آل نوبخت

آل نوبخت0%

آل نوبخت مؤلف:
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 288

آل نوبخت

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: عباس إقبال آشتياني
تصنيف: الصفحات: 288
المشاهدات: 78987
تحميل: 6966

توضيحات:

آل نوبخت
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 288 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 78987 / تحميل: 6966
الحجم الحجم الحجم
آل نوبخت

آل نوبخت

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وأنّه قد عاش بعد الموت(١) .

وقالت الفرقة الثالثة: إنّ الحسن بن عليّ توفّي، والإمام بعده جعفر، واليه أوصى الحسن، ومنه قبل الإمامة، وعنه صارت إليه(٢) وقالت الفرقة الرابعة: إنّ الإمام بعد الحسن جعفر، وإنّ الإمامة صارت إليه من قِبل أبيه لا من قبل أخيه محمّد ولا من قبل الحسن، ولم يكن إماماً ولا الحسن أيضاً؛ لأنّ محمداً توفّي في حياة أبيه، وتوفّي الحسن ولا عقب له، وأنّه كان مدّعياً مبطلاً؛ والدّليل على ذلك أنّ الإمام لا يموت حتّى يوصي ويكون له خلف، والحسن قد توفّي ولا وصيّ له ولا ولد، فادّعاؤه الإمامة باطل، والإمام لا يكون من لا خلف له ظاهر معروف مشار إليه، ولا يجوز أيضاً أن يكون الإمامة في الحسن وجعفر؛ لقول أبي عبد الله جعفر بن محمّد وغيره من آبائه:«إنّ الإمامة لا تكون في أخوَين بعد الحسن والحسين» ، فدلّنا ذلك على أنّ الإمامة لجعفر وأنّها صارت إليه من قبل أبيه لا من قبل أخيه. وأمّا الفرقة الخامسة فإنّها رجعت إلى القول بإمامة محمّد بن عليّ المتوفّى في حياة أبيه، وزعمت أنّ الحسن وجعفر ادّعيا ما لم يكن لهما وأنّ أباهما لم يشِر إليهما بشيء من الوصيّة والإمامة، ولا روي عنه في ذلك شيء أصلاً ولا نَصَّ عليها بشيء يوجب إمامتهما، ولا هما في موضع ذلك وخاصّة جعفر، فإنّ فيه خصالاً مذمومة وهو بها مشهور، ولا يجوز أن يكون مثلها في إمام عدل. وأمّا الحسن فقد توفّي ولا عقب له، ولا يجوز أن يموت إمام بلا خلف(٣) ، فلمّا بطل عندنا أن تكون الإمامة تصلح لمثل جعفر وبطلت عمّن لا خلف له لم يبق إلاّ التعلّل بإمامة أبي جعفر محمّد بن عليّ أخيهما؛ إذ لم يظهر منه إلاّ الصَّلاح والعفاف، وإن له عقباً قائماً معروفاً مع ما كان من أبيه من الإشارة بالقول ممّا لا يجوز بطلان مثله، فلابدّ من القول بإمامته وأنّه القائم المهديّ أو الرجوع إلى القول ببطلان الإمامة أصلاً، وهذا ممّا

____________________

١ - في فرق الشيعة شرح مضاف في ردّ عقيدة هذه الفرقة، وشبّهها بالواقفة.

٢ - في فرق الشيعة أيضاً تفصيل مضاف إلى ما ذكر، في تعزيز هذه الفرقة من قبل عليّ بن طاحن الخزّاز وأُخت فارس بن حاتم بن ماهويه القزوينيّ. وهذه الفقرة الثانية موجودة في الملل والنحل أيضاً (ص ١٢٨-١٢٩) ممّا يَدلّ على الاقتباس من فرق الشيعة الموجود مع فارق واحد، وهو أنّ الشهرستانيّ ذكر فارس بن حاتم نفسه، لا أخته. وهذا سهو؛ لأنّ فارس بن حاتم قتله أحد أصحاب الإمام العسكريّعليه‌السلام بأمر الإمام نفسه (رجال الكشّيّ ٣٢٥). ومَن قُتل قبل وفاة الإمام الحادي عشرعليه‌السلام - أي: قبل سنة ٢٦٠هـ - فلا يمكن أن يشارك جعفر في ادّعائه.

٣ - يتلوه شرح في فرق الشيعة حول فسق جعفر.

١٨١

لا يجوز.

وقالت الفرقة السادسة: إنّ للحسن بن عليّ ابناً سمّاه محمّداً، ودلّ عليه، وليس الأمر كما زعم من ادّعى أنّه توفّي ولا خلف له، وكيف يكون إمام قد ثبتت إمامته ووصيّته وجرت أموره على ذلك وهو مشهور عند الخاصّ والعامّ ثمّ توفّي ولا خلف له، ولكن خلفه قائم ولد قبل وفاته بسنين، وقطعوا على إمامته وموت الحسن وأنّ اسمه محمّد، وزعموا أنّه مستورٌ لا يُرى، خائف من جعفر وغيره من أعدائه، وأنّها إحدى غيباته، وأنّه هو الإمام القائم، وقد عرف في حياة أبيه ونصّ عليه ولا عقب لأبيه غيره، فهو الإمام لا شكّ فيه.

قالت الفرقة السابعة: بل ولد للحسن ولد بعده بثمانية أشهر، وإنّ الّذين ادّعوا له ولداً في حياته كاذبون مبطلون في دعواهم؛ لأنّ ذلك لو كان لم يَخفَ كما لم يَخفَ غيره، ولكنّه مضى ولم يُعرف له ولد.

ولا يجوز أن يكابر في مثل ذلك ويدفع العيان والمعقول والمتعارف الخ...

قالت الفرقة الثامنة: إنّه لا ولد للحسن أصلاً...(١) ، ولكن هناك حبل قائم قد صحّ في سريّة له وستلد ذكراً إماماً متى ما ولدت؛ فإنّه لا يجوز أن يمضي الإمام ولا خلف له فتبطل الإمامة وتخلو الأرض من الحجّة(٢) .

قالت الفرقة التّاسعة: إنّ الحسن بن عليّ قد صحّت وفاة أبيه وجدّه وسائر آبائه، فكما صحّت بالخبر الذي لا يكذّب مثله فكذلك صحّ أنّه لا إمام بعد الحسن، وذلك جائز في العقول والتعارف، كما جاز أن تنقطع النبوّة فلا يكون بعد محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله نبيّ فكذلك جاز أن تنقطع الإمامة. ورووا عن الصادقين:« أنّ الأرض لا تخلو من حجّة إلاّ أن يغضب الله على أهل الأرض بمعاصيهم فيرفع عنهم الحجّة إلى وقت» ، والله عزّ وجلّ يفعل ما يشاء، وليس في قولنا هذا بطلان الإمامة...

قالت الفرقة العاشرة: إنّ أبا جعفر محمّد بن عليّ الميّت في حياة أبيه كان الإمام بوصيّة من أبيه إليه وإشارته ودلالته ونصّه على اسمه وعليه، فلمّا حضرت وفاة محمّد أوصى إلى غلام لأبيه صغير كان في خدمته ويقال له: (نفيس), وكان ثقةً أميناً عنده، ودفع إليه الكتب والعلوم والسلاح وما تحتاج إليه الأمة، وأوصاه إذا حدث بأبيه حدث الموت يؤدّي ذلك كلّه إلى أخيه جعفر، [ونفيس] دعا جعفراً وأوصى إليه ودفع إليه جميع ما

____________________

١ - في فرق الشيعة شرح يدور حول قول هذه الفرقة في ردّ من قال بوجود ابن مستور للإمام الحادي عشر، وردّ هذه المقالة من قبل المعتقدين بوجوده.

٢ - لا وجود لهذه الفرقة في الملل والنحل، لكنّ صاحبه يشير إليها عند ذكر الفرقة التالية.

١٨٢

استودعه أبو جعفر محمّد بن عليّ أخوه الميّت في حياة أبيه.

قالت الحادية عشرة منهم: لا ندري ما نقول في الإمام [بعد الحسن]، هو من ولد الحسن أم من إخوته، فقد أشتبه علينا الأمر إنّا نقول: إنّ الحسن بن عليّ كان إماماً وقد توفّي وإنّ الأرض لا تخلو من حجّة، ونتوقّف ولا نقدم على شيء حتّى يصحّ لنا الأمر ويتبيّن.

وقالت الفرقة الثّانية عشرة، وهم الإماميّة...(١) .

لا وجود لهذه الفرقة في كتاب فرق الشيعة. ولمّا كان أكثر من ثلاث عشرة فرقة غير موجود في النسخة الحاضرة، فإنّ هذه الفرقة قد سقطت من أصل النسخة.

العيون والمحاسن (نقلاً عن أبي محمّد نوبختيّ)

افترق أصحابه [أي أصحاب الإمام الحسن بن عليّ] بعده أربع عشرة فرقة؛ قالت فرقة ممّن دانت بإمامة الحسن: إنّه حيّ لم يمت، وإنّما غاب وهو القائم المنتظر.

وقالت فرقة أخرى: إنّ أبا محمّد مات وعاش بعد موته، وهو القائم المهديّ. واعتلّوا في ذلك بخبر رَوَوه أنّ القائم سُمّي بذلك؛ لأنّه يقوم بعد الموت.

قالت فرقة أخرى: إنّ أبا محمّد توفّي لا محالة، وإنّ الإمام من بعده أخوه جعفر بن عليّ واعتلّوا في ذلك بالرواية عن أبي عبد الله:« أنّ الإمام هو الذي لا يوجد منه ملجأ إلاّ إليه» . قالوا: فلمّا لم نَرَ للحسن ولداً ظاهراً التجأنا إلى القول بإمامة جعفر أخيه.

ورجعت فرقة ممّن كانت تقول بإمامة الحسن عن إمامته عند وفاته، وقالوا: لم يكن إماماً وكان مدّعياً مبطلاً، وأنكروا إمامة أخيه محمّد، وقالوا: الإمام جعفر بن عليّ بنصّ أبيه عليه. وقالوا: وإنّما قلنا بذلك لأنّ محمّداً مات في حياة أبيه، والإمام لا يموت في حياة أبيه، والحسن لم يكن له عقب والإمام لا يخرج من الدنيا حتّى يكون له عقب.

وقالت فرقة أخرى: إنّ الإمام محمّد بن عليّ أخو الحسن بن عليّ، ورجعوا عن إمامة الحسن، وادّعوا حياة محمّد بعد أن كانوا ينكرون ذلك.

وقالت فرقة أخرى: إنّ الإمام بعد الحسن ابنه المنتظر، وإنّه عليّ بن الحسن، وليس كما تقوله القطعيّة إنّه محمّد بن الحسن، وقالوا بعد ذلك بمقالة القطعيّة في الغيبة والانتظار حرفاً بحرفٍ.

قالت فرقة أخرى: إنّ القائم بن الحسن ولد بعد أبيه بثمانية أشهر، وهو المنتظر، وأكذبوا من زعم أنه ولد في حياة أبيه، ولا يجوز مكابرة العيان.

____________________

١ - يلاحظ في فرق الشيعة أنّ هذه الفرقة جاءت على أساس تعداد الفرقة الثانية عشرة. ولا يُشبه كلام المؤلّف كلام الشيخ المفيد الذي نقله عن النوبختيّ.

١٨٣

قالت فرقة أُخرى: إنّ أبا محمّد مات من غير ولد ظاهر، ولكن عن حبل في بعض جواريه. والقائم بعد الحسن محمول به ما ولدته أُمّه بعد وأنّها تجوز أن تبقى مائة سنة حاملاً به، فإذا ولدته ظهرت ولادته.

قالت فرقة أُخرى: إنّ الإمامة قد بطلت بعد الحسن، وارتفعت الأئمّة، وليس في الأرض حجّة من آل محمّد، وإنّما الحجّة الأخبار الواردة عن الأئمّة المتقدّمين، وزعموا أنّ ذلك سايغ إذا غضب الله على العباد فجعله عقوبة لهم.

قالت فرقة أخرى: إنّ محمّد بن عليّ أخا الحسن بن عليّ كان الإمام في الحقيقة مع أبيه عليّ، وأنّه لمّا حضرته الوفاة وصّى إلى غلام له يقال له: (نفيس) وكان ثقةً أميناً ودفع إليه الكتب والسلاح، ووصّاه أن يسلّمه إلى أخيه جعفر، فسلّمه إليه. وكانت الإمامة في جعفر بن محمّد على هذا التّرتيب.

قالت فرقة أخرى: قد علمنا أنّ الحسن كان إماماً، فلمّا قبض التبس الأمر علينا فلا ندري: جعفر كان الإمام بعده أو غيره، والّذي يجب علينا أن نقطع على أنّه لابدّ من إمام ولا نُقِدم على القول بإمامة أحدٍ بعينه حتّى تبيّن لنا ذلك.

فقال الجمهور منهم بإمامة ابنه القائم المنتظر...(١) .

وقالت فرقة أخرى: إنّ الإمام بعد الحسن ابنه محمّد، وهو المنتظر، غير أنّه قد مات وسيحيى ويقوم بالسيف فيملأُ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً(٢) .

وقالت الفرقة الثالثة عشرة مثل مقالة الفطحيّة...، فزعموا أنّ الحسن بن عليّ توفّي، وأنّه كان الإمام بعد أبيه وأنّ جعفر بن عليّ [بن محمّد بن عليّ] الإمام بعده (جاء في فرق الشيعة شرح لمقالة هذه الفرقة وتشابهها مع الفطحيّة، وهو يختلف عمّا ذكره الشّيخ المفيد).

وقالت الفرقة الرّابع عشرة منهم: إنّ أبا محمّدعليه‌السلام كان الإمام بعد أبيه، وإنّه لمّا حضرته الوفاة نصّ على أخيه جعفر بن عليّ بن محمّد بن عليّ، فكان الإمام من بعده بالنّص عليه والوراثة له، وزعموا أنّ الّذي دعاهم إلى ذلك ما يجب على العقل من وجوب الإمامة مع فقدهم لولد الحسن وبطلان دعوى من ادّعى وجوده فيما زعموا من الإمامة(٣) .

____________________

١ - جعل الشيخ المفيد هذه الفرقة في رأس سائر فرق الشيعة. وذكرها قبلها كلّها وكلامه هو كلام النوبختيّ عادةً. ويختلف عمّا جاء في فرق الشيعة المطبوع.

٢ - لا وجود لهذه الفرقة في الملل والنحل أيضاً.

٣ - لا وجود لهذه الفرقة في الملل والنحل أيضاً.

١٨٤

الملل والنحل للشهرستانيّ (ص ١٢٩-١٣١)

وأمّا الّذين قالوا بإمامة الحسن، افترقوا بعد موته إحدى عشرة فرقة؛ الفرقة الأُولى قالت: إنّ الحسن لم يمت، وهو القائم. ولا يجوز أن يموت ولا ولد له ظاهراً؛ لأنّ الأرض لا تخلو من إمام، وقد ثبت عندنا أنّ القائم له غيبتان، وهذه إحدى الغيبتين، وسيظهر ويُعرف ثمّ يغيب غيبةً أخرى. الثّانية قالت: إنّ الحسن مات لكنّه يجيء وهو القائم؛ لأنّا رأينا أنّ القائم هو القيام بعد الموت، فنقطع بموت الحسن لا شكّ فيه ولا ولد له فيجب أن يجيء بعد الموت. الثالثة قالت: إنّ الحسن قد مات وأوصى إلى جعفر أخيه، ورجعت إمامة جعفر.

الرابعة قالت: إنّ الحسن قد مات والإمام جعفر، وإنّا كنّا مخطئين في الائتمام به؛ إذ لم يكن إماماً، فلمّا مات ولا عقب لا بتنا أنّ جعفر كان محقّاً في دعواه، والحسن مبطلاً.

الخامسة قالت: إنّ الحسن قد مات وكنّا مخطئين في القول به، وإنّ الإمام كان محمّد بن عليّ أخو الحسن وجعفر. ولمّا ظهر لنا فسق جعفر وإعلانه به وعلمنا أنّ الحسن كان على مثل حاله إلاّ أنّه كان يتستّر عرفنا أنّهما لم يكونا إمامين، فرجعنا إلى محمّد ووجدنا له عقباً، وعرفنا أنّه كان هو الإمام دون أخويه.

السادسة قالت: إنّ للحسن ابناً، وليس الأمر على ما ذكروا أنّه مات ولم يُعقب. ولد قبل وفاة أبيه بسنتين فاستتر خوفاً من جعفر وغيره من الأعداء، واسمه محمّد، وهو الإمام القائم المنتظر.

السابعة قالت: إنّ له ابناً، ولكنّه ولد بعد موته بثمانية أشهر. وقول من ادّعى: أنّه مات وله ابن باطل؛ لأنّ ذلك لم يَخفَ.

الثامنة قالت: صحّت وفاة الحسن وصحّ أن لا ولد له، وبطل ما ادّعى من الحبل في سريّة له، وثبت أنّ لا إمام بعد الحسن، وهو جائز في المعقول أن يرفع الله الحجّة عن أهل الأرض لمعاصيهم، وهي فترة وزمان لا إمام فيه، والأرض اليوم بلا حجّة كما كانت الفترة قبل مبعث النّبيّ.

العاشرة قالت: نعلم أنّ الحسن قد مات، ولا بدّ للنّاس من إمام، ولا يخلو الأرض من حجّة، ولا ندري من ولده أو غيره(١) .

بعد أن فرغنا من نقل المعلومات الواردة في كتاب المقالات والفرق لأبي القاسم سعد بن عبد الله الأشعريّ، والواردة في كتاب فرق الشيعة لأبي محمّد النوبختيّ كما نقلها الشيخ المفيد، وما يقابلها في كتاب فرق الشيعة المطبوع، نذكر

____________________

١ - لا وجود لهذه الفرقة في الملل والنحل أيضاً.

١٨٥

فيما يأتي الملاحظات المستنبطة من المقايسة بينها:

١ - لا شكّ أنّ المعلومات الموجودة في كتاب الغيبة ورجال الكشّيّ مأخوذة من كتاب أبي القاسم الأشعريّ القمّيّ؛ لأنّه بالإضافة إلى ما ذكره العلاّمة المجلسيّ الذي كان يقتني الكتاب فإنّ الشيخ الطوسيّ عندما ينقل منه، يقول: (قال)، ولا يقول: (أخبرني) أو (حدّثني). وهذا يدلّ على أنّه نقل منه مباشرة ولم ينقل عنه مُعَنعَناً. أمّا الكشّيّ، فمع أنّه عدّ سعد بن عبد الله الأشعريّ أحد وسائط الرواية في نقل ما يدور حول أصحاب محمّد بن بشير، إلاّ أنّه لم يصرّح باسم أحد في نقل ما يحوم حول أصحاب عبد الله بن سبأ، واكتفى بقوله: عن أحد الفضلاء. ونلحظه ينقل لفظ الأشعريّ نفسه فيما يخصّ محمّد بن نصير النميريّ. ويتبيّن لنا من مقايسة هذه المعلومات بالمعلومات التي أخذها الشيخ الطوسيّ من كتاب سعد بن عبد الله أنّه نقل من كتاب الأشعريّ أيضاً. يضاف إلى ذلك أنّ تصرُّفَ الشيخ الطوسيّ في كتاب رجال الكشّيّ يجعلنا لا نعلم على وجه التحديد ما كان عليه أصل الكتاب، وماذا سقط منه أو بُدِّل فيه.

٢ - إذا أنعمنا النظر في كتاب فرق الشيعة المطبوع - الذي يؤسفنا أن ليس في أيدينا نسخة قديمة منه - وجدنا أنّه مضافاً إلى ما فيه من التحريفات والأخطاء يبدو كأنّه نسخة مستعملة كتبها شخص من أصل الكتاب لنفسه. ويحتمل سقوط بعض الموضوعات من أصل النسخة، ولعلّ هذا البعض هو سلسلة الرواة أو مصادر الأخبار وأسنادها. وإنّ الموضوعات التي نقلها الشيخ الطوسيّ، والكشّيّ من سعد بن عبد الله لا تختلف عمّا جاء في كتاب فرق الشيعة المطبوع إلاّ قليلاً كما يتبيّن ذلك من الجدول السابق. وإذا كان هناك اختلاف يسير في زيادة لفظٍ أو إسقاطه فلا يكون مدعاةً للتعجّب كثيراً؛ لأنّ الألفاظ المضافة أو الساقطة لم تؤثّر على أصل الموضوع نقصاً وزيادةً؛ إذ أنّ معظمها جمل مترادفة تكرّر الموضوعات السابقة نفسها بعبارات أُخرى، أو تتحدّث عن مضمون الكتاب الأصليّ بألفاظٍ غير ألفاظه.

١٨٦

وكان هذا التصرّف مألوفاً من قبل الناقلين أو الناسخين. كما أنّنا لو قايسنا بين ما نقله الشيخ الطوسيّ وما نقله الكشّيّ عن كتاب سعد بن عبد الله في ما يخصّ محمّد بن نصير النميريّ لوجدنا أنّ كلاًّ منهما قد تصرّف في أصل الكتاب حسب ذوقه. يضاف إلى ذلك أنّ الناسخين يُعمِلون أذواقهم الخاصّة في أغلب الأوقات فينقلون مضمون ما جاء في المخطوطات، وقلّما ينقلون الألفاظ الواردة فيها بعينها. وقد لاحظت ذلك في أربع مخطوطات من كتاب سياست نامه للخواجه نظام الملك كانت بيدي لمقابلتها وطبع واحدة منها. وعلى الرغم من أنّ مضمونها واحد لكنّ عباراتها متباينة، فلم أقف على عبارة المؤلّف الأصليّة.

وإذا كانت المعلومات الواردة هي لسعد بن عبد الله الأشعريّ، وكانت المعلومات المنقولة من كتاب فرق الشيعة المطبوع هي ذاتها المذكورة للأشعريّ فما يحملنا على أن لا نعدّ الكتاب الموجود المطبوع من مؤلّفات سعد بن عبد الله، ونعدّه من كتب أبي محمّد النوبختيّ، في حين لا قرينة عندنا أو إشارة تدلّ على انتسابه إلى النوبختيّ؟

لقد كان أبو القاسم الأشعريّ، وأبو محمّد النوبختيّ متعاصرين، وماتا في العقد الأوّل من القرن الرابع الهجريّ. فإذا كان أحدهما مطّلعاً على كتاب الآخر، وكان الكتاب الحالي للنوبختيّ، فكيف نفسّر التماثل القائم بين ما جاء في كتاب النوبختيّ وما نُقل عن الأشعريّ؟ وهل أخذ النوبختيّ المعلومات الواردة في كتاب الأشعريّ نصّاً بلا ذكر السند، وبادر إلى ذلك العمل الذي يمثّل نوعاً من السرقة الأدبيّة مع ما كان عليه من العلم والاطّلاع والإحاطة بالكلام والحكمة والأدب والملل والنحل، أو أخذ الأشعريّ ما جاء في كتاب النوبختيّ نصّاً وامتنع عن ذكر اسمه وكتابه على خلاف ما هو مألوف، وهو الذي كان من فقهاء الشيعة ومحدّثيهم الثقات، وكان مصدراً لنقل كثير من رواياتهم، وكلاهما كان معروفاً لدى علماء الإماميّة؟

١٨٧

وعلى فرض صحّة أحد الشقّين، فلا بدّ أن نعدّ الشخص الذي ارتكب هذا العمل سارقاً. وتتنزّه ساحة النوبختيّ والأشعريّ - اللّذَين كانا من ذوي الفضل والشأن - عن هذا الافتراء المستقبح. وإذا نسبنا كتاب فرق الشيعة إلى الأشعريّ، فلا نشعر بالحاجة إلى الفرضين المتقدّمين(١) .

وننقل فيما يأتي نصّاً القرائن التي ذكرها شيخ الإسلام الزنجانيّ في رسالته التي بعثها إليّ، واستدلّ بها على أنّ الكتاب الحالي من تأليف النوبختيّ. ثمّ نبدي رأينا فيها:

قال: (إنّ ما نقله الكشّيّ من هذا الكتاب (كتاب أبي القاسم الأشعريّ) في ترجمة محمّد بن بشير الأسديّ هو نفس ما جاء في هذا الكتاب (فرق الشيعة المطبوع) كما يبدو. ويستبين من الموازنة بين الاثنين أنّ اختلافاً بيّناً ملحوظ بين اللفظين، بخاصّة أنّ في آخر عبارة الكشّيّ فقرة مضافة غير موجودة في فرق الشيعة. وهكذا فإنّ العبارة المنقولة في كتاب الغيبة للشيخ الطوسيّ في ترجمة محمّد بن نصير النميريّ تختلف عن عبارة هذا الكتاب أيضاً. ولمّا كان أبو محمّد النوبختيّ وسعد بن عبد الله القمّيّ الأشعريّ متعاصرين فيمكن أن نفهم من عباراتهما أنّ كتاب سعد متأخّر عن كتاب النوبختيّ؛ لأنّ المعروف هو أنّ التصرّف يحصل غالباً في الكتاب المتأخّر حين ينقل صاحبه من الكتاب المتقدّم عليه. وهذا هو الملحوظ في الفقرتين المنقولتين عن سعد بن عبد الله بالنسبة إلى عبارة كتاب فرق الشيعة. والسبب الآخر للشكّ هو الاختلاف في ترتيب عدد الفرق الأربع عشرة الذي حكاه الشيخ المفيد عن الحسن بن موسى النوبختيّ مع الترتيب الموجود في هذا الكتاب المطبوع. وظهر لي هنا أنّ الشيخ المفيد قد تصرّف في عبارة الكتاب ولم ينقل

____________________

١ - يتبيّن من ملاحظة المعلومات المتقدّمة حول الفرق أنّ الكشّيّ قد اقتبس كتاب سعد نفسه ما عدا الذي ذكره حول وجه تسمية الفطحيّة وأحوال عبد الله بن سبأ ومحمّد بن نصير النميريّ.

١٨٨

نصّها لطولها. فقد قدّم الفرقة الإماميّة الأصليّة الواردة في كتاب النوبختيّ (يقصد الكتاب المتداول هذا اليوم) على أنّها الفرقة الثانية عشرة؛ لأهمّيّتها. وقرّر مقالاتها من عنده حسب مذهب الإماميّة. ثمّ ذكر الفرق الأُخرى ملخّصاً ومتصرِّفاً وفقاً للسياق الموجود في كتاب النوبختيّ. وإذا تأمّلنا فيه، عرفنا ذلك عند أوّل وهلة. علماً أنّ الشيخ المفيد يعمد في أُسلوبه إلى الإيجاز وإيصال المعنى المطلوب لا الإطالة بنقل ألفاظ الآخرين بحذافيرها، كما يُستشفّ ذلك من سائر رسائله وكتبه. وسقطت أيضاً فرقة من النسخة الموجودة عندي من فرق الشيعة. والفرقة الثالثة عشرة في كتاب فرق الشيعة هي الفرقة الرابعة عشرة في كتاب الفصول، والفرقة الثالثة عشرة ساقطة من كتاب الفصول... ويفيد سياق التعبير في الكتاب الحالي أنّ النَّفَس هو نَفَس شخص متكلّم مثل النوبختي لا نَفَس فقيه ومحدّث مثل سعد بن عبد الله الأشعريّ).

أمّا ملاحظاتي فهي:

في الاختلاف اليسير الموجود بين العبارات الّتي نقلها الكشّيّ والشيخ الطوسيّ من كتاب أبي القاسم الأشعريّ، وبين الفقرة المذكورة في رجال الكشّيّ حول محمّد بن بشير الأسديّ المضافة إلى كتاب فرق الشيعة المطبوع، ألا يمكن أن نتمسّك بنفس القرائن التي أوردها شيخ الإسلام حول تصرّف الشيخ المفيد في العبارة، ونقول: إنّ الشيخ الطوسيّ، والكشّيّ - كما ذكرنا سلفاً دليل ذلك - قد نهجا ذات الأُسلوب في نقل عبارة سعد بن عبد الله، وأضاف الكشّيّ من عنده أشياء بعد نقله من كتاب سعد بن عبد الله؟

إذا ظنّ شيخ الإسلام أنّ سعد بن عبد الله قد أخذ حقّاً من كتاب فرق الشيعة للنوبختيّ مصرّحاً بذلك أو غير مصرّح، فلا يليق بالشيخ الطوسيّ والكشّيّ أن لا يراجعا كتاب أبي محمّد النوبختيّ - مع غاية شهرته - في هذا الموضوع على

١٨٩

الأقل، في حين كانا يحسبانه مصدراً للأشعريّ، وينقلان هذه الموضوعات عن سعد بن عبد الله، في حين ليس في أيدينا أيّ شيء يدلّ على أنّ كتاب النوبختيّ كان قَبل كتاب الأشعريّ. وقد توفّي الأشعريّ سنة ٢٩٩ أو ٣٠١هـ، وكانت وفاة النّوبختيّ بين سنة ٣٠٠ و٣١٠هـ، وكلاهما عاش في أيّام الغيبة الصُّغرى، وعاصر افتراق الشيعة أربع عشرة فرقة. فما هو الداعي إلى اعتماد أحدهما على الآخر في نقل الحوادث الواقعة في عصرهما؟ وما الذي يدفع سعد بن عبد الله إلى نقل عبارة النوبختيّ ذاتها وينسبها إلى نفسه دون أن يشير إلى مصدرها، ولا يلتفت الآخرون إلى ذلك بخاصّة الشيخ الطوسيّ الذي كان من الملمّين بعلم الرجال ومصنّفات الشيعة، وكان قد رأى معظم كتب الإماميّة؟

أمّا الاختلافات الموجودة بين لفظ الشيخ المفيد في العيون والمحاسن، ولفظ كتاب فرق الشيعة المطبوع، وعدم ترتيب الفرق الأربع عشرة في الكتابين، فهما دليلان واضحان على أنّ فرق الشيعة المطبوع هو للأشعريّ لا للنوبختيّ؛ لأنّ التشابه الموجود بين الموضوعات التي نقلها الكشّيّ والشيخ الطوسيّ، وبين كتاب فرق الشيعة غير موجود بين لفظ الشيخ المفيد ولفظ مؤلّف الكتاب المذكور؛ إذ يضاف إلى غاية الاختصار الملحوظ في كتاب الشيخ المفيد، وعدم تشابه ألفاظهما أنّ عدد الفرق يختلف بين الاثنين أيضاً، وأنّ الشيخ المفيد أضاف بعض الموضوعات في كتابه. ونشير فيما يأتي إلى الفروق المهمّة بين لفظ الشيخ المفيد، أي: لفظه المنقول من كتاب فرق الشيعة، وبين لفظ الكتاب نفسه:

١ - الموضوعات المنقولة في كتاب العيون والمحاسن حول الفرقة الأُولى (الفرقة الثانية عشرة في كتاب فرق الشيعة المطبوع) أي: الفرقة الإماميّة الاثني عشريّة، تختلف تماماً عما هو مذكور في كتاب فرق الشيعة لفظاً وموضوعاً، ولا تتشابهان أبداً.

٢ - في ذكر الفرقة الرابعة (الثالثة في كتاب فرق الشيعة) التي ذهبت إلى إمامة

١٩٠

جعفر بعد وفاة أخيه الإمام العسكريّعليه‌السلام ، ينقل الشيخ المفيد حديثاً عن الإمام الصادقعليه‌السلام لا وجود له في كتاب فرق الشيعة. والحديث هو:«الإمام هو الذي لا يوجد منه ملجأٌ إلاّ إليه» .

٣ - يختلف لفظ الشيخ المفيد ولفظ صاحب فرق الشيعة تماماً في حديثهما عن الفرقة الخامسة (الفرقة الرابعة في كتاب فرق الشيعة). وعلى الرغم من نقل مضمون واحد، لكن لا تشمّ رائحة النقل من كتاب فرق الشيعة أبداً. وهكذا الأمر بالنسبة إلى الفرقة الآتية.

٤ - عندما تحدّث الشيخ المفيد عن الفرقة السابعة (الفرقة السادسة عند النوبختيّ) ذكر أنّ اسم الولد الذي نُسب إلى الإمام الحادي عشرعليه‌السلام - ويعتقد أصحاب هذه الفرقة أنّه الإمام القائم بعده - عليّ، في حين ذهب النوبختيّ إلى أنّ اسمه محمّد، وذكره الشهرستانيّ بهذا الاسم أيضاً. يضاف إلى ذلك أنّ لفظ الشيخ المفيد يختلف عن لفظ فرق الشيعة من حيث المضمون. وكذلك نلحظ اختلافاً بين لفظ الشيخ المفيد الذي هو لفظ النوبختيّ نفسه عادةً وبين لفظ فرق الشيعة عند ذكر الفرق الأُخرى وتستبين هذه النقطة أيضاً من ملاحظة المعلومات المتقدّمة حول الفرق.

أمّا الشَّبَه بين بعض عبارات النوبختيّ وعبارات الكتاب الحالي عند عرض عقائد الفرق الشيعيّة الأربع عشرة ومقالاتها فمرجعه إلى أنّ أصحاب كتب الملل والنحل كانوا ينقلون مقالات الفرق المختلفة غالباً بعباراتهم التي كانوا يقرّرون فيها عقائدهم؛ ولذلك كانت ألفاظهم تظلّ في كتب المقالات والفرق والملل والنحل. فلا بدّ أن نحمل الشبه الموجود بين بعض عبارات النوبختيّ وعبارات فرق الشيعة المطبوع في نقل مقالات الفرق على هذا الأساس.

هذه هي ملاحظاتي حول فرق الشيعة المطبوع، وذكر القرائن التي تدعم نسبته إلى أبي القاسم سعد بن عبد الله الأشعريّ القمّيّ. وأهدْفُ من وراء هذا التفصيل

١٩١

في الموضوع المذكور إلى أن ألفت نظر القرّاء الكرام إلى القَدْح الموجود في نسبة ذلك الكتاب إلى النوبختيّ. ولعلّ أحدهم يملك أدلّة أخرى تدعم نسبة الكتاب إلى النوبختيّ أو تدحضها فينشر ذلك ويميط اللثام عن هذا الموضوع المهمّ من الوجهة التاريخيّة.

وأمّا ما يراه شيخ الإسلام الزنجانيّ أنّ منحى مؤلّف كتاب فرق الشيعة منحىً كلاميّ؛ لذلك فإنّ نسبته إلى أبي محمّد النوبختيّ المتكلّم أقرب من نسبته إلى أبي القاسم الأشعريّ الفقيه، فلا أحسب أنّه دليل قاطع على ذلك؛ لأنّ الفقهاء يومئذٍ كانوا ينتهجون هذا الأُسلوب أحياناً في مقابل خصومهم طوعاً أم كرهاً، وكان ذلك العصر عصر المجادلات والمناظرات. ونجد أنّ الشيخ الصدوق تحدّث في القسم الأوّل من كتابه كمال الدين وتمام النّعمة كمتكلّم في ردّه على آراء الخصوم ومناقشتهم.

فرق الشيعة بعد وفاة الإمام العسكريّعليه‌السلام

يُفهَم من كتاب فرق الشيعة الحاليّ، والعبارات المنقولة عن النوبختيّ أنّ الشيعة انقسموا بعد وفاة الإمام الحسن العسكريّعليه‌السلام إلى أربع عشرة فرقة. ولكن كان هناك من يطرح مقالة في الإمامة ويجمع حوله الأنصار، كما ظلّ النزاع قائماً حول خليفة الإمام الحادي عشر، ممّا أدّى إلى ظهور فرق جديدة أُخرى. وبلغ عددها في عصر المسعوديّ مؤلّف مروج الذهب عشرين فرقةً. وذكر المسعوديّ مقالاتها في كتابين من كتبه هما المقالات في أُصول الديانات وسرّ الحياة(١) .

ونلحظ من بين الفرق الإحدى عشرة التي ذكرها الشهرستانيّ - وهي مجمعة

____________________

١ - مروج الذهب ٢: ٣٤٦ (طبعة مصر).

١٩٢

على إمامة الإمام الحادي عشرعليه‌السلام (١) - تسع فرق تشبه الفرق المذكورة في كتاب فرق الشيعة، وكتاب العيون والمحاسن. وفيه فرقتان مضافتان هما الفرقة التاسعة، والفرقة الحادية عشرة، وفيما يأتي نصّ مقالاتهما:

التاسعة: قالت: إنّ الحسن قد مات وصحّ موته. وقد اختلف الناس هذا الاختلاف، ولا ندري كيف هو. ولا نشكّ أنّه قد ولد له ابن، ولا ندري قبل موته أو بعد موته، إلاّ أنّا نعلم يقيناً أنّ الأرض لا تخلو من حجّة، وهو الخلف الغائب، فنحن نتولاّه ونتمسّك باسمه حتّى يظهر بصورته.

الحادية عشرة: فرقة توقّفت في هذه المخابط وقالت: لا ندري على القطع حقيقة الحال لكنّا نقطع في الرضا ونقول بإمامته في كلّ موضع اختلفت الشيعة فيه، فنحن من الواقفيّة في ذلك إلى أن يُظهر الله الحجّة ويظهر بصورته، فلا يشكّ في إمامته من أبصره، ولا يحتاج إلى معجزة وكرامة وبيّنة، بل معجزته اتّباع الناس بأسرهم إيّاه من غير منازعة ومدافعة.

وإذا أضفنا هاتين الفرقتين إلى الفرق الأربع عشرة المذكورة فإنّ عدد الفرق الشيعيّة، بعد وفاة الإمام العسكريّعليه‌السلام ، يبلغ ستّ عشرة فرقة. وإذا ضَمَمنا إليها رأي أصحاب الحلاّج، والرأي المنسوب إلى أبي سهل النوبختيّ، والرأي القائل بثلاثة عشر إماماً، فإنّ عددها يقترب ممّا ذكره المسعوديّ. ولكن لا يُعلَم ما إذا كانت هذه الفرق هي نفس الفرق التي ذكر المسعوديّ مقالاتها في كتابيه، ولعلّ عددها زاد على ذلك بسبب التشتّت العجيب الذي طرأ على الشيعة بعد وفاة الإمام العسكريّعليه‌السلام ، وربما كان بعضها غير الفرق المذكورة في كتب المسعوديّ، بَيد أنّ

____________________

١ - ذكر الشهرستانيّ الإماميّة على حدة، ولم يذكر الفرقة العاشرة والثانية عشرة اللتين كانتا تنكران إمامة الإمام العسكريّعليه‌السلام ، وهما مذكورتان في كتاب فرق الشيعة. وذكر الفرقة الثامنة ضمن فرقة أُخرى. ولم يتطرّق إلى الفرقة الثالثة عشرة والرابعة عشرة. كما أنّ الفرقة الثالثة عشرة غير موجودة في كتاب فرق الشيعة.

١٩٣

إشارة المسعوديّ تُشعر بأنّ عدد فرق الشيعة قد بلغ في عهده عشرين فرقة في الأقلّ.

إنّ الفرق التي أخذنا تفصيل مقالاتها من كتب عديدة وسنقدّم فهرساً بها فيما يأتي، هي غير التجمّعات التي مثّلها أصحاب الهلاليّ، والبلاليّ، والشلمغانيّ، والنميريّ، والغلاة الآخرون، ممّن سنشير إلى عقائدهم لاحقاً. وفيما يأتي فهرس بفرق الشيعة بعد وفاة الإمام العسكريّعليه‌السلام مع إشارة إلى المصادر التي ذكرتها:

١ - الإماميّة الاثنا عشريّة (الفرقة الأولى في العيون والمحاسن، والثانية عشرة في فرق الشيعة).

٢ - القائلون بحياة الإمام العسكريّعليه‌السلام وغيبته ورجعته بوصفه المهديّ (فرق الشيعة ١؛ العيون والمحاسن ٢؛ الملل والنحل ١؛ غيبة الطوسيّ ١٤١؛ كمال الدين ٢٤).

٣ - المعتقدون بوفاة الإمام العسكريّعليه‌السلام وقيامه بعد وفاته (فرق الشيعة: ٢؛ العيون والمحاسن ٣؛ الملل والنحل ٢؛ غيبة الطوسيّ ٦٢، ١٤٢).

٤ - فرقة من الجعفريّة، تذهب إلى وفاة الإمام العسكريّعليه‌السلام وإمامة أخيه جعفر بنصّ منه (فرق الشيعة: ٣؛ العيون ٤؛ الملل ٣؛ غيبة الطوسيّ ١٤٣).

٥ - فرقة أُخرى من الجعفريّة تعتقد بإمامة جعفر بنصّ من الإمام الهاديّعليه‌السلام ، وترى بطلان إمامة أخيه العسكريّعليه‌السلام (فرق الشيعة: ٦؛ العيون ٥؛ الملل ٤).

٦ - المحمّديّة وهم المعتقدون بإمامة محمّد بن الإمام عليّ الهادي الذي كان قد مات في حياة أبيه. ويَرَون أنّ الإمام العسكريّعليه‌السلام وجعفر قد ادّعَيا الإمامة، وينتظرون قيام محمّد بوصفه المهديّ والقائم (فرق الشيعة: ٥؛ العيون ٦؛ الملل ٥؛ غيبة الطوسيّ ٦٠ و١٢٩، كمال الدين ٦٣).

٧ - القائلون بإمامة ولد للإمام العسكريّعليه‌السلام يُدعى محمّداً (يسمّيه الشيخ المفيد عليّاً نقلاً عن النوبختيّ). وُلد قبل وفاة أبيه بعامين، واختفى خوفاً من جعفر

١٩٤

والأعداد الآخرين (فرق ٦؛ العيون ٧؛ الملل ٦).

٨ - المنكرون وجود ولد للإمام العسكريّعليه‌السلام في حياته؛ إذ يعتقدون أنّ ولداً وُلد له بعد وفاته بثمانية أشهر، ويزعمون غيبته وينتظرون رجعته (فرق الشيعة: ٧؛ العيون ٨؛ الملل ٧).

٩ - المنكرون وجودَ ولدٍ للإمام العسكريّعليه‌السلام أصلاً. ويعتقد هؤلاء أنّ إحدى إماء الإمامعليه‌السلام حملت بولد يزعمون أنّه الإمام بعد أبيه متى ولدته حتّى لو كان بعد مائة سنة. (فرق ٨؛ العيون ٩؛ غيبة الطوسيّ ٦١. وذكر الشهرستانيّ هذه الفرقة ضمن الفرقة الثامنة).

١٠ - المعتقدون بانقطاع الإمامة بعد وفاة الإمام العسكريّعليه‌السلام بسبب معصية الناس وغضب الله عليهم (فرق الشيعة: ٩؛ العيون ١٠؛ الملل ٨؛ غيبة الطوسيّ ٥١، ٦٣، ١٤٥).

١١ - الفرقة النفيسيّة القائلة بإمامة محمّد نجل الإمام الهاديّعليه‌السلام في حياته، والمعتقدة بإمامة أخيه جعفر بعده بنصّ من محمّد نقله نفيس غلام الإمام الهاديعليه‌السلام . وهذه الفرقة تنكر إمامة الإمام العسكريّعليه‌السلام (فرق الشيعة:١١؛ العيون ١١. ولا وجود لهذه الفرقة في الملل والنحل وغيبة الطوسيّ).

١٢ - الشكّاكون في الإمامة. ويعتقدون بوفاة الإمام العسكريّعليه‌السلام وعدم خلوّ الأرض من حجّة، لكنّهم ينتظرون وضوح أمر الإمامة. (فرق ١١؛ العيون ١٢؛ الملل والنحل ١٠؛ غيبة الطوسيّ ١٦٣).

١٣ - القائلون بوجود ولد منتظر للإمام العسكريّعليه‌السلام يُدعى محمّداً، بَيد أنّهم يذهبون إلى وفاته وبعثه بعد ذلك (فرق: ليس لهم ذكر؛ العيون ١٣؛ الملل: لا وجود لهم فيه؛ غيبة الطوسيّ ٦٠).

١٤ - المعتقدون بوفاة الإمام العسكريّعليه‌السلام المنتظرون قيام ولده الغائب. ويرى هؤلاء أنّ الأرض لا تخلو من حجّة، ولكنّهم يمترون في أنّ الولد المذكور ولد قبل

١٩٥

وفاة أبيه أو بعدها (الملل ٩).

١٥ - الفَطحيّة ويذهبون إلى وفاة الإمام العسكريّعليه‌السلام وإمامة جعفر بعده (فرق ١٣؛ العيون ١٤؛ الملل: لا وجود لهم فيه؛ غيبة الطوسيّ ٦٢-١٤٥).

١٦ - جماعة اشتبه عليهم الأمر هل كان للإمام العسكريّعليه‌السلام ولد أم لا؟ وهؤلاء ينتظرون وضوح المسألة. لكنّهم كانوا قد قبلوا وجوده (غيبة الطوسيّ ١٦ و١٤٤).

١٧ - الواقفة في الإمامة. كانوا يقولون: الحقيقة خافية علينا، وإذا ظهر اختلاف بين الشيعة في مسألة فإنّا نفزع إلى رجل من آل محمّد (الرضا من آل محمّد)(١) ، حتّى يُظهر الله حجّته على الخلق، وحين يظهر هذا الشخص فلا حاجة إلى المعجزة والكرامة؛ لقبول إمامته إذ أنّ اتّباع الناس إيّاه معجزة بلا نزاع (الملل ١١).

١٨ - القائلون بثلاثة عشر إماماً، وهؤلاء يعتقدون بوفاة الإمام الثاني عشر وإمامة ولد له(٢) . (غيبة الطوسيّ ١٤٧).

١٩ - أصحاب الحلاّج الذين يَرَون أنّ الإمامة قد خُتمت بعد الإمام الثاني عشر، وأنّ القيامة قد أزِفَت(٣) .

٢٠ - أتباع عقيدة نسبها صاحب الفهرست إلى أبي سهل النوبختيّ(٤) .

تتشابه مقالات هذه الفرق العشرين كثيراً؛ ولذلك لم يفرّق بينها المؤلّفون القدامى. يضاف إلى ذلك أنّ معظم هذه الفرق قد اندثر بسبب قلّة أتباعها، ولم يَبقَ

____________________

١ - كان أنصار العلويّين يرفعون هذا الشعار عندما لم يحدّدوا شخصاً منهم بعينه، كما أنّ الحلاّج في بادئ أمره دعا الناس إلى إمامة شخص بهذا الاسم دون أن يصرّح به (قسم من كتاب المنتظم لابن الجوزيّ في حاشية صلة تاريخ الطبريّ ص ٥٠ pssion sal-Halladj p. ٧٥ نقلاً عن أنساب الأشراف للبلاذريّ) راجع: كتاب كمال الدين ٧١ وغيره للوقوف على استعمال هذا الشعار.

٢ - هؤلاء هم غير القائلين بثلاثة عشر إماماً أحدهم زيد بن عليّ، مثل أبي نصر هبة الله بن محمّد. (انظر: ص١٣٩-١٣٨ من هذا الكتاب).

٣ - ص١٣٩-١٣٨ من هذا الكتاب.

٤ - ص١٣٩ من هذا الكتاب.

١٩٦

منها إلاّ الإماميّة الاثنا عشريّة الذين نبغ فيهم متكلّمون ورواة وفقهاء وسياسيّون كبار، فنشطوا على مرّ الأيّام، ولم تصمد أمامهم فرقة تذكر. ومن هنا يَرَون أنّ انقراض الفرق الأُخرى وبقاءهم أحد الأدلّة على حقّانيّة مقالاتهم.

١٩٧

١٩٨

الفصل الثامن

أبو إسحاق إبراهيم مؤلّف كتاب (الياقوت)

(النصف الأوّل من القرن الرابع)

الكتاب الوحيد المستقلّ الذي تركه أحد كبار الأُسرة النوبختيّة الكثيرين، ولا ريب في انتسابه إليه هو كتاب الياقوت. وقد ألّفه أبو إسحاق إبراهيم بن نوبخت. وكان في عداد أشهر الكتب الكلاميّة، وقام جماعة من العلماء بشرحه والاستناد إلى أقواله.

بَيد أنّنا لا نجد في كتب التاريخ والتراجم ذكراً لمؤلّفه الجليل الذي كان من متكلّمي الشيعة االقدماء. ولعلّ كتابه من أقدم الكتب الكلاميّة المتوفّرة المأثورة عن هذه الفرقة. والعجيب حقّاً أن لا يذكره أحد المؤلّفين بمن فيهم الشيعة.

وصل إلينا كتاب الياقوت في ضمن الشرح الذي كتبه عليه العلاّمة الحسن بن المطهّر الحلّيّ (٦٤٨-٧٢٦هـ) بعنوان أنوار الملكوت في شرح الياقوت. ونقل الشارح كتاب الياقوت كلّه في شرحه. وسبق العلاّمةَ الحلّيّ في شرحه المؤرّخُ والمتكلّم المعتزليّ المعروف عزّ الدّين عبد الحميد بن أبي الحديد (٥٨٦-٦٥٦هـ)(١) ؛ إذ كان له

____________________

١ - ذكرنا في ص ٤٨ و٦٩ من هذا الكتاب، تبعاً لصاحب فوات الوفيات وغيره، أنّ وفاة ابن أبي الحديد =

١٩٩

شرح عليه أيضاً(١) . ولكن لا أثر اليوم لهذا الشرح، ولم ينقل أحد منه شيئاً فيما أعلم.

وعندما ينقل مؤلّفو الكتب الكلاميّة قولاً عن مؤلّف الياقوت فإنّهم يذكرونه باسم (ابن نوبخت)، إلاّ العلاّمة الحلّيّ فإنّه يذكره باسم (الشيخ أبو إسحاق). كما يذكره في مقدّمة كتاب أنوار الملكوت، التي سننقلها نصّاً باسم (الشيخ أبو إسحاق إبراهيم بن نوبخت). وهذه الكنية والاسم موجودان في مقدّمة النسخ الثلاث التي رأيتها من كتاب أنوار الملكوت بصيغة واحدة، فلا اختلاف بينها(٢) .

ولا أدري لماذا ذكر الميرزا عبد الله الأفنديّ في رياض العلماء(٣) أنّ اسمه إسماعيل، على الرغم من تصريح العلاّمة الحلّيّ باسمه.

وكذلك تبعه بعض المؤلّفين الجدد من الشيعة في العراق وسورية(٤) ، فذكروا أنّ اسمه إسماعيل بن إسحاق بن أبي سهل بن نوبخت. ولا نعرف المصدر الذي رجع إليه صاحب رياض العلماء. ولمّا كان مؤلّف كتاب الياقوت - كما سنرى - من الذين عاشوا بعد الغيبة الصغرى، وكان معاصراً للإمام أبي الحسن الأشعريّ (٢٦٠-٣٢٤هـ) وأبي بكر محمّد بن زكريّا الرازيّ (المتوفّى سنة ٣٢٠ هـ) - أي من رجال النصف الأوّل من القرن

____________________

= كانت في سنة ٦٥٥هـ، ثمّ تبيّن لنا بعد التحقيق أنّها كانت سنة ٦٥٦هـ. ونقل ابن الفوطيّ في كتاب الحوادث الجامعة ٣٣٦ شعراً له في رثاء أخيه القاضي موفّق الدين أبي المعالي القاسم بن أبي الحديد الذي توفّي في جمادى الآخرة من تلك السنة، وذكر أنّه عاش بعده أربعة عشر يوماً. ونقل هندوشاه النخجوانيّ في كتاب تجارب السَّلف الفارسيّ حكاية عن لقاء ابن أبي الحديد بالخواجه نصير الدين الطوسيّ بعد دخول التتر بغداد، ممّا يدلّ على أنّه كان حيّاً عندما غزاها هولاكو في ٤ صفر ٦٥٦هـ.

١ - شرح نهج البلاغة ٤: ٥٧٥؛ روضات الجنّات ٤٢٣.

٢ - مخطوطة المكتبة الرضويّة بمشهد المقدّسة، مخطوطة مكتبة مجلس الشورى الإسلاميّ، مخطوطة صديقي الفاضل الميرزا فضل الله شيخ الإسلام. وقد تفضّل عليّ باستنساخ نسخة منها وإرسالها اليّ.

٣ - تاريخ تأليفه سنة ١١١٦ هـ. وكان مؤلّفه من معاصري العلاّمة المجلسيّ الثاني، وتوفّي في الفترة الواقعة بين سنة ١١٣٠ و١١٤٠هـ.

٤ - منهم صاحب كتاب الشيعة وفنون الإسلام ٤٨.

٢٠٠