وأخطأتم سبيلكم،

___________________________________________________________

قوله رضى الله تعالى عنه: علم المنايا والوصايا وفصل الخطاب‌

المنايا الآجال جمع المنية، وهي الاجل المقدر للحيوان، من مناه يمنيه بمعنى قدره، ومنى له الماني أي قدر، فالمنية سميت منية لأنها مقدرة لكل، ومن هناك سمي بها الموت.

وعلم الوصايا المراد به علم الشرائع.

وفصل الخطاب هو الفارق بين الحق والباطل على الفصل والقطع.

قوله رضى الله تعالى عنه: سنة الاولى‌

على اسم الاشارة، واصابة الشي‌ء ادراكه ونيله، والخطأ العدول عن الجهة، وكل من عدل عن سمت شي‌ء ولم يصبه فقد أخطأه، قالوا: وجملة الامر أن من أراد شيئا واتفق منه غيره يقال: أخطأ، وان وقع منه كما أراده يقال أصاب، ويقال لمن فعل فعلا لا يحسن أو أراد ارادة لا تجمل يقال: أخطأ، ولهذا يقال: أصاب الخطأ وأخطأ الصواب وأصاب الصواب وأخطأ الخطاء.

و « أصبتم سنة الاولى » أي أصبتم طريقة أولئك الاقوام من بني اسرائيل الذين ارتدوا عن السبيل من بعد موسىعليه‌السلام ، وأخطأتم سبيلكم ورجعتم في دينكم القهقرى كما أنهم رجعوا.

وقد أنبأ عن ذلك التنزيل الكريم بقوله سبحانه( أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ ) (١) والسنة المتواترة الصحيحة الثابتة عند العامة والخاصة من طرق متشعبة على متون متلونة.

من ذلك في صحيحي البخاري ومسلم وصحيحي النسائي والترمذي وفي‌

__________________

(١) آل عمران: ١٤٤‌

٧٨

والذي نفس سلمان بيده لتركبنّ طبقا عن طبق سنة بني اسرائيل القذة بالقذة.

___________________________________________________________

سائر أصولهم وصحاحهم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : انما الناس كالإبل الماية لا تكاد تجد فيها راحلة، وانكم لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم قالوا: يا رسول الله اليهود والنصارى قال: فمن(١) .

وفي رواية تكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان انس قال حذيفة: كيف أصنع يا رسول الله ان أدركت ذلك؟ قال: تسمع وتطيع الامير وان ضرب ظهرك وأخذ مالك(٢) .

قوله رضى الله تعالى عنه: لتركبن طبقا عن طبق سنة بنى اسرائيل‌

اقتباس من التنزيل الكريم(٣) ( لَتَرْكَبُنَّ ) هنا بضم الموحدة لا غير على خطاب القوم.

فاما بالتنزيل فقد قرأ بالضم على خطاب الجنس، وبالفتح على خطاب الانسان في يا أيها الانسان، وبالكسر على خطاب النفس، وقرأ بالياء للغيبة مكان تاء الخطاب على فتح الباء على لا يركبن الانسان.

و( طَبَقاً ) في التنزيل متعين النصب على المفعول، فاما هنا فيحتمل أن يكون منصوبا على المفعولية فيكون نصب سنة بني اسرائيل على البدل عنه، أو على نزع الخافض.

أي على سنة بني اسرائيل وحذو طريقتهم، ويحتمل الحال من ضمير خطاب الجمع فتنصب سنة بني اسرائيل على المفعول، أي لتركبنها طبقا عن طبق.

و « الطبق » ما طابق غيره يقال: ما هذا بطبق لذا أي ليس يطابقه، ومنه قيل للغطاء: الطبق، واطباق الثرى ما تطابق منه، ثم قيل للحال المطابقة لحال أخرى في الشدة‌

__________________

(١) صحيح مسلم: ٤ / ٢٠٥٤ وكتاب الطرائف: ٣٨٠‌

(٢) رواه مسلم في صحيحه: ٣ / ١٤٧٦ كتاب الامارة ح ٥٢‌

(٣) سورة الانشقاق: ١٩‌

٧٩

أما والله لو وليتموها عليّا لا كلتم من فوقكم ومن تحت أرجلكم، فابشروا‌

___________________________________________________________

والصعوبة، أو في الكيفية والصفة، أو في المنزلة والمرتبة طبق، أو هو جمع طبقة وهي المرتبة من مراتب الشي‌ء، يقال: الناس على طبقات أي على منازل ودرجات بعضها أرفع من بعض.

ومحل « عن طبق » النصب على أنه صفة لطبقا أي طبقا مجاوز الطبق، أو حال من ضمير الجمع في لتركبن طبقا. أي مجاوزين لطبق.

فالمعنى: لتركبن طبقا عن طبق أي منزلة بعد منزلة، أو حالا بعد حال في الحيص والحيود عن سواء السبيل، أو أحوالا مختلفة هي طبقات ومراتب في الزيغ والعدول عن سبيل الحق، وأن ذلك الا سنة بني اسرائيل من قبل، أو لتركبن سنة بني اسرائيل في الزيغ والحيود طبقا عن طبق أي منزلة بعد منزلة ومرتبة بعد مرتبة، أو طرقا متباينة وطبقات شتى هي مراتب مترتبة وأحوال مختلفة تحذونها حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة.

وقد استفاضت رواية الحديث على هذا الطريق في أصول العامة والخاصة(١) .

و « القذة » بضم القاف واعجام الذال المشددة احدى رياش السهم والجمع قذذ

قال في الاساس: قذ الريش بالمقذ حذف أطرافه، ومنه القذة الريشة المقذوذة يقال: حذو القذة بالقذة، وألزق القذذ بالسهم ورجل مقذوذ الشعر مقصص حوالي قصاصه كله(٢) .

قوله رضى الله تعالى عنه: اما والله لو وليتموها عليا لا كلتم من فوقكم ومن تحت أرجلكم‌

أما بالفتح والتخفيف كلمة تنبيه وتحقيق وتأكيد وتسجيل، ولو ولّيتموها أي‌

__________________

(١) رواه في الكشاف: ١ / ٦١٦، ورواه أيضا العلامة المجلسى في البحار عن صحيح الترمذى: ٢٨ / ٣٠ وأيضا السيد ابن طاوس في الطرائف، ٣٨٠‌

(٢) أساس البلاغة: ٤٩٧‌

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

ب :( وَلا تَنْقُضُوا الإيْمان بَعْد تَوكيدها ) فالأيمان جمع يمين.

فيقع الكلام في الفرق بين الجملتين ، والظاهر اختصاص الأولى بالعهود التي يبرمها مع الله تعالى ، كما إذا قال : عاهدت الله لأفعلنّه ، أو عاهدت الله أن لا أفعله.

وأمّا الثانية فالظاهر انّ المراد هو ما يستعمله الإنسان من يمين عند تعامله مع عباد الله.

وبملاحظة الجملتين يعلم أنّه سبحانه يؤكد على العمل بكلّ عهد يبرم تحت اسم الله ، سواء أكان لله سبحانه أو لخلقه.

ثمّ إنّه قيّد الأيمان بقوله : بعد توكيدها ، وذلك لأنّ الأيمان على قسمين : قسم يطلق عليه لقب اليمين ، بلا عزم في القلب وتأكيد له ، كقول الإنسان حسب العادة والله وبالله.

والقسم الآخر هو اليمين المؤكد ، وهو عبارة عن تغليظه بالعزم والعقد على اليمين ، يقول سبحانه :( لاَ يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الإيْمان ) .(١)

ثمّ إنّه سبحانه يعلّل تحريم نقض العهد ، بقوله :( وَقَد جَعَلتم الله علَيكم كفيلاً انّ الله يعلم ما تَفْعلون ) أي جعلتم الله كفيلاً بالوفاء فمن حلف بالله فكأنّه أكفل الله بالوفاء.

فالحالف إذا قال : والله لأفعلنّ كذا ، أو لأتركنّ كذا ، فقد علّق ما حلف عليه نوعاً من التعليق على الله سبحانه ، وجعله كفيلاً عنه في الوفاء لما عقد عليه

__________________

١ ـ المائدة : ٨٩.

١٨١

اليمين ، فإن نكث ولم يفِ كان لكفيله أن يؤدبه ، ففي نكث اليمين ، إهانة وإزراء بساحة العزة.

ثمّ إنّه سبحانه يرسم عمل ناقض العهد بامرأة تنقض غزلها من بعد قوة أنكاثاً ، قال :( وَلاتَكُونُوا كَالّتى نَقَضَت غزلها مِنْ بعْدل قُوّة أنكاثاً ) مشيراً إلى المرأة التي مضى ذكرها وبيان عملها حيث كانت تغزل ما عندها من الصوف والشعر ، ثمّ تنقض ما غزلته ، وقد عرفت في قوله ب‍ « الحمقاء » فكذلك حال من أبرم عهداً مع الله وباسمه ثمّ يقدم على نقضه ، فعمله هذا كعملها بل أسوأ منها حيث يدل على سقوط شخصيته وانحطاط منزلته.

ثمّ إنّه سبحانه يبين ما هو الحافز لنقض اليمين ، ويقول إنّ الناقض يتخذ اليمين واجهة لدخله وحيلته أوّلاً ، ويبغي من وراء نقض عهده ويمينه أن يكون أكثر نفعاً ممّا عهد له ولصالحه ثانياً ، يقول سبحانه :( تَتَّخذون أيمانكم دخلاً بينكم أن تكون أمّة هي أربى من أمّة ) فقوله « أربى » من الربا بمعنى الزيادة ، فالناقض يتخذ أيمانه للدخل والغش ، ينتفع عن طريق نقض العهد وعدم العمل بما تعهد ، ولكن الناقض غافل عن ابتلائه سبحانه ، كما يقول سبحانه :( إنّما يبلوكم الله به وليبيّننَّ لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون ) .

أي انّ ذلك امتحان إلهي يمتحنكم به ، وأقسم ليبيّنن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون فتعلمون عند ذلك حقيقة ما أنتم عليه اليوم من التكالب على الدنيا وسلوك سبيل الباطل لإماطة الحق ، ودحضه ويتبين لكم يومئذ من هو الضال ومن هوا لمهتدي.(١)

__________________

١ ـ الميزان : ١٢ / ٣٣٦.

١٨٢

النحل

٣٠

التمثيل الثلاثون

( وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأنْعُمِ اللهِ فأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الجُوعِ والْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُون * وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظالِمُون ) .(١)

تفسير الآيات

« رغد » عيش رغد ورغيد : طيّب واسع ، قال تعالى :( وكلا منها رغداً ) .

يصف سبحانه قرية عامرة بصفات ثلاث :

أ : آمنة : أي ذات أمن يأمن فيها أهلها لا يغار عليهم ، ولا يُشنُّ عليهم بقتل النفوس وسبي الذراري ونهب الأموال ، وكانت آمنة من الحوادث الطبيعية كالزلازل والسيول.

ب : مطمئنة : أي قارّة ساكنة بأهلها لا يحتاجون إلى الانتقال عنها بخوف أو ضيق ، فانّ ظاهرة الاغتراب إنّما هي نتيجة عدم الاستقرار ، فترك الأوطان وقطع الفيافي وركوب البحار وتحمّل المشاق رهن عدم الثقة بالعيش الرغيد فيه ، فالاطمئنان رهن الأمن.

____________

١ ـ النحل : ١١٢ ـ ١١٣.

١٨٣

ج :( يأتيها رزقها رغداً من كلّ مكان ) ، الضمير في يأتيها يرجع إلى القرية ، والمراد منها حاضرة ما حولها من القرى ، والدليل على ذلك ، قوله سبحانه حاكياً عن ولد يعقوب :( وَاسئلِ القَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ التِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنّا لَصادِقُون ) .(١) والمراد من القرية هي مصر الحاضرة الكبيرة يومذاك.

وعلى ذلك فتلك القرية الواردة في الآية بما انّها كانت حاضرة لما حولها من الاَصقاع فينقل ما يزرع ويحصد إليها بغية بيعه أو تصديره.

هذه الصفات الثلاث تعكس النعم المادية الوافرة التي حظيت بها تلك القرية.

ثمّ إنّه سبحانه يشير إلى نعمة أخرى حظيت بها وهي نعمة معنوية ، أعنيبعث الرسول إليها ، كما أشار إليه في الآية الثانية ، بقوله :( وَلَقد جاءهُمْ رسول منهم ) .

وهوَلاء أمام هذه النعم الظاهرة والباطنة بدل أن يشكروا الله عليها كفروا بها.

أمّا النعمة المعنوية ، أعني : الرسول فكذّبوه ـ كما هو صريح الآية الثانية ـ وأمّا النعمة المادية فالآية ساكتة عنها غير انّ الروايات تكشف لنا كيفية كفران تلك النعم.

روى العياشي ، عن حفص بن سالم ، عن الإمام الصادقعليه‌السلام ، أنّه قال : « إنّ قوماً في بني إسرائيل تؤتى لهم من طعامهم حتى جعلوا منه تماثيل بمدن كانت في بلادهم يستنجون بها ، فلم يزل الله بهم حتى اضطروا إلى التماثيل يبيعونها

__________________

١ ـ يوسف : ٨٢.

١٨٤

ويأكلونها ، وهو قول الله :( ضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ) ».(١)

وفي رواية أخرى عن زيد الشحّام ، عن الصادقعليه‌السلام قال : كان أبي يكره أن يمسح يده في المنديل وفيه شيء من الطعام تعظيماً له إلاّ أن يمصّها ، أو يكون إلى جانبه صبيّ فيمصّها ، قال : فانّي أجد اليسير يقع من الخوان فأتفقده فيضحك الخادم ، ثم قال : إنّ أهل قرية ممّن كان قبلكم كان الله قد وسع عليهم حتى طغوا ، فقال بعضهم لبعض : لو عمدنا إلى شيء من هذا النقي فجعلناه نستنجي به كان ألين علينا من الحجارة.

قالعليه‌السلام : فلمّا فعلوا ذلك بعث الله على أرضهم دواباً أصغر من الجراد ، فلم تدع لهم شيئاً خلقه الله إلاّ أكلته من شجر أو غيره ، فبلغ بهم الجهد إلى أن أقبلوا على الذي كانوا يستنجون به ، فأكلوه وهي القرية التي قال الله تعالى :( ضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ) .(٢)

وبذلك يعلم أنّ ما يقوم به الجيل الحاضر من رمي كثير من فتات الطعام في سلة المهملات أمر محظور وكفران بنعمة الله. حتى أنّ كثيراً من الدول وصلت بها حالة البطر بمكان انّها ترمي ما زاد من محاصيلها الزراعية في البحار حفظاً لقيمتها السوقية ، فكلّ ذلك كفران لنعم الله.

ثمّ إنّه سبحانه جزاهم في مقابل كفرهم بالنعم المادية والروحية ، وأشار إليها

__________________

١ ـ تفسير نور الثقلين : ٣ / ٩١ ، حديث ٢٤٧.

٢ ـ تفسير نور الثقلين : ٣ / ٩٢ ، حديث ٢٤٨.

١٨٥

بآيتين :

الاَُولى :( فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ) .

الثانية :( فَأخذهم العذاب وهم ظالمون ) .

فلنرجع إلى الآية الأولى ، فقد جزاهم بالجوع والخوف نتيجة بطرهم.

وهناك سؤال مطروح منذ القدم وهو أنّه سبحانه جمع في الآية الأولى بين الذوق واللباس ، فقال :( فَأَذاقَهَا الله لِباسَ الجُوعِ ) مع أنّ مقتضى استعمال الذوق هو لفظ طعم ، بأن يقول : « فأذاقها الله طعم الجوع ».

ومقتضى اللفظ الثاني أعني : اللباس ، أن يقول : « فكساهم الله لباس الجوع » فلماذا عدل عـن تلك الجملتين إلى جملة ثالثــة لا صلـة لها ـ حسب الظاهر ـ بين اللفظين ؟

والجواب : انّ للإتيان بكلّ من اللفظين وجهاً واضحاً.

أمّا استخدام اللباس فلبيان شمول الجوع والخوف لكافة جوانب حياتهم ، فكأنّ الجوع والخوف أحاط بهم من كلّ الأطراف كإحاطة اللباس بالملبوس ، ولذلك قال :( لباس الجوع والخوف ) ولم يقل « الجوع والخوف » لفوت ذلك المعنى عند التجريد عن لفظ اللباس.

وأمّا استخدام الذوق فلبيان شدة الجوع ، لأنّ الإنسان يذوق الطعام ، وأمّا ذوق الجوع فانّما يطلق إذا بلغ به الجوع والعطش والخوف مبلغاً يشعر به من صميم ذاته ، فقال :( فَأَذاقَهُمُ الله لِباس الجوع والخَوف ) .

هذا ما يرجع إلى تفسير الآية ، وأمّا ما هو المرادمن تلك القرية بأوصافها الثلاثة ، فقد عرفت من الروايات خصوصياتها.

١٨٦

نعم ربما يقال بأنّ المراد أهل مكة ، لأنّهم كانوا في أمن وطمأنينة ورفاه ، ثمّ أنعم الله عليهم بنعمة عظيمة وهي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله فكفروا به وبالغوا في إيذائه ، فلا جرم أن سلط عليهم البلاء.

قال المفسرون : عذّبهم الله بالجوع سبع سنين حتى أكلوا الجيف والعظام.

وأمّا الخوف ، فهو انّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يبعث إليهم السرايا فيغيرون عليهم.

ويؤيد ذلك الاحتمال ما جاء من وصف أرض مكة في قوله :( أَوَ لَمْ نُمَكّن لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلّ شَيْءٍ ) .(١)

ومع ذلك كلّه فتطبيق الآية على أهل مكة لا يخلو من بُعد.

أمّا أوّلاً : فلأنَّ الآية استخدمت الأفعال الماضية مما يشير إلى وقوعها في الأزمنة الغابرة.

وثانياً : لم يثبت ابتلاء أهل مكة بالقحط والجوع على النحو الوارد في الآية الكريمة ، وان كان يذكره بعض المفسرين.

وثالثاً : انّ الآية بصدد تحذير المشركين من أهل مكة من مغبّة تماديهم في كفرهم ، والسورة مكية إلاّ آيات قليلة ، ونزولها فيها يقتضي أن يكون للمثل واقعية خارجية وراء تلك الظروف ، لتكون أحوال تلك الأمم عبرة للمشركين من أهل مكة وما والاها.

__________________

١ ـ القصص : ٥٧.

١٨٧

الاِسراء

٣١

التمثيل الواحد والثلاثون

( وَلا تَجْعَل يَدَكَ مَغْلُولَة إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْط فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً * إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً ) .(١)

تفسير الآيات « الغلُّ » : ما يقيَّد به ، فيجعل الأعضاء وسطه ، وجمعه أغلال ، ومعنى قوله :( مغلولة إلى عنقك ) أي مقيَّدة به.

« الحسرة » : الغم على ما فاته والندم عليه ، وعلى ذلك يكون محسوراً ، عطف تفسير لقوله « ملوماً » ، ولكن الحسرة في اللغة كشف الملبس عما عليه ، وعلى هذا يكون بمعنى العريان.

أمّا الآية فهي تتضمن تمثيلاً لمنع الشحيح وإعطاء المسرف ، والأمر بالاقتصاد الذي هو بين الإسراف والتقتير ، فشبّه منع الشحيح بمن تكون يده مغلولة إلى عنقه لا يقدر على الاِعطاء والبذل ، فيكون تشبيه لغاية المبالغة في النهي عن الشح والإمساك ، كما شبّه إعطاء المسرف بجميع ما عنده بمن بسط يده حتى لا يستقر فيها شيء ، وهذا كناية عن الإسراف ، فيبقى الثالث وهو المفهوم من الآية

__________________

١ ـ الإسراء : ٢٩ ـ ٣٠.

١٨٨

وإن لم يكن منطوقاً ، وهو الاقتصاد في البذل والعطاء ، فقد تضمّنته آية أخرى في سورة الفرقان ، وهي :( وَالّذينَ إذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا ولَمْ يَقْتُروا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً ) .(١)

وقد ورد في سبب نزول الآية ما يوضح مفادها.

روى الطبري أنّ امرأة بعثت ابنها إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقالت : قل له : إنّ أمّي تستكسيك درعاً ، فإن قال : حتى يأتينا شيء. ، فقل له : انّها تستكسيك قميصك.

فأتاه ، فقال ما قالت له ، فنزع قميصه فدفعه إليه ، فنزلت الآية.

ويقال انّهعليه‌السلام بقي في البيت إذ لم يجد شيئاً يلبسه ولم يمكنه الخروج إلى الصلاة فلامه الكفّار ، وقالوا : إنّ محمداً اشتغل بالنوم واللهو عن الصلاة( إِنَّ ربّك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ) أي يوسع مرة ويضيق مرة ، بحسب المصلحة مع سعة خزائنه.(٢)

روى الكليني عن عبدالملك بن عمرو الأحول ، قال : تلا أبو عبد الله هذه الآية :( وَالّذينَ إذا أَنْفَقُوا لَم يسرفُوا وَلم يقتروا وَكان بين ذلكَ قواماً ) .

قال : فأخذ قبضة من حصى وقبضها بيده ، فقال : هذا الإقتار الذي ذكره الله في كتابه ، ثمّ قبض قبضة أخرى ، فأرخى كفه كلها ، ثمّ قال : هذا الإسراف ، ثمّ قبض قبضة أخرى فأرخى بعضها ، وقال : هذا القوام.(٣)

__________________

١ ـ الفرقان : ٦٧.

٢ ـ مجمع البيان : ٣ / ٤١٢.

٣ ـ البرهان في تفسير القرآن : ٣ / ١٧٣.

١٨٩

هذا ما يرجع إلى تفسير الآية ، وهذا الدستور الإلهي تمخض عن سنّة إلهية في عالم الكون ، فقد جرت سنته سبحانه على وجود التقارن بين أجزاء العالم وانّ كلّ شيء يبذل ما يزيد على حاجته إلى من ينتفع به ، فالشمس ترسل ٤٥٠ ألف مليون طن من جرمها بصورة أشعة حرارية إلى أطراف المنظومة الشمسية وتنال الأرض منها سهماً محدوداً فتتبدل حرارة تلك الأشعة إلى مواد غذائية كامنة في النبات والحيوان وغيرهما ، حتى أنّ الأشجار والأزهار ما كان لها أن تظهر إلى الوجود لولا تلك الأشعة.

إنّ النحل يمتصّ رحيق الاَزهار فيستفيد منه بقدر حاجته ويبدل الباقي عسلاً ، كل ذلك يدل على أنّ التعاون بل بذل ما زاد عن الحاجة ، سنة إلهية وعليها قامت الحياة الإنسانية.

ولكن الإسلام حدّد الإنفاق ونبذ الاِفراط والتفريط ، فمنع عن الشح ، كما منع عن الإسراف في البذل.

وكأنّ هذه السنّة تجلت في غير واحد من شؤون حياة الإنسان ، ينقل سبحانه عن لقمان الحكيم انّه نصح ابنه بقوله :( وَ اقْصُدْ فِي مَشْيِكَ وَ اغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الأصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِير ) .(١)

بل يتجلّى الاقتصاد في مجال العاطفة الإنسانية ، فمن جانب يصرح النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّ عنوان صحيفة المؤمن حبّ علي بن أبي طالبعليه‌السلام .(٢)

ومن جانب آخر يقول الإمام عليعليه‌السلام : « هلك فيّ اثنان : محب غال ، ومبغض قال ».(٣)

__________________

١ ـ لقمان : ١٩.

٢ ـ حلية الأولياء : ١ / ٨٦.

٣ ـ بحار الأنوار : ٣٤ / ٣٠٧.

١٩٠

فالاِمعان في مجموع ما ورد في الآيات والروايات يدل بوضوح على أنّ الاقتصاد في الحياة هو الأصل الأساس في الإسلام ، ولعله بذلك سميت الأمة الإسلامية بالاَُمة الوسط ، قال سبحانه :( وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أمّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلى النّاسِ ) .(١)

وهناك كلمة قيمة للاِمام أمير المؤمنينعليه‌السلام حول الاعتدال نأتي بنصها :

دخل الإمام علي العلاء بن زياد الحارثى وهو من أصحابه يعوده ، فلمّا رأي سعة داره ، قال :

« ما كنت تصنع بسعة هذه الدار في الدنيا ، وأنت إليها في الآخرة كنت أحوج ؟

بلى إن شئت بلغت بها الآخرة ، تقري فيها الضيف ، وتصل فيها الرَّحم ، وتطلع منها الحقوق مطالعها ، فإذا أنت قد بلغت بها الآخرة ».

فقال له العلاء : يا أمير المؤمنين ، أشكو إليك أخي عاصم بن زياد. قال : « وماله؟ » قال : لبس العباءة وتخلّى عن الدنيا. قال : « عليّ به ». فلمّا جاء قال :

« يا عديّ نفسك : لقد استهام بك الخبيث! أما رحمت أهلك وولدك ! أترى الله أحلّ لك الطيبات ، وهو يكره أن تأخذها ؟! أنت أهون على الله من ذلك ».

قال : يا أمير المؤمنين ، هذا أنت في خشونة ملبسك وجشوبة مأكلك !

قال : « ويحك ، إنّي لست كأنت ، إنّ الله تعالى فرض على أئمّة العدل ( الحق ) أن يقدّروا أنفسهم بضعفة الناس ، كيلا يتبيّغ بالفقير فقره ! »(٢)

__________________

١ ـ البقرة : ١٤٣.

٢ ـ نهج البلاغة ، الخطبة ٢٠٩.

١٩١

الكهف

٣٢

التمثيل الثاني والثلاثون

( وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لأحَدِهِما جَنَّتين مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً * كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً * وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً * وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبيدَ هذِهِ أَبَداً * وَما أَظُنُّ السّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبّي لاََجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً * قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوّاكَ رَجُلاً * لكِنّا هُوَ اللهُ رَبّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبّي أَحَداً * وَلَوْلا إذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللهُ لا قُوَّةَ إلاّ بِاللهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالاً وَوَلداً * فَعَسى رَبّي أَنْ يُوَْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ فَتُصْبِحَ صَعيداً زَلَقاً * أَوْ يُصْبِحَ ماوَُها غَوْراً فَلَنْ تَسْتَطيعَ لَهُ طَلَباً * وَأُحيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَيَقُولُ يا لَيْتَني لَمْ أُشْرِكْ بِرَبّي أَحَداً * وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَ ما كانَ مُنْتَصِراً ) .(١)

تفسير الآيات

« الحفّ » من حفَّ القوم بالشيء إذا أطافوا به ، وحفاف الشيء جانباه كأنّهما

__________________

١ ـ الكهف : ٣٢ ـ ٤٣.

١٩٢

أطافا به ، فقوله في الآية( فَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ ) أي جعلنا النخل مطيفاً بهما ، وقوله :( ما أظن أن تبيد ) فهو من باد الشيء ، يبيد بياداً إذا تفرق وتوزع في البيداء أي المفازة.

« حسباناً » : أصل الحسبان السهام التي ترمى ، الحسبان ما يحاسب عليه ، فيجازى بحسبه فيكون النار والريح من مصاديقه ، وفي الحديث انّه قالصلى‌الله‌عليه‌وآله في الريح : « اللهم لا تجعلها عذاباً ولا حسباناً ».

« الصعيد » يقال لوجه الأرض « زلق » أي دحضاً لا نبات فيه ويرادفه الصلد ، كما في قوله سبحانه :( فتركه صلداً ) (١)

هذا ما يرجع إلى مفردات الآية.

وأمّا تفسيرها ، فهو تمثيل للمؤمن والكافر بالله والمنكر للحياة الأخروية ، فالأوّل منهما يعتمد على رحمته الواسعة ، والثاني يركن إلى الدنيا ويطمئن بها ، ويتبين ذلك بالتمثيل التالي :

قد افتخر بعض الكافرين بأموالهم وأنصارهم على فقراء المسلمين ، فضرب الله سبحانه ذلك المثل يبين فيها بأنّه لا اعتبار بالغنى الموَقت وانّه سوف يذهب سدى ، أمّا الذي يجب المفاخرة به هو تسليم الإنسان لربه وإطاعته لمولاه.

وحقيقة ذلك التمثيل انّ رجلين أخوين مات أبوهما وترك مالاً وافراً فأخذ أحدهما حقه منه وهو المؤمن منهما فتقرب إلى الله بالإحسان والصدقة ، وأخذ الآخر حقه فتملك به ضياعاً بين الجنتين فافتخر الاَخ الغني على الفقير ، وقال :( أنا أكثر منك مالاً وأعزّ نفراً ) ، وما هذا إلاّ لأنّه كان يملك جنتين من أعناب ونخل مطيفاً

__________________

١ ـ البقرة : ٢٦٤.

١٩٣

بهما وبين الجنتين زرع وافر ، وقد تعلّقت مشيئته بأن تأتي الجنتان أكلها ولم تنقص شيئاً وقد تخللها نهر غزير الماء وراح صاحب الجنتين المثمرتين يفتخر على صاحبه بكثرة المال والخدمة.

وكان كلما يدخل جنته يقول : ما أظن أن تفنى هذه الجنة وهذه الثمار ـ أي تبقى أبداً ـ وأخذ يكذب بالساعة ، ويقول : ما أحسب القيامة آتية ، ولو افترض صحة ما يقوله الموحِّدون من وجود القيامة ، فلئن بعثت يومذاك ، لآتاني ربي خيراً من هذه الجنة ، بشهادة أعطائي الجنة في هذه الدنيا دونكم ، وهذا دليل على كرامتي عليه.

هذا ما كان يتفوّه به وهو يمشي في جنته مختالاً ، وعند ذاك يواجهه أخوه بالحكمة والموعظة الحسنة.

و يقول : كيف كفرت بالله سبحانه مع أنّك كنت تراباً فصرت نطفة ، ثمّ رجلاً سوياً ، فمن نقلك من حال إلى حال وجعلك سوياً معتدل الخلقة ؟

وبما انّه ليس في عبارته إنكار للصانع صراحة ، بل إنكار للمعاد ، فكأنّه يلازم إنكار الربّ.

فإن افتخرت أنت بالمال ، فأنا أفتخر بأنّي عبد من عباد الله لا أُشرك به أحداً.

ثمّ ذكّره بسوء العاقبة ، وانّك لماذا لم تقل حين دخولك البستان ما شاء الله ، فانّ الجنتين نعمة من نعم الله سبحانه ، فلو بذلت جهداً في عمارتها فإنّما هو بقدرة الله تبارك وتعالى.

ثمّ أشار إلى نفسه ، وقال : أنا وإن كنت أقل منك مالاً وولداً ، ولكن أرجو

١٩٤

أن يجزيني ربي في الآخرة خيراً من جنتك ، كما أترقب أن يرسل عذاباً من السماء على جنتك فتصبح أرضاً صلبة لا ينبت فيها شيء ، أو يجعل ماءها غائراً ذاهباً في باطن الأرض على وجه لا تستطيع أن تستحصله.

قالها أخوه وهو يندّد به ويحذّره من مغبّة تماديه في كفره وغيّه ويتكهن له بمستقبل مظلم.

فعندما جاء العذاب وأحاط بثمره ، ففي ذلك الوقت استيقظ الاَخ الكافر من رقدته ، فأخذ يقلّب كفّيه تأسّفاً وتحسّراً على ما أنفق من الأموال في عمارة جنتيه ، وأخذ يندم على شركه ، ويقول : يا ليتني لم أكن مشركاً بربي ، ولكن لم ينفعه ندمه ولم يكن هناك من يدفع عنه عذاب الله ولم يكن منتصراً من جانب ناصر.

هذه حصيلة التمثيل ، وقد بيّنه سبحانه على وجه الإيجاز ، بقوله :( المالُ والبنونَ زِينَةُ الحَياةِ الدُّنيا وَالباقيِاتُ الصّالِحاتُ خَيرٌ عِنْدَ رَبّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً ) .(١)

وقد روى المفسرون انّه سبحانه أشار إلى هذا التمثيل في سورة الصافات في آيات أخرى ، وقال :( قالَ قائلٌ مِنْهُمْ إِنّي كانَ لِي قَرينٌ * يَقول أءِنّكَ لَمِنَ المُصَدّقينَ * أإِذا مِتْنا وَكُنّا تُراباً وَعِظاماً أإنّا لَمَدِينُونَ * قالَ هَل أَنْتُمْ مُطَّلِعُون * فَاطَّلَعَ فرآهُ فِي سَواءِ الجَحِيم ) .(٢)

إلى هنا تبيّـن مفهوم المثل ، وأمّا تفسير مفردات الآية وجملها ، فالاِمعان فيما ذكرنا يغني الباحث عن تفسير الآية ثانياً ، ومع ذلك نفسرها على وجه الإيجاز.

__________________

١ ـ الكهف : ٤٦.

٢ ـ الصافات : ٥١ ـ ٥٥.

١٩٥

( واضرب لهم ) أي للكفار مع المؤمنين( مثلاً رجلين جعلنا لأحدهما ) أي للكافر( جنتين ) أي بستانين( من أعناب وحففناهما ) أحدقناهما بنخل( وجعلنا بينهما زرعاً ) يقتات به( كلتا الجنتين آتت أكلها ) ثمرها( لم تظلم ) تنقص( منه شيئاً وفجّرنا خلالهما نهراً ) يجري بينهما( وكان له ) مع الجنتين( ثمر فقال لصاحبه ) المؤمن( وهو يحاوره ) يفاخره( أنا أكثر منك مالاً وأعزّ نفراً ) عشيرة( ودخل جنته ) بصاحبه يطوف به فيها ويريه ثمارها.( وهو ظالم لنفسه ) بالكفر( قال ما أظن أن تبيد ) تنعدم( هذه أبداً وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربّي ) في الآخرة على زعمك( لاَجدنّ خيراً منها منقلباً ) مرجعاً( قال له صاحبه وهو يحاوره ) يجادله( أكفرت بالذى خلقك من تراب ) لأنّ آدم خلق منه( ثم من نطفة ثمّ سوّاك ) عدلك وصيّرك( رجلاً ) . أمّا أنا فأقول( لكنّا هو الله ربي ولا أُشرك بربي أحداً ولولا إذ دخلت جنتك قلت ) عند اعجابك بها( ما شاء الله لا قوة إلاّ بالله ) .( إن ترن أنا أقل منك مالاً وولداً فعسى ربي أن يؤتين خيراً من جنتك ويرسل عليها حسباناً ) وصواعق( من السماء فتصبح صعيداً زلقاً ) أي أرضا ً ملساء لا يثبت عليهاقدم( أو يصبح ماؤها غوراً ) بمعنى غائراً( فلن تستطيع له طلباً ) حيلة تدركه بها( وأحيط بثمره ) مع ما جنته بالهلاك فهلكت( فأصبح يقلب كفيه ) ندماً وتحسراً( على ما أنفق فيها ) في عمارة جنته( وهي خاوية ) ساقطة( على عروشها ) دعائمها للكرم بأن سقطت ثمّ سقط الكرم( ويقول يا ليتني ) كأنّه تذكّر موعظة أخيه( لم أُشرك بربي أحداً ولم تكن له فئة ) جماعة( ينصرونه من دون الله ) عند هلاكها و( ما كان منتصراً ) عند هلاكها بنفسه( هنالك ) أي يوم القيامة( الولاية ) الملك( لله الحقّ ) .(١)

__________________

١ ـ السيوطي : تفسير الجلالين : تفسير سورة الكهف.

١٩٦

الكهف

٣٣

التمثيل الثالث والثلاثون

( وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الحَياةِ الدُّنيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الأرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرّياحُ وَكانَ اللهُ عَلى كُلّ شَيءٍ مُقتدراً ) .(١)

تفسير الآيات

« الهشيم » : ما يكسر ويحطم في يبس النبات ، و « الذر » والتذرية : تطيير الريح الأشياء الخفيفة في كلّ جهة.

تحدّث التمثيل السابق عن عدم دوام نعم الدنيا التي ربما يعتمد عليها الكافر ، ولأجل التأكيد على تلك الغاية المنشودة أتى القرآن بتمثيل آخر يجسم فيها حال الحياة الدنيوية وعدم ثباتها بتمثيل رائع يتضمن نزول قطرات من السماء على الأراضي الخصبة المستعدة لنمو البذور الكامنة فيها ، فعندئذٍ تبتدئ الحركة فيها بشقها التراب وإنباتها وانتفاعها من الشمس إلى أن تعود البذور باقات من الاَزهار الرائعة ، فربما يتخيل الإنسان بقاءها ودوامها ، فإذا بالأعاصير والعواصف المدمِّرة تهب عليها فتصيرها أعشاباً يابسة ، وتبيدها عن بكرة أبيها وكأنّها لم تكن موجودة قط. فتنثر الرياح رمادها إلى الأطراف ، فهذا النوع من الحياة والموت يتكرر

__________________

١ ـ الكهف : ٤٥.

١٩٧

على طول السنة ويشاهده الإنسان باُمّ عينه ، دون أن يعتبر بها ، فهذا ما صيغ لأجله التمثيل.

يقول سبحانه :( وَاضربْ لَهُم مثل الحياة الدُّنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض ) على وجه يلتف بعضه ببعض ، يروق الإنسان منظره ، فلم يزل على تلك الحال إلى أن ينتقل إلى حالة لا نجد فيها غضاضة ، وهذا ما يعبر عنه القرآن ، بقوله :( فأصبح هشيماً ) أي كثيراً مفتتاً تذوره الرياح فتنقله من موضعه إلى موضع ، فانقلاب الدنيا كانقلاب هذا النبات( وكان الله على كلّ شيء مقتدراً ) .

ثمّ إنّه سبحانه يشبّه المال والبنين بالورود والأزهار التي تظهر على النباتات ووجه الشبه هو طروء الزوال بسرعة عليها ، فهكذا الأموال والبنون.

وإنّما هي زينة للحياة الدنيا ، فإذا كان الأصل مؤقتاً زائلاً ، فما ظنّك بزينته ، فلم يكتب الخلود لشيء مما يرجع إلى الدنيا ، فالاعتماد على الأمر الزائل ليس أمراً صحيحاً عقلائياً ، قال سبحانه :( المال وَالبَنُون زينَة الحَياة الدُّنيا ) .

نعم ، الخلود للأعمال الصالحة بمالها من نتائج باهرة في الحياة الأخروية ، قال سبحانه :( وَالباقياتُ الصّالِحاتُ خَيرٌ عِنْدَ رَبّك ثَواباً وخَيرٌ مَردّا ) .(١)

ثمّ إنّه سبحانه يؤكد على زوال الدنيا وعدم دوامها من خلال ضرب أمثلة ، فقد جاء روح هذا التمثيل في سورة يونس الماضية.(٢)

__________________

١ ـ مريم : ٧٦.

٢ ـ انظر التمثيل الرابع عشر وسورة يونس ٢٥ ، كما يأتي مضمونها عند ذكر التمثيل الوارد في سورة الحديد ، الآية ٢٠.

١٩٨

ايقاظ

ثمّ إنّه ربما يُعدُّ من أمثال القرآن قوله :( وَلَقَد صرفنا في هذا القرآن للناسِ من كلّ مثل وكانَ الإنسان أكثر شيء جدلاً ) .(١)

والحق انّه ليس تمثيلاً مستقلاً وإنّما يؤكد على ذكر نماذج من الأمثال خصوصاً فيما يرجع إلى حياة الماضين التي فيها العبر.

ومعنى قوله :( ولقد صرّفنا ) أي بيّنا في هذا القرآن للناس من كلّ مثل وإنّما عبر عن التبيين بالتصريف لأجل الإشارة إلى تنوّعها ليتفكر فيها الإنسان من جهات مختلفة ومع ذلك( وَكانَ الإنسانُ أكثرَ شىءٍ جَدلاً ) أي أكثر شيء منازعة ومشاجرة من دون أن تكون الغاية الاهتداء إلى الحقيقة.

__________________

١ ـ الكهف : ٥٤.

١٩٩

الحج

٣٤

التمثيل الرابع والثلاثون

( يا أَيُّهَا النّاسُ ضُرِبَ مَثلٌ فَاستَمِعُوا لَهُ إِنَّ الّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلوِ اجْتَمعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيئاً لا يَسْتَنْقِذُوه مِنْهُ ضَعُفَ الطّالِبُ وَالمَطْلُوبُ * ما قَدَرُوا اللهَ حقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللهَ لَقَوِيّ عَزِيز ) .(١)

تفسير الآيات

كان العرب في العصر الجاهلي موحدين في الخالقية ، ويعربون عن عقيدتهم ، بأنّه لا خالق في الكون سوى الله سبحانه ، وقد حكاه سبحانه عنهم في غير واحد من الآيات ، قال سبحانه :( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمواتِ وَالأرضَ لَيقُولُنَّ خَلقهُنَّ العَزِيزُ العَلِيم ) .(٢)

ولكنّهم كانوا مشركين في التوحيد في الربوبية ، وكأنّه سبحانه ـ بزعمهم ـ خلق السماوات والأرض وفوّض تدبيرهما إلى الآلهة المزعومة ، ويكشف عن ذلك إطلاق المشركين لفظ الاَرباب في جميع العهود على آلهتهم المزعومة ، يقول سبحانه :( أَأَرْبابٌ مُتَفَرّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الواحِدُ القَهّار ) (٣) والآية وإن كانت تفصح عن

____________

١ ـ الحج : ٧٣ ـ ٧٤.

٢ ـ الزخرف : ٩.

٣ ـ يوسف : ٣٩.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793

794

795

796

797

798

799

800

801

802

803

804

805

806

807

808

809

810

811

812

813

814

815

816

817

818

819

820

821

822

823

824

825

826

827

828

829

830

831

832

833

834

835

836

837

838

839

840

841

842

843

844

845

846

847

848

849

850

851

852

853

854

855

856

857

858

859

860

861

862

863

864

865

866

867

868

869

870

871

872

873

874

875

876

877

878

879

880

881

882

883

884

885

886

887

888

889

890

891

892

893

894

895

896

897

898

899

900

901

902

903

904