نبوة ابي طالب عبد مناف (عليه السلام)

نبوة ابي طالب عبد مناف (عليه السلام)0%

نبوة ابي طالب عبد مناف (عليه السلام) مؤلف:
تصنيف: النفوس الفاخرة
الصفحات: 168

نبوة ابي طالب عبد مناف (عليه السلام)

مؤلف: مزمل حسين الميثمي الغديري
تصنيف:

الصفحات: 168
المشاهدات: 121179
تحميل: 4773

توضيحات:

نبوة ابي طالب عبد مناف (عليه السلام)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 168 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 121179 / تحميل: 4773
الحجم الحجم الحجم
نبوة ابي طالب عبد مناف (عليه السلام)

نبوة ابي طالب عبد مناف (عليه السلام)

مؤلف:
العربية

آباء النبي والولي كانوا مسلمين كإبراهيم (عليه السلام)

قال الله تعالى:

( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ...... * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ.... )

(سورة البقرة: آية: ١٢٧ - ١٢٨)

* إنّ المسلمين ثلاثة أنواع: حقيقي، وتحقيقي، وتقليدي.

١ - فأمّا الحقيقي:

فهم المسلمون الذين جعلهم الله مسلمين له، داعين إلى الإسلام، فهم المسلمون حقيقيّاً.

٢ - وأمّا التحقيقي:

فهم المسلمون الذين جعلهم مدعوّين إلى الإسلام، فلمّا قبلوا دعوة الإسلام تحقيقاً فصاروا مسلمين له تحقيقيّاً.

٣ - وأمّا التقليدي:

فهم المسلمون الذين جعلهم الله مدعوّين إلى الإسلام فصاروا مسلمين؛ اتّباعاً وتقليداً لآبائهم المسلمين، فهم المسلمون تقليديّاً.

وإنّ الله لم يجعل مسلمين له داعين إلى الإسلام إلاّ الأنبياء والمرسلين، فالمسلم الحقيقي نبي، والنبي مسلم حقيقي.

وإنّ إبراهيم وإسماعيل كانا قبل دعائهما هذا نبيَّيْن، يعني مسلمَين لله، داعين إلى الإسلام، فظهر أنّهما أراد من دعائهما هذا:

- أنْ يثبّتهما الله على نبوّتهما مدّة عمرهما.

- وأراد أنْ يجعل الله من ذرِّيَّتهما جماعة المسلمين له داعين إلى الإسلام، يعني جماعة النبيّين.

كما قال صاحب آلاء الرحمان (ره):

(والإسلام الحقيقي: هو الإذعان في النفس المساوق للإيمان وهو المراد هنا، أي اجعلنا مسلمَين لك مدّة عمرنا بمعنى ثبِّتنا بهدايتك وتوفيقك على الإسلام كما هديتنا له).

(تفسير آلاء الرحمان)

١٢١

فكذلك كانت غايتهما أنْ يجعل الله بعض ذرِّيّتهما جماعة المسلمين له حقيقيّاً أنبياء كإبراهيم وإسماعيل.

أنبياء بني إسماعيل كانوا بمكّة

* قال اليعقوبي:

ذكرتْ الرواة والعلماء:

فلمّا فرغ إبراهيم من حجّه أراد أنْ يرتحل، فأوصي إلى ابنه إسماعيل أنْ يقيم عند البيت الحرام ويقيم للناس حجّهم ومناسكهم.

إلى أنْ قالوا:

وافترق وُلد إسماعيل بعد(قيدار) يطلبون السعة في البلاد، وحبس قومٌ أنفسهم على الحرم، فقالوا لا نبرح من حرم الله، ولمّا توفّي(نابت) وقد تفرّق وُلد إسماعيل وَلِي البيت(مضاض بن عمرو الجرهمي) جدّ ولد إسماعيل، وذلك أنّ مَن بقى في الحرم كانوا صغاراً، وكانت جُرْهُم تطيعهم في أيّامهم، ولم يكن أحد يقوم بأمر الكعبة في أيّام جُرْهُم غير ولد إسماعيل، تعظيماً لهم منهم، ومعرفةً بقدرهم، فقام بأمر الكعبة بعد نابت:

-(أمين) ابنه.

- ثمّ(يشحب بن أمين) .

- ثمّ(الهميسع) .

- ثمّ(أَدَد) ، فعظُم شأنه في قومه وجلّ قدره، وأنكر على جُرْهُم أفعالها، وهلكتْ جُرْهُم في عصره.

- ثمّ(عدنان بن أَدَد) .

- ثمّ(معد بن عدنان) أشرف ولد إسماعيل في عصره، وكانت أًمّه من جُرْهُم، ولم يبرح الحرم.

- وكان(نزار بن معد) سيّد بني أبيه وعظيمهم ومقامه بمكّة.

- وأمّا(مضر بن نزار) فسيّد ولد أبيه، وكان كريماً حكيماً.

- وكان(إلياس بن مضر) قد شرف وبَانَ فضله، وكان أوّل مَن أنكر على بني إسماعيل ما غيّروا من سنن آبائهم، وظهر منه أمور جميلة حتّى رضوا به رضاً لم يرضوه بأحد مِن ولد إسماعيل بعد أدد، فردّهم إلى سنن آبائهم حتّى

١٢٢

رجعت سننهم تامّة على أوّلها، وهو مَن أهدى البُدْن إلى البيت، وأوّل مَن وضع الركن بعد هلاك إبراهيم.

- وكان(مدركة بن إلْياس) سيّد ولد نزار، قد بانَ فضله وظهر مجده.

- وكان(خزيمة بن مدركة) أحد حكّام العرب ومَن يعدله الفضل والسدد.

- وظهر في(كنانة بن خزيمة) فضائل لا يُحصى شرفها، وعظّمتْه العرب.

- وأمّا(النضر بن كنانة) فكان أوّل من سُمّي القرشي، ويُقال إنّه سُمِّي القرشي؛ لتقرّشه وارتفاع همّته.

- وكان(مالك بن النضر) عظيم شأن.

- وظهر في(فهر بن مالك) علامات فضل في حياة أبيه، فلمّا مات أبوه قام مقامه.

- فلمّا مات فهر شَرُفَ(غالب بن فهر) وعلا أمره، ولؤي بن غالب سيّداً شريفاً بَيِّن الفضل.

- فلمّا مات غالب بن فهر قام(لؤي بن غالب) مقامه.

- فلمّا قام(كعب بن لؤي) فكان أعظم ولد أبيه قدراً وأعظم شرفاً، وكان أوّل مَن سَمّى يوم الجمعة بالجمعة، وكانت العرب تُسمّيه(عروبة) ، فجمعهم فيه وكان يخطب عليهم.

- وكان(مرّة بن كعب) سيّداً هُمَامَاً.

- وشرف(كلاب بن مرّة) وجلّ قدره، واجتمع له شرف الأب والجد من قِبل الأُم؛ لأنّهم كانوا يجيزون الحجّ ويحرّمون الشهور ويحلّلونها.

- فولي(قصي بن كلاب) البيت وأَمْر الكعبة والحكم، وجَمَعَ قبائل قريش، ومات قصي فدُفن بالحجون.

- ورُأِّسَ(عبد مناف بن قصي) وجلّ قدره وعظم شأنه.

- ولمّا كبر عبد مناف أمر ابنه(هاشماً) ، وشرف هاشم بعد أبيه وجلّ أمره، واجتمعتْ قريش على أنْ يُولَّى هاشم بن عبد مناف الرياسة والسقاية والرفادة(ضيافة الحجّاج) .

- فقام(عبد المطّلب) بعد أبيه بأمر الكعبة، وشَرُفَ وَسَادَ وأطْعَمَ الطعام وسقى اللبن والعسل، حتّى علا اسمه وظهر فضله، وأقرّتْ له قريش بالشرف، فلم يزل كذلك،

١٢٣

فكانت قريش تقول: عبد المطّلب إبراهيم الثاني، وكان المبشّر لقريش بما فعل الله بأصحاب الفيل.

-(عبد الله بن عبد المطّلب) أبو رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) فقال عبد المطّلب: قد جاءكم عبد الله بشيراً نذيراً فأخبرهم بما نزل بأصحاب الفيل، فقالوا: إنّك كنت لعظيم البركة ولميمون الطائر منذ كنت.

(تاريخ اليعقوبي: ج٢)

* قال الديار بكرى:

وكان عبد المطّلب بعد هاشم يلي الرفادة، فلمّا توفّي قام بذلك أبو طالب في كلّ موسم حتّى جاء الإسلام.

(تاريخ الخميس: ج١)

ادّعاء أمير المؤمنين (عليه السلام) نبوّة آبائه

* قال المسعودي:

خطب أمير المؤمنين (عليه السلام) في انتقال نور محمّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) مِن آدم إلى أنْ يولد.

إلى أنْ قال:

(حتّى قبله (تارَخ) أطهر الأجسام وأشرف الأجرام، ونقلتَه منه إلى (إبراهيم)، ثمّ خصصتَ به (إسماعيل) دون ولد إبراهيم، فلم تزل تنقله من أب إلى أب حتّى قبله (كنانة) عن (مدركة)، فأخذتَ له مجامع الكرامة ومواطن السلامة، وأحللتَ له البلد الذي قضيتَ فيه مخرجه، فسبحانك لا إله إلاّ أنت أيّ صلب أسكنتَه فيه ولم ترفع ذكره، وأي نبي بُشّر به فلم تقدّم في الأسماء اسمه، لم تزل الآباء تحمله والأصلاب تنقله، كلّما أنزلته ساحة صلب جعلتَ له صنعاً يحثّ العقول على طاعته ويدعو إلى مقته، حتّى نقلته إلى هاشم خير آبائه بعد إسماعيل، فأيّ أبٍ وجدٍّ ووالدِ أسرةٍ ومجتمع عترة ومَخرج طُهْر ومَخْرج فَخْر يا ربّ جعلتَ هاشماً، لقد أقَمْتَه لدن بيتك

١٢٤

وجعلتَ له المشاعر والمتاجر، ثمّ نقلته من هاشم إلى عبد المطّلب، فأنْهَجْتَه سبيل إبراهيم وأَلْهمْته رشداً للتأويل وتفصيل الحقّ، ووهبتَ له عبد الله وأبا طالب وحمزة وفديتَ في القربان بعبد الله كَسِمَتِكَ في إبراهيم بإسماعيل، ووسمتَ في بأبي طالب في ولده كَسِمَتِكَ في إسحاق لتقديمك عليهم وتقديم صفوة لهم).

(إثبات الوصيّة: ب٢)

فقد ظهر من هذه التواريخ لا سيّما من هذا الحديث:

(كلّما أنزلته ساحة صلب جعلتَ له صنعاً يحثّ العقول على طاعته ويدعو إلى مقته): إنّ الله أجاب دعوة إبراهيم وإسماعيل، أنْ جعل من ذرِّيَّتهما آباء النبي والولي إلى عبد الله وأبي طالب مسلمَين له داعين إلى الإسلام حقيقيّاً، ومنذرَين من عذابه وسخطه، أي نبيّين كما جعل إبراهيم وإسماعيل مسلمَين له داعين إلى الإسلام.

فيظهر أنّ الله جعل آباء النبي والولي من لدن إبراهيم وإسماعيل أبي عبد الله وأبي طالب أنبياء، لا سيّما جعل عبد المطّلب مثيل إبراهيم، وعبد الله مثيل إسماعيل، وأبا طالب مثيل إسحاق أنبياء (عليهم السلام).

كان أبو طالب (عليه السلام) أُمّة مسلمة كإبراهيم (عليه السلام)

قال الطريحي: وأُمّة رجل جامع للخير يُقتدى به

قال الله تعالى:

( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ... * رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ ) - الآية -.

(سورة البقرة: آية: ١٢٧ / ١٢٩)

* عن إمامنا محمّد الباقر قال:

(ليس شيء أبعد من عقول الرجال

١٢٥

من تفسير القرآن، إنّ الآية أوّلها في شيء، وأوسطها في شيء، وآخرها في شيء).

(تفسير العيّاشي / الصافي: الأحزاب)

فقد ظهر من هذه الآية:

أنّ إبراهيم وإسماعيل دعا ربّهما عند الكعبة أوّلاً أنْ يجعلهما مسلمَين له ومن ذريّتهما أُمّة مسْلمة له، أنّ الجعل واحد بلا فصل، فيكون تقرير الآية:

أنْ يجعل ربّهما مسلمَين له وداعين إلى الإسلام، وبعض ذرِّيّتهما مثلهما مسلمِين له.

ثمّ دعا ربّهما ثانياً أنْ يبعث فيهم رسولاً منهم، فيكون تقرير هذه الآية:

أنْ يبعث ربّهما في زمان هؤلاء المسلمين له رسولاً من جنس هؤلاء المسلمين له، الذين جعلهم الله كإبراهيم وإسماعيل مسلمين له داعين إلى الإسلام أنبياء، وأنّ الله أجاب إبراهيم وإسماعيل أنْ بعث في زمان هؤلاء المسلمين له رسولاً من جنس هؤلاء المسلمين له داعين إلى الإسلام.

* عن أبي عمير والزبيري عن الإمام جعفر الصادق قال:

قلتُ له: أخبرني عن أُمّة محمّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) مَن هم؟

قال: (أُمّة محمّد(صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) بنو هاشم خاصّة.

قلتُ: فما الحجّة في أُمّة محمّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) أنّهم أهل بيته الذين ذكرتَ دون غيرهم؟

قال: (قول الله:( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ.... ) ) - الآية -.

فأجاب الله إبراهيم وإسماعيل وجعل من ذرِّيَّتهما أُمّة مسْلمة له، وبعث فيها رسولاً منها يعني من تلك الأمّة، يتلو عليهم آياته - الآية -.

ردف إبراهيم دعوته الأولى بدعوته الأخرى، فسأل لهم تطهيراً مِن الشرك ومِن

١٢٦

عبادة الأصنام؛ ليصحّ أَمره فيهم ولا يتّبعوا غيرهم، فقال:( وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ ) - الآية -.

فهذه دلالة على أنْ لا تكون الأئمّة والأمّة المسلمة التي بعث فيها محمّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) إلاّ من ذرِّيّة إبراهيم؛ لقوله:( وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ ) .

(العيّاشي / الصافي / البرهان)

فقد ظهر من هذا الحديث:

أنّ الله بعث رسوله محمّداً (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) في تلك الأمّة المسلمة التي عصمها الله من عبادة الأصنام، كما عصم الله عن عبادتها إبراهيم وإسماعيل - ومن تلك الأمّة المسلمة - لأنّ الضمير( هم ) في( فيهم رسولاً ) والضمير( هم ) في( منهم ) راجع إلى تلك الأمّة المسلمة التي بعث الله رسوله محمّداً (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، في زمان تلك الأمّة المسلمة، ومن جنس تلك الأمّة المسلمة.

فلمّا بعث الله رسوله محمّداً فما كانتْ تلك الأمّة المسلمة إلاّ أبا طالب وعليّاً (عليهما السلام).

فظهر أنّ الله بعث رسوله محمّداً (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) في زمان أبي طالب، وكان أبو طالب أُمّة مسلمة كما كان إبراهيم أُمّة قانتاً لله حنيفاً.

(سورة النحل: آية: ١٢٠ - ١٢٣)

وإنّا أثبتنا من قَبْل أنّ المراد من الإمامة المسلمة: جماعة النبيّين، فكان أبو طالب نبيّاً كإبراهيم، وكان وصيّه، وما كانت تلك الأمّة المسلمة إلاّ عليّاً.

فظهر أنّ الله بعث رسوله محمّداً (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) من جنس علي، وكان علي أُمّة مسلمة كما كان إبراهيم أُمّة قانتاً لله حنيفاً، ألا ولم يكن عليٌّ نبيّاً؛ لأنّ محمّداً رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) كان خاتم النبيّين، أي لا نبيّ بعده كما قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): (يا علي، أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه

١٢٧

لا نبيّ بعدي)، كما كان موسى من جنس هارون كذلك كان محمّد رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) من جنس علي بن أبي طالب.

كان أبو طالب أًُمِّيّ َ اً حقيقيّاً

قال الله تعالى:

( الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ ) .

(سورة الجمعة: آية: ٢)

* عن علي بن حسّان، وعلي بن أسباط وغيره، رفعه عن أبي جعفر قال:

قلتُ: إنّ الناس يزعمون أنّ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) لم يكتب ولا يقرأ؟

فقال: كذبوا، لعنهم الله أنّي يكون ذلك، وقال الله:( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ) ، فكيف يعلّمهم الكتاب والحكمة وليس هو يحسن أنْ يقرأ ويكتب؟ (في زعمهم)

قال: قلتُ: فلم سُمِّي النبي الأمّي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)؟

قال: لأنّه نسب إلى مكّة وذلك قول الله:( لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا ) فأُمّ القرى: مكّة، فقيل: أُمّي لذلك).

(علل الشرائع: ص١٠٥)

فيكون تقرير الآية:

هو الذي بعث في المكِّيِّين رسولاً محمّداً (صلَّى الله عليه وآله) من المكِّيِّين. - الآية -.

* عن الزهري قال:

أتى رجل أبا عبد الله فسأله عن شيء فلم يجبْه، فقال له الرجل: فإنْ كنت ابن أبيك فإنّك من أبناء عبدة الأصنام.

فقال له: (كذبتَ، إنّ الله أمر إبراهيم أنْ ينزل إسماعيل بمكّة ففعل.

١٢٨

فقال إبراهيم:( رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آَمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ ) فلم يعبد أحد من ولد إسماعيل صنماً قط، ولكنّ العرب عبدة الأصنام، وقالت بنو إسماعيل: هؤلاء شفعاؤنا عند الله فكفرتْ ولم تعبد الأصنام).

(العيّاشي)

فقد ظهر من هذا الحديث:

أنّ العرب كانوا مشركين، وأنّ ذرِّيَّة إسماعيل بني إبراهيم كانوا كلّهم مكِّيِّين، ولكنّ بعضهم كانوا مسلمين وبعضهم كانوا كافرين، فيكون تقرير الآية: هو الذي بعث في المكِّيِّين المسلمين رسولاً محمّداً (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) من المكِّيِّين المسلمين - الآية -.

* عن أبي عمرو الزبيري عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام):

فلمّا أجاب الله إبراهيم وإسماعيل وجعل من ذرِّيَّتهما أُمّة مسلمة، وبعث فيها رسولاً منهما يتلو عليهم آياته ويزكّيهم ويعلّمهم الكتاب والحكمة - ردف إبراهيم دعوته الأُولى بدعوته الأخرى...

فهذه دلالة على أنْ لا تكون الأئمّة والأمّة المسلمة التي بعث فيها محمّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) إلاّ من ذرِّيّة إبراهيم؛ لقوله:( وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ ) .

(العيّاشي / الصافي / البرهان)

فقد ظهر من هذا الحديث:

أنّ الله أجاب إبراهيم وإسماعيل أنْ بعث محمّداً (صلَّى الله عليه وآله) في تلك الأمّة المسلمة رسولاً من تلك الأمّة المسلمة، ولم تكن تلك الأمّة المسلمة من ذرِّيّتهما في مكّة إلاّ أبا طالب وعليّاً.

فيكون تقرير الآية هذا بعث محمداً (صلَّى الله عليه وآله) في زمان أبي طالب (عليه السلام) فكان أبو طالب أُمّة مسلمة، وكان المراد من الأمّة

١٢٩

المسلمة جماعة النبيِّين، فكان أبو طالب نبيّاً كإبراهيم وإسماعيل، وكان آخر وصي لإبراهيم ورسولاً من جنس علي (عليه السلام)، فكان علي أُمّة مسلمة كما كان إبراهيم أُمّة قانتاً لله حنيفاً.

(راجع سورة النحل: آية: ١٢٠ - ١٢٣)

كان أبو طالب (عليه السلام) من المؤمنين

إنّ المشتق المتلبّس بالمبدأ في الحال حقيقة

قال الله تعالى:

( لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) - الآية -.

(سورة آل عمران: آية: ١٦٢)

فقد ظهر من هذه الآية:

إنّ المؤمنين الذين مَنّ الله عليهم إذْ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم كانوا من مكّة حين البعثة موجودين؛ لأنّ لفظة( إذْ ) :

ظرف زماني متعلّق بزمان الـ( مَنّ ) من الله على هؤلاء المؤمنين، ولم يكن المؤمنين موجودين حين البعثة بمكّة إلاّ تلك الأمّة المسلمة التي دعا إبراهيم وإسماعيل ربّهما أنْ يجعل مِن ذرِّيَّتهما مثلهما أُمّة مسلمة له، ثمّ يبعث في تلك الأمّة المسلمة رسولاً من أنفسهم، أي من جنس تلك الآمّة المسلمة، فما كانت تلك الأمّة المسلمة إلاّ أبا طالب وعليّاً (عليه السلام).

فيكون تقرير الآية:

لقد مَنّ الله على أبي طالب وعلي (عليه السلام) إذْ بعث في زمان أبي طالب، وكان أبو طالب أُمّة مسلمة، وكان المراد من تلك الأمّة المسلمة جماعة النبيِّين، فكان أبو طالب نبيّاً كإبراهيم، وكان وصيّه ورسولاً من جنس علي (عليه السلام)، فكان علي أُمّة مسلمة كما كان إبراهيم أُمّة قانتاً لله حنيفاً.

(راجع سورة النحل: آية: ١٢٠ - ١٢٣)

١٣٠

وما كانت نفس مولانا علي إلاّ رسولنا محمّداً (ص) وما كانت نفس رسولنا محمّد (ص) إلاّ مولانا عليّاً (عليه السلام) كما في الآية:( أَنْفُسَنَا ) .

وما كانت جنس رسولنا محمّد (ص) إلاّ مولانا عليّاً (عليه السلام)، وما كان جنس مولانا علي (عليه السلام) إلاّ رسولنا محمّداً (ص) كما قال الرسول (ص): (خُلقتُ أنا وعلي من نور واحد).

وكما كان حديث النور في كتب الفريقين متَّفقاً عليه.

تبادر الآيات

١ - إنّ الآية الأولَى:

( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ ) - الآية -.

(سورة البقرة: آية: ١٢٧ - ١٢٨)

فالمتبادر منها أنّ إبراهيم وإسماعيل دعا ربّهما أنْ يجعل ربّهما عند البيت في كلّ عصر وزمان من ذرِّيَّتهما مثلهما مسلمين له حقيقيّاً.

٢ - وإنّ الآية الثانية:

( رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ ) - الآية -.

(سورة البقرة: آية: ١٢٩)

فالتبادر منها أنّ ربّهما أنْ يبعث في زمان أولئك المسلمين له حقيقيّاً.

٣ - وإنّ الآية الثالثة:

( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ ) - الآية -.

(سورة الجمعة: آية: ٢)

فالتبادر منها أنّ الله أجاب دعوة إبراهيم وإسماعيل أنْ جعل من ذرِّيّتهما مثلهما مسلمين له حقيقيّاً عند البيت في كلّ عصر وزمان، ثمّ بعث في زمان أولئك المسلمين له المكِّيِّين رسولاً محمّداً من جنس أولئك المسلمين له المكِّيِّين حقيقيّاً.

١٣١

٤ - وإنّ الآية الرابعة:

( لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) . - الآية -.

(سورة آل عمران: آية: ١٦٤)

فالتبادر منها أنّ الله ذكر لطفه على أولئك المسلمين له حقيقيّاً أنْ أجاب دعاء إبراهيم وإسماعيل، وأنْ جعل من ذرِّيَّتهما مثلهما مسلمين له حقيقيّاً في كلّ عصر وزمان، ثمّ بعث في زمان أولئك المسلمين له حقيقةً رسولاً محمّداً (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) من جنس أولئك المسلمين له حقيقيّاً.

* عن إمامنا محمّد الباقر (عليه السلام):

(ليس شيء أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن، إنّ الآية أوّلها في شيء، وأوسطها في شيء، وآخرها في شيء) - الحديث -.

إنّ في الآية الأولى: ( أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ ) متعلّق بآباء النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) والولي (عليه السلام) من ذرِّيَّة إبراهيم وإسماعيل في كلّ عصر وزمان إلى عبد الله وأبي طالب كانوا عند بيت الله الحرام في مكّة.

وفي الآية الثانية: ( وَابْعَثْ فِيهِمْ ) .

وفي الآية الثالثة: ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ ) .

وفي الآية الرابعة: ( لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ ) متعلّق بأبي طالب (عليه السلام).

وأوسط الآيات: ( رَسُولاً مِنْهُمْ ) أو من أنفسهم، إلى( يُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ) متعلّق بعلي بن أبي طالب (عليه السلام).

وآخر الآيات: ( وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ ) متعلّق بكفار مكّة ومشركيها.

١٣٢

آباء النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) والولي (عليه السلام) كانوا

أنبياء مهتدين (عليهم السلام)

قال الله تعالى:

( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ) .

(سورة الحديد: آية: ٢٦)

فإنّ مَن أطاع الله مخلصاً له لا رياء ولا سمعة فهو مهتدٍ، ومَن لم يطع الله تعمّداً فهو فاسق، وإنّ المهتدين صنفان: أنبياء ومؤمنون.

١ - فأمّا الأنبياء: فهم الذين جعل الله فيهم خمسة أرواح: روح القدس، وروح الإيمان، وروح الشهوة، وروح القوّة، وروح المدرج.

٢ - وأما المؤمنون: فهم الذين جعل الله فيهم أربعة أرواح: روح الإيمان، وروح القوّة، وروح الشهوة، وروح المدرج.

* عن جابر الجعفي قال:

قال أبو عبد الله (عليه السلام): (يا جابر، إنّ الله خلق الله ثلاثة أصناف، وهو قول الله:

( وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً * فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) .

فالسابقون: هم رسل الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) وخاصّة من خلقه جعل فيهم خمسة أرواح: أيّدهم بروح القدس فبه عرفوا الأشياء (وفي حديث فيه بعثوا أنبياء)، وأيّدهم بروح الإيمان فبه خافوا الله عزّ وجل، وأيّدهم

١٣٣

بروح القوّة فبه قدروا على طاعة الله، وأيّدهم بروح الشهوة فبه اشتهوا طاعة الله وكرهوا معصية الله، وجعل فيهم روح المدرج الذي به يذهب الناس ويجيئون.

وجعل في المؤمنين وأصحاب الميمنة روح الإيمان فبه خافوا الله، وفيهم روح القوّة فيه قدروا على طاعة الله، وفيهم روح الشهوة فبه اشتهوا طاعة الله، وجعل فيهم روح المدرج الذي به يذهب الناس ويجيئون). (فهم كانوا كلّهم مهتدين).

(الكافي: كتاب الحجّة: باب فيه ذكر الأرواح التي في الأئمّة: ص ١٦٦)

* قال صاحب نور الثقلين:

في عيون الأخبار، في باب مجلس الرضا (عليه السلام) مع المأمون في الفرق بين العترة والأمّة، حديث طويل يقول فيه:

(أَمَا علمتم أنّه وقعتْ الوراثة والطهارة على المصطفين المهتدين دون سائرهم؟

قالوا: وَمِن أينّ يا أبا الحسن؟

قال: قول الله:

( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ) .

فصارت وراثة النبوّة والكتاب للمهتدين دون الفاسقين).

(نور الثقلين: ج٥، ص٢٥٠)

فقد ظهر من هذه الآية وتفسيرها:

أنّ الله جعل من ذرِّيَّة نوح المهتدين، وجعلهم أنبياء، وأعطاهم الكتاب وراثة عنه، ثمّ جعل من ذرِّيَّة إبراهيم المهتدين، وجعلهم أنبياء، وأعطاهم الكتاب وراثة ووصاية.

فظهر أنّ الله جعل نوحاً رسولاً صاحب الكتاب، ثمّ جعل من ذرِّيّته أنبياء مهتدين، وجعلهم ورثاء كتابه، وكذلك جعل إبراهيم رسولاً صاحب الكتاب، ثمّ جعل من ذرِّيَّته أنبياء مهتدين، وجعلهم ورثاء كتابه

١٣٤

فهم كانوا أوصياءه (عليه السلام).

* قال العلاّمة المجلسي (ره):

بل يظهر من الأحاديث المتواترة آباء النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) وأجداده كانوا أنبياء وأوصياء وحملة دين الله، هم كانوا بنو إسماعيل أوصياء إبراهيم، ولم يزالوا رؤساء مكّة، ويتعلّق بهم تعمير الكعبة وحجابته، ولم تنسخ فيهم شريعة إبراهيم(عليه السلام) بشريعة موسى (عليه السلام) ولا بشريعة عيسى (عليه السلام)، وإنّهم كانوا حفظة شريعة إبراهيم (عليه السلام) يوصي بها بعضهم بعضاً، ويستودع بعضهم بعضاً كتب الأنبياء (عليهم السلام) وودائعهم وأماناتهم، من لدن إسماعيل (عليه السلام) إلى عبد المطّلب، حتّى استودع عبد المطّلب إيّاها كلّها أبا طالب ونصبه وصيّه، وهو وصيّه، واستودع أبو طالب كتب الأنبياء وودائعهم وأماناتهم، وآثارهم النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) بعد مبعثه.

(حياة القلوب: ج٢، ف ص ٣)

فقد ظهر من ادعاء العلاّمة المجلسي (رض):

- أنّ الأحاديث المتواترة تدلّ على أنّ الله جعل آباء النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) والولي (عليه السلام) من لدن إسماعيل إلى أبي طالب أنبياءه وأوصياء إبراهيم (عليه السلام).

- وظهر أنّ هؤلاء الأنبياء الذين كانت كتبهم من لدن إسماعيل إلى أبي طالب مستودعه عنده، فهم كانوا أنبياء بني إسماعيل (عليه السلام) وهم كانوا آباء النبي (صلَّى الله عليه وآله) والولي (عليه السلام).

كان أبو طالب (عليه السلام) أولى الناس بإبراهيم (عليه السلام)

قال الله تعالى:

( إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ) .

(سورة آل عمران: آية: ٦٨)

فقد ظهر من هذه الآية:

أنّ الله تعالى جعل ورثاء إبراهيم (عليه السلام) ثلاثة:

١٣٥

١ - متّبعو إبراهيم.

٢ - هذا النبي محمّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم).

٣ - المؤمنون.

* عن إمامنا الصادق (عليه السلام) قال: (( وَالَّذِينَ آَمَنُوا ) : هم الأئمّة وأتباعهم).

(مجمع البيان)

* وعن إمامنا الصادق (عليه السلام) قال:

(قال أمير المؤمنين (عليه السلام): إنّ أولى الناس بالأنبياء (عليهم السلام) أعلمهم بما جاؤا به -ثمّ تلا هذه الآية -( إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ ) ) - الآية -.

(مجمع البيان / الصافي / البرهان / نور الثقلين)

فقد ظهر من تفسير هذه الآية:

أنّ الأعلميّة بما جاء به الأنبياء شرط للأولويّة بالأنبياء، والأولويّة بالأنبياء مشروط بالأعلميّة بما جاء به الأنبياء (عليهم السلام).

وأنّ الأعلميّة بما جاء به الأنبياء لا يمكن إلاّ بتعليمهم وبوصيّتهم أوصيائهم؛ لأنّ أوصياء الأنبياء (عليهم السلام) كانوا أعلم الناس بما جاء به الأنبياء وصيّةً ووراثةً، فهم أولى الناس بهم وورثاؤهم.

فقد ظهر:

- أنّ أوصياء إبراهيم كانوا أعلم الناس بما جاء به إبراهيم، وهم كانوا أولى الناس بهم وورثاءه.

- وأنّ أوصياء الرسل كانوا أنبياء (عليه السلام) من لدن آدم إلى عصر نبيّنا محمّد خاتم النبيّين (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم).

- وأنّ إبراهيم كان رسولاً من الرسل، أولي العزم وأوصياءه كانوا أنبياء (عليهم السلام).

وقد ظهر من هذه الآية:

أنّ متّبعي إبراهيم هؤلاء كانوا موجودين عند نبيّنا محمّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) كما كان هؤلاء المؤمنون موجودين عنده، ولا يمكن اتّباع إبراهيم إلاّ بشريعته، وظهر أنّ شريعة إبراهيم كانت إلى بعثة نبيِّنا محمّد (صلَّى الله عليه وآله) موجودة ولم تنسخ

١٣٦

بشريعة موسى ولا بشريعة عيسى، وإلاّ لم يتصوّر متّبعوا إبراهيم إلى بعثة نبيّنا محمّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، والآية دالّة على وجودهم بوجودها.

* وعن إمامنا الصادق (عليه السلام) قال:

(قال أمير المؤمنين (عليه السلام): في هذه الآية:( مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا ) لا يهوديّاً يصلِّي إلى المغرب، ولا نصرانيّاً يُصلِّي إلى المشرق،( وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا ) ) - الحديث -.

(العيّاشي / الصافي / البرهان / نور الثقلين)

* وعن إمامنا أبي جعفر (عليه السلام): في قوله تعالى: ( لاَ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ ) يقول:

لستم بيهود فتصلّوا قبل المغرب، ولا بنصارى فتصلّوا قبل المشرق، وأنتم على ملّة إبراهيم (عليه السلام).

(روضة الكافي / الصافي)

* وعن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) قال:

(والله ما عَبد أبي، ولا جدّي، عبد المطّلب، ولا هاشم، ولا عبد مناف، صنماً قط.

قيل له: فما كانوا يعبدون؟

قال: كانوا يصلّون إلى البيت على دين إبراهيم متمسّكين به).

(البحار: ج١٥، الطبع الجديد)

فقد ظهر من هذه الأحاديث:

- أنّ القبلة في شريعة موسى كانت إلى المغرب، وفي شريعة عيسى كانت إلى المشرق، وفي شريعة إبراهيم كانت بيت الله الحرام.

- وظهر أنّ شريعة إبراهيم كانت موجودة عند آباء النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) والولي (عليه السلام) كانوا يصلون إلى بيت الله الحرام على شريعة إبراهيم، متمسّكين به لا سيّما أبا طالب كان أولى الناس بإبراهيم (عليه السلام)، وأعلم الناس بشريعته ووصيّة نبيّنا محمّد (صلَّى الله عليه وآله).

١٣٧

آباء النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) والولي (عليه السلام) كانوا

أنبياء معصومين (عليهم السلام)

قال الله تعالى:

( قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ * قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ * إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ ) .

(سورة الحجر: آية:٣٩ - ٤٢)

فقد ظهر من هذه الآيات:

أنّ عباد الله المخلصين ليس عليهم تسلّط الشيطان، كما أقرّ لهم الشيطان( وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ) .

وكما قال الرحمن:( إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ) .

الإخلاص للّه من العبد

* قال صاحب المفردات الراغبُ:

فحقيقة الإخلاص: التبرّي من كلّ مادون الله تعالى.

فظهر أنّ المخلِص لله - بكسر اللام -: هو الذي يتولّى الله ويتبرّى مِن كلّ ما خالف الله، فهذا الإخلاص لله من العبد، كما قال الله:( قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ ) الإخلاص من الله للعبد.

* قال صاحب المنجد:

أخلص الشيء: أخذ خلاصته، اختاره الله: جعله مختاراً خالصاً من الدنس للطاعة.

١٣٨

فظهر أنّ المخلَص من الله - بفتح اللام -: هو الذي اختاره الله للطاعة مخلصاً، وطهّر قلبَه من دنس الشرك والشك والريب، فهذا الإخلاص من الله للعبد أي اختياره تعالى.

وفي سورة الحِجْر: ( إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ) - بفتح اللام -.

وفي سورة ص: ( وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ ) .

( إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ ) .

( وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ ) .

فقد ظهر أنّ عباد الله المخلَصين - بفتح اللام -: الذين أخلصهم الله لطاعته، وطهّر قلوبهم من دنس الشرك والشكّ والريب، واختارهم واصطفاهم فجعلهم أنبياءه المعصومين عن تسلط الشيطان.

* قال الطريحي (ره):

قوله تعالى:( إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ ) : أي جعلناهم لنا خالصين بخصلة خالصة لا شوب فيها، وهي ذكرى الدار أي ذكرهم الآخرة دائما بطاعة الله.

إلى أنْ قال:

بفتح اللام الذين أخلصهم الله تعالى لرسالته، أي اختارهم (يعني جعلهم مرسلين).

(مجمع البحرين: ص٣٢٢)

فقد ظهر أنّ كل مَن أخلصه الله من الناس فقد جعله نبيّه ومَن جعله نبيّه فقد جعله معصوماً من تسلط الشيطان عليه.

ادّعاء إمامنا الحسن نبوّة آبائه (عليهم السلام)

* عن إمامنا جعفر بن محمّد عن أبيه عن جدّه عن عليّ بن الحسين (عليه السلام) قال:

(قال الحسن بن علي (عليه السلام) في مجلس معاوية وقت

١٣٩

الصلح بينهما:

وأقول: يا معشر الخلائق فاسمعوا، ولكم أفئدة وأسماع فَعُوا، إنّا أهل بيت أكرمنا الله بالإسلام واختارنا واصطفانا واجتبانا فأذهب عنّا الرجس وطهّرنا تطهيراً، والرجس هو الشك فلا نشك في الله الحق ودينه أبداً، وطهّرنا مِن كلّ أَفن وغيّة، مخلصين إلى آدم (عليه السلام) نعمة منه.

لم يفترق الناس فرقتين إلاّ جعلنا الله في خيرها، فأدّت الأمور وأفضتْ الدهور إلى أنْ بعث الله محمّداً للنبوّة واختاره للرسالة وأنزل عليه كتابه) - الحديث -.

(البرهان: ج٣)

فقد ظهر من آخر ادّعائه (إلى أنْ بعث الله محمّداً (ص)) أنّ أوّل ادّعائه (إنّا أهل بيت أكرمنا الله) إلى (آدم) يشمله مع آبائه من عبد الله وأبي طالب إلى آدم (عليه السلام)، وظهر أنّ الضمائر (إنّا / نا) كلّها تجمع الخمسة النجباء وآبائهم من أبي طالب وعبد الله إلى آدم كلّهم (عليهم السلام).

فقوله: (إنّا أهل بيت أكرمنا الله بالإسلام)، تقريره:

إنّا نحن الخمسة النجباء وآبائنا من أبي طالب وعبد الله إلى آدم (عليه السلام) أهل بيت جعلنا الله مسلمين.

وقوله: (واختارنا واصطفانا واجتبانا)، تقريره:

إنّا نحن الخمسة النجباء وآبائنا من أبي طالب وعبد الله إلى آدم (عليه السلام) أهل بيت جعلنا الله مجتبين، ومصطفين ومختارين.

وقوله: (فأذهب عنّا الرجس): وهو الشك، (وطهّرنا تطهيراً) تقريره:

إنّا نحن الخمسة النجباء وآبائنا من أبي طالب وعبد الله إلى آدم (عليه السلام)

١٤٠