المجتمع والتاريخ

المجتمع والتاريخ0%

المجتمع والتاريخ مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
تصنيف: كتب
الصفحات: 433

المجتمع والتاريخ

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ مرتضى المطهري
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
تصنيف: الصفحات: 433
المشاهدات: 63620
تحميل: 15796

توضيحات:

المجتمع والتاريخ
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 433 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 63620 / تحميل: 15796
الحجم الحجم الحجم
المجتمع والتاريخ

المجتمع والتاريخ

مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

يخلقون التغيّرات والتطوّرات التاريخية، سواء العلمية أو السياسية أو الاقتصادية أو الفنيّة أو الأخلاقية جميع الأحياء - عدا الإنسان - تتميّز بالمساواة التامة بين أفرادها في الكفاءات الطبيعية، وإن كان هناك اختلاف بينها فهو اختلاف طفيف غير ملحوظ، أمّا أبناء البشر فبينهم اختلاف شاسع في الكفاءات النوابغ هم الأفراد الاستثنائيون في كل مجتمع، ويتمتّعون بقدرة عقلية أو ذوقية أو إرادية وابتكارية خارقة، ويدفعون مجتمعاتهم متى ما ظهروا، نحو التطوّر العلمي والفني، أو الأخلاقي أو السياسي، أو العسكري استناداً إلى هذه النظرية، أكثر أفراد البشر يفتقدون روح الابتكار، وهم تابعون، ومستهلكون لأفكار الآخرين ومنتجاتهم، والنوابغ موجودون دوماً بدرجة وأُخرى في المجتمعات، وهم الرّواد المبدعون المبتكرون الذين يدفعون عجلة التاريخ، ويقودون مجتمعهم نحو مرحلة جديدة.

الكسيس كاريل في كتابه المعروف ( الأبطال ) تبنّى هذه النظرية مبتدئاً من الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كارليل يذهب أنّ تاريخ كل أُمّة من الأُمم مظهر لشخصية واحدة أو عدّة شخصيات وبعبارة أصح، تاريخ كل أُمّة من الأُمم مظهر لنبوغ بطل واحد أو عدّة أبطال فتاريخ الإسلام مظهر لشخصية الرسول الأعظم، وتاريخ فرنسا الحديث مظهر لشخصية نابليون وعدد آخر من الشخصيات، وتاريخ روسيا السوفيتية مظهر لشخصية لينين.

٤ - النظرية الاقتصادية:

هذه النظرية تركّز على الاقتصاد، باعتباره العامل المحرّك للتاريخ، وتذهب إلى أنّ جميع الشؤون الاجتماعية والتاريخية لأُمّة من الأُمم بما في

٢٨١

ذلك الشؤون الثقافية والدينية والسياسية والعسكرية والاجتماعية، هي مظهر لطريقة الإنتاج والعلاقات الإنتاجية في ذلك المجتمع.

تطوّر المؤسسة الاقتصادية للمجتمع هو الذي يغيّر المجتمع تغييراً جذرياً، والنوابغ المذكورون في النظرية السابقة ما هم إلاّ مظاهر للاحتياجات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وهذه الاحتياجات بدورها معلولة للتغيير في وسائل الإنتاج.

كارل ماركس، والماركسيون عامة وغير الماركسيين أحياناً يتبنّون هذه النظرية وهي أكثر النظريات شيوعاً على هذا الصعيد في عصرنا الراهن.

٥ - النظرية الإلهيّة:

هذه النظرية تُرجع كل ما يظهر على سطح الأرض إلى الأوامر الإلهية المسيّرة للأرض وفق حكمة بالغة وتطوّرات التاريخ مظهر للمشيئة الإلهية وحكمته البالغة فإرادة الله هي التي تغيّر التاريخ، والتاريخ مسرح لتحقيق الإرادة الإلهية المقدّسة.

بوسويه الأسقف المؤرّخ، ومعلّم لويس الخامس عشر من المنادين بهذه النظرية.

هذه هي النظريات التي تطرحها عادة كتب فلسفة التاريخ باعتبارها العوامل المحرّكة للتاريخ عرض هذه النظريات بهذا الشكل غير صحيح - كما ذكرنا - لبعدها غالباً عن الموضوع الذي ينبغي أن تعالجه.

نظرية العنصر ترتبط بعلم الاجتماع، ويمكن طرحها في مجال دراسة مدى تساوي السلالات البشرية في الكفاءة من الناحية الوراثية ،

٢٨٢

فإذا كانت متساوية، فهي مشتركة مع بعضها بنسبة واحدة في حركة التاريخ، أو إنّها على الأقل تستطيع أن تكون مشتركة في ذلك وإن لم تكن السلالات البشرية متساوية فإنّ بعض السلالات فقط هي التي تدفع عجلة التاريخ وتقدر أن تقوم بذلك من هنا لا ترتبط هذه المسألة بفلسفة التاريخ.

النظرية الجغرافية كذلك لها عطاؤها الخاص في حقل علم الاجتماع، إذ توضّح مدى تأثير البيئة على النمو الفكري والعقلي والذوقي والجسمي لأفراد البشر كما أنّ هذه النظرية تذهب إلى أنّ عجلة التاريخ تتحرّك في أقاليم معيّنة، وتتوقّف عن الحركة في أقاليم ؛ حيث يسكنها أفراد لا يكاد تاريخ حياتهم يتجاوز تاريخ الحيوان لثباته وسكونه يبقى السؤال الأساس باقياً، لماذا لم تطوِ الحيوانات الاجتماعية، مثل النحل، حركة تاريخية في تلك الأقاليم التي يتحرك فيها التاريخ ؟ ما هو العامل الذي أدّى إلى بقاء النحل ثابتاً في حياته، بينما دفع الإنسان إلى أن يطوي مراحله التاريخية؟

أكثر هذه النظريات بُعداً عن معالجة الموضوع الأساسي، النظرية الإلهية، ترى هل التاريخ وحده يمثّل مظهر المشيئة الإلهية ؟ ! كلا طبعاً، مسيرة العالم كلها بأسبابها وعللها ودوافعها وموانعها مظهر للمشيئة الإلهية، بما في ذلك حياة الإنسان المتطورة المتغيرة، وحياة النحل الثابتة الساكنة والحديث ينبغي أن يدور حول النظام الذي اقتضت المشيئة الإلهية أن تخلق الإنسان وفقه، والسرّ الذي أودعته المشيئة في هذا الموجود فصيّرت منه كائناً متطوّراً متغيّراً، بينما تفتقد سائر الأحياء هذا السرّ.

النظرية الاقتصادية تفتقد أيضاً الجانب الفنّي المبدئي في معالجة

٢٨٣

القضية، هذه النظرية تدور حول محور هوية التاريخ، وتعتقد أنّها مادية اقتصادية، وترى أنّ كل شؤون الحياة بمثابة أعراض لهذا الجوهر التاريخي وتذهب إلى أنّ كل شؤون المجتمع تتغيّر لزاماً إذا تغيّر الأساس الاقتصادي للمجتمع غير أنّ كلمة ( إذا ) تجعل السؤال باقياً دونما جواب تُرى ما هو العامل الذي يؤدّي إلى تغيّر القاعدة والبناء التحتي ؛ لتتغير تبعاً لذلك كل الأبنية الفوقية ؟ بعبارة أُخرى: حين يكون الاقتصاد بناءاً تحتياً، فإنّه لا يكفي لأن يكون متحرّكاً ومحرّكاً.

نعم لو طرح أتباع المادية التاريخية نظريتهم بشكل آخر، وقالوا إنّ البناء التحتي للمجتمع هو المحرّك للتاريخ نتيجة التناقض بين البناء التحتي والبناء الفوقي، أو بين جانبي البناء التحتي ( وسائل الإنتاج والعلاقات الإنتاجية ) ؛ لكان لهذه النظرية علاقة بمسألة عوامل حركة التاريخ.

أغلب الظن أنّ القائلين بأنّ الاقتصاد محرّك التاريخ، يقصدون أنّ العامل الأساس في كل حركة هو التضاد الداخلي، وأنّ التضاد بين وسائل الإنتاج وعلاقات الإنتاج هو المحرّك للتاريخ نظرية الأبطال، سواء كانت صحيحة أم غير صحيحة، ذات علاقة مباشرة بفلسفة التاريخ، أي بالعامل المحرّك للتاريخ وتذهب إلى أنّ الأبطال هم الذين يصنعون التاريخ، أي إنّها تذهب في الحقيقة إلى أنّ الأكثرية الساحقة من أفراد المجتمع تفتقد قدرة الابتكار والتطوير والقيادة ولو كان كل أفراد المجتمع يفتقدون ذلك ؛ لما حدث أي تغيير في المجتمع لكنّ الأقليّة الموهوبة - التي تظهر في المجتمع - تبتكر وتخطّط وتقرّر وتقاوم بشدّة وتقود المجتمع وراءها ؛ وبذلك تحدث تغييراً في المجتمع وتذهب هذه النظرية إلى أنّ شخصية هذا البطل وليدة عوامل

٢٨٤

طبيعية وراثية استثنائية وليس للظروف الاجتماعية والاحتياجات المادية للمجتمع دور في خلق هذه الشخصيات.

إلى هنا توصّلنا إلى نظريتين من نظريات عوامل حركة التاريخ.

الأُولى: نظرية التضاد بين البناء التحتي والبناء الفوقي للمجتمع، وهذا هو التعبير الصحيح للنظرية الاقتصادية في مجال حركة التاريخ.

والثانية: نظرية الأبطال:

وثمّة نظرية ثالثة هي نظرية الفطرة: الإنسان يتمتّع بخصال تجعل خصائص حياته الاجتماعية متكاملة إحدى تلك الخصال: قدرته على استيعاب التجارب وحفظها فما يحصل عليه الإنسان من تجاربه، يحفظه ويستثمره في التجارب التالية.

إحدى الخصال الأُخرى: قدرته على التعلّم عن طريق البيان والقلم فهو يكتسب تجارب الآخرين عن طريق اللغة مشافهة، ويكتسبها على مرحلة أعلى كتبيّاً وعن هذين الطريقين تنتقل التجارب الإنسانية من جيل إلى جيل من هنا ركز القرآن الكريم على نعمة البيان والقلم ؛ إذ قال:

( الرحمن * عَلَّمَ الْقُرْآَنَ * خَلَقَ الإنسان * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ) (١) . وقال:( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإنسان مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأكرم * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ) (٢) .

الخصلة الثالثة: تزوّدُ الإنسان بقوّة العقل والابتكار وهذه القوّة

____________________

(١) الرحمن: ١ - ٤.

(٢) العلق: ١ - ٤.

٢٨٥

الغريبة تمنح الإنسان قدرة الإبداع والابتكار التي هي مظهر للإبداع الإلهي.

الخصلة الرابعة: ميل الإنسان الذاتي ورغبته الفطرية في الإبداع، أي إنّ الإنسان لا ينطوي على قدرة الإبداع فحسب، بل فيه اندفاع ذاتي نحو الإبداع والخلاّقية.

هذه الخصال هي التي تدفع الإنسان نحو التقدّم، بينما تفتقد الحيوانات قوّة حفظ التجارب ونقل المكتسبات(١) ، وقوّة الابتكار والإبداع والميل الذاتي نحو الإبداع من هنا كانت حياة الحيوان ساكنة وحياة الإنسان متطوّرة باستمرار ولنبدأ بنقد هذه النظريات:

دورُ الشخصيةِ في التاريخ:

ادعى بعضهم أنّ ( التاريخ حرب بين النبوغ والمستوى الاعتيادي ): أي إنّ الأفراد العاديين يساندون دوما الأوضاع التي اعتادوا عليها، والنوابغ يستهدفون دوماً تبديل الوضع القائم بوضع أفضل.

كارليل يدّعي أن التاريخ ينطلق من النوابغ والأبطال وهذه النظرية تقوم في الحقيقة على افتراضين:

الأوّل: أنّ المجتمع يفتقد الطبيعة المتميّزة والشخصية الخاصة ،

____________________

(١) بعض الحيوانات لها القدرة على نقل المكتسبات الاعتيادية، لا التجارب العلمية، كما يقال بشأن النمل مثلاً، ولعلّ في القرآن الكريم إشارة إلى ذلك في الآية الكريمة:

( قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ) (النمل، ١٨).

٢٨٦

وأنّ تركيب المجتمع من الأفراد ليس بتركيب حقيقي، والأفراد مستقلّون عن بعضهم، وليس هناك روح جماعية مركّبة من تفاعل الأفراد مع بعضهم وذات شخصية وطبيعة وقوانين خاصة، وأنّ علاقات الأفراد مع بعضهم تشبه في استقلالها علاقات الأشجار في غابة واحدة.

والحوداث الاجتماعية ليست سوى مجموعة أحداث جزئية وفردية ؛ من هنا فالصدف الناتجة عن العلل الجزئية هي التي تتحكّم في المجتمع، لا العلل الكليّة العامة.

الثاني: أنّ أفراد البشر مخلوقون بشكل متفاوت تفاوتاً شديداً مع أنّ أفراد البشر جميعاً موجودات مفكّرة، أو بتعبير الفلاسفة حيوانات ناطقة، فأكثريّتهم الساحقة - مع ذلك - تفتقد قدرة الخلاّقية والابتكار، وتستهلك الحضارة والمدنية ولا تنتجها، واختلافها عن الحيوانات: أنّ الحيوانات لا تستطيع حتى استهلاك الحضارة والمدنية هذه الأكثرية تحمل روح التقليد والتبعية وعبادة الأبطال أمّا الأقلية النادرة من أفراد البشر فهم النوابغ المستقلّون المبدعون المبتكرون، ذوو الإرادة الحديدية المتميّزون عن الأكثرية، كأنّهم جُبلوا من طينة أُخرى ! والبشرية ما كان بمقدورها أن تتقدم، لولا ظهور النوابغ والأبطال في المجالات العلمية والفلسفية والذوقية والسياسية والاجتماعية والأخلاقية والفنية.

نحن نعتقد أنّ الافتراضين خاطئان.

أمّا الأول، فقد أثبتنا خطأه في بحث ( المجتمع ) حيث أثبتنا أنّ المجتمع له شخصية وطبيعة وقانون وسنّة، وحركته تتم وفق هذه السنن العامة وهذه السنن تطورية تكاملية ذاتياً ؛ من هنا ينتفي هذا الافتراض، وتبقى مسألة الدور الذي يستطيع أن ينهض به الإنسان في

٢٨٧

مجتمع له شخصية وطبيعة وسنن يجري وفقها وهذا ما سنبحثه في فصل آخر(١) .

أمّا بشأن الفرض الثاني، فإنّنا لا ننكر وجود اختلاف في خلقة البشر، لكنّه لا يصح أن يكون النوابغ والإبطال وحدهم ذوي قدرة خلاّقة، والأكثرية الساحقة مستهلكة للحضارة والمدنية جميع أفراد البشر مزوّدون بقدرة الابتكار والإبداع بدرجة وأُخرى ؛ من هنا فجميع الأفراد أو أكثريتهم على الأقل قادرون على المشاركة في الإنتاج والابتكار والإبداع، وإن كانت مشاركتهم ضئيلة بالنسبة إلى النوابغ.

تقابل هذه النظرية نظرية أُخرى تذهب إلى أنّ التاريخ هو الذي يخلق الشخصيات، لا العكس، أي إنّ الاحتياجات العينية الاجتماعية هي التي تخلق الشخصية.

نُقل عن مونتسكيو أنّه قال: ( الأشخاص العظام والأحداث الجسام مظاهر ونتائج لتيّارات أوسع وأطول ) وعن هيغل أنّه قال: ( الأشخاص الكبار لم يخلقوا التاريخ، بل هم قوابل له(٢) أي إنّه ( علامات ) لا ( عوامل ).

أولئك الذين يؤمنون بالأصالة الجماعية مثل دوركيم، ويعتقدون أنّ الأفراد يفتقدون أية شخصية ذاتية، وكل شخصيتهم مأخوذة من المجتمع، يذهبون إلى أنّ الأفراد والشخصيات ليست إلاّ مظاهر للروح الجماعيّة.

____________________

(١) عسى أن يجد القارئ في الملحقات ما أراد الأُستاذ الشهيد أن يقدّمه لقارئه عن دور الإنسان في دفع عجلة التاريخ ( المترجم ).

(٢) جمع قابلة: المرأة التي تأخذ الولد عند الولادة، ويراد هنا أنّ الأبطال وسائل لولادة أحداث التاريخ، وليسوا صنّاع لهذه الحوادث التاريخية.

٢٨٨

أمّا ماركس ومن لفّ لفّه من أولئك الذين يركّزون على العمل الاجتماعي، ويعتبرونه طريقاً لفهم المجتمع الإنساني ومقدّماً على الشعور الاجتماعي، أي يعتبرون شعور الأفراد مظهراً لاحتياجاتهم المادية والاجتماعية، هؤلاء يعتقدون أنّ الشخصيات مظاهر للمتطلبات المادية والاقتصادية .(١) .

____________________

(١) إلى هنا تنتهي النسخة الخطّية للمؤلّف، وواضح أنّ بحثه لم ينته، إذ أسبغ الوضوء بدم الشهادة وسارع للقاء ربّه راضياً مَرْضيّاً ناشر الكتاب باللغة الفارسية يأمل أن يرّمم بحوث الأُستاذ الشهيد من خلال قصاصات كتاباته المتناثرة، ونحن نعتقد أنّ جهود المفكّرين الإسلاميين ينبغي أن تتضافر لتقديم بحوث موسّعة معمّقة في حقل العلوم الاجتماعية عامة، وفي حقل علم الاجتماع والتاريخ خاصة ؛ لسدّ الفجوة الكبيرة الموجودة فعلاً في دراساتنا الإسلامية , ولتقديم كتب مدرسية على الأقل لل

طلبة الجامعيين في هذه الحقول.

٢٨٩

٢٩٠

الملاحق

ذكرنا في مقدمة الكتاب أنّ المؤلّف ( رضوان الله عليه ) التحق بالرفيق الأعلى قبل أن ينهي الكتاب ؛ من هنا كان من الضروري إضافة ملحقات ترّمم الكتاب، وتجعله أكثر فائدة للقارئ الكريم.

هذه الملاحق اخترناها من فكر الإمام الشهيد الصدر، وتضم مجموعتين:

الأُولى: سبل الماركسية في الاستدلال على المادية التاريخية ونقدها، وهذا الموضوع يكمّل ما أراد المؤلّف أن يبحث فيه، في نقد المادية التاريخية تحت عنوان ( افتقاد الدليل ).

لم نغيّر شيئاً من هذا الموضوع، وإنّما نقلناه بالنص لاختصاره وحسن تبويبه من كتاب ( اقتصادنا ) الجزء الأول ص٤٥ - ٦٧.

الثانية: النظرة القرآنية لعناصر المجتمع وهي محاضرات ألقاها الإمام الشهيد وطُبعت تحت عناوين مختلفة مثل: التفسير الموضوعي، وسنن التاريخ

٢٩١

ويبدو أنّ هذه المحاضرات تضمّ على قصرها الخطوط العامة لكتاب ( مجتمعنا ) الذي كان الإسلاميون ينتظرونه من الشهيد الصدر بفارغ الصبر ؛ لأنّها تستوعب الإطار العام لمسائل المجتمع والتاريخ من وجهة نظر القرآن، وإن كانت مكثّفة إلى درجة الإشارة فقط في بعض المسائل.

النسخ المطبوعة من هذه المحاضرات حاولت أن تتقيد بنصّ كلام الشهيد المسجّل على الشريط، ولا يخفى الفرق بين الإلقاء والكتابة ؛ ومن هنا تكاد أن تكون المحاضرات المكتوبة المطبوعة غير مفهومة، اللّهم إلاّ عند أولئك الذين استمعوا إلى محاضرات الإمام الشهيد، أو ألفوا كثيراً طريقة إلقائه.

وهذا ما حدا بنا إلى إعادة كتابة هذه المحاضرات، بلغة نحسب أنّها مفهومة مع الاحتفاظ بالفكرة نفسها، بل حتى بالجملة نفسها قدر الإمكان.

في هذه المحاضرات مقدمات وإضافات لم نجد لها ضرورة في هذا الملحق ؛ ولذلك حذفناها لعدم ارتباطه بدراسة المجتمع والتاريخ.

المترجم

٢٩٢

الملحق رقم - ١

أدلّة المادية التاريخيّة

يمكننا تلخيص الأدلة التي تستند إليها المادية التاريخية، في أُمور ثلاثة:

١ - الدليل الفلسفي.

ب - الدليل السيكلولوجي.

ج - الدليل العلمي.

أ - الدليل الفلسفي:

أمّا الدليل الفلسفي - ونعني به: الدليل الذي يعتمد على التحليل الفلسفي للمشكلة، وليس على التجارب والملاحظة المأخوذة عن مختلف عصور التاريخ - فهو: أن خضوع الأحداث التاريخية لمبدأ العلية، الذي يحكم العالم بصورة عامة، يرغمنا على التساؤل عن سبب التطوّرات التاريخية، التي تعبّر عنها أحداث التاريخ المتعاقبة، وتيّاراته الاجتماعية، والفكرية والسياسية المختلفة فمن الملاحظ، بكل سهولة، أنّ المجتمع الأوروبي الحديث - مثلاً - يختلف في محتواه الاجتماعي، وظواهره المتنوّعة، عن المجتمعات الأوروبية قبل عشرة

٢٩٣

قرون فيجب أن يكون لهذا الاختلاف الاجتماعي الشامل سببه، وأن نفسّر كل تغير في الوجود الاجتماعي في ضوء الأسباب الأصيلة التي تصنع هذا الوجود وتغيّره، كما يدرس العالم الطبيعي في الحقل الفيزيائي كلّ ظاهرة طبيعية في ضوء أسبابها، ويفسّرها بعلّتها ؛ لأنّ المجالات الكونية كلّها - الطبيعية والإنسانية - خاضعة لمبدأ العلّية فما هو السبب - إذن - لكلّ التغييرات الاجتماعية التي تبدو على مسرح التأريخ ؟

قد يجاب على هذا السؤال: بأنّ السبب هو الفكر أو الرأي السائد في المجتمع، فالمجتمع الأوروبي الحديث يختلف عن المجتمع الأوروبي - القديم، تبعاً لنوعية الأفكار والآراء الاجتماعية العامة السائدة في كلٍّ من المجتمعين.

ولكن هل يمكن أن نقف عند هذا في تفسير التأريخ والمجتمع ؟

إنّنا إذا تقدّمنا خطوة إلى الأمام في تحليلنا التأريخي نجد أنفسنا مرغمين على التساؤل: عمّا إذا كانت آراء البشر وأفكارهم خاضعة لمجرّد المصادفة، ومن الطبيعي أن يكون الجواب على هذا السؤال - في ضوء مبدأ العلّية - سلبياً فليست آراء البشر وأفكارهم خاضعة للمصادفة، كما أنّها ليست فطرية تولد مع الناس وتموت بموتهم وإنّما هي آراء وأفكار مكتسبة تحدث وتتغيّر وتخضع في نشوئها وتطوّرها لأسباب خاصة، فلا يمكن - إذن - اعتبارها السبب النهائي للأحداث التأريخية والاجتماعية، ما دامت هي بدورها أحداثاً خاضعة لأسباب وقوانين محدّدة بل يجب أن نفتّش عن العوامل المؤثّرة في نشوء الآراء والأفكار وتطوّرها فلماذا - مثلاً - ظهر القول بالحرّية السياسية في العصر الحديث، ولم يوجد في قرون أوربا

٢٩٤

الوسطى ؟ وكيف شاعت الآراء التي تعارض المِلكية الخاصة، في المرحلة التأريخية الحاضرة دون المراحل السابقة ؟

وهنا قد نفسّر، بل من الضروري أن نفسّر، نشوء الآراء وتطوّرها عن طريق الأوضاع الاجتماعية بصورة عامّة، أو بعض تلك الأوضاع - كالوضع الاقتصادي - بوجه خاص، ولكنّ هذا لا يعني أنّنا تقدّمنا في حلّ المشكلة الفلسفية شيئاً ؛ لأنّنا لم نصنع أكثر من أنّنا فسّرنا تكوّن الآراء وتطوّرها تبعاً لتكوّن الأوضاع الاجتماعية وتطوّرها. وبذلك انتهينا إلى النقطة التي ابتدأنا بها ! انتهينا إلى الأوضاع الاجتماعية التي كنا نريد منذ البدء أن نفسّرها ونستكشف أسبابها فإذا كانت الآراء وليدة الأوضاع الاجتماعية، فما هي الأسباب التي تنشأ عنها الأوضاع الاجتماعية وتتطوّر طبقاً لها ؟

وبكلمة أخرى: ما وهو السبب الأصيل للمجتمع والتأريخ ؟

وليس أمامنا - في هذا الحال - لاستكشاف أسباب الوضع الاجتماعي وتفسيره إلاّ أحد سبيلين:

الأوّل: أن نرجع إلى الوراء خطوة فنكرّر الرأي السابق، القائل بتفسير الأوضاع الاجتماعية بمختلف ألوانها السياسية والاقتصادية وغيرها بالأفكار والآراء ونكون حينئذٍ قد درنا في حلقة مفرغة ؛ لأنّنا قلنا أولاً أنّ الآراء والأفكار وليدة الأوضاع الاجتماعية، فإذا عدنا لنقول: أنّ هذه الأوضاع نتيجة للأفكار والآراء، رسمنا بذلك خطّاً دائرياً ورجعنا من حيث أردنا أن نتقدّم وهذا السبيل هو الذي سار فيه المفسّرون المثاليون للتأريخ جميعاً قال بليخانوف:

٢٩٥

( وجد هيجل نفسه في ذات الحلقة المفرغة التي وقع فيها علماء الاجتماع والمؤرخون الفرنسيون، فهم يفسّرونالوضع الاجتماعي، بحالة الأفكار، وحالة الأفكار بالوضع الاجتماعي وما دامت هذه المسألةبلا حلّ كان العلم لا ينفكّ عن الدوران في حلقة مفرغة بإعلانه: أنّ ( ب ) سبب ( أ )، مع تعيينه( أ ) كسبب ( ب ) )(١) .

والسبيل الآخر - سبيل الماركسية -: أن نواصل تقدّمنا في التفسير والتعليل وفقاً لمبدأ العلّية، ونتخطّى أفكار الإنسان وآرائه وعلاقاته الاجتماعية بمختلف أشكالها، نتخطّاها لأنّها كلّها ظواهر اجتماعية تحدث وتتطّور، فهي بحاجة إلى تعليل وتفسير ولا يبقى علينا في هذه اللحظة الحاسمة، من تسلسل البحث إلاّ أن نفتّش عن سرّ التأريخ خارج نطاق الطبيعة التي يمارسها الإنسان منذ أقدم العصور إنّ قوى الإنتاج هذه هي وحدها التي يمكّنا أن تجيب على السؤال الذي كنا نعالجه: لماذا، وكيف حدثت الأحداث التأريخية وتطوّرت وفقاً للضرورة الفلسفية القائلة: بأنّ الأحداث لا تخضع للمصادفة، وأنّ لكلّ حادثة سببها الخاص ( مبدأ العلّية ) ؟

وهكذا لا يمكن للتفسير التأريخي أن ينجو من الحركة الدائرية العقيمة في مجال البحث، إلاّ إذا وضع يده على وسائل الإنتاج كسبب أعلى للتأريخ والمجتمع.

____________________

(١) فلسفة التاريخ: ص ٤٤.

٢٩٦

هذا هو الدليل الفلسفي، وقد حرصنا على عرضه بأفضل صورة ممكنة، ويعدّ أهم كتاب استهدف بمجموعة بحوثه كلّها التركيز على هذا اللون من الاستدلال: ( فلسفة التأريخ )، للكاتب الماركسي الكبير بليخانوف وقد لخصنا

الدليل الآنف الذكر من مجموعة بحوثه.

والآن بعد أن أدركنا الدليل الفلسفي للنظرية بشكلٍ جيد، أصبح من الضروري تحليل هذا الدليل ودرسه في حدود الضرورة الفلسفية القائلة: إنّ الأحداث لا تنشأ صدفة ( مبدأ العلّية ).

فهل هذا الدليل الفلسفي صحيح ؟ هل صحيح أنّ التفسير الوحيد الذي تنحلّ به المشكلة الفلسفية للتأريخ هو تفسيره بوسائل الإنتاج ؟

ولكي نمهّد للجواب على هذا السؤال نتناول نقطة واحدة بالتحليل تتصل بوسائل الإنتاج، التي اعتبرتها الماركسية السبب الأصيل للتأريخ، وهذه النقطة هي: أنّ وسائل الإنتاج ليست جامدة ثابتة، بل هي بدورها أيضاً تتغيّر وتتطوّر على مرّ الزمن كما تتغيّر أفكار الإنسان وأوضاعه الاجتماعية، فتموت وسيلة إنتاج وتولد وسيلة أخرى فمن حقّنا أن نتساءل: عن السبب الأعمق الذي يطوّر القوى المنتجة، ويكمن وراء تأريخها الطويل، كما تساءلنا عن الأسباب والعوامل التي تصنع الأفكار، أو تصنع الأوضاع الاجتماعية.

ونحن حين نتقدّم بهذا السؤال إلى بليخانوف - صاحب الدليل الفلسفي - وأضرابه من كبار الماركسيين، لا ننتظر منهم الاعتراف بوجود سبب أعمق للتأريخ وراء القوى المنتجة ؛ لأنّ ذلك يناقض الفكرة الأساسية في المادية التأريخية، القائلة بأنّ وسائل الإنتاج هي المرجع الأعلى في دنيا التأريخ ولهذا فإنّ هؤلاء حين يجيبون على سؤالنا يحاولون أن يفسّروا تأريخ القوى المنتجة وتطوّرها بالقوى

٢٩٧

المنتجة ذاتها، قائلين: إن قوى الإنتاج هي التي تطوّر نفسها، فيتطوّر تبعاً لها المجتمع كلّه ولكن كيف يتمّ ذلك ؟ وما هو السبيل الذي تنهجه القوى المنتجة لتطوير نفسها ؟

إنّ جواب الماركسية على هذا السؤال جاهز أيضاً، فهي تقول في تفسير ذلك: إنّ القوى المنتجة - خلال ممارسة الإنسان لها - تولِّد وتنمِّي في ذهنه

باستمرار الأفكار والمعارف التأمّلية(١) فالأفكار التأمّلية، والمعارف العلمية، تَنتُج كلّها عن التجربة، خلال ممارسة الإنسان لقوى الطبيعة المنتِجة، وحين يكسب الإنسان تلك الأفكار والمعارف عن طريق ممارسة القوى الطبيعية المنتِجة، تصبح هذه الأفكار التأمّلية والمعارف العلمية قوى يستعين بها الإنسان على إيجاد وسائل إنتاج وتجديد القوى المنتجة، وتطويرها باستمرار.

ومعنى هذا: أنّ تاريخ تطوّر القوى المنتجة تمّ وفقاً للتطوّر

____________________

(١) فإنّ أفكار الإنسان تنقسم إلى قسمين:

إحداهما: الأفكار التأمّلية، ونعني بها معلومات الإنسان عن الكون الذي يعيش فيه، وما يزخر به من ألوان الوجود، وما تسيّره من قوانين، نظير معرفتنا بكروية الأرض، أو بأساليب تدجين الحيوان، أو بأساليب تحويل الحرارة إلى حركة، والمادة إلى طاقة، أو بأنّ كلّ حادثة خاضعة لسبب، وما إلى ذلك من آراء تدور حول تحديد طبيعة العالم، ونوعية القوانين التي تحكم عليه.

والفئة الأُخرى: من أفكار الإنسان: الآراء العلمية، وهي آراء الناس في السلوك الذي ينبغي أن يتّبعه الفرد والمجتمع في المجالات السياسية والاقتصادية والشخصية، كرأي المجتمع الرأسمالي في العلاقة التي ينبغي أن تقوم بين العامل وصاحب المال، ورأي المجتمع الاشتراكي في رفض هذه العلاقة، أو رأي هذا المجتمع أو ذاك في السلوك الذي ينبغي أن يتّبعه الزوجان، أو النهج السياسي الذي ينبغي على الحكومة اتباعه.

فالأفكار التأمّلية: هي إدراكات لما هو واقع وكائن، والأفكار العملية إدراكات لما ينبغي أن يكون وما ينبغي أن لا يكون.

٢٩٨

العلمي والتأملي، ونشأ عنه والتطوّر العلمي بدوره نشأ عن تلك القوى خلال تجربتها وبهذا استطاعت الماركسية أن تضمن لوسائل الإنتاج موقعها الرئيسي من التأريخ وتفسّر تطوّرها عن طريق الأفكار التأمّلية، والمعارف العلمية المتزايدة، الناشئة بدورها عن قوى الإنتاج، دون أن تعترف بسبب أعلى من وسائل الإنتاج.

وقد أكد إنجلز على إمكان هذا اللون من التفسير - تفسير كلّ من قوى الإنتاج والأفكار التأمّلية في تطوّرهما بالآخر - ونوّه: بأنّ الديالكتيك لا يقرّ تصوّر العلّة والمعلول بوصفهما قطبين متعارضين تعارضاً حاداً، كما اعتاد غير الديالكتيكيين إدراكهما كذلك فهم يرون دائماً العلّة هنا والمعلول هناك، وإنّما يفهم الديالكتيك العلّة والمعلول على شكل فعل ورد فعل للقوى.

هذه هي النقطة التي أوضحناها تمهيداً لتحليل الدليل الفلسفي ونقده، كي نقول: إذا كان هذا ممكناً من الناحية الفلسفية، وجاز أن يسير التفسير في حلقة دائرية - كما صنعت الماركسية بالنسبة إلى القوى المنتجة وتطوّرها - فلماذا لا يمكن فلسفياً أن نصطنع نفس الأسلوب في تفسير الوضع الاجتماعي؟! فنقرر: أنّ الوضع الاجتماعي - في الحقيقة - عبارة عن التجربة الاجتماعية التي يخوضها الإنسان خلال علاقاته بالأفراد الآخرين، كما يخوض تجربته الطبيعية مع القوى المنتجة خلال عمليات الإنتاج فكما أنّ الأفكار التأمّلية للإنسان تنمو وتتكامل في ظل التجربة الطبيعية، ثمّ تؤثّر بدورها في تطوير التجربة وتجديد وسائلها، كذلك الأفكار العملية للمجتمع تنمو وتتطوّر في ظل التجربة الاجتماعية وتؤثّر في تطويرها وتجديدها فوعي الإنسان العلمي للكون ينمو باستمرار من خلال التجربة

٢٩٩

الطبيعية، وتنمو بسببه التجربة الطبيعية وقواها المنتجة نفسها، وكذلك وعي الإنسان العملي للعلاقات الاجتماعية، ينمو باستمرار من خلال التجربة الاجتماعية وتتطوّر بسببه التجربة الاجتماعية نفسها، وعلاقاتها السائدة وعلى هذا الأساس لا مانع من ناحية فلسفية يمنع الماركسية من أن تفسّر الوضع الاجتماعي عن طريق الآراء العملية، ثمّ تفسّر تغيّر الآراء وتطوّرها عن طريق التجربة الاجتماعية المتمثلة في الأوضاع السياسية والاقتصادية وغيرها لأنّ هذا التفسير المتبادل للوضع الاجتماعي والوعي العملي نظير تفسير الماركسية - تماماً - لكلّ من تاريخ القوى المنتِجة والوعي العلمي بالآخر.

والسؤال بعد هذا كلّه، لماذا يجب أن نُدخل وسائل الإنتاج في حساب التفسير التأريخي والاجتماعي ؟ ولماذا لا يمكن أن نكتفي بهذا التفسير المتبادل للوضع الاجتماعي والأفكار، أحدهما بالآخر إنّ الضرورة الفلسفية، ومفاهيم العلّة والمعلول التي أكدّ عليها إنجلز تسمح لنا بمثل هذا التفسير، فإنْ كانت توجد أسباب تمنع عن الأخذ به، فإنّما هي الملاحظات والتجارب التأريخية، وذلك ما سوف نتناوله في الدليل العلمي.

ب - الدليل السيكولوجي:

نقطة البدء في هذا الدليل هي: محاولة التدليل على أن نشوء الفكر في حياة الإنسانية كان نتاجاً لظواهر وأوضاع اجتماعية معيّنة، وينتج عن ذلك أن الكيان الاجتماعي سبق في وجوده التأريخي وجود الفكر، فلا يمكن أن نفسّر الظواهر الاجتماعية، في تكوينها الأوّل، ونشوئها ،

٣٠٠