نبوة ابي طالب عبد مناف (عليه السلام)

نبوة ابي طالب عبد مناف (عليه السلام)0%

نبوة ابي طالب عبد مناف (عليه السلام) مؤلف:
تصنيف: النفوس الفاخرة
الصفحات: 168

نبوة ابي طالب عبد مناف (عليه السلام)

مؤلف: مزمل حسين الميثمي الغديري
تصنيف:

الصفحات: 168
المشاهدات: 121126
تحميل: 4766

توضيحات:

نبوة ابي طالب عبد مناف (عليه السلام)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 168 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 121126 / تحميل: 4766
الحجم الحجم الحجم
نبوة ابي طالب عبد مناف (عليه السلام)

نبوة ابي طالب عبد مناف (عليه السلام)

مؤلف:
العربية

لدن إسماعيل إلى عبد الله وأبي طالب - أنبياء، فكان هذا البلد آمنا، وكان أهله بهم مأمونين.

ادّعاء إمامنا الباقر (عليه السلام) حكومة آبائه

* قال العلاّمة المجلسي (ره):

عن الإمام محمّد الباقر: (لم يزالوا بنو إسماعيل وُلاة البيت، يقيمون للناس حجّهم وأمْر دينهم، يتوارثون كابراً عن كابر، حتّى كان زمن عدنان بن أدد).

(البحار: ج١٥)

فقد ظهر من ادّعاء إمامنا محمّد الباقر أنّ بني إسماعيل كانوا وُلاة البيت، أي جعلهم الله أنبياءً، حكّاماً، روحانيّين، من لدن إسماعيل إلى عدنان، فكان هذا البلد آمناً، وكان أهله مأمونين.

تقويض الولاية

* قال محمّد خاوند شاه:

إنّ إبراهيم فوّض ولاية أرض مكّة المباركة إلى إسماعيل، وأوصاه بحفاظة البيت كلِّيَّاً.

إلى أنْ قال:

ولمّا رأى إسماعيل في آخر عمره آثار الشيب والضعف فأوصى ابنه قيدار واستخلفه.

(روضة الصفا: ج١)

* قال اليعقوبي:

ذكرتْ الرواة والعلماء: فلمّا فرغ إبراهيم من حجّه وأراد أنْ يرتحل فأوصى ابنه إسماعيل أنْ يُقيم عند البيت الحرام، ويقيم للناس حجّهم ومناسكهم، وقال له: إنّ الله تعالى مُكْثِر عدده، ومُثْمِر نَسْله، وجاعل في وُلده البركة والخير.

إلى أنْ قال:

١٠١

وكان إلياس بن مضر قد شرف وبَانَ فضلُه، وكان أوّل مَن أنْكر على بني إسماعيل ما غيّروا من سنن آبائهم، وظهرتْ منه أُمور جميلة حتّى رضوا به لم يرضوا بأحد مِن وُلد إسماعيل بعد(أَدَد) ، فردّهم إلى سنن آبائهم حتّى رجعت سنّتهم تامّة على أوّلها، وهو أوّل من أهدى البدن إلى البيت وأوّل مَن وضع الركن بعد هلاك إبراهيم (عليه السلام).

إلى أنْ قال:

وشرف كلاب بن مرّة، وجلّ قدرة، واجتمع له شرف الأب والجد مِن قِبل الأُم؛ لأنّهم يجيزون الحج ويحرّمون الشهور ويجلّلونها.

إلى أنْ قال:

فوُلِّي قصي بن كلاب البيتَ وأمْرَ مكّة والحكمَ وأجمع قبائل قريش، ومات قصي ودُفن بالحجون ورأّس عبد مناف بن قصي، وجلّ قدره وعظم شأنه، ولمّا كبر عبد مناف أمر ابنَه هاشماً، وَشَرُفَ هاشم بعد أبيه وجلّ قدره، واتّفقت قريش على أنْ يولّى هاشم بن عبد مناف الرياسة والسقاية والرفادة (ضيافة الحجّاج).

إلى أنْ قال:

فقام عبد المطّلب بأمر الكعبة وشَرُفَ وساد وأطعم الطعام وسقى اللبن والعسل، حتّى علا اسمه وظهر فضله وأقرّ له قريش بالشرف، فلا يزال كذلك.

فكانت قريش تقول: عبد المطّلب إبراهيم الثاني، وكان المبشِّر لقريش بما فعل الله بأصحاب الفيل عبد الله بن عبد المطّلب أبو رسول الله (صلَّى الله عليه وآله).

(تاريخ اليعقوبي: ج١)

* قال الديار بكري:

في الروض الأنف للسهيلي: إنّ كعب بن لؤي أوّل مَن جمع يوم العروبة، فكانت قريش تجتمع إليه في هذا اليوم فيخطبهم ويذكّرهم بمبعث النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، ويُعْلِمُهُم أنّه مِن وُلده، ويأمرهم باتّباعه والإيمان به، ويُنشد في هذا أبياتاً، منها:

١٠٢

يا ليتني شاهد نجواء دعوته * إذا قريش تبغي الحقّ خذلانا

وقال السهيلي: وذكر الماوردي هذا الخبر، عن كعب في كتابه: الأعلام.

وقال: وكان عبد المطّلب بعد هاشم يلي الرفادة، فلمّا تُوفِّي قام بذلك أبو طالب في كلّ موسم، حتّى جاء الإسلام.

(تاريخ الخميس: ج١، ص١٥٧، وص٢٣٦)

ادّعاء المجلسي (ره) حكومة آباء

النبي (صلَّى الله عليه وآله) والولي (عليه السلام)

* قال العلاّمة المجلسي:

بل يظهر من الأحاديث المتواترة أنّ آباء النبي (صلَّى الله عليه وآله) وأجداده كانوا أنبياء وأوصياء وحَمَلَةَ دين الله، وهم بنو إسماعيل أوصياء إبراهيم، ولم يزالوا رؤساء مكّة (يعني وُلاة البيت الحرام)، ويتعلّق بهم تعمير الكعبة وحجابته - الخ -.

(حياة القلوب: ب٢، فصل ٣)

فقد ظهر من التواريخ العامّة والأحاديث الخاصّة:

أنّ الله أجاب دعاء إبراهيم أنْ جعل من ذرِّيَّته آباء النبي (صلَّى الله عليه وآله) والولي (عليه السلام) - مِن لدن إسماعيل إلى أبي طالب - وُلاة بيت الله الحرام رؤساء هذا البلد (مكّة) حكّاماً، روحانيّين، أنبياء، فكان هذا البلد آمناً، وكان أهله مأمونين - من الفتنة والفساد والظلم والعناد - بهم (عليهم السلام).

١٠٣

وإسرائيل، والأنبياء من بني إسرائيل، فهم المصطفون، كانوا قبل اصطفائهم طاهرين طيّبين، ثمّ اصطفاهم الله أي جعلهم أنبياء حججه.

- واصطفى من آل إبراهيم: إسماعيلَ، والطاهرين من ذرِّيَّته إلى سيّدهم محمّد خاتم النبيّين (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، والملحقين بهم، الذين ألحقهم الله في مقامات الولاية أي جعلهم أوليائه المصطفين؛ لأنّه خاتم النبيّين لا نبيَّ بعده، فجعلهم أوصياءه المصطفين.

فظهر أنّ الله اصطفى من بني إسماعيل إلى سيّدهم محمّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) خاتم النبيّين الذين كانوا قبل اصطفائهم طاهرين طيّبين، ثمّ اصطفاهم الله أي جعلهم أنبياء حججه.

ادّعاء أبي طالب (عليه السلام) نبوّة آبائه

* قال العلاّمة المجلسي (ره):

قال ابن شهرآشوب في المناقب: خطب أبو طالب في نكاح فاطمة بنت أسد:

(الحمد لله ربّ العالمين، ربّ العرش العظيم، والمقام الكريم، والمشعر والحطيم، الذي اصطفانا أعلاماً وسَدَنَةً، وعرفاء خلصاء، وحجيّته بهاليل أطهاراً من الخنا والريب والأذى والعيب، وأقام لنا المشاعر، وفضّلنا على العشائر نُجَب آل إبراهيم وصفوته، وزرع إسماعيل) - الخ -.

(البحار: ج٣٥، ب٣، ص٩٨، الطبع الجديد)

فقد ظهر من ادّعاء أبي طالب بدلالة ضمير المتكلّم مع الغير أنّ الله اصطفى وانتخب من آل إبراهيم إسماعيلَ وبعضَ بَنِيْه، إلى عبد الله وأبي طالب، أي جعلهم أعلاماً يعنى رايات الهدى أنبياء حجيّته بهاليل؛

١٠٤

لأنّ الله جعلهم قبل اصطفائهم طاهرين مطهّرين، معصومين منزّهين عن القبائح، وأقام لهم المشاعر، وفضّلهم على العشائر، فهم المصطفون الأنبياء حجج الله كانوا آباء النبي والولي، من لدن إسماعيل إلى عبد الله وأبي طالب (عليه السلام).

آباء النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) والولي

كانوا أئم ّ ة مثل إبراهيم

قال الله تعالى:

( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) .

(سورة البقرة: آية: ١٢٤)

* قال صاحب آلاء الرحمان:

( لِلنَّاسِ إِمَاماً ) يعنى مرجعاً ومقصداً وزعيماً في أمور الدين والدنيا

(تفسير آلاء الرحمان)

* قال العيّاشي:

عن أبي جعفر في قول الله( لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) : أي لا يكون إماماً ظالماً

(تفسير العيّاشي)

فقد ظهر من هذا التفسير والحديث:

أنّ الله لمّا جعل إبراهيم للناس إماماً فدعا ربّه أنْ يجعل من ذرِّيَّته أئمّة مثله: مراجع الناس، ومقاصد الناس، ورؤساء الناس، في أمور دينهم ودنياهم، فأجابه الله أنْ اجعل إماماً من ذرِّيَّتك مثلك، مَن يكون غير ظالم مثلك، أي مَن لم يظلم من المهد مثلك؛ لأنّ مَن ظلم مِن ذرِّيَّتك طرفةَ عينٍ فإنّي لم أجعله إماماً أبداً، فإنّه لم يصلح للإمامة.

فظهر:

أنّ الله يجعل من ذرِّيَّة إبراهيم أئمّة الذين لم يظلموا طرفة عينٍ، حتّى يكونوا مثل إبراهيم معصومين من عبادة الأصنام.

١٠٥

ادّعاء الرسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) عصمة آبائه

* عن عبد الله بن مسعود قال:

قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): (أنا دعوة أبي إبراهيم.

قلنا: يا رسول الله، وكيف صرتَ دعوة أبيك إبراهيم؟

قال:

أوحى الله إلى إبراهيم أنّي جاعلك للناس إماماً فاستخف إبراهيم الفرح، فقال: ربّ ومِن ذرِّيَّتي أئمّة مثلي؟

فأوحى الله إليه: أنْ يا إبراهيم: إنّي لا أُعطيك عهدك ولا أفي لك به.

قال: يا ربّ ما العهد الذي لا تفي لي به؟

قال: لا أعطيك عهداً لظالم مِن ذرِّيَّتك.

قال: يا ربّ، ومَن الظالم مِن وُلدي لا ينال عهدي؟

قال: مَن سجد لصنم من دوني لا أجعله إماماً أبداً، ولا يصلح أنْ يكون إماماً.

قال إبراهيم عندها: واجنبني وبَنِيَّ أنْ نعبد الأصنام، ربّ إنّهن أضللن كثيراً من الناس.

قال النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): فانتهتْ الدعوة إلي وإلى أخي علي، لم يسجد أحد منّا لصنم قط، فاتّخذني نبيّاً وعليّاً وصيّاً).

(أمالي الشيخ الطوسي: ج١، ص٣٨٨ / البحار: ج١٦)

فقد ظهر من ادّعاء الرسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم):

أنّ مِن ذرِّيَّة إبراهيم آباء النبي والولي، بدلالة ضمير المتكلّم مع الغير (منّا) في قوله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): (فانتهت الدعوة إلي وإلى أخي علي، لم يسجد أحد منّا لصنم قط) من لدن إسماعيل إلى عبد الله، وأبي طالب، ومحمّد، وعلي، لم يسجد أحد منهم لصنم قط، فإنّهم كانوا مثل إبراهيم معصومين من عبادة الأصنام.

١٠٦

فقد ظهر:

أنّ الله جعل من ذرِّيَّة إبراهيم آباء النبي والولي - من لدن إسماعيل إلى عبد الله، وأبي طالب، أئمّةً مثل إبراهيم في زمانهم - أنبياء (عليهم السلام).

آباء النبي والولي كانوا ولاة البيت

قال الله تعالى:

( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آَمِناً ) .

(سورة إبراهيم: آية: ٣٥)

فقد ظهر من هذه الآية:

أنّ إبراهيم دعا ربّه أنْ يجعل هذا البلد آمناً لأهله يعني مكّة؛ آمناً ليكون أهله مأمونين عن الفتنة والفساد والظلم والعناد، ولا يمكن أنْ يكون بلداً آمناً لأهله إلاّ بواليه. وإنّ ولاة البلدان إمّا روحانيّون وإمّا مادّيُّون:

- فأمّا الروحانيّون: فهم الأنبياء والمرسلون.

- وأمّا المادِّيُّون: فهم الملوك والسلاطين.

وأمّا الأنبياء والمرسلون: فهم معصومون، ولا يمكن عنهم الفتنة والفساد والظلم والعناد.

وأمّا الملوك والسلاطين: فهم غير معصومين، فيمكن عنهم الفتنة والفساد والظلم والعناد.

وإنّ شرف هذا البلد (مكّة) ببيت الله الحرام، وهو قبلة العباد، ومبارك وهدىً للعالمين.

فظهر أنّ إبراهيم خليل الله دعا ربّه أنْ يجعل ولاة هذا البيت - أي بيت الله الحرام - أنبياء؛ ليكون هذا البلد (مكّة) آمناً لأهله، ويكون أهله مأمونين عن الفتنة والفساد والظلم والعناد.

* قال صاحب الميزان:

تتضمّن الآيات تذكرة ثانية بجملة من نعمه عقيب التذكرة الأولى التي يتضمّنها قوله تعالى:

( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ... بَلاَءٌ مِنْ

١٠٧

رَبِّكُمْ عَظِيمٌ ) .

فذكَّرَ سبحانه أوّلاً: نعمته (هذه المذكورة) على جمع من عباده المؤمنين وهم بنو إسرائيل من ولد إبراهيم.

ثمّ ذكر ثانياً: نعمته على جمع آخر منهم (يعني من عباده المؤمنين) وهم بنو إسماعيل من ولد إبراهيم، وهي (النعمة) يتضمّنها دعاء إبراهيم:( رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آَمِناً ) .

إلى أنْ قال:

وعلى هذا يكون هذا الدعاء المحكي عن إبراهيم في هذه الآيات آخر ما أورده الله في كتابه من كلام إبراهيم ودعائه، وقد دعا ربّه بعد ما أسكن إسماعيل وأُمّه بها وجاورتْهما قبيلة جُرْهُم، وبنى البيت الحرام، وبُنيتْ بلدة مكّة بأيدي القاطنين هناك كما تدلّ عليه فقرات الآيات.

(الميزان: ج١٢، ص٦٨)

فقد ظهر من هذا التفسير:

أنّ دعاء إبراهيم الخليل يتعلّق بإسماعيل وبَنِيْه أنْ يجعل الله من ذرِّيَّه إبراهيم إسماعيلَ ومِن بنيه ولاةَ بيته الحرام أنبياءً ليكون هذا البلد (مكّة) آمناً لأهله؛ حتّى يكون أهله مأمونين عن الفتنه والفساد والظلم والعناد،لأنّ الوُلاة: جمع والٍ،ومعنى الوالي: حاكم، فمعنى وُلاة البيت الحرام حكّامه روحانيّون.

ادّعاء أبي طالب حكومة آبائه

كما مرّ خطبة أبي طالب عند نكاح الرسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) بخديجة قال في خطبته:(وجَعَلَنَا الحكّام على الناس) فظهر:

- أنّ الله جعل آباء النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) والولي حكّاماً روحانيّين، ولم يجعل الله حكّاماً روحانيّين إلاّ الأنبياء.

- فظهر من دعاء أبي طالب أنّ الله جعل آباء النبي والولي - من

١٠٨

آباء النبي (صلَّى الله عليه وآله) والولي (عليه السلام) كانوا معصومين

قال الله تعالى:

( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ....... وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ ) - الآية -.

(سورة إبراهيم: آية: ٣٥ - ٣٦)

* قال فخر الدين الطريحي:

قوله:( وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ ) وهذا دعائه في حقّه لزيادة العصمة، وفي حقّ بَنِيْه مِن صلبه.

(مجمع البحرين: ص١٠٣)

فقد ظهر أنّ إبراهيم - لمّا دعا ربّه أنْ يجنبه وبَنِيْه عن عبادة الأصنام - كان نبيّنا معصوماً.

فكان مقتضى دعائه طلب زيادة العصمة في حقّه، أي ثبات النبوّة له دائماً أنْ لا يسلبها الله عنه، وطلب العصمة لِبَنِيْه.

ادّعاء الرسول (صلَّى الله عليه وآله) عصمة آبائه

* قال النبي (صلَّى الله عليه وآله):

(فانتهتْ الدعوة إليّ وإلى أخي علي، لم يسجد أحدٌ منّا لصنم قط) - الحديث -.

(أمالي الشيخ الطوسي)

ادّعاء إمامنا الصادق عصمة آبائه

* عن الزهري قال:

أتى رجل أبا عبد الله فسأله فلم يُجِبْهُ، قال له

١٠٩

الرجل: فإنْ كنتَ ابن أبيك فإنّك من أبناء عبدة الأصنام.

فقال له: (كذبتَ، إنّ الله أمر إبراهيم أنْ ينزل إسماعيل بمكّة ففعل، وقال إبراهيم: (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آَمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ)، فلم يعبد أحد مِن وُلد إسماعيل صنماً قط) - الحديث -.

(العيّاشي / الصافي / البرهان)

فقد ظهر من ادّعاء الرسول (صلَّى الله عليه وآله) وإمامنا الصادق أنّ الله عصم آباء النبي (صلَّى الله عليه وآله) والولي - من لدن إسماعيل إلى عبد الله وأبي طالب - من عبادة الأصنام، كما عصم إبراهيم الخليل.

فظهر:

- أنّ الله جعل آباء النبي (صلَّى الله عليه وآله) والولي - من لدن إسماعيل إلى عبد الله وأبي طالب - كمثل إبراهيم معصومين (عليهم السلام).

- وأنّ الله لم يجعل معصوماً إلاّ الأنبياء.

- فظهر أنّ الله جعل آباء النبي (صلَّى الله عليه وآله) والولي من لدن إسماعيل إلى عبد الله وأبي طالب كإبراهيم معصومين أنبياء (عليهم السلام).

ادّعاء التابعين عصمة آباء

النبي (صلَّى الله عليه وآله) والولي (عليه السلام)

* أخرج ابن جرير عن مجاهد في هذه الآية: ( وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ ) - الآية -قال:

فاستجاب الله لإبراهيم دعوتَه في وُلده، فلم يعبد أحد مِن وُلده صنماً - الخ -.

* وأخرج ابن أبي حاتم، عن سفيان بن عيينة أنّه سُئِلَ:

هل عبد أحدٌ من وُلد إسماعيل الأصنام؟

قال: لا. أَلَمْ تَسْمع قولَه:( وَاجْنُبْنِي

١١٠

وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ ) ؟

قيل: كيف لم يدخل وُلد إسحاق وسائر وُلد إبراهيم؟

قال: لأنّه دعاء لأهل البلد خاصّة أنْ لا يعبدوا الأصنام إذا أسكنهم، فقال:( اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ ) أنْ يخصّ ذلك. وقال:( وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ ) فيه - فقد خصّ أهله دون غيره.

(تاريخ الخميس: ج١، ص٢٣٧)

فقد ظهر من ادّعاء التابعين: أنّ الله عصم وُلد إسماعيل من عبادة الأصنام.

وظهر من ادّعاء الرسول (صلَّى الله عليه وآله): أنّ الله عصم آباء النبي (صلَّى الله عليه وآله) والولي من عبادة الأصنام، فظهر أنّ الله عصم آباء النبي (صلَّى الله عليه وآله) والولي من لدن إسماعيل إلى عبد الله وأبي طالب من عبادة الأصنام.

وظهر: أنّ الله مَن جعله معصوماً فجعله نبيّاً فجعل الله آباء النبي (صلَّى الله عليه وآله) والولي - من لدن إسماعيل إلى عبد الله وأبي طالب - أنبياء معصومين كإبراهيم الخليل (عليهم السلام).

آباء النبي (صلَّى الله عليه وآله) والولي

كانوا أوصياء إبراهيم

قال الله تعالى:

( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ.... فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) .

(سورة إبراهيم: آية: ٣٦)

فقد ظهر من دعاء إبراهيم:( وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ ) أنّه قال عقيب تلك الدعاء: فمَن تبعني فإنّه منّي يا رب، يعني مَن عصمتَه مثلي من عبادة الأصنام فجعلته مثلي معصوماً، فَمَنْ جعلتَه معصوماً مثلى فتبعني فجعلتَه نبيّاً مثلي، فَمَنْ لَمْ تعصمْه مثلي من عبادة الأصنام

١١١

فجعلته غير معصوم، فمَن جعلتَه غير معصوم فإنْ عصاني فكان عاصياً، وإنْ تاب فإنّك غفور، وإنْ أصلح فإنّك رحيم.

* عن عبد الله بن مسعود قال:

قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): (أنا دعوة أبي إبراهيم.

فقلنا: يا رسول الله، وكيف صرتَ دعوة أبيك إبراهيم؟

قال: إنّ إبراهيم قال: رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ). كما قد مرّ الحديث.

فقد ظهر من هذا الحديث:

أنّ الله جعل آباء النبي (صلَّى الله عليه وآله) والولي مثل إبراهيم - معصومين، من لدن إسماعيل إلى عبد الله وأبي طالب - متبعيه أنبياء، فجعلهم أوصياءه (عليه وعليهم السلام).

آباء النبي (صلَّى الله عليه وآله) والولي

كانوا مقيمي الصلاة

قال الله تعالى:

( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ......... رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاَةَ ) الآية.

(سورة إبراهيم: آية: ٣٧)

فقد ظهر من هذه الآية:

أنّ إبراهيم لمّا أسكن مِن ذرِّيَّته، يعني: بعض ذرِّيَّته - وإسماعيل كان رضيعاً عند بيت الله الحرام - دعا ربّه أنْ يجعل إسماعيل وبعده بعض بنيه مقيمي الصلاة؛ لأنّ لفظة( من ) في( من ذرِّيَّتي ) تبعيضيّة ولا تبيينية.

١١٢

تفسير المتقدمين

* قال شيخنا الطبرسي:

( رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاَةَ ) : أي أسكنْتَهم هذا الوادي ليداوموا على الصلاة ويقيموها بشرائطها.

(مجمع البيان)

فظهر أنّ المداومة على الصلاة وإقامتها بشرائطها للإنسان لا يمكن إلاّ بتعليم الله تعالى، ولا يمكن تعليمه تعالى إلاّ بالوحي، كما قال تعالى:( وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً ) - الآية -.

(سورة الشورى: آية: ٥١)

ولا يمكن الوحي بالصلاة من الله تعالى إلاّ إلى الأنبياء والمرسلين كما ظهر من كلام عيسى:( قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً * وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً ) .

(سورة مريم: آية: ٣٠ - ٣١)

ومعنى الإتيان: وحي.

ومعنى الإيصاء: وحي.

فكان تقرير الآية: ( رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاَةَ ) : أنْ يجعل الله تعالى من ذرّية إبراهيم إسماعيلَ وبعضَ بَنِيْه مقيمي الصلاة ليداوموها بشرائطها، فظهر أنّ دعاء إبراهيم هذا دعاء النبوّة، حتّى يقيموا الصلاة بشرائطها دواماً ومداومةً (لإسماعيل وبعض بنيه).

* قال الطباطبائي مدّ ظلّه:

( أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي ) : و( مِنْ ) فيه للتبعيض، ومراده (عليه السلام) ببعض ذرِّيَّته ابنه إسماعيل وحده، بدليل قوله بعد:( لِيُقِيمُوا الصَّلاَةَ ) : يعني جماعة المصلّين من بني إسماعيل (عليه السلام).

١١٣

وقوله (عليه السلام):( بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ ) : يفيد أنّه إنّما اختار وادياً غير ذي زرع: أعزل مِن أمتعة الحياة، من ماء عذب ونبات ذي خضرة وشجرة ذي بهجة وهواء معتدل خالياً من السكنة؛ ليتمحّضوا في عبادة الله تعالى من غير أنْ يشغلهم عنها شواغل الدنيا.

(الميزان: ج١٢، ص٧٨ - ٨٨)

فظهر أنّ مراده من:( لِيُقِيمُوا الصَّلاَةَ ) : أنْ الله جعل من ذرِّيَّة إبراهيم (عليه السلام) وبعض بَنِيْه جماعة المصلّين الذين يتمحّضون في عبادة الله، لا يغفلهم عنها شواغل الدنيا طرفة عين من المهد إلى اللحد، وظهر أنّ التمحض في عبادة الله من غير تغافل طرفة عين خاصّة النبوّة، وخاصّة الشيء لا ينفك عنه، فيكون تقرير الآية:( رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاَةَ ) : أنْ يجعل الله تعالى من ذرِّيَّة إبراهيم (عليه السلام) إسماعيلَ وبعضَ بَنِيْه أنبياء مرسلين؛ حتّى يتمحّضوا في عبادة الله، من غير تغافل طرفة عين من المهد إلى اللحد.

فظهر أنّ دعاء إبراهيم هذا دعاء النبوّة لإسماعيل وبعض بَنِيْه؛ حتّى يقيموا الصلاة تمحّضاً فيها، وظهر أنّ آباء النبي (صلَّى الله عليه وآله) من لدن إسماعيل إلى عبد الله وأبي طالب كانوا أنبياء (عليهم السلام).

آباء النبي (صلَّى الله عليه وآله) والولي (عليه السلام) كانوا

حكّاماً روحانيّين (عليهم السلام)

قال الله تعالى:

( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ......... فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ ) .

(سورة إبراهيم: آية: ٣٧)

١١٤

فقد ظهر من هذا الدعاء:

- أنّ إبراهيم دعا ربّه أنْ يجعل محبّة إسماعيل ومحبّة ذرِّيَّته في قلوب بعض الناس لتميل إليهم؛ لأنّ لفظة( مِنْ ) في( مِنَ النَّاسِ ) تبعيضيّة، وأنّ الناس بعضهم مؤمنون وأكثرهم غير مؤمنين.

- وأنّ قلوب الناس تميل إلى حكّامهم في أمورهم، وأنّ الحكام روحانيّون ومادّيون:

فأمّا الروحانيّون: فهم الأنبياء والمرسلون، فيميل إليهم المؤمنون محبّة لهم في أُمور دينهم.

وأمّا المادِّيّون: فهم الملوك والسلاطين، فيميل إليهم غير المؤمنين في أمور دنياهم، محبّة لهم.

فإنّ مقتضى دعاء إبراهيم أنْ يجعل الله إسماعيل وذرِّيَّته حكّاماً روحانيّين يعني الأنبياء والمرسلين؛ حتّى تهوى إليهم قلوب المؤمنون، محبّة لهم في أمور دينهم.

إظهار أبي طالب حكومة آبائه

كما مرّ في خطبة أبي طالب عند نكاح الرسول (صلَّى الله عليه وآله) بخديجة (عليه السلام) وقال:(وجعلنا الحكّام على الناس) - إلخ -.

فقد ظهر من خطبته: أنّ الله جعل آباء النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) من لدن إسماعيل إلى عبد الله وأبي طالب حكّام الناس، وأنّ الله لم يجعل حكّام الناس إلاّ الأنبياء والمرسلين.

فظهر أنّ الله جعل آباء النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) والولي (عليه السلام) من لدن إسماعيل إلى عبد الله وأبي طالب حكّام الناس الروحانيّين، يعني الأنبياء

١١٥

والمرسلين؛ حتّى تهوى إليهم قلوب المؤمنين محبّة لهم في أمور دينهم.

إظهار المجلسي (ره) حكومة

آباء النبي (صلَّى الله عليه وآله) والولي (عليه السلام)

قال: بل يظهر من الأحاديث المتواترة أنّ آباء النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) وأجداده كانوا كلّهم أنبياء وأوصياء، حَمَلَةَ دين الله وهم بنو إسماعيل أوصياء إبراهيم، ولم يزالوا رؤساء مكّة، يعنى كانوا حكّام الناس روحانيّين، أي جعل الله آباء النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) والولي (عليه السلام) من لدن إسماعيل إلى عبد الله وأبي طالب أنبياء (عليهم السلام).

آباء النبي والولي كانوا مبلّغين كإبراه يم

قال الله تعالى:

( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ......... رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ ) .

(سورة إبراهيم: آية: ٤٠)

* قال الشيخ الطبرسي:

( رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ) تقريره: واجعل من ذرِّيَّتي مقيم الصلاة، فحذف الفعل(واجعل) ؛ لأنّ ما قبله كان الفعل(واجعل) يدلّ عليه، يعني(ربِّ اجعلني مقيم الصلاة واجعل من ذرِّيَّتي) بعضَ ذرِّيَّتي مقيم الصلاة، فحذف الفعل(اجعل) وقام مقامه واو العطف، وهذا سؤال من إبراهيم من الله تعالى بأنْ يلطف له اللطف الذي عنده، يقيم الصلاة به ويتمسّك بالدين به، وأنْ يفعل مثل

١١٦

ذلك بجماعة من ذرِّيَّته وهم الذين أسلموا منهم، فسأل لهم مثل ما سأل لنفسه.

(مجمع البيان)

فقوله: هذا سؤال من إبراهيم من الله تعالى بأنْ يلطف له اللطف الذي عنده: يقيم الصلاة ويتمسّك بالدين.

فيكون تقريره: ربّ اجعلني مقيم الصلاة: أي ثبّتْني على إقامة الصلاة بلطفك الذي كان عندي، فأُقيم الصلاة به، وأتمسّك به بدينك أبداً.

وقوله (ره): وأنْ يفعل مثل ذلك بجماعة من ذرِّيّتي، وهم الذين أسلموا منهم.

فيكون تقريره: واجعل على إقامة الصلاة جماعة من ذرِّيَّتي الذين أسلموا منهم بلطفك الذي لطفْتَه عليّ فألْطفْه عليهم، حتّى يقيموا الصلاة به ويتمسّكوا به لدينك - أبداً -.

وقوله (ره): فسأل لهم مثل ما سأل لنفسه.

فيكون تقريره: سأل إبراهيم ربّه أنْ يجعل من ذرِّيّته الذين أسلموا منهم بلطفه جماعة مثله أنبياء، يعني جماعة النبيِّين مثله بعض بني إسماعيل وجماعة النبيّين مثله بعض بني إسحاق، حتّى يقيموا الصلاة بلطفه مثله، ويتمسّكوا به بالدين مثله أبداً.

* اعلم أنّ التبليغ قولي وفعلي:

-فأمّا القولي: فهي خاصّة الأنبياء بالوحي من الله تعالى قوله:( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ ) .

(سورة الأنبياء: آية: ٢٥)

وقوله:( يُنَزِّلُ الْمَلاَئِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاتَّقُونِ ) .

(سورة النحل: آية: ٢)

١١٧

فظهر أنّ التبليغ القولي خاصّة الأنبياء بالوحي من الله تعالى، فإنّهم كانوا يقولون للمشركين تبليغاً قوليّاً.

قولوا: لا اله إلاّ الله تفلحوا.

-وأمّا الفعلي: فهي خاصّة الأنبياء باللطف من الله تعالى قوله:( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ) .

(سورة النحل: آية: ٣٦)

وقوله:( قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ) .

(سورة إبراهيم: آية: ١١)

فظهر أنّ التبليغ الفعلي خاصّة الأنبياء باللطف من الله تعالى، فإنّهم كانوا يقيمون الصلاة لله تعالى استحقاقاً له تبليغاً فعليّاً للمشركين والمؤمنين؛ لأنّ إقامة الصلاة لله:

- تبليغ فعلي.

- وهي شهادة اركانيّة للمعبود الحق، وبراءة كلِّيّة عن المعبود الباطل.

- ووسيلة واصلة إلى المحبوبيّة الإلهيّة، وواسطة قاطعة عن الشهوات الشيطانيّة.

- وأنّها لا يمكن إلاّ باللطف والمَنّ من الله تعالى.

- وأنّ اللطف والمنّ من الله تعالى قوّة رحمانيّة وصلاحيّة روحانيّة ومعرفة إيمانيّة، فهي خاصّة الأنبياء فطريّة تخليقيّة، فلذا قال إبراهيم:( رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ) يعني: واجعل بعض ذرِّيّتي مثلي - جماعة النبيّين من بني إسماعيل وجماعة النبيّين من بني إسحاق - بلطفك ومَنِّك.

١١٨

إنّ اللطف والم َ نّ من اللّه

* عن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين في حديث طويل أنّه قال فيه:

(سمعتُ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) يقول في حديث طويل فأمّا ما ذكر تعالى من أمر السابقين فهم أنبياء ومرسلون، فجعل الله تعالى فيهم خمسة أرواح:

روح القدس / وروح الإيمان / وروح القوّة / وروح الشهوة / وروح البدن.

فروح القدس: بعثوا أنبياء، مرسلين وغير مرسلين، وبها علموا الأشياء.

وبروح الإيمان: عبدوا الله تعالى ولم يشركوا به شيئاً.

وبروح القوّة: جاهدوا عدوّهم، وعالجوا معاشهم.

وبروح الشهوة: أصابوا لذائذ الطعام، ونكحوا الحلال من شباب النساء.

وبروح البدن: دبوا ودرجوا، فهؤلاء مغفور لهم ومصفوح ذنوبهم) - الحديث -.

(نور الثقلين: ج٥، الواقعة)

فظهر من هذا الحديث:

أنّ اللطف والمَنّ من الله تعالى على الأنبياء - مرسلين وغير مرسلين - خمسة أرواح، فكانوا مبعوثين بها وعالِمِين بها الأشياء، وله عابدين بها الله، ومقيمين بها الصلاة، استحقاقاً غير مشركين به شيئاً، ومجاهدين بها أعداء الله، ومعالجين بها معائشهم، ومصيبين بها لذائذ الطعام، ومناكحين بها الحلال من النساء الصالحات، وجائين بها إلى الناس، وذاهبين بها إليهم، فأجاب الله تعالى إبراهيم دعائه( رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ) أنْ جعل بعض ذرِّيّته جماعة النبيّين بلطفه ومَنِّه، مِن لَدُن إسماعيل آباء النبي والولي إلى نبيّنا محمّد خاتم

١١٩

النبيين(صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) وجماعة النبيّين بلطفه ومَنِّه، من لدن إسحاق وموسى وعيسى إلى نبيّنا محمّد خاتم النبيّين (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، فهم كانوا مقيمين بلطفه ومَنِّه الصلاة لله تعالى استحقاقاً له وإخلاصاً له دواماً ومداومة.

* قال الديار بكرى:

أخرج المنذري عن ابن جرير في قوله تعالى:

( رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ) ، قال: فلا يزال من ذرِّيَّة إبراهيم ناس على الفطرة يعبدون الله.

وأخرج ابن جرير عن مجاهد في هذا الآية، قال:

فاستجاب الله لإبراهيم (عليه السلام) دعوته في ولده - فلم يعبد أحد من ولده صنماً، فقبل دعوته واستجاب الله له، وجعل هذا البلد آمنا ورزق أهله من الثمرات وجعله إماماً وجعل من ذرِّيّته مَن يقيم الصلاة.

(تاريخ الخميس: ج١، ص٢٣٦)

عن الأصبغ بن نباتة قال: سمعتُ أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول:

(والله ما عَبَدَ أبي ولا جدّي عبد المطّلب ولا هاشم ولا عبد مناف صنماً قط).

قيل: فما يعبدون؟

قال: (كانوا يصلّون إلى البيت على دين إبراهيم ومتمسِّكين به).

(إكمال الدين: ب١٣، ص١٧٢)

* قال العلاّمة المجلسي (ره):

يظهر من الأحاديث المتواترة أنّ آباء النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) وأجداده كلّهم كانوا أنبياء وأوصياء وحَمَلَة دين الله، وهم بنو إسماعيل أوصياء إبراهيم (صلَّى الله عليه وآله).

(حياة القلوب: ج٢، فصل٣)

فقد ظهر أنّ الله جعل من ذرِّيَّة إبراهيم (عليه السلام) بلطفه ومَنِّه بعض بني إسماعيل آباء النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) والولي (عليه السلام) جماعة النبيّين يقيمون الصلاة من لدن إسماعيل إلى أبي طالب (عليه السلام).

١٢٠