آل نوبخت

آل نوبخت0%

آل نوبخت مؤلف:
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 288

آل نوبخت

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: عباس إقبال آشتياني
تصنيف: الصفحات: 288
المشاهدات: 85548
تحميل: 8324

توضيحات:

آل نوبخت
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 288 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 85548 / تحميل: 8324
الحجم الحجم الحجم
آل نوبخت

آل نوبخت

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مبحث الإمامة في الأُصول واحتجّ في ذلك الباب هو أبو سهل إسماعيل بن عليّ النوبختيّ (٢٣٥-٣١١هـ)(١) ، ثمّ تأسّى به المتكلّمون الآخرون، وأدخلوا مبحث الإمامة في المباحث الكلاميّة في ذيل النبوّة.

اتّسع نطاق علم الكلام الشيعيّ بعد طبقة الورّاق، وابن الراونديّ، وآل نوبخت وطلاّبهم، وصنّف المتكلّمون الجدُد كتباً متعدّدة بمناهج وأساليب متنوّعة. وعلى الرغم من أنّ أُصول عقائدهم جميعاً واحدة، وكلّهم يتبعون أُصولاً مدوّنة من قبل المتكلّمين القدامى، لكنّهم كانوا يختلفون أيضاً في كثير من المواطن الجزئيّة، وكان لكلّ منهم مشربه الخاصّ به، وأصبح هذا الاختلاف بينهم في المسائل الكلاميّة حربةً بيد الإخباريّين لمهاجمتهم، وتصريحهم أنّ أُسلوب الكلام في معرفة الأحكام الدينيّة أُسلوب لا يوثق به، ولا يخلو من شبهة، وأراد قطب الدين أبو الحسين سعيد بن هبة الله الراونديّ (المتوفّى سنة ٥٧٣هـ) شارح نهج البلاغة أن يثبت هذا الرأي فألّف رسالة في ذكر مواضع الخلاف بين الشيخ المفيد والشريف المرتضى، وذكر فيها خمسة وتسعين موضعاً. وقال: إنّه لو أراد أن يستوفي في هذا الباب لطال الكتاب(٢) .

وبعد ذكر هذه المقدّمات نتطرّق فيما يأتي إلى ترجمة مجملة للمتكلّمين الأوائل من الإماميّة أو المنسوبين إليهم ممّن سبق آل نوبخت في هذا المضمار، ويعدّ المتكلّمون النوبختيّون وسطاً بينهم وبين المتكلّمين الكبار في القرن الرابع والخامس.

____________________

١ - نخبة المقال ١٣٢.

٢ - بحار الأنوار ١: ١٥٥-١٥٦، وروضات الجنّات ٣٠١.

١٠١

١ - أبو جعفر مؤمن الطاق

(أواسط القرن الثاني)

كان أبو جعفر محمّد بن النُّعمان من موالي الكوفة، وعرف بمؤمن الطاق؛ لأنّه كان صرّافاً في طاق المحامل بالكوفة، ولقّبه المخالفون شيطان الطاق لحَوَلٍ كان في عينه، عاصر أبا حنيفة (٨٠-١٥٠هـ) وكان أحد أصحاب الإمام الصّادقعليه‌السلام (٨٣-١٤٨هـ)، عُدّ من قدماء شيوخ الشيعة ومن متكلّميهم الأُوَل، وجرت له مناظرات كثيرة مع أبي حنيفة ورؤساء المعتزلة والخوارج، وكان في عداد متكلّمي الشيعة الذين رُموا بعقيدة التشبيه، ونال منه المعتزلة على نحو خاصّ في هذا المجال(١) ، ولمّا كان مؤمن الطاق من قدماء الإماميّة الذين تكلّموا في ذات الباري تعالى وصفاته، وكان علم الكلام لم يدوّن بعد وفقاً لمذهبهم، فقد رفض بعض المتكلّمين من الإماميّة قسماً من عقائده(٢) ، وتوفّي مؤمن الطاق بعد الإمام الصادقعليه‌السلام ، وكان قد صنّف كتباً في تأييد مذهب الشيعة، وإثبات إمامة أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام حسب رأي الشيعة، ودَحْضِ آراء الخوارج والمعتزلة في هذا الحقل، والحُكْم على حرب الجمل وطلحة، والزبير، وعائشة، وكان أصحابه يُسمَّون النُّعمانيّة، أمّا مخالفوه فيُسمَّون الشَّيطانيّة.

للوقوف على سيرته وعقائده، انظر: رجال الكشّيّ: ١٢٢-١٢٦، ورجال النجاشيّ: ٢٢٨، والفهرست للشيخ الطوسيّ ٣٢٣، وفرق الشيعة: ٦٦، والفهرست: ١٧٦ طبعة ألمانيا، وص٨ من مُلحق طبعة مصر، والملل والنحل: ١٤٢-١٤٣، والفَرق بين الفِرق: ٥٣، ومقالات الإسلاميّين للأشعريّ ٣٧، ٤٢، ٥١، والانتصار: ٦

____________________

١ - الانتصار ٥٨.

٢ - الفهرست ١٧٦.

١٠٢

و٥٨، والفِصَل لابن حزم ٤: ٩٣، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١: ٢٩٤، وغيرها.

٢- هشام بن سالم الجواليقيّ

(النصف الثاني من القرن الثاني)

أبو الحكم هِشام بن سالم الجواليقيّ من موالي الكوفة، وكان من سبيّ الجَوزَجان، وهو أحد المعدودين في أصحاب الإمامين: الصادق والكاظمعليهما‌السلام ، وكان في بادئ أمره من القائلين بالتشبيه والصورة في التوحيد، وله آراء في الاستطاعة والمعصية لم يوافقه عليها سائر متكلّمي الشيعة، وصنّف هشام بن الحكم كتاباً في الردّ على بعض عقائده(١) .

للاطّلاع على سيرته وعقائده، تُنظَر الكتب الآتية: رجال الكشّيّ: ١٨١-١٨٤، رجال النجّاشيّ: ٣٠٥، وفهرست الشيخ الطوسيّ: ٣٥٦، وفرق الشيعة: ٦٦، وأُصول الكافي: ٣٧، ومقالات الإسلاميّين للأشعريّ: ٣٤، والملل والنحل: ١٤١-١٤٢، والانتصار: ٦ و٥٧، والفِصَل: ٤: ٩٣، والفَرق بين الفِرَق: ٥١-٥٢، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١: ٢٩٤، وبحار الأنوار ٢: ١٤٣-١٤٥، وغيرها.

٣- هشام بن الحكم

(وفاته سنة ١٩٩هـ)

أبو محمّد هِشام بن الحكم من موالي الكوفة، نشأ بواسط وترعرع فيها، ثمّ رحل منها إلى بغداد للتجارة، وكان في أوّل أمره من المرجئة ومن أتباع الجهم بن صفوان رئيس مرجئة خراسان (المقتول سنة ١٢٨هـ)، ثمّ أعرض عن هذه الفرقة

____________________

١- الفهرست ١٧٦.

١٠٣

وآمن بعقيدة الشيعة في الإمامة لأدلّة نظريّة، ثمّ أصبح من أجلّة أصحاب الإمام الصادقعليه‌السلام .

كان هشام بن الحكم من أكبر متكلّمي الإماميّة، وهو أوّل من تحدّث في مبحث الإمامة بأدلّة كلاميّة ونظريّة، ووجد حججاً سهلة لإثبات هذا الموضوع، وناظر أكابر المتكلّمين المخالفين في عصره وحاججهم، ولمّا كان من الشيعة القطعيّة - أي من الشيعة الذين قطعوا بوفاة الإمام الكاظمعليه‌السلام وذهبوا إلى إمامة ولده عليّ بن موسى الرضاعليه‌السلام على عكس الواقفة الذين وقفوا على إمامة الكاظمعليه‌السلام - فإنّه كان يناظر الواقفة، والخوارج، والمعتزلة باستمرار، وكان ذا بديهة، حاذقاً في علم الكلام.

نقل المسعوديّ أنّ عبد الله بن يزيد الأباضيّ كان بالكوفة تختلف إليه أصحابه يأخذون منه، وكان خرّازاً شريكاً لهشام بن الحكم، وكان هشام... يختلف إليه أصحابه من الرافضة يأخذون عنه، وكلاهما في حانوت واحد على ما ذكرنا من التضادّ في المذهب، ولم يَجرِ بينهما مسابَّة ولا خروج عمّا يوجبه العلم وقضيّة العقل وموجب الشرع وأحكام النظر والسير، وذكر أنّ عبد الله بن يزيد الأباضيّ قال لهشام بن الحكم في بعض الأيّام: تعلم ما بيننا من المودّة ودوام الشركة، وقد أحببتُ أن تُنكحني ابنتك فاطمة، فقال له هشام: إنّها مؤمنة، فأمسكَ عبد الله ولم يعاوده في شيء من ذلك، إلى أن فرّق الموت بينهما(١) .

كان هشام بن الحكم أحد مصنّفي الشيعة، وله كتب كثيرة في الموضوعات الدينيّة والتاريخيّة والأدبيّة، وعُدّ من الملازمين ليحيى بن خالد البرمكيّ؛ إذ كان دائم الحضور في مجالس المناظرة التي يعقدها هذا الوزير في بغداد، وكان هشام في أوّل أمره من القائلين بالجبر والتجسيم والتشبيه، ثمّ غيّر عقيدته نتيجة

____________________

١ - مروج الذهب ٢: ١٣٧، طبعة مصر.

١٠٤

لمصاحبته الإمام الصادق والإمام الكاظمعليهما‌السلام ، وتحامل عليه المعتزلة لاعتقاده بالتجسيم والتشبيه وحدوث العلم والبداء، ومن الذين تحاملوا عليه: الجاحظ، والخيّاط، والكعبيّ، وابن أبي الحديد، وكان الجاحظ أكثرهم نقلاً لأقواله(١) ، بل نسب إليه بعض المصنّفين الأوائل من الشيعة هذه الآراء كأبي محمّد الحسن بن موسى النوبختيّ في كتاب (الآراء والديانات)(٢) ، بَيْد أنّ المتأخّرين منهم يَرَون أنّ هذه تهم رُمي بها هشام، وردّوا عليها بشدّة، ومن هؤلاء: الشريف المرتضى في كتاب الشافي في الإمامة، وصاحب تبصرة العوامّ(٣) ، وسمّى أصحابُ الملل والنحل أتباعَ هشام بن سالم، وهشام بن الحكم بالهشاميّة.

للاطّلاع على سيرة هشام وعقائده وكتبه، انظر: رجال الكشّيّ: ١٦٥-١٨١. ورجال النجاشيّ: ٣٠٥-٣٠٦. والفهرست للشيخ الطوسيّ ٣٥٥-٣٥٦. والفهرست: ١٧٥-١٧٦ من الطبعة الألمانيّة وص٧ من ملحق طبعة مصر، وفرق الشِّيعة: ٦٦، ومقالات الإسلاميّين للأشعريّ ٣١-٥٥، والملل والنحل: ١٤١-١٤٢، وأُصول الكافي: ٣٧، وكمال الدين وتمام النعمة: ٢٠٦-٢٠٩، والفَرق بين الفِرَق: ٤٨-٥١.

وتبصرة العوامّ: ٤١٩-٤٧٠، والانتصار: ٦، ٤٠-٤١، ١٢٣-١٢٤، ١٠٨-١٠٩، ١٢٥-١٢٦، ١٥٧-١٥٨. والفِصَل لابن حزم ٤٠: ٩٣ و١٥٧. وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١: ٢٩٤-٢٩٥، ومروج الذهب ٢: ١٣٧ طبعة مصر، وبحار الأنوار ٢: ١٤٣-١٤٥، وغيرها.

____________________

١ - الانتصار: ٤١، ٦٠، ١٤١، ١٤٢، ومقالات الإسلاميّين الأشعريّ: ٣١-٣٤.

٢ - بناءً على ما نقل ابن أبي الحديد عن ذلك الكتاب ١: ٢٩٥.

٣ - الشافي: ١٢، تبصرة العوام: ٤١٩.

١٠٥

٤ - أبو الحسن عليّ بن ميثم التمّار

(النصف الثاني من القرن الثاني)

أبو الحسن عليّ بن إسماعيل بن شُعيب بن ميثم التّمار، من أبناء الموالي بالكوفة، وكان جدّه أبو سالم ميثم من الفرس القاطنين فيها، ومن أجلّة أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام ، قتله عبيد الله بن زياد بالكوفة قبل قدوم الإمام الحسينعليه‌السلام إلى العراق بعشرة أيّام.

كان أبو الحسن الميثميّ من الطبقة الأُولى لمتكلّمي الشيعة، ومن المعاصرين لهشام بن سالم وهشام بن الحكم، ولرؤساء المعتزلة الكبار كأبي الهذيل العلاّف (المتوفّى سنة ٢٢٧ أو ٢٣٥)، وأبي إسحاق إبراهيم النظّام (المتوفّى في سنة ٢٢١ و٢٣١)، وعليّ الأسواريّ، وله مناظرات كثيرة مع معتزلة عصره. وهو أوّل من تكلّم وفقاً لعقائد الإماميّة وحاجج المخالفين بالأدلّة العقليّة والبراهين النظريّة(١) .

وله كتب أشهرها كتاب في الإمامة باسم الكامل، والآخر مجالس هشام بن الحكم، وكان قد جمعه.

للاطّلاع على سيرته وعناوين كتبه، انظر: الفهرست: ١٧٥، ورجال النجاشيّ: ١٧٦، وفهرست الشيخ الطوسيّ: ٢١٢، وكتاب الانتصار: ٦، ٩٩، ١٤٢، ١٧٧، ومقالات الإسلاميّين للأشعريّ: ٤٢ و٥٤، وكتاب الفصول للشريف المرتضى (مخطوط)، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١: ٢٩٤، وغيرها.

٥ - أبو مالك الحضرميّ

(أواسط القرن الثاني)

أبو مالك الضَحّاك الحضرميّ من عرب الكوفة، وأحد أصحاب الإمام الصادق

____________________

١ - الفهرست: ١٧٥. وفهرست الشيخ الطوسيّ: ٢١٢.

١٠٦

عليه‌السلام أو الإمام الكاظمعليهما‌السلام ، ويعدّ من المتكلّمين الثقات، له كتاب في التوحيد برواية الفقيه الواقفيّ المعروف عليّ بن الحسن الطاطريّ.

انظر: رجال النجاشيّ: ١٤٥، ومقالات الإسلاميّين: ٤٢ و٤٣، والفِصَل لابن حزم ٤: ٩٣، وغيرها للاطّلاع على سيرته وعقائده.

٦ - أبو جعفر السَّكّاك

(النصف الأوّل من القرن الثالث)

وهو أبو جعفر محمّد بن خليل المشهور بالسّكّاك، تلميذ أبي محمّد هشام بن الحكم (توفّي سنة ١٩٩هـ تقريباً)، كان معاصراً لعدد من مشاهير المعتزلة كأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (١٦٠-٢٥٥هـ)، وأبي جعفر محمّد بن عبد الله الإسكافيّ (توفّي سنة ٢٤٠هـ)، وأبي الفضل جعفر بن حرب (توفّي سنة ٢٣٦هـ)، وكانت له مناظرات مع الأخيرين(١) ، وهو من رجالات الشيعة المشهورين، ومن مصنّفي كتبهم(٢) .

ورد لقبه في أكثر الكتب القديمة محرّفاً في صورتين هما: الشكّال، والسكّال، ولكنّه - ممّا لا ريب فيه - السّكّاك، ويقصد منه صانع السّكّة(٣) وهي المحراث، وتصحيفه: الشكّاك(٤) .

كان أبو جعفر السكّاك من تلاميذ هشام بن الحكم، ومنه تعلّم الكلام، وكان على عقيدته في الإمامة مع مخالفته إيّاه في بعض المسائل، من كتبه: كتاب (المعرفة)، وكتاب في باب الاستطاعة، وكتاب في الإمامة، وكتاب بعنوان (كتاب

____________________

١ - الانتصار: ١١٠ و١٤٢.

٢ - الملل والنحل: ١٤٥، ومقالات الإسلاميّين: ٦٣.

٣ - رجال النجاشيّ: ٢٣١.

٤ - شرح نهج البلاغة: ٤: ٤٢٩ (انظر الحكاية اللطيفة التي نقلها ابن أبي الحديد عنه وعن الجاحظ).

١٠٧

التوحيد)، وفيه قال السكّاك بالتشبيه، فردّ عليه البعض، وله كتاب في الردّ على من أنكر وجوب الإمامة بالنصّ.

للوقوف على سيرته، يُنظَر: رجال النجاشيّ ٢٣١، والفهرست ١٧٦، والفهرست للشيخ الطوسيّ: ٢٩٢، والانتصار ٦، ١١٠-١١١، ١٤٢، ١٧٨، ومواضع عديدة من شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ومروج الذهب ٦: ٣٧٤ من الطبعة الأجنبيّة، وغيرها من الكتب.

٧ - يونس بن عبد الرحمن القمّيّ

(توفّي سنة ٢٠٨)

هو أبو محمّد يونس بن عبد الرحمن القمّيّ من أكابر رجال الشيعة ومصنّفيهم المشهورين(١) ، ولد في عهد هشام بن عبد الملك (١٠٥-١٢٥هـ)، وكان معاصراً للإمام الصادق، والإمام الكاظمعليهما‌السلام ، ومن وكلاء الإمام الرضاعليه‌السلام وخواصّه (١٤٨-٢٠٣هـ)، وله قرابة ثلاثين كتاباً في موضوعات مختلفة منها: الإمامة، والردّ على الغلاة، وكانت الشيعة تنظر إليه كسلمان الفارسيّ - (رضي الله عنه) - في عصر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) ، ويذهب مخالفو الشيعة إلى أنّ يونس بن عبد الرحمن وأصحابه اليونسيّة من المشبّهة.

للاطّلاع على سيرته، انظر: رجال الكشّيّ ٣٠١-٣١١، ورجال النجاشيّ ٣١١-٣١٢، والفهرست للشيخ الطوسيّ ٣٦٦-٣٦٧، والفَرق بين الفِرَق ٥٢-٥٣، ومقالات الإسلاميّين للأشعريّ ٣٥، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١: ٢٩٥، وغيرها.

____________________

١ - مقالات الإسلاميّين ٦٣، والملل والنّحل ١٤٥.

٢ - رجال الكشّيّ ٣٠٢.

١٠٨

٨ - عليّ بن منصور

(النصف الأوّل من القرن الثالث)

هو أبو الحسن عليّ بن منصور الكوفيّ أحد تلاميذ أبي محمّد هشام بن الحكم وأصحابه، وكان من أقران أبي جعفر السَّكّاك، ومن شيوخ متكلّمي الشيعة ومؤلّفيهم(١) ، أعدّ كتاباً في التوحيد والإمامة من كلام أُستاذه هشام يعرف بكتاب التَّدبير(٢) .

للوقوف على سيرته وعقائده، يُنظَر: رجال النجاشيّ ١٧٦، ومروج الذهب ٦: ٣٧٢ من الطبعة الأجنبيّة، والانتصار ٦ و١٧٨، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد في مواضع عديدة، وغيرها.

٩ - أبو حفص الحدّاد النيسابوريّ

(توفّي سنة ٢٥٢ أو ٢٦٥ أو ٢٧٠هـ)

هو أبو حفص عمرو بن سلمة الصوفيّ النيسابوريّ، أحد الذين رُموا بالزندقة كابن الراونديّ، وأبي عيسى الورّاق، ولصقه المعتزلة بالشيعة وعدّوه مثل هذين من شيوخها(٣) ، في حين كانت الشيعة لا تراه منها؛ إذ لم تظهر منه عقيدة تدلّ على انتمائه إليها، ولم يُنقَل عنه كلام في الإمامة(٤) ، وذكر السمعانيّ نبذة موجزة عن سيرته في كتاب الأنساب، (مادّة الحدّاد)، وكان أبو حفص يروي عن يونس بن عبد الرحمن القمّيّ(٥) .

انظر: تذكرة الأولياء للشيخ العطّار وغيره للاطّلاع على ترجمته؛ إذ ذُكر في طبقة بايزيد البسطاميّ.

____________________

١ - الملل والنحل ١٤٥؛ مقالات الإسلاميّين ٦٣.

٢ - رجال النجاشيّ ١٧٦، ٣٠٤.

٣ - الانتصار ٩٧، ١٥٠، ١٥٢.

٤ - الشافي في الإمامة ١٣.

٥ - رجال الكشّيّ ١٦٧.

١٠٩

١٠ - أبو الأحوَص البصريّ

(أواسط القرن الثالث)

أبو الأحوص داود بن أسد البصريّ(١) من متكلّمي الشيعة وفقهائهم وأصحاب الحديث فيهم، له كتب في الإمامة، وعندما زار أبو محمّد الحسن بن موسى النوبختيّ النجف الأشرف التقى بأبي الأحوص وأخذ منه العلم.

للاطّلاع على سيرته، يُنظَر: رجال النجاشيّ ١١٣، فهرست الشيخ الطوسيّ ٣٦٩، والشافي في الإمامة للشريف المرتضى ١٤، وغيرها.

١١ - أبو عيسى الورّاق

(توفّي سنة ٢٤٧هـ)

أبو عيسى محمّد بن هارون الورّاق أُستاذ ابن الراونديّ، وكان كابن الراونديّ وثلّة من علماء ذلك العصر، ذا عقيدة دينيّة متزعزعة، وقد تأثّر بتعاليم الزنادقة (المانويّة) وطالع كتبهم التي تُرجم كثير منها إلى العربيّة، وكانت في متناول أيدي الناس آنذاك، وداخله الشكّ والتردّد، وكان يتلوّن مع الفرق المختلفة، بخاصّة المعتزلة، والشيعة، ويرى ابن النديم أنّه كان مانويّ الباطن مع تظاهره بالإسلام(٢) .

وكان المترجَم له تارةً يؤلّف كتاباً في تأييد المذهب المانويّ والثنويّة(٣) ، وأُخرى يؤلّف في الدفاع عن بعض العقائد الشيعيّة مُبدياً ميله إلى الشيعة(٤) . وصنّف كتاباً في الإمامة ذابّاً فيه عن عقائد الشيعة، ولعلّه ألّفه في الردّ على عقيدة أبي عمرو عثمان بن بحر الجاحظ (١٦٠-٢٥٥هـ) في الإمامة.

____________________

١ - جاء في مقالات الإسلاميّين للأشعريّ ٦٣ أنّ اسم أبيه راشد، ولعلّ فيه تحريفاً.

٢ - الفهرست ٣٣٨.

٣ - الانتصار ١٤٩.

٤ - مقالات الإسلاميّين ٦٤.

١١٠

وكان الجاحظ من كبار كتّاب المعتزلة في البصرة، وصارت كتبه الأدبيّة واللغويّة والبلاغيّة مضرب الأمثال، وهو أحد المؤلّفين الذين عرضوا عقائد متناقضة في الإمامة، وصنّف كتباً فيها، كان كلّ واحد منها ينافح عن عقائد إحدى الفرق الإسلاميّة في الإمامة(١) ، منها: كتاب بعنوان إمامة ولد العبّاس أو العبّاسيّة في تأييد الشيعة الراونديّة وأنصار بني العبّاس، وقد ألّفه إرضاءً للعبّاسيّين، مع أنّ مضمونه لا ينسجم وعقائده الخاصّة، ومنها: كتاب العثمانيّة في دعم أنصار عثمان بن عفّان وإنكار فضائل عليّ بن أبي طالب، ومنها: كتاب المروانيّة في مناصرة آل مروان ومعاوية ومناوءة عليّ بن أبي طالب والدفاع عن إمامة بني أميّة، ومنها: كتاب المسائل العثمانيّة في إتمام كتاب العثمانيّة، وكتب أُخرى كالفُتيا، وكتاب الرافضة، وكتاب الزيديّة.

لقد أثارت هذه الكتب المتناقضة للجاحظ غضب الفرق الأُخرى بخاصّة الشيعة، ومعتزلة بغداد، فردّوا على أكثرها، وممّن ردّ عليها من معتزلة بغداد: أبو جعفر محمّد بن عبد الله الإسكافيّ(٢) (المتوفّى سنة ٢٤٠هـ) ومن الشيعة أو من المنسوبين إليهم: ابن الراونديّ وأبو عيسى الورّاق وأبو محمّد الحسن بن موسى النوبختيّ وأبو الحسن محمّد بن إبراهيم الكاتب الشافعيّ والشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان، وغيرهم.

وعندما انتشرت الكتب التي ألّفها الشيعة في الإمامة ردّاً على كتب الجاحظ، انبرى لها أنصاره، فنقضوا ما كتبه ابن الراونديّ، وأبو عيسى. وأشهر من تصدّى منهم لذلك: أبو الحسين عبد الرحيم بن محمّد الخيّاط أُستاذ أبي القاسم الكعبيّ،

____________________

١ - للاطّلاع على تفصيل هذا الموضوع ينظَر: الشافي للشريف المرتضى ١٣ ومروج الذهب ١: ١٥٧-١٥٨، طبعة مصر.

٢ - مروج الذّهب ١: ١٥٨ طبعة مصر، وشرح نهج البلاغة ٤: ١٥٩.

١١١

وهو صاحب كتاب الانتصار(١) ، ويأتي بعده قاضي القضاة عبد الجبّار بن أحمد الأسد آباديّ الهمدانيّ (المتوفّى سنة ٤١٥هـ) مؤلّف كتاب المُغني الذي ردّ عليه الشريف المرتضى علم الهدى (٣٥٥-٤٦٦هـ) في كتاب الشافي ودحض فيه التُّهم الّتي ألصقها المعتزلة بابن الراونديّ وأبي عيسى(٢) ، ومن هذه التُّهم أنّهم كانوا يقولون: إنّ أبا عيسى الورّاق في الوقت الذي كان يدافع فيه عن إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام كان يقول عند الخلوة: (بُليتُ بنصرة أبغض الناس إليّ وأعظمهم إقداماً على القتل...)، وقالو أيضاً: لمّا كان أبو عيسى مانويّاً، فإنّه لا يجيز قتل كلّ شيء ولا يجيز إتلاف الكائنات الحيّة(٣) .

ونُقل لأبي عيسى الورّاق كتب أُخرى أيضاً ما عدا كتابه في الإمامة. منها: كتاب السقيفة، وكتاب اختلاف الشيعة، وكتاب الحُكم على سورة لم يكن، وكتاب المقالات(٤) ، وكتاب المجالس(٥) .

وكان كتاباه الإمامة، والسقيفة يوافقان عقيدة الإماميّة، وقد أثنى عليهما علماء الطائفة، وذكر الورّاق فيهما أدلّة عقليّة صريحة لتقرير النصّ الجليّ وتأييده، واثبات إمامة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، وحمل فيهما على المعتزلة وأهل السُّنّة في هذه الدعوى.

وكان الشيخ المفيد يقتني كتاب السقيفة وقد وصفه مراراً، وكان قرابة مائتي ورقة، وقال الشيخ المفيد في كتاب الإفصاح في الإمامة: (لم يترك لغيره زيادة عليه فيما يوضح عن فساد قول الناصبة وشُبّههم التي اعتمدوها من الخبر بالصلاة، وأشار إلى كذبهم فيه...)(٦) .

____________________

١ - الانتصار ٩٧.

٢ - الشافي ١٣.

٣ - نقلاً عن كتاب المغني، في كتاب الشّافي: ٢، وكتاب الانتصار ١٥٥.

٤ - رجال النجاشيّ ٢٦٣.

٥ - مروج الذهب ٧: ٢٣٧ (الطبعة الأجنبيّة).

٦ - نقلاً عن رسالة كتبها لي سماحة الميرزا فضل الله شيخ الإسلام الزنجانيّ.

١١٢

ومن أشهر كتب الورّاق كتاب المقالات، وهو تاريخ في الملل والنحل وشرح آراء الفرق المختلفة وعقائدها، ويعدّ هذا الكتاب من أوثق الكتب القديمة في هذا المجال وأشهرها، وكان من المصادر المهمّة للمؤلّفين المتأخّرين ككتاب المقالات لزُرقان المعتزليّ، وشرحِه لأبي القاسم الكعبيّ، ومقالات محمّد بن الهيثم الكرّاميّ، ومقالات الإسلاميّين لأبي الحسن الأشعريّ، كتاب الآراء والديانات لأبي محمّد النوبختيّ، وكتاب المقالات لأبي الحسن المسعوديّ صاحب مروج الذهب.

وذكر الشريف المرتضى أنّ الورّاق أطنب في تأكيد شبهات الثنويّة ومقالاتهم ممّا أثار شبهة ثنويّته، وكان أغلب المؤلّفين بعده يقتنون كتاب المقالات كالمسعوديّ، وأبي الحسن الأشعريّ، وأبي الريحان البيرونيّ، والشريف المرتضى، والشهرستانيّ، وعبد القاهر البغداديّ، وابن أبي الحديد، ونقلوا منه موضوعات كثيرة.

وذكر الشريف المرتضى له كتابين آخرين هما: المشرقيّ، والآخر النَّوح على البهائم، وقال: (... فهما مدفوعان عنه، وما يبعد أن يكون بعض الثنويّة عملهما على لسانه...، وليس لنا أن نضيف مثل هذه المذاهب القبيحة إلى من لم يكن متظاهراً بها، ولا مجاهراً باعتقادها)(١) .

والكتاب الأوّل الذي ربما اشتمل على دفاع عن قسم من أفكار الثنويّة هو المذكور في الفهرست لابن النديم، وفي الفهرست للشيخ الطوسيّ باسم كتاب الغريب المشرقيّ، وهو الذي كتب عليه أبو محمّد النوبختيّ نقضاً(٢) ، ونلحظ في رجال النجاشيّ نقضاً آخر له على كتاب أبي عيسى بعنوان الردّ على أهل التعجيز(٣) .

____________________

١ - الشافي ١٣.

٢ - الفهرست ١٧٧، والفهرست للشيخ الطوسيّ ٩٩.

٣ - رجال النجاشيّ ٤٧.

١١٣

وسنتحدّث عن هذا الموضوع في ترجمة أبي محمّد النوبختيّ.

ومن كتب أبي عيسى كتاب بعنوان: في الردّ على الفِرَق الثلاث من النصارى، وهو الكتاب الذي ردّ عليه الفيلسوف النصرانيّ المعروف يحيى بن عديّ (٢٨٣-٣٦٤هـ)، وهذا الردّ موجود، ونقل فيه يحيى كتاب أبي عيسى كلّه(١) .

للاطّلاع على ترجمته، تنظر: المصادر المشار إليها في الهامش.

١٢ - ابن الراونديّ

(٢٤٥ أو ٢٩٨هـ)

هو أبو الحسين أحمد بن يحيى بن محمّد بن إسحاق المشهور بابن الراونديّ أو ابن الرونديّ، كان من أهل مرو الروذ في خراسان، وهو من أشهر المتكلّمين، ولا يمكن معرفة انتمائه بوضوح لتزعزع عقيدته، وتغيير منهجه مراراً، وتزلزل إيمانه، وإظهاره الإلحاد والزندقة، وإنّ ما وصمه به المؤرّخون المتعصّبون بالإلحاد أو الزّندقة (بالمعنى الأعمّ المرادف للإلحاد) لا يكفي لتحديد عقائده الدينيّة.

ولعلّنا نستطيع القول: إنّ ابن الراونديّ كغيره من معاصريه أمضى عمره كلّه في التشكيك والتنقيب باحثاً عن عقيدة ثابتة تنسجم مع الفطرة، وكان ينتمي في كلّ مدّة إلى فرقة من الفرق، ثمّ يبدي بعد فترة آراء لا تُرضي تلك الفرقة فيُطرَد من صفوفها، أو إنّه كان ذا أسلوب جميل ومقتدراً في الكلام كالجاحظ تقريباً، فإنّه كان يؤلّف بما يتّفق مع آراء هذه الفرقة أو تلك، وسلخ عمراً في الكفر، وكان يشكّك الناس في عقائدهم، وأفضل دليل على هذا الموضوع هو النقوض الّتي كتبها على مؤلّفاته وفنّد فيها عقائده السابقة.

إنّ سيرة ابن الراونديّ وعقائده غامضة تماماً للأسباب المتقدّمة، ونقل

____________________

١ - L. Massignon, Recueil des texts, p. ١٨٢-١٨٣.

١١٤

المؤرّخون وأصحاب كتب الملل والنحل عنه آراء ومقالات كثيرة، ولمّا كانت الآراء فيه متضاربة ولم تثبت صحّة الآراء المنسوبة إليه، فلا يمكن استنتاج شيء منها، بخاصّة أنّ المؤلّفين المتعصّبين وأعداء ابن الراونديّ ونظائره كانوا يلصقون بأمثال هؤلاء التُّهم باستمرار - على العادة يؤمئذٍ - ويذكرونهم في كتبهم باللعن والامتهان.

إنّ الثابت هو أنّ ابن الراونديّ كان في البداية من المعتزلة كالورّاق، وأخيه، وابن عمّه(١) ، ثمّ مال إلى التشيّع مدّة بعد أن طردوه، وصنّف عدداً من الكتب في دحض المعتزلة، ودعم الشيعة وعقائد المنتمين إليهم، ولمّا كان ملمّاً بآراء المعتزلة وكان أُستاذاً في الكلام والإنشاء، فقد أدّى ما عليه في هذا الطّريق بإحسان، وأثار حسّ الانتقام عند كبار المعتزلة القريبين عهداً منه كأبي هاشم الجبّائيّ، وأبي عليّ الجبّائيّ، وأبي الحسين الخيّاط، والكعبيّ، واستطاع ابن الراونديّ أن يقدّم عوناً كبيراً إلى المذهب الشيعيّ يومئذٍ من خلال تصنيف الكتب المتقنة نسبيّاً، وجمع الأدلّة والآراء الكلاميّة في دعم عقيدة الشيعة، بخاصّة مسألة الإمامة.

ولذلك نجد أنّ تمرّد ابن الراونديّ على المعتزلة ودفاعه عن عقائد الشيعة أثارا المعتزلة والسُّنّة ضدّه فذكره متكلّموهم ومؤلّفوهم في كتبهم بالسوء، لا سيّما أبا الحسين الخيّاط، وأبا هاشم الجبّائيّ، وابنه أبا عليّ من المعتزلة، وأبا الوفاء بن عقيل، وأبا الفرج عبد الرحمن بن الجوزيّ من السُّنّة؛ فقد هاجمه هؤلاء بشدّة، وعدّه ابن الجوزيّ من كبار الملاحدة(٢) وأحد الزنادقة الثّلاثة الكبار الذين ظهروا بين أهل الإسلام(٣) .

أمّا عقيدة مؤلّفي الشيعة فيه فمختلفة؛ فمنهم من أثنى عليه، ومنهم من ذمّه.

____________________

١ - الانتصار ١٤٩.

٢ - تلبيس إبليس ١١٨.

٣ - الآخران هما: أبو حيّان عليّ بن محمّد الصّوفيّ المعاصر لابن العميد والصاحب بن عبّاد، والشاعر المشهور أبو العلاء أحمد بن سليمان المعرّيّ (بغية الوعاة ٣٤٩، وروضات الجنّات ٥٤).

١١٥

ومن الذين دافعوا عن بعض كتبه وعقائده الشريف المرتضى علم الهدى على رغم المعتزلة. مع هذا لمّا كانت عقائده كلّها لا تتّفق مع مذهب متكلّمي الشيعة وكان منبوذاً عند معظمهم، فإنّ عدداً منهم صنّف كتباً في نقض بعضه، وأشهر هؤلاء أبو محمّد الحسن بن موسى النوبختيّ، وخاله أبو سهل إسماعيل بن عليّ، بل نجد الشريف المرتضى أيضاً قد أشار في كتاب الشافي إلى نقض بعض الأدلّة التي عرضها ابن الراونديّ في موضوع الإمامة.

أجل، لمّا تحرّك ابن الراونديّ للدفاع عن عقائد الإماميّة وألّف لهم كتباً ذكره مخالفوهم في عداد متكلّميهم، مع قذفهم إيّاه بالزندقة والإلحاد، وإنّما أشرنا هنا إلى سيرته وكتبه بإيجاز؛ لأنّنا سنذكره وأبا عيسى الورّاق في ترجمة المتكلّمين النوبختيّين، وشرح النّص الجليّ، وغير ذلك.

ذُكر أنّ والد المترجَم له كان يهوديّاً، وقد أدخل بعض التحريفات في التوراة، وهذه تهمة أُخرى من التهم التي أُلصقت بابن الراونديّ أيضاً، ذلك أنّه وبعض أقاربه كان من المعتزلة كما رأينا، وأنّ اسم جدّه محمّد بن ِإسحاق، ومن هنا نستبعد صحّة التهمة المشار إليها.

كان ابن الراونديّ معاصراً لأبي عيسى الورّاق، وذكر أبو الحسين الخيّاط أنّه كان تلميذه، وأنّه هجر الاعتزال، وانتقل إلى الكفر والإلحاد بناءً على تعليماته(١) .

وعدّ له الخيّاط أساتذة آخرين من الزنادقة أيضاً كأبي شاكر الديصانيّ، والنعمان بن طالوت، وأبي حفص الحدّاد(٢) .

وبلغت الكتب التي ألّفها ابن الراونديّ ١١٤ كتاباً على ما نقله المسعوديّ(٣) ، ولا أثر لها اليوم إلاّ بعض فقرات من كتاب فضيحة المعتزلة نقلها أبو الحسين الخيّاط في

____________________

١ - الانتصار ١٥٥.

٢ - نفسه ١٤٢.

٣ - مروج الذهب ٧: ٢٣٧، من الطبعة الأجنبيّة.

١١٦

كتاب الانتصار من أجل الردّ على ما جاء فيها. ونلحظ أنّ بعض الكتب التي ألّفها ابن الراونديّ يقرّر عقائد المعتزلة، وبعضها عقائد الشيعة، وبعضها الآخر يردّ على الإسلام ويدافع عن عقائد الثنويّة أو اليهود وغيرهم، فلا نعلم على وجه الدقّة أيّ الكتب ألّفها ابن الراونديّ نفسه، وأيّها ألّفها غيره ممّن يقترب مشربه من مشرب ابن الرّاونديّ أو ممّن ألّفها ونسبها إلى ابن الرّاونديّ مغرضاً أو مخاصماً.

وبلغت سمعة ابن الراونديّ في الزندقة والإلحاد مبلغاً جعله في عداد القدوة التّامّة لهما، ومن هنا يلاحظ أنّ أكثر الكتب التي كان يُشمّ منها رائحة الكفر والإلحاد، وكان مؤلّفوها قد أخفوا أسماءهم خوفاً على أرواحهم، نسبها الآخرون إلى ابن الراونديّ على سبيل المشاكلة.

وفيما يأتي أسماء الكتب المنسوبة إلى ابن الراونديّ وموضوع كلّ منها:

١-٧ - الأسماء والأحكام، الابتداءُ والإعادة، خَلقُ القرآن، البقاء والفناء، لا شيء إلاّ موجود(١) ، الطبائع، اللُّؤلُؤة (في تناهي الحركات)، وهذه الكتب كلّها تثبّت عقائد المعتزلة، وقد صنّفها ابن الراونديّ يوم كان أحدهم؛ ولذلك يرى مؤلّفو المعتزلة أنّها من كتبِ صلاحِه.

٨ - كتاب الإمامة، وموضوعه يتّفق وعقيدة الإماميّة، وهو الكتاب الذي ألّفه ابن الراونديّ بعد هجر المعتزلة تقرّباً إلى الشيعة، وقيل: إنّه قبض ثلاثين ديناراً جائزةً له من رؤساء الإماميّة على تأليفه.

٩ - كتاب فضيحة المعتزلة في الردّ على كتاب فضيلة المعتزلة للجاحظ، ونلحظ في هذا الكتاب أنّ ابن الراونديّ هاجم فيه المعتزلة والجاحظ وشيوخه بعنف، ودافع عن الإماميّة.

ونال هذا الكتاب شهرة فائقة بين المتكلّمين من الفرق المختلفة وأرباب الملل

____________________

١ - انظر: مقالات الإسلاميّين ٥٠٢ للوقوف على شرح موجز لهذا الموضوع وعقيدة ابن الراونديّ فيه.

١١٧

والنحل، فتحرّك المعتزلة - من جهة - للردّ عليه، وألّفوا الكتب في دحض موضوعاته، ومنها كتاب الانتصار لأبي الحسين الخيّاط، ومن جهة أُخرى، نقل خصوم المعتزلة - بخاصّة الإماميّة والأشاعرة - معظم موضوعاته في كتبهم جاعليها وثيقة لإدانتهم، وأداة لمهاجمتهم.

ويرى الشيعة أنّ هذا الكتاب، وكتاباً آخر له بعنوان العَروس من كتبِ سَدادِه(١) ، ويلاحَظ في كتبهم ذكر لهذا الكتاب وحده، ولعلّ المقصود منه كتاب فضيحة المعتزلة أو كتاب آخر صنّفه ابن الراونديّ في تأييد عقيدة الإماميّة.

وهاجم قاضي القضاة عبد الجبّار المعتزليّ في كتاب المغني ابنَ الراونديّ والورّاق وأمثالهما، وذكر أنّ ابن الراونديّ كان يقصد بسائر ما يؤلّفه في نصرة الإلحاد إلى نشر التشكيك، وأنّه كان يؤلّف بهدف الشُّهرة والمنفعة.

وقال الشريف المرتضى في الدفاع عن ابن الراونديّ: (... إنّه إنّما عمل الكتب التي شُنِّع بها عليه معارضة للمعتزلة، وتحدّياً لهم؛ لأنّ القوم كانوا أساؤا عشرته، واستنقصوا معرفته، فحمله ذلك على إظهار هذه الكتب ليبيّن عجزهم عن استقصاء نقضها، وتحاملهم عليه في رميه بقصور الفهم والغفلة، وقد كان يتبرّأ منها تبرّؤاً ظاهراً، وينتفي من عملها، ويضيفها إلى غيره، وليس يشكّ في خطئه بتأليفها، سواء اعتقدها أم لم يعتقدها.

(وما صنع ابن الراونديّ من ذلك إلاّ ما قد صنع الجاحظ مثله أو قريباً منه، ومَن جمع بين كتبه التي هي العثمانيّة، والمروانيّة، والفُتيا، والعبّاسيّة، والإماميّة، وكتاب الرافضة والزيديّة، رأى من التضادّ واختلاف القول ما يدلّ على شكّ عظيم وإلحاد شديد، وقلّة تفكّر في الدين).

(وليس لأحدٍ أن يقول: إنّ الجاحظ لم يكن معتقداً لما في هذه الكتب

____________________

١ - روضات الجنّات ٥٥٤؛ نخبة المقال ١٥٧.

١١٨

المختلفة، وإنّما حكى مقالات الناس وحِجاجَهم، وليس على الحاكي جريرة، ولا يلزمه تبعة؛ لأنّ هذا القول إن قنع به الخصوم فليقنعوا بمثله في الاعتذار، فإنّ ابن الراونديّ لم يَقُل في كتبه هذه التي شُنِّع بها عليه: إنّي أعتقد المذاهب التي حكيتُها وأذهب إلى صحّتها، بل كان يقول: قالت الدهريّة، وقال الموحّدون، وقالت البراهمة، وقال مثبتو الرسول، فإن زالت التَّبعة عن الجاحظ في سبّ الصحابة والأئمّة والشّهادة عليهم بالضلال والمُروق عن الدين بإخراجه كلامه مَخرجَ الحكاية، فلتزولنّ أيضاً التبعة عن ابن الراونديّ بمثل ذلك...)(١) .

١٠ - كتاب القَضيب أو قَضيب الذَّهب في إثبات حدوث علم الباري تعالى.

١١ - التاج، وهو من أشهر كتبه، وموضوعه إثبات قِدم العالم والأجسام وردّ أدلّة المخالفين(٢) ، ولمّا كان المعتزلة والإماميّة لا يرون رأيه فيه فإنّ عدداً من متكلّميهم صنّفوا كتباً في نقضه، ومن هؤلاء أبو الحسين الخيّاط من المعتزلة، وأبو سهل إسماعيل بن عليّ النوبختيّ من الإماميّة، الذي أسمى كتابه السّبك، ويبدو أنّ ابن أبي الحديد كان يقتني كتاب التاج، وهو الذي ذكر أنّ ابن الراونديّ اقتبس القول بِقِدم العالم من الفلاسفة وأورده في كتاب التاج(٣) .

١٢ - كتاب الزُّمُرّد في إبطال موضوع الرسالة وردّ المعجزات المنسوبة إلى إبراهيم، وموسى، وعيسى، ونبيّنا صلوات الله عليهم أجمعين، وذكر أبو الحسين الخيّاط أنّ ابن الراونديّ جعل في الكتاب باباً في الردّ (على المحمّديّة خاصّة) يريد أُمّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وطعن فيه على القرآن الكريم(٤) . ولعلّ كتابه هذا هو الذي

____________________

١ - الشافي في الإمامة ١٣.

٢ - الانتصار ١٧٢-١٧٣.

٣ - شرح نهج البلاغة ١: ٢٩٩.

٤ - الانتصار ٢-٣.

١١٩

سبّب طرده من صفوف المعتزلة(١) ، وكان أبو القاسم الكعبيّ ينقل أنّ ابن الراونديّ يقول في سبب تسمية الكتاب بالاسم المذكور: من صفة الزمرّد أنّه إذا وقعت عليه عين الحيّة خرجت من حدقتها وذابت(٢) ، فسمّيتُ كتابي بهذا الاسم؛ لأنّ الخصم إذا نظر إليه هلك، وقد نقض ابن الراونديّ نفسه كتابه هذا، كما نقضه أبو الحسين الخيّاط أيضاً.

١٤ - كتاب الفِرَند في الطعن على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد نقضه أبو الحسين الخيّاط، وأبو هاشم الجبّائيّ.

١٥ - كتاب الدامغ في الردّ على القرآن وترتيبه، وقد ردّ عليه الخيّاط، وأبو عليّ الجبّائيّ، ويبدو أنّ ابن الراونديّ صنّف هذا الكتاب لليهود(٣) ، ثمّ نقضه هو نفسه بعد ذلك(٤) .

١٦ - كتاب التوحيد، ذكر الخيّاط أنّ ابن الراونديّ ألّفه ليتجمّل به عند أهل الإسلام لمّا خاف على نفسه ووُضع الرصد في طلبه(٥) .

١٧ - كتاب في موضوع اجتهاد الرأي، ونقضه أبو سهل إسماعيل النوبختيّ(٦) .

١٨ - كتاب المرجان في اختلاف المسلمين والكتابيّين.

نقل بعض المؤلّفين أنّ ابن الراونديّ مات بعد وفاة الورّاق بقليل، أيّ: بعد سنة ٢٤٧هـ، ومنهم من قال سنة ٢٤٥هـ، وثمّة من ذكر موته سنة ٢٩٨هـ.

للاطّلاع على سيرة ابن الراونديّ وكتبه وعقائده ينظر: كتاب الانتصار الذي لم

____________________

١ - الانتصار، ١٧٣.

٢ - أشار قدماء الشعراء إلى هذه الأسطورة مراراً. ومن هؤلاء منجيك الذي قال:

شنيده ام بحكايت كه ديده افعى

برون جهد چو زمرّد بر او برند فراز

سمعتُ حكاية تذكر بأنّ عين الأفعى تخرج من حدقتها إذا عرضوا عليها الزّمرّد.

٣ - البداية والنهاية.

٤ - ملحق الفهرست ٥، طبعة مصر.

٥ - الانتصار ١٣.

٦ - الفهرست ١٧٧.

١٢٠