اختيار معرفة الرجال

اختيار معرفة الرجال6%

اختيار معرفة الرجال مؤلف:
تصنيف: علم الرجال والطبقات
الصفحات: 904

اختيار معرفة الرجال المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 904 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 70847 / تحميل: 12301
الحجم الحجم الحجم
اختيار معرفة الرجال

اختيار معرفة الرجال

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

قال حدثني علي بن محمد بن شجاع عن أبي العباس أحمد بن حماد المروزي عن الصادقعليه‌السلام انه قال في الحديث الذي روى فيه « ان سلمان كان محدثا » قال: انه‌

___________________________________________________________

عنه محمد بن مسعود العياشي، ذكر أحمد بن الحسينرحمه‌الله أن له كتاب الرد على من زعم أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان على دين قومه قبل النبوة، طريقنا اليه شيخنا أبو عبد الله محمد بن محمد عن جعفر بن محمد بن قولويه عن محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي عنه(١) .

والذي رأيناه في كتاب الكشي، وفي كتاب الاختيار منه للشيخ على اتفاق النسخ، وفي الاختيار منه للسيد بن طاوس « التاجر » مكان « العاجز » بالتاء المثناة من فوق قبل الالف والراء بعد الجيم.

وكذلك قال الحسن بن داود: جعفر بن أحمد بن أيوب السمرقندي يقال له: ابن التاجر كذا رأيته بخط الشيخ (ره)(٢) .

وهو مطابق لما رأيناه مذ اشتغلنا بهذه العلوم الى الان في نسخ كتاب الرجال للشيخ، لكن الموجود فيها بأسرها جعفر بن محمد بن أيوب يعرف بـ « ابن التاجر » أو « المتاجر » من أهل سمرقند متكلم له كتب(٣) ، لا جعفر بن أحمد كما في كتاب الكشي والنجاشي.

قولهرحمه‌الله : على بن محمد بن شجاع‌

وهو الذي يقال له علي بن شجاع النيسابوري، ذكره الشيخ في أصحاب أبي محمد العسكريعليه‌السلام قال: علي بن شجاع نيسابوري(٤)

__________________

(١) رجال النجاشى: ٩٣ - ٩٤ ط طهران.

(٢) رجال ابن داود: ٨٢‌

(٣) رجال الشيخ: ٤٥٨‌

(٤) رجال الشيخ: ٤٣٣‌

٦١

كان محدثا عن امامه لا يجوز به لأنه لا يحدث عن الله عز وجل الا الحجة.

٣٥ - طاهر بن عيسى قال: حدثني أبو سعيد قال: حدثني الشجاعي عن يعقوب ابن يزيد عن ابن أبي عمير عن خزيمة بن ربيعة يرفعه قال: خطب سلمان الى عمر فرده، ثم ندم فعاد اليه فقال: انما أردت أن اعلم ذهبت حمية الجاهلية عن قلبك أم هي كما هي.

٣٦ - حمدويه بن نصير قال: حدثنا محمد بن عيسى العبيدي عن يونس بن‌

___________________________________________________________

قولهعليه‌السلام : لا يجوز به‌

الباء للتعدية والعائد لكونه محدثا، أي لا يتعدى بكونه محدثا ولا يعد به عن امامه الى ملك يحدثه عن الله عز وجل، فان المحدثية على هذا السبيل لا تكون الا للحجة وغير الحجة انما محدثيته بتوسط النبي، والحجة لا عن الله بواسطة الملك لا غير.

وفي بعض النسخ « لا عن ربه » وهو تصحيف لا يجوز به.

قوله رحمه الله تعالى: قال: حدثنى الشجاعى‌

الذي استبان لنا أن الشجاعي المتكرر وروده في الاسانيد اسمه الحسن بن طيب يروي عنه العاصمي ذكر أبو العباس النجاشي ذلك في كتابه، واستفدناه منه قال: الحسن بن طيب بن حمزة الشجاعي غير خاص في أصحابنا رووا عنه له كتاب ذوات الاجنحة، ثم أسند طريقه اليه وقال: أخبرنا محمد بن محمد عن أبي الحسن ابن داود قال حدثنا الحسين بن علان قال حدثنا العاصمي عنه بهذا الكتاب(١) .

قولهعليه‌السلام : ثم ندم فعاد اليه‌

يعني ثم سلمان ندم عن خطبته الى عمر، فعاد الى عمر فقال له ذلك.

قوله رحمه الله تعالى: قال حدثنا محمد بن عيسى العبيدى‌

هذا هو الصحيح، وفي نسخ كثيرة « العنبري » مكان « العبيدي » وذلك من‌

__________________

(١) رجال النجاشى: ٣٦‌

٦٢

عبد الرحمن ومحمد بن سنان عن الحسين بن المختار عن أبي بصير عن أبي عبد الله‌

___________________________________________________________

تحريفات الناسخين وتصحيفاتهم، وان كان واردا في الانساب نسبة الى قرية باليمن، أو كناية عن خلوص النسب، وعنبري البلد مثل في الهداية، لان بني العنبر أهدى قوم قاله في القاموس(١) وغيره.

قوله رحمه الله تعالى: عن الحسين بن المختار‌

هو القلانسي الكوفي قال الشيخ في كتاب الرجال: واقفي له كتاب(٢) .

وقال النجاشي: أبو عبد الله كوفي مولى أحمس من بجيلة وأخوه الحسن يكنى أبا محمد ذكرا فيمن روى عن أبي عبد الله وأبي الحسنعليهما‌السلام ، له كتاب يرويه عنه حماد بن عيسى وغيره(٣) .

وقال ابن عقدة: عن علي بن الحسن أنه كوفي ثقة(٤) .

وفي ارشاد شيخنا المفيد في باب النص على الرضاعليه‌السلام : أنّه من خاصة الكاظم وثقاته وأهل الورع والعلم والفقه من شيعته(٥) .

وروى أبو جعفر الكليني رضوان الله تعالى عليه في جامعه الكافي أنه قال: الحسين بن المختار قال لي الصادقعليه‌السلام رحمك الله، وقد روى جماعة من الثقات عنه نصا على الرضاعليه‌السلام .

قلت: فذلك يدافع كونه واقفيا، ولذلك لم يحكم به النجاشي ولا نقله عن أحد على ما هو المعلوم من ديدن النجاشي، وبالجملة الرجل من أعيان الثقات وعيون الاثبات والله سبحانه أعلم.

__________________

(١) القاموس: ٢ / ٩٦‌

(٢) رجال الشيخ: ١٦٩ و ٣٤٦‌

(٣) رجال النجاشى: ٤٣‌

(٤) الخلاصة: ٢١٥‌

(٥) الارشاد: ٣٠٤ ط بيروت وفيه من خاصته الخ.

٦٣

عليه‌السلام قال: كان والله علي محدثا، وكان سلمان محدثا قلت: اشرح لي. قال: يبعث الله اليه ملكا ينقر في اذنه يقول كيت وكيت.

٣٧ - جبرئيل بن أحمد حدثني محمد بن عيسى عن حماد بن عيسى عن حريز عن الفضيل بن يسار عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: قال لي: تروي ما يروي الناس ان علياعليه‌السلام قال في سلمان « أدرك علم الاول وعلم الاخر »؟ قلت: نعم قال: فهل تدري ما عني؟ قلت: يعني علم بني اسرائيل وعلم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله . فقال: ليس هكذا يعني ولكن علم النبي وعلم علي وأمر النبي وأمر علي.

___________________________________________________________

قولهعليه‌السلام : قلت: اشرح لى قال: يبعث الله اليه ملكا‌

في الكافي رئيس المحدثين أبي جعفر الكليني رضي الله تعالى عنه في كتاب الحجة باب الفرق بين الرسول والنبي والمحدث(١) .

وهذا الباب من غامضات العلم وغوامض الحكمة، وقد شرحنا منهجه وأوضحنا سبيله في غير موضع واحد فنقول: قد استبان في علم ما فوق الطبيعة في باب الإيحاءات والنبوات وفي العلم الطبيعي في كتاب النفس، وحقق شريكنا السالف في الرئاسة في إلهيات الشفاء وطبيعياته، ونحن في قبسات الحق اليقين وفي سدرة المنتهى وفي الرواشح السماوية:

ان ذا القوة القدسية الصائر باستكمال نفسه المجردة في مرتبة العقل المستفاد عالما عقليا مطابقا لعوالم الوجود، قوته العقلية كبريت، وروح القدس الذي هو العقل الفعّال وواهب الصور باذن ربه نار، واذا صار من حزبه وانخرط في سلكه اشتعل ناره في كبريته دفعة وأحال نفسه الى جوهر ذاته.

فالنفس المجردة العاقلة بحسب كمال هذه القوّة شجرة يكاد زيتها يضي‌ء ولو لم تمسسه نار نور على نور، فمن كانت لشجرة نفسه القدسية ثلاث خاصيات بحسب استكمال قوى ثلاث كان نبيا، له ضروب النبوة الثلاثة من جهة كمال قوتيه‌

__________________

(١) أصول الكافى: ١ / ١٣٤‌

٦٤

___________________________________________________________

النظرية التي منها انبجاس مبادي الادراكات والعملية التي منها انبعاث مبادي التحريكات.

الاولى: ما بحسب كمال القوة العاقلة، وهي أن تكون علومه كلها بالحدس ونظريات العقلاء من المقتنصات الفكرية بالنسبة اليه جميعها حدسيات، والمعجزات العقلية كلها من هذا السبيل.

والثانية: ما بحسب كمال القوة المتخيلة وكمال القوة المشتركة المسماة عند الفلاسفة « بنطاسيا »، وهي أن يتيسر له الابصار والسماع في اليقظة، لا من سبيل الظاهر من ممر الجليدية وطريق الصماخ، بل من جنبته الباطن من سبيل الاتصال بعالم العقل والانخراط في سلك الصائرين الى اقليم نور الله سبحانه، لشدة صقالة مرائي(١) القوى الحسية واستحكام شبهها بألواح الاذهان النقية المجردة العقلية، ولا يتصحح ذلك للناقصين الا في النوم.

فبحسب كمال هذه القوة فتشبح وتتمثل الابصار النبي بالرؤية البصرية في اليقظة فيبصرهم، وينتظم ويتركب لسماعه بالقوة السمعية كلام الله تعالى على لسان الملك المتشبح له فيسمعه.

وهذا سبيل باب الوحي والايحاء وله من هذا السبيل المعجزات القولية والاخبار بالمغيبات والانذار بالعقوبات قبل وقوعها.

الثالثة: ما بحسب كمال قوة النفس في جوهر ذاتها باعتبار الفطرة الاولى الجبلية المفطورة على استعدادها الفطري وتأكد علاقة الارتباط بجناب الله، والتخلق بأخلاق الله في الفطرة الثانية المكسوبة في استعداداتها الكسبية، وهي أن تكون له ملكة ولوج في ملكوت السماء ومصير الى ذي الملك والملكوت بحسبها تطيعه‌

__________________

(١) المرائى جمع قلة للمراء وجمع الكثرة المرايا. قال في الصحاح: المراة بكسر الميم التى ينظر فيها وثلاث مراء والكثير مرايا « منه » ٦ / ٢٣٤٩‌

٦٥

٣٨ - علي بن محمد القتيبي قال: حدثني أبو محمد الفضل بن شاذان قال: حدثنا ابن أبي عمير عن عمر بن يزيد قال: قال سلمان: قال لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله اذا حضرك أو أخذك الموت حضر أقوام يجدون الريح ولا يأكلون الطعام، ثم أخرج صرة من مسك فقال: هيه أعطانيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: ثم بلها ونضحها حوله ثم‌

___________________________________________________________

هيولى عالم العناصر وتنقاد له صور الاسطقسات(١) .

ومن هذا السبيل له المعجزات الفعلية، فالمرتبة المستجمعة لهذه الخاصيات في درجة النبوة بضروبها الثلاثة.

ثم اذا اشتعلت القوة واستعلت النبوة واختص النبي بسنة قائمة بالقسط وشريعة ناسخة للشرائع ارتفع الى درجة الرسالة، فاذا قويت له هذه الشئون واستحكمت هذه الملكات واشتدت أشعة الاتصال بنور الأنوار واستكملت الخاصيات الثلاث واستتم نصاب استكمال ضروب الثلاث جدا استحق خاتمية الانبياء وسيدودة المرسلين، وصار بحيث لا تتصور في مراتب سلسلة العود مرتبة صعودية تتوسط بينه وبين جناب معاد الوجود ومنتهاه، كما لا تتصور في مراتب سلسلة البدو مرتبة هبوطية تتوسط بين جناب مبدء المبادي وغاية الغايات وبين مجعوله الاول.

واذا كان ذو القوة القدسية انما يتهيأ في الاتصال بعالم الملكوت للسماع من سبيل الباطن فقط من دون أن يبصر شبحا متمثلا ويعاين صورة متشبحة فهو المحدث بالفتح على صيغة المفعول، وهو الامام والحجة، وأما غيره فلا يكون محدثا على الحقيقة بل انما على سبيل التجوز والتوسع من باب المجاز فليعلم.

قولهرحمه‌الله : فقال: هيه اعطانيها رسول الله (ص)

هيه مبنية على الكسر وأصلها « ايه » قلبت همزتها هاء، ولقد تكررت في الحديث جدا على الاصل وعلى القلب، وهي كلمة الاستزادة اسما لفعل هو فعل الامر أي زدني من كذا، أو فعل آخر يدل على ابتغاء الزيادة وطلبها مثل ابتغى زيادة كذا وأريدها وأطلبها مثلا.

__________________

(١) في « س »: الاستقسات.

٦٦

___________________________________________________________

قال ابن الاثير في النهاية في حرف الهاء: في حديث أمية وأبي سفيان قال: يا صخر هيه فقلت: هيها، هيه بمعنى ايه فأبدل من الهمزة هاء، وايه اسم سمي به الفعل ومعناه الامر، تقول للرجل: ايه بغير تنوين اذا استزدته من الحديث المعهود بينكما، وان نونت استزدته من حديث غير معهود. لان التنوين للتنكير، فاذا سكته وكففته قلت: ايها بالنصب فالمعنى ان أمية قال له: زدني من حديثك، فقال أبو سفيان كف عن ذلك(١) .

وقال في باب الهمزة: فيه - أي الحديث - أنهعليه‌السلام أنشد شعر أمية بن أبي الصلت فقال عند كل بيت: ايه، هذه كلمة تراد بها الاستزادة وهي مبنية على الكسر فاذا وصلت نونت فقلت: ايه حدثنا، واذا قلت ايها بالنصب فانما تأمره بالسكوت وقد ترد المنصوبة بمعنى التصديق والرضا بالشي‌ء. ومنه حديث ابن الزبير لما قيل له يا بن ذات النطاقين فقال: ايها، أي صدقت ورضيت بذلك، ويروى ايه بالكسر أي زدني من هذه المنقبة(٢) .

وفي أساس البلاغة: ايه حديثا استزاده وايها لا تحدث كف(٣) .

والجوهري زاد على ذلك في الصحاح قال: ايه اسم سمي به الفعل تقول للرجل اذا استزدته من حديث أو عمل: ايه بكسر الهاء، قال ابن السكيت: فان وصلت نونت فقلت: ايه حدثنا، اذا قلت ايه يا رجل فانما تأمره بأن يزيدك من الحديث المعهود بينكما كأنك قلت هات الحديث، فان قلت ايه بالتنوين فانك قلت هات حديثا ما، لان التنوين تنكير، فاذا سكته وكففته قلت ايها عنا، واذا أردت التبعيد قلت، أيها بفتح الهمزة بمعنى هيهات(٤) .

__________________

(١) نهاية ابن الاثير: ٥ / ٢٩٠‌

(٢) نهاية ابن الاثير: ١ / ٨٧‌

(٣) أساس البلاغة: ٢٦ ط دار صادر.

(٤) الصحاح: ٦ / ٢٢٢٦‌

٦٧

قال لا مرته: قومي أجيفي الباب فقامت وأجافت الباب فرجعت وقد قبضرضي‌الله‌عنه .

حكي عن الفضل بن شاذان انه قال: ما نشأ في الإسلام رجل من كافة الناس كان أفقه من سلمان الفارسي.

٣٩ - أبو صالح خلف بن حماد الكشي قال: حدثني الحسن بن طلحة المروزي يرفعه عن حماد بن عيسى عن ابراهيم بن عمر اليماني عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: تزوج سلمان امرأة من كندة فدخل عليها فاذا لها خادمة وعلى بابها عباءة، فقال سلمان ان في بيتكم هذا لمريضا أو قد تحولت الكعبة فيه فقيل: المرأة أرادت أن تستر على نفسها فيه. قال: فما هذه الجارية؟ قالوا كان لها شي‌ء فأرادت أن تخدم. قال انّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: أيّما رجل كانت عنده جارية فلم يأتها أو لم يزوجها‌

___________________________________________________________

قولهرضي‌الله‌عنه : أجيفى الباب‌

من الاجافة قال في الصحاح: أجفت الباب أي رددته(١) .

وأصل الاجافة الايصال الى الجوف يقال: جافه الطعن والداء اذا وصل الى جوفه وأجافه الطاعن أوصله الى الجوف وطعنة جائفة.

قولهعليه‌السلام : فقال سلمان: ان في بيتكم هذا لمريضا أو قد تحولت الكعبة‌

أي في بيتكم مريض قد تخوفتم عليه فعطيتم على الباب بهذه العباءة خوفا من وصول الهواء اليه، أو تحولت الكعبة من مكانها الى موضع بيتكم فالبستموه لباس الكعبة.

و « العباية » بفتح العين كساء واسع مخطط. والعباءة بالمد والهمزة لغة فيها، والجمع عباء بالفتح قاله في المغرب.

__________________

(١) الصحاح: ٤ / ١٣٣٩‌

٦٨

من يأتيها ثم فجرت كان عليه وزر مثلها ومن أقرض قرضا فكأنّما تصدق بشطره، فان أقرضه الثانية كان برأس المال وآدى الحق الى صاحبه أن يأتيه به في بيته أو في رحله فيقول ها وخذه.

٤٠ - محمد بن مسعود، قال حدثني محمد بن يزداذ الرازي، عن محمد بن‌

___________________________________________________________

قوله (ص): وآدى الحق الى صاحبه أن يأتيه به في بيته‌

آدى بالمد على صيغة أفعل التفضيل من الاداء، والضمير في يأتيه وبيته ورحله لصاحب الحق وفي « به » للحق، وهاء مبنيا على الفتح: اما صوت يفهم منه خذ، واما من أسماء الافعال للواحد المذكر، وهاءيا للمثنى، وهاؤم للجمع.

والمعنى: أوثق الناس في الامانة وآداهم للحق الى أهله من يأتي صاحب الحق بحقه في بيته أو في رحله فيقول له: خذ حقك الذي أتيتك به.

خذه على التأكيد أوخذ استوف مني حقك، على اجتماع عاملين متوجهين نحسو معمول واحد، واعمال الاول منهما على مذهب الكوفيين، والثاني طريقة البصريين، كما في قوله سبحانه( هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ ) (١) ونظيره( آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً ) (٢) .

واما اسقاط المد والهمزة من هاء وجعل الكلام ها خذه على كلمة التنبيه والاحضار، فحسبان واه، اذ هاء التنبيهية مسلكها تنبيه الطالب على حضور مطلوبه ومبتغاه.

والحديث الكريم مغزاه: أن المرء انما يكون للحق آدى اذا أتى به صاحبه فأداه اليه من غير طلب منه فليعرف.

قوله رحمه الله تعالى: محمد بن يزداذ‌

بالياء المثناة من تحت والزاء قبل الدال المهملة والذال المعجمة بعد الالف،

__________________

(١) سورة الحاقه: ١٩‌

(٢) سورة الكهف: ٩٦‌

٦٩

علي الحداد، عن مسعدة بن صدقة، عن جعفر، عن أبيهعليه‌السلام قال: ذكرت التقيّة يوما عند عليعليه‌السلام فقال: أن لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله وقد آخى رسول الله بينهما، فما ظنّك بسائر الخلق.

٤١ - حمدويه وابراهيم ابنا نصير، قالا حدثنا أيوب بن نوح، عن صفوان ابن يحيى، عن عاصم بن حميد، عن ابراهيم بن أبي يحيى، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام الميثب هو الذي كاتب عليه سلمان فأفاءه الله على رسوله فهو في صدقتها، يعني صدقة فاطمةعليها‌السلام .

___________________________________________________________

ذكره الشيخ في أصحاب أبي محمد العسكريعليه‌السلام (١) .

قال أبو عمرو الكشي: قال ابن مسعود: لا بأس به(٢) .

قولهرحمه‌الله : ابنا نصير‌

الطريق صحيح عالي الاسناد في الطبقة الاولى وابراهيم بن أبي يحيى الصواب فيه ابراهيم بن أبي البلاد يحيى. وكأنه ايهام من النساخ.

قولهعليه‌السلام : الميثب‌

هو من الحوائط التي هي من أوقاف سيدة النساءعليها‌السلام وهي سبعة وقفتها صلوات الله عليها وأوصت بها، وهذا معنى قولهعليه‌السلام فهو في صدقتها يعني صدقة فاطمةعليها‌السلام .

روى ذلك أبو جعفر الكليني في الكافي وأبو جعفر بن بابويه في كتاب من لا يحضره الفقيه(٣) .

و « المئثب » بكسر الميم والهمزة قبل الثاء المثلثة والباء الموحدة أخيرا، والميم فيه زائدة لا من جوهر الكلمة، ويروي الميثب بالياء المثناة من تحت مكان الهمزة.

__________________

(١) رجال الشيخ: ٤٣٦ وفيه بالدال المهملة أخيرا أيضا.

(٢) رجال الكشى: ٥٣٠ ط جامعة مشهد و ٤٤٦ ط النجف الاشرف.

(٣) الفقيه: ٤ / ١٨٠ وفروع الكافى: ٧ / ٤٧.

٧٠

٤٢ - نصر بن الصبّاح وهو غال، قال حدثني اسحاق بن محمد البصري وهو متّهم، قال حدثنا أحمد بن هلال، عن علي بن أسباط، عن العلاء، عن محمد بن حكيم قال ذكر عند أبي جعفرعليه‌السلام سلمان، فقال: ذلك سلمان المحمدي، ان سلمان منّا أهل البيت، انه كان يقول للناس: هربتم من القرآن الى الأحاديث، وجدتم كتابا رقيقا حوسبتم فيه على النقير والقطمير والفتيل وحبة خردل فضاق ذلك عليكم وهربتم الى الأحاديث التي اتبعت عليكم.

___________________________________________________________

قال في القاموس في أ - ب: المئثب: كمنبر المشمل والارض السهلة والجدول وما ارتفع من الارض، والمآثب جمعه وموضع أو جبل كان فيه صدقاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله (١) .

وقال في و - ب: الميثب بكسر الميم الارض السهلة وما ارتفع من الارض وماء لعبادة وماء لعقيل ومال بالمدينة إحدى صدقاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله وموضع بمكة عند غدير خم والجدول، وموثب كمجلس ومقعد موضع(٢) .

وقال الصدوق رضوان الله تعالى عليه في الفقيه: روي أن هذه الحوائط كانت وقفا، وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يأخذ منها ما ينفق على أضيافه ومن يمر به، فلما قبض جاء العباس يخاصم فاطمةعليها‌السلام فيها فشهد عليعليه‌السلام أنها وقف عليها.

المسموع من ذكر أحد الحوائط الميثب، ولكني سمعت السيد أبا عبد الله محمد بن الحسن الموسوي أدام الله توفيقه يذكر أنها تعرف بالميثم(٣) .

قولهرحمه‌الله : اسحاق بن محمد البصرى وهو متهم‌

بضم الميم وفتح المثناة من فوق المشددة، كما يرد في الكتاب كذلك، ومنهم بالنون تصحيف.

__________________

(١) القاموس: ١ / ٣٦‌

(٢) القاموس: ١ / ١٣٦‌

(٣) من لا يحضره الفقيه: ٤ / ١٨١‌

٧١

٤٣ - آدم بن محمد القلانسي البلخي، قال حدثنا علي بن الحسين الدقاق النيسابوري، قال أخبرنا محمد بن عبد الحميد العطار، قال حدثنا ابن أبي عمير، قال حدثنا ابراهيم بن عبد الحميد، عن عمر بن يزيد، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: مر سلمان على الحدادين بالكوفة واذا شاب قد صرع والناس قد اجتمعوا حوله. فقالوا يا أبا عبد الله هذا الشاب قد صرع فلو جئت وقرأت في أذنه! قال: فجاء سلمان فلما دنا منه رفع الشاب رأسه فنظر اليه فقال: يا أبا عبد الله ليس منه شي‌ء مما يقول هؤلاء، لكني مررت بهؤلاء الحدادين وهم يضربون بالمرازب فذكرت قول الله تعالى( وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ ) قال: فدخلت في قلب سلمان من الشاب محبة فاتخذه أخا، فلم يزل معه حتى مرض الشاب، فجائه سلمان فجلس عند رأسه وهو في الموت. فقال: يا ملك الموت ارفق بأخي، فقال: يا أبا عبد الله اني بكل مؤمن رفيق.

٤٤ - نصر بن صباح البلخي أبو القاسم، قال حدثني اسحاق بن محمد البصري قال حدثني محمد بن عبد الله بن مهران، عن محمد بن سنان، عن الحسن بن منصور، قال قلت للصادقعليه‌السلام : أكان سلمان محدثا؟ قال: نعم. قلت: من يحدثه؟ قال: ملك كريم. قلت: فاذا كان سلمان كذا فصاحبه أى شي‌ء هو؟ قال: أقبل على شأنك.

___________________________________________________________

قولهعليه‌السلام : وهم يضربون بالمرازب‌

جمع المرزبة بكسر الميم وفتح الزاء وتخفيف الموحدة على اسم الاله، ومنهم من شددها.

وقال ابن الاثير: المرزبة بالتخفيف المطرقة الكبيرة التي تكون للحدادين، ومنه حديث الملك « وبيده مرزبة » ويقالها الارزبة أيضا بالهمزة والتشديد(١) .

وكذلك في الصحاح: الارزبة التي يكسر بها المدر، فان قلتها بالميم خففت قلت المرزبة(٢) .

__________________

(١) نهاية ابن الاثير: ٢ / ٢١٩‌

(٢) الصحاح: ١ / ١٣٥‌

٧٢

٤٥ - علي بن الحسن، قال حدثني محمد بن اسماعيل بن مهران، قال حدثنا اسحاق بن ابراهيم الصواف، قال حدثنا يوسف بن يعقوب، عن النهاش بن فهم، عن عمرو بن عثمان، قال دخل سلمان على رجل من إخوانه فوجده في السياق، فقال: يا ملك الموت ارفق بصاحبنا! قال: فقال الاخر يا أبا عبد الله ان ملك الموت يقرئك السّلام وهو يقول: ألا وعزة هذا البناء ليس إلينا شي‌ء.

٤٦ - أبو عبد الله جعفر بن محمد شيخ من جرجان عامي، قال حدثنا محمد بن حميد الرازى، قال حدثنا علي بن مجاهد، عن عمرو بن أبي قيس، عن عبد الاعلى، عن أبيه، عن المسيب بن نجبة الفزاري، قال: لما أتانا سلمان الفارسي قادما،

___________________________________________________________

وفي المغرب: المرزبة الميتدة، وعن الكسائي تشديد الباء.

وفي القاموس: الارزبة والمرزبة مشددتان أو الاولى فقط عصية من حديد(١) .

قولهرحمه‌الله : وهو يقول ألا وعزة هذا البناء ليس إلينا شي‌ء‌

ألا بالفتح والتخفيف كلمة استفتاح وتزيين الكلام: اما لتنبيه المخاطب، أو لتوجيه الخطاب نحوه، أو لتفهيمه سر الامر ومغزاه، واما للتحقيق والتأكيد والتسجيل على الامر، واما للحث والتخصيص والتحريص على الطلب، وقد تورد للتوبيخ والانكار وتكون أيضا للاستفهام على النفي، وقد وردت في التنزيل الكريم علي وجوه الاستعمالات جميعا.

والواو للقسم وعزة هذا البناء مقسم بها.

والمعنى بهذا البناء بناء هيكل بدن العالم الصغير الذي هو الانسان، أو بناء هيكل بدن الانسان الكبير وهو العالم الاكبر بجملة نظام الوجود من البدو الى الساقة.

والمعنى: ليس لنا من الامر إلينا شي‌ء، بل الامر كله بيد الله وانما نحن عباد مأمورون مطيعون.

__________________

(١) القاموس: ١ / ٧٣‌

٧٣

تلقّيته فيمن تلقاه فسار حتى انتهى الى كربلاء، فقال: ما تسمون هذه؟ قالوا كربلاء فقال: هذه مصارع اخواني، هذا موضع رحالهم، وهذا مناخ ركابهم، وهذا مهراق دمائهم، قتل بها خير الاولين، ويقتل بها خير الاخرين، ثم سار حتى انتهى الى حروراء، فقال: ما تسمون هذه الارض؟ قالوا: حروراء. فقال: حروراء خرج بها‌

___________________________________________________________

قولهرحمه‌الله : تلقيته فيمن تلقاه‌

على التفعل من اللقاء، أي استقبلته في جملة من استقبله، ومنه النهي عن تلقي الركبان في كتاب المتاجر.

قوله رضى الله تعالى عنه: وهذا مناخ ركابهم‌

بضم الميم على اسم المكان من باب الافعال فانه يكون على هيئة اسم المفعول، وركابهم بكسر الراء وهو اسم لجنس الابل.

قال في القاموس: المناخ بالضم مبرك الابل وقال: الركاب ككتاب الابل واحدتها راحلة(١) .

قولهرحمه‌الله : وهذا مهراق دمائهم‌

بضم الميم وفتح الهاء على مفعل، بالفتح أيضا اسم المكان من هراق الماء يهريقه، بفتح الهاء فيهما هراقة بالكسر، بمعنى أراقه يريقه اراقة صبه، والهاء بدل من الهمزة وصارت بلزومها كأنها من نفس الحرف، فلذلك ربما يبنى منه أهراق بفتح الهمزة يهريق بتسكين الهاء فيهما أهرياقا على الجمع بين البدل والمبدل. وبسط القول فيه في المعلقات على الفقيه وعلى الاستبصار.

قوله رضى الله تعالى عنه: قتل بها خير الاولين‌

كأنه عني به هابيل وخير الاخرين هو أبو عبد الله الحسينعليه‌السلام .

قولهرحمه‌الله : الى حرورا‌

هي بإهمال الهاء المفتوحة وضم الراء قبل الواو وبالقصر وبالمد قرية الخوارج‌

__________________

(١) القاموس: ١ / ٢٧٢ و ٧٥‌

٧٤

شر الاولين ويخرج بها شر الاخرين، ثم سار حتى انتهى الى بانقيا وبها جسر الكوفة الاول، فقال: ما تسمون هذه؟ قالوا: بانقيا، ثم سار حتى انتهى الى الكوفة قال: هذه الكوفة؟ قالوا: نعم. قال: قبة الإسلام.

٤٧ - محمد بن مسعود، قال حدثنا أبو عبد الله الحسين بن إشكيب، قال أخبرني الحسن بن خرزاذ القمي، قال أخبرنا محمد بن حماد الساسي، عن صالح بن فرج، عن زيد بن المعدل، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: خطب سلمان‌

___________________________________________________________

لعنهم الله.

قال ابن الاثير في النهاية: الحرورية طائفة من الخوارج نسبوا الى حروراء وحرورا بالمد والقصر، هو موضع قريب من الكوفة، كان أول مجتمعهم فيها، وهم أحد الخوارج الذين قاتلهم علي كرم الله وجهه(١) .

وفي القاموس: حروراء كجلولاء، وقد تقصر قرية بالكوفة وهو حروري(٢) .

قوله رضى الله تعالى عنه: خرج بها شر الاولين‌

شر الاولين هو عاقر ناقة صالح وشر الاخرين قاتل أمير المؤمنينعليه‌السلام عبد الرحمن ابن ملجم المرادي ضاعف الله عليه العذاب واللعنة، والحديث بذلك عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله مشهور متواتر عند العامة والخاصة.

قولهرحمه‌الله : حتى انتهى الى بانقيا‌

بالموحدة قبل الالف والنون المكسورة بعدها قبل القاف الساكنة والياء المثناة من تحت قبل الالف.

قال في القاموس: نقيا - بالكسر - قرية بالانبار منها يحيى بن معين وبانقيا قرية بالكوفة(٣) .

__________________

(١) نهاية ابن الاثير: ١ / ٣٦٦‌

(٢) القاموس: ٢ / ٨‌

(٣) القاموس: ٤ / ٣٩٧‌

٧٥

فقال: الحمد لله الذي هداني لدينه بعد جحودى له؛ اذ أنا مذك لنار الكفر أهلّ لها نصيبا أو أثبت لها رزقا، حتى ألقى الله عز وجل في قلبي حب تهامة فخرجت جائعا ظمآن قد طردني قومي وأخرجت من مالي ولا حمولة تحملني ولا متاع يجهزني‌

___________________________________________________________

( خطبة سلمان رضى الله تعالى عنه المحتوية على الغوامض والاسرار )

قوله رضى الله تعالى عنه: اذ أنا مذك لنار الكفر أهل لها نصيبا أو أثبت لها رزقا‌

ذكت النار والشمس تذكو اتقدت وأضاءت وذكيتها تذكية، وذكاء اسم للشمس، وابن ذكاء للصبح، وذلك أن يتصور الصبح تارة ابن للشمس، وتارة حاجبا لها فيقال: حاجب الشمس، ومن هناك يعبر عن سرعة الادراك وحدة الفهم بالذكاء، وعلى ذلك قولهم فلان شعله نار وذكيت الشاة ذبحتها.

وحقيقة التذكية اخراج الحرارة الغريزية، لكن خصت في الشرع بابطال الحياة واذهاقها على وجه دون وجه.

والاهلال أصله رفع الصوت عند رؤية الهلال، ثم استعمل لكل صوت، وبذلك شبه اهلال الصبي واستهلاله وقوله عز من قائل( وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ ) (١) يعني ما ذكر عليه غير اسم الله، وهو ما كان يذبح لا جل الاصنام، وقيل: الاهلال والتهلل أن يقول: لا إله الا الله.

ومن هذه الجملة ركبت هذه اللفظة، كما قولهم التبسمل والبسملة والتحولق والحولقة والتجعفل والجعفلة، بناء تركيبيا من قول الرجل « بسم الله الرحمن الرحيم » و « لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم » و « جعلت فداك ».

ومنه الاهلال بالحج، وتهلل السحاب برقه أي تلا لا تشبيها له في ذلك بالهلال.

والمعنى: كنت أهل للنار بما يكون للنيران من القرابين نصيبا، وأثبت وأحصل من ديوان السلطان من الارتزاق لبيوت النار طسقا ورزقا.

__________________

(١) سورة المائدة: ٣ وسورة النحل: ١١٥‌

٧٦

ولا مال يقويني، وكان من شأني ما قد كان، حتى أتيت محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله فعرفت من العرفان ما كنت أعلمه ورأيت من العلامة ما أخبرت بها، فأنقذني به من النار فبنت من الدنيا على المعرفة التي دخلت عليها في الإسلام.

الا أيّها الناس اسمعوا من حديثي ثم اعقلوا عنّي قد أتيت العلم كبيرا ولو أخبرتكم بكل ما أعلم لقالت طائفة لمجنون وقالت طائفة أخرى؛ اللهم اغفر لقاتل سلمان.

___________________________________________________________

قوله رضى الله تعالى عنه: فبنت من الدنيا‌

بكسر الموحدة واسكان النون من بان عن الشي‌ء يبين بينا وبينونة وبينونا: انفصل عنه وانقطع وانقلع، والبين أيضا الوصل فهو من الاضداد، والبون: الفضل والمزية، يقال بانه يبينه ويبونه وباينه فاضله وفضل عليه، ومنها وبينها بون بعيد.

قال في الصحاح: والواو أفصح فأما في البعد فيقال: ان بينهما لبينا لا غير(١)

قوله رضى الله تعالى عنه: على المعرفه التى دخلت عليها‌

على بيانيه أو نهجية، أي بينونتي من الدنيا كانت على المعرفة التي كان دخولي في الإسلام عليها.

قوله رضى الله تعالى عنه: قد أتيت العلم كبيرا‌

على صيغة المعلوم من أتاه يأتيه اتيانا، بمعنى جاءه وحضره، و « كبيرا » منصوب على الحال، أي أتيته على الكبر، أو على ما لم يسم فاعله منه، و « العلم » منصوب على أنه منزوع الخافض، أي أتيت بالعلم على الكبر.

ويروى(٢) أتيت العلم كثيرا على المجهول من الايتاء بمعنى الاعطاء، اي قد اعطيت علما كثيرا.

__________________

(١) الصحاح: ٥ / ٢٠٨٢‌

(٢) كما في المطبوع منه بجامعة مشهد‌

٧٧

ألا أن لكم منايا تتبعها بلايا، فان عند عليعليه‌السلام علم المنايا وعلم الوصايا وفصل الخطاب على منهاج هارون بن عمران، قال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنت وصيّي وخلفيتي في أهلي بمنزلة هارون من موسى، ولكنّكم أصبتم سنّة الاولى وأخطأتم سبيلكم،

___________________________________________________________

قوله رضى الله تعالى عنه: علم المنايا والوصايا وفصل الخطاب‌

المنايا الآجال جمع المنية، وهي الاجل المقدر للحيوان، من مناه يمنيه بمعنى قدره، ومنى له الماني أي قدر، فالمنية سميت منية لأنها مقدرة لكل، ومن هناك سمي بها الموت.

وعلم الوصايا المراد به علم الشرائع.

وفصل الخطاب هو الفارق بين الحق والباطل على الفصل والقطع.

قوله رضى الله تعالى عنه: سنة الاولى‌

على اسم الاشارة، واصابة الشي‌ء ادراكه ونيله، والخطأ العدول عن الجهة، وكل من عدل عن سمت شي‌ء ولم يصبه فقد أخطأه، قالوا: وجملة الامر أن من أراد شيئا واتفق منه غيره يقال: أخطأ، وان وقع منه كما أراده يقال أصاب، ويقال لمن فعل فعلا لا يحسن أو أراد ارادة لا تجمل يقال: أخطأ، ولهذا يقال: أصاب الخطأ وأخطأ الصواب وأصاب الصواب وأخطأ الخطاء.

و « أصبتم سنة الاولى » أي أصبتم طريقة أولئك الاقوام من بني اسرائيل الذين ارتدوا عن السبيل من بعد موسىعليه‌السلام ، وأخطأتم سبيلكم ورجعتم في دينكم القهقرى كما أنهم رجعوا.

وقد أنبأ عن ذلك التنزيل الكريم بقوله سبحانه( أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ ) (١) والسنة المتواترة الصحيحة الثابتة عند العامة والخاصة من طرق متشعبة على متون متلونة.

من ذلك في صحيحي البخاري ومسلم وصحيحي النسائي والترمذي وفي‌

__________________

(١) آل عمران: ١٤٤‌

٧٨

والذي نفس سلمان بيده لتركبنّ طبقا عن طبق سنة بني اسرائيل القذة بالقذة.

___________________________________________________________

سائر أصولهم وصحاحهم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : انما الناس كالإبل الماية لا تكاد تجد فيها راحلة، وانكم لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم قالوا: يا رسول الله اليهود والنصارى قال: فمن(١) .

وفي رواية تكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان انس قال حذيفة: كيف أصنع يا رسول الله ان أدركت ذلك؟ قال: تسمع وتطيع الامير وان ضرب ظهرك وأخذ مالك(٢) .

قوله رضى الله تعالى عنه: لتركبن طبقا عن طبق سنة بنى اسرائيل‌

اقتباس من التنزيل الكريم(٣) ( لَتَرْكَبُنَّ ) هنا بضم الموحدة لا غير على خطاب القوم.

فاما بالتنزيل فقد قرأ بالضم على خطاب الجنس، وبالفتح على خطاب الانسان في يا أيها الانسان، وبالكسر على خطاب النفس، وقرأ بالياء للغيبة مكان تاء الخطاب على فتح الباء على لا يركبن الانسان.

و( طَبَقاً ) في التنزيل متعين النصب على المفعول، فاما هنا فيحتمل أن يكون منصوبا على المفعولية فيكون نصب سنة بني اسرائيل على البدل عنه، أو على نزع الخافض.

أي على سنة بني اسرائيل وحذو طريقتهم، ويحتمل الحال من ضمير خطاب الجمع فتنصب سنة بني اسرائيل على المفعول، أي لتركبنها طبقا عن طبق.

و « الطبق » ما طابق غيره يقال: ما هذا بطبق لذا أي ليس يطابقه، ومنه قيل للغطاء: الطبق، واطباق الثرى ما تطابق منه، ثم قيل للحال المطابقة لحال أخرى في الشدة‌

__________________

(١) صحيح مسلم: ٤ / ٢٠٥٤ وكتاب الطرائف: ٣٨٠‌

(٢) رواه مسلم في صحيحه: ٣ / ١٤٧٦ كتاب الامارة ح ٥٢‌

(٣) سورة الانشقاق: ١٩‌

٧٩

أما والله لو وليتموها عليّا لا كلتم من فوقكم ومن تحت أرجلكم، فابشروا‌

___________________________________________________________

والصعوبة، أو في الكيفية والصفة، أو في المنزلة والمرتبة طبق، أو هو جمع طبقة وهي المرتبة من مراتب الشي‌ء، يقال: الناس على طبقات أي على منازل ودرجات بعضها أرفع من بعض.

ومحل « عن طبق » النصب على أنه صفة لطبقا أي طبقا مجاوز الطبق، أو حال من ضمير الجمع في لتركبن طبقا. أي مجاوزين لطبق.

فالمعنى: لتركبن طبقا عن طبق أي منزلة بعد منزلة، أو حالا بعد حال في الحيص والحيود عن سواء السبيل، أو أحوالا مختلفة هي طبقات ومراتب في الزيغ والعدول عن سبيل الحق، وأن ذلك الا سنة بني اسرائيل من قبل، أو لتركبن سنة بني اسرائيل في الزيغ والحيود طبقا عن طبق أي منزلة بعد منزلة ومرتبة بعد مرتبة، أو طرقا متباينة وطبقات شتى هي مراتب مترتبة وأحوال مختلفة تحذونها حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة.

وقد استفاضت رواية الحديث على هذا الطريق في أصول العامة والخاصة(١) .

و « القذة » بضم القاف واعجام الذال المشددة احدى رياش السهم والجمع قذذ

قال في الاساس: قذ الريش بالمقذ حذف أطرافه، ومنه القذة الريشة المقذوذة يقال: حذو القذة بالقذة، وألزق القذذ بالسهم ورجل مقذوذ الشعر مقصص حوالي قصاصه كله(٢) .

قوله رضى الله تعالى عنه: اما والله لو وليتموها عليا لا كلتم من فوقكم ومن تحت أرجلكم‌

أما بالفتح والتخفيف كلمة تنبيه وتحقيق وتأكيد وتسجيل، ولو ولّيتموها أي‌

__________________

(١) رواه في الكشاف: ١ / ٦١٦، ورواه أيضا العلامة المجلسى في البحار عن صحيح الترمذى: ٢٨ / ٣٠ وأيضا السيد ابن طاوس في الطرائف، ٣٨٠‌

(٢) أساس البلاغة: ٤٩٧‌

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

لأهداف عليا.

وبعبارة اُخرى : إنَّ الافعال الخارقة للعادة ليست ظواهر عارية عن العلل ، بل إنَّ علتها غير طبيعيّة ، وافتقاد العلة الطبيعية ( وخاصة العلة الطبيعية غير المعروفة ) ليس دليلا على افتقاد مطلق العلة.

والخلاصة ؛ إن قوانين الخلقة ليست بحيث لا يمكن تبدُّلها ، وتغيّرها بارادة بارئها وخالقها.

إنهم يقولون : إنَّ جميع خوارق العادة ، وجميع أفعال الأنبياء العجيبة الّتي تتصف بصفة الاعجاز ، والخارجة عن اطار القوانين الطبيعية ، تتحقق من هذه الزاوية.

إنَّ هذا الفريق من الناس لا يسمَحُون لأنفسهم بان يرفضوا الأعمال الخارقة للعادة ، والكرامات الّتي جاء ذكرها في القرآن الكريم ، والاحاديث ، أو وردت في المصادر التاريخية الصحيحة المعتبرة ، أو يكشوا فيها بحجة أنها لا توافق الموازين الطبيعية ، والقوانين العلمية.

وها نحن نشير إلى قضيتين عجيبتين وقعتا في فترة الطفولة من حياة رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومع اخذ ما قلناه بنظر الاعتبار لا يبقى أي مجال للترديد ، أو الاستبعاد :

١ ـ لقد نقَلَ المؤرخون عن « حليمة السعدية » قولها بأنها لمّا تكفلَّت إرضاع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أرادت أن ترضعه في محضر اُمّها ، ففتحت جيبها وأخرجت ثديها الايسر ، وأخذت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فوضعته في حجرها ، ووضعت ثديها في فمه ، فترك النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثديها ، ومالَ إلى ثديها الأيمن ، فاخذت « حليمة » ثديها الأيمن من يد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووضعت ثديها الأيسر في فمه وذلك أنَّ ثديها الأيمن كان جهاماً ( أي خالياً من اللبن ولم يكن يدرُّ به ) ، وخافت ( حليمة ) أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا مصَّ الثدي ولم يجد فيه شيئاً لا يأخذ ـ بعده ـ الأيسر. ولكن النبيّ أصرَّ على أخذ الثدي الأيمن ، فلمّا مصَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأيمن امتلأ فانفتح حتّى ملأ شدقيه

٢٢١

فادهش الجميع ذلك(١) .

٢ ـ وتقول « حليمة » أيضاً : إن البوادي أجدبت وحملنا الجُهد على دخول البلد ، فدخلتُ مكة مع نساء بني سعد فأخذتُ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعرفنا به البركة والزيادة في معاشنا ورياشنا حتّى أثرينا ، وكثرت مواشينا ، وأموالنا(٢) .

إنَّ مَن المسلم أنَّ حكم الماديين ، أومن يحذو حذوهم ويتبع منهجهم في هذه المسائل يختلف عن حكم المؤمنين باللّه.

فان أتباع المنهج المادي إذ عجزوا عن تفسير هذا النوع من القضايا من زاوية العلوم الطبيعية ، نجدهم يبادرون إلى اعتبار هذه الحوادث من نسج الخيال ، ومن ولائد الاوهام ، واما إذا كانوا اكثر تأدباً لقالوا : إن رسول الإسلام ليس بحاجة إلى امثال هذه المعاجز :

ونحن نقول : لا نقاش في أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غني عن هذه المعاجز إلاّ أن عدم الحاجة شيء ، والحكم بصحة هذه الاُمور أو بطلانها شيء آخر.

وأما المؤمن باللّه الّذي يردُّ النظام الطبيعي ، إلى مشيئة اللّه خالق الكون وارادته العليا ، ويعتقد بأن كل الحركات والظواهر في العالم الطبيعي من اصغر اجزائه ( الذرة ) إلى اكبر موجوداته ( المجرة ) يجري تحت تدبيره ، ونظارته ، فانه بعد التحقق من مصادر هذه الحوادث والتأكد من وقوعها ينظر إليها بنظر الاحترام ، وأمّا إذا لم يطمئن إليها لم يرفضها رفضاً قاطعاً.

ولقد ورد في القرآن الكريم نظائر عديدة لهذه القصة حول « مريم » اُم عيسى فالقرآن يخبرنا عن تساقط الرطب الجَنيّ من جذع النخلة اليابسة كرامة لوالدة المسيح عندما لجأت إليه مريم عند المخاض إذ يقول : « ...ألاّ تَحزَني قَدْ جَعلَ رَبُّكِ تَحتك سَريّاً. وَهُزِّي إليْكِ بِجذْع النَخلةِ تُساقِط عَليْك رُطباً جَنِيّاً »(٣) .

__________________

١ ـ بحار الأنوار : ج ١٥ ، ص ٣٤٥ و ٣٤٦.

٢ ـ المناقب لابن شهراشوب : ج ١ ، ص ٢٤.

٣ ـ مريم : ٢٤ و ٢٥.

٢٢٢

إنه وان كان الفرق بين « مريم » و « حليمة » شاسعاً وكبيراً من حيث الملكات الفاضلة والمكانة ، والمنزلة ، إلاّ أن منزلة « مريم »عليها‌السلام لو استوجبت مثل هذا اللطف الالهي ، ففي المقام استوجب نفسُ مقام الوليد العظيم ، ومكانته عند اللّه تعالى أن تشمله العناية الالهية.

كما انه قد جاء في القرآن الكريم حول مريمعليها‌السلام امور اُخرى مشابهة.

ان عصمة هذه المرأة الطاهرة ، وتقاها وطهرها البالغ كانت بحيث أن « زكريا » كلّما دخل عليها المحراب وجد عندها رزقاً ، فاذا سألها : مِن أينَ لكِ هذا قالت : هو مِنْ عِند اللّه؟(١) .

وَعلى هذا الأساس يجب أن لا نتردَّد ولا نسمح لانفسنا بأن نشك في مثل هذه الكرامات ، أو نستبعدها.

خَمسَةُ أعوام في الصَحْراء :

أمضى وليدُ « عبد المطلب » في قبيلة « بني سعد » مدة خمسة أعوام ، بلغ فيها أشده.

وخلالَ هذه المدة اخذته « حليمة » إلى اُمّه مرتين أو ثلاث ، وقد سلّمته إلى اُمه في آخر مرة.

وكانت المرّة الاُولى من تلك المرات عند فطامه ، ولهذا السبب اتت بهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « حليمة » إلى مكة ولكنها عادت به إلى الصحراء باصرار منها ، وكان السبب وراء هذا الاصرار على اصطحابه معها إلى البادية هو أن هذا الوليد قد اصبح مبعث خير ورخاء ، وبركة في منطقتها ، وقد دفع شيوعُ مرض الوباء في « مكة » إلى أن تقبل امُّه الكريمة بهذا الطلب(٢) .

وأما المرةُ الثانيةُ من تلك المرات فكانت عندما قدم جماعة من نصارى

__________________

١ ـ «وَكَفَّلها زكريّا كُلَّما دَخلَ عَلَيْها زكَريّا المِحْرابَ وَجدَ عِنْدها رزْقاً قال يا مَريَمُ أنّى لَكِ هذا قالَتْ هُو مِنْ عِنْد اللّه » ( آل عمران : ٣٧ ).

٢ ـ بحار الأنوار : ج ١٥ ، ص ٤٠١.

٢٢٣

الحبشة إلى الحجاز ، فوقع نظرهم على محمَّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في « بني سعد » ، ووجدوا فيه جميع العلائم المذكورة في الكتب السماوية للنبي الّذي سيأتي بعد عيسى المسيحعليه‌السلام ، ولهذا عزموا على أخذه غيلة إلى بلادهم لما عرفوا ان له شأنا عظيماً ، لينالوا شرف احتضانه ويذهبوا بفخره(١) .

ولا مجال لاستبعاد هذه القضية لأن علائم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذُكِرَت في الانجيل حسب تصريح القرآن الكريم ، فلا يبعد أن علماء النصارى قد تعرّفوا في ذلك الوقت على النبيّ من العلائم الّتي قرأوها ودرسوها في كتبهم.

يقول القرآن الكريم في هذا المجال : «وَإذْ قالَ عِيْسى بْنُ مرْيَم يا بَني إسْرائيلَ إنّي رَسُولُ اللّه إليْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْن يَديَّ مِنَ التوْراة وَمُبشِّراً بِرَسُول يأتْي مِنْ بَعْدي اسْمُهُ أَحمَد فَلمّا جَاءهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبيْنٌ »(٢) .

ثمّ انّ في هذا الصعيد آياتٌ اُخر صرَّحت بجلاء بأن علائم رسول الإسلام في الكتب السماوية الماضية في وضوح ، ومن غير إبهام ، وأن الامم السابقة كانت على علم بهذا الأمر(٣) .

__________________

١ ـ السيرة النبوية : ج ١ ، ص ١٦٧.

٢ ـ الصف : ٦.

٣ ـ «الذين يتَّبِعُونَ الرسول النبيّ الاُميَّ الَّذي يَجِدُونَهُ مكْتُوباً عِندَهُمْ في التوراة والإنْجيل » ( الأعراف : ١٥٧ ).

٢٢٤

٧

العَوْدة

إلى اَحضان العائلة

لقد خَلقَت يدُ القدرة الالهية كلَ فرد من أفراد النوع الانساني لأمر معين ، فهناك من خلق لا كتساب العلم والمعرفة ، وهناك من خُلقَ للاختراع والاكتشاف ، وثالثٌ خلق للسعي والعمل ، وبعض للتدبير والسياسة وفريق للتدريس والتربية وهكذا.

وإن المربِّين المخلصين الذين يهمّهم تقدم الأَفراد أو رقيّ مجتمعهم لا يعمدون إلى نَصب أحد في عمل من الاعمال ولا يعهدون إليه مسؤولية من المسؤوليات إلاّ بعد اختبار سليقته ومواهبه ، بغية وضع الرجل المناسب في المكان المناسب ، إذ في غير هذه الحالة يتعرِّض المجتمع لضررين كبيرين : احدهما : أن لا يوكل إلى الفرد ما يستطيع القيام به ، والثاني : ان يبقى العمل الّذي قام به ناقصاً ، مبتوراً.

وقد قيل في المثل : لكل انسان موهبة ، والسعيد هو من اكتشف تلكم المواهب ، واصابها.

وقد ذكروا أن استاذاً كان ينصح تلميذاً له كسولا ، ويعدّد له مضارَّ الكسل والتواني ، ويصف له حال من ترك الاشتغال بالعلم ، وضيّع ربيع حياته في البطالة والغفلة.

وبينما الاستاذ ينصح تلميذه ـ وهو يسمع مواعظ اُستاذه ـ رأى تلميذه يرسم

٢٢٥

بقطعة من الجص صورة على المنضدة ، فادرك من فوره أن هذا الصبيّ لم يُخلق للدرس وتحصيل العلم ، بل خلقته يد القدرة للرسم ، فطلب منه أن يصطحب اباه إلى المدرسة في اليوم القادم ، ثم قال لوالد الصبيّ : إذا كان ولدك هذا كسولا في التعلم ، والتحصيل فانه يمتلك ذوقاً رفيعاً في الرسم ، ورغبة كبيرة في التصوير.

وقبل الوالد نصيحة المعلّم هذه ولم يمض زمانٌ طويل إلاّ وبرع الصبي وغدى قمة في هذا الفن ، بعد أن تابع هوايته بشغف وأكثر من ممارستها.

إن فترة الطفولة والصبا في حياة الأشخاص خير فرصة لأولياء الأطفال بأن يختبروا مواهب أبنائهم ، ويتعرفوا عليها من خلال تصرفاتهم ، وأفكارهم وردودهم ، لأن حركات الطفل وأقواله الجميلة والحلوة خير مرآة لما ينطوي عليه من مواهب وقابليات وصفات لوتوفرت لها ظروف التربية الصحيحة لأمكن الاستفادة منها على أفضل صورة ، وأحسن وجه.

إن مطالعة فاحصة لحياة النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأقواله وأفعاله إلى وقت البعثة المباكرة تُوقفنا على صورة كاملة لشخصيتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتوضح لنا أهدافه العليا ، على أن مطالعة صفحات الطفولة في حياتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقط لا تكشف لنا عن مستقبله المشرق ، بل ان دراسة الصورة الاجمالية لحياته وتاريخه إلى يوم مبعثه الشريف ، وإعلانه عن نبوَّته وقيادته للمجتمع ، تخبرنا عن ذلك المستقبل العظيم ، وبالتالي عن هذه الحقيقة وهي ان هذه الشخصية خُلِقَت لأيّ عمل ، وأن إدعاء الرسالة والقيادة له هل ينسجمُ مع سوابقه التاريخية أم لا؟؟

هل تُؤيّد تفاصيلُ حياتِه خلال أربعين سنة قبل الرسالة ، وهل تؤيّد أفعالُه واقوالُه ، وبالتالي : سلوكه مع الناس ومعاشرته الطويلة مع الآخرين رسالته أم لا؟؟

من هنا نعمدُ إلى عرض بعض الصفحات من حياة رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ايامها وسنواتها الاولى.

٢٢٦

لقد حافظت مرضعةُ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليه خمس سنوات ، وقامت في هذه المدة برعاية شؤونه خير قيام ، وبالغت في كفالته والعناية به ، وفي خلال هذه المدة تعلّم النبي لغة العرب على احسن ما يكون ، حتّى انهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يفتخر بذلك في ما بعد إذ كان يقول :

أنا أعربكُمْ ( اي أفصحكم ) وارضعت في بني سعد »(١) .

ثم ان « حليمة » جاءت به إلى « مكة » ، وبقي عند امّه الحنون ردحاً من الزمن ، وفي كفالة جده العظيم : « عبد المطلب » ردحاً آخر منه ، وكان هو السلوة الوحيدة لاقاربه والبقية الباقية من ابيه : « عبد اللّه »(٢) .

سَفْرةٌ إلى يثرب :

منذ أن فقَدت كَنّة « عبد المطلب » وعروس ابنه : « آمنة » زوجها الشاب الكريم : « عبد اللّه » باتت تترقب الفرص لتذهب إلى « يثرب » وتزور قبر زوجها الحبيب الفقيد عن كثب ، وتزور اقاربها في يثرب في نفس الوقت.

وذات مرة فكَّرت بأن تلك الفرصة قد سنحت ، وأن ولدها « محمَّداً » قد كبُر ، ويمكنه أن يشاركها في حزنها ، فتهيأت هي واُمّ ايمن للسفر ، واتجهت نحو يثرب برفقه « محمَّد » ، ولبثت هناك شهراً.

ولقد انطوت ( وبالاحرى حملت ) هذه السفرة على بعض الآلام الروحية لوليد قريش « محمّد » لأنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأى فيها ولأوّل مرة البيت الّذي توفي فيه والده العزيز ، ودفن(٣) وكانت والدته قد حدَّثته بامور عن والده إلى ذلك الحين.

وكانت لا تزال سحابةُ الحزن تخيّم على روحه الشريفة إذ فوجئ بحادثة مقرحة اُخرى ، وغشيه موج آخر من الحزن لأنه عند عودته إلى مكة فقد اُمّه

__________________

١ ـ السيرة الحلبية : ج ١ ، ص ٨٩.

٢ ـ السيرة النبوية : ج ١ ، ص ١٦٧.

٣ ـ كان البيت الّذي يضمّ قبر « عبد اللّه »عليه‌السلام لا يزال موجوداً حتّى قُبيل توسعة الدائرة حول المسجد النبوي الطاهر ، ولكنه اُزيل بحجّة إيجاد تلك التوسعة.

٢٢٧

العزيزة في اثناء الطريق في منطقة تدعى ب‍ « الابواء »(١) .

إنَ هذه الحادثة قد عزَّزتْ مكانة الرسول الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عشيرته اكثر فأكثر ، وجعلته يتمتع بمحبّة أزيد منهم ، فهو الزهرة الوحيدة من تلك الجنينة المباركة ، كما انه صار منذ ذلك الحين يتمتع بعناية أكبر من قبل جده « عبد المطلب » ولهذا كان يحبُّه اكثر من أبنائه ، بل ويؤثره عليهم جميعاً.

ومن ذلك أنه كان يُمدُّ في فناء الكعبة المعظمة بساطٌ لزعيم قريش « عبد المطلب » فيجلس هو عليه ويتحلَّقُ حوله وجوهُ قريش وسادتها وأولادُه فإذا وقَعت عيناه على بقية عبد اللّه « محمَّد » أمر بأن يُفرَّجَ له حتّى يتقدم نحوه ثم يُجلِسُه إلى جنبه على ذلك البساط المخصوص به(٢) .

ان القرآن الكريم يُذكّر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بفترة يتمه ويقول : «ألمَ يجدْكَ يتيماً فآوى ».

إن الحكمة وراءيتم وليد قريش ليست واضحة لنا تمام الوضوح ، ولكننا نعلم إجمالا بأن سيل هذه الحوادث المؤلمة احيانا ، والمزعجة احيانا اخرى لم يك خالياً عن حكمة معقولة ومصلحة رشيدة ، بيد أننا مع كل هذا يمكن لنا الحدس بأن اللّه تعالى أراد أن يذوق قائد العالم البشري ومعلمه ، وإمام الإنسانية وهاديها ـ وقبل ان يتسلم مهامه ، ويزاول مسؤولياته العظمى ويبدأ قيادته ـ حُلو الحياة ومرَّها ، ويجرِّب سراء العيش وضرّاءه ، حتّى تتهيَّأ لديه تلك الروحُ الكبرى الصبورة الصامدة ، ويدّخر من تلك الحوادث الصعبة تجارب ودروساً ، ويعدّ نفسه لمواجهة مسلسل الشدائد والمصاعب ، والمشاق والمتاعب الّتي كانت تنتظره في المستقبل.

وربما أراد اللّه تعالى أن لا تكون في عنق نبيِّه طاعة لأحد ، ولهذا انشأه حراً خلياً من كل قيد ، منذ الايام الاُولى من حياته ، يصنع نفسَه بنفسِه ويقيّض لها موجبات الرشد ، واسباب الرقيّ ليتضح أن نبوغَهُ ليس نبوغاً بشرياً عادياً ومألوفاً

__________________

١ ـ السيرة الحلبية : ج ١ ، ص ١٠٥.

٢ ـ السيرة النبوية : ج ١ ، ص ١٦٨.

٢٢٨

وانه لم يكن لوالديه اي دخل فيه وفي مصيره ، وبالتالي فان عظمته الباهرة نابعةٌ من مصدر الوحي ، وليست من العوامل العادية والاسباب المأنوسة المتعارفة.

وَفاة عبْدالمُطَّلب :

لقد جرت عادة الحياة ان تتعرض للمرء باستمرار ، وتستهدف سفينة حياته كالأمواج المتلاحقة مُوجِّهة ضرباتها القوية لروحه ، ونفسه.

أجل هذه هي طبيعة الحياة وسنتها مع أفراد النوع الانساني من دون استثناء.

ولم يكن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمعزل عن هذ السنة المعروفة وهذه القاعدة الحياتية العامة.

فلم تكن أمواج الحزن تفارق قلب رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لوفاة والديه بعد حتّى فاجأته مصيبة كبرى.

إنه لم يكن يمض من عمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اكثر من ثمان سنوات إلا وفقد جدّه العظيم « عبد المطلب » ، وقد اعتصَرت وفاة « عبد المطلب » قلب رسول اللّه ألماً وحزناً ، وكان لها وقعٌ شديدٌ على نفسه المباركة ، حتّى أنه بكى لفقده بكاء شديداً وظلّت دموعُه تجري من أجله إلى أن وري في لحده ، ولم ينس ذكره أبداً!!(١) .

كفالة أبي طالب للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

سيكون لنا حديثٌ مفصَّل حول شخصيّة أبي طالب في فصل خاص(٢) وسنثبت هناك إيمانه برسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالوثائق والأدلة القاطعة ، ولكنَّ من المناسب الآن أن نستعرض بعض الحوادث المرتبطة بفترة كفالته للنبي

__________________

١ ـ كتب اليعقوبي في تاريخه : ج ٢ ، ص ١٠ و ١١ من تاريخه حول سيرة عبد المطلب ، وأنه كان موحِّداً لاوثنياً ، وذكر أن الإسلام أمضى الكثير من سننه.

٢ ـ في حوادث السنة العاشرة.

٢٢٩

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

لقد تكَفَّل أبو طالب ـ ولأَسباب خاصة ـ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتقبل تحمُّل هذه المسؤولية بفخر واعتزاز ، ولأنّ أبا طالب ـ مضافاً إلى العلل المشار إليها ـ كان أخاً لوالد النبي من أُمٍّ واحدة أيضاً(١) كما أنّه كانَ معروفاً بجوده وكرمه ، ومن هنا أوكلّ « عبد المطلب » أمر كفالة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حفيده ، إليه ، وسوف نقص عليك تدريجاً سطوراً ذهبية من تاريخه ، تمثل شاهد صدق على خدماته القيمة ، وأياديه الجليلة.

يقولون : إن النبي شارك وهو في العاشرة من عمره جنباً إلى جنب مع عمّه في حرب من الحروب(٢) وحيث أن هذه الحرب وقعت في الأشهر الحُرم لذلك سُمّيت بحرب « الفجار » وقد وردت تفاصيل حروب « الفجار » في التاريخ بشكل مسهَب.

سَفرةٌ إلى الشام :

لقد جرت العادة ان يسافر تجار قريش إلى الشام كل سنة مرة واحدة.

فعزم « ابو طالب » على أن يشارك في رحلة قريش السنوية هذه ذات مرة ، وعالج مشكلة ابن اخيه « محمَّد » الّذي ما كان يقدر على مفارقته بأنه قرر أن يتركه في مكة في حراسة جماعة من الرجال ، ولكنه ساعة الرحيل واجه من ابن اخيه العزيز ما غيّر بسببه قراره المذكور فقد شاهد « محمَّداً » وقد اغرورقت عيناه بالدموع لفراق كفيله الحميم « ابي طالب » ، فاحدثت ملامح « محمَّد » الكئيبة طوفاناً من المشاعر العاطفية في قلب « أبي طالب » بحيث اضطرته إلى أن يرضى

__________________

١ ـ السيرة النبوية : ج ١ ، ص ١٧٩ ، وامهما هي فاطمة المخزومية.

٢ ـ لقد كتب اليعقوبي في تاريخه : ج ١ ، ص ١٥ طبعة النجف أنّ أبا طالب لم يشترك في هذه الحرب قط ، كما لم يسمح لبني هاشم بالمشاركة فيها أيضاً ، لأنه كان ظلماً وعدواناً وقطيعة رحم واستحلالا للشهر الحرام.

٢٣٠

بمشقة اصطحاب « محمَّد » في تلك الرحلة(١) .

لقد كانت سفرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذه الّتي قام بها بصحبة عمّه وكافله « ابي طالب » في الثانية عشرة من عمره ، من اجمل وأطرف اسفارهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عَبر فيها على : « مَديَن » و « وادي القرى » و « ديار ثمود » واطّلع على مشاهد الشام الطبيعية الجميلة.

ولم تكن قافلة قريش التجارية قد وَصلت إلى مقصدها حتّى حدثت في منطقة تدعى « بصرى » قضية غيرت برنامج « ابي طالب » وتسببت في عدوله عن المضي به في تلك الرحلة والقفول إلى مكة.

واليك فيما يلي مجمل هذه القضية :

كان يسكن في « بصرى » من نواحي الشام راهبٌ مسيحي يدعى « بحيرا » يتعبّد في صومعته ، يحترمه النصارى في تلك الديار.

وكانت القوافل التجارية إذا مرت على صومعته توقفت عندها بعض الوقت وتبركت بالحضور عنده.

وقد اتفق أن التقى هذا الراهبُ قافلة قريش الّتي كان فيها رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلفت نظره شخصيةُ « محمَّد » ، وراح يحدق في ملامحه ، وكانت نظراته هذه تحمل سراً عميقاً ينطوي عليه قلبه منذ زمن بعيد وبعد دقائق من

__________________

١ ـ ويذكر « أبو طالب » في ابيات له قصّة هذه السفرة وما جرى فيها من البدء إلى الختام نقتطف منها بعض الأبيات :

إنَّ ابنَ آمِنة النبي محمَّداً

عِندي يفوقُ منازل الأولاد

لما تعَلّق بالزمام رحمتُه

والعيسُ قد قلَّصْنَ بالازواد

فَارفضَّ من عينيّ دمع ذارفٌ

مثل الجمان مُفرّق الأفراد

راعيتُ فيه قرابة موصولة

وحفَظت فيه وصية الأجداد

وأمرتُه بالسير بين عمومة

بيض الوجوه مصالت أنجاد

حتّى إذا ما القومُ بُصرى عاينوا

لاقوا على شرك من المرصاد

حبراً فاخبرهم حديثاً صادقاً

عنه وردّ معاشر الحُسّاد

( تاريخ ابن عساكر : ج ١ ، ص ٢٦٩ ـ ٢٧٢ وديوان ابي طالب : ص ٣٣ ـ ٣٥ ).

٢٣١

النظرات الفاحصة ، والتحديق في وجه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خرج عن صمته وانبرى سائلا : اُنشدكم باللّه أيّكم وليّه؟

فاشار جماعة منهم إلى « أبي طالب » وقالوا : هذا وليّه.

فقال « ابو طالب » : إنه ابن أخي ، سلني عمّا بدا لك.

فقال « بحيرا » : إنه كائن لابن أخيك هذا شأنٌ عظيمٌ ، نجده في كتبنا وما روينا عن آبائنا ، هذا سيّدُ العالمين ، هذا رسول رب العالمين ، يبعثه رحمة للعالمين. إحذرْ عليه اليهود لئن رأوه وعرفوا منه ما أعرف ليقصدنَّ قتلَه(١) .

هذا وقد اتفق اكثر المؤرخين على أنَّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يتعدَّ تلك المنطقة ، وليس من الواضح أن عمه « أبا طالب » بعثه إلى مكة مع أحد ، ( ويُستَبعد أن يكون عمُه قد رضي بمفارقته منذ أن سمع تلك التحذيرات من الراهب بحيرا ) ، أم أنه اصطحبه بنفسه إلى مكة ، وانثنى عن مواصلة سفره إلى الشام(٢) .

وربما قيل أنه تابع ـ بحذر شديد ـ سفرَهُ إلى الشام مع ابن اخيه « محمَّد ».

اُكذُوبَةُ المُسْتشرقيْن :

لقد آلينا على أنفسنا في هذا الكتاب ان نشير إلى أخطاء المستشرقين وغلطاتهم بل وربما أكاذيبهم ، واتهاماتهم الباطلة ، وشُبههُم الواهية ليتضح للقراء الكرام الى أي مدى يحاول هذا الفريق إرباك أَذهان البُسطاء من الناس ، وبلبلة عقولهم حول قضايا الإسلام!!

إن قضية اللقاء الّذي تم ـ في بصرى ـ بين النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والراهب « بحيرا » لم تكن سوى قضية بسيطة ، وحادثة عابرة وقصيرة ، إلا أنها وقعت في ما بعد ذريعة بايدي هذه الزمرة ( المستشرقون ) فراحوا يصرّون أشدّ اصرار على أنّ

__________________

١ ـ روى تاريخ الطبري : ج ٢ ، ص ٣٢ و ٣٣ ، والسيرة النبوية : ج ١ ، ص ١٨٠ ـ ١٨٣ هذه القصّة بتفصيل اكبر وقد اختصرناها هنا تمشياً مع حجم هذا الكتاب.

٢ ـ السيرة النبوية : ج ١ ، ص ١٨٢ و ١٨٣.

٢٣٢

ما أظهره رسولُ اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من تعاليم رفيعة سامية بعد ٢٨ عاماً ، واستطاع بها أن يُحيي بها تلك الاُمة الميّتة قد تلقاها من الراهب « بحيرا » في هذه السفرة. ويقولون : إن « محمَّداً » بما تمتع به من قوة ذاكرة ، وصفاء نفس ودقة فكر ، وعظمة روح وهبته اياها يد القدر ، أخذ من الراهب « بحيرا » في لقائه به ، قصص الانبياء السالفين والاقوام البائدة مثل عاد وثمود ، وكثيراً من تعاليمه الحيوية.

ولا ريب في أن هذا الكلام ليس سوى تصور خيالي لا يتلاءم ولا ينسجم مع حياتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بل وتكذبه الموازين العقلية ، واليك بعض الشواهد على هذا :

١ ـ لقد كان « محمَّد »صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باجماع المؤرخين اُميّاً ، لم يتعلم القراءة والكتابة ، وكان عند سفره إلى الشام ، ولقائه ب‍ « بحيرا » لم يتجاوز ربيعه الثاني عشر بعد ، فهل يصدق العقل ـ والحال هذه ـ أن يستطيع صبيٌ لم يدرس ولم يتعلّم القراءة والكتابة ولم يتجاوز ربيعه الثاني عشر ان يستوعب تلك الحقائق من « التوراة » و « الإنجيل » ، ثم يعرضها ـ في سن الاربعين ـ على الناس بعنوان الوحي الالهيّ والشريعة السماوية؟!

إن مثل هذا الأمر خارج عن الموازين العادية ، بل ربما يكون من الاُمور المستحيلة لو أخذنا بنظر الاعتبار حجم الإستعداد البشري.

٢ ـ إن مدة هذا اللقاء كان اقل بكثير من أن يستطيع محمَّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مثل تلك الفترة الزمنية القصيرة أن يستوعب « التوراة » و « الانجيل » ، لأن هذه الرحلة كانت رحلة تجارية ولم يستغرق الذهاب والاياب والاقامة اكثر من أربعة أشهر ، لأن قريشاً كانت تقوم في كل سنة برحلتين ، في الصيف إلى « الشام » ، وفي الشتاء إلى « اليمن » ، ومع هذا لا يُظنّ أن تكون الرحلة برمتها قد استغرقت اكثر من اربعة أشهر ، ولا يستطيع اكبر علماء العالم واذكاهم من أن يستوعب في مثل هذه المدة القصيرة جداً محتويات ذينك الكتابين ، فضلا عن صبي لم يدرس ، ولم يتعلم القراءة والكتابة من احد.

٢٣٣

هذا مضافاً إلى أنه لم يكن يصاحبصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك الراهب كل تلك الاشهر الاربعة بل ان اللقاء الّذي وقع إتفاقاً في أحد منازل الطريق لم يستغرق سوى عدة ساعات لا اكثر.

٣ ـ إن النَص التاريخي يشهد بأن « ابا طالب » كان ينوي اصطحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الشام ، ولم يكن مقصده الأصلي « بصرى » بل إن « بصرى » كان منزلا في أثناء الطريق تستريح عنده القوافل التجارية أحياناً ، ولفترة جداً قصيرة.

فكيف يمكن في مثل هذه الصورة ان يمكث رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تلك المنطقة ، ويشتغل بتحصيل علوم « التوراة » و « الانجيل » ومعارفهما؟ سواء قلنا بأن « ابا طالب » أخذه معه إلى الشام ، أو عاد به من تلك المنطقة إلى مكة أو أعاده بصحبة أحد إلى مكة؟!

وعلى كل حال فان مقصد القافلة ومقصد « ابي طالب » لم يكن « بصرى » ليقال : ان القافلة اشتغلت فيها بتجارتها ، بينما اغتنم « محمَّد » الفرصة واشتغل بتحصيل معارف العهدين.

٤ ـ إذا كان محمَّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد تلقى اُموراً ومعارف من الراهب المذكور اذن لاشتهر ذلك بين قريش حتماً ، ولتناقل الجميع خبر ذلك بعد العودة إلى مكة.

هذا مضافاً إلى أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفسه ما كان يتسطيع أن يدعي امام قومه في ما بعد بأنه اُميُّ لم يدرس كتاباً ، ولا تلمذ على أحد ، في حين أن النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم افتتح رسالته بهذا العنوان ، ولم يقل أحدٌ ، يا محمَّد كيف تدعي بأنك لم تقرأ ولم تدرس عند احد وقد درست عند راهب « بصرى » وتلقيت منه هذه الحقائق الناصعة وانت في الثانية عشرة من عمرك؟

لقد وَجَّه مشركوا مكة جميع انواع الإتهام إلى رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبالغوا في البحث عن أيّة نقطة ضعف في قرآنه يمكن أن يتذرعوا بها لتفنيد دعوته ، حتّى أنهم عندما شاهدوا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذات مرةْ عند

٢٣٤

« مروة » يجالس غلاماً نصرانياً استغلوا تلك الفرصة وقالوا : لقد أخذ « محمّد » كلامه من هذا الغلام ، ويروي القرآن الكريم مزعمتهم هذه بقوله : «ولَقدْ نَعلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إنَّما يُعَلِّمُهُ بَشرٌ لِسانُ الَّذي يُلْحدْونَ إليْه أَعجَمِيَّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيّ مُبيْنٌ »(١) .

ولكن القرآن الكريم لم يتعرض لذكر هذه الفرية قط كما أن قريشاً المجادلين المعاندين لم يتذرعوا بها أبداً ، وهذا هو بعينه دليلٌ قاطعٌ وقويٌ على أن هذه الفرية من افتراءات المستشرقين في عصرنا هذا ، ومن نسج خيالهم!!

٥ ـ إن قصص الانبياء والرسل الّتي جاءت في القرآن الكريم على وجه التفصيل تتعارض وتتنافى مع ما جاء في التوراة والانجيل.

فقد ذُكِرَت قصصُ الأنبياء واحوالهم في هذين الكتابين بصورة مشينة جداً ، وطُرحت بشكل لا يتفق مع المعايير العلمية والعقلية مطلقاً ، وان مقايسة عاجلة بين هذين الكتابين من جانب وبين القرآن الكريم من جانب آخر تثبت بأن قضايا القرآن الكريم ومعارفه لم تتخذ من ذينك الكاتبين بحال ، ولو أن النبيَ محمَّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد اكتسب معارفه ومعلوماته حول الانبياء والرسل من العهدين لجاء كلامُه مزيجاً بالخرافات والأَوهام(٢) .

٦ ـ إذا كان راهب « بُصرى » يمتلك كل هذه الكمية من المعلومات الدينية والعلميّة الّتي عرضها رسولُ اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلماذا لم يحض هو بأي شيء من الشهرة ، ولماذا ترى لم يُربِّ غير « محمَّد » في حين أن معبَده كان مزار الناس ومقصدَ القوافل؟!

٧ ـ يعتبرُ الكتاب المسيحيّون « محمّداً »صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجلا أميناً صادقاً ، والآيات القرآنية تصرح بأنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن على علم مسبق

__________________

١ ـ النحل : ١٠٣.

٢ ـ تتجلى هذه الحقيقة أكثر فاكثر إذا ما قارنّا بين مواضيع القرآن الكريم ، وبين ما جاء في نصوص العهدين ( التوراة والأنجيل ) وقد تصدى بعض الكتاب الاسلاميين لمثل هذه المقارنة ، وقد تعرضنا لها ايضاً في بعض دراساتنا.

٢٣٥

أصلاً بقصص الأَنبياء والاُمم السابقين ، وأن معلوماته في هذا الصعيد لم تحصل لديه إلا عن طريق الوحي.

فقد جاء في سورة « القصص » الآية (٤٤) هكذا : «وما كُنْتَ بجانِب الغرْبيِّ إذْ قَضيْنا إلى مُوْسى الأَمْرَ وَما كُنْتَ مِنَ الشّاهِديْن ».

وجاء في سورة « هود » الآية (٤٩) بعد نقل قصة نوح : «تِلْكَ مِنْ أَنباء الْغَيْبِ نُوحيها إليكَ ما كُنْتَ تَعلَمُها أَنْت وَلا قومُك مِنْ قَبْل هذا ».

إن هذه الآيات توضح أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن على علم أبداً بهذه الحوادث ، والوقائع.

وهكذا جاء في الآية (٤٤) من سورة « آل عمران » : «ذلِكَ مِنْ أنْباء الْغيْبِ نُوْحيه إلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيهِمْ إذْ يُلْقُوْنَ أقْلامهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ ، وَما كُنْتَ لَديْهم إذْ يَخْتصِمُونَ ».

إن هذه الآية وغيرها من الآيات العديدة تصرح بأن هذه الأخبار الغيبيّة وصلت إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن طريق الوحي فقط ، وهو لم يكن على علم بها مطلقاً.

نَظْرةٌ إجْماليَّة إلى التَوْراة الحاضِرَة :

إنَّ هذا الكتاب السَماويّ تورَّط في تناقضات عجيبة في بيان قصص الأنبياء والمرسلين لا يمكن نسبتها إلى الوحي مطلقا ، وها نحن نأتي هنا بنماذج في هذا المجال من التوراة ليتضح لنا أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لو كان قد أخذَ قضايا القرآن الكريم من ذلك الراهب فلماذا لا يحتوي هذا الكتاب العظيم على تلك الأضاليل الّتي انطوى عليها « التوراة » و « الانجيل ».

واليك بعض ما جاء حول الأَنبياء والمرسلين في « التوراة » و « الانجيل » ونقارن ذلك بما جاء في القرآن الكريم ليتضح مدى الفرق بين الكتابين ( العهدين ، والقرآن ).

* * *

٢٣٦

١ ـ داودعليه‌السلام :

جاء في التوراة : « إن داود رأى من على السطح امرأة تستحمّ ، وكانت المرأة جميلة المنظر جداً ، فارسل داود وسأل عن المرأة ، فقال واحد : إنها امرأة اُوريّا فأرسل داود رسلا وأخذها فدخلت إليه فاضطجع معها وهي مطهَّرة من طمثها ثم رجعت إلى بيتها ، وحبلت المرأة ، فارسلت وأخبرت داود وقالت : إني حُبلى ، فارسل داود إلى يؤاب يقول : اجعلوا أوريّا في وجه الحرب الشديدة(١) ، وارجعوا من ورائه فيضرب ويموت فلما سمعت امرأة أوريّا أنه قدمات اُوريّا رجلُها ندبت بعلها ، ولمّا مضت المناحة أرسل داود وضمَّها إلى بيته وصارت له إمرأة ، وولدت له إبناً ، وامّا الأمرُ الّذي فعله داود فقبح في عينيّ الرب »!!(٢) .

هكذا تصف التوراة النبيّ الكريم داود ، وترميه بالزنا ، واكراه امرأة محصنة على خيانة زوجها!!

بينما يصف القرآن الكريم النبيّ داودعليه‌السلام بافضل الاوصاف إذ يقول ( في الآية ١٥ و ١٦ من سورة النمل ) : «وَلَقَدْ آتَيْنا داوود وسلَيْمانَ عِلْماً وَقالا ألحَمْدُ للّه الَّذيْ فَضَّلنا عَلى كثير مِنْ عِبادِهِ وَقالَ يا أيُّهَا الناسَ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَيْر وَاُوتيْنا مِنْ كُلِّ شَيء إنَّ هذا لَهُوَ الفَضْلِ الْمُبِيْنِ ».

٢ ـ النبيّ سليمانعليه‌السلام :

تقول « التوراة » عن النبيّ العظيم سليمانعليه‌السلام :

١ ـ « وداود الملكُ ولد سليمان من الّتي لاُوريّا »(٣) .

أي ان سليمان النبيّ الكريم ـ والعياذ باللّه ـ هو ابن زنا!!

__________________

١ ـ أي في مقدمة الجيش المحارب.

٢ ـ العهد القديم ( التوراة ) : صموئيل ، الثاني الاصحاح الحادي عشر ٣ إلى ٢٧.

٣ ـ إنجيل مَتَّى : الاصحاح الأول ٦.

٢٣٧

٢ ـ وَأَحَبَّ المَلِكُ سُلَيمان نساء غريبة مِنَ الذين قالَ عَنْهُمْ الربُ لبنيّ اسرائيل : لا تدخلونَ إليهم ، وهُمْ لا يَدُخلونَ إليكم لأَنَّهُمْ يُميلونَ قلوبَكم وراء آلهتهم ، فالتصق سلَيمانُ بهؤلاء بالمحبَّة ، وكانت له سبع مئة من النساء السيدات ، وثلاث مئة من السراري فأمالت نساؤه قلبَهُ وكان في زمان شيخوخة سليمان ان نساءه أملن قلبه وراء آلهة اُخرى ، ولم يكن قلبُه كاملا مع الرب الهِهِ كقلب داود ابيه ، فذهب سليمان وراء عَشتُورت إلاهة الصيد ونين ، وملكوم رجس العمونيين ، وعمل سليمان الشرَّ في عيني الرب ، ولم يتبع الرب تماماً كداود أبيه ، فغضب الربُ على سليمان لأن قلبه مال عن الرب إله إسرائيل »!!!(١) .

إن سليمان ـ حسب هذه التعابير التوراتية ـ يعشق النساء الاجنبيات ، ويتقرب اليهن بصنع أصنام لَهُنَّ. ويعبدها معهن ، ويرتكب الشرور الّتي أغضبت الرب!!

بينما يقول القرآن الكريم عن سليمانعليه‌السلام «ولقد آتيْنا داودَ وَسُلَيْمانَ عِلماً »(٢) .

ويقول : «وَلِسُلَيْمان الرِّيْح عاصِفَة تَجْري بأَمْره إلى الأرض الَّتي باركْنا فيها ، وَكنا بِكُلِّ شَيء عالِمين »(٣) .

إنه نبي عظيم اختاره اللّه تعالى لوحيه ، وأصطفاه لأَداء رسالاته.

٣ ـ يعقوبعليه‌السلام :

إنَّ « التوراة » تصف النبي العظيم يعقوبعليه‌السلام بأنه رجل كذّاب مخادع ، أخذ النبوة من ابيه بالمكر والخداع ، « فعِند ما شاخَ اسحاقُ وكَلّت عيناهُ عن النظر دعا عيسو إبنه الاكبر ، وطلب منه أن يصطادله صيداً ، ويصنع له طعاماً جيداً حتّى يباركه ، ويعطيه النبوة ، ولكن يعقوب ( ابن إسحاق من رفقة

__________________

١ ـ التوراة : الملوك الأول الاصحاح : ١١ ، العبارات ١ : ١١.

٢٣٨

زوجته الأخرى ) بادر إلى صنع طعام لذيذ لأبيه وتظاهر بأنه عيسو ، لابساً ثياب عيسو ، وقطعاً من جلود جَدْيي المعزى على عنقه لأن عيسو كان مشعراً وكان يعقوب املس الجسد ، فبارك اسحاق ابنه يعقوب ومنحه النبوة ، وبعد ذلك قدم عيسو من الصيد ، فعرف اسحاقُ بانه خُدِع ، وأن يعقوب أخذ منه النبوة بالمكر ، فارتعد اسحاقٌ ارتعاداً عظيماً جداً وقال لعيسو متأسفاً : قد جاء أخوك بمكر ، وأخذ بركتك »!!(١) .

هذا هو حال يعقوب في لسان « التوراة » المحرفة!!

وأما القرآن الكريم فانه يقول عن هذا النبيّ الطاهر : «وَوَهبْنا لَهُ إسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاّ هَدَيْنا مِن قَبلُ وَمِنْ ذريّته داوود وَسُليمانَ وَأيّوبَ وَيُوسفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزي الُمحْسِنيْن »(٢) .

ويقول تعالى أيضاً : «وَاذْكُرْ عِبادنا إبْراهِيْمَ وَاسْحاقَ وَيَعْقُوبَ اُوْلى الأَيْدي والأَبْصار. انا أخلَصْناهُمْ بخالِصَة ذِكْرى الدّار. وإنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفيْنَ الأَخيار »(٣) .

٤ ـ إبْراهيمعليه‌السلام :

تقول « التوراة » عن إبراهيمعليه‌السلام إنّه لمّا اراد أن يدخلَ مصر قال لِزوجته سارة : إني قد علمتُ أنك إمرأة حسَنة المنظر ، فيكون إذا رآك المصريون أنهم يقولون : هذه إمرأَته ، فيقتلونني ، ويَسْتَبْقونكِ ، قولي إنكِ اُختي ، ليكونَ لي خيرٌ بسببكِ وتحيا نفسي من أجلِكِ.

وكذلك فعَلتْ سارة واخِذت إلى بيت فرعون ، فصنع إلى إبرام خيراً

__________________

١ ـ سفر التكوين : الاصحاح السابع والعشرون : ١ إلى ٤٦ ، وقد ذكرنا هذه القصّة من التوراة بتلخيص.

٢٣٩

بسببها ، وصار له غنم ، وبقر ، وحمير ، وعبيد ، وإماء ، واُتن ، وجمال ، ولما عرف فرعون ـ في ما بعد ـ ان سارة زوجة ابراهيم ، وليس اُخته عاتبه قائلا : لماذا لم تخبرني إنها إمرأتك ، لماذا قلت : هي اُختي حتّى أخذتها لي لتكونَ زوجتي والآن هو ذا إمرأتك ، خذْها واذهب »(١) .

إن ابراهيم الخليلعليه‌السلام في وصف التوراة رجلٌ كذابٌ ، يكذب ويحتال.

أما القرآن الكريم فيصف هذا النبي الجليل بأعظم الأوصاف ، ويعتبره أعظم الأنبياء إذ يقول عنه انه :

١ ـ حنيف مُوحِّدٌ للّه : «ولكِنْ كانَ حَنِيفاً » ( آل عمران : ٦٧ ).

٢ ـ إمامُ الناس : «إنّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إماماً » ( البقرة : ١٣٤ ).

٣ ـ مُسْلِمٌ : «ولكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً » ( آل عمران : ٦٧ ).

٤ ـ حَليمٌ : «إنَّ إبراهيم لأوّاةٌ حَلِيْمٌ » ( التوبة : ٨٤ ).

٥ ـ امة كامِلَة بمفرده : «إنّ إبراهيم كانَ أُمَّة » ( النحل : ١٢٠ ).

٦ ـ أواهٌ يَخشى اللّه : «إنَّ إبراهِيْم لأوّاهٌ » ( التوبة : ٨٤ ).

٧ ـ مصطفى : «لمنَ المُصْطَفين الأَخْيار » ( ص : ٤٨ ).

٨ ـ ذو قلب سَليم : «إذ جاء رَبّه بِقَلْب سَلِيْم » ( الصافات : ٤٨ ).

٥ ـ المسيحعليه‌السلام :

إن عيسى ـ حسب رواية الإنجيل ـ يحتقر اُمه ، ويزدري بها ، فذات يوم جاء إخوته واُمه ووقفوا خارجاً وارسلوا يدعونه ، وكان الجمع جالساً حوله ، فقالوا له « هو ذا امُّك وإخوتك خارجاً يطلبونك ، فأجابَهُم قائلا : من اُميّ وإخوتي؟ ثم نظرَ حوله إلى الجالِسين وقال : ها اُمّي وإخوتي ، لأَنَّ مَنْ يصنع مشيئة اللّه هو أخي واُختي واُمّي »!!(٢)

__________________

١ ـ سفر التكوين : الاصحاح الثاني عشر ١ ـ ٢٠.

٢ ـ إنجيل مرقس : الاصحاح الثالث : ٣١ ـ ٣٥.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793

794

795

796

797

798

799

800

801

802

803

804

805

806

807

808

809

810

811

812

813

814

815

816

817

818

819

820

821

822

823

824

825

826

827

828

829

830

831

832

833

834

835

836

837

838

839

840

841

842

843

844

845

846

847

848

849

850

851

852

853

854

855

856

857

858

859

860

861

862

863

864

865

866

867

868

869

870

871

872

873

874

875

876

877

878

879

880

881

882

883

884

885

886

887

888

889

890

891

892

893

894

895

896

897

898

899

900

901

902

903

904