آل نوبخت

آل نوبخت20%

آل نوبخت مؤلف:
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 288

آل نوبخت
  • البداية
  • السابق
  • 288 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 90164 / تحميل: 9180
الحجم الحجم الحجم
آل نوبخت

آل نوبخت

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

لا شك أنّ هذا الاختلاف لا يرتبط بذات الكون وذات الحوادث والظواهر، بل هو مرتبط بسعة رؤية الناظر إن كان محيطاً، تلك السعة التي تمكّنه من مشاهدة كل نقوش البساط وألوانه، وكل تموّجات النهر وتعرّجاته، وكل عربات القطار دفعة واحدة كما في الأمثلة السابقة.

في حين أنّ فقدان هذه السعة في رؤية الشخص الآخر يجعله لا يرى في كل لحظة إلّا حادثة واحدة فقط، وإلاّ تموّجاً واحداً من النهر، وإلاّ لوناً واحداً من ألوان البساط.

ومن هذا البيان يتبيّن أنّه ليس للعالم وجهان ونشأتان :

نشأة باسم الباطن.

وأُخرى باسم الظاهر.

وبعبارة أُخرى انّه ليس للظواهر والحوادث مرحلتان :

مرحلة الوجود الجمعي الدفعي.

ومرحلة الوجود التدريجي.

بل ليس للظاهرة ـ في الحقيقة ـ تحقّقان ووجودان إنّما هو وجود واحد، وتحقّق واحد، يرى تارة في صورة المجتمع، وأُخرى في صورة المتفرّق.

وأمّا الاختلاف ـ لو كان ـ فهو يرجع إلى قدرة الملاحظ وسعة نظرته وضيقها، وليس إلى ذات الحوادث والظواهر.

٢. انّ حضور الحوادث والظواهر عند الله دليل على علم الله بها جميعاً، لأنّ حقيقة العلم ليست إلّا حضور المعلوم عند العالم وحيث إنّ موجودات العالم من

١٠١

فعله سبحانه وقائمة به فهي إذن حاضرة لديه.

ونتيجة هذا الحضور ليست سوى علم الله بها ولكن لا يدل مثل هذا الحضور على علم الموجودات هي بالخالق الواحد سبحانه.

وبعبارة أُخرى لو كان هدف الآية هو بيان أنّ الله أخذ من بني آدم « الإقرار » بربوبيته والشهادة بها من جهة حضور هذه الموجودات لدى الله ـ كما تفيده هذه النظرية ـ يلزم علم الله بهذه الموجودات والحوادث لا علم هذه الحوادث والموجودات بالله تعالى، فلا يتحقّق معنى الشهادة والإقرار.

فإنّه ربّما يتصور إنّ حضور الأشياء عند الله كما يستلزم علمه بها، كذلك يستلزم علم تلك الموجودات بالله.

ولكن هذا وهم خاطئ وتصور غير سليم، لأنّ الحضور إنّما يكون موجباً للعلم إذا اقترن بقيام الشيء بالله وإحاطته سبحانه بذلك الشيء، ومثل هذا الملاك موجود في جانب الله حيث إنّه قيوم [ تقوم به الأشياء ]محيط بالكون في حين أنّه لا يوجد هذا الملاك في جانب الموجودات، لأنّها محاطة وقائمة بالله ( أي ليست محيطة بالله ولا أنّ الله سبحانه قائم بها حتى تعلم هي به تعالى ).

٣. انّ هذا التوجيه والتفسير لآية الميثاق بعيد عن الأذهان العامة، ولا يمكن إطلاق اسم التفسير عليه، بل هو للتأويل أقرب منه إلى التفسير.

نعم غاية ما يمكن قوله هو أنّ هذه النظرية تكشف عن أحد أبعاد هذه الآية، لكنَّه ليس البعد المنحصر والوحيد.

هذا مضافاً إلى أنّ ألفاظ هذه الآية مثل قوله:( وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ ) ونظائره الذي هو بمعنى أخذ الشهادة والاعتراف والإقرار لا يتلاءم ولا ينسجم

١٠٢

مع هذا التفسير.

النظرية الرابعة

وتظهر هذه النظرية من الشريف المرتضى في أماليه، وإليك نص ما قاله الشريف بلفظه:(١)

إنّ الله تعالى إنّما عنى جماعة من ذرية بني آدم خلقهم وبلّغهم وأكمل عقولهم وقرّرهم على ألسن رسله: بمعرفته وما يجب من طاعته، فأقرّوا بذلك، وأشهدهم على أنفسهم به لئلاّ يقولوا يوم القيامة:( إِنَّا كُنَّا عَنْ هٰذَا غَافِلِينَ ) أو يعتذروا بشرك آبائهم.

وحاصل هذا الكلام وتوضيحه أنّ الله تعالى أخذ الاعتراف من جماعة خاصة، من البشر، وهم العقلاء الكاملون، لا من جميع البشر.

وقد أخذ هذا الاعتراف والميثاق حيث أخذ بواسطة الرسل والأنبياء الذين ابتعثهم الله إلى البشرية في هذه الدنيا.

وهذه النظرية مبنية على كون « من » في قوله سبحانه:( مِن بَنِي آدَمَ ) تبعيضية لا بيانية، ولأجل ذلك يختص بالمقتدين بالأنبياء.

ويمكن تأييد هذه النظرية بأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قد أخذ منهم الاعتراف في بعض المواضع على اختصاصه تعالى بالربوبية، كما يحدّثنا القرآن الكريم إذ يقول:( قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ *سَيَقُولُونَ لله قُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ ) (٢) ، وما يشابههما من الآيات التي أخذ فيها الاعتراف من الأشخاص ،

__________________

(١) الأمالي: ١ / ٢٩.

(٢) المؤمنون: ٨٦ ـ ٨٧.

١٠٣

وسيوافيك بعض هذه الآيات عند البحث في التوحيد الخالقي والربوبي.

ولكن ضعف هذه النظرية ظاهر، إذ مآلها انّ المؤمنين بكل نبي هم الذين اعترفوا ـ دون سواهم ـ بتوحيده سبحانه.

ولو كان مقصود الآية هو هذا، لكان ينبغي أن يكون التعبير عنه بغير ما ورد في الآية.

ثم إنّه يجب أن يكون تعبير القرآن عن المعاني الدقيقة بأوضح العبارات وأحسنها وأبلغها.

فلو كان مقصوده تعالى هو اعتراف جماعة خاصة ممَّن اقتدوا بالرسل، بتوحيده سبحانه، لوجب أن يبين ذلك بغير ما ورد في الآية من بيان.

هذه هي الآراء والنظريات التي أبداها المفسرون الكبار حول مفاد آية الميثاق والذر ونحن نأمل أن يستطيع المحقّقون ـ في المستقبل ـ من إيقافنا على معنى أوضح وأكثر انسجاماً مع ألفاظ هذه الآية الشريفة، وأن يوفقوا إلى توضيح حقيقتها ومغزاها.

* * *

ذكرنا فيما سبق أنّ النظرية الأُولى تستند إلى طائفة من الأحاديث الواردة في المجاميع الحديثية ولابد من دراستها والتوصل إلى حل مناسب لها.

فالعلاّمة المرحوم السيد هاشم البحراني نقل في تفسيره المسمّى ب‍ « البرهان » في ذيل تفسير آية الميثاق (٣٧) حديثاً(١) .

__________________

(١) البرهان: ٢ / ٤٦ ـ ٥١.

١٠٤

وكذا نقل نور الثقلين ـ وهو تفسير للقرآن على أساس الأحاديث على غرار تفسير البرهان ـ أيضاً (٢٧) حديثاً في ذيل تفسير هذه الآية(١) .

ولابد من الالتفات إلى أنّ هذه الأحاديث والأخبار تختلف في مفاداتها عن بعض، فليست بأجمعها ناظرة إلى النظرية الأُولى، فلا يمكن الاستدلال بها ـ جميعاً ـ على ذلك لوجوه :

أوّلاً: أنّ بعض هذه الأحاديث صريحة في القول الثاني، أو أنّها قابلة للانطباق على القول الثاني، مثل الأحاديث: ٦ و ٧ و ٢٠ و ٢٢ و ٣٥.

وإليك نص هذه الأحاديث :

أمّا الأحاديث ٦ و ٢٢ و ٣٥ وجميعها واحد راوياً ومروياً عنه وان اختلفت في المصدر، فهي :

عن أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : كيف أجابوا وهم ذر ؟ فقالعليه‌السلام :

« جعل فيهم ما إذا سألهم أجابوه ».

ففي هذه الأحاديث ـ كما نلاحظ ـ ليس هناك أي كلام عن الاستشهاد والشهادة اللفظيين بل قال الإمام: « جعل فيهم » وهي كناية عن وجود الإقرار التكويني في تكوينهم.

أما الحديث ٧ فقد روي عن عبد الله بن سنان قال: سألت أبا عبد الله ( الصادق )عليه‌السلام عن قول الله( فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ) ما تلك الفطرة ؟

__________________

(١) نور الثقلين: ٢ / ٩٢ ـ ١٠٢.

١٠٥

قال :

« هي الإسلام فطرهم الله حين أخذ ميثاقهم على التوحيد، قال: ألست بربكم، وفيه المؤمن والكافر ».

وهذا الحديث كما هو واضح يفسّر الميثاق المذكور في آية الذر بالفطرة ممّا يكون تصريحاً بأنّ الاستيثاق وأخذ الميثاق والإقرار أمر فطري جبلي تكويني.

وفي الحديث ٢٠ جاء عن المفضل بن عمر، عن الصادق جعفر بن محمدعليهما‌السلام في حديث طويل قال فيه :

« قال الله عزّ وجلّ لجميع أرواح بني آدم ألست بربكم ؟ قالوا: بلى، كان أوّل من قال بلى محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله فصار بسبقه إلى بلى سيد الأوّلين والآخرين وأفضل الأنبياء والمرسلين ».

وليس في هذا الحديث أي كلام عن اعتراف الذر وإقرار بني آدم وهم على هيئة ذرات صغيرة، ولذلك فهو وإن لم يكن صريحاً في النظرية الثانية « القائلة بالإقرار التكويني لا اللفظي من جانب الذرية » ولكنّه قابل للانطباق عليها.

ثانياً: أنّ بعض هذه الأحاديث صريحة في أنّ الإقرار والاعتراف بالربوبية جاء من جانب الأرواح كما لاحظنا في الحديث ٢٠.

أمّا ما يدل من تلك الأحاديث ( المنقولة في تفسير البرهان ) على النظرية الأُولى فهي ٣، ٤، ٨، ١١، ١٤، ١٧، ١٨، ٢٧، ٢٩.

وعددها كما هو الظاهر (٩) أحاديث، ولكنّنا لو أمعنا النظر فيها لوجدنا أنّ عددها الحقيقي لا يتجاوز ٥ أحاديث لا أكثر، لأنّ خمسة من هذه الأحاديث رواها « زرارة بن أعين » بمعنى أنّ آخر راو في هذه الأحاديث من الإمام هو زرارة ،

١٠٦

ومن المسلم أنّ راوياً واحداً لا يسأل عن شيء من الإمام خمس مرات، وأمّا نقل رواية زرارة ( التي هي ـ في الحقيقة ـ رواية واحدة ) في خمس صور، فلتعدد من روى هذا الحديث عن « زرارة »، ولذلك اتّخذ الحديث الواحد طابع التعدّد والكثرة، وهذا لا يوجب أن يعد الحديث الواحد خمسة أحاديث.

وعلى هذا فإنّ الأحاديث ٣ و ٤ و ١١ و ٢٧ و ٢٩ التي تنتهي إلى راو واحد هو « زرارة » لا يمكن عدّها خمسة أحاديث، بل يجب اعتبارها حديثاً واحداً لا غير.

وفي هذه الحالة ينخفض عدد الأحاديث المؤيدة للنظرية الأُولى من ٩ إلى ٥.

يبقى أنّ الأحاديث الأربعة الأُخرى ( أعني: ٨ و ١٤ و ١٧ و ١٨ ) فهي مبهمة نوعاً ما، وليست صريحة في المقصود.

وبعض تلك الأحاديث تعتبر هذا الميثاق والميثاق الذي أخذه الله من خصوص النبيين وتحدّث عنه القرآن في الآية ٨١ ـ آل عمران:( وإذ أخَذَ الله ميثاقَ النّبِيِّينَ لَما آتَيْتكُمْ مِنْ كِتابٍ وحِكْمَةٍ ) تعتبر هذين الميثاقين واحداً مثل الحديث رقم ١٢.

وها نحن ننقل لك أيها القارئ نص حديث زرارة أوّلاً، وهذا الحديث هو ما جاء تحت رقم ٣ و ٤ و ١١ و ٢٧ و ٢٩.

وإليك نصها بالترتيب :

عن ابن أبي عمير، عن زرارة أنّ رجلاً سأل أبا جعفر الباقرعليه‌السلام عن قول الله عزّ وجل:( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ) فقال، وأبوه

١٠٧

يسمع :

« حدثني أبي أنّ الله عزّ وجل قبض قبضة من تراب التربة التي خلق منها آدم فصب عليها الماء العذب الفرات، فخرجوا كالذر من يمينه وشماله، وأمرهم جميعاً أن يقعوا في النار، فدخل أصحاب اليمين فصارت عليهم برداً وسلاماً » إلى آخر الحديث.

وعن ابن أُذينة، عن زرارة، عن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام قال: سألته عن قول الله عز وجل:( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ ) قال :

« أخرج من ظهر آدم ذريته إلى يوم القيامة، فخرجوا كالذر، فعرفهم وأراهم نفسه ولولا ذلك لم يعرف أحد ربه ».

ومثل هاتين الصورتين بقية الصور لحديث زرارة حرفاً بحرف.

أمّا الروايات الأربع الأُخرى ( أعني: ٨ و ١٤ و ١٧ و ١٨ ) فهي بالترتيب :

عن حمران عن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام قال :

« فقال الله لأصحاب اليمين وهم كالذر يدبون: إلى الجنة ولا أبالي، وقال لأصحاب الشمال: إلى النار ولا أبالي، ثم ؟ قال: ألست بربكم قالوا: بلى شهدنا أن تقولوا » الخ.

وعن ابن مسكان، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قوله( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ ) قلت: معاينة كان هذا ؟ قال :

« نعم، فثبتت المعرفة ونسوا الموقف وسيذكرونه، ولولا ذلك لم يدر أحد من خالقه ورازقه، فمنهم من أقرّ بلسانه في الذر ولم يؤمن بقلبه ».

١٠٨

وعن عبد الرحمن بن كثير، عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام في قوله عزّ وجلّ:( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ ) قال :

« أخذ الله من ظهر آدم ذريته إلى يوم القيامة وهم كالذر، فعرفهم نفسه، ولولا ذلك لم يعرف أحد ربه، وقال: ألست بربكم، قالوا: بلى ».

وفي حديث طويل عن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام قال :

« قول الله عزّ وجلّ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ ) أخبرك أنّ الله سبحانه لـمّا خلق آدم مسح ظهره فاستخرج ذرية من صلبه سيما في هيئة الذر فألزمهم العقل، وقرر بهم أنّه الرب وأنّهم العبد فأقروا له بالربوبية ».

هذه هي عمدة الأحاديث التي نقلها تفسير البرهان في ذيل الآية المبحوثة تؤيد النظرية الأُولى.

وكذا نقل صاحب تفسير الدر المنثور أحاديث تؤيد هذه النظرية نذكر بعضها :

فمنها ما أخرجه عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله:( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ ) قال: خلق الله آدم وأخذ ميثاقه أنّه ربّه، وكتب أجله ورزقه ومصيبته، ثم أخرج ولده من ظهره كهيئة الذر فأخذ مواثيقهم أنّه ربهم وكتب آجالهم وأرزاقهم ومصائبهم ».

وغير ذلك كثير(١) .

__________________

(١) راجع الدر المنثور: ٣ / ١٤١ ـ ١٤٢.

١٠٩

ثالثاً: لقد بين أئمّة الشيعة المعصومون: معياراً خاصاً لمعرفة الصحيح من الأحاديث وتمييزه عن غير الصحيح، وأمرونا بأن نميز صحاح الأحاديث على ضوء هذه المعايير هذا المعيار هو اعتماد ما يوافق الحديث للقرآن وطرح ما يخالفه.

وقد ذكرنا فيما سبق أنّ هذا القسم من الأحاديث ( التي نقلناها عن البرهان ) يخالف ظاهر القرآن، ولذلك ينبغي التسليم أمامها، ورد علمها إلى الأئمّة أنفسهم على فرض صدورها منهم.

١١٠

الفصل الثالث

الله وبراهين وجوده في القرآن

١١١

الله وبراهين وجوده في القرآن

١. كثرة البراهين على وجود الله تعالى.

٢. دليل الفطرة.

٣. برهان الحدوث.

٤. برهان الإمكان.

٥. برهان الحركة.

٦. برهان النظم.

٧. برهان محاسبة الاحتمالات.

٨. برهان التوازن والضبط.

٩. الهداية الإلهية في عالم الحيوان.

١٠. برهان الصدّيقين.

١١. براهين أُخرى.

١١٢

كثرة البراهين على وجود الله تعالى

من الأقوال المشهورة في أوساط العلماء تلك الجملة التي تقول :

« الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق ».

فهذه الجملة المقتضبة تشير إلى أنّ الأدلة على وجود الله جل شأنه ليست واحداً ولا اثنين ولا عشر ولا مائة، بل هي بعدد أنفاس المخلوقات.

وهذا الكلام وإن كان مثار عجب ودهشة عند من ليس لديه دراسة مفصلة وتعمّق في العلوم الإلهية إذ كيف يمكن ـ في نظر هؤلاء غير المتعمّقين في الإلهيات وغير الملمّين بعلوم التوحيد ـ.

كيف يمكن أن تكون أدلّة وجود الله بعدد أنفاس الخلائق التي لا يحصيها عدد ولا يحصرها عد ؟!!

ولكن لو أُتيح لنا أن نطّلع على ما ورد في كتب العقائد والفلسفة من الأدلّة على وجود الله، لأدركنا أنّ هذا الكلام لم يكن مبالغاً فيه، بل هو عين الحقيقة.

لأنّ بعض هذه الأدلّة التي سنشير إلى « أُصولها » وأُمّهاتها ـ هنا ـ من السعة والشمولية بحيث يتّخذ من نظام كل ذرة في عالمنا دليلاً على وجود الله، وطريقاً إلى إثباته.

ومن المعلوم أنّه لا يعلم عدد ذرات هذا العالم إلّا الله تعالى.

وفيما يأتي نذكر أُصول وأُمهات هذه البراهين الرائجة :

١١٣

١. دليل الفطرة

دليل الفطرة ـ كما تحدّثنا عنه في الفصل الأوّل ـ طريق القلب ودليل الفؤاد لا العقل والاستدلال.

فكل فرد ينجذب إلى الله ويميل إليه قلبياً وبصورة لا إرادية، سواء في فترة من حياته، أم في كل فترات حياته دون انقطاع.

وهذا التوجّه القلبي العفوي الذي يكمن في وجود كل فرد فرد من أبناء البشر لهو إحدى الأدلّة القاطعة على وجود الله، وهذا هو ما يسمّى بدليل « الفطرة ».

٢. برهان الحدوث

برهان الحدوث هو البرهان الذي يعتمد على « حدوث » الكون وما فيه.

وملخّصه: أنّ لهذا الكون بداية، وأنّه لذلك فهو مسبوق بالعدم، ومن البديهي أنّ ما يكون مسبوقاً بالعدم ( أي كان حادثاً )، فإنّ له محدثاً بالضرورة، لامتناع وجود الحادث دون محدث.

ويعتمد المتكلّمون الإسلاميون ـ في الأغلب ـ على حدوث العالم لإثبات الصانع، ربما باعتباره أقرب الأدلة إلى متناول العقول، والأفهام.

٣. برهان الإمكان

يتوسّل الفلاسفة المسلمون ـ في الغالب ـ لإثبات وجود الله بتقسيم الأشياء إلى :

واجب

١١٤

وممكن

وممتنع

وذلك لأنّ أيّة ظاهرة وأي شيء نتصوّره في عالم الذهن لا يخرج عن إحدى حالتين عندما ننسب إليه الوجود الخارجي فهو :

إمّا أن يقتضي الوجود لذاته، أي ينبع الوجود من ذاته، فهو « واجب الوجود ».

وإمّا يقتضي العدم لذاته، بمعنى أنّ العقل يمنع الوجود عنه، فهو « ممتنع الوجود ».

وأمّا لو كان الوجود والعدم بالنسبة إليه على حد سواء ( أي لا يقتضي لا الوجود ولا العدم بذاته ) فحينئذ يحتاج اتصافه بأحد الأمرين، أعني: العدم والوجود إلى عامل خارجي حتماً، لكي يخرجه من حالة التوسط والتساوي ويضفي عليه طابع الوجود أو العدم، وهذا النوع هو ما اصطلح على تسميته ب‍ « ممكن الوجود ».

وعندما نتصور الأشياء والظواهر الكونية نجد أنّ العدم أو الوجود لم يكن جزءاً من ماهيتها ولا عينها ولا مزروعاً فيها في الأصل، فإذا وجدناها تلبس ثوب الوجود، فلابد أن يكون هناك عامل خارجي عن ذاتها هو الذي أسبغ عليها ذلك وهو الذي أخرجها من عالم المعدومات إلى حيز الموجودات، أو بالعكس.

وهذا العامل الخارجي إن كان هو أيضاً على غرار تلك الأشياء في كونها ممكنة الوجود إذن لاحتاج إلى عامل خارجي آخر يضفي عليه حلة الوجود ويطرد عن ساحته صفة العدم.

١١٥

وإن كان هذا العامل الثاني نظير العامل الأوّل « في صفة الإمكان » لاحتاج إلى عامل آخر، وهكذا دواليك بحيث يلزم « التسلسل ».

وأمّا لو كان العامل الخارجي الأوّل ـ في حين كونه موجداً وعلّة للأشياء ـ معلولاً وموجداً من قبل نفس تلك الأشياء لزم « الدور » المستحيل في منطق العقول.

ولما كان التسلسل والدور باطلين عقلاً(١) لزم أن نذعن بأنّ كل الحادثات الممكنات تنتهي إلى موجد « غني بالذات » « قائم بنفسه » غير قائم بغيره، وغير مفتقر في وجوده إلى أحد أو شيء على الإطلاق.

وذلك الغني بالذات هو « الواجب الوجود » هو الله العالم، القادر، القيوم القائم بذاته القائم به ما سواه.

وهذا هو دليل الإمكان.

٤. برهان الحركة

كان روّاد العلوم الطبيعية ـ في السابق ـ كأرسطوا وأتباعه، يستدلّون ب‍ « حركة الأجسام والأجرام الفلكية » على وجود المحرّك، وبذلك يثبتون وجود الله.

فكانوا يقولون ما خلاصته: إنّه لا بد لهذه الأجرام المتحرّكة من محرّك منزّه عن الحركة، وذلك استناداً إلى القاعدة العقلية المسلمة القائلة: « لابد لكل متحرّك من محرّك غير متحرّك ».

__________________

(١) سيوافيك بيان جهة بطلان التسلسل والدور في الأبحاث القادمة.

١١٦

٥. برهان النظم

لقد ظل النظام البديع العجيب الذي يسود كل أجزاء الكون من الذرة إلى المجرّة، أحد العوامل المهمة التي هدت ذوي الألباب والفكر والمتذكرين(١) من البشر إلى الله، إذ لم يكن من المعقول ـ أبداً ـ أن لا يخضع مثل هذا النظام البديع والمعقد لتدبير قوة عاقلة عليا، وتدبير مدبّر حكيم.

والآيات القرآنية المتعرضة لبيان آثار الله تعالى في عالم الخلق إن كانت تهدف إلى إثبات الصانع، فهي في الحقيقة إنّما تعتمد على « برهان النظم ».

فإذا كانت ورقة من أوراق الشجرة، أو ذرة من ذرات العالم، دليلاً على حكمة الله تعالى وبرهاناً على إرادته، فهي بطريق أولى دليل على « أصل وجوده ».

إذ الوجود مقدّم على الصفات، فما دلّ على الصفات فهو بالأحرى دال على الوجود.

وسيأتي الحديث المفصّل عن هذا القسم في المستقبل.

٦. برهان محاسبة الاحتمالات

وهو برهان ابتكره علماء الغرب وزاده نضجاً وتوضيحاً العالم المعروف « كريسي موريسون » صاحب كتاب « العلم يدعو للإيمان » الذي لم يهدف من كتابته إلّا بلورة وإيضاح هذا البرهان ـ أساساً ـ.

__________________

(١) هذه الأوصاف الثلاثة مقتبسة من القرآن الكريم، فهو عندما يذكر آثار قدرة الله وحكمته وعلمه تعالى يعقب كلامه بهذه العبارات:( أُولُو الأَلْبَابِ ) و( لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) و( لقوم يتذكّرون ) .

١١٧

وإليك ملخّص هذا البرهان :

يقول: لا شك أنّ ظهور الحياة بشكلها الحاضر على وجه الأرض ليس إلّا نتيجة تضافر شرائط وتوفر علل وعوامل كثيرة بحيث لو فقد واحد منها لامتنع ظهور الحياة على الأرض ولاستحالت حياة الأحياء عليها.

فلو أنّ ظهور الحياة كان نتيجة انفجار أو انفجارات في المادة الأُولى عن طريق المصادفة، لكان من الممكن أن تتحقّق ملياردات الصور والكيفيات ويكون احتمال ظهور هذه الصورة واحداً من مليارات الصور، وحيث إنّ صورة واحدة فقط هي التي تحققت دون بقية الصور ينطرح هذا السؤال :

كيف تحقّقت هذه الصورة الحاضرة دون بقية الصور عقيب الانفجار ؟

وكيف وقع الاختيار على هذه الصورة بالذات من بيان سائر الصور والحال كان المفروض أنّ جميعها متساوية في منطق المصادفة.

إنّنا لا نجد جواباً معقولاً في هذا المجال إلّا أن نعزي الأمر إلى غير المصادفة.

وبعبارة أُخرى: انّ كثرة الشروط اللازمة لظهور الحياة على الكرة الأرضية تكون بحيث إنّ احتمال اجتماع هذه الشرائط بمحض المصادفة مرة في بليون مرة، ولا يمكن لعاقل أن يفسّر ظاهرة من الظواهر بمثل هذا الاحتمال غير العقلائي وغير المنطقي جداً.

وننقل هنا نص ما قاله العالم المعروف تحت عنوان « المصادفة » :

« إنّ حجم الكرة الأرضية وبعدها عن الشمس، ودرجة حرارة الشمس وأشعتها الباعثة للحياة، وسمك قشرة الأرض وكمية الماء، ومقدار ثاني أوكسيد

١١٨

الكربون وحجم النتروجين وظهور الإنسان وبقاءه على قيد الحياة، كل أولاء تدلّ على خروج النظام من الفوضى، وعلى التصميم والقصد، كما تدلّ على أنّه طبقاً للقوانين الحسابية الصارمة ما كان يمكن حدوث كل ذلك مصادفة في وقت واحد على كوكب واحد مرة في بليون مرة، « كان يمكن أن يحدث هكذا » ولكن لم يحدث هكذا بالتأكيد !!

وحين تكون الحقائق هكذا قاطعة وحين نعترف ـ كما ينبغي لنا ـ بخواص عقولنا التي ليست مادية فهل في الإمكان أن نغفل البرهان، ونؤمن بمصادفة واحدة في بليون ونزعم أنّنا وكل ما عدانا، نتائج المصادفة.

لقد رأينا أنّ هناك ٩٩٩/٩٩٩/٩٩٩ فرصة ضد واحد، ضد الاعتقاد بأنّ جميع الأُمور تحدث مصادفة »(١) .

٧. برهان التوازن والضبط

وهذا البرهان من فروع برهان النظم، والمقصود منه هو ذلك « التعادل والتوازن والضبط » الذي يسود عالم الأحياء كلها من حيوانات ونباتات.

ونذكر نموذجاً لذلك من باب المثال فنقول :

يتبيّن لنا من دراسة عالم الحيوان والنبات أنّ كلاً منهما مكمّل للآخر، بحيث لو لم يكن في عالم الطبيعة إلّا الحيوانات فحسب لفنيت الحيوانات وزالت من صفحة الوجود، وهكذا لو لم يكن إلّا النباتات فحسب لفنيت النباتات وزالت هي أيضاً.

__________________

(١) العلم يدعو للإيمان: ١٩٥ ـ ١٩٦.

١١٩

وذلك لأنّ النباتات ـ على وجه العموم ـ تتنفس « ثاني أُكسيد الكاربون » فيما تطلق الأوكسجين في الفضاء.

فأوراق الشجر بمنزلة رئة الإنسان مهمّتها التنفس، في حين أنّ الحيوانات تستهلك الأوكسجين وتدفع الكربون.

وبهذا يبدو ـ جلياً ـ أنّ عمل كل واحد من هذين الصنفين من الأحياء مكمل لعمل الآخر ومتمم لوجوده، وأنّ حياة كل منهما قائمة على الأُخرى.

فلو كانت في الأرض: « النباتات » فقط لنفذ الكربون ولم يكن لها ما تتنفسه.

ولو لم يكن في الأرض إلّا « الحيوانات » فقط لفني الأوكسجين ولم يكن لها ما تتنفسه.

ولكان معنى كل ذلك فناء النوعين بالمرة وزوالهما من وجه الأرض بسرعة.

٨. الهداية الإلهية في عالم الحيوانات

يعتبر « اهتداء » الحيوانات والحشرات إلى ما يضمن بقاءها، واستمرار حياتها، دليلاً آخر على وجود « هاد » لها فيما وراء الطبيعة هو الذي يقوم بهدايتها في مسيرة الحياة، ويلهمها كل ما يفيدها ويساعدها على العيش والبقاء إلهاماً أسماه القرآن ب « الوحي ».

ولهذا البرهان جذور وأُصول قرآنية، ولذلك سنتعرض له بالبحث ونتاوله بالتحقيق بنحو مبسوط في المستقبل، كما سنبرهن على أنّه غير البرهان المعروف ببرهان « النظم في عالم الوجود ».

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

الرابع - فلا يمكن أن يكون حفيداً لأبي سهل بن نوبخت. ومن هنا نحذو حذو العلاّمة الحلّيّ في ذكر اسمه، ولا نَدَع ذلك أبداً ما دمنا لا نملك دليلاً على نقضه، بخاصّة أنّ العلاّمة المجلسيّ يسمّيه في بحار الأنوار(١) : الشيخ إبراهيم. ونستبعد أن يكون العلاّمة أقلّ اطّلاعاً من صاحب رياض العلماء في هذا المجال، ولم يعثر على هذه النقطة وهو الذي كان مطّلعاً اطّلاعاً واسعاً على كتب الشيعة ومصادرها، وكانت له مكتبة كبيرة.

عصر مؤلّف (الياقوت)

يمكننا من خلال مطالعة كتاب الياقوت أن نعرف العصر الذي كان يعيش فيه مؤلّفه على وجه التخمين.

أوّلاّ: أورد مؤلّف الكتاب مبحث الإمامة بعد مبحث النبوّة في آخر كتابه تبعاً لأبي سهل النوبختيّ، وذكر مسألة الغَيبة في ذلك المبحث. وتناول الإشكالات التي وجّهها أهل السنّة إلى الشيعة في هذا المجال وفي اختلاف الشيعة أنفسهم في الفتاوى والأحكام، وأجاب عنها.

وهذا يدلّ على أنّ المؤلّف كان يعيش بعد عصر الغَيبة وبعد العصر الذي كان الخلاف فيه قائماً بين علماء الشيعة حول عدد الأئمّة. وهذا العصر - كما أشرنا من قبل - لم يتقدّم على النصف الأولّ من القرن الرابع، بل كان مقارناً لأواخر حياة أبي سهل اسماعيل بن عليّ النوبختيّ(٢) .

ثانياً: نقض المؤلّف في كتابه آراء الأشاعره ورئيسهم الإمام أبي الحسن عليّ بن إسماعيل الأشعريّ (٢٦٠-٣٢٤هـ) مرّات عديدة. وهو إن لم يصرّح باسم الأشعريّ لكنّه ذكر فقرات من مقالاته الخاصّة الّتي تفرّد بها ولم يُبدِها قبله أحد،

____________________

١ - ١٤: ١٣٨.

٢ - انظر: ص١٣١ من هذا الكتاب.

٢٠١

بخاصّة مسألة (إثبات الصفات القديمة(١) ، و(الكسب)(٢) ، و(الكلام النفسانيّ)(٣) . وهي من مقالاته وموضوعاته الخاصّة. وردّ عليه الشيخ أبو إسحاق، وعدّ (الكسب) و(الكلام النفسانيّ) هذياناً.

كانت ولادة أبي الحسن الأشعريّ سنة ٢٦٠هـ. وكان حتّى الأربعين من عمره تقريباً يحضر درس أبي عليّ الجبّائيّ، أي حتّى أوائل القرن الرابع. وكان من أتباعه في الاعتزال، ثمّ فارقه بعد ذلك التاريخ، وبثّ مقالاته الخاصّة به، وأنشأ المذهب الأشعريّ.

ويتبيّن من هذا أنّ الأشاعرة لم يكونوا ينشطون حتّى زهاء سنة ٣٠٠هـ، بل إلى مدّةٍ بعدها، ولم ينشروا آراءهم الخاصّة فيردّ عليها أحد. ومن الأدلّة على ذلك أنّنا لا نلحظ في فهرست الكتب الكلاميّة لأبي سهل النوبختيّ وأبي محمّد الحسن بن

____________________

١ - (المسألة التاسعة) من (المقصد الخامس)، من متن كتاب الياقوت. قال الشيخ المفيد في كتاب أوائل المقالات: (وأحدث رجلٌ من أهل البصرة يعرف بالأشعريّ قولاً خالف فيه جميع ألفاظ الموحّدين ومعانيهم فيما وصفناه. وزعم أنّ لله عزّ وجلّ صفات قديمة وأنّه لم يزل بمعنى لا هي هو ولا غيره، من أجلها كان مستحقّاً للوصف بأنّه عالم حيّ قادر سميع بصير متكلّم مريد. وزعم أنّ لله وجهاً قديماً وسمعاً قديماً وبصراً قديماً ويدَين قديمتين، وأنّ هذه كلّها أزليّة قدماء. وهذا قولٌ لم يسبقه إليه أحدٌ من منتحلي التوحيد فضلاً عن أهل الإسلام). وقد تفضّل الأخ شيخ الإسلام الزنجانيّ باستنساخ هذه الفقرة وإرسالها إليّ. انظر: الملل والنحل ٦٦-٦٧.

٢ - المسألة الثالثة، المقصد السابع؛ كان بعض علماء الكلام يرى أنّ عجائب هذا الفنّ ثلاث: القول بالطفرة عن النظّام (الملل والنحل ٣٨)، والقول بالأحوال عن أبي هاشم الجبّائيّ (نفسه ٥٧)، والقول بالكسب عن أبي الحسن الأشعريّ (نفسه ٦٨-٦٩). وقال أحد الشعراء في ذلك:

ممّا يُقال ولا حقيقة تَحتهُ

مَعقولةً تدنو إلى الأفهامِ

الكَسبُ عند الأشعريّ، والحالُ عن

د الهاشمي، وطفرة النظّامِ!

(منهاج السنّة ١: ١٢٧)

ولعلّ الصحيح في عجز البيت الثاني هو (البهشميّ) مكان (الهاشميّ)، وذلك منسوب إلى أبي هاشم.

والبهشميّة اسم لفرقة كانت تتبنّى عقائده (انظر: الملل والنحل ٥٤، والأنساب للسمعانيّ f. ٩٦ b).

٣ - المسألة السادسة، المقصد الخامس، الملل والنحل ٦٨.

٢٠٢

موسى كتاباً أو إشارة في ردّ عقائد الأشعريّ، في حين كان معاصراً لهما. ولعلّه لم ينشر آراءه كما ينبغي في حياتهما التي لم تتجاوز سنة ٣١١هـ. وفي أقرَب الاحتمالات أنّه قام بذلك في الفترة الأخيرة من عمره، أي: بين سنة ٣١٠ و٣٢٤هـ.

ويبدو أنّ أبا إسحاق النوبختيّ ردّ على عقائد الأشعريّ بعد تلك الفترة. وإذا لم يكن عصره بعد عصر الأشعريّ فإنّه أدرك الفترة الأخيرة من عمره. ويُستشفّ من إشارات العلاّمة الحلّيّ في أنوار الملكوت أنّ عصر أبي إسحاق كان متقدّماً على عصر الشريف المرتضى علم الهدى (٣٥٥-٤٣٦هـ)، وأبي الحسين محمّد بن عليّ البصريّ المعتزليّ (المتوفّى سنة ٤٣٦هـ). وهذان المتكلّمان الكبيران وافقا أبا إسحاق في بعض آرائه، وخالفاه في بعضها الأخر.

ثالثاً: سنرى فيما نذكره من شرح أنّ مؤلّف الياقوت قام بنقض القول المشهور لأبي بكر محمّد بن زكريّا الرازيّ في اللذّة؛ ولهذا لا يمكن أن يكون عصره متقدّماً على عصر محمّد بن زكريّا الذي توفّي سنة ٣٢٠هـ.

إنّ إيجاز كتاب الياقوت، وصعوبة فهمه، وغاية اختصاره، كلّ أولئك دليل على قِدَمِه. ويظهر أنّه صُنِّف قبل كتب الشيعة الكلاميّة المفصّلة. وهو من النماذج التي احتذاها الشيخ المفيد، والشريف المرتضى، والشيخ الطوسيّ في كتبهم.

وكان في الأسرة النوبختيّة رجلٌ يسمّى إبراهيم. وهو والد أحمد بن إبراهيم، وأبي جعفر عبد الله بن إبراهيم. وكان أحمد بن إبراهيم كاتباً عند الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح. وكان حيّاً مع أخيه حين وفاة الشيخ أبي جعفر العمريّ النائب الثاني للإمام المهديّعليه‌السلام في سنة ٣٠٤ أو ٣٠٥هـ(١) . ولكن هل كان إبراهيم هذا هو مؤلّف كتاب الياقوت نفسه؟ والجواب هو ربّما كان ذلك، ولكن هذا نستبعده؛ لأنّ

____________________

١ - غيبة الطوسيّ ٢٤٢ و٢٤٣.

٢٠٣

عصره متقدّم على سنة ٣٠٤ و٣٠٥هـ. ولا يُعْلَم ما إذا كان حيّاً أيّام انتشار مقالات الأشعريّ وشيوع مذهبه حتّى يتسنّى له أن يؤلّف كتاب الياقوت يومئذٍ وينقض أقوال الأشاعرة.

كتاب أنوار الملكوت

أوّل من شرح كتاب الياقوت، فيما أعلم، هو ابن أبي الحديد المعتزليّ. ويَبدو أنّ هدفه من وراء ذلك هو دعم أفكاره الاعتزاليّة ودحض بعض مقالات الإماميّة في المسائل الكلاميّة، كما هو دأبه في شرح نهج البلاغة وشرح كتاب الذريعة إلى أُصول الشريعة(١) للشريف المرتضى علم الهدى، بَيْد أنّنا لا نجد لهذا الشرح من أثر. والشرح الذي وصل إلينا - من حسن الحظّ - هو شرح العلاّمة الحلّيّ المسمّى أنوار الملكوت في شرح الياقوت. وفيما يأتي قسم من مقدّمة الكتاب المذكور الذي صُنِّف سنة ٦٨٤هـ:

(... وقد صنّف العلماء في ذلك كثيراً من المبسوطات وأطنبوا القول فيه بكتب مختصرات ومطوّلات، إلاّ أنّهم لم يَسلَموا من زيغ في تلك الإيرادات ولم يخلصوا من خطأ في بعض الاعتقادات. وقد صنّفنا في ذلك كتباً متعدّدة أوضحنا فيها سبيل الرشاد، وهَدَينا إلى طريق السداد، نرجو فيها ذخراً للمعاد. وقد صنّف شيخنا الأقدم وأُستاذنا الأعظم أبو إسحاق إبراهيم بن نوبخت قدّس الله روحه الزكيّة ونفسَه العَليّة مختصراً سمّاه الياقوت. قد احتوى من المسائل على أشرفها وأعلاها، ومن المباحث على أجلّها وأسناها، إلاّ أنّه صغير الحجم كثير العلم مستصعب على الفهم في غاية الإيجاز والاختصار، بحيث يعجز عن حلّه أُولو الأنظار. فرأينا أن نضع هذا الكتاب المرسوم بأنوار الملكوت في شرح الياقوت على

____________________

١ - باسم: الاعتبار.

٢٠٤

ترتيبه ونظمه، مُوضِّحاً لِما التَبَس من مشكلاته، مُبيِّناً لِما استبهم من معضلاته، مع زيادات لم توجد في هذا الكتاب).

ولم يقتصر العلاّمة الحلّيّ في شرح كتاب الياقوت - كما قال - على ترتيب الكتاب الأصليّ ونظمه فحسب، بل نقل عبارات المؤلّف نفسها في البداية ثمّ شرحها. ورفض في بعض المواضع رأي المؤلف القريب من مشرب المعتزلة، وأورد في مقابله رأيه الذي يمثّل عصارة اجتهادات متكلّمي الشيعة بعد الشيخ أبي إسحاق، كالشيخ المفيد، والشريف المرتضى، والشيخ الطوسيّ، والخواجه نصير الدين الطوسيّ وأمثالهم.

إنّ كتاب الياقوت، فيما أعلم، أقدم كتاب كلاميّ موجود للشيعة. وننقل فيما يأتي فهرساً لموضوعاته بالنحو الذي أورده العلاّمة الحلّيّ في أنوار الملكوت نصّاً، ليتبيّن ترتيب المباحث الكلاميّة لمتكلّمي الشيعة يومئذٍ:

المقصد الأوّل في النظر، وفيه ثلاث عشرة مسألة:

المسألة الأُولى: في ماهيّة النظر.

المسألة الثانية: في وجوبه.

المسألة الثالثة: في أنّه مفيد للعلم.

المسألة الرابعة: في أنّ وجوبه عقليّ.

المسألة الخامسة: في أنّه أوّل الواجبات.

المسألة السادسة: في الدليل.

المسألة السابعة: في أنّ الدليل السمعيّ هل يفيد اليقين أم لا.

المسألة الثامنة: في ضبط الاستدلال بالدلائل السمعيّة.

المسألة التاسعة: في حدّ العلم.

المسألة العاشرة: في تقسيم العلم.

المسألة الحادية عشرة: في أنّ العلم بالدليل مغاير للعلم بالمدلول والدلالة.

٢٠٥

المسألة الثانية عشرة: في أنّ النظر يولد العلم.

المسألة الثالثة عشرة: في أنّ المعارف مقدورة لنا.

المقصد الثاني في الجوهر، والعرض، والجسم، وفيه عشرة مسائل:

المسألة الأُولى: في تعريف الجوهر، والعرض، والجسم.

المسألة الثانية: في الجزء الذي لا يتجزّى.

المسألة الثالثة: في تماثل الأجسام.

المسألة الرابعة: في جواز خلوّ الأجسام عن الطعوم والألوان والروائح.

المسألة الخامسة: في أنّ الأجسام مرئيّة.

المسألة السادسة: في إثبات الخلاء.

المسألة السابعة: في تعريف الحركة.

المسألة الثامنة: في تعريف السكون.

المسألة التاسعة: في أنّ حصول الحركة والسكون ليس بمعنى.

المسألة العاشرة: في استحالة الانتقال والبقاء على الأعراض.

المقصد الثالث في أحكام الجواهر والأعراض، وفيه أربع مسائل:

المسألة الأُولى: في حدوث الأجسام.

المسألة الثانية: في إبطال التسلسل.

المسألة الثالثة: في شُبَه الخصوم والردّ عليها.

المسألة الرابعة: في أنّ العالم لا يجب أن يكون أبديّاً.

المقصد الرابع في الموجودات، وفيه سبع مسائل:

المسألة الأُولى: في أنّ الوجود نفس الماهيّة.

المسألة الثانية: في أن المعدوم ليس بشيء.

المسألة الثالثة: في قسمة الوجود إلى القديم والمحدث.

المسألة الرابعة: في أنّ القديم لا يستند إلى المؤثّر.

٢٠٦

المسألة الخامسة: في انقسام الموجود إلى الواجب والممكن.

المسألة السادسة: في خواصّ الواجب لذاته تعالى.

المسألة السابعة: في خواصّ الممكن لذاته.

المقصد الخامس في إثبات الصانع وتوحيده وأحكام صفاته، وفيه تسع عشرة مسألة:

المسألة الأُولى: في إثباته.

المسألة الثانية: في أنّه تعالى قادر.

المسألة الثالثة: في أنّه تعالى عالم.

المسألة الرابعة: في أنّه تعالى حيّ.

المسألة الخامسة: في أنّه تعالى سميع بصير.

المسألة السادسة: في أنّه تعالى مريد.

المسألة السابعة: في أنّه تعالى متكلّم.

المسألة الثامنة: في أنّه تعالى غنيّ.

المسألة التاسعة: في نفي المعاني والأحوال.

المسألة العاشرة: في أنّه تعالى ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض.

المسألة الحادية عشرة: في أنّه تعالى ليس بمتحيّز.

المسألة الثانية عشرة: في أنّه تعالى ليس حالاًّ في غيره.

المسألة الثالثة عشرة: في أنّه تعالى يستحيل قيام الحوادث بذاته تعالى.

المسألة الرابعة عشرة: في أنّه استحالة رؤيته تعالى.

المسألة الخامسة عشرة: في أنّه تعالى قادر على كلّ مقدور.

المسألة السادسة عشرة: في أنّه تعالى عالم بكلّ معلوم.

المسألة السابعة عشرة: في أنّه تعالى واحد.

المسألة الثامنة عشرة: في أنّه إبطال الماهيّة.

٢٠٧

المسألة التاسعة عشرة: في أنّ كلامه تعالى حادث.

المقصد السادس في استناد صفاته إلى وجوبه تعالى، وفيه خمس مسائل:

المسألة الأُولى: في أنّ المؤثّر واجب الوجود لذاته.

المسألة الثانية: في استناد سلب العرضيّة والجسميّة عنه تعالى إلى الوجوب.

المسألة الثالثة: في أنّه تعالى ليس له صفة زايدة على الماهيّة.

المسألة الرابعة: في أنّه يستحيل عليه التغيّر.

المسألة الخامسة: في أنّه تعالى مبتهج بذاته.

المقصد السابع في العدل، وفيه خمس مسائل:

المسألة الأُولى: في التحسين والتقبيح.

المسألة الثانية: في أنّ الله تعالى لا يفعل القبيح.

المسألة الثالثة: في أنّا فاعلون.

المسألة الرابعة: في أنّه تعالى لا يريد القبيح.

المسألة الخامسة: في المتولّدات.

المقصد الثامن في الآلام والأعواض، وفيه ثمان مسائل:

المسألة الأُولى: في الوجه الذي يقبح له الألم.

المسألة الثانية: في الوجه الذي يحسن به الألم.

المسألة الثالثة: في الوجه الذي يحسن منه تعالى فعل الألم به.

المسألة الرابعة: في إبطال قول البكريّة والتناسخيّة.

المسألة الخامسة: في إثبات العوض على الله تعالى.

المسألة السادسة: في الانتصاف.

المسألة السابعة: في انقطاع العوض.

المسألة الثامنة: في أنّ العوض (لا يسقط) بالهبة والإبراء.

٢٠٨

المقصد التاسع في أفعال القلوب ونظائرها، وفيه اثنتا عشرة مسألة:

المسألة الأُولى: في العلم.

المسألة الثانية: في جواز تعلّق العلم بمعلومين.

المسألة الثالثة: في اختلاف العلوم باختلاف المعلومات.

المسألة الرابعة: في مباحث متعلّقة بالإرادة.

المسألة الخامسة: في إبطال كلام النفس.

المسألة السادسة: في حدّ اللذّة والألم.

المسألة السابعة: في ماهيّة القدرة.

المسألة الثامنة: في أنّ القدرة قبل الفعل.

المسألة التاسعة: في تعلّق القدرة بالضدّين.

المسألة العاشرة: في متعلّق القدرة.

المسألة الحادية عشرة: في أنّ القدرة غير موجبة للفعل.

المسألة الثانية عشرة: في أنّ القدرة غير باقية.

المقصد العاشر في التكليف، وفيه أربع مسائل:

المسألة الأُولى: في شروطه.

المسألة الثانية: في ماهيّة الإنسان.

المسألة الثالثة: في بيان حسن التكليف.

المسألة الرابعة: في استحالة تكليف ما لا يُطاق.

المقصد الحادي عشر في الألطاف، وفيه خمس مسائل:

المسألة الأُولى: في حدّه.

المسألة الثانية: في وجوبه.

المسألة الثالثة: في أنّه لا يجوز فعل اللطف بالقبيح.

المسألة الرابعة: في أنّه تعالى لا يحسن منه العقاب عند منع اللطف.

٢٠٩

المسألة الخامسة: في الأصلح في الدنيا.

مسائل أربع في التوحيد

المسألة الأُولى: في كونه عالماً في الأزل.

المسألة الثانية: في كونه تعالى قادراً في الأزل.

المسألة الثالثة: في كونه حيّاً أزليّاً.

المسألة الرابعة: في الجواب عن كلام هشام.

المقصد الثاني عشر في اعتراضات الخصوم في التوحيد والعدل والجواب عنها، وفيه ستّ مسائل:

المسألة الأُولى: في الاعتراض على القدرة والجواب عنه.

المسألة الثانية: في تحقيق معنى كَونه تعالى سمعياً بصيراً.

المسألة الثالثة: في كونه تعالى مريداً.

المسألة الرابعة: في إبطال قِدم الكلام.

المسألة الخامسة: في إبطال دليل الأشاعرة في الرؤية.

المسألة السادسة: في جواب شبهة المجبّرة في التحسين والتقبيح.

المقصد الثالث عشر في الوعد والوعيد، وفيه إحدى عشرة مسألة:

المسألة الأُولى: في أنّ وجوب الثواب والعقاب سمعيّ.

المسألة الثانية: في إبطال الإحباط.

المسألة الثالثة: في أنّ عقاب الفاسق منقطع.

المسألة الرابعة: في إثبات الشفاعة.

المسألة الخامسة: في عدم وجوب قبول التوبة.

المسألة السادسة: في أنّ التوبة واجبة.

المسألة السابعة: في أنّ التوبة يصحّ من قبيحٍ دون قبيح.

المسألة الثامنة: في أنّ المؤمن لا يكفر.

٢١٠

المسألة التاسعة: في الفاسق يسمّى مؤمناً وبيان ماهيّة الإيمان.

المسألة العاشرة: في إثبات الصراط والميزان وغيرهما من السمعيّات.

المسألة الحادية عشرة: في اعتراضات الخصوم على مسائل الوعد والوعيد.

المقصد الرابع عشر في النبوّات، وفيه عشرون مسألة:

المسألة الأُولى: في جواز البعثة.

المسألة الثانية: في شرائط المعجز.

المسألة الثالثة: في إثبات نبوّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

المسألة الرابعة: في جواز الكرامات.

المسألة الخامسة: في أنّ الأنبياء أشرف من الملائكة.

المسألة السادسة: في الاعتراضات على النبوّة والجواب عنها.

المسألة السابعة: في الإعادة وأحكامها.

المسألة الثامنة: في بقاء الجواهر.

المسألة التاسعة: في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكَر.

المسألة العاشرة: في الآجال.

المسألة الحادية عشرة: في الأسعار.

المسألة الثانية عشرة: في الأرزاق.

المسألة الثالثة عشرة: في بيان عصمة الأنبياء.

المسألة الرابعة عشرة: في الردّ على اليهود.

المسألة الخامسة عشرة: في الردّ على النصارى.

المسألة السادسة عشرة: في الردّ على المنجّمين.

المسألة السابعة عشرة: في إبطال قول الثنويّة.

المسألة الثامنة عشرة: في الردّ على المجوس.

المسألة التاسعة عشرة: في الردّ على عبدة الأصنام.

٢١١

المسألة العشرون: في الردّ على الغلاة.

المقصد الخامس عشر في الإمامة، وفيه: اثنتا عشرة مسألة:

المسألة الأُولى: في أنّها واجبة.

المسألة الثانية: في وجوب العصمة.

المسألة الثالثة: في باقي صفات الإمام.

المسألة الرابعة: في وجوب النصّ.

المسألة الخامسة: في جواب الاعتراضات على ما تقدّم.

المسألة السادسة: في تعيين الإمام.

المسألة السابعة: في الجواب عن اعتراضات الخصوم.

المسألة الثامنة: في النصّ الخفيّ.

المسألة التاسعة: في تتّبع اعتراضات الخصوم.

المسألة العاشرة: في نصوص دالّة على إمامته.

المسألة الحادية عشرة: في إمامة باقي الأئمّة الاثني عشر.

المسألة الثانية عشرة: في حكم المخالفين.

ويبدو أنّ كتاب الياقوت لم يكن كثير الاشتهار بين الشيعة حتّى عصر العلاّمة الحلّيّ مع وجود شرح ابن أبي الحديد. وزاد الاهتمام به وبمؤلّفه بعد انتشار كتاب أنوار الملكوت، وأصبح الاقتباس منه وشرح موضوعاته ونقل أقوال مؤلّفه أموراً مألوفةً. ومن ذلك ما قام ابن أُخت العلاّمة الحلّيّ - وهو السيّد عميد الدين عبد المطّلب الحسينيّ الحلّيّ (٦٨١-٧٥٤هـ) - من شرح الكتاب المذكور. وقضى بين المؤلّف الأصليّ أبي إسحاق والشارح، أي: العلاّمة الحلّيّ(١) .

ونظم الشيخ شهاب الدين إسماعيل بن الشيخ شرف الدين أبي عبد الله

____________________

١ - روضات الجنّات ٣٧٥.

٢١٢

العُوديّ العامليّ كتاب الياقوت في أرجوزة. وكان هذا الشيخ من أدباء جبل عامل وشعرائه. وعاش قبل سنة ١٠٩٧هـ، وهي سنة تأليف كتاب أمل الآمل(١) . وكان أحد علماء الشيعة قد رتّب مختارات من شرح الياقوت(٢) .

كتاب الابتهاج

كان للشيخ أبي إسحاق النوبختيّ كتاب آخر في أحد المباحث الكلاميّة تحت عنوان الابتهاج، أشار إليه المؤلّف نفسه في كتاب الياقوت. وذكر العلاّمة الحلّيّ أنّ الكتاب لم يصل إليه.

موضوع الكتاب إثبات اللذّة والسرور والابتهاج للباري تعالى. وهو الموضوع الذي نفاه المتكلّمون جميعاً، وجهد الفلاسفة في إثباته. ووافقهم الشيخ أبو إسحاق على ذلك خلافاً لمتكلّمي الشيعة وغيرهم. قال الفلاسفة: (واعلم أنّ كلّ خير مؤثّر وإدراك المؤثّر من حيث هو مؤثّر حبّ له، والحبّ إذا أفرط سُمّي عشقاً. وكلّما كان الإدراك أتمّ والمدرك أشدّ خيريّة كان العشق أشدّ. والإدراك التامّ لا يكون إلاّ مع الوصول التامّ، ويكون ذلك على ما مرّ لذّة تامّة وابتهاجاً تامّاً. فإذن العشق الحقيقيّ هو الابتهاج بتصوّر حضور ذاتٍ ما هي المعشوقة. ثمّ لمّا كان الشوق عندنا من لوازم العشق وربّما يشتبه أحدهما بالآخر أشار إلى الشوق أيضاً, وذكر أنّه الحركة إلى تتميم هذا الابتهاج. ولا يتصوّر ذلك إلاّ إذا كان المعشوق حاضراً من وجه، غائباً من وجه. ثمّ أثبت العشق الحقيقيّ للأوّل تعالى لحصول معناه هناك، فإنّه الخير المطلق وإدراكه لذاته أتمّ الإدراك... فإذن يجوز أن يكون

____________________

١ - أمل الآمل ٤٢٨ (ذيل رجال الاسترآباديّ) وص ٧ (ذيل رجال أبي عليّ). وورد فيهما اسم الشاعر سهواً على أنّه أحمد، في حين جاء في مخطوطة أمل الآمل العائدة لي - التي تمّ استنساخها من النسخة المكتوبة بخطّ المؤلّف سنة ١٢٠٥هـ، وفي كتاب الحجب والأستار ٣٨ أنّ اسمه: إسماعيل.

٢ - بحار الأنوار ٢٦: ١٧٣.

٢١٣

إدراك الغير موجباً للحبّ وإدراكه تعالى غير موجب له. والجواب: إنّ الحبّ ليس هو الإدراك فقط، بل هو إدراك المؤثّر من حيث هو مؤثّر. وإدراك الكمال إنّما يوجب حبّه لكون الكمال مؤثّراً. ولمّا كان الكمال وإدراكه موجودَين للأوّل تعالى حكموا بثبوت الحبّ هناك)(١) .

هذا القول - أعني: إثبات السرور واللذّة لله تعالى - هو قول الفلاسفة كما أشرنا، بَيْد أنّهم استعملوا كلمة (الابتهاج) مكان (اللذّة) و(السرور) المتداولتين وكانوا يَرَون أنّ إثبات ذلك بمنزلة إثبات النقص لله تعالى، ويقولون إنّ اللّذة من توابع اعتدال المزاج ولا تصحّ نسبتها إلى الله تعالى الذي لا يُنسَب إليه المزاج. يضاف إلى ذلك أنّنا إذا اعتبرنا اللذّة قديمة أو حادثة، فهي في الحالة الأُولى تتنافى مع الأزليّة الإلهيّة، وفي الحالة الثانية تجعل الله تعالى محلاًّ للحوادث.

على الرغم من هذا الاعتراض الذي أبداه معظم المتكلّمين فإنّ الفلاسفة وعدداً من أهل الكلام أجابوا عن الاعتراضات المتقدّمة وقاموا بإثبات السرور والابتهاج، بل الغمّ والألم لله تعالى بالأدلّة العقليّة والنقليّة. وكان أبو شعيب - وهو من قدماء المعتزلة - يرى استناداً إلى بعض الآيات القرآنيّة أنّ السرور والغمّ والغَيرة والأسف أمورٌ ثابتة لله تعالى بَيد أنّ سائر المتكلّمين كانوا يؤوّلونها بوجوه أُخرى. وكان حجّة الله الإمام محمّد الغزاليّ - أحد متكلّمي الأشاعرة - يجيز إثبات اللذّة لله تعالى(٢) . وكان لابن أبي الحديد الذي شرح كتاباً آخر للشيخ أبي إسحاق النوبختيّ - هو كتاب الياقوت - رأي في مبحث اللذّة والألم ونسبتهما إلى الباري تعالى، وكتب رسالة أُخرى في هذا الموضوع(٣) لكنّها ليست في متناول

____________________

١ - شرح الإشارات، النمط الثامن، نصير الدين الطوسيّ.

٢ - شرح نهج البلاغة ١: ٢٩٧.

٣ - نفسه ١: ٤٧٥.

٢١٤

أيدينا. ونحتمل أنّ هذه الرسالة شرح لكتاب الابتهاج، ومن قبيل ردّ آرائه. ونقل أبو إسحاق النوبختيّ في كتاب الياقوت، في مبحث اللذّة والألم وإثبات الابتهاج لذات الباري تعالى، قول أبي بكر محمّد بن زكريّا بن يحيى الرازيّ الطبيب والفيلسوف المعروف الذي توفّي - في أصحّ الأقوال - سنة ٣٢٠هـ، في باب اللذّة و ردّ عليه. ومع أنّ اسم الرازيّ غير مذكور في كتاب الياقوت إلاّ أنّ العلاّمة الحلّيّ أشار في شرح الكتاب إلى نسبة ذلك الرأي إليه. وكان الرازيّ الذي يُعدّ من أنصار فورون اللّذيّ(١) في هذا الرأي قد أخذه من الفلاسفة الإغريق الشكّاكين في القرن الثالث قبل الميلاد، وهو مذكور في الكتب الأُخرى باسمه أيضاً(٢) .

ونقض ناصر خسرو في كتاب زاد المسافرين أقوال محمّد بن زكريّا مراراً، وقال في ردّ رأيه في اللذّة: (قال هذا الرجل [محمّد بن زكريّا] في بداية مقالته: إنّ اللذّة الحسّيّة ليست إلاّ الراحة من المشقّة، والمشقّة ليست إلاّ الخروج من الطبيعة، واللذّة ليست إلاّ الرجوع إلى الطبيعة، والرجوع إلى الطبيعة ليس إلاّ الخروج من المشقّة)(٣) .

ولا يتّفق هذا الرّأي مع رأي الفلاسفة الأوائل ومتكلّمي المعتزلة؛ لأنّ هؤلاء يقولون: (الألم إدراك المنافر أو المنافي واللذّة إدراك الملائم)(٤) . وقال أبو إسحاق النوبختيّ في كتاب الياقوت: (الألم إدراك المنافي واللذّة إدراك الملائم، وليس الخلاص من الألم كلذّة المبصر مبتدأً لصورة جميلة).

الشقّ الأوّل من هذا الكلام تعريف للّذّة والألم حسب رأي جمهور الفلاسفة والمعتزلة. والشقّ الثاني منه قول محمّد بن زكريّا الذي ردّ عليه أبو إسحاق بدليلٍ

____________________

١ - pyrrhon.

٢ - مختصر الدول ٧٧؛ القفطيّ ٢٦٠؛ زاد المسافرين ٢٣١-٢٤٤.

٣ - زاد المسافرين ٢٣١.

٤ - التعريفات ١٥، ٨٣؛ مجمع البحرين ٢٤٨.

٢١٥

أتى به. و ذكر أنّ اللّذّة قد تظهر بدون أن يسبقها ألم، كما لو أريت صورة جميلة لأحد بدون أن يُمنى بألم الشوق سابقاً فإنّه يلتذّ برؤيتها، وحينئذٍ ليس في هذه الصورة لذّة الراحة من الألم والخلاص منه.

وكان محمّد بن زكريّا قد كتب مقالة مستقلّة في شرح اللّذّة وأراد أن يثبت أنّ اللّذّة قسم من أقسام الراحة، داخلة في ذيله(١) . ولم تَرُق هذه المقالة متكلّمي عصره وفلاسفته، حتّى نقضها في حياته الفيلسوف والشاعر الفارسيّ أبو الحسن شهيد بن حسين البلخيّ الذي سبق الشاعر الرودكيّ، أي: قبل سنة ٣٢٩هـ، وتوفّي - على قولٍ - سنة ٣٢٥هـ، وكان يتّبع المتكلّم المعتزليّ المعروف أبا القاسم عبد الله بن أحمد الكعبيّ البلخيّ في الفلسفة. وكتب ابن زكريّا نقضاً على نقض شهيد البلخيّ(٢) .

إنّ ذكرنا لرأي محمّد بن زكريّا في باب اللّذّة وردّه من قبل أبي إسحاق النوبختيّ دليل آخر على أنّ مؤلّف كتاب الياقوت كان ممّن عاش بعد زمان ابن زكريّا أو في الأقلّ كان من معاصريه في القسم الأخير من حياته.

____________________

١ - عيون الأنباء في طبقات الأطبّاء ١: ٣١٥؛ زاد المسافرين٢٣٥.

٢ - الفهرست ٣٠١؛ القفطيّ ٢٧٥.

٢١٦

الفصل التاسع

أبو يعقوب إسحاق بن إسماعيل (المقتول سنة ٣٢٢هـ)

ونجله أبو الفضل يعقوب

كان لأبي سهل إسماعيل بن علي المتكلّم المعروف ولد آخر غير أبي الحسن عليّ الذي مرّت بنا ترجمته في ذيل سيرة أبيه المذكورة في الفصل السادس، وأصبح أشهر من أخيه بسبب نفوذه في جهاز الخلافة وتدخّله في الأعمال الديوانيّة والإداريّة.

ومن المؤسف أنّ تعيين نسب عدد من آل نوبخت وزمانهم أمر عسير، كما أنّ التحقيق الصحيح في ذلك يبدو متعذّراً. ويعود ذلك إلى قلّة المعلومات المفصّلة المنظّمة حول ترجمة أشخاص عديدين منهم، وإلى تعدّد الأسماء المشتركة في هذه الأُسرة، فالطريق مفتوح للحدس والتخمين والوقوع في الخطأ. من هنا لا نطمئنّ إلى أنّنا سنكون مصونين من الخبط في إلحاق نسب بعض الأشخاص غير المشهورين من آل نوبخت بالمشاهير الذين سبقوهم، مع عنائنا الكبير، وتدقيقنا، واحتياطنا في البحث. ولن يتيسّر تحديد صحّة أو سقم بعض هذه الفقرات التي نظّمناها من وحي الاضطرار حدساً وظنّاً إلاّ بالحصول على معلومات أُخرى.

٢١٧

وحينئذٍ تكتمل هذه الرسالة التي هي بمنزلة التمهيد لبحث مفصّل في هذا الموضوع، وتصحّح أخطاؤها بمساعدة العلماء الآخرين وجهودهم.

وكان بين آل نوبخت رجل آخر يُدعى إسحاق بن إسماعيل بن نوبخت وهو من أصحاب الإمام أبي الحسن عليّ بن محمّد الهاديعليه‌السلام (٢١٤-٢٥٤هـ)(١) ومن الطبيعيّ أنّ هذا الرجل لا يمكن أن يكون أبا يعقوب إسحاق بن إسماعيل بن إسحاق بن أبي سهل بن نوبخت المقتول سنة ٣٢٢هـ المترجَم له في هذا الفصل؛ لأنّ المدّة الواقعة بين وفاة الإمام العاشرعليه‌السلام وقتل أبي يعقوب إسحاق بن إسماعيل قرابة سبعين سنةً. ومن المستحيل أن يكون الولد من أصحاب الإمامعليه‌السلام في حين كان عمر أبيه أبي سهل إسماعيل سبع عشرة سنةً عند وفاة الإمامعليه‌السلام (كانت ولادة أبي سهل إسماعيل سنة ٢٣٧هـ كما مرّ بنا).

وإسحاق بن إسماعيل بن نوبخت هذا الذي عدّه مؤلّفو كتب الرجال من أصحاب الإمام الهاديعليه‌السلام لا يمكن أن يكون إلاّ إسحاق بن إسماعيل بن أبي سهل بن نوبخت، وهو ابن إسماعيل نديم أبي نواس وجامع ديوانه وأخباره، وقد استعرضنا سيرته في سياق ترجمة أولاد ابي سهل بن نوبخت. وكان لإسحاق بن إسماعيل هذا ولد أيضاً يُدعى يعقوب، ذكره المرزبانيّ باسم يعقوب بن إسحاق بن إسماعيل بن أبي سهل بن نوبخت. وكان معاصراً للمتكلّم المعروف أبي محمّد الحسن بن موسى (المتوفّى في إحدى السنوات الواقعة بين سنة ٣٠٠ وسنة ٣١٠هـ) ونقل عنه أبو محمّد خبراً حول أبي نواس كان يعقوب قد سمعه من جدّه إسماعيل بن أبي سهل بن نوبخت(٢) . ويبدو أنّ يعقوب بن إسحاق هذا هو الذي روى خبراً صغيراً من أخبار الإمام الرّضاعليه‌السلام (٣) . ولمـّا كان المرزبانيّ قد ذكر نسبه كلّه،

____________________

١ - رجال الاسترآباديّ ٥١؛ رجال التفرشيّ ٣٩ وغيرهما، نقلاً عن رجال الطوسيّ.

٢ - الموشّح ٢٧٤.

٣ - مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب ٥: ٩٥.

٢١٨

فلا يبقى شكّ في أنّه من فرع آخر من فروع آل نوبخت - أي: من أولاد إسماعيل بن أبي سهل بن نوبخت - لا من أعقاب أبي سهل إسماعيل بن عليّ وأخلافه. وكلّهم أولاد إسحاق بن أبي سهل بن نوبخت. ومن الطبيعيّ أنّنا ينبغي أن نتنبّه إلى أنّ يعقوب بن إسحاق بن إسماعيل بن أبي سهل بن نوبخت هو غير أبي الفضل يعقوب بن إسحاق بن أبي سهل إسماعيل بن عليّ بن إسحاق بن أبي سهل بن نوبخت الذي سنشير إلى ترجمته في ذيل هذا الفصل؛ لأنّ موضوع هذا الفصل هو أبو الفضل يعقوب بن إسحاق بن أبي يعقوب إسحاق. وسنذكر أنّه كان من عمّال السلاطين وكتّابهم، ومن الذين مدحهم البحتريّ الشاعر المشهور.

وكان لإسحاق بن إسماعيل بن أبي سهل بن نوبخت - الذي كان من أصحاب الإمام الهاديعليه‌السلام - ولدان آخران غير يعقوب المارّ ذكره. أحدهما: عليّ بن إسحاق بن إسماعيل الذي روى طَرَفاً من أخبار أبي نواس(١) ، وهو غير عليّ بن إسحاق بن أبي سهل والد المتكلّم الشهير أبي سهل إسماعيل، وإن كان اسم جدّه إسماعيل. والآخر: الحسن بن إسحاق الكاتب الذي كان ولداه أحمد ومحمّد قد تقارن زمانهما مع بداية الغيبة الصغرى، وممّن كانا قد رأيا الإمام القائمعليه‌السلام قبل الغيبة(٢) .

وبعد ذكر هذه المقدّمات التي رأينا ضرورة بيانها رفعاً للخلط والالتباس، نستعرض فيما يأتي ترجمة أبي يعقوب إسحاق بن أبي سهل إسماعيل بن عليّ بن إسحاق بن أبي سهل بن نوبخت الذي كان من مشاهير الكتّاب في البلاط العبّاسيّ، وممّن مدحهم البحتريّ.

إنّ أوّل مرّة ذكر التاريخ فيها إسحاق بن إسماعيل هي سنة ٣١٢هـ. أي: بعد وفاة أبيه أبي سهل إسماعيل بسنةٍ. بَيْد أنّ الثابت هو أنّ إسحاق وابنه أبا الفضل يعقوب

____________________

١ - أخبار أبي نواس ١: ١٥٦.

٢ - كمال الدين وتمام النعمة ٢٤٦.

٢١٩

كانا من ذوي الشأن والنفوذ ومن أعيان البلاط والعاملين في الدواوين قبل هذا التاريخ بمدّة، لأنّ البحتريّ الذي مات سنة ٢٨٣ أو ٢٨٤هـ كان قد مدحهما. ويُستشفّ من إحدى مدائح البحتريّ أنّ أبا يعقوب إسحاق بن إسماعيل كان مكلّفاً بمهمّةٍ في أطراف العواصم(١) وقنِّسرين، إذ طهّر حدود قنّسرين من رجلٍ معتدٍ وأراح الرعيّة منه، وجمع الناس بعد فُرقتهم وعامَلَهم بالعدل والإنصاف وكان البحتريّ أحدهم، فقال في قصيدةٍ له مشيراً إلى ذلك:

إنّ العواصمَ قد عُصِمْنَ بأبيضٍ

ماضٍ كصَدرِ الأبيضِ المسلولِ(٢)

أعطى الضَعيفَ مِنَ القويِّ وَرَدَّ مِنْ

نَفْسِ الوحيدِ ومنَّةِ المخذولِ

عزَّ الذليلُ وَقَد رآكَ تَشُدُّ مِن

وَطْءٍ عَلى نَفْسِ العزيزِ ثقيلِ

ورَحضتَ قِنِّسرين حتّى أُنقِيَتْ

جَنَباتُها مِن ذلكَ البِرطيلِ

وكَمَعْتَ شِدقَ الآكِلِ الذَّرْبِ الشَّبَا

حتى حَمَيتَ جُزارَةَ المأكولِ

أحكمتَ ما دَبَّرْتَ بالتقريب

والتبعيدِ والتصعيبِ والتسهيلِ

لو لا التَّبايُنُ في الطَّبائعِ لم يَقُمْ

بُنيانُ هذا العَالَمِ المجبولِ

قولٌ يُتَرجِمُهُ الفِعال وإِنَّما

يُتَتَهَّمُ التّنزيلُ بالتّأويلِ

ماذا نَقُولُ وقَد جَمَعتَ شتاتَنا

وأتَيتَنا بِالعَدلِ والتعديلِ(٣) ؟!

وهذه المهمّة التي نأسف أنّنا لا نعلم متى تحقّقت وما هو موضوعها كانت - حسب ما تفيده القرائن - في أواخر عمر البحتريّ الذي كان يعيش يومئذٍ في أطراف العواصم، وتوفّي في حلب أو مَنْبج سنة ٢٨٣ أو ٢٨٤هـ.

وليس لدينا اطّلاع على حياة أبي يعقوب إسحاق منذ وفاة البحتريّ حتّى سنة

____________________

١ - كانت العواصم مجموعة قلاع بين حلب وأنطاكية، وهي واقعة بين أراضي المسلمين والمناطق الخاضعة لنفوذ النصارى. وكانت ملجأً للمسلمين عند عودتهم من جهاد النصارى.

٢ - هذه الأبيات من قصيدة في مدح أبي يعقوب إسحاق. وقد ذكرنا قسماً منها في الصفحات الأُولى من الكتاب.

٣ - ديوان البحتريّ ١٧٨-١٧٩.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288