آل نوبخت

آل نوبخت0%

آل نوبخت مؤلف:
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 288

آل نوبخت

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: عباس إقبال آشتياني
تصنيف: الصفحات: 288
المشاهدات: 85579
تحميل: 8324

توضيحات:

آل نوبخت
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 288 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 85579 / تحميل: 8324
الحجم الحجم الحجم
آل نوبخت

آل نوبخت

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ترجمة إبراهيم بن محمّد بن أبي عون.

٢ - التوقيع الذي صدر بيد الحسين بن روح النوبختيّ في ذي الحجّة ٣١٢هـ في لعن الشلمغانيّ. والأخبار التي نقلها الشيخ الطوسيّ (المتوفّى سنة ٤٦٠هـ) في هذا الباب من كتاب الغيبة(١) ، عن رواة الشيعة في شأن عقائد الشلمغانيّ.

٣ - مجمل من عقائده مذكور في كتاب الفَرْق بين الفِرَق لأبي منصور عبد القاهر الأشعريّ البغداديّ المتوفّى سنة ٤٢٩هـ.

٤ - الشرح الذي أورده ابن الأثير (المتوفّى سنة ٦٣٢هـ) في وقائع سنة ٣٢٢هـ من تاريخه. وغالب مضامينه يتّفق مع ما تحويه رسالة الراضي إلى الأمير نصر. وغير ذلك من المصادر كرجال النجاشيّ، وتجارب الأُمم لأبي عليّ بن مسكويه، والفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم الظاهريّ، ووفيات الأعيان لابن خلّكان، والآثار الباقية لأبي الريحان البيرونيّ، ورسالة ابن القارح، وهي تقدّم لنا بعض المعلومات أيضاً. وسنشير إليها كلّها في هذه الترجمة الموجزة. بعامّة نستطيع أن نلخّص أُصول عقائد الشلمغانيّ كالآتي:

١ - يحلّ الله في كلّ شيء على قدر ما يحتمل، والشلمغانيّ هو مَن حلّت فيه روح الله بتمامها. ولمّا تشبّه الشلمغانيّ بالمسيح والحلاّج في هذا العمل، سُمّي (روح القُدُس)(٢) ، و(المسيح)(٣) ، و(الحلاّج)(٤) .

يعتقد الشلمغانيّ أنّ الله يظهر في كلّ شيء بكلّ صورة. وهو اسم لخطور المعاني والخواطر في قلوب الناس، ويصوّر كلّ ما خفي عليهم إلى الحدّ الذي يبدو فيه أنّهم يدركونه بالمشاهَدة. وكلّ من احتاج الناس إليه فهو إلههم؛ من هنا

____________________

١ - ألّف الشيخ الطوسيّ كتاب الغيبة سنة ٤٤٧هـ (انظر: ص٢٣٢-٢٣٣ منه).

٢ - الفرق بين الفرق ٢٤٩؛ الآثار الباقية ٢١٤.

٣ - معجم الأدباء ١: ٣٠١؛ الغيبة للطوسيّ ٢٦٥.

٤ - معجم الأُدباء ١: ٢٩٨؛ الغيبة ٢٦٥؛ تجارب الأُمم ٥: ١٢٣.

٢٦١

يستطيع كلّ إنسانٍ أن يستحقّ مقام الأُلوهيّة ويُدعى إلهاً.

كان كلّ واحد من أتباع الشلمغانيّ يرى نفسَه إلهاً لمن دونه، بعبارة أُخرى كلّ ما دون يُعدّ مفضولاً بالنسبة إلى ما فوق (الفاضل). على سبيل المثال كان أحد العزاقرة يقول: أنا إله فلان، وفلان إله فلان، وفلان إله إلهي، حتّى يصل التسلسل إلى الشلمغانيّ. وكان الشلمغانيّ يزعم أنّه ربّ الأرباب، وإله الآلهة، وأفضل العزاقريّة، ولا إله بعده.

والعزاقريّة أتباع الشلمغانيّ لا ينسبون الحسن والحسينعليهما‌السلام إلى عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام . ويقولون: من اجتمعت له الرّبوبيّة لا يكون له ولد. وكانوا يسمّون موسىعليه‌السلام ومحمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله الخائنَين؛ لأنّهم يدّعون أنّ هارون أرسل موسى، وعليّاً أرسل محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله فخاناهما. ويزعمون أنّ عليّاً أمهل محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله عدّة سِنِي أصحاب الكهف. فإذا انقضت هذه العدّة، وهي ثلاثمائة وخمسون سنةً، انقرضت الشريعة. ويبدو أنّ هدفهم من ذكر هذا العدد هو أنّ الإسلام نُسخ وحلّ محلّه دين الشلمغانيّ بعد مضيّ (٣٥٠) سنة على المبعث النبويّ، وكان ذلك متزامناً مع أيّام ظهور دعوة الشلمغانيّ.

ويقول هؤلاء في وصف الملائكة: إنّ المَلَك كلّ مَن مَلَك نفسه، وعرف الحقّ ورآه. وإنّ الجنّة معرفتهم واتّباع مذهبهم، والنار الجهل بهم والرجوع عن مسلكهم.

وكان الشلمغانيّ يعتقد أنّ روح الله حلّت في آدم، ثمّ في شيث، ثمّ في الأنبياء والأوصياء والأئمّة واحداً بعد واحد، حتّى حلّ في الحسن بن عليّ العسكريّعليه‌السلام ، وأنّه حلّ فيه(١) .

وقال: إنّ روح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله انتقلت إلى أبي جعفر محمّد بن عثمان العمريّ النائب الثاني للإمام المهديّعليه‌السلام ، وروح أمير المؤمنين

____________________

١ - معجم الأدباء ١: ٢٩٦.

٢٦٢

عليّعليه‌السلام انتقلت إلى بدن الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح، وروح مولاتنا فاطمةعليها‌السلام انتقلت إلى أُمّ كلثوم بنت أبي جعفر العمريّ(١) .

روى أبو عليّ بن همام الإسكافيّ أنّ الشلمغانيّ قال له: الحقّ واحد وإنّما تختلف قُمُصه. فيوم يكون في أبيض، ويوم يكون في أحمر، ويوم يكون في أزرق. قال ابن همام: فهذا أوّل ما أنكرتُه من قوله؛ لأنّه قول أصحاب الحُلول(٢) .

٢ - يعتقد العزاقريّة بترك الصلاة والصيام والغسل، ولا يتناكحون بعقدٍ على سنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويبيحون الفروج. ويقولون: إنّ محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله بُعث إلى كبراء قريش وجبابرة العرب، ونفوسهم أبيّة، فأمرهم بالسجود ليمتحن طاعتهم. وإنّ الحكمة الآن أن يُمتحن الناس بإباحة فروج نسائهم. ولا إشكال عندهم في نكاح المحارم ونساء الأصدقاء والأولاد، إذا كان قد ورد في دين الشلمغانيّ. وذكر المؤرّخون أنّ العزاقريّة لم يستنكفوا عن إرسال نسائهم ليستمتع بهنّ من هو أعلى منهم درجة في دينهم. بل كانوا يرون هذا العمل شرفاً لهم؛ لاعتقادهم أنّ الفاضل يولج نوره في المفضول فيستمتع به المفضول. ولمّا كان الشلمغانيّ ربّ الأرباب وأفضل العزاقريّة، فإنّ أتباعه كانوا يتسابقون في إرسال نسائهم إليه من أجل كسب نور الفضل، ومَن أبى قُلِبَ امرأةً عند الشلمغانيّ الذي كان يقول بالتناسخ أيضاً. ودوّن الشلمغانيّ أحكامه الدينيّة في كتاب عنوانه الحاسّة السادسة. ويعدّ هذا الكتاب دستوراً دينيّاً لأصحابه، ويبدو أنّ موضوعه الأصليّ هو رفض أحكام الشرائع السابقة(٣) . ويبرأ الشلمغانيّ وأصحابه من آل أبي طالب وبني العبّاس، ويرون وجوب هلاكهما.

٣ - مِن أهمّ عقائد الشلمغانيّ قوله بحمل الضدّ، وهو أنّ الله خلق الضدّ ليدلّ

____________________

١ - الغيبة ٢٦٤.

٢ - نفسه ٢٦٧.

٣ - الآثار الباقية ٢١٤.

٢٦٣

على المضدود، وأنّه لا يتهيّأ إظهار فضيلة للوليّ إلاّ بطعن الضدّ فيه؛ لأنّه يحمل سامعي طعنه على طلب فضيلته، فإذاً هو أفضل من الوليّ؛ إذ لا يتهيّأ إظهار الفضل إلاّ به. وحينئذٍ يفوق الدليل على وجود الحقيقة نفس الحقيقة.

يرى أتباع الشلمغانيّ أنّ الله إذا حلّ في جسد ناسوتيّ ظهر من القدرة والمعجزة ما يدلّ على أنّه هو، كما ظهرت هذه الحالة في سبعة أوادم (كلّ آدم يطابق عالَماً). وبعد آدم السابع ظهر اللاهوت في خمسة أجساد ناسوتيّة، وخمسة أبالسة أضداد لتلك الخمسة. ثمّ اجتمعت اللاهوتيّة في إدريس وإبليسه. وتفرّقت بعدهما كما تفرّقت بعد آدم. واجتمعت في نوح وإبليسه، وتفرّقت عند غيبتهما. واجتمعت في صالح وإبليسه عاقر الناقة، وتفرّقت بعدهما. واجتمعت في إبراهيم وإبليسه نمرود. واجتمعت في هارون وإبليسه، وتفرّقت بعدهما. واجتمعت في داود وإبليسه جالوت. وفي سليمان، وفي عيسى وتلاميذه. ثمّ اجتمعت في عليّ بن أبي طالب. ثمّ في بدن ابن العزاقر(١) .

أمّا في الضدّ أو إبليس، فقال بعضهم: الوليّ ينصب الضدّ ويحمله على ذلك، كما قال قوم من أصحاب الظاهر: إنّ عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام نصب أبا بكر في ذلك المقام. وقال بعضهم: لا، ولكن هو قديم معه لم يزل. (قالوا): والقائم الذي ذكر أصحاب الظاهر أنّه من ولد الإمام الحادي عشر، فإنّه يقوم معناه إبليس لأنّه قال:( فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلّهُمْ أَجْمَعُونَ* إِلّا إِبْلِيسَ ) ، فلم يسجد. ثمّ قال:( لَأَقْعُدَنّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ) . فدلّ على أنّه كان قائماً في وقت ما أُمر بالسجود، ثمّ قعد بعد ذلك. وقوله: يقوم القائم إنّما هو ذلك القائم الذي أُمر بالسجود فأبى، وهو إبليس لعنه الله(٢) .

وقال أحد شعراء العزاقريّة في باب الضدّ، أي: إبليس:

____________________

١ - معجم الأُدباء ١: ٣٠١-٣٠٢؛ الكامل في التاريخ لابن الأثير، وقائع سنة ٣٢٢هـ.

٢ - الغيبة ٢٦٥.

٢٦٤

يا لاعناً للضدِّ من عَدِيِّ(١)

ما الضدُّ إلاّ ظاهِرَ الوليِّ

والحمدُ للمُهيمنِ الوفيِّ

لَستُ عَلَى حالٍ كَحَمّاميِّ

ولا حَجاميّ ولا جُغْديّ

قَد فُقْتُ مِن قَولي على الفَهديّ

نَعَم وَجَاوَزتُ مَدَى العيدي

فَوقٌ عَظيمٌ لَيسَ بِالمجوسيّ

لأَنّهُ الفَردُ بِلاَ كيفيّ

مُتَّحِدٌ بِكُلِّ أوحَدِيِّ

مُخالِطُ النُّوريِّ وَالظُّلْمِيّ

يا طالبِاً مِن بَيتِ هاشِميِّ

وجاحِداً مِن بَيتِ كِسرَويِّ

قد غابَ في نِسبَةِ أعْجَميِّ

في الفارِسيِّ الحَسَبِ الرَّضِيِّ

كما التَوى في العُربِ مِن لُوَيِّ(٢)

مؤلَّفات الشلمغانيّ

كان أبو جعفر الشلمغانيّ قد ألّف كتباً أُخرى غير كتاب الحاسّة السادسة. ولمّا كان في عداد علماء الإماميّة قبل انحرافه أو أيّام استقامته، فإنّ عدداً من كتبه كان لها شأنها عند الإماميّة. وكما ذكرنا سابقاً، فإنّه عندما عاش متخفّيّاً في مُعلّثايا، قام أبو الفضل محمّد بن عبد الله بن المطّلب، وهو من علماء الإماميّة، بقراءتها عنده. وفيما يأتي دليل لكتبه اعتماداً على كتاب رجال النجاشيّ، وكتاب الغيبة للشيخ الطوسيّ:

١ - كتاب التكليف

ألّفه الشلمغانيّ في أيّام استقامته. وعندما انتشر هذا الكتاب أخذه جماعة من الشيعة إلى الحسين بن روح، فقرأه من أوّله إلى آخره، فقال: ما فيه شيء إلاّ وقد رُوي عن الأئمّة إلاّ موضعين أو ثلاثة فإنّه كذب عليهم في روايتها(٣) . وكان الشيخ

____________________

١ - إشارة إلى الشيطان الذي كانوا يسمّونه (شيخ بني عَدِيّ).

٢ - الغيبة، الشيخ الطوسيّ ٢٦٦.

٣ - الغيبة ٢٦٧.

٢٦٥

المفيد يروي هذا الكتاب إلاّ موضعاً واحداً منه. وهو باب الشهادات الذي روى فيه العلاّمة الحلّيّ أنّ الشلمغانيّ قال فيه ما مضمونه: إذا كان للرجل شاهد واحد فحسب جاز لأخيه أن يشهد بحقّه عند الجهل بأصل الموضوع(١) .

ولعلّ الصحيح التامّ في هذا الموضوع ما نقله العلاّمة عن الشيخ المفيد هو ما رواه الشيخ الطوسيّ عن أبي عبد الله الحسين بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه أنّ الشلمغانيّ قال في الشهادة: (إذا كان لأخيك المؤمن على رجلٍ حقٌّ فدفعه ولم يكن له من البيّنة عليه إلاّ شاهدٌ واحدٌ وكان الشاهد ثقة رجعت إلى الشاهد فسألته عن شهادته، فإذا أقامها عندك شهدت معه عند الحاكم على مثل ما يشهده عنده لئلاّ يتوى حقّ امرئ مسلم)(٢) .

نقل محمّد بن فضل بن تمّام عن أحد شيوخه أنّ الشلمغانيّ عندما كان يؤلّف كتاب التكليف، كان كلّما أصلح باباً منه أدخله إلى الحسين بن روح فيعرضه عليه ويحكّكه، فإذا صحّ الباب خرج فنقله وأمرنا بنسخه(٣) .

٢ - رسالة تحوي خطاباً موجّهاً إلى أبي عليّ محمّد بن همّام الإسكافيّ(٤) .

٣ - كتاب ماهيّة العصمة.

٤ - كتاب الزاهر بالحجج العقليّة.

٥ - كتاب المباهلة.

٦ - كتاب الأوصياء.

نقل الشيخ الطوسيّ في كتاب الغيبة مرّتين من الكتاب المذكور(٥) .

٧ - كتاب المعارف.

____________________

١ - الخلاصة، للعلاّمة الحلّيّ ١٢٤؛ رجال الأسترآباديّ ٣٠٧.

٢ - الغيبة ٢٦٧.

٣ - نفسه ٢٥٤.

٤ - انظر: ذيل ص٢٥٠ من هذا الكتاب.

٥ - الغيبة ١٥٨ و٢٢١.

٢٦٦

٨ - كتاب الإيضاح.

٩ - كتاب فضل النُّطق على الصَّمت.

١٠ - كتاب فضائل العُمرَتَين.

١١ - كتاب الأنوار.

١٢ - كتاب التسليم.

١٣ - كتاب الزُّهَّاد والتوحيد.

١٤ - كتاب البَداء والمشِيَّة.

١٥ - كتاب نظم القرآن.

١٦ - كتاب الإمامة، كبير.

١٧ - كتاب الإمامة، صغير(١) .

١٨ - كتاب الغَيْبَة.

وكان الشيخ الطوسيّ يقتني الكتاب الأخير، ونقل فقرةً منه(٢) .

كان لكتب الشلمغانيّ صيتها عند الشيعة الإماميّة، وكانوا يقتنونها بسبب منزلته العلميّة وقربه من الحسين بن روح، وذلك قبل ارتداده. وعندما ثبت ارتداده وصدر لعنه، سأل جماعةٌ من الإماميّة الحسينَ بن روح عن كتبه وأخبروه عن امتلاء دورهم بها، فقال لهم: أقول فيها ما قاله أبو محمّد الحسن بن عليّ صلوات الله عليهما وقد سئل عن كتب بني فضّال(٣) ، فقال صلوات الله عليه: «خُذُوا بما رَوَوا

____________________

١ - وردت عناوين هذه الكتب السبعة عشر مع كتاب آخر ليس له عنوان في رجال النجاشيّ ٢٦٨ باسم الشلمغانيّ.

٢ - الغيبة ٢٥٥.

٣ - هم أحمد المتوفّى سنة ٢٦٠هـ، ومحمّد، وأبو الحسن عليّ أبناء أبي محمّد الحسن بن عليّ بن فضّال الكوفيّ (المتوفّى سنة ٢٢٤هـ). وكانوا في عداد فقهاء الفطحيّة كأبيهم. وكان الفطحيّة يعدّونهم من فقهائهم الكبار. وقد صنّفوا كتباً كثيرة في تأييد هذا المذهب، بخاصّة عليّ الذي بلغت كتبه قرابة ثلاثين =

٢٦٧

وذَرُوا مارأوا» (١) .

دعا الشلمغانيّ في بدء أمره جماعة من أعيان بغداد إليه سرّاً. وكان ينشر أخباراً باسم الحسين بن روح، ويعرّف نفسه للشيعة على أنّه بابه.

روت أمّ كلثوم بنت أبي جعفر العَمريّ ما نصّه: (كان أبو جعفر بن أبي العزاقر وجيهاً عند بني بسطام(٢) ؛ وذلك أنّ الشيخ أبا القاسم - رضي الله تعالى عنه وأرضاه - كان قد جعل له عند الناس منزلةً وجاهاً. فكان عند ارتداده يحكي كلّ كذبٍ وبلاء وكفر لبني بسطام، ويسنده عن الشيخ أبي القاسم فيقبلونه منه ويأخذونه عنه، حتّى انكشف ذلك لأبي القاسم - (رضي الله عنه) - فأنكره وأعظمه، ونهى بني بسطام عن كلامه، وأمرهم بلعنه والبراءة منه، فلم ينتهوا وأقاموا على تولّيه؛ وذاك أنّه كان يقول لهم: إنّني أذعتُ السرّ وقد أُخِذ عليّ الكتمان فعوقبت بالإبعاد بعد الاختصاص؛ لأنّ الأمر عظيم لا يحتمله إلاّ مَلَك مقرّب أو نبيّ مُرسَل أو مؤمن مُمتَحن، فيوكد في نفوسهم عِظم الأمر وجلالَتَه. فبلغ ذلك أبا القاسم - (رضي الله عنه) - فكتب إلى بني بسطام بلعنه والبراءة منه وممّن تابعه على قوله، وأقام على تولّيه. فلمّا وصل إليهم أظهروه عليه فبكى بكاءً عظيماً، ثمّ قال: إنّ لهذا القول باطناً عظيماً، وهو أنّ اللعنة الإبعاد. فمعنى قوله: لعنه الله، أي: باعده الله عن العذاب والنار، والآن قد عرفت منزلتي! ومرّغ خدّيه على التراب، وقال: عليكم بالكتمان

____________________

= كتاباً. (للاطّلاع على ترجمتهم، انظر: رجال النجاشيّ ٢٥-٢٦، ٥٩، ١٨١، ١٨٣، ورجال الكشّيّ: ٣١٩ وغيرهما).

١- الغيبة: ٢٥٤.

٢ - كانت أُسرة بسطام من الأسر القديمة، تولّوا بعض الأعمال الكتابيّة والديوانيّة في البلاط العبّاسيّ وحكومات المناطق المجاورة. ومن هذه الأُسرة أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن بسطام وابناه أبو القاسم عليّ وأبو الحسن محمّد، وكانت لهم صلة بآل الفرات. وكان أبو الحسين محمّد صهراً لحامد بن العبّاس الوزير. وكانت هذه الأسرة في البداية تنحاز إلى الإماميّة كآل الفرات، لكنّها مالت إلى الشلمغانيّ بعد ظهور أمره. من هنا أصدر القاهر العبّاسيّ أمراً بمراقبة دارَي أبي القاسم عليّ وأبي الحسين محمّد من قبل مفرزة خاصة سنة ٣٢١هـ.

٢٦٨

لهذا الأمر).

قالت أمّ كلثوم رضي الله عنها: وقد كنت أخبرتُ الشيخ أبا القاسم أنّ أمّ أبي جعفر بن بسطام قالت لي يوماً، وقد دخلنا إليها فاستقبلتني وأعظمتني وزادت في إعظامي حتّى انكبّت على رِجلي تقبّلها، فأنكرتُ ذلك، وقلتُ لها: مَهلاً يا سِتّي؛ فإنّ هذا أمر عظيم. وانكببتُ على يدها، فبكت، ثمّ قالت: كيف لا أفعل بكِ هذا وأنتِ مولاتي فاطمة؟ فقلتُ لها: وكيف ذاك يا ستّي؟ فقالت لي: إنّ الشيخ أبا جعفر محمّد بن عليّ خرج إلينا بالسّر. قالت: فقلتُ لها: وما السرّ؟ قال: قد أخذ علينا كتمانه وأفزع إن أنا أذعتهُ عُوقبتُ. قالت: وأعطيتها مَوثِقاً أنّي لا أكشفه لأحد، واعتقدتُ في نفسي الاستثناء بالشيخ - (رضي الله عنه) - يعني أبا القاسم الحسين بن روح - قالت: إنّ الشيخ أبا جعفر قال لنا: إنّ روح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله انتقلت إلى أبيك - يعني: أبا جعفر محمّد بن عثمان (رضي الله عنه)، وروح أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام انتقلت إلى بدن الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح، وروح مولاتنا فاطمةعليها‌السلام انتقلت إليكِ، فكيف لا أُعظّمك يا سِتَّنا؟! فقلتُ لها: مهلاً لا تفعلي، فإنّ هذا كذبٌ يا ستّنا. فقالت لي: سرّ عظيم، وقد أخذ علينا لا نكشف هذا لأحد؛ فالله الله فيَّ لا يحلّ لي العذاب. ويا ستّي لو أنّك حملتيني على كشفه ما كشفته لك ولا لأحدٍ غيركِ. قالت الكبيرة أمّ كلثوم - رضي الله عنها -: فلمّا انصرفت من عندها، دخلتُ على الشيخ أبي القاسم بن روح - (رضي الله عنه) - فأخبرتُه بالقصّة - وكان يثق بي ويركن إلى قولي - فقال لي: يا بُنيّة إيّاكِ أن تمضي إلى هذه المرأة بعد ما جرى منها، ولا تقبلي لها رقعةً إن كاتَبتكِ ولا رسولاً إن أنفذته إليك ولا تلقيها بعد قولها؛ فهذا كفرٌ بالله تعالى وإلحاد قد أحكمه هذا الرجل الملعون في قلوب هؤلاء القوم ليجعله طريقاً إلى أن يقول لهم بأنّ الله تعالى اتّحد به وحلّ فيه كما يقول النصارى في المسيحعليه‌السلام ، ويعدو إلى قول الحلاّج لعنه الله. قالت: فهجرتُ بني بسطام وتركتُ المضيّ إليهم ولم أقبل لهم عذراً ولا لقيتُ أُمّهم بعدها. وشاع في بني

٢٦٩

نوبخت الحديث، فلم يَبقَ أحد إلاّ وتقدّم إليه الشيخ أبو القاسم، وكاتبه بلعن أبي جعفر الشلمغانيّ والبراءة منه وممّن يتولاّه ورضي بقوله أو كلّمه فضلاً عن موالاته. ثمّ ظهر التوقيع من صاحب الزمانعليه‌السلام بلعن أبي جعفر محمّد بن عليّ والبراءة منه وممّن تابعه وشايعه ورضي بقوله، وأقام على تولّيه بعد المعرفة بهذا التوقيع)(١) .

ذكر الطبرسيّ في كتاب الاحتجاج، والطوسيّ في كتاب الغيبة(٢) - باختلافٍ في الرواية - عين هذا التوقيع الذي أصدره الحسين بن روح في ذي الحجّة سنة ٣١٢هـ - وهو سجين في بلاط المقتدر - بإيعاز من الإمام المهديّعليه‌السلام ، وأنفذه إلى أبي عليّ محمّد بن همّام الإسكافيّ البغداديّ لنشره بين الإماميّة، وفيما يأتي نصّه:

«عَرِّفْ - أطال اللهُ بقاك وعرّفك الله الخير كلّه وختم به عملك - مَنْ تثق بدِينه وتسكن على نيّته من إخواننا، أدام الله سعادتهم، بأنّ محمّد بن عليّ المعروف بالشلمغانيّ - عجّل الله له النقمة ولا أمهله - قد ارتدّ عن الإسلام وفارقه، وألحد في دين الله، وادّعى ما كفر معه بالخالق جلّ وتعالى، وافترى كذباً وزوراً، وقال بهتاناً وإثماً عظيماً، كذب العادلون بالله وضلّوا ضلالاً بعيداً وخسروا خسراناً مبيناً، وإنّا برئنا إلى الله تعالى وإلى رسوله صلوات الله عليه وسلامه ورحمته وبركاته منه، ولعنّاه، عليه لعائن الله تترى في الظاهر منّا والباطن في السرّ والجهر وفي كلّ وقتٍ وعلى كلّ حالٍ، وعلى كلّ مَن شايَعَه وتابَعَه وبلغه هذا القول منّا فأقام على تولِّيهِ بعده. وأعْلِمْهُم - تولاّكَ الله - أنّنا في التوقّي والمُحاذَرة منه على

____________________

١ - الغيبة ٢٦٣-٢٦٥.

٢ - الاحتجاج ٢٤٥؛ الغيبة ٢٦٨-٢٦٩. مع أنّ هذا التوقيع صدر في ذي الحجّة سنة ٣١٢هـ متزامناً مع الأيّام الأولى لحبس الحسين بن روح، بَيد أنّ القرائن تفيد أنّ الإذن بنشره قد صدر قبل نجاته من الحبس سنة ٣١٧هـ بقليل. (الغيبة ٢٦٨).

٢٧٠

مثل ما كنّا عليه ممّن تقدّمه من نظرائه من الشريعيّ (١) ، والنميريّ (٢) ، والهلاليّ (٣) ، والبلاليّ (٤) ، وغيرهم. وعادة الله جلّ ثناؤه مع ذلك قبله وبعده عندنا جميلة. وبه نثق وإيّاه نستعين وهو حسبنا في كلّ أُمورنا ونعم الوكيل» .

عندما صدر لعن الشلمغانيّ على يد الحسين بن روح ابتعد عنه شيعة بغداد، ونقلوا حكاية لعنه في المجالس والمحافل. وجهد الشلمغانيّ لإثبات أحقّيّته، ومعارضة الحسين بن روح، وإقناع الشيعة الموالين له. وصنّف كتاب الغيبة في تلك البرهة، وعرّض فيه بالحسين بن روح، وزعم أنّه شريك الشيخ أبي القاسم النوبختيّ في التمهيد للوكالة والنيابة، بَيْد أنّ معظم الإماميّة لم يُصغُوا إلى دعاواه، وسعوا في لعنه(٥) .

وتقارنت حادثة قتل الشلمغانيّ مع اجتماع رؤساء الشيعة في دار الوزير أبي عليّ بن مقلة، وكانوا يتناقلون لعنه الذي أظهره الحسين بن روح، فقال لهم: اجمعوا

____________________

١ - كان أبو محمّد الحسن الشريعيّ من أصحاب الإمام العاشر والحادي عشرعليهما‌السلام , وهو أوّل من أدّعى البابيّة بعد الإمام الحادي عشر، وظهر منه القول بالكفر والإلحاد، وخرج التوقيع بلعنه، يقال لأتباعه: الشريعيّة، وهم من الغلاة والحلوليّة (انظر: الغيبة ٢٤٨؛ مقالات الإسلاميّين ١٤-١٥؛ الفَرق بين الفِرَق ٢٣٩؛ تبصرة العوامّ ٤١٩؛ الاحتجاج ٢٤٤).

٢ - كان محمّد بن نُصير النُّميريّ من أصحاب الإمام الحادي عشرعليه‌السلام . فلمّا توفّي الإمام ادّعى مقام أبي جعفر العمريّ، وزعم أنّه رسولٌ نبيّ. سُمّي أتباعه: النّميريّة، وهم من الغلاة والحلوليّة. (انظر: رجال الكشّيّ ٣٢٣؛ الغيبة ٢٥٩-٢٦٠؛ مقالات الأشعريّ ١٥؛ تبصرة العوامّ ٤١٩؛ الفَرق بين الفِرَق ٢٣٩؛ الاحتجاج ٢٤٤؛ وص١٧٦-١٧٩ من هذا الكتاب).

٣ - أبو جعفر أحمد بن هلال العَبَرتائي الكرخيّ (١٨٠-٢٦٧هـ) من الغلاة ومن أصحاب الإمام العسكريّعليه‌السلام . أنكر وكالة أبي جعفر العمريّ بعد وفاة الإمام (للاطّلاع على ترجمته انظر: الغيبة ٢٦٠؛ رجال الكشّيّ ٣٣٢-٣٣٣؛ رجال النجاشيّ ٦٠-٦١؛ الفهرست للطوسيّ ٥٠؛ الاحتجاج ٢٤٥).

٤ - أبو طاهر محمّد بن عليّ بن بلال من أصحاب الإمام العسكريّعليه‌السلام . أنكر وكالة أبي جعفر العمريّ وسمّى نفسه وكيل الإمام الغائب مكانه. (انظر: الغيبة ٢٦٠-٢٦١؛ الاحتجاج ٢٤٥).

٥ - الغيبة ٢٥٥.

٢٧١

بيني وبينه حتّى آخذ يده ويأخذ بيدي، فإن لم تنزل عليه نار من السماء تحرقه، وإلاّ فجميع ما قاله فيّ حقٌّ. ورُقي في ذلك إلى الراضي فأمر بالقبض عليه وقتله(١) .

بَيْد أنّ القبض عليه لم يتحقّق بسهولة؛ لأنّ أبا عليّ بن مقلة كان يلاحقه مدّة بأمر السلطان. ولمـّا كان يعيش متخفّياً ويفرّ من نقطة إلى أُخرى، لم يفلح شرطة الوزير والسلطان بالقبض عليه وظلّ كذلك حتّى ظفروا به في شوّال سنة ٣٢٢هـ. فسجنه ابن مقلة وكبس داره فوجد فيها رقاعاً وكتباً ممّن يدّعي عليه أنّه على مذهبه كالحسين بن القاسم بن عبيد الله بن وهب، وإبراهيم بن محمّد بن أبي عون، وابن شبيب الزيّات، وأحمد بن محمّد بن عبدوس. وقد خاطبه فيها هؤلاء بما يليق بشأن الله تعالى. وعُرضت هذه الخطوط على الناس بمحضر السلطان. وثبتت صحّتها، فأقرّ الشلمغانيّ أنّها خطوطهم، وأنكر مذهبه وأظهر الإسلام، وتبرّأ ممّا يقال فيه.

واستدعى السلطان العبّاسيّ أحمدَ بن محمّد بن عبدوس، وإبراهيمَ بن أبي عون، والشلمغانيّ حاضر، فأمرهما بصفع ربّهما، فامتنعا. فلمّا أُكرها، مدّ ابن عبدوس يده وصفعه. أمّا ابن أبي عون فإنّه مدّ يده إلى لحيته ورأسه، فارتعدت يده، فقبّل لحية الشلمغانيّ ورأسه. ثمّ قال: إلهي، وسيّديّ، ورازقي! فقال له الراضي: قد زعمتَ أنّك لا تدّعي الإلهيّة، فما هذا؟ فقال: وما علَيّ من قول ابن أبي عون والله يعلم أنّني ما قلتُ له: إنّني إله قطّ! فقال ابن عبدوس: إنّه لم يدَّعِ الإلهيّة، وإنّما ادّعى أنّه الباب إلى الإمام المنتظر مكان ابن روح(٢) .

حوكم الشلمغانيّ وأتباعه بأمر السلطان عدّة مرّات، بحضور القضاة والفقهاء والكتّاب ورؤساء الجيش(٣) . وأجمع الحاضرون على قتله. وقبل تنفيذ الحكم

____________________

١ - الغيبة ٢٦٥.

٢ - الكامل في التاريخ، وقائع سنة ٣٢٢.

٣ - للاطّلاع على تفصيل محاكمته، انظر: كتاب الفرق بين الفِرَق ٢٥٠، وهو لا يخلو من بعض الأخطاء التاريخيّة.

٢٧٢

استمهل القضاة ثلاثة أيّام لينزل حكم تبرئته من السماء أو يُبتلى أعداؤه بالعذاب. ولكنّ الفقهاء طلبوا من السلطان العبّاسيّ التعجيل في قتله، فأمر في يوم الثلاثاء ٢٩ من ذي القعدة سنة ٣٢٢هـ بجلد الشلمغانيّ وابن أبي عون، وضرب عنقيهما وصلبهما وحرقهما وإلقاء رمادهما في ماء دجلة(١) . وقتل الحسين بن قاسم في آخر ذي القعدة من السنة نفسها في مدينة الرقّة، وأُتي برأسه إلى بغداد(٢) .

لم يَرعُ العزاقريّة عن دعاواهم بعد قتل الشلمغانيّ بخاصّة أنّهم كان لهم أنصار في أُسرة بني بسطام. وبعد قتل الشلمغانيّ ادّعى رجل يعرف بالبصريّ نيابته، وزعم أنّ روح الشلمغانيّ حلّت فيه، وأنّ له مقام الأُلوهيّة. ولمّا مات سنة ٣٤٠هـ، خلّف مالاً كثيراً كان يجبيه من العزاقريّة. ورُفع إلى أبي محمّد الحسن بن محمّد المهلّبيّ وزير معز الدولة الديلميّ موت البصريّ وما كان يملكه، فأمر المهلّبيّ بالختم على التركة، والقبض على أصحابه، والذي قام بأمرهم بعده فلم يجد إلاّ مالاً يسيراً، ورأى دفاتر فيها أشياء من مذاهبهم. وكان فيهم غلام شابٌّ يدّعي أنّ روح عليّ بن أبي طالب حلّت فيه، وامرأة يقال لها فاطمة تدّعي أنّ روح فاطمة حلّت فيها، وخادم لبني بسطام يدّعي أنّه ميكائيل، فأمر بهم المهلّبيّ فضّربوا ونالهم مكروه. ثمّ إنّهم توصّلوا بمن ألقى إلى معزّ الدولة أنّهم من شيعة عليّ بن أبي طالب، فأمر بإطلاقهم. وخاف المهلّبيّ أن يقيم على تشدّده في أمرهم فيُنسب إلى ترك التشيّع، فسكت عنهم(٣) .

____________________

١ - معجم الأُدباء ١: ٢٩٧؛ الفَرقُ بين الفِرَق ٢٥٠.

٢ - الكامل في التاريخ، وقائع سنة ٣٢٢هـ. وذكر عامّة المؤرّخين كياقوت، وابن الأثير، والذهبيّ أنّ الشلمغانيّ قُتل سنة ٣٢٢هـ، لكن الشيخ الطوسيّ أورد في كتاب الغيبة أنّه قتل سنة ٣٢٣هـ، ويبدو أنّه غير صحيح.

٣ - الكامل في التاريخ ٨: ٤٩٥، وقائع سنة ٣٤٠هـ.

٢٧٣

٢٧٤

الفصل الثاني عشر

أبو الحسن موسى بن كبرياء

(النصف الأوّل من القرن الرابع)

موسى بن حسن بن محمّد بن عبّاس بن إسماعيل بن أبي سهل بن نوبخت المعروف بابن كبرياء النوبختيّ من العلماء والمنجّمين، وممّن عاش في أيّام الغيبة الصغرى وعاصر الشيخ أبا القاسم الحسين بن روح. روى عنه أبو نصر هبة الله بن محمّد الكاتب الذي كان ينقل أخبار الوكلاء الأربعة أخبارَ النائب الثالث الحسين بن روح. ونلحظ في كتاب الغيبة للشيخ الطوسيّ ثلاث فقرات من هذه الأخبار(١) .

وذكر النجاشيّ أنّ ابن كبرياء كان ملمّاً بالنجوم. وأُثر عنه كلام كثير في هذا الباب. ومع علمه وعقيدته بالنجوم، كان رجلاً متديّناً حسن العقيدة، وله كتب في النجوم منها: كتاب الكافي في أحداث الأزمنة(٢) .

ويستبين ممّا نقله أبو نصر هبة الله الكاتب مباشرةً، أو بواسطة أُمّ كلثوم بنت أبي جعفر العمريّ عن أبي الحسن موسى بن كبرياء، أنّ هذا الرجل كان من معاصري أمّ كلثوم والشيخ أبي القاسم الحسين بن روح، وظلّ على قيد الحياة بعد وفاة ابن روح.

____________________

١ - ص١٩٠، ٢٤٣، ٢٥١.

٢ - رجال النجاشيّ ٢٩٠؛ بحار الأنوار ١٤: ١٤٣ نقلاً عن فرج المهموم.

٢٧٥

٢٧٦

الفصل الثالث عشر

أبو محمّد الحسن بن الحسين

(٣٢٠-٤٠٢هـ)

كان لأبي عبد الله الحسين بن عليّ بن إسماعيل بن أبي سهل بن نوبخت المارّ ذكره وذكر أبيه أبي الحسين عليّ في الفصل العاشر، وَلَد يُدعى أبا محمّد الحسن. وُلِد سنة ٣٢٠هـ، أي: قبل وفاة أبيه بستّ سنين. وكان من محدّثي الإماميّة ورواة أخبارهم كأبيه، كما كان أحد الكتّاب ورواة الأخبار، وقد روى طرفاً من أخبار أبي نواس وشعره(١) . وروى عنه أبو الحسين هلال بن محسّن الصابي الكاتب (٣٥٩-٤٤٨هـ) بعض الوقائع(٢) .

صرّح الخطيب البغداديّ أنّ أبا محمّد كان يروي الحديث أكثر من أبي الحسن عليّ بن عبد الله المبشّر القصّاب الواسطيّ، وأبي عبد الله حسين بن إسماعيل بن محمّد الضبّيّ البغداديّ (٢٣٥-٣٣٠هـ) المشهور بالقاضي المَحامليّ، وكان له طلاّب كُثرٌ. وأشهر من كان يروي عنه هم:

١ - أبو بكر أحمد بن محمّد البرقانيّ الخوارزميّ (٣٣٦-٤٢٥هـ).

____________________

١ - تاريخ بغداد ٧: ٤٤٣.

٢ - عيون الأنباء ١: ٢٢٩.

٢٧٧

٢ - أبو الفرج الحسن بن عليّ الطَّناجيريّ (٣٥٠-٤٣٩هـ).

٣ - أبو القاسم عبد الله بن أحمد الصيرفيّ الأزهريّ (٣٥٥-٤٣٥هـ).

٤ - القاضي أبو القاسم عليّ بن محسن التنوخيّ (٣٦٥-٤٤٧).

٥ - أبو القاسم بن الخلاّل.

٦ - أبو الحسن أحمد بن محمّد العتيقيّ (٣٦٧-٤٤١هـ).

ويعدّ الثلاثة الأُوّل من مشايخ الحافظ أبي بكر أحمد بن عليّ الخطيب البغداديّ (٣٩٢-٤٦٣هـ) صاحب تاريخ بغداد المعروف؛ من هنا كان الخطيب تلميذ أبي محمّد الحسن بن الحسين بواسطةٍ واحدة. ولجأ الخطيب إلى تلامذة أبي محمّد النوبختيّ الذين كانوا أساتذته من أجل التعرّف على عقيدته الحقيقيّة، وقد سأل أبا القاسم الأزهريّ وأبا بكر البرقانيّ في هذا الشأن، فقال الأزهريّ: هو رافضيّ مردود المذهب. وقال البرقانيّ: هو معتزليّ مع مَيلٍ فيه إلى التشيّع، ومع ذلك كلّه فهو صدوق في روايته. وذكر أبو الحسن العتيقيّ أنّه ثقة في الحديث يميل إلى الاعتزال(١) وصحّح الخطيب البغداديّ نفسه سماعَه(٢) . ونقل كلام الخطيب في النوبختيّ كلّ من السمعانيّ في الأنساب، وابن الجوزيّ في المنتظم، وابن كثير في البداية والنهاية. وعلى الرغم من أنّ القاضي نور الله التُّستريّ عدّ أبا محمّد شيعيّاً مائلاً إلى الاعتزال لكنه تهجّم عليه قائلاً: (لمّا كان أهل السُّنّة لا يفرّقون بين الحقّ والباطل، فإنّهم ذهبوا إلى أنّ الشيعة والمعتزلة فرقة واحدة داعين كلاّ منهما باسم الأُخرى، وإلاّ فالفرق بينهما فرق ما بين الفَرقِ والقَدَم، والوجود والعدم)(٣) .

هذا الكلام ينمّ عن تعصّب القاضي نور الله الذي كان يسعى في نسبة بعض الأشخاص إلى التشيّع في حين لم يُعرَفوا بذلك. وكان مشهوراً بهذه السِّمة، وإلاّ

____________________

١ - المنتظم، مخطوط.

٢ - تاريخ بغداد ٧: ٢٩٩.

٣ - مجالس المؤمنين، المجلس الخامس.

٢٧٨

فقد ذكرنا سابقاً أنّه لا مانع من أن يكون الإنسان شيعيّاً مائلاً إلى الاعتزال أو معتزليّاً مائلاً إلى التشيّع. ولهذا نظائر كثيرة في تاريخ علم الكلام، فقد عُرف به من آل نوبخت رجل أو رجلان، وكذلك عُرف به كثير من معتزلة بغداد كأبي جعفر الإسكافيّ، وأبي عبيد الله المرزبانيّ، والقاضي أبي القاسم التنوخيّ، وأبي القاسم الكعبيّ البلخيّ؛ فقد كان هؤلاء قريبين من الشيعة في بعض عقائدهم، وعُدّوا من متشيّعة المعتزلة(١) . وبلغ الأمر أنّ الذهبيّ سمّى أبا سهل إسماعيل بن عليّ النوبختيّ كاتباً معتزليّاً مع أنّه عدّه من رؤوس متكلّمي الشيعة(٢) .

توفّي أبو محمّد في يوم الجمعة ليومين بَقِيا من ذي القعدة سنة ٤٢٠هـ. وهو آخر من نعرف عنه شيئاً مجملاً من الأسرة النوبختيّة، واختفى بعده أثر هذه الأُسرة الجليلة في ظلمات التاريخ(٣) .

____________________

١ - انظر: الانتصار ١٠٠؛ تاريخ بغداد ٣: ١٣٦؛ فوات الوفيات ٢: ٦٨.

٢ - تاريخ الإسلام f. ٦٠ b، نسخة المكتبة الوطنيّة بباريس.

٣ - للتعرّف على ترجمته انظر: تاريخ بغداد ٧: ٢٩٩ و٤٤٣؛ المنتظم لابن الجوزيّ؛ البداية والنهاية، وقائع سنة ٤٠٢هـ، الأنساب للشمعانيّ f. ٥٦٩ b؛ مجالس المؤمنين، المجلس الخامس؛ ميزان الاعتدال ١: ٢٢٥.

٢٧٩

٢٨٠