المجتمع والتاريخ

المجتمع والتاريخ0%

المجتمع والتاريخ مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
تصنيف: كتب
الصفحات: 433

المجتمع والتاريخ

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ مرتضى المطهري
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
تصنيف: الصفحات: 433
المشاهدات: 64818
تحميل: 15873

توضيحات:

المجتمع والتاريخ
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 433 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 64818 / تحميل: 15873
الحجم الحجم الحجم
المجتمع والتاريخ

المجتمع والتاريخ

مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

القضايا التي يدرجها الطبري في تاريخه، بل على ميدان معيّن من هذه الساحات.

الظواهر التي تدخل في نطاق سنن التاريخ:

الظواهرُ التي تتحكم فيها سنن التاريخ تحمل علامة جديدة غير موجودة في سائر الظواهر الكونية والطبيعية والبشرية الظواهر الكونية الطبيعية كلها تحمل علاقة ظاهرةٍ بسبب، علاقةَ مُسبّبٍ بسبب، علاقةَ نتيجةٍ بمقدمات هذه العلاقة موجودة في كل الظواهر الكونية والطبيعية الغليانُ مثلا ظاهرة طبيعية مرتبطة بظروفٍ معيّنة، بدرجةِ حرارةٍ معيّنةٍ، بدرجة معيّنة من قُرب السائل من مصدر الحرارة هذا الارتباط هو ارتباط المسبّب بالسبب والعلاقةُ هنا سبّبية، إنّها علاقة الحاضر بالماضي وبالظروف المسبقة المنجزة.

وهناك ظواهر على الساحة التاريخية تحمل علاقةً من نمط آخر، وهي علاقةُ ظاهرةٍ بهدف، علاقةُ نشاط بغاية أو ما يسمّيه الفلاسفة بالعلّة الغائية تمييزاً عن العلّة الفاعلية غليانُ الماء بالحرارة يحمل علاقة مع سببه مع ماضيه، لكنّه لا يحمل علاقةً مع غاية وهدف ما لم يتحول إلى فعل إنساني وجهدٍ بشري، بينما العلم الإنساني الهادف يحتوي على علاقةٍ، لا فقط مع السبب والماضي بل مع الغاية غير الموجودة حين إنجاز هذا العمل، وإنّما يُترقّب وجودُها في المستقبل.

العلاقة هنا إذن مع المستقبل لا مع الماضي الغاية تمثل دائماً المستقبل بالنسبة إلى العمل، بينما السبب يمثّل الماضي بالنسبة إلى هذا العمل.

العلاقةُ التي يتميّز بها العمل التاريخي، أي العمل الذي تحكمه سنن التاريخ، هو إنّه عمل هادف يرتبط بعلة غائيّة سواء كانت هذه

٣٤١

الغاية صالحة أو طالحة، نظيفة أو غير نظيفة.

هذه الغايات التي يرتبط بها العمل الهادف المسؤول تؤثّر من خلال وجودها الذهني في العامل لا محالة المستقبل أو الهدف، الذي يشكل الغاية للنشاط التاريخي، يؤثّر في تحريك هذا النشاط وبلورته من خلال وجوده الذهني، أي من خلال الفكر الذي يمثّل فيه الوجود الذهني للغاية ضمن شروط ومواصفات.

دائرةُ السنن النوعيّة للتاريخ إذن تنحصر بالفعل المتميّز بظهور علاقة فعلٍ بغاية، ونشاط بهدف، وبالتعبير الفلسفي ظهورِ دورِ العلّة الغائية تنحصر هذه الدائرة بالفعل المتطلّع إلى المستقبل المحرّك لهذا الفعل من خلال الوجود الذهني الذي يرسم للفاعل غايته، أي من خلال الفكر السننُ النوعية للتاريخ موضوعُها ذلك الجزء من الساحة التاريخية الذي يحمل علاقة بالغاية والهدف، أي بالعلّة الغائية إضافة إلى العلاقة الموجودة في الظاهرة الطبيعية.

ذكرنا حتى الآن، أنّ العمل التاريخي له بعدان، البعدُ الأول هو ( السبب ) والبعد الثاني هو ( الهدف ) وهنا نضيف أنّه ليس كل عمل له غاية هو عمل تاريخي تجري عليه سنن التاريخ بل لا بدّ من توفّر بعد ثالث كي يكون عملاً تاريخياً، أي عملا تحكمه سننُ التاريخ.

البعدُ الثالث للعمل التاريخي أن يتعدّى هذا العمل الفاعل نفسه، ويتخذ من المجتمع الذي يكون الفاعل أحدَ أفراده، أرضيّة له، ويخلق موجاً ذا درجة معينة ولا يمكن أن يكون العمل تاريخياً إلاّ إذا كان له موج يتعدى حدود العامل الفردي قد يأكلُ الفرد إذا جاع، ويشرب إذا عطش وينام إذا أحسّ بحاجته إلى النوم، لكنّ هذه الأعمال، على الرغم من أنّها أعمال هادفة تريد أن تحقق غايات لا يمتد موجّهاً إلى

٣٤٢

أكثر من العامل، خلافاً لعملٍ يقوم به الإنسان من خلال نشاط اجتماعي، وعلاقات متبادلة مع أفراد جماعته.

الأعمال التجارية والقيادية والحربية والسياسية والفكرية لهاموج يتعدى شخص العامل، ويتخذ من المجتمع أرضيةً له، أي يُصبح المجتمع على حدّ تعبير الفلاسفة علّة مادية لهذه الأعمال، تمييزاً لهذه العلّة عن العلّة الفاعلية والعلّة الغائية(١) .

ويعتبر العمل في مثل هذه الحالة عملاً تاريخياً، كما يُعتبر عمل الأُمّة والمجتمع، وإن كان الفاعلُ المباشر في كثيرٍ من الأحيان فرداً واحداً أو مجموعة أفراد.

عمل الفرد وعمل المجتمع:

في القرآن الكريم نجد تمييزاً بين عمل الفرد وعمل المجتمع.

والقرآن الكريم تحدّث في استعراضه للكتب الغيبيّة الإحصائية عن كتاب للفرد وكتاب للأُمّة، عن كتاب يُحصي على الفرد عَملهَ، وعن كتاب يحصي على الأُمّة عملها وهذا تمييز دقيق بين العمل الفردي وعمل الأُمّة، بين العمل الذي له ثلاثة أبعاد والعمل الذي له بعدان، العمل ذو البعدين لا يدخل إلاّ في كتاب الفرد، وأمّا العمل ذو الأبعاد الثلاثة فهو يدخل في الكتابين يدخل في كتاب الأُمّة، ويُعرض على الأُمّة، وتُحاسب الأُمّة على أساسه.

يقول تعالى:

____________________

(١) العامل هنا في المنطق الأرسطي ( علّة فاعليّة ) والهدف ( علّة غائيّة ) وأرضية العمل، أو امتداد موج العمل ( علّة مادية ).

٣٤٣

( وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) (١) .

القرآن يتحدث هنا عن أُمّة جاثية بين يدي ربّها ويقدم لها كتابها، يقدم لها سجلّ نشاطها الذي مارسته كأُمّة هذا الكتاب ليس كتاب تاريخ الطبري ؛ لأنّه لا يسجل الوقائع الطبيعية الفسلجية أو الفيزيائية إنما يستنسخ ما كانوا يعملون كأُمّة، يستنسخ الأعمال الهادفة ذات الأبعاد الثلاثة وذات الموج، بحيث يكون العمل منسوباً للأُمّة، وتكون الأُمّة مدعوّة إلى كتابها، ونلاحظ في آية أُخرى قوله سبحانه وتعالى:

( وَكُلَّ إنسان أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً ) (٢) .

الإنسان في هذه الآية هو المرهون بكتابه فلكل إنسان كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة من أعماله، من حسناته وسيئاته وهفواته وسقطاته، من صعوده ونزوله إلاّ أحصاها، هذا الكتاب دُوِن بعلم مَن لا يغرُبُ عن علمه مثقال ذرة في الأرض قد يفكّر الإنسان أنّ بإمكانه أن يُخفي نقطة ضعفٍ فيه، وأن يخفي ذنباً وسيّئة عن جيرانه وقومه وأُمّته وأولاده، بل وحتى عن نفسه قد يخدعُ نفسَه، ويرى أنّه لم يرتكب سيّئة، لكنّ هذا الكتاب الحقّ لا يُغادر صغيرة ولا كبيرة إلاّ أحصاها هذا كتاب الفرد، وذاك كتابُ الأُمّة.

____________________

(١) الجاثية: ٢٨ - ٢٩.

(٢) الإسراء: ١٣.

٣٤٤

يلاحظ من عدد آخر من الآيات القرآنية الكريمة أنّه يوجد إحضار للفرد وإحضار للأُمّة، إضافة إلى وجود كتاب لكل منهما هناك إحضاران بين يدي الله سبحانه وتعالى: إحضارٌ فردي يأتي فيه الإنسان منفرداً لا يملك ناصراً ولا معيناً، ولا يملك شيئاً يستعين به في ذلك الموقف إلاّ العمل الصالح والقلب السليم، والإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله.

يقول تعالى:

( إِنْ کُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمٰنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَ عَدَّهُمْ عَدّاً * وَ کُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً ) (١) .

وهناك إحضار آخر للفرد وسط الجماعة، إحضار للأُمّة بين يدي الله سبحانه وتعالى لقد تحدّث القرآن - كما مرّ بنا - عن الأُمّة الجاثية بين يدي ربّها والمستأنسُ من سياق الآيات الكريمة أنّ الهدف من هذا الإحضار الثاني إعادةُ العلاقات إلى نصابها الحقّ فالعلاقات داخل الأُمّة قد تكون غيرَ قائمة على أساس الحق، فقد يكون الإنسان المستضعف فيها جديراً بأن يكون في أعلى الأُمّة وهذه العلاقات تُعاد إلى نصابها الحقّ في يوم القيامة ؛ ولذلك سمّى القرآن هذا اليوم يوم ( التغابن ) والتغابن يحصل عن طريق اجتماع المجموعة، ثم يأخذ كل إنسان مغبون في موقعه ووجودَه داخل الأُمّة، حقّه، يوم لا كلمة إلا للحقّ.

يقول تعالى:

( يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ ) (٢) .

____________________

(١) مريم: ٩٣ - ٩٥.

(٢) التغابن: ٩.

٣٤٥

هذا التمييز بين عمل الفرد وعمل المجتمع ينبغي أن لا يُوقعنا فيما توهّمه عدد كبير من المفكّرين والفلاسفة الأوروبيين الذين ذهبوا إلى أنّ المجتمع كائن عملاق له وجود وحدوي عضوي متميّز عن سائر الأفراد، وأنّ كل فرد ليس إلاّ بمثابة الخليّة في ذلك العملاق الكبير، كما تصوّر ذلك هيجل مثلاً.

هؤلاء أرادوا أن يميّزوا بين عمل المجتمع وعمل الفرد، فذهبوا إلى وجود كائن عضوي واحد عملاق، يلفّ في أحشائه كلّ الأفراد، وكلّ فرد يشكّل خليّة في هذا العملاق الواحد، ونافذة على الواقع والعالم بقدر ما يمكن أن يجسّد هذا العملاق في الفرد من قابلياته وإبداعه فكل قابلية وإبداع، وكل فكر، إنّما هو تعبير عن نافذة من النوافذ التي يعبّر عنها ذلك العملاق الهيجلي.

هذا التصوّر ليس بصحيح، ولسنا في حاجة إليه، وإلى الإغراق في الخيال إلى هذه الدرجة ليس عندنا إلاّ الأفراد، زيد وبكر وخالد، وليس عندنا ذلك العملاق الأُسطوري المستتر مِن ورائهم.

مناقشة هيجل من الزاوية الفلسفية يخرج من حدود هذا البحث ؛ لأنّ التفسير الهيجلي للمجتمع مرتبط بكامل الهيكل النظري لفلسفته، إلاّ أنّنا نريد أن نبيّن موقفنا من هذا التصوّر.

نحن لسنا بحاجة إلى مثل هذا الافتراض الأُسطوري لكي نميّز بين عمل الفرد عمل المجتمع ؛ لأنّ التمييز بين عمل الفرد وعمل المجتمع يتمّ من خلال ما أوضحناه من البُعد الثالث عملُ الفرد هو العمل الذي يكون له بُعدان، فإن اكتسب بعداً ثالثاً كان عمل المجتمع، باعتبار أنّ المجتمع يشكّل أرضية وعلّة مادية له يدخل هذا العمل

٣٤٦

حينئذٍ في سجلّ كتاب الأُمّة الجاثية بين يدي ربّها وهذا هو ميزان الفرق بين العملين.

٣٤٧

٣٤٨

أشكال السنّة التاريخية في القرآن

١ - شكل القضيّة الشرطيّة:

في هذا الشكل تتمثّل السنّة التاريخية في قضية شرطية تربط بين حادثتين، أو مجموعتين من الحوادث على الساحة التاريخية، وتؤكّد العلاقة الموضوعية بين الشرط والجزاء، وأنّه متى ما تحقّق الشرط تحقّق الجزاء وهذه صياغة نجدها في كثير من القوانين والسنن الطبيعية والكونية في مختلف الساحات الأُخرى.

حين نتحدّث - مثلاً - عن قانون طبيعي لغليان الماء، نتحدث بلغة القضية الشرطية فنقول: إنّ الماء إذا تعرّض إلى الحرارة وبلغت درجة الحرارة مئة في مستوى معيّن من الضغط حينئذ سوف يغلي الماء هذا قانون طبيعي يربط بين الشرط والجزاء ويؤكّد أنّ حالة التعرّض إلى الحرارة، ضمن مواصفات معيّنة تُذكر في طرف الشرط، تستتبع حادثة طبيعية معيّنة ومن الواضح أنّ هذا القانون الطبيعي لا ينبؤنا شيئاً عن تحقق الشرط وعدم تحققه، لا يُنبؤنا هذا القانون الطبيعي عن أنّ الماء سوف يتعرّض للحرارة أولاً، وهل إنّ درجة حرارة الماء ترتفع إلى الدرجة المطلوبة ضمن هذا القانون أو لا ترتفع

هذا القانون لا يتعرّض إلى مدى وجود الشرط وعدم وجوده، ولا

٣٤٩

ينبؤنا بشيء عن تحقق الشرط إيجاباً أو سلباً، وإنّما يُنبؤنا عن أنّ الجزاء لا ينفك عن الشرط فمتى ما وُجد الشرط وُجد الجزاء، فالغليان نتيجة مرتبطة موضوعياً بالشرط هذا هو كل ما يُنبؤنا عنه هذا القانون المصاغ بلغة القضية الشرطية.

مثل هذه القوانين تقدم خدمة كبيرة للإنسان في حياته الاعتيادية، وتلعب دوراً عظيماً في توجيه الإنسان ؛ لأن الإنسان، ضمن تعرّفه على هذه القوانين، يصبح بإمكانه أن يتصرّف بالنسبة إلى الجزاء، ففي حالة احتياجه إلى الجزاء يعمل على توفير شروط هذا القانون، ومتى ما كان الجزاء متعارضاً مع مصالحه ومشاعره يحاول الحيلولة دون توفّر شروط هذا القانون.

متى كان غليان الماء مقصوداً للإنسان يطبّق شروط هذا القانون، ومتى ما كان غير مقصود للإنسان يحاول أن لا تتطبّق شروط هذا القانون.

القانون الموضوعي المصاغ بشكل القضية الشرطية إذن موجّه عملي للإنسان في حياته، ومن هنا تتجلّى حكمة الله سبحانه وتعالى في صياغة نظام الكون على مستوى القوانين والروابط المضطردة والسنن الثابتة ؛ لأنّ صياغة الكون ضمن روابط مضطردة وعلاقات ثابتة تجعل الإنسان يتعرّف على موضع قدميه، وعلى الوسائل التي يجب أن يستخدهما لتكييف بيئته وحياته والوصول إلى إشباع حاجته.

لو أنّ الغليان في الماء كان يحدث صدفة، ومن دون رابطة قانونية مضطردة مع حادثة أُخرى كالحرارة، لما استطاع الإنسان أن يتحكّم في هذه الظاهرة، وأن يخلق هذه الظاهرة متى ما كانت حياته بحاجة إليها، وأن يتفاداها متى ما كانت حياته بحاجة إلى تفاديها وإنّما كانت

٣٥٠

له هذه القدرة باعتبار أنّ هذه الظاهرة وضعت في موضع ثابت من سنن الكون، وطُرحت على الإنسان على شكل قانون طبيعي وبلغة القضية الشرطية.

نفس الشيء نجده في الشكل الأول من السنن التاريخية القرآنية، فإنّ عدداً كبيراً من السنن التاريخية في القرآن قد صِيغَ على شكل القضية الشرطية، التي تربط بين حادثتين اجتماعيتين أو تاريخيتين، فهي لا تتحدّث عن الحادثة الأُولى، متى توجد ومتى لا توجد، بل تتحدث عن الحادثة الثانية وتقول: متى ما وُجدت الحادثة الأُولى وُجدت الحادثة الثانية.

استعرضنا فيما سبق جملة من الآيات الكريمة التي تتحدث بلغة القضية الشرطية، منها:

( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ) (١) .

هذه السنّة التاريخية للقرآن - التي تقدّم الكلام عنها - بُيّنت بلغة القضية الشرطية وأفادت بوجود علاقة بين تغييرين، تغيير المحتوى الداخلي للإنسان، وتغيير الوضع الظاهري للبشرية والإنسانية، ومتى ما حصل ذلك التغيير في أنفس القوم ؛ حصل هذا التغيير في بناء القوم وكيانهم.

ومنها:( وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً ) (٢) .

ذكرنا أنّ هذه الآية تتحدث أيضاً عن سنّة من سنن التاريخ ،

____________________

(١) الرعد: ١١.

(٢) الجن: ١٦.

٣٥١

وتربط وفرة الإنتاج بعدالة التوزيع، وهي أيضاً مطروحة بلغة القضية الشرطية.

ومنها( وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً ) (١) .

هذه سنّة تاريخية بُينت بلغة القضية الشرطية، وربطت بين أمرين، بين تأمير الفسّاق والمترفين في المجتمع، وبين دمار ذلك المجتمع وانحلاله ؛ فهي لا تبيّن زمن وجود الشرط، بل تبيّن: متى ما وُجد هذا الشرط وُجد الجزاء.

٢ - شكل القضيّة الوجودية المحقّقة:

وهذا الشكل نجد له أمثلة وشواهد في القوانين الطبيعية الكونية، فالعالم الفلكي حين يُصدر حكماً علمياً على ضوء قوانين مسارات الفلك، ويُخبر عن كسوف الشمس وخسوف القمر في اليوم الفلاني، فإنّه يتحدّث عن قانون علمي وقضية علمية، إلاّ أنّها قضية وجودية ناجزة وليست قضية شرطية، ولا يملك الإنسان تجاهها أن يغيّر ظروفها وأن يعدّل من شروطها، كذلك القرارات العلمية التي تصدر عن دائرة الأنواء الجوية بشأن نزول المطر - مثلاً - في المنطقة الفلانية.

سوف أُبيّن إن شاء الله عند تحليل المجتمع أمثلة هذا الشكل من آيات القرآن الكريم هذا الشكل من السنن هو الذي أوحى في الفكر الأوروبي بوجود تعارض بين فكرة سنن التاريخ وفكرة اختيار الإنسان وإرادته هذا التوهّم الخاطئ يقول: إنّ فكرة سنن التاريخ لا يمكن

____________________

(١) الإسراء: ١٦.

٣٥٢

أن تجتمع إلى جانب فكرة اختيار الإنسان ؛ لأنّ سنن التاريخ هي التي تنظّم مسار الإنسان وحياة الإنسان، فماذا يبقى حينئذ لإرادة الإنسان ؟

هذا التوّهم أدّى إلى أن يذهب بعض المفكّرين إلى إضفاء الدور السلبي على الإنسان، والتضحية باختيار الإنسان حفاظاً على سنن التاريخ وعلى موضوعية هذه السنن، فقال: إنّ دور الإنسان سلبي فقط وليس دوراً ايجابياً، أي إنّه يتحرّك كما تتحرّك الآلة وفقاً لظروفها الموضوعية.

ذهب بعض آخر إلى محاولة التوفيق بين هاتين الفكرتين ولو ظاهرياً، وقال: إنّ اختيار الإنسان، نفسه هو أيضاً يخضع لسنن التاريخ ولقوانين التاريخ، فاختيار الإنسان نفسه حادثة تاريخية يخضع للسنن وهذه في الحقيقة تضحية أيضاً باختيار الإنسان، ولكن بصورة مبطّنة غير مكشوفة.

وذهب بعض آخر إلى التضحية بسنن التاريخ لحساب اختيار الإنسان، فقال جملة من المفكّرين الأوروبيين إنّه ما دام الإنسان مختاراً فلا بدّ أن تُستثنى الساحةُ التاريخية من الساحات الكونية في مجال التقنين الموضوعي، لا بدّ وأن يقال إنّه لا سنن موضوعية للساحة التاريخية حفاظاً على إرادة الإنسان واختيار الإنسان.

هذه المواقف كلّها خاطئة ؛ لأنّها تقوم جميعاً على ذلك الوهم الخاطئ، وهو الاعتقاد بوجود تناقض أساسي بين مقولة السنّة التاريخية ومقولة الاختيار.

هذا التوهّم نشأ من قصر النظر على الشكل الثاني من أشكال السنّة

٣٥٣

التاريخية، أي على السنّة التاريخية المصاغة بلغة القضية الفعلية الوجودية الناجزة.

والحق إنّا لو قصرنا النظر على هذا الشكل الثاني من سنن التاريخ ؛ لكان هذا التوهّم وارداً ولكن يمكن إبطال هذا التوهّم عن طريق الالتفات إلى الشكل الأول من أشكال السنّة التاريخية الذي تصاغ فيه السنّة التاريخية بوصفها قضية شرطية وكثيراً ما تكون هذه القضية الشرطية معبّرة عن إرادة الإنسان واختياره، أي إنّ اختيار الإنسان يمثّل محور القضية الشرطية، وشرط القضية الشرطية.

الأمثلة التي ذكرناها من القرآن الكريم تتحدث عن علاقة بين الشرط والجزاء، ولكن ما هو الشرط ؟ الشرط هو فعل الإنسان، وهو إرادة الإنسان( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ) التغيير هنا أُسند إليهم، فهو فعلهم وإبداعهم وإرادتهم وفي مثل هذه الحالة تصبح هذه السنّة متلائمة تماماً مع اختيار الإنسان، بل إنّ السنّة حينئذ تقتضي اختيار الإنسان وتزيده اختياراً وقدرة وتمكّناً من التصرّف في موقفه.

كما أنّ ذلك القانون الطبيعي للغليان يزيد قدرة الإنسان ؛ لأنّه يستطيع حينئذ أن يتحكّم في الغليان بعد أن عرف شروطه وظروفه، كذلك السنن التاريخية ذات الصيغ الشرطية فهي ليست في الحقيقة على حساب إرادة الإنسان، وليست نقيضاً لاختيار الإنسان، بل هي مؤكّدة لاختيار الإنسان وتوضّح للإنسان نتائج يستطيع أن يقتبس منها ما يريد ؛ كي يتعرّف على الطريق الذي يؤدّي به إلى هذه النتيجة، أو تلك النتيجة فيسير على ضوء وكتاب منير.

٣٥٤

٣ - شكل الاتجاه الطبيعي في حركة التاريخ:

وهو الشكل الذي اهتم به القرآن الكريم اهتماماً كبيراً والسنّة المصاغة بهذا الشكل تتخذ صورة اتجاه طبيعي في حركة التاريخ لا صورة قانون حدّي صارم وفرقٌ بين الاتجاه والقانون.

ولتوضيح هذه الفكرة نقول: إنّ القانون العلمي - كما نتصوّره عادة - عبارة عن تلك السنّة التي لا تقبل التحدّي من قِبلَ الإنسان ؛ لأنّها قانون من قوانين الطبيعة، ومن هنا لا يمكن للإنسان أن يتحدّاها وينقضها ويخرج عن طاعتها، فلا يمكنه مثلاً أن يحول دون غليان الماء إذا توفّرت للماء شروط الغليان، لا يمكن أن يتحدّى الغليان، أو يؤخّر موعده المعيّن لحظة واحدة ؛ لأنّ هذا القانون صارم، والصرامة تأبى التحدّي.

هذه هي الفكرة التي نتصوّرها عادةً عن القوانين، وهي فكرة صحيحة إلى حدٍّ ما، إلى جانب هذه القوانين هناك اتجاهات موضوعية في حركة التاريخ وفي مسار الإنسان، هذه الاتجاهات لها شيء من المرونة بحيث إنّها تقبل التحدّي ولو على شوط قصير، وإنْ لم تقبل التحدّي على شوط طويل.

أنت لا تستطيع أن تؤخّر موعد غليان الماء لحظة واحدة ولكن تستطيع أن تجمّد هذه الاتجاهات لحظات من عمر التاريخ وهذا لا يعني أنّها ليست اتجاهات تمثّل واقعاً موضوعياً في حركة التاريخ، إنّها اتجاهات، لكنّها مرنة تقبل التحدّي على شوط قصير، غير أنّها تحطم المتحدّي بسنن التاريخ نفسها.

من اجل تقريب الفكرة نستطيع أن نقول أنّ هناك في تركيب

٣٥٥

الإنسان وفي تكوين الإنسان اتجاهاً موضوعياً، لا تشريعياً نحو إقامة العلاقات المعيّنة بين الذكر والأنثى في المجتمع الإنساني ضمن إطار من أطر النكاح والاتصال هذا الاتجاه ليس تشريعاً، وليس تقنينياً اعتبارياً، وإنّما هو اتجاه موضوعي ركّب في طبيعة الإنسان وفي تركيب الإنسان، هذه سنّة، ولكنّها سنّة على مستوى الاتجاه، لا على مستوى القانون، لماذا ؟ لأنّ التحدّي لهذه السنّة ممكن على الشوط القصير، فقد أمكن لقوم لوط أن يتحدّوا هذه السنّة فترة من الزمن، بينما لم يكن بإمكانهم أن يتحدّوا سنّة الغليان بشكل من الأشكال إلاّ أنّ تحدّي هذه السنّة يؤدّي إلى أن يتحطّم الإنسان.

المجتمع الذي يتحدّى هذه السنّة يكتب بنفسه فناء نفسه ؛ لأنّه يتحدّى ذلك عن طريق ألوان الشذوذ التي تؤدّي إلى فناء المجتمع وخرابه.

الاتجاه إلى توزيع الميادين بين المرأة والرجل، اتجاه موضوعي، وليس اتجاها ناشئاً من قرار تشريعي إنّه اتجاه رُكّب في طبيعة الرجل والمرأة، لكنّه قابل للتحدّي يمكن إصدار قرار يفرض على الرجل أن يبقى في البيت ليتولّى دور الحضانة والتربية، وأن تخرج المرأة لكي تتولّى مشاق العمل والجُهد، لكنّ هذا التحدّي لن يستمر ؛ لأنّ سنن التاريخ سوف تجيب على هذا التحدّي، ولأنّنا بهذا سوف نخسر ونجمّد كل تلك القابليات التي زُودت بها المرأة من قِبلَ هذا الاتجاه لممارسة دور الحضانة والأُمومة، وسوف نخسر كلّ تلك القابليات والكفاءات التي زُود بها الرجل من أجل ممارسة دور يتطلب الجَلَد والصبر والثبات وطول النفس تماماً كما لو سلّمنا أُمور حدادةِ بنايةٍ إلى نجّار، وأُمور نجارة

٣٥٦

البناية إلى حدّاد، ومن الممكن أن تنشأ هذه البناية، لكنّها سوف تنهار.

كل اتجاه من هذا القبيل هو في الحقيقة سنّة موضوعية من سنن التاريخ، ومن سنن حركة الإنسان ولكنّها سنّة مرنة تقبل التحدّي على الشوط القصير، ولكنّها تجيب على هذا التحدّي.

أهم مصداق يعرضه القرآن الكريم لهذا الشكل من السنن هو ( الدين ).

القرآن الكريم يرى أنّ الدين نفسه سنّة موضوعية من سنن التاريخ، الدين ليس تشريعاً فقط، وإنّما هو سنّة من سنن التاريخ.

من هنا يعرض القرآن الدين على شكلين، تارةً يعرضه بوصفه تشريعاً، وإرادة تشريعية، على حدّ تعبير الأُصوليين، كقوله تعالى:

( شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ) (١) .

فالدين هنا بُيّن كتشريع وقرار وأمر من الله سبحانه وتعالى وتارةً أُخرى يعرض القرآن الدين بوصفه سنّة من سنن التاريخ، وقانون داخل في صميم تركيب الإنسان وفطرة الإنسان ؛ قال سبحانه وتعالى:

( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا، لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) (٢) .

____________________

(١) الشورى: ١٣.

(٢) الروم: ٣٠.

٣٥٧

الدين هنا لم يعد مجرد قرار وتشريع من أعلى، وإنما الدين هنا فطرة الناس، ولا تبديل لخلق الله وهذا كلام موضوعي، لا تشريعي إنشائي، وكما إنه لا يمكن انتزاع أي جزء من أجزاء الإنسان، كذلك لا يمكن انتزاع دينه.

الدين ليس مقولة حضارية مكتسبة على مرّ التاريخ بحيث يمكن إعطاؤها ويمكن الاستغناء عنها ؛ إذ تكون عندئذ من المكاسب التي حصل عليها الإنسان من خلال تطوّراته المدنية والحضارية على مرّ التاريخ.

والقرآن الكريم يريد أن يقول: إنّ الدين ليس مقولة من هذه المقولات يمكن أخذها أو ردّها الدين خلق الله، فطرةُ الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله، ( ولا ) هنا نافية وليست ناهية، أي إنّ الدين لا ينفك عن خلق الله والدين يعتبر سنّة لهذا الإنسان ما دام الإنسان إنساناً.

هذه سنّة، ولكنّها ليست سنّة صارمة على مستوى الغليان، بل إنّها تقبل التحدّي على الشوط القصير وكما كان بالإمكان تحدّي سنّة النكاح والتزاوج الطبيعي عن طريق الشذوذ الجنسي، ولكن على شوط قصير، كذلك يمكن تحدّي هذه السنّة على شوط قصير عن طريق الإلحاد وغمض العين عن الحقيقة الكبرى لكنّ هذا التحدّي لا يكون إلاّ على شوط قصير ؛ لأنّ العقاب سوف ينزل بالملحدين والعقاب هنا ليس عقاب أُخروي، ولا عقاب دنيوي على طريقة العقاب الذي ينزل على مَن يخالف القانون، وإنّما العقاب ينزل هنا من سنن التاريخ نفسها، هذه السنن هي التي تفرض العقاب على كلّ أُمّة تريد أن تبدّل خلق الله سبحانه وتعالى، ولا تبديلَ لخلق الله.

٣٥٨

يقول تعالى:

( وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ) (١) .

إنّ العقاب سرعان ما ينزل بمَن يتحدّى الشكل الثالث من السنن التاريخية، لكنّ السرعة هنا هي السرعة التاريخية، لا السرعة التي نفهمها في حياتنا الاعتيادية، وهذا ما أرادت هذه الآية الكريمة أن تبيّنه ؛ فالآية تجيب أولئك الكافرين الذين تحدّوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكفرهم، وسألوه عن سبب عدم نزول البلاء الجماعي، الذي نزل بالقرى السابقة عليهم، وتقول: اليومُ الواحدُ عند ربّك، أو في سنن التاريخ كما ذكرنا هي كلمات الله، هو ألف سنة وفي آية أُخرى عبّر القرآن عن اليوم الواحد بخمسين ألف سنة:

( تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ * فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً * إنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً * ونرَاهُ قَرِيباً * يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ . ) (٢) .

هذه الآية تتحدّث عن يوم القامة، والذي يجمع بينها وبين الآية السابقة هو إنهما تتحدّثان عن كلمتين من كلمات الله الآية الأُولى تتحدّث عن اليوم في توقيت نزول العذاب الجماعي وفقاً لسنن التاريخ، والثانية تتحدّث عن يوم القيامة.

ومن أجل أن نعرف أنّ الدين سنّة من سنن التاريخ , أي إنّه

____________________

(١) الحج: ٤٧.

(٢) المعارج: ٤ - ٨.

٣٥٩

حاجة موضوعية، حاله حال قانون الزوجيّة بين الذكر والأُنثى ؛ نحتاج إلى تحليل المجتمع على ضوء القرآن الكريم.

٣٦٠