آل نوبخت

آل نوبخت0%

آل نوبخت مؤلف:
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 288

آل نوبخت

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: عباس إقبال آشتياني
تصنيف: الصفحات: 288
المشاهدات: 78986
تحميل: 6966

توضيحات:

آل نوبخت
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 288 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 78986 / تحميل: 6966
الحجم الحجم الحجم
آل نوبخت

آل نوبخت

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ورسميّاً، أنّه كان يُمضي أوقاته في الردّ على المخالفين ومناظرتهم والاحتجاج عليهم.

وأظهر الحلاّج مقالات في باب الحلول، وادّعاء المعجزة والرسالة والربوبيّة، وعزم على استقطاب أبي سهل إسماعيل النوبختيّ، ومن ثمّ اجتذاب آلاف الشيعة الذين كانوا يتّبعونه وسائر آل نوبخت قولاً وعملاً، بخاصّة أنّ جماعة من بلاط الحاكم العبّاسي كان لهم رأي حسن بالحلاّج، فانحازوا إليه، وإذا ما ركن آل نوبخت إليهم فلا تبقى أمام الحلاّج عقبة تعرقل عمله، وكان له أن ينظّم كياناً مهمّاً لرأيه الجديد اعتماداً على كثرة أصحابه، ونفوذ أكابر البلاط وكُتّابه.

بَيْد أنّ أبا سهل الذي كان شيخاً مجرّباً وعالماً نشطاً محنّكاً لم يَرُقه أن يرى داعياً صوفياً ذا مقالات جديدة يريد أن ينسِف كثيراً من العقائد التي تعاهدها هو نفسه ومتكلّمو الإماميّة وأقاموا دعائمها على أساس رصين باذلين الغالي والنفيس من أجلها، هذا من جهة، ومن جهة أُخرى يريد أن ينصب نفسه معارضاً للحسين بن روح نائب الإمامعليه‌السلام ، ومدّعياً منصبه، ويمدّ جذوره في الجهاز الحاكم الذي حافظ الشيعة الإماميّة وآل نوبخت على مرافقه الهامّة عدد سنين في مقابل سلطة أمراء الجيش الأتراك وغيرهم.

وأبدى أبو سهل النوبختيّ غاية التدبير والفراسة والنشاط في دحض الحلاّج وقطع دابر دعوته، ذلك أنّ إدانة مثل هذا الشخص - الذي كان قبل كلّ شيء يدّعي أنّه من الإماميّة ومن آل نوبخت - من قبل القضاة والأئمّة والوزراء السُّنّة، وفي عاصمة الحكم حيث لم يُسمَح لقضاة الشيعة وعلمائهم أن يتدخّلوا في تسوية الدعاوى، مضافاً إلى الأضغان المذهبيّة والخصومات السياسيّة، لم يكن عملاً ميسوراً إلاّ بحصافة العقل والحزم ودقّة النظر.

إنّ ما يمكن أن يقال في هذا المجال تخميناً هو: إنّ الإماميّة ربّما اختاروا المذهب الظاهريّ الذي أسّسه أبو بكر محمّد بن داود الإصفهانيّ (المتوفّى سنة

١٤١

٢٩٧هـ) من بين المذاهب السُّنّيّة اضطراراً من أجل حلّ دعاواهم؛ لأنّ فقههم لم يعترف به الحكّام والسلاطين رسميّاً، وأقرّ بعض الفقهاء من المذهبين الإماميّ والظاهريّ آراء بعضهما البعض في الفروع والفقه، كما نجد أنّ الناشئ الأصغر وهو متكلّم شيعيّ وتلميذ لأبي سهل النوبختيّ كان على مذهب أهل الظاهر في الفقه(١) .

ويحتمل أنّ رؤساء الإماميّة لجأوا إلى أبي بكر محمّد بن داود إمام الظاهريّة عند عودة الحلاّج إلى بغداد وشروعه بالدعوة العامّة (في سنة ٢٩٦هـ)، وحرّضوه على أن يُفتي بوجوب قتل الحلاّج، فأفتى بذلك سنة ٢٩٧هـ قبل وفاته بقليلٍ، يضاف إلى ذلك أنّ الصداقة التي كانت تربط أبا سهل النوبختيّ بأبي الحسن عليّ بن الفرات وزير المقتدر العبّاسيّ (في أيّام وزارته الأُولى بين ٢١ ربيع الأوّل ٢٩٦هـ و٤ من ذي الحجّة ٢٩٩هـ)، ودعم هذا الوزير للشيعة ممّا ساعد على تيسير خطّة أبي سهل(٢) .

على أيّ حال، لا شكّ في أنّ أبا سهل هو الذي أفشى أمر الحلاّج في بغداد، وزهّد العامّة فيه، ونقل كذب دعاواه ومخاريقه في المجالس الصغيرة والكبيرة.

قَدِم الحلاّج بغداد في سنة ٢٩٦هـ وانشغل بدعوة الناس إليه، فلاحقه أبو الحسن بن الفرات، وأصدر ابن داود فتواه المعروفة بهدر دمه، ففرّ من بغداد وأوى إلى شوشتر والأهواز فلاحقه ولاة السلطان العبّاسيّ مرّة أُخرى سنة ٣٠١هـ، وقبضوا عليه وأتوا به إلى بغداد في عصر وزارة عليّ بن عيسى وحُبس ثماني سنين. ثمّ أُعدم في ٢٤ من ذي القعدة سنة ٣٠٩هـ بعد سبعة أشهر من المحاكمة بفتوى القضاة وأئمّة الدين، وبأمر المقتدر ووزيره حامد بن العبّاس.

وجرت بين الحلاّج وأبي سهل النوبختيّ مناظرتان يوم كان يبثّ دعوته.

____________________

١ - الفهرست للطوسيّ ٢٣٣.

٢ - L. Massignon, passion d`al-Halladj, p. ١٤٨.

١٤٢

وفيهما دعا الحلاّجُ أبا سهل إلى اتّباعه، وادّعى المعجزة كما يدلّ على ذلك ما بقي من الروايات، بَيْد أنّ أبا سهل أفحمه ودحضه بل أخزاه من خلال أجوبته الدامغة وطلباته التي عجز الحلاّج عن إنجازها، فكسدت سوقه بسبب ذلك، وننقل فيما يأتي روايتين من الروايات الباقية نصّاً!

١ - نقل الشيخ أبو جعفر الطوسيّ عن أبي نصر هبة الله بن محمّد الكاتب بواسطتين قال: لمّا أراد الله تعالى أن يكشف أمر الحلاّج ويُظهر فضيحته ويُخزيه، وقع له أنّ أبا سهل بن إسماعيل بن عليّ النوبختيّ - (رضي الله عنه) - ممّن تجوز عليه مخرقته، وتتمّ عليه حيلته، فوجّه إليه يستدعيه، وظنّ أنّ أبا سهل كغيره من الضعفاء في هذا الأمر بفرط جهله، وقدّر أن يستجرّه إليه فيتمخرق به ويتسوّف بانقياده على غيره فيستتبّ له ما قصد إليه من الحيلة والبهرجة على الضعفة؛ لِقَدْر أبي سهل في أنفس الناس ومحلّه من العلم والأدب أيضاً عندهم، ويقول له في مراسلته إيّاه: إنّي وكيل صاحب الزّمانعليه‌السلام ، وبهذا أوّلاً كان يستجرّ الجهّال ثمّ يعلو منه إلى غيره، وقد أُمِرتُ بمراسلتك وإظهار ما تريده من النصرة لك لتقوّي نفسك ولا ترتاب بهذا الأمر، فأرسل إليه أبو سهل - (رضي الله عنه) - يقول له: إنّي أسألك أمراً يسيراً يَخفُّ مِثلُه عليك في جنب ما ظهر على يديك من الدلائل والبراهين، وهو أنّي رجلٌ أُحبّ الجواري وأصبو إليهنّ ولي منهنّ عدّة أتحظّاهنّ، والشيب يبعدني عنهنّ، وأحتاج أن أخضبه في كلّ جمعة، وأتحمّل منه مشقّةً شديدةً لأستر عنهنّ ذلك، وأحتاج أن أخضبه في كلّ جمعة، وأتحمّل منه مشقّةً شديدةً لأستر عنهنّ ذلك، وإلاّ انكشف أمري عندهنّ، فصار القرب بُعداً والوصال هجراً، وأُريد أن تُغنيني عن الخضاب وتكفيني مؤنته وتجعل لحيتي سوداء، فإنّي طوع يديك، وصائر إليك، وقائل بقولك، وداعٍ إلى مذهبك، مع مالي في ذلك من البصيرة ولك من المعونة، فلمّا سمع ذلك الحلاّج من قوله وجوابه، علم أنّه قد أخطأ في مراسلته، وجهل في الخروج إليه بمذهبه، وأمسك عنه ولم يَرُدّ إليه جواباً، ولم يرسل إليه رسولاً.

١٤٣

وصيّره أبو سهل - (رضي الله عنه) - أُحدوثة وضُحْكة، ويطنز به(١) عند كلّ أحد، وشهر أمره عند الصغير والكبير، وكان هذا الفعل سبباً لكشف أمره وتنفير الجماعة عنه(٢) .

٢ - (... ويزعم بعض الجهلة المتّبعين له بأنّه كان يغيب عنهم، ثمّ ينزل عليهم من الهواء، أغفل ما كانوا! وحرّك لقومٍ يده فنثر منها دراهم، وكان في القوم أبو سهل بن نوبخت النوبختيّ، فقال له: دَع هذا وأعطِني درهماً واحداً عليه اسمُك واسم أبيك وأنا أؤمن بك، وخلقٌ كثير معي، فقال: لا، كيف وهذا لم يُصنع؟ فقال له: مَن أحضَرَ ما ليس بحاضرٍ صَنَعَ غيرَ مصنوع)(٣) .

يظهر من القرائن أنّ هذا الحوار كان في الأهواز وحواليها بين سنة ٢٩٨ و٣٠١هـ؛ لأنّ الحلاّج كان يومئذٍ في الأهواز والقرى الواقعة في أطرافها يعدّ للناس الطعام والشراب، وينثر عليهم الدراهم التي كان يسمّيها (دراهم القُدرة)، كما كان فيها أنذاك المتكلّم المعتزليّ المعروف أبو عليّ الجبّائيّ، وهو الذي قام بكشف حيله، وأجبره على مغادرة المدينة(٤) ، ويبدو أنّ الجبّائي لقي أبا سهل النوبختيّ أيضاً، وكانت له مجالس معه.

٦ - مؤلّفاته

ألّف أبو سهل إسماعيل بن عليّ النوبختيّ كتباً كثيرة في تأييد المذهب الشيعيّ والردّ على اعتراضات مخالفيه، وبيان المسائل الكلاميّة، وبلغ عددها أربعين كتاباً

____________________

١ - طنز به: سخر.

٢ - الغيبة ٢٦١-٢٦٢؛ نشوار المحاضرة للتنوخيّ ٨١؛ الفهرست ١٩٠-١٩١، وقسم من كتاب المنتظم لابن الجوزيّ في هامش صلة تاريخ الطبريّ ١٠٥، تاريخ بغداد ٨: ١٢٤.

٣ - صلة تاريخ الطبريّ لعريب بن سعد القرطبيّ ٩٢-٩٥.

٤ - تاريخ بغداد ٨: ١٢٥؛ نشوار المحاضرة ٨٧.

١٤٤

ورسالةً، ومن سوء الحظّ أنّه لا يُلاحَظ اليوم منها إلاّ كتاب واحد أو كتابان ذُكرت نُقول منها في كتب المؤلّفين بعده، وتعدّ كتبه من المراجع الرئيسة لعلماء الشيعة ومتكلّميهم، وأقواله الكلاميّة تدعم أقوالهم، وهو نفسه - (رحمه الله) - معدود في رجالات الشيعة ومصنِّفيهم المعتَمدين(١) .

وفيما يأتي أسماء مؤلّفاته اعتماداً على الفهرست، وفهرست الطوسيّ، ورجال النجاشيّ، وبعض الكتب الأُخرى:

ألف - كتبه في الإمامة وردّ المخالفين في هذا الباب

١ - الاستيفاء (الفهرست - فهرست الطوسيّ - رجال النجاشيّ).

٢ - التنبيه (الفهرست - فهرست الطوسيّ - رجال النجاشيّ) وكان النجاشيّ صاحب الرجال - قد قرأه على أُستاذه الشيخ المفيد(٢) ، ونقل الشيخ الصدوق مقداراً منه يبلغ ثلاث صفحاتٍ كبيرة وذلك في كتابه كمال الدّين وتمام النّعمة(٣) ، ويبدو أنّ فقرة أُخرى أوردها المؤلّف المذكور في كتابه المشار إليه، ونقلها الشيخ الطوسيّ في كتاب الغَيبة عن أبي سهل مأخوذة من كتاب التنبيه هذا(٤) .

٣ - كتاب في الردّ على الغلاة (الفهرست - فهرست الطوسيّ - رجال النجاشيّ).

٤ - الردّ على الطاطُريّ في موضوع الإمامة.

والطاطُريّ هذا هو أبو الحسن عليّ بن محمد الطائيّ الكوفيّ الطاطريّ من فقهاء الواقفة وشيوخهم ووجهائهم. كان معاصراً للإمام الكاظمعليه‌السلام (١٢٨-١٨٣هـ)، ومع أنّه كان فقيهاً ثقة في حديثه، لكنّه كان يُبدي تعصّباً وعناداً شديداً في الدفاع عن مذهب الواقفة و ردّ عقائد الشيعة، وألّف كتباً عديدة بلغت ثلاثين كتاباً في تأييد

____________________

١ - الملل والنحل ١٤٥.

٢ - رجال النجاشيّ ٢٣.

٣ - كمال الدين وتمام النعمة ٥٣-٥٦.

٤ - نفسه، وكتاب الغيبة للشيخ الطوسيّ ١٨٥.

١٤٥

عقائده، منها كتاب في الإمامة، ويبدو أنّ هذا الكتاب هو الذي ردّ عليه أبو سهل النوبختيّ. (للاطلاع على ترجمته يُنظَر: الفهرست ١٧٧، فهرست الطوسيّ ٢١٦-٢١١، رجال النجاشيّ١٧٩).

٥ - الردّ على الواقفة (فهرست الطوسيّ - رجال النجاشيّ).

٦ - الأنوار في تاريخ الأئمّة (فهرست الطوسيّ - رجال النجاشيّ).

٧ - كتاب الجُمَل في الإمامة (رجال النجاشيّ).

٨ - الردّ على محمّد بن الأزهر في الإمامة، (رجال النجاشيّ).

لم يُعرَف محمّد بن الأزهر هذا، ولعلّ المقصود هو أبو جعفر محمّد بن الأزهر الكاتب (٢٠٠-٢٧٩ هـ) أحد الإخباريّين السُّنّة، توفّي في جمادى الأولى سنة ٢٧٩هـ، وهو في الثمانين من عمره(١) .

ب - الردّ على أهل السنّة والجبريّة وأصحاب الصفات

٩ - الردّ على عيسى بن أبان في موضوع القياس(٢) (الفهرست).

١٠ - نقض مسألة عيسى بن أبان في باب الاجتهاد(٣) (فهرست الطوسيّ - رجال النجاشيّ).

____________________

١ - تاريخ بغداد ٢: ٨٣-٨٤.

٢ - كان الشيعة وفقهاء الظاهريّة من أصحاب الحديث والسُنّة يبطلون القياس في الفقه على خلاف أصحاب أبي حنيفة والزيديّة، وكان الشيعة ينقلون أحاديث كثيرة عن أئمة الهدىعليهم‌السلام في إبطال القياس، منها ما روي عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال: «القياس ليس من دِيني» ، (رجال الكشيّ ١٢٥) وقال: «إنّ أصحاب القياس طلبوا العلم بالقياس فلم يزدادوا من الحقّ إلاّ بُعداً، إنّ دين الله لا يصاب بالقياس » ( أُصول الكافي ٢١)، وأوّل من عمل بالقياس والاجتهاد من الشيعة أبو عليّ محمّد من أحمد بن الجنيد الإسكافيّ (أواسط القرن الرابع)، والحسن بن أبي عقيل العمانيّ (النصف الأوّل من القرن الرابع) ويعرف هذان الشخصان بين فقهاء الإماميّة بالقديمّين (روضات الجنّات ١٦٨، ٥٦٠، ٥٩٠).

٣ - أنظر: الملل والنحل ١٥٣، مقالات الإسلاميّين ٤٧٩-٤٨٥.

١٤٦

كان أبو موسى عيسى بن أبان بن صدقة بن عَديّ بن مردانشاه (المتوفّى في المحرّم سنة ٢٢١هـ) من أهل مدينة فَسا من بلاد فارس، وكان من قضاة أصحاب الرأي والقياس وفقهائهم، ومن أتباع الإمام أبي حنيفة. وألّف عدداً من الكتب منها: إثبات القياس، واجتهاد الرأي، وهما اللذان ردّ عليهما أبو سهل.

١١ - كتاب في إبطال القياس (الفهرست).

١٢ - كتاب في الردّ على أصحاب الصفات(١) (الفهرست - فهرست الطوسيّ).

____________________

١ - قال الشهرستانيّ في كتاب الملل والنحل: ٦٤-٦٥: (اعلم أنّ جماعة كثيرة من السلف كانوا يُثبِتون لله تعالى صفاتٍ أزليّةً من العلم، والقدرة، والحياة، والإرادة، والسمع، والبصر، والكلام، والجلال، والإكرام، والجود، والإنعام، والعزّة، والعظمة، ولا يفرّقون بين صفات الذات، وصفات الفعل، بل يسوقون الكلام سَوقاً واحداً، وكذلك يُثبتون صفاتٍ خَبَريّة مثل اليدَين، والوجه، ولا يؤوّلون ذلك، إلاّ أنّهم يقولون: هذه الصفات قد وردت في الشرع، فنسمّيها صفات خبريّة، ولمّا كان المعتزلة ينفون الصفات، والسلف يُثبتون، سُمّي السلف: صِفاتيّة، والمعتزلة: مُعطِّلة. فبالغ بعض السلف في إثبات الصّفات إلى حدّ التشبيه بصفات المُحدّثات، واقتصر بعضهم على صفات دلّت الأفعال عليها وما ورد به الخبر، فافترقوا فيه فرقتين: فمنهم من أوّله على وجه يحتمل اللفظ ذلك، ومنهم من توقّف في التأويل، وقال: عرفنا بمقتضى العقل أنّ الله تعالى ليس كمثله شيء، فلا يُشبه شيئاً من المخلوقات ولا التأويل، وقال: عرفنا بمقتضى العقل أنّ الله تعالى ليس كمثله شيء، فلا يُشبه شيئاً من المخلوقات ولا يُشبهه شيء منها، وقطعنا بذلك، إلاّ أنّا لا نعرف معنى اللفظ الوارد فيه، مثل قوله تعالى: «الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) ، ومثل قوله:( خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ) ، ومثل قوله:( وَجَاءَ رَبُّكَ ) ، إلى غير ذلك، ولسنا مكلّفين بمعرفة تفسير هذه الآيات وتأويلها، بل التّكليف قد ورد بالاعتقاد بأنّه لا شريك له، وليس كمثله شيء؛ وذلك قد أثبتناه يقيناً، ثمّ إنّ جماعةً من المتأخّرين زادوا على ما قاله السلف، فقالوا: لابدّ من إجرائها على ظاهرها، والقول بتفسيرها كما وردت من غير تعرّض للتّأويل ولا توقّف في الظاهر، فوقعوا في التشبيه الصرف، وذلك على خلاف ما اعتقده السلف، ولقد كان التشبيه صرفاً خالصاً في اليهود، لا في كلهم، بل في القرّائين منهم؛ إذ وجدوا في التوراة ألفاظاً تدلّ على ذلك، ثمّ الشيعة في هذه الشريعة وقعوا في غلوّ وتقصير. أمّا الغلوّ، فتشبيه بعض أئمّتهم بالإله تعالى وتقدّس، وأمّا التقصير، فتشبيه الإله بواحدٍ من الخلق، ولمّا ظهرت المعتزلة والمتكلّمون من السلف رجعت بعض الروافض عن الغلوّ والتقصير، ووقعت في الاعتزال، وتخطّت جماعة من السلف إلى التفسير الظاهر؛ فوقعت في التشبيه، وأمّا السلف الذين لم يتعرّضوا للتّأويل، ولا تهدفوا للتشبيه، فمنهم: مالك بن أنس =

١٤٧

١٣ - كتاب الصفات (الفهرست - فهرست الطوسيّ).

١٤ - كتاب في الردّ على الجبريّة في باب المخلوق والاستطاعة(١) (فهرست الطوسيّ)، في الفهرست: الردّ على من قال بالمخلوق، وفي رجال النجاشيّ: الردّ على المجبّرة في المخلوق.

١٥ - كتاب في الصفات (رجال النجاشيّ) أو في الصدقات (؟) (فهرست الطوسيّ) ويبدو أنّه الكتاب المذكور في التسلسل ١٣.

ج - الردّ على اليهود ومنكري الرسالة

١٦ - كتاب تثبيت الرسالة، (الفهرست - فهرست الطوسيّ).

١٧ - كتاب في الاحتجاج في نبوّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله (رجال النجاشيّ).

١٨ - كتاب في الردّ على اليهود(٢) (فهرست الطوسيّ - رجال النجاشيّ).

____________________

= إذ قال: الاستواء معلوم، والكيفيّة مجهولة، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، ومثل أحمد بن حنبل، وسفيان الثوريّ، وداود بن عليّ الأصفهانيّ، ومن تابعهم، حتّى انتهى الزمان إلى عبد الله بن سعيد الكُلاّبيّ، وأبي العبّاس القَلانِسيّ، والحارث بن أسد المحاسبيّ، وهؤلاء كانوا من جملة السلف، إلاّ أنّهم باشروا علم الكلام، وأيّدوا عقائد السلف بحجج كلاميّة وبراهين أُصوليّة، وصنّف بعضهم، ودرس بعض، حتّى جرى بين أبي الحسن الأشعريّ وبين أُستاذه مناظرة في مسألة من مسائل الصلاح والأصلح فتخاصما، وانحاز الأشعريّ إلى هذه الطائفة، فأيّد مقالتهم بمناهج كلاميّة، وصار ذلك مذهباً لأهل السُّنّة والجماعة، وانتقلت سمة الصفاتيّة إلى الأشعريّة، ولمّا كانت (المشبّهة) و(الكرّاميّة) من مُثبِتي الصفات، عددناهم فرقتين من جملة (الصفاتيّة)، (الملل والنحل ٦٤-٦٥، مقالات الإسلاميّين ٥٨٢ فما بعدها).

١ - انظر: كنز الفوائد للكراجكيّ ٤٠-٤١ للتعرّف على الخلاف بين المجبّرة والإماميّة في باب المخلوق والاستطاعة.

٢ - كانت أهمّ احتجاجات المسلمين على اليهود تدور حول المسائل الآتية: تشبيه الخالق بالمخلوق، والقول بأنّ عُزير ابن الله، ونَسخ الشرائع التي كان ينكرها اليهود، وبعض المسائل الأُخرى، (تلبيس إبليس ٧٥-٧٦؛ الملل والنحل ١٦٣-١٦٧، الفصل في الملل والأهواء والنحل ١: ٩٨ فما بعدها، وغيرها).

١٤٨

د - الردّ على المخالفين الآخرين

١٩ - كتاب مجالس أبي سهل مع ثابت بن قرّة (رجال النجاشيّ - فهرست الطوسيّ).

أبو الحسن ثابت بن قُرّة الحرّانيّ الصابئيّ (٢٢١-٢٨٨هـ) فيلسوف ومنطيق ورياضيّ معروف، كان من منجّمي المعتضد العبّاسيّ في بغداد، وكان صديقاً ومعاشراً لأبي سهل إسماعيل بن عليّ النوبختيّ وابن أُخته أبي محمّد الحسن بن موسى، وسنرى في ترجمة أبي محمّد أنّه كان ممّن يجتمع في دار أبي محمّد النوبختيّ مع المترجمين والعلماء الآخرين، وكان أبو محمّد، وأبو سهل يطرحان الأسئلة عليه ويناظرانه في بعض المسائل الفلسفيّة والدينيّة، ويلاحظ بين كتب ثابت بن قرّة - مضافاً إلى الكتاب المذكور الذي يشير إلى هذه النقطة - كتاب يضمّ أجوبته عن مسائل سألها إيّاه أبو سهل النوبختيّ(١) .

٢٠ - مجالسه مع أبي عليّ الجبّائيّ في الأهواز(٢) (رجال النجاشيّ - فهرست الطوسيّ).

٢١ - نقض مسألة أبي عيسى الورّاق في باب قِدَم الأجسام (رجال النجاشيّ)، وإثبات الأعراض(٣) (فهرست الطوسيّ).

٢٢ - الردّ على ابن الراونديّ في باب الإنسان(٤) (رجال النجاشيّ - فهرست الطوسيّ).

____________________

١ - تاريخ الحكماء ١١٨.

٢ - انظر ذيل الصّفحة ١٢٤، والصّفحة ١٤٥ من هذا الكتاب.

٣ - الانتصار ١٥٠ و١٥٢.

٤ - انظر: مقالات الإسلاميّين واختلاف المصلّين للأشعريّ ٣٢٩-٣٣٣، للاطّلاع على خلاف المتكلّمين حول الإنسان، ورأي ابن الراونديّ في ذلك.

١٤٩

٢٣ - كتاب السبك في نقض كتاب التاج لابن الراونديّ(١) ، (الفهرست - فهرست الطوسيّ).

٢٤ - نقض كتاب ابن الراونديّ في باب اجتهاد الرأي، (الفهرست - فهرست الطوسيّ).

٢٥ - نقض عَبَث الحكمة لابن الراونديّ(٢) ، (الفهرست - فهرست الطوسيّ).

٢٦ - نقض رسالة من تأليف الشافعيّ(٣) ، (الفهرست - فهرست الطوسيّ).

٢٧ - الردّ على أبي العتاهية في باب التوحيد، في شعره، (فهرست الطوسيّ - رجال النجاشيّ).

كان أبو إسحاق إسماعيل بن القاسم المشهور بأبي العتاهية (١٣٠-٢١١ أو ٢١٣هـ) من شعراء الغزل المعروفين في عهد هارون وولدَيه الأمين والمأمون، ثمّ مال إلى الزهد بعد أن أمضى مدّة في الغزل، والمدح، والهجاء، واقترب من مشرب المتصوّفة تدريجاً، ولمّا كان شاعراً قادراً ذا شعر سهل بعيد عن التكلّف، فقد انتشرت أشعاره في الزهد والوعظ بين الناس، وأدّى ذلك إلى رسوخ أفكاره الصوفيّة والجبريّة في أذهان العامّة.

كان أبو العتاهية شيعيّ الفروع، جَبريّ العقيدة، كما كان عدوّاً للقدريّة(٤) .

لذلك نظم في شعره أفكاراً في مجال الاعتقادات لا تنسجم مع عقائد الشيعة، فكان كتاب أبي سهل النوبختيّ ردّاً على تلك الأفكار، قال صاحب كتاب تبصرة العوامّ:

____________________

١ - انظر: ص١١٩ من هذا الكتاب.

٢ - انظر: ص١١٩ من هذا الكتاب، أيضاً.

٣ - القصد من هذا الكتاب رسالة ألّفها الإمام أبو عبد الله محمّد بن إدريس الشافعيّ (١٥٠-٢٠٤هـ) في أُصول الفقه على رأيه، وهذا الكتاب المعروف برسالة الإمام الشافعيّ أوّل كتاب صُنِّف في أُصول علم الفقه. وأُعيد طبعه مراراً (معجم المطبوعات العربيّة، العمود ٤٧٠).

٤ - تاريخ بغداد ٧: ١٤٧.

١٥٠

(أجمعَت الإماميّةُ على أنّ الله تعالى لا يمكن أن يُرى لا في الدنيا ولا في الآخرة، ولها على ذلك أدلّتها القاطعة من العقل، والقرآن، والسُّنّة، وقال خصومهم: إنّ طائفةً من الشيعة ترى أنّ الله يحكم بالباطل ويخلق الظلم والكفر والفواحش والسفه، كما قالت المجبّرة والمشبّهة، ونحن ونقول: هذا افتراء على الشيعة؛ إذ لم يتفوّهوا به، ولم تجد ذلك في كتبهم، وكلّ من كان له حظّ من الإسلام لا يُجيز ذلك على الله، وكان أبو العَتاهية شيعيّاً في الفروع، جبريّاً في الاعتقاد، وهو لم يكن فقيهاً ولا عالماً بأُصول الدين، وكلّ ما قاله الشعراء من الكلام الفاسد ليس عيباً على الآخرين، ولا تجد فرقةً من الفرق الإسلاميّة إلاّ وبين أفرادها من له عقيدة فاسدة. بخاصّة أصحاب الشافعيّ وأبي حنيفة، حيث إنّ معظم كتب الأُصول والكلام والفقه التي يقرأونها مزيجة بالفلسفة واصطلاحاتها، وقلّما تشمّ منها رائحة الإسلام، والعجيب أنّ الراغب - وهو من كبار المتقدّمين بين أصحاب الشافعيّ - والفخر الرازيّ - وهو من المتأخّرين - قد فسّرا القرآن الكريم، وذكرا في تفسيريهما أشياء لا يُقرُّ بها أيّ مسلم، في حين أنّ أصحابهما يَرَون أنّهما من المحقّقين، وأنّ كلامهما حقائق، من هنا إذا أراد أحد أن يمنّ على أهل الإسلام، فهو ابن سينا، والفارابيّ؛ لأنّ هذين الرجلين - وهما من الفلاسفة المتأخّرين - كانا مصدر تلك الحقائق، ومن الألقاب التي أضفاها أصحاب الشافعيّ على الفخر الرازيّ: حجّة الله على الخلائق، فهذا كلّه ليس عيباً عليهم، ولكن جهل أبي العتاهية الجبريّ عيب على أهل الإمامة!)(١) .

ويظهر من الجملة الأخيرة في كلام المؤلّف المذكور أنّ أهل السُّنّة كانوا ينسبون عقائد أبي العتاهية الجبريّة إلى الشيعة فتحاملوا عليهم بسببها؛ لذلك رأى أبو سهل أنّ من الضروريّ ردّ ذلك ودحض نسبتها إلى الشيعة الذين تبنّى أبو العتاهية مذهبهم في الفروع.

____________________

١- تبصرة العوامّ ٤٢١.

١٥١

ويرى ماسينيون في كتابه النفيس الذي ألّفه حول سيرة الحسين بن منصور الحلاّج أنّ نقض أبي سهل لكلام أبي العتاهية الذي توفّي قبله بزمن بعيد، وكان غير مُلمّ بالاصطلاحات الفلسفيّة نوعاً ما، وسيلة استخدمها أبو سهل لمهاجمة المتصوّفة والحلاّج الذي كان يستند على شعر أبي العتاهية، ليحول دون بثّ مثل هذه الأفكار(١) ، ولو صحّ هذا الرأي، فهو غير ذي بال، ويبدو أنّ الهدف الأساس الذي كان يبتغيه أبو سهل في دحض أفكار أبي العتاهية في باب التوحيد - كما يُستشفّ من كلام تبصرة العوامّ - دفع ما توهّمه أهل السّنة؛ إذ نسبوا أفكار أبي العتاهية إلى الشيعة.

هـ - الأُصول والمسائل الكلاميّة

٢٨ - كتاب الخواطر(٢) ، (الفهرست - فهرست الطوسيّ)

٢٩ - كتاب المعرفة(٣) ، (الفهرست - فهرست الطوسيّ)

٣٠ - كتاب حدث العالم، (الفهرست - فهرست الطوسيّ - رجال النجاشيّ)

٣١ - كلام في باب الإنسان(٤) ، (الفهرست)

٣٢ - الحكاية والمحكيّ(٥) ، (الفهرست - فهرست الطوسيّ)

____________________

١ - Passion d`al-Halladj, p. ١٤٩

٢ - انظر: مقالات الإسلاميّين ٤٢٧-٤٢٩، للاطّلاع على خلاف المتكلّمين في الخواطر.

٣ - مقالات الإسلاميّين ٥١-٥٣-٤٧٢ و٤٧١، والفصل ٥: ١٠٨-١١٩.

٤ - انظر: ص١٢٤ من هذا الكتاب، ومقالات الإسلاميّين ٣٢٩-٣٣٣، وإرشاد الطالبين ١٨٦-١٩٠.

٥ - صنّف عدد من متكلّمي الفرق المختلفة كتباً بهذا العنوان، منهم: أبو محمّد جعفر بن مبشّر المعتزليّ المتوفّى سنة ٢٣٤هـ (الانتصار ٨١)، وأبو الفتح عثمان بن جنّيّ النحويّ المعروف المتوفّى سنة ٣٩٢هـ، الذي ردّ عليه الشريف المرتضى علم الهدى (فهرست الطوسيّ ٢٢٠، وروضات الجنّات ٤٦٦)، وابن قتيبة عبد الله بن مسلم الدينوريّ (٢١٣-٢٧٦هـ) الذي ردّ عليه الشيخ المفيد (فهرست =

١٥٢

٣٣ - الخصوم والعموم والأسماء والأحكام(١) (رجال النجاشيّ - فهرست الطوسيّ)

٣٤ - كتاب في التوحيد (فهرست الطوسيّ - رجال النجاشيّ)

٣٥ - كتاب الإرجاء(٢) (فهرست الطوسيّ - رجال النجاشيّ)

٣٦ - النفي والإثبات(٣) (فهرست الطوسيّ - رجال النجاشيّ)

٣٧ - كتاب في استحالة رؤية الله تعالى(٤) (فهرست الطوسيّ - رجال النجاشيّ)

ومن سوء الحظّ أنّه لم يَبقَ من كتب أبي سهل النوبختيّ إلاّ كتابان أو ثلاثة نقل عنها الآخرون، وقد ذكرناها سابقاً، ولكن لمّا كان أبو سهل رئيس المتكلّمين الشيعة، وكانت داره محلاًّ لاجتماعهم(٥) ، وأقواله حجّة بالنسبة إلى العلماء الآخرين من هذه الطائفة، فقد كان يُستشهد بآرائه غالباً، وإذا ما توفّر أحد على دراسة الكتب الكلاميّة للشيعة بهذا القصد، فإنّه يستطيع أن يلتقط قسماً منها عبر هذا الأُسلوب، ونلاحظ أنّ العلاّمة الحلّيّ، والفاضل المقداد يشيران في كتابيهما: أنوار الملكوت، وإرشاد الطالبين(٦) إلى رأي أبي سهل النوبختيّ في الإنسان، وكان قد صنّف كتاباً في هذا الحقل(٧) ، ويدلاّن على اتّفاقه مع جمهور الفلاسفة والمعتزلة في الموضوع

____________________

= الطوسيّ ٣١٥، ونسب النجاشيّ إلى الشيخ المفيد نقضاً على كتاب العتبيّ في هذا الباب ٢٨٦، ولعلّه سهو)، والمقصود من الحكاية هنا هو أن تأتي بالقول على ما تسمعه من غيرك بلا زيادة ولا نقصان منه (مجمع البحرين ٢٢)، وحينئذٍ لا قدح في الحاكي إذا نقل حكاية ما، وإذا كانت هناك جريرة فهي على المحكيّ، كما نلاحظ أنّ الشريف المرتضى لا ينحي باللائمة على ابن الراونديّ في نقله أقوال أهل المذاهب؛ لأنّه نقلها على سبيل الحكاية، بَيد أنّه يعدّ الجاحظ خاطئاً لأنّه يبدي رأياً ورغبة في حكاياته، (الشافي في الإمامة ١٣).

١ - مقالات الإسلاميّين ٤٤٥-٤٤٦، وشرح المقاصد ٢: ١٦٨-١٧٣، ٤٨٣، وكنز الفوائد ١٩-٢٩.

٢ - انظر: من ٥١ من هذا الكتاب.

٣ - مقالات الإسلاميّين ٤٤٦-٤٤٧.

٤ - ص١٢٩ و١٥٠ من هذا الكتاب.

٥ - الفهرست ١٧٦.

٦ - ص١٨٧.

٧ - انظر: التّسلسل ٣١ من كتب أبي سهل.

١٥٣

المذكور.

أبو جعفر محمّد

(أخو أبي سهل النوبختيّ)

كان لأبي سهل النوبختيّ أخ يُعدّ من متكلّمي الشيعة ومصنّفيهم، وكان يتّبع أخاه أبا سهل في علم الكلام، وله كتب أيضاً، ومن المؤسف أنّ صاحب الفهرست إمّا أنّه لم يعثر على عناوينها، أو أنّها سقطت من إحدى نسخ الكتاب المذكور، وهي النسخة التي كُتبت عليها النسخ الأُخرى(١) .

وهذا الرجل المترجَم له هو أبو جعفر بن محمّد بن عليّ بن إسحاق، وهو ممّن صدرت بحقّه توقيعات من قبل سفراء الإمام المهديّعليه‌السلام في أيّام الغَيبة الصّغرى(٢) ، وكان كأخيه أبي سهل أديباً راعياً للشعراء، كما كان من العاملين في الديوان، ونشأ الشاعر المعروف ابن الروميّ غَدِيَّ نعمته، ولهذا الشاعر مراسلات شعريّة معه، وكان يطلب منه صلة وخلعة، ويُستشفّ من إحدى مدائحه أنّ أبا جعفر كان والياً على قرية النعمان ردحاً من الزمن، ونقرأ في ديوان ابن الروميّ ثلاث مقطوعات شعريّة في مدح أبي جعفر النوبختيّ وفيها يطلب الشاعر منه خلعة، ويذكر إكرام آل نوبخت له واحترامهم لصداقته وخدمته، ويعتب فيها على أبي جعفر؛ لأنّه لم يُجبه عن رسائله(٣) .

____________________

١- الفهرست ١٧٧.

٢- الغيبة للشيخ الطوسيّ ٢٧٢.

٣- انظر: ديوان ابن الروميّ ١: ١٢٨ و١٤٢ (طبعة القاهرة، ١٩٢٧م) و١٨١، ١٨٦، ٢٠٠ (طبعة كامل الجيلانيّ).

١٥٤

الفصل السابع

أبو محمّد الحسن بن موسى

( توفّي بين سنة ٣٠٠ و٣١٠هـ)

كان عليّ بن إسحاق بن أبي سهل بن نوبخت والدُ أبي سهل إسماعيل - الذي نأسف؛ إذ ليس في أيدينا ترجمته، ومرّت بنا في الفصل السابق ترجمة ولديه: أبي سهل إسماعيل، وأبي جعفر محمّد - رئيساً لأحد الفروع النوبختيّة، وكان لهذا الفرع وفرع آخر مثّله أحفاد إسماعيل بن أبي سهل بن نوبخت (بنو عمّ عليّ بن إسحاق بن أبي سهل بن نوبخت) لواء الصيت والنّفوذ والاقتدار، وكانوا يخطون خطواتهم نحو هدف واحد متعاضدين.

وكان لعليّ بن إسحاق بن أبي سهل - مضافاً إلى الولدين المذكورين - بنت لا نعلم من أمرهما شيئاً، ولكن ذكرها خلد في التاريخ بسبب ابنها أبي محمّد الحسن بن موسى، فهو ابن أُخت أبي سهل إسماعيل، وأبي جعفر محمّد.

١ - ترجمة أبي محمّد الحسن بن موسى النوبختيّ

ليس في متناول أيدينا معلومات عن والده موسى، ولا ندري هل كان من آل

١٥٥

نوبخت أم أنّ ولده حَسَناً انتسب إلى أخواله النوبختيّين فصار نوبختيّاً.

ونلحظ بين النوبختيّين رجلاً يُدعى موسى، وهو أبو الحسن موسى بن الحسن بن محمّد بن عبّاس بن إسماعيل بن أبي سهل بن نوبخت، المعروف بابن كِبرياء النوبختيّ، وهو من المنجّمين والمصنّفين، وستأتي ترجمته قريباً، وعاش هذا الرجل في أواخر الغيبة الصغرى، وكان معاصراً لأبي نصر هبة الله بن محمّد الكاتب الراوي لأخبار الحسين بن روح النوبختيّ (المتوفّى سنة ٣٢٦هـ)(١) ، وكان حيّاً يرزق في سنة ٤٠٠هـ(٢) .

وقد ذكر العالم المعاصر السيّد هبة الدّين الشهرستانيّ في مقدّمته على كتاب فرق الشيعة المنسوب إلى أبي محمّد الحسن بن موسى أنّ أبا محمّد النوبختيّ هو ابن أبي الحسن موسى بن الحسن الملقّب بابن كبرياء. وأحسب أنّه وَهِم في ذلك؛ إذ لم تتطرّق كتب الرجال إلى هذا الأمر مع علم أصحابها بسيرة أبي محمّد الحسن بن موسى، وأبي الحسن موسى بن كبرياء، ونجد أنّ جميع مؤلّفيها يعرفون أبا محمّد الحسن بن موسى على أنّه ابن أُخت أبي سهل، يضاف إلى ذلك أنّ البعد الزمنيّ يضعّف هذا الاحتمال؛ لأنّ أبا محمّد الحسن بن موسى مات في العقد الأوّل من القرن الرابع الهجريّ، أي: بين سنة ٣٠٠ و٣١٠هـ كما أجمع عليه المؤرّخون، وكان قد أمضى أكثر عمره في النصف الثاني من القرن الثالث، أي: في عهد خاله أبي سهل النوبختيّ، في حين أنّ أبا الحسن موسى بن كبرياء كان يعيش بعد الفترة الّتي تلت وكالة أبي القاسم الحسين بن روح (بين سنة ٣٠٥ و٣٢٦هـ) ونقل قسماً من أخباره للآخرين، ومنهم أبو نصر هبة الله بن محمّد الكاتب. وهكذا كان من رجال أواسط القرن الرابع بل أواخره.

ويبدو أنّ أبا محمّد الحسن بن موسى مؤلّف كتاب فرق الشيعة، وكتاب الآراء

____________________

١ - الغيبة للشيخ الطوسيّ ١٩٠، ٢٤٣، ٢٥١.

٢ - رجال النجاشيّ ٣٠٨.

١٥٦

والديانات، وكتب أُخرى غيرهما إنّما هو كالشيخ أبي القاسم الحسين بن روح النوبختيّ ينتسب إلى آل نوبخت من جهة الأُمّ فحسب، وإذا كان أبوه منهم فليس بأيدينا ما يدلّ على ذلك كما لم يذكره أحد.

وكان المترجَم له من المتكلّمين، والفلاسفة، والأُدباء، والملمّين بالعقائد والأديان والملل والنحل، وكان مولعاً في كسب العلوم المختلفة دأبه دأب الكثيرين من علماء عصره الجامعين، وأمضى عمره في جمع الكتب والنسخ النفيسة، ودوّن كتباً كثيرة بخطّه، وكانت داره محلاًّ لاجتماع العلماء والفضلاء بسبب رغبته في كسب العلم والأدب، فكان يجتمع فيها لفيف من مترجمي الكتب القديمة كأبي عثمان سعيد بن يعقوب الدمشقيّ، وأبي يعقوب إسحاق بن حُنين (المتوفّى سنة ٢٩٣هـ)، وأبي الحسن ثابت بن قرّة (٢٢١-٢٨٨هـ) وغيرهم، وكانوا يتباحثون في مسائل علميّة متنوّعة(١) .

ونقل أبو محمّد نفسه لثابت بن إبراهيم الصابيّ (٢٨٣-٣٦٩هـ) الطبيب المعروف، فقال له: (سألتُ أبا الحسن ثابت بن قرّة عن مسألة بحضرة قوم، فكره الإجابة عنها بمشهدهم، وكنتُ حديث السنّ، فدافعني عن الجواب، فقلت متمثّلاً:

ألا مَا لِلَيلى لاَ تُرى عند مَضجعي

بِلَيلٍ ولا يجري بها ليَ طائرُ؟

بلى إنّ عُجْمَ الطير تجري إذا جَرَت

بِلَيلي وَلكنْ لَيس للطَّير زَاجِرُ

فلمّا كان من الغد لقيني في الطريق وسرت معه، فأجابني عن المسألة جواباً شافياً، وقال: زجرتَ الطير يا أبا محمّد؟ فأخجلني، فاعتذرت إليه، وقلت: والله يا سيدي ما أردتُك بالبيتين)(٢) .

يتبيّن من هذه الحكاية، وخبر ثابت بن قرّة واجتماعه في آخر عمره بأبي

____________________

١ - الفهرست ١٧٧.

٢ - عيون الأنباء في طبقات الأطبّاء ٢٧١.

١٥٧

عثمان الدمشقيّ وإسحاق بن حُنين في دار أبي محمّد النوبختيّ أنّ أبا محمّد قد ذاع صيته، وعلا كعبه على الرغم من الفارق السنّيّ بينه وبين ثابت بن قرّة وأمثاله؛ إذ كان ثابت ونظائره في البداية لا يأبهون لأبي محمّد لحداثة سنّه، ثمّ أذعنوا له من خلال حضورهم في داره للبحث في المسائل العلميّة، وكان أبو محمّد معاصراً لعلماء آخرين غير الذين مرّ ذكرهم، وهم: أبو الأحوص داود بن أسد البصريّ، وخاله أبو سهل إسماعيل بن عليّ (٢٣٧-٣١١هـ)، وأبو عليّ محمّد بن عبد الوهّاب الجبّائيّ (٢٣٥-٣٠٣هـ)، وأبو القاسم عبد الله بن أحمد الكعبيّ البلخيّ (المتوفّى سنة ٣١٩هـ)، وابن الراونديّ، وأبو عبد الله محمّد بن عبد الله بن مُملَّك الأصفهانيّ، وأبو جعفر محمّد بن عبد الرحمن بن قبة الرازيّ، وأخذ العلم عن بعضهم كأبي الأحوص البصريّ، وأبي سهل إسماعيل، وتباحث مع البعض الآخر كأبي جعفر بن قبة، وابن مملّك الأصفهانيّ، وأبي القاسم البلخيّ، والجبّائيّ محاوراً، ودحض عقائد بعضهم ممّا لا تنسجم والمذهب الشيعيّ.

وكان أبو محمّد أكثر النوبختيّين اهتماماً بمذاهب الفلاسفة مع أنّه كان متكلّماً واستطاع أن يلخّص بعض كتب الفلسفة القديمة مضافاً إلى اختلاطه بمترجميها، ومطالعته كتب أرسطو، وألّف أيضاً كتباً في تفنيد بعض آراء الفلاسفة والمناطقة.

وكان في الكلام كخاله أبي سهل قريباًَ من المعتزلة، بخاصّة معتزلة بغداد؛ لذلك نشب نزاع بين الشيعة والمعتزلة حول عقيدته وانتسابه إلى إحدى الفرقتين(١) ، مع هذا لا شكّ في تشيّعه؛ لأنّ العقائد التي دافع عنها في كتبه الكلاميّة هي عقائد الشيعة نفسها، وعقائد خاله الجليل أبي سهل النوبختيّ، يضاف إليه أنّ معظم المؤلّفين القدماء كابن النديم، والمسعوديّ، والأشعريّ والخطيب

____________________

١ - الفهرست: ١٧٧.

١٥٨

البغدادي، وابن أبي الحديد، والذهبيّ، وأصحاب الرجال الشيعة ذكروه في عداد الشيعة.

٢ - مؤلّفات أبي محمّد النوبختيّ

كان أبو محمّد الحسن بن موسى النوبختيّ من الأدباء ورواة الأشعار(١) ، كما عُدّ أُستاذاً في الكلام والفلسفة والنجوم والمعرفة بالملل والنحل والمقالات، وألّف في هذه العلوم قرابة أربعين كتاباً ليس في أيدينا إلاّ واحد منها يحوم الشكّ حول انتسابه إليه، وهو فرق الشيعة الذي لو ثبت أنّه له، فهو أحد الكتابين المستقلّين اللذين بقيا من آل نوبخت.

وفيما يأتي أسماء مؤلّفاته مع موضوع كلّ منها اعتماداً على الفهرست، وفهرست الطوسيّ، ورجال النجاشيّ، وكتب أُخرى غيرها.

أ - كتبه في الإمامة

١ - الجامع(٢) ، (فهرست الطوسيّ - رجال النجاشيّ) وهو غير موجود في الفهرست.

٢ - الحُجَج، (رجال النجاشيّ).

٣ - الردّ على الواقفة، (رجال النجاشيّ).

٤ - الردّ على يحيى بن الأصفح(٣) في باب الإمامة (رجال النجاشيّ).

____________________

١ - الموشّح للمرزبانيّ ٢٧٤.

٢ - لا محالة أنّ أبا محمّد النوبختيّ نقض في أحد كتابيه هذين كتب الجاحظ في باب الإمامة، ولمّا كان المسعوديّ أحد ناقضي كتب الجاحظ في هذا المجال أيضاً، فقد عدّ أبا عيسى الورّاق وأبا محمّد النوبختيّ في الناقضين لكتب الجاحظ في الإمامة بلا شرح وتفصيل في هذا الباب، (مروج الذهب ٢: ١٥٨ طبعة مصر).

٣ - أبو زكريّا يحيى بن الأصفح من رجال الخوارج، (الملل والنحل ١٠٣).

١٥٩

٥ - الردّ على جعفر بن حرب المعتزليّ في باب الإمامة (رجال النجاشيّ).

٦ - الموضح في حروب أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام (رجال النجاشيّ).

ب - كتبه في المسائل الكلاميّة والفلسفيّة

٧ - اختصار كتاب الكَون والفساد لأرسطو (الفهرست، ورجال النجاشيّ).

وكتاب أرسطو هذا ترجمة حُنين بن إسحاق من اليونانيّة إلى السريانيّة، وعرّبه اثنان من معاصري أبي محمّد النوبختيّ وأصدقائه، هما: إسحاق بن حنين، وأبو عثمان الدمشقيّ، وفي أقرب الاحتمالات اختصر أبو محمّد النوبختيّ ترجمة أحدهما؛ إذ لم يَرِد في كتاب من الكتب أنّ أبا محمّد كان يعرف اليونانيّة حتّى يكون قد اختصر الكتاب المذكور من النصّ اليونانيّ.

٨ - الحجج الطبيعيّة المستخرجة من كتب أرسطو في ردّ من زعم أنّ السماء حيّة وناطقة.

كان لهذه العقيدة أنصارها بين عدد من الفلاسفة الدهريّين وأصحاب الفلك والنجوم، قال صاحب تبصرة العوامّ في هذا المجال نقلاً عنهم: (قيل: الكواكب ترى كلّ ما فوقها، وترى العلّة الأُولى، وإنّ حركة الكواكب في الأفلاك تامّة ودائمة، وكلّها حيّة، ولا سبيل للتغيير إليها، وهي ذات حياة واحدة، وقيل: المشتري فاعل العالم الأرضيّ ومدبّره بقوّة فيه من العلّة الأُولى، ويقولون: الكواكب والأرض عاقلة، والشمس وجملة الكواكب ترى وتسمع ما تحتها، والأرض تحسّ، وتسمع، وترى، وتشرب وإن كانت ليست مثلنا)(١) ، وذكر أبو محمّد النوبختيّ قول هذه الفرقة أيضاً في كتابه الآخر الآراء والديانات، وأورد ابن الجوزيّ قسماً منه في كتاب تلبيس إبليس نقلاً عن الكتاب المذكور(٢) .

____________________

١ - تبصرة العوامّ ٣٦٠، الفصل في الملل والأهواء والنحل ٥: ٣٦-٣٧.

٢ - تلبيس إبليس ٨٢-٨٣.

١٦٠