آل نوبخت

آل نوبخت20%

آل نوبخت مؤلف:
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 288

آل نوبخت
  • البداية
  • السابق
  • 288 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 90186 / تحميل: 9182
الحجم الحجم الحجم
آل نوبخت

آل نوبخت

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

أدنى ذم ولو كان أوثق الثقات وعمل بخبره ولاجل ذلك ذكر بريداً العجلي مع جلالته في الثاني ، كما ذكر هشام بن الحكم فيه أيضاً لاجل ورود ذم ما فيه ، أعني كونه من تلاميذ أبي شاكر الزنديق.

2 ـ ان العلاّمة لا يعنون المختلف فيه في القسمين ، بل ان رجح المدح يذكره في الاول ، وان رجح الذم أو توقف يذكره في الثاني.

واما ابن داود فيذكر المختلف فيه في الاول باعتبار مدحه ، وفي الثاني باعتبار جرحه.

3 ـ ان العلاّمة إذا أخذ من الكشي أو النجاشي أو فهرست الشيخ أو رجاله أو الغضائري لا يذكر المستند بل يعبر بعين عبائرهم. نعم فيما إذا نقل عن غيبة الشيخ أو عن رجال ابن عقدة او رجال العقيقي فيما وجد من كتابيهما ، يصرح بالمستند.

كما أنه إذا كان أصحاب الرجال الخمسة مختلفين في رجل ، يصرح بأسمائهم ، وحينئد فإن قال في عنوان شيئاً وسكت عن مستنده ، يستكشف أنه مذكور في الكتب الخمسة ولو لم نقف عليه في نسختنا.

وأما ابن داود فيلتزم بذكر جميع من أخذ عنه ، فلو لم يذكر المستند ، علم انه سقط من نسختنا رمزه ، إلا ما كان مشتبهاً عنده فلا يرمز له.

4 ـ ان العلاّمة يقتصر على الممدوحين في الاول ، بخلاف ابن داود ، فأنه يذكر فيه المهملين أيضاً ، والمراد من المهمل من عنونه الاصحاب ولم يضعفوه.

قال ابن داود : « والجزء الأوّل من الكتاب في ذكر الممدوحين ومن لم يضعفهم الاصحاب ، والمفهوم منه أنه يعمل بخبر رواته مهملون ، لم يذكروا بمدح ولا قدح ، كما يعمل بخبر رواته ممدوحون. نعم هو وان استقصى الممدوحين ، يكنه لم يستقص المهملين.

١٢١

هذه هي الفروق الجوهرية بين الرجالين.

المجهول في مصطلح العلاّمة وابن داود

ان هناك فرقاً بين مصطلح العلاّمة وابن داود ، ومصطلح المتأخرين في لفظ المجهول. فالمجهول في كلامهما غير المهمل الذي عنونه الرجاليون ولم يضعفوه ، بل المراد منه من صرح أئمة الرجال فيه بالمجهولية ، وهو أحد ألفاظ الجرح ، ولذا لم يعنوناه الا في الجزء الثاني من كتابيهما ، المعد للمجروحين ، وقد عقد ابن داود لهم فصلاً في آخر الجزء الثاني من كتابه ، كما عقد فصلاً لكل من المجروحين من العامة والزيدية والواقفية وغيرهم.

لكن المجهول في كلام المتأخرين ، من الشهيد الثاني والمجلسي والمامقاني ، أعم منه ومن المهمل الذي لم يذكر فيه مدح ولا قدح.

وقد عرفت أن العلاّمة لا يعنون المهمل أصلاً ، وابن داود يعنونه في الجزء الاول كالممدوح ، وكان القدماء يعملون بالمهمل كالممدوح ، ويردون المجهول وقد تفطن بذلك ابن داود(1) .

فهذه الكتب الاربعة ، هي الاصول الثانوية لعلم الرجال. اُلّف الاول والثاني منهما في القرن السادس ، كما اُلف الثالث والرابع في القرن السابع ، والعجب أن المؤلفين متعاصرون ومتاثلو التنسيق والمنهج كما عرفت.

وقد ترجم ابن داود العلاّمة في رجاله ، ولم يترجمه العلاّمة في الخلاصة ، وان ذا مما يقضي منه العجب.

هذه هي اصول الكتب الرجالية أوليتها وثانويتها ، وهناك كتب اخرى لم تطبع ولم تنشر ولم تتداولها الايدي ، ولاجل ذلك لم نذكر عنها شيئاً ومن اراد الوقوف عليها فليرجع الى كتاب « مصفى المقال في مؤلفي الرجال » للعلاّمة

__________________

1 ـ قاموس الرجال : 1 / 31.

١٢٢

المتتبع الطهرانيرحمه‌الله .

وهذه هي الاصول الأولية الثمانية والثانوية الأربعة لعلم الرجال ، واما الجوامع الرجالية فسيوافيك ذكرهاعن قريب.

١٢٣
١٢٤

2 ـ الجوامع الرجالية في العصور المتأخرة

* مجمع الرجال.

* منهج المقال.

* جامع الرواة.

* نقد الرجال.

* منتهى المقال.

١٢٥
١٢٦

قد وقفت على الاصول الرجالية ، وهناك جوامع رجالية مطبوعة ومنتشرة يجب على القارئ الكريم التعرف عليها ، وهذه الجوامع الفت في أواخر القرن العاشر إلى أواخر القرن الثاني عشر ، تلقّاها العلماء بالقبول وركنوا اليها ولابد من التعرف عليها(1) .

1 ـ مجمع الرجال

تأليف زكي الدين عناية الله القهبائي ، من تلاميذ المقدس الاردبيلي ( المتوفّى سنة 993 هـ ). والمولى عبد الله التستري ( المتوفّى عام 1021 هـ ) والشيخ البهائي. ( المتوفّى سنة 1031 هـ ). جمع في ذلك الكتاب تمام ما في الاصول الرجالية الأولية ، حتى أدخل فيه كتاب الضعفاء للغضائري وقد طبع الكتاب في عدة أجراء.

2 ـ منهج المقال

تأليف السيد الميرزا محمد بن علي بن إبراهيم الاسترآبادي ( المتوفّى

__________________

(1) قاموس الرجال : ج 1 الصفحة 31.

١٢٧

سنة 1028 هـ ) وهو استاذ المولى محمد أمين الاسترابادي صاحب « الفوائد المدنية ». له كتب ثلاثة في الرجال : الكبير وأسماه « منهج المقال ». والوسيط ، الذي ربما يسمى بـ « تلخيص المقال » أو « تلخيص الاقوال » ، والصغير الموسوم بـ « الوجيز ». والأول مطبوع ، والثاني مخطوط ولكن نسخه شائعة ، والثالث توجد نسخة منه في الخزانة الرضوية كما جاء في فهرسها.

3 ـ جامع الرواة

تأليف الشيخ محمد بن علي الاردبيلي. صرف من عمره في جمعه ما يقرب من عشرين سنة ، وابتكر قواعد رجالية صار ببركتها كثير من الاخبار التي كانت مجهولة أو ضعيفة أو مرسلة ، معلومة الحال ، صحيحة مسندة ، وطبع الكتاب في مجلدين ، وقدم له الامام المغفور له الأستاذ الحاج آقا حسين البروجرديقدس‌سره مقدمة وله أيضاً « تصحيح الأسانيد » الذي أدرجه شيخنا النوري بجميعه أو ملخصه في الفائدة الخامسة من فوائد خاتمة المستدرك.

ومن مزايا هذا الكتاب أنه جمع رواة الكتب الاربعة ، وذكر في كل راو ترجمة من رووا عنه ومن روى عنهم ، وعين مقدار رواياتهم ورفع بذلك ، النقص الموجود في كتب الرجال.

قال في مقدمته : « سنح بخاطره ( يعني نفسه ) الفاتر ـ بتفضله غير المتناهي ـ أنه يمكن استعلام أحوال الرواة المطلقة الذكر ، من الرواي والمروي عنه بحيث لا يبقى اشتباه وغموض ، وعلماء الرجال ( رضوان الله عليهم ) لم يذكروا ولم يضبطوا جميع الرواة ، بل ذكروا في بعض المواضع تحت بعض الاسماء بعنوان أنه روى عنه جماعة ، منهم فلان وفلان ، ولم يكن هذا كافياً في حصول المطلوب ، إلى أن قال : صار متوكلاً على رب الارباب ، منتظماً على التدريج راوي كل واحد من الرواة في سلك التحرير ، حتى انه رأى الكتب الأربعة المشهورة والفهرست للشيخرحمه‌الله والفهرس

١٢٨

للشيخ منتجب الدين ومشيخة الفقيه والتهذيب والاستبصار ، وكتب جميع الرواة الذين كانوا فيها ، ورأى أيضاً كثيراً من الرواة رووا عن المعصوم ، ولم يذكر علماء الرجال روايتهم عنهعليه‌السلام والبعض الذين عدوه من رجال الصادق ، رأى روايته عن الكاظمعليه‌السلام مثلا ، والذين ذكروا ممن لم يرو عنهمعليهم‌السلام رأى انه روي عنهمعليهم‌السلام الى ان قال : ان بعض الرواة الذين وثقوه ولم ينقلوا انه روى عن المعصومعليه‌السلام ورأى انه روى عنهعليه‌السلام ضبطه ايضاً ، حتى تظهر فائدته في حال نقل الحديث مضمراً ـ الى ان قال : ( ومن فوائد هذا الكتاب ) انه بعد التعرف على الراوي والمروي عنه ، لو وقع في بعض الكتب اشتباه في عدم ثبت الراوي في موقعه يعلم انه غلط وواقع غير موقعه.

( ومن فوائده أيضاً ) ان رواية جمع كثير من الثقات وغيرهم عن شخص واحد تفيد انه كان حسن الحال او كان من مشايخ الاجازة »(1) .

والحق ان الرجال مبتكر في فنه ، مبدع في علمه ، كشف بعمله هذا الستر عن كثير من المبهمات ، ومع انه تحمل في تأليف هذا الكتاب طيلة عشرين سنة ، جهوداً جبارة ، بحيث ميز التلميذ عن الشيخ ، والراوي عن المرويّ عنه ولكن لم يجعل كتاب على اساس الطبقات حتى يقسم الرواة الى طبقة وطبقة ، ويعين طبقة الراوي ومن روى هو عنه او رووا عنه ، مع انه كان يمكنه القيام بهذا العمل في ثنايا عمله بسبر جميع الكتب والمسانيد بامعان ودقة.

4 ـ نقد الرجال

تأليف السيد مصطفى التفريشي ألفه عام 1015 هـ ، وهو من تلاميذ المولى عبدالله التستري وقد طبع في مجلد.

__________________

1 ـ لاحظ المقدمة : 4 ـ 5 بتصرف يسير.

١٢٩

قال في مقدمته : « اردت ان اكتب كتاباً يشتمل على جميع اسماء الرجال من الممدوحين والمذمومين والمهملين ، يخلو من تكرار وغلط ، ينطوي على حسن الترتيب ، يحتوي على جميع اقوال القوم ـ قدس الله ارواحهم ـ من المدح والذم الا شاذاً شديد الشذوذ ».

5 ـ منتهى المقال في أحوال الرجال

المعروف برجال ابي علي الحائري ، تأليف الشيخ ابي علي محمد بن اسماعيل الحائري ( المولود عام 1159 هـ ، والمتوفّى عام 1215 أو 1216 هـ في النجف الاشرف ).

ابتدء في كل ترجمة بكلام الميرزا في الرجال الكبير ، ثم بما ذكره الوحيد في التعليقة عليه ، ثم بكلمات اخرى ، وقد شرح نمط بحثه في اول الكتاب ، وترك ذكر جماعة بزعم انهم من المجاهيل وعدم الفائدة في ذكرهم ، ولكنهم ليسوا بمجاهيل ، بل اكثرهم مهملون في الرجال ، وقد عرفت الفرق بين المجهول والمهمل.

وهذه الكتب الخمسة كلها اُلِّفت بين أواخر القرن العاشر الى أواخر القرن الثاني عشر ، وقد اجتهد مؤلفوها في جمع القرائن على وثاقة الراوي او ضعفها ، واعتمدوا على حدسيات وتقريبات.

هذه هي الجوامع الرجالية المؤلفة في القرون الماضية ، وهناك مؤلفات اخرى بين مطولات ومختصرات اُلفت في القرون الاخيرة ونحن نشير إلى ما هو الدارج بين العلماء في عصرنا هذا.

١٣٠

3 ـ الجوامع الرجالية الدارجة على منهج القدماء

* بهجة الآمال.

* تنقيح المقال.

* قاموس الرجال.

١٣١
١٣٢

قد وقفت على الجوامع الرجالية المؤلفة في القرن الحادي عشر والثاني عشر ، وهناك مؤلفات رجالية اُلفت في أواخر القرن الثالث عشر والقرن الرابع عشر ولكنها على صنفين : صنف تبع في تأليفه خطة الماضين في نقل أقوال الرجاليين السابقين واللاحقين ، وجمع القرائن والشواهد على وثاقة الراوي ، والقضاء بين كلمات اهل الفن ، الى غير ذلك من المزايا التي أوجبت تكامل فن الرجال من حيث الكمية ، من دون إحداث كيفية جديدة وراء خطة السابقين ، وصنف اخر أحدث كيفية جديدة في فن الرجال وأبدع اسلوباً خاصاً لما يهم المستنبط في علم الرجال. فإن الوقوف على طبقة الراوي من حيث الرواية ، ومعرفة عصره وأساتيذه وتلاميذه ، ومدى علمه وفضله ، وكمية رواياته من حيث الكثرة والقلة ، ومقدار ضبطه للرواية ، واتقانه في نقل الحديث ، من اهم الامور في علم الحديث ومعرفة حال الراوي وقد اهملت تلك الناحية في اسلوب القدماء غالباً الا على وجه نادر.

وهذا الاُسلوب يباين خطة الماضين في العصور السابقة.

وعلى ذلك يجب علينا ان نعرف كل صنف بواقعه ونعطي كل ذي حق حقه ، وكل ذي فضل فضله ، بلا تحيز الى فئة ، ولا إنكار فضيلة لأحد.

١٣٣

1 ـ « بهجة الآمال في شرح زبدة المقال في علم الرجال »

تأليف العلاّمة الحاج الشيخ علي بن عبدالله بن محمد بن محب الله بن محمد جعفر العلياري التبريزي ( المولود عام 1236 هـ ، والمتوفّى عام 1327 هـ ) وهذا الكتاب قد اُلف في خمسة مجلدات كبار ، ثلاثة منها شرح مزجي لـ « زبدة المقال في معرفة الرجال » تأليف العلاّمة السيد حسين البروجردي ، وهو منظومة في علم الرجال قال :

سمّيته بزبدة المقال

في البحث عن معرفة الرجال

ناظمه الفقير في الكونين

هو الحسين بن رضا الحسيني

واثنان منها شرح لـ « منتهى المقال » وهي منظومة للشارح تمم بها منظومة البروجردي ، وحيث ان البروجردي لم يذكر المتأخرين ولا المجاهيل من الرواة فأتمها وأكملها الشارح بالنظم والشرح في ذينك المجلدين ، والكتاب مشتمل على مقدمة وفيها أحد عشر فصلاً ، والفصل الحادي عشر في أصحاب الاجماع. وفيه أيضاً عدة أبحاث متفرقة ، والكتاب لو طبع على طراز الطبعة الحديثة لتجاوز عشرة أجزاء وقد طبع منه لحد الآن ستة أجزاء والباقي تحت الطبع.

2 ـ « تنقيح المقال في معرفة علم الرجال »

للعلامة الشيخ عبدالله المامقاني ( المتوفّى عام 1351 هـ ) في ثلاثة أجزاء كبار ، وهو أجمع كتاب ألف في الموضوع ، وقد جمع جلَّ ما ورد في الكتب الرجالية المتقدمة والمتاخرة.

قال العلاّمة الطهراني : « هو أبسط ما كتب في الرجال ، حيث انه أدرج فيه تراجم جميع الصحابة والتابعين ، وسائر أصحاب الائمة وغيرهم من الرواة الى القرن الرابع ، وقليل من العلماء المحدثين في ثلاثة أجزاء كبار لم

١٣٤

يتجاوز جمعه وترتيبه وتهذيبه عن ثلاث سنين ، وهذا مما يعد من خوارق العادات والخاصة من التأييدات ، فلله در مؤلفه من مصنف ما سبقه مصنفو الرجال ، ومن تنقيح ما أتى بمثله الأمثال »(1) . ومما أُخذ عليه ، هو خلطه بين المهمل والمجهول. فان الأول عبارة عمّن لم يذكر فيه مدح ولا قدح ، وقد ذكر ابن داود المهمل في جنب الممدوح ، زعماً منه بأنه يجب العمل بخبره كالممدوح ، وأن غير الحجة في الخبر عبارة عن المطعون.

وأما المجهول فإنّه عبارة عمن صرح أئمة الرجال فيه بالمجهولية وهو أحد ألفاظ الجرح ، فيذكرون المجهول في باب المجروحين ويتعاملون معه معاملة المجروح.

وأنت إذا لاحظت فهرس تنقيح المقال ، الذي طبع مستقلاً وسماه المؤلف « نتيجة التنقيح » لا ترى فيه الا المجاهيل ، والمراد منه الاعم ممن حكم عليه أئمة الرجال بالمجهولية ومن لم يذكر فيه مدح ولا قدح.

وهذا الخلط لا يختص به ، بل هو رائج من عصر الشهيد الثاني والمجلسي الى عصره مع أن المحقق الداماد قال في الراشحة الثالثة عشر من رواشحه : « لا يجوز اطلاق المجهول الاصطلاحي إلا على من حكم بجهالته أئمة الرجال »(2) .

وقد ذب شيخنا العلاّمة الطهراني هذا الاشكال عن مؤلفه وقال : « ان المؤلف لم يكن غير واقف بكلام المحقق الداماد ، وصرح في الجزء الاول ( أواخر الصفحة 184 ) بأنه لو راجع المتتبع جميع مظان استعلام حال رجل ومع ذلك لم يظفر بشيء من ترجمة أحواله أبداً فلا يجوز التسارع عليه بالحكم بالجهالة ، لسعة دائرة هذا العلم ، وكثرة مدارك معرفة الرجال ، ومن هذا

__________________

1 ـ الذريعة : 4 / 466.

2 ـ الرواشح : 60.

١٣٥

التصريح يحصل الجزم بأن مراده من قوله « مجهول » ليس أنه محكوم بالجهالة عند علماء الرجال ، حتى يصير هو السبب في صيرورة الحديث من جهته ضعيفاً ، بل مراده أنه مجهول عندي ولم أظفر بترجمة مبينة لاحواله »(1) .

3 ـ « قاموس الرجال »

للعلاّمة المحقق الشيخ محمد تقي التستري ، كتبه أولاً بصورة التعليقة على رجال العلاّمة المامقاني ، وناقش كثيراً من منقولاته ونظرياته ، ثم أخرجه بصورة كتاب مستقل وطبع في 13 جزء ، والمؤلف حقاً أحد أبطال هذا العلم ونقاده ، وقد بسطنا الكلام حول الكتاب ، ونشرته صحيفة كيهان في نشرتها المستقلة حول حياة المؤلف بقلم عدة من الاعلام.

غير أنه لا يتبّع في تأليف الكتاب روح العصر ، فترى أنه يكتب عدة صحائف من دون أن يفصل بين المطالب بعنوان خاص ، كما أنه لا يأتي بأسماء الكتب الرجالية والائمة الا بالرموز ، وذلك أوجد غلقاً في قراءة الكتاب وفهم مقاصده ، أضف الى ذلك أنه يروي عن كثير من الكتب التاريخية والحديثية ، ولا يعين مواضعها ، ولكن ما ذكرناه يرجع الى نفس الكتاب ، وأما المؤلف فهو من المشايخ الاعاظم الذين يضن بهم الدهر الا في فترات قليلة وله على العلم وأهله أيادي مشكورة.

وهذه الكتب مع الثناء الوافر على مؤلفيها لا تخلو من عل أو علات والتي يجب أن ننبه عليها.

__________________

1 ـ الذريعة : 4 / 467 ، بتصرف وتلخيص.

١٣٦

4 ـ تطور في تأليف الجوامع الرجالية

* جامع الرواة.

* طرائف المقال.

* مرتب اسانيد الكتب الاربعة.

* معجم رجال الحديث.

١٣٧
١٣٨

إن الجوامع المذكورة مع أهميتها وعظمتها ، فاقدة لبعض ما يهمّ المستنبط والفقيه في تحصيل حجية الخبر وعدمها ، فإنها وإن كانت توقفنا على وثاقة الرّاوي وضعفه إجمالاً ، غير أنها لا تفي ببعض ما يجب على المستنبط تحصيله وإليك بيانه :

1 ـ إنَّ هذه الخطة التي رسمها القدماء وتبعها المتأخرون ، مع أهميتها وجلالتها ، لا تخرج عن اطار التقليد لأئمة علم الرجال في التعرف على وثاقة الرّاوي وضعفه وقليلا من سائر أحواله ، ممّا ترجع إلى شخصيته الحديثية ، وليس طريقا مباشريا للمؤلف الرجالي ، فضلا عمن يرجع اليه ويطالعه ، للتعرّف على أحوال الرّاوي ، بأن يلمس بفهمه وذكائه ويقف مباشرة على كلِّ ما يرجع إلى الراوي من حيث الطبقة والعصر أولا ، ومدى الضبط والاتقان ثانياً ، وكمية رواياته كثرة وقلة ثالثاً ، ومقدار فضله وعلمه وكماله رابعاً ، وهذا بخلاف ما رسمه الاساتذة المتأخرون وخططوه ، فان العالم الرجالي فيه يقف بطريق مباشري دون تقليد ، على هذه الاُمور وأشباهها.

وإن شئت قلت : إن هذه الكتب المؤلفة حول الرجال ، تستمد من قول أئمة الفنّ في جرح الرواة وتعديلهم ، وبالأخص تتبع مؤلفي الاصول الخمسة ، التي نبَّهنا بأسمائهم وكتبهم فيما سبق ، فقول هؤلاء ومن عاصرهم أو تأخر عنهم

١٣٩

هو المعيار في معرفة الرجال وتمييز الثقات عن الضعاف.

ولا ريب أن هذا طريق صحيح يعدّ من الطرق الوثيقة ، لكنه ليس طريقا وحيداً في تشخيص حال الرواة ومعرفتهم ، بل طريق تقليدي لأئمّة الرجال ، وليس طريقاً مباشرياً إلى أحوال الرواة ، ولا يعّد طريقاً أحسن وأتم.

2 ـ لا شكّ أن التحريف والتصحيف تطرق إلى كثير من أسناد الاحاديث المروية في الكتب الاربعة وغيرها ، وربما سقط الراوي من السَّند من دون أن يكون هناك ما يدلّنا عليه ، وعلى ذلك يجب أن تكون الكتب الرجالية بصورة توقفنا على طبقات الرواة من حيث المشايخ والتلاميذ ، حتى يقف الباحث ببركة التعرّف على الطبقات ، على نقصان السَّند وكماله ، والحال أن هذه الكتب المؤلفة كتبت على حسب حروف المعجم مبتدئة بالألف ومنتهية بالياء ، لا يعرف الانسان عصر الرّاوي وطبقته في الحديث ، ولا أساتذته ولا تلامذته إلا على وجه الاجمال والتبعية ، وبصورة قليلة دون الاحصاء ، والكتاب الذي يمكن أن يشتمل على هذه المزية ، يجب أن يكون على طراز رجال الشيخ الذي كتب على حسب عهد النَّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمةعليهم‌السلام فقد عقد لكل من أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمةعليهم‌السلام أبواباً خاصة يعرف منها حسب الاجمال طبقة الراوي ومشايخه وتلاميذه.

وهذا النَّمط من التأليف وإن كان لا يفي بتلك الاُمنية الكبرى كلّها ، لكنه يفي بها إجمالاً ، حيث نرى أنه يقسِّم الرواة إلى الطبقات حسب الزمان من زمن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الاعصار التي انقلبت فيها سلسلة الرواة إلى سلسلة العلماء ، وعندئذ يمكن تمييز السَّند الكامل من السند الناقص ، ولو كان الرِّجاليُّون بعد الشيخ يتبعون أثره لأصبحت الكتب الرجالية أكثر فائدة مما هي الآن عليه.

3 ـ إن أسماء كثيرة من الرواة مشتركة بين عدَّة اشخاص. بين ثقة يركن

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

الرابع - فلا يمكن أن يكون حفيداً لأبي سهل بن نوبخت. ومن هنا نحذو حذو العلاّمة الحلّيّ في ذكر اسمه، ولا نَدَع ذلك أبداً ما دمنا لا نملك دليلاً على نقضه، بخاصّة أنّ العلاّمة المجلسيّ يسمّيه في بحار الأنوار(١) : الشيخ إبراهيم. ونستبعد أن يكون العلاّمة أقلّ اطّلاعاً من صاحب رياض العلماء في هذا المجال، ولم يعثر على هذه النقطة وهو الذي كان مطّلعاً اطّلاعاً واسعاً على كتب الشيعة ومصادرها، وكانت له مكتبة كبيرة.

عصر مؤلّف (الياقوت)

يمكننا من خلال مطالعة كتاب الياقوت أن نعرف العصر الذي كان يعيش فيه مؤلّفه على وجه التخمين.

أوّلاّ: أورد مؤلّف الكتاب مبحث الإمامة بعد مبحث النبوّة في آخر كتابه تبعاً لأبي سهل النوبختيّ، وذكر مسألة الغَيبة في ذلك المبحث. وتناول الإشكالات التي وجّهها أهل السنّة إلى الشيعة في هذا المجال وفي اختلاف الشيعة أنفسهم في الفتاوى والأحكام، وأجاب عنها.

وهذا يدلّ على أنّ المؤلّف كان يعيش بعد عصر الغَيبة وبعد العصر الذي كان الخلاف فيه قائماً بين علماء الشيعة حول عدد الأئمّة. وهذا العصر - كما أشرنا من قبل - لم يتقدّم على النصف الأولّ من القرن الرابع، بل كان مقارناً لأواخر حياة أبي سهل اسماعيل بن عليّ النوبختيّ(٢) .

ثانياً: نقض المؤلّف في كتابه آراء الأشاعره ورئيسهم الإمام أبي الحسن عليّ بن إسماعيل الأشعريّ (٢٦٠-٣٢٤هـ) مرّات عديدة. وهو إن لم يصرّح باسم الأشعريّ لكنّه ذكر فقرات من مقالاته الخاصّة الّتي تفرّد بها ولم يُبدِها قبله أحد،

____________________

١ - ١٤: ١٣٨.

٢ - انظر: ص١٣١ من هذا الكتاب.

٢٠١

بخاصّة مسألة (إثبات الصفات القديمة(١) ، و(الكسب)(٢) ، و(الكلام النفسانيّ)(٣) . وهي من مقالاته وموضوعاته الخاصّة. وردّ عليه الشيخ أبو إسحاق، وعدّ (الكسب) و(الكلام النفسانيّ) هذياناً.

كانت ولادة أبي الحسن الأشعريّ سنة ٢٦٠هـ. وكان حتّى الأربعين من عمره تقريباً يحضر درس أبي عليّ الجبّائيّ، أي حتّى أوائل القرن الرابع. وكان من أتباعه في الاعتزال، ثمّ فارقه بعد ذلك التاريخ، وبثّ مقالاته الخاصّة به، وأنشأ المذهب الأشعريّ.

ويتبيّن من هذا أنّ الأشاعرة لم يكونوا ينشطون حتّى زهاء سنة ٣٠٠هـ، بل إلى مدّةٍ بعدها، ولم ينشروا آراءهم الخاصّة فيردّ عليها أحد. ومن الأدلّة على ذلك أنّنا لا نلحظ في فهرست الكتب الكلاميّة لأبي سهل النوبختيّ وأبي محمّد الحسن بن

____________________

١ - (المسألة التاسعة) من (المقصد الخامس)، من متن كتاب الياقوت. قال الشيخ المفيد في كتاب أوائل المقالات: (وأحدث رجلٌ من أهل البصرة يعرف بالأشعريّ قولاً خالف فيه جميع ألفاظ الموحّدين ومعانيهم فيما وصفناه. وزعم أنّ لله عزّ وجلّ صفات قديمة وأنّه لم يزل بمعنى لا هي هو ولا غيره، من أجلها كان مستحقّاً للوصف بأنّه عالم حيّ قادر سميع بصير متكلّم مريد. وزعم أنّ لله وجهاً قديماً وسمعاً قديماً وبصراً قديماً ويدَين قديمتين، وأنّ هذه كلّها أزليّة قدماء. وهذا قولٌ لم يسبقه إليه أحدٌ من منتحلي التوحيد فضلاً عن أهل الإسلام). وقد تفضّل الأخ شيخ الإسلام الزنجانيّ باستنساخ هذه الفقرة وإرسالها إليّ. انظر: الملل والنحل ٦٦-٦٧.

٢ - المسألة الثالثة، المقصد السابع؛ كان بعض علماء الكلام يرى أنّ عجائب هذا الفنّ ثلاث: القول بالطفرة عن النظّام (الملل والنحل ٣٨)، والقول بالأحوال عن أبي هاشم الجبّائيّ (نفسه ٥٧)، والقول بالكسب عن أبي الحسن الأشعريّ (نفسه ٦٨-٦٩). وقال أحد الشعراء في ذلك:

ممّا يُقال ولا حقيقة تَحتهُ

مَعقولةً تدنو إلى الأفهامِ

الكَسبُ عند الأشعريّ، والحالُ عن

د الهاشمي، وطفرة النظّامِ!

(منهاج السنّة ١: ١٢٧)

ولعلّ الصحيح في عجز البيت الثاني هو (البهشميّ) مكان (الهاشميّ)، وذلك منسوب إلى أبي هاشم.

والبهشميّة اسم لفرقة كانت تتبنّى عقائده (انظر: الملل والنحل ٥٤، والأنساب للسمعانيّ f. ٩٦ b).

٣ - المسألة السادسة، المقصد الخامس، الملل والنحل ٦٨.

٢٠٢

موسى كتاباً أو إشارة في ردّ عقائد الأشعريّ، في حين كان معاصراً لهما. ولعلّه لم ينشر آراءه كما ينبغي في حياتهما التي لم تتجاوز سنة ٣١١هـ. وفي أقرَب الاحتمالات أنّه قام بذلك في الفترة الأخيرة من عمره، أي: بين سنة ٣١٠ و٣٢٤هـ.

ويبدو أنّ أبا إسحاق النوبختيّ ردّ على عقائد الأشعريّ بعد تلك الفترة. وإذا لم يكن عصره بعد عصر الأشعريّ فإنّه أدرك الفترة الأخيرة من عمره. ويُستشفّ من إشارات العلاّمة الحلّيّ في أنوار الملكوت أنّ عصر أبي إسحاق كان متقدّماً على عصر الشريف المرتضى علم الهدى (٣٥٥-٤٣٦هـ)، وأبي الحسين محمّد بن عليّ البصريّ المعتزليّ (المتوفّى سنة ٤٣٦هـ). وهذان المتكلّمان الكبيران وافقا أبا إسحاق في بعض آرائه، وخالفاه في بعضها الأخر.

ثالثاً: سنرى فيما نذكره من شرح أنّ مؤلّف الياقوت قام بنقض القول المشهور لأبي بكر محمّد بن زكريّا الرازيّ في اللذّة؛ ولهذا لا يمكن أن يكون عصره متقدّماً على عصر محمّد بن زكريّا الذي توفّي سنة ٣٢٠هـ.

إنّ إيجاز كتاب الياقوت، وصعوبة فهمه، وغاية اختصاره، كلّ أولئك دليل على قِدَمِه. ويظهر أنّه صُنِّف قبل كتب الشيعة الكلاميّة المفصّلة. وهو من النماذج التي احتذاها الشيخ المفيد، والشريف المرتضى، والشيخ الطوسيّ في كتبهم.

وكان في الأسرة النوبختيّة رجلٌ يسمّى إبراهيم. وهو والد أحمد بن إبراهيم، وأبي جعفر عبد الله بن إبراهيم. وكان أحمد بن إبراهيم كاتباً عند الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح. وكان حيّاً مع أخيه حين وفاة الشيخ أبي جعفر العمريّ النائب الثاني للإمام المهديّعليه‌السلام في سنة ٣٠٤ أو ٣٠٥هـ(١) . ولكن هل كان إبراهيم هذا هو مؤلّف كتاب الياقوت نفسه؟ والجواب هو ربّما كان ذلك، ولكن هذا نستبعده؛ لأنّ

____________________

١ - غيبة الطوسيّ ٢٤٢ و٢٤٣.

٢٠٣

عصره متقدّم على سنة ٣٠٤ و٣٠٥هـ. ولا يُعْلَم ما إذا كان حيّاً أيّام انتشار مقالات الأشعريّ وشيوع مذهبه حتّى يتسنّى له أن يؤلّف كتاب الياقوت يومئذٍ وينقض أقوال الأشاعرة.

كتاب أنوار الملكوت

أوّل من شرح كتاب الياقوت، فيما أعلم، هو ابن أبي الحديد المعتزليّ. ويَبدو أنّ هدفه من وراء ذلك هو دعم أفكاره الاعتزاليّة ودحض بعض مقالات الإماميّة في المسائل الكلاميّة، كما هو دأبه في شرح نهج البلاغة وشرح كتاب الذريعة إلى أُصول الشريعة(١) للشريف المرتضى علم الهدى، بَيْد أنّنا لا نجد لهذا الشرح من أثر. والشرح الذي وصل إلينا - من حسن الحظّ - هو شرح العلاّمة الحلّيّ المسمّى أنوار الملكوت في شرح الياقوت. وفيما يأتي قسم من مقدّمة الكتاب المذكور الذي صُنِّف سنة ٦٨٤هـ:

(... وقد صنّف العلماء في ذلك كثيراً من المبسوطات وأطنبوا القول فيه بكتب مختصرات ومطوّلات، إلاّ أنّهم لم يَسلَموا من زيغ في تلك الإيرادات ولم يخلصوا من خطأ في بعض الاعتقادات. وقد صنّفنا في ذلك كتباً متعدّدة أوضحنا فيها سبيل الرشاد، وهَدَينا إلى طريق السداد، نرجو فيها ذخراً للمعاد. وقد صنّف شيخنا الأقدم وأُستاذنا الأعظم أبو إسحاق إبراهيم بن نوبخت قدّس الله روحه الزكيّة ونفسَه العَليّة مختصراً سمّاه الياقوت. قد احتوى من المسائل على أشرفها وأعلاها، ومن المباحث على أجلّها وأسناها، إلاّ أنّه صغير الحجم كثير العلم مستصعب على الفهم في غاية الإيجاز والاختصار، بحيث يعجز عن حلّه أُولو الأنظار. فرأينا أن نضع هذا الكتاب المرسوم بأنوار الملكوت في شرح الياقوت على

____________________

١ - باسم: الاعتبار.

٢٠٤

ترتيبه ونظمه، مُوضِّحاً لِما التَبَس من مشكلاته، مُبيِّناً لِما استبهم من معضلاته، مع زيادات لم توجد في هذا الكتاب).

ولم يقتصر العلاّمة الحلّيّ في شرح كتاب الياقوت - كما قال - على ترتيب الكتاب الأصليّ ونظمه فحسب، بل نقل عبارات المؤلّف نفسها في البداية ثمّ شرحها. ورفض في بعض المواضع رأي المؤلف القريب من مشرب المعتزلة، وأورد في مقابله رأيه الذي يمثّل عصارة اجتهادات متكلّمي الشيعة بعد الشيخ أبي إسحاق، كالشيخ المفيد، والشريف المرتضى، والشيخ الطوسيّ، والخواجه نصير الدين الطوسيّ وأمثالهم.

إنّ كتاب الياقوت، فيما أعلم، أقدم كتاب كلاميّ موجود للشيعة. وننقل فيما يأتي فهرساً لموضوعاته بالنحو الذي أورده العلاّمة الحلّيّ في أنوار الملكوت نصّاً، ليتبيّن ترتيب المباحث الكلاميّة لمتكلّمي الشيعة يومئذٍ:

المقصد الأوّل في النظر، وفيه ثلاث عشرة مسألة:

المسألة الأُولى: في ماهيّة النظر.

المسألة الثانية: في وجوبه.

المسألة الثالثة: في أنّه مفيد للعلم.

المسألة الرابعة: في أنّ وجوبه عقليّ.

المسألة الخامسة: في أنّه أوّل الواجبات.

المسألة السادسة: في الدليل.

المسألة السابعة: في أنّ الدليل السمعيّ هل يفيد اليقين أم لا.

المسألة الثامنة: في ضبط الاستدلال بالدلائل السمعيّة.

المسألة التاسعة: في حدّ العلم.

المسألة العاشرة: في تقسيم العلم.

المسألة الحادية عشرة: في أنّ العلم بالدليل مغاير للعلم بالمدلول والدلالة.

٢٠٥

المسألة الثانية عشرة: في أنّ النظر يولد العلم.

المسألة الثالثة عشرة: في أنّ المعارف مقدورة لنا.

المقصد الثاني في الجوهر، والعرض، والجسم، وفيه عشرة مسائل:

المسألة الأُولى: في تعريف الجوهر، والعرض، والجسم.

المسألة الثانية: في الجزء الذي لا يتجزّى.

المسألة الثالثة: في تماثل الأجسام.

المسألة الرابعة: في جواز خلوّ الأجسام عن الطعوم والألوان والروائح.

المسألة الخامسة: في أنّ الأجسام مرئيّة.

المسألة السادسة: في إثبات الخلاء.

المسألة السابعة: في تعريف الحركة.

المسألة الثامنة: في تعريف السكون.

المسألة التاسعة: في أنّ حصول الحركة والسكون ليس بمعنى.

المسألة العاشرة: في استحالة الانتقال والبقاء على الأعراض.

المقصد الثالث في أحكام الجواهر والأعراض، وفيه أربع مسائل:

المسألة الأُولى: في حدوث الأجسام.

المسألة الثانية: في إبطال التسلسل.

المسألة الثالثة: في شُبَه الخصوم والردّ عليها.

المسألة الرابعة: في أنّ العالم لا يجب أن يكون أبديّاً.

المقصد الرابع في الموجودات، وفيه سبع مسائل:

المسألة الأُولى: في أنّ الوجود نفس الماهيّة.

المسألة الثانية: في أن المعدوم ليس بشيء.

المسألة الثالثة: في قسمة الوجود إلى القديم والمحدث.

المسألة الرابعة: في أنّ القديم لا يستند إلى المؤثّر.

٢٠٦

المسألة الخامسة: في انقسام الموجود إلى الواجب والممكن.

المسألة السادسة: في خواصّ الواجب لذاته تعالى.

المسألة السابعة: في خواصّ الممكن لذاته.

المقصد الخامس في إثبات الصانع وتوحيده وأحكام صفاته، وفيه تسع عشرة مسألة:

المسألة الأُولى: في إثباته.

المسألة الثانية: في أنّه تعالى قادر.

المسألة الثالثة: في أنّه تعالى عالم.

المسألة الرابعة: في أنّه تعالى حيّ.

المسألة الخامسة: في أنّه تعالى سميع بصير.

المسألة السادسة: في أنّه تعالى مريد.

المسألة السابعة: في أنّه تعالى متكلّم.

المسألة الثامنة: في أنّه تعالى غنيّ.

المسألة التاسعة: في نفي المعاني والأحوال.

المسألة العاشرة: في أنّه تعالى ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض.

المسألة الحادية عشرة: في أنّه تعالى ليس بمتحيّز.

المسألة الثانية عشرة: في أنّه تعالى ليس حالاًّ في غيره.

المسألة الثالثة عشرة: في أنّه تعالى يستحيل قيام الحوادث بذاته تعالى.

المسألة الرابعة عشرة: في أنّه استحالة رؤيته تعالى.

المسألة الخامسة عشرة: في أنّه تعالى قادر على كلّ مقدور.

المسألة السادسة عشرة: في أنّه تعالى عالم بكلّ معلوم.

المسألة السابعة عشرة: في أنّه تعالى واحد.

المسألة الثامنة عشرة: في أنّه إبطال الماهيّة.

٢٠٧

المسألة التاسعة عشرة: في أنّ كلامه تعالى حادث.

المقصد السادس في استناد صفاته إلى وجوبه تعالى، وفيه خمس مسائل:

المسألة الأُولى: في أنّ المؤثّر واجب الوجود لذاته.

المسألة الثانية: في استناد سلب العرضيّة والجسميّة عنه تعالى إلى الوجوب.

المسألة الثالثة: في أنّه تعالى ليس له صفة زايدة على الماهيّة.

المسألة الرابعة: في أنّه يستحيل عليه التغيّر.

المسألة الخامسة: في أنّه تعالى مبتهج بذاته.

المقصد السابع في العدل، وفيه خمس مسائل:

المسألة الأُولى: في التحسين والتقبيح.

المسألة الثانية: في أنّ الله تعالى لا يفعل القبيح.

المسألة الثالثة: في أنّا فاعلون.

المسألة الرابعة: في أنّه تعالى لا يريد القبيح.

المسألة الخامسة: في المتولّدات.

المقصد الثامن في الآلام والأعواض، وفيه ثمان مسائل:

المسألة الأُولى: في الوجه الذي يقبح له الألم.

المسألة الثانية: في الوجه الذي يحسن به الألم.

المسألة الثالثة: في الوجه الذي يحسن منه تعالى فعل الألم به.

المسألة الرابعة: في إبطال قول البكريّة والتناسخيّة.

المسألة الخامسة: في إثبات العوض على الله تعالى.

المسألة السادسة: في الانتصاف.

المسألة السابعة: في انقطاع العوض.

المسألة الثامنة: في أنّ العوض (لا يسقط) بالهبة والإبراء.

٢٠٨

المقصد التاسع في أفعال القلوب ونظائرها، وفيه اثنتا عشرة مسألة:

المسألة الأُولى: في العلم.

المسألة الثانية: في جواز تعلّق العلم بمعلومين.

المسألة الثالثة: في اختلاف العلوم باختلاف المعلومات.

المسألة الرابعة: في مباحث متعلّقة بالإرادة.

المسألة الخامسة: في إبطال كلام النفس.

المسألة السادسة: في حدّ اللذّة والألم.

المسألة السابعة: في ماهيّة القدرة.

المسألة الثامنة: في أنّ القدرة قبل الفعل.

المسألة التاسعة: في تعلّق القدرة بالضدّين.

المسألة العاشرة: في متعلّق القدرة.

المسألة الحادية عشرة: في أنّ القدرة غير موجبة للفعل.

المسألة الثانية عشرة: في أنّ القدرة غير باقية.

المقصد العاشر في التكليف، وفيه أربع مسائل:

المسألة الأُولى: في شروطه.

المسألة الثانية: في ماهيّة الإنسان.

المسألة الثالثة: في بيان حسن التكليف.

المسألة الرابعة: في استحالة تكليف ما لا يُطاق.

المقصد الحادي عشر في الألطاف، وفيه خمس مسائل:

المسألة الأُولى: في حدّه.

المسألة الثانية: في وجوبه.

المسألة الثالثة: في أنّه لا يجوز فعل اللطف بالقبيح.

المسألة الرابعة: في أنّه تعالى لا يحسن منه العقاب عند منع اللطف.

٢٠٩

المسألة الخامسة: في الأصلح في الدنيا.

مسائل أربع في التوحيد

المسألة الأُولى: في كونه عالماً في الأزل.

المسألة الثانية: في كونه تعالى قادراً في الأزل.

المسألة الثالثة: في كونه حيّاً أزليّاً.

المسألة الرابعة: في الجواب عن كلام هشام.

المقصد الثاني عشر في اعتراضات الخصوم في التوحيد والعدل والجواب عنها، وفيه ستّ مسائل:

المسألة الأُولى: في الاعتراض على القدرة والجواب عنه.

المسألة الثانية: في تحقيق معنى كَونه تعالى سمعياً بصيراً.

المسألة الثالثة: في كونه تعالى مريداً.

المسألة الرابعة: في إبطال قِدم الكلام.

المسألة الخامسة: في إبطال دليل الأشاعرة في الرؤية.

المسألة السادسة: في جواب شبهة المجبّرة في التحسين والتقبيح.

المقصد الثالث عشر في الوعد والوعيد، وفيه إحدى عشرة مسألة:

المسألة الأُولى: في أنّ وجوب الثواب والعقاب سمعيّ.

المسألة الثانية: في إبطال الإحباط.

المسألة الثالثة: في أنّ عقاب الفاسق منقطع.

المسألة الرابعة: في إثبات الشفاعة.

المسألة الخامسة: في عدم وجوب قبول التوبة.

المسألة السادسة: في أنّ التوبة واجبة.

المسألة السابعة: في أنّ التوبة يصحّ من قبيحٍ دون قبيح.

المسألة الثامنة: في أنّ المؤمن لا يكفر.

٢١٠

المسألة التاسعة: في الفاسق يسمّى مؤمناً وبيان ماهيّة الإيمان.

المسألة العاشرة: في إثبات الصراط والميزان وغيرهما من السمعيّات.

المسألة الحادية عشرة: في اعتراضات الخصوم على مسائل الوعد والوعيد.

المقصد الرابع عشر في النبوّات، وفيه عشرون مسألة:

المسألة الأُولى: في جواز البعثة.

المسألة الثانية: في شرائط المعجز.

المسألة الثالثة: في إثبات نبوّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

المسألة الرابعة: في جواز الكرامات.

المسألة الخامسة: في أنّ الأنبياء أشرف من الملائكة.

المسألة السادسة: في الاعتراضات على النبوّة والجواب عنها.

المسألة السابعة: في الإعادة وأحكامها.

المسألة الثامنة: في بقاء الجواهر.

المسألة التاسعة: في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكَر.

المسألة العاشرة: في الآجال.

المسألة الحادية عشرة: في الأسعار.

المسألة الثانية عشرة: في الأرزاق.

المسألة الثالثة عشرة: في بيان عصمة الأنبياء.

المسألة الرابعة عشرة: في الردّ على اليهود.

المسألة الخامسة عشرة: في الردّ على النصارى.

المسألة السادسة عشرة: في الردّ على المنجّمين.

المسألة السابعة عشرة: في إبطال قول الثنويّة.

المسألة الثامنة عشرة: في الردّ على المجوس.

المسألة التاسعة عشرة: في الردّ على عبدة الأصنام.

٢١١

المسألة العشرون: في الردّ على الغلاة.

المقصد الخامس عشر في الإمامة، وفيه: اثنتا عشرة مسألة:

المسألة الأُولى: في أنّها واجبة.

المسألة الثانية: في وجوب العصمة.

المسألة الثالثة: في باقي صفات الإمام.

المسألة الرابعة: في وجوب النصّ.

المسألة الخامسة: في جواب الاعتراضات على ما تقدّم.

المسألة السادسة: في تعيين الإمام.

المسألة السابعة: في الجواب عن اعتراضات الخصوم.

المسألة الثامنة: في النصّ الخفيّ.

المسألة التاسعة: في تتّبع اعتراضات الخصوم.

المسألة العاشرة: في نصوص دالّة على إمامته.

المسألة الحادية عشرة: في إمامة باقي الأئمّة الاثني عشر.

المسألة الثانية عشرة: في حكم المخالفين.

ويبدو أنّ كتاب الياقوت لم يكن كثير الاشتهار بين الشيعة حتّى عصر العلاّمة الحلّيّ مع وجود شرح ابن أبي الحديد. وزاد الاهتمام به وبمؤلّفه بعد انتشار كتاب أنوار الملكوت، وأصبح الاقتباس منه وشرح موضوعاته ونقل أقوال مؤلّفه أموراً مألوفةً. ومن ذلك ما قام ابن أُخت العلاّمة الحلّيّ - وهو السيّد عميد الدين عبد المطّلب الحسينيّ الحلّيّ (٦٨١-٧٥٤هـ) - من شرح الكتاب المذكور. وقضى بين المؤلّف الأصليّ أبي إسحاق والشارح، أي: العلاّمة الحلّيّ(١) .

ونظم الشيخ شهاب الدين إسماعيل بن الشيخ شرف الدين أبي عبد الله

____________________

١ - روضات الجنّات ٣٧٥.

٢١٢

العُوديّ العامليّ كتاب الياقوت في أرجوزة. وكان هذا الشيخ من أدباء جبل عامل وشعرائه. وعاش قبل سنة ١٠٩٧هـ، وهي سنة تأليف كتاب أمل الآمل(١) . وكان أحد علماء الشيعة قد رتّب مختارات من شرح الياقوت(٢) .

كتاب الابتهاج

كان للشيخ أبي إسحاق النوبختيّ كتاب آخر في أحد المباحث الكلاميّة تحت عنوان الابتهاج، أشار إليه المؤلّف نفسه في كتاب الياقوت. وذكر العلاّمة الحلّيّ أنّ الكتاب لم يصل إليه.

موضوع الكتاب إثبات اللذّة والسرور والابتهاج للباري تعالى. وهو الموضوع الذي نفاه المتكلّمون جميعاً، وجهد الفلاسفة في إثباته. ووافقهم الشيخ أبو إسحاق على ذلك خلافاً لمتكلّمي الشيعة وغيرهم. قال الفلاسفة: (واعلم أنّ كلّ خير مؤثّر وإدراك المؤثّر من حيث هو مؤثّر حبّ له، والحبّ إذا أفرط سُمّي عشقاً. وكلّما كان الإدراك أتمّ والمدرك أشدّ خيريّة كان العشق أشدّ. والإدراك التامّ لا يكون إلاّ مع الوصول التامّ، ويكون ذلك على ما مرّ لذّة تامّة وابتهاجاً تامّاً. فإذن العشق الحقيقيّ هو الابتهاج بتصوّر حضور ذاتٍ ما هي المعشوقة. ثمّ لمّا كان الشوق عندنا من لوازم العشق وربّما يشتبه أحدهما بالآخر أشار إلى الشوق أيضاً, وذكر أنّه الحركة إلى تتميم هذا الابتهاج. ولا يتصوّر ذلك إلاّ إذا كان المعشوق حاضراً من وجه، غائباً من وجه. ثمّ أثبت العشق الحقيقيّ للأوّل تعالى لحصول معناه هناك، فإنّه الخير المطلق وإدراكه لذاته أتمّ الإدراك... فإذن يجوز أن يكون

____________________

١ - أمل الآمل ٤٢٨ (ذيل رجال الاسترآباديّ) وص ٧ (ذيل رجال أبي عليّ). وورد فيهما اسم الشاعر سهواً على أنّه أحمد، في حين جاء في مخطوطة أمل الآمل العائدة لي - التي تمّ استنساخها من النسخة المكتوبة بخطّ المؤلّف سنة ١٢٠٥هـ، وفي كتاب الحجب والأستار ٣٨ أنّ اسمه: إسماعيل.

٢ - بحار الأنوار ٢٦: ١٧٣.

٢١٣

إدراك الغير موجباً للحبّ وإدراكه تعالى غير موجب له. والجواب: إنّ الحبّ ليس هو الإدراك فقط، بل هو إدراك المؤثّر من حيث هو مؤثّر. وإدراك الكمال إنّما يوجب حبّه لكون الكمال مؤثّراً. ولمّا كان الكمال وإدراكه موجودَين للأوّل تعالى حكموا بثبوت الحبّ هناك)(١) .

هذا القول - أعني: إثبات السرور واللذّة لله تعالى - هو قول الفلاسفة كما أشرنا، بَيْد أنّهم استعملوا كلمة (الابتهاج) مكان (اللذّة) و(السرور) المتداولتين وكانوا يَرَون أنّ إثبات ذلك بمنزلة إثبات النقص لله تعالى، ويقولون إنّ اللّذة من توابع اعتدال المزاج ولا تصحّ نسبتها إلى الله تعالى الذي لا يُنسَب إليه المزاج. يضاف إلى ذلك أنّنا إذا اعتبرنا اللذّة قديمة أو حادثة، فهي في الحالة الأُولى تتنافى مع الأزليّة الإلهيّة، وفي الحالة الثانية تجعل الله تعالى محلاًّ للحوادث.

على الرغم من هذا الاعتراض الذي أبداه معظم المتكلّمين فإنّ الفلاسفة وعدداً من أهل الكلام أجابوا عن الاعتراضات المتقدّمة وقاموا بإثبات السرور والابتهاج، بل الغمّ والألم لله تعالى بالأدلّة العقليّة والنقليّة. وكان أبو شعيب - وهو من قدماء المعتزلة - يرى استناداً إلى بعض الآيات القرآنيّة أنّ السرور والغمّ والغَيرة والأسف أمورٌ ثابتة لله تعالى بَيد أنّ سائر المتكلّمين كانوا يؤوّلونها بوجوه أُخرى. وكان حجّة الله الإمام محمّد الغزاليّ - أحد متكلّمي الأشاعرة - يجيز إثبات اللذّة لله تعالى(٢) . وكان لابن أبي الحديد الذي شرح كتاباً آخر للشيخ أبي إسحاق النوبختيّ - هو كتاب الياقوت - رأي في مبحث اللذّة والألم ونسبتهما إلى الباري تعالى، وكتب رسالة أُخرى في هذا الموضوع(٣) لكنّها ليست في متناول

____________________

١ - شرح الإشارات، النمط الثامن، نصير الدين الطوسيّ.

٢ - شرح نهج البلاغة ١: ٢٩٧.

٣ - نفسه ١: ٤٧٥.

٢١٤

أيدينا. ونحتمل أنّ هذه الرسالة شرح لكتاب الابتهاج، ومن قبيل ردّ آرائه. ونقل أبو إسحاق النوبختيّ في كتاب الياقوت، في مبحث اللذّة والألم وإثبات الابتهاج لذات الباري تعالى، قول أبي بكر محمّد بن زكريّا بن يحيى الرازيّ الطبيب والفيلسوف المعروف الذي توفّي - في أصحّ الأقوال - سنة ٣٢٠هـ، في باب اللذّة و ردّ عليه. ومع أنّ اسم الرازيّ غير مذكور في كتاب الياقوت إلاّ أنّ العلاّمة الحلّيّ أشار في شرح الكتاب إلى نسبة ذلك الرأي إليه. وكان الرازيّ الذي يُعدّ من أنصار فورون اللّذيّ(١) في هذا الرأي قد أخذه من الفلاسفة الإغريق الشكّاكين في القرن الثالث قبل الميلاد، وهو مذكور في الكتب الأُخرى باسمه أيضاً(٢) .

ونقض ناصر خسرو في كتاب زاد المسافرين أقوال محمّد بن زكريّا مراراً، وقال في ردّ رأيه في اللذّة: (قال هذا الرجل [محمّد بن زكريّا] في بداية مقالته: إنّ اللذّة الحسّيّة ليست إلاّ الراحة من المشقّة، والمشقّة ليست إلاّ الخروج من الطبيعة، واللذّة ليست إلاّ الرجوع إلى الطبيعة، والرجوع إلى الطبيعة ليس إلاّ الخروج من المشقّة)(٣) .

ولا يتّفق هذا الرّأي مع رأي الفلاسفة الأوائل ومتكلّمي المعتزلة؛ لأنّ هؤلاء يقولون: (الألم إدراك المنافر أو المنافي واللذّة إدراك الملائم)(٤) . وقال أبو إسحاق النوبختيّ في كتاب الياقوت: (الألم إدراك المنافي واللذّة إدراك الملائم، وليس الخلاص من الألم كلذّة المبصر مبتدأً لصورة جميلة).

الشقّ الأوّل من هذا الكلام تعريف للّذّة والألم حسب رأي جمهور الفلاسفة والمعتزلة. والشقّ الثاني منه قول محمّد بن زكريّا الذي ردّ عليه أبو إسحاق بدليلٍ

____________________

١ - pyrrhon.

٢ - مختصر الدول ٧٧؛ القفطيّ ٢٦٠؛ زاد المسافرين ٢٣١-٢٤٤.

٣ - زاد المسافرين ٢٣١.

٤ - التعريفات ١٥، ٨٣؛ مجمع البحرين ٢٤٨.

٢١٥

أتى به. و ذكر أنّ اللّذّة قد تظهر بدون أن يسبقها ألم، كما لو أريت صورة جميلة لأحد بدون أن يُمنى بألم الشوق سابقاً فإنّه يلتذّ برؤيتها، وحينئذٍ ليس في هذه الصورة لذّة الراحة من الألم والخلاص منه.

وكان محمّد بن زكريّا قد كتب مقالة مستقلّة في شرح اللّذّة وأراد أن يثبت أنّ اللّذّة قسم من أقسام الراحة، داخلة في ذيله(١) . ولم تَرُق هذه المقالة متكلّمي عصره وفلاسفته، حتّى نقضها في حياته الفيلسوف والشاعر الفارسيّ أبو الحسن شهيد بن حسين البلخيّ الذي سبق الشاعر الرودكيّ، أي: قبل سنة ٣٢٩هـ، وتوفّي - على قولٍ - سنة ٣٢٥هـ، وكان يتّبع المتكلّم المعتزليّ المعروف أبا القاسم عبد الله بن أحمد الكعبيّ البلخيّ في الفلسفة. وكتب ابن زكريّا نقضاً على نقض شهيد البلخيّ(٢) .

إنّ ذكرنا لرأي محمّد بن زكريّا في باب اللّذّة وردّه من قبل أبي إسحاق النوبختيّ دليل آخر على أنّ مؤلّف كتاب الياقوت كان ممّن عاش بعد زمان ابن زكريّا أو في الأقلّ كان من معاصريه في القسم الأخير من حياته.

____________________

١ - عيون الأنباء في طبقات الأطبّاء ١: ٣١٥؛ زاد المسافرين٢٣٥.

٢ - الفهرست ٣٠١؛ القفطيّ ٢٧٥.

٢١٦

الفصل التاسع

أبو يعقوب إسحاق بن إسماعيل (المقتول سنة ٣٢٢هـ)

ونجله أبو الفضل يعقوب

كان لأبي سهل إسماعيل بن علي المتكلّم المعروف ولد آخر غير أبي الحسن عليّ الذي مرّت بنا ترجمته في ذيل سيرة أبيه المذكورة في الفصل السادس، وأصبح أشهر من أخيه بسبب نفوذه في جهاز الخلافة وتدخّله في الأعمال الديوانيّة والإداريّة.

ومن المؤسف أنّ تعيين نسب عدد من آل نوبخت وزمانهم أمر عسير، كما أنّ التحقيق الصحيح في ذلك يبدو متعذّراً. ويعود ذلك إلى قلّة المعلومات المفصّلة المنظّمة حول ترجمة أشخاص عديدين منهم، وإلى تعدّد الأسماء المشتركة في هذه الأُسرة، فالطريق مفتوح للحدس والتخمين والوقوع في الخطأ. من هنا لا نطمئنّ إلى أنّنا سنكون مصونين من الخبط في إلحاق نسب بعض الأشخاص غير المشهورين من آل نوبخت بالمشاهير الذين سبقوهم، مع عنائنا الكبير، وتدقيقنا، واحتياطنا في البحث. ولن يتيسّر تحديد صحّة أو سقم بعض هذه الفقرات التي نظّمناها من وحي الاضطرار حدساً وظنّاً إلاّ بالحصول على معلومات أُخرى.

٢١٧

وحينئذٍ تكتمل هذه الرسالة التي هي بمنزلة التمهيد لبحث مفصّل في هذا الموضوع، وتصحّح أخطاؤها بمساعدة العلماء الآخرين وجهودهم.

وكان بين آل نوبخت رجل آخر يُدعى إسحاق بن إسماعيل بن نوبخت وهو من أصحاب الإمام أبي الحسن عليّ بن محمّد الهاديعليه‌السلام (٢١٤-٢٥٤هـ)(١) ومن الطبيعيّ أنّ هذا الرجل لا يمكن أن يكون أبا يعقوب إسحاق بن إسماعيل بن إسحاق بن أبي سهل بن نوبخت المقتول سنة ٣٢٢هـ المترجَم له في هذا الفصل؛ لأنّ المدّة الواقعة بين وفاة الإمام العاشرعليه‌السلام وقتل أبي يعقوب إسحاق بن إسماعيل قرابة سبعين سنةً. ومن المستحيل أن يكون الولد من أصحاب الإمامعليه‌السلام في حين كان عمر أبيه أبي سهل إسماعيل سبع عشرة سنةً عند وفاة الإمامعليه‌السلام (كانت ولادة أبي سهل إسماعيل سنة ٢٣٧هـ كما مرّ بنا).

وإسحاق بن إسماعيل بن نوبخت هذا الذي عدّه مؤلّفو كتب الرجال من أصحاب الإمام الهاديعليه‌السلام لا يمكن أن يكون إلاّ إسحاق بن إسماعيل بن أبي سهل بن نوبخت، وهو ابن إسماعيل نديم أبي نواس وجامع ديوانه وأخباره، وقد استعرضنا سيرته في سياق ترجمة أولاد ابي سهل بن نوبخت. وكان لإسحاق بن إسماعيل هذا ولد أيضاً يُدعى يعقوب، ذكره المرزبانيّ باسم يعقوب بن إسحاق بن إسماعيل بن أبي سهل بن نوبخت. وكان معاصراً للمتكلّم المعروف أبي محمّد الحسن بن موسى (المتوفّى في إحدى السنوات الواقعة بين سنة ٣٠٠ وسنة ٣١٠هـ) ونقل عنه أبو محمّد خبراً حول أبي نواس كان يعقوب قد سمعه من جدّه إسماعيل بن أبي سهل بن نوبخت(٢) . ويبدو أنّ يعقوب بن إسحاق هذا هو الذي روى خبراً صغيراً من أخبار الإمام الرّضاعليه‌السلام (٣) . ولمـّا كان المرزبانيّ قد ذكر نسبه كلّه،

____________________

١ - رجال الاسترآباديّ ٥١؛ رجال التفرشيّ ٣٩ وغيرهما، نقلاً عن رجال الطوسيّ.

٢ - الموشّح ٢٧٤.

٣ - مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب ٥: ٩٥.

٢١٨

فلا يبقى شكّ في أنّه من فرع آخر من فروع آل نوبخت - أي: من أولاد إسماعيل بن أبي سهل بن نوبخت - لا من أعقاب أبي سهل إسماعيل بن عليّ وأخلافه. وكلّهم أولاد إسحاق بن أبي سهل بن نوبخت. ومن الطبيعيّ أنّنا ينبغي أن نتنبّه إلى أنّ يعقوب بن إسحاق بن إسماعيل بن أبي سهل بن نوبخت هو غير أبي الفضل يعقوب بن إسحاق بن أبي سهل إسماعيل بن عليّ بن إسحاق بن أبي سهل بن نوبخت الذي سنشير إلى ترجمته في ذيل هذا الفصل؛ لأنّ موضوع هذا الفصل هو أبو الفضل يعقوب بن إسحاق بن أبي يعقوب إسحاق. وسنذكر أنّه كان من عمّال السلاطين وكتّابهم، ومن الذين مدحهم البحتريّ الشاعر المشهور.

وكان لإسحاق بن إسماعيل بن أبي سهل بن نوبخت - الذي كان من أصحاب الإمام الهاديعليه‌السلام - ولدان آخران غير يعقوب المارّ ذكره. أحدهما: عليّ بن إسحاق بن إسماعيل الذي روى طَرَفاً من أخبار أبي نواس(١) ، وهو غير عليّ بن إسحاق بن أبي سهل والد المتكلّم الشهير أبي سهل إسماعيل، وإن كان اسم جدّه إسماعيل. والآخر: الحسن بن إسحاق الكاتب الذي كان ولداه أحمد ومحمّد قد تقارن زمانهما مع بداية الغيبة الصغرى، وممّن كانا قد رأيا الإمام القائمعليه‌السلام قبل الغيبة(٢) .

وبعد ذكر هذه المقدّمات التي رأينا ضرورة بيانها رفعاً للخلط والالتباس، نستعرض فيما يأتي ترجمة أبي يعقوب إسحاق بن أبي سهل إسماعيل بن عليّ بن إسحاق بن أبي سهل بن نوبخت الذي كان من مشاهير الكتّاب في البلاط العبّاسيّ، وممّن مدحهم البحتريّ.

إنّ أوّل مرّة ذكر التاريخ فيها إسحاق بن إسماعيل هي سنة ٣١٢هـ. أي: بعد وفاة أبيه أبي سهل إسماعيل بسنةٍ. بَيْد أنّ الثابت هو أنّ إسحاق وابنه أبا الفضل يعقوب

____________________

١ - أخبار أبي نواس ١: ١٥٦.

٢ - كمال الدين وتمام النعمة ٢٤٦.

٢١٩

كانا من ذوي الشأن والنفوذ ومن أعيان البلاط والعاملين في الدواوين قبل هذا التاريخ بمدّة، لأنّ البحتريّ الذي مات سنة ٢٨٣ أو ٢٨٤هـ كان قد مدحهما. ويُستشفّ من إحدى مدائح البحتريّ أنّ أبا يعقوب إسحاق بن إسماعيل كان مكلّفاً بمهمّةٍ في أطراف العواصم(١) وقنِّسرين، إذ طهّر حدود قنّسرين من رجلٍ معتدٍ وأراح الرعيّة منه، وجمع الناس بعد فُرقتهم وعامَلَهم بالعدل والإنصاف وكان البحتريّ أحدهم، فقال في قصيدةٍ له مشيراً إلى ذلك:

إنّ العواصمَ قد عُصِمْنَ بأبيضٍ

ماضٍ كصَدرِ الأبيضِ المسلولِ(٢)

أعطى الضَعيفَ مِنَ القويِّ وَرَدَّ مِنْ

نَفْسِ الوحيدِ ومنَّةِ المخذولِ

عزَّ الذليلُ وَقَد رآكَ تَشُدُّ مِن

وَطْءٍ عَلى نَفْسِ العزيزِ ثقيلِ

ورَحضتَ قِنِّسرين حتّى أُنقِيَتْ

جَنَباتُها مِن ذلكَ البِرطيلِ

وكَمَعْتَ شِدقَ الآكِلِ الذَّرْبِ الشَّبَا

حتى حَمَيتَ جُزارَةَ المأكولِ

أحكمتَ ما دَبَّرْتَ بالتقريب

والتبعيدِ والتصعيبِ والتسهيلِ

لو لا التَّبايُنُ في الطَّبائعِ لم يَقُمْ

بُنيانُ هذا العَالَمِ المجبولِ

قولٌ يُتَرجِمُهُ الفِعال وإِنَّما

يُتَتَهَّمُ التّنزيلُ بالتّأويلِ

ماذا نَقُولُ وقَد جَمَعتَ شتاتَنا

وأتَيتَنا بِالعَدلِ والتعديلِ(٣) ؟!

وهذه المهمّة التي نأسف أنّنا لا نعلم متى تحقّقت وما هو موضوعها كانت - حسب ما تفيده القرائن - في أواخر عمر البحتريّ الذي كان يعيش يومئذٍ في أطراف العواصم، وتوفّي في حلب أو مَنْبج سنة ٢٨٣ أو ٢٨٤هـ.

وليس لدينا اطّلاع على حياة أبي يعقوب إسحاق منذ وفاة البحتريّ حتّى سنة

____________________

١ - كانت العواصم مجموعة قلاع بين حلب وأنطاكية، وهي واقعة بين أراضي المسلمين والمناطق الخاضعة لنفوذ النصارى. وكانت ملجأً للمسلمين عند عودتهم من جهاد النصارى.

٢ - هذه الأبيات من قصيدة في مدح أبي يعقوب إسحاق. وقد ذكرنا قسماً منها في الصفحات الأُولى من الكتاب.

٣ - ديوان البحتريّ ١٧٨-١٧٩.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288