آل نوبخت

آل نوبخت0%

آل نوبخت مؤلف:
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 288

آل نوبخت

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: عباس إقبال آشتياني
تصنيف: الصفحات: 288
المشاهدات: 85563
تحميل: 8324

توضيحات:

آل نوبخت
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 288 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 85563 / تحميل: 8324
الحجم الحجم الحجم
آل نوبخت

آل نوبخت

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

١ - طبقة المترجمين من اللغة الفارسيّة البهلويّة إلى العربيّة، والمنجّمين، مثل نوبخت، وولده أبي سهل، وعدد من ذراري أبي سهل كعبد الله، وأبي العبّاس فضل.

٢ - متكلّموا الإماميّة، كأبي إسحاق إبراهيم، وأبي سهل إسماعيل بن عليّ، وأبي محمّد الحسن بن موسى.

٣ - أصحاب الأئمة الاثني عشر وخواصّهم، نحو يعقوب بن إسحاق بن أبي سهل بن نوبخت، وإسحاق بن إسماعيل بن أبي سهل، وأبي القاسم الحسين بن روح.

٢١

٤ - الأدباء ورواة الشعر، مثل إسماعيل بن أبي سهل بن نوبخت، وبعض إخوته، وأبي طالب، ومحمّد بن روح، وأبي الحسين عليّ، وأبي عبد الله حسين.

٥ - الكتّاب كالعلَمين الأخيرين المارّ ذكرهما في الأُدباء ورواة الشعر، وأبي جعفر محمّد بن عليّ بن إسحاق بن أبي سهل بن نوبخت، وأبي يعقوب إسحاق، وأبي الفضل يعقوب، وعليّ بن أحمد بن عليّ.

٦ - علماء الأخبار الإماميّة، كأبي الحسن موسى بن كبرياء، وأبي محمّد حسن بن حسين، وغيرهما.

وسنرى في الفصول القادمة مفصّلاً أنّ أفراد كلّ طبقة من هذه الطبقات الستّ كانوا محطّ الأنظار ويلهج بذكرهم الخاصّ والعامّ، وعُدّت أقوالهم وكتاباتهم حجّة لمن جاء بعدهم من العلماء، فقيل في منجّميهم إنّهم أعلم الناس بالنجوم(١) ، وقيل في المتكلّمين الذين هم على عقيدة الإماميّة إنّ أقوالهم يُستند إليها(٢) ، وذكر في العلم بالمقالات والآراء والديانات أنّ كتاب أبي محمّد النوبختيّ من الكتب الموثوقة في هذا الفن(٣) ، وصاحبه قدوة تامّة في معرفة الملل والنحل(٤) . وجاء في أخبار الشيعة الإماميّة وتقرير مذهبهم أنّ آل نوبخت كانوا من أركان هذا الدين إذ عُدّوا في مصافّ الشيخ المفيد، وابن بابويه، وأبيه(٥) . وكانوا من أهمّ المراجع وأوثقها في جمع أخبار وأشعار أبي نؤاس، والبحتريّ، وابن الروميّ، ونبغوا في الترجمة حتّى أصبحوا في عداد المترجمين الكبار(٦) .

____________________

١ - ديوان ابن الروميّ ١٢٢-١٢٣.

٢ - بحار الأنوار ١٤: ٣٥٢-٣٥٥.

٣ - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١: ٢٩٥، مروج الذهب ٧: ١٥٧-١٥٨، تلبيس إبليس لابن الجوزيّ في مواضع متعدّدة.

٤ - معجم الأدباء ٢: ٢٧٩.

٥ - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٢: ٥٩٧.

٦ - عيون الأنباء في طبقات الأطبّاء ١: ٣٠٩.

٢٢

هذا كلّه حداني على إعداد ترجمة تضمّ أخبار هذه الأُسرة الجليلة؛ فكنت أجمع المعلومات تدريجاً من خلال مطالعة كتب التاريخ والأدب حتّى إذا تمّ لي ما أريد، نظمت هذا الكتاب في فصول مع بعض الملاحظات، وما هو بين يدي القرّاء الكرام لعلّهم يقطفون من ثماره ويكون تذكاراً لهواة المعلومات التاريخيّة والمغرمين بعظمة السلالة الفارسيّة ومجدها.

الفصل الأوّل

نوبخت جدّ الأُسرة

أوّل مَن يُذكر من آل نوبخت ويشار إليه في كتب التاريخ هو نوبخت المجوسيّ الّذي كان عاش عصر المنصور العبّاسيّ (١٣٦-١٥٨هـ)، وإليه ينسب أعضاء هذه الأسرة الكبيرة، وكلّهم أولاده؛ لذا سمّاهم المؤرّخون والكتّاب المسلمون: آل نوبخت، أو بني نوبخت، أو النوبختيّين.

وجاء في منظوم الشعراء ومنثور الأدباء الذين عاصروه أو كانوا قريبين من زمانه أنّ اسمه نوبخت، وضُبط بالياء أيضاً فقيل: نيبخت. ويبدو أنّ كليهما صحيح.

وهذه الكلمة من المفردات الفارسيّة المركّبة، يعني الجزء الأوّل منها (نَو): الطازَج والجديد، والثاني (بخت): الحظّ. وتستعمل الكلمة بجزءيها في الفارسيّة المعاصرة بهذا المعنى أيضاً.

ولعلّ في الفارسيّة القديمة تلفّظاً بين تلفّظ الياء المسبوقة بمتحرّك والواو المسبوقة بمتحرّك في العربيّة، ولمّا كان أداء ذلك متعذّراً حسب الهجاء العربيّ، فقد كانوا يقرأونه بالياء المسبوقة بمتحرّك تارة، وبالواو المسبوقة بمتحرّك تارة أخرى، ولا جرم أنّ كلا الصوتين لا يؤدّي التلفّظ المذكور تماماً، بَيد أنّه لمّا كان أشبه بذلك الصوت من غيره، فقد أُخرج بهاتين الصورتين، وفعل المسلمون العرب ذلك في عدد من ضروب التلفّظ الفارسيّة التي ينعدم نظيرها في العربيّة، وهذا موضوع لا يرتبط ببحثنا.

٢٣

ونحن اليوم لا نعلم على وجه الدقّة كيف كانت تقرأ كلمة (نَو) التي تؤلّف الجزء الأوّل من أسماء وأعلام فارسيّة مركّبة في العصر الساسانيّ؛ ذلك أنّ الأسماء والأعلام المذكورة جميعها وصلت إلينا بإملاء عربيّ، ولا يُعتَمد على تلفّظنا المعاصر من أجل فهم التلفّظ القديم غير أنّنا نعرف أنّ المسلمين العرب كانوا يقرأون الكلمات ذات المقطع الأوّل المماثل لما مرّ بنا بالشكلين المذكورين آنفاً نحو (نوبخت) و(نيبخت)، و(نوروز) و(نيروز) وغيرهما.

وكان آل نوبخت ينسبون أنفسهم إلى (گِبوْ) بن (گودَرْز) بطل (الشاهنامه) المعروف، وأشار الشاعر المشهور البُحتريّ إلى ذلك في قصيدتين من قصائده الّتي مدح بها عدداً من أفراد هذه الأسرة، منها قوله في مدح أبي الفضل يعقوب بن أبي يعقوب إسحاق النوبختيّ:

وإذا أبو الفضل استعار سجيّة

للمكرمات فمن أبي يعقوبِ

لا يحتذي خُلُقَ القصيّ ولا يُرى

متشبّهاً في سؤددٍ بغريبِ

تُمضي صريمتَهُ وتُوقد رأيَهُ

عَزَماتُ جوذَرزٍ وسَوَرةٌ بيبِ(١)

شَرفٌ تتابع كابراً عن كابرٍ

كالرمح أُنبوباً على أُنبوبِ(٢)

وأرى النجابة لا يكون تمامها

لنجيب قوم ليس بابن نجيبِ(٣)

____________________

١ - جوذرز معرّب، وهو أحد أشكال (گودرز) و(بيب) شكل آخر! (گيوا). وكان قلب الواو و(الگاف) الفارسيّة باءً مألوفاً جدّاً على ألسنة الآريّين.

٢ - جرى هذا البيت في آل نوبخت مجرى الأمثال.

٣ - ديوان البحتريّ ١٧٦-١٧٧.

٢٤

وقال هذا الشاعر في قصيدة أُخرى نظمها في مدح أبي الممدوح المذكور، أي: أبي يعقوب إسحاق بن إسماعيل بن عليّ بن إسحاق بن أبي سهل بن نوبخت (المقتول سنة ٣٢٢هـ):

ما للمكارم لا تُريد سوى أبي

يعقوبَ إسحاقَ بن إِسماعيلِ؟!

والى أبي سهلِ بنِ نوبختَ انتهى

ما كان من غُررٍ لها وحُجُولِ

نسباً كما اطّردت كُعوبُ مثقَّفٍ

لَدْنٍ يزيدك بسطةً في الطُّولِ

يُفضي إلى بيبِ بن جوذرزٍ الّذي

شهرَ الشجاعةَ بعد فَرطِ خمولِ

أعقابُ أملاكٍ لهم عاداتها

من كلّ نَيلٍ مثل مَدّ النِّيلِ

الوارثون من السرير سُراتَه

عن كلّ ربِّ تحيّةٍ مأمولٍ

والضاربون بسَهمةٍ معروفة

في التاج ذي الشُّرفات والإكليلِ(١)

وكان نوبخت من معاصري المنصور العبّاسيّ، ولمّا كان المنصور أوّل حاكم عبّاسيّ اهتمّ بالتنجيم وأحكام النجوم، ودعا المنجّمين إليه، وعمل بتوجيهاتهم، فقد استقطب أيضاً نوبخت الّذي كان على الدين المجوسيّ، وحثّه على اعتناق الإسلام

ولا يعلم أحد على وجه التحديد متى تعرّف نوبخت على المنصور ومتى انضوى إلى خدمته، وذكر أبو بكر أحمد بن عليّ الخطيب البغداديّ في تاريخ بغداد(٢) (٣٩٢-٤٦٣هـ)، والسيّد رضيّ الدين عليّ بن طاووس (٥٨٩-٦٦٤هـ) في فرج المهموم(٣) أنّ نوبخت كان مسجوناً في الأهواز قبل أن يحكم المنصور، أي: قبل سنة ١٣٦هـ.

____________________

١ - ديوان البحتريّ ١٧٧-١٧٩.

٢ - تاريخ بغداد ١٠: ٥٤-٥٥.

٣ - مخطوطة في مكتبة الآستانة الرضويّة المقدّسة، مشهد.

٢٥

وحدّث إسماعيل بن عليّ النوبختي تلميذه الحسين بن القاسم الكوكبيّ فقال له: كان جدّنا نوبخت على دين المجوسيّة، وكان في علم النجوم غاية وكان محبوساً بسجن الأهواز، فقال: رأيت أبا جعفر المنصور وقد أُدخل السجن، فرأيت من هيبته، وجلالته، وسيماه، وحسن وجهه، وبنائه ما لم أره لأحد قطّ، فصرت من موضعي إليه فقلتُ: يا سيّدي، ليس وجهك من وجوه أهل هذه البلاد، فقال: أجل يا مجوسيّ، قلت: فمن أيّ بلاد أنت؟ فقال: من أهل المدينة، فقلتُ: أيّ مدينة؟ فقال: مدينة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقلتُ: وحقّ الشمس والقمر إنّك لَمن ولد صاحب المدينة! قال: ولكنّي من عرب المدينة، قال: فلم أزل أتقرّب إليه وأخدمه حتّى سألته عن كنيته، فقال: كنيتي أبو جعفر. فقلتُ: أبشر فَوَحقِّ المجوسيّة لَتملكنّ جميع ما في هذه البلدة، حتّى تملك فارس وخراسان والجبال.

فقال لي: وما يدريك يا مجوسيّ؟ قلتُ: هو كما أقول، فاذكر لي هذه البشرى. فقال: إن قضي شيء فسوف يكون، قال: قلت: قد قضاه الله من السماء فطب نفساً، وطلبت دواة فوجدتها، فكتب لي...، فلمّا ولي الخلافة صرتُ إليه فأخرجتُ الكتاب، فقال: أنا له ذاكر، ولك متوقّع، فالحمد لله الّذي صدق وعده، وحقّق الظنّ، وردّ الأمر إلى أهله، فأسلم نوبخت وكان منجّماً لأبي جعفر ومولى)(١) .

وعلى الرغم من أنّ القرائن تدلّ على أنّ نوبخت قد التزم المذهب السنّيّ لا محالة، وهو المذهب الرسميّ لحكّام بغداد، بَيْد أنّ أولاده اشتهروا بالتشيّع، أو أنّهم عُرفوا - في الأقل - بولاية آل عليّ على حدّ تعبير ابن النديم(٢) ، وسوف نرى أنّ عدداً منهم أصبح من كبار علماء الإماميّة فارتقى ذروة المجد.

وكان نوبخت وابنه أبو سهل من خاصّة المنجّمين عند المنصور، وعندما اعتزم المنصور إنشاء بغداد (شرع في بنائها سنة ١٤٤هـ) وضع أساسها في الساعة الّتي اختارها نوبخت، حسب الأحكام النجوميّة(٣) .

____________________

١ - تاريخ بغداد ١٠: ٥٥.

٢ - الفهرست ١٧٧.

٣ - تاريخ بغداد ١: ٦٧؛ تاريخ اليعقوبيّ ٢٣٨. de Goeje, B. G. A. Vll؛ الآثار الباقية ٢٧٠؛ آثار البلاد ٢٠٩؛ الكامل ٥: ٤٣٦ (طبعة ليدن)، وكتب تاريخيّة وجغرافيّة أُخرى،

salmon, introd, a la topog. De bagdad p. ١/٧٦.

٢٦

وتحدّث الطبريّ عن وقائع سنة ١٤٥هـ، فقال في سياق حديثه المفصّل حول قتل إبراهيم بن عبد الله المحض بن الحسن المثنّى بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب أخي محمّد النفس الزكيّة: دخل نيبخت المنجّم على أبي جعفر المنصور قبل أن يبلغه مقتل إبراهيم، فقال له: الظفر لك وسيُقتل إبراهيم، فلم يقبل ذلك منه، فقال له: احبسني عندك، فإن لم يكن الأمر كما قلت لك فاقتلني، فبينا هو كذلك إذ جاءه الخبر بهزيمة إبراهيم، فتمثّل ببيت معقر بن أوس بن حمار البارقيّ:

فألقَت عصاها واستقرّت بها النَّوى

كما قرّ عيناً بالإيابِ المسافرُ

فأقطع أبو جعفر نيبخت ألفَي جريب بنهر جَوْبَر(١) .

ورد البيت المذكور الّذي تمثّل به المنصور بعد اطّلاعه على قتل إبراهيم بن عبد الله في مقطوعة نقلها أبو الفرج الأصفهاني في كتاب الأغاني(٢) ، وهذا البيت جرى مجرى الأمثال عند العرب؛ إذ يُستشهد به في المواطن اللازمة، وكانت عائشة قد أنشدته بعد استشهاد أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، وتمثّل به المنصور بعد قتل أبي مسلم الخراساني(٣) .

كان نهر جَوْبَر من المناطق أو الطُّسوج - كما اصطلح عليه الجغرافيّون القُدامى - القريبة من بغداد في الجانب الغربيّ من نهر دجلة(٤) ويبدو أنّ نوبخت وأولاده ابتنوا لهم دوراً وأنشأوا أبنية في الألفَي جريب الّتي أقطعها المنصور نوبخت؛ إذ أُثر أنّ لآل نوبخت - كما يستشفّ من القرائن - أملاكاً ودوراً في بعض ضواحي بغداد وأكناف دجلة، منها: حيّ (نهر طابق) وهو أحد الأحياء الغربيّة ببغداد(٥) ، ومنها:

____________________

١ - تاريخ الطبريّ ٣: ٣١٧-٣١٨ (طبعة ليدن)، والكامل لابن الأثير، وقائع سنة ١٤٥هـ، وكتاب العيون ٢٤٨ في أجزاء من التاريخ العربيّ Fragmenta hist, arabicorum طبعة دغويه de goeje وديونج de jong.

٢ - الأغاني ١٠: ٤٦.

٣ - حياة الحيوان ١: ٧، ٤٣، ٦٨، وكتاب الأذكياء لابن الجوزيّ ٥٣، ووفيات الأعيان ١: ٣٠٧.

٤ - ابن خرداذ به ٧.

٥ - الأغاني ٣: ١٦١.

٢٧

النوبختيّة(١) ، وكانوا يمتلكون منازل أيضاً قرب النعمانيّة (مدينة تقع بين بغداد وواسط على الساحل الغربيّ من دجلة)(٢) .

وليس في أيدينا معلومات أخرى عن سيرة نوبخت غير ما ذكرناه آنفاً وما نقله الحاج خليفة في كشف الظنون، إذ أورد اسمه في عداد المؤلّفين في الأحكام النجوميّة، ونسب إليه كتاباً في أحكام النجوم(٣) .

وإذا صحّ ذلك، فمن المحتمل بعامّة أنّ نوبخت عرّب الكتاب المذكور من الفارسيّة البهلويّة؛ إذ إن بعض المؤرّخين جعله في جملة الأفراد الأُوّل من أعضاء هذه الأسرة المنسوبة إليه الذين تَرجموا الكتب من الفارسيّة البهلويّة إلى العربيّة، ونقل ابنه أبو سهل عدداً من الكتب البهلويّة إلى العربيّة، وفي ضوء ما قاله ابن النديم، فإنّه كان يعوّل في علم النجوم على كتب الفرس في هذا الفنّ(٤) .

وكان نوبخت شيخاً كبيراً أيّام المنصور العبّاسيّ (١٣٦-١٥٨هـ)، وقد أعاقته شيخوخته عن أداء مهامّه حقّ الأداء فخوّل المنصور ولده أبا سهل وظيفة أبيه.

ويبدو أنّ نوبخت لم يعقب ولداً آخر غيره؛ لأنّ نسب آل نوبخت ينتهي إليه، ولم يذكر في الكتب والأشعار ولد لنوبخت سواه.

____________________

١ - تجارب الأمم ٥: ٢٧١ و٦: ١٩٧، وكتاب الغيبة للشيخ الطوسيّ ٢٥٢.

٢ - تاريخ اليعقوبيّ ٣٢١.

٣ - كشف الظنون ٥: ٣٥.

٤ - الفهرست ٢٧٤.

٢٨

الفصل الثاني

أبو سهل بن نوبخت

قلنا سابقاً إنّ نوبخت عندما شاخ وضعف، وعجز عن خدمة المنصور جلس ابنه أبو سهل مجلسه في صحبة الحاكم العبّاسي بإشارة الحاكم نفسه.

وينقل أبو سهل أنّه لمّا مَثُل بين يدي المنصور، تسمّى له (بخُر شاذماه(١»(٢) ، و(طيماذاما زرياذ)(٣) و(خسروا بهمشاذ)(٤) . فقال له: كلّ ما ذكرت فهو اسمك؟ قال: نعم، فتبسّم وقال: إمّا أن أقتصر بك من كلّ ما ذكرت على (طيماذ)، وإمّا أن تجعل لك كنية تقوم مقام الاسم، وهي أبو سهل، قال أبو سهل: قد رضيت بالكنية(٥) ، فبقيت كنيته وبطل اسمه)(٦) .

____________________

١ - لا جرم أنّ هذه الكلمات مصحّفة ولذا يعسر فهمها، الجزء الأوّل من الكلمة الأُولى (خورشيد) (شمس) وكانت تكتب (خرشيد) بلا واو، والألف بعد الخاء عربيّة كان يستعملها المؤلّفون العرب أحياناً للتعبير عن صوت الياء الفارسيّة المجهولة.

٢ - خ. ل: خرخشاذ.

٣ - خ. ل: مازارباد.

٤ - خ. ل: خسروانهشاه.

٥ - لعلّ اختيار هذه الكنية يعود إلى صعوبة تلفّظ الاسم الطويل، وهو ما تنبّه إليه المنصور.

٦ - ابن أبي أُصيبعة ١: ١٥٢، والقفطيّ ٤٠٩، ومختصر الدول ٢٢٤.

٢٩

وظلّ أبو سهل في خدمة المنصور منذ بناء بغداد (سنة ١٤٤هـ) على ما نقل ياقوت، وهو الذي اختار الطالع عند إنشائها بأمر المنصور، وخبّره بما تدلّ النجوم عليه من طول بقائها وكثرة عمارتها وفقر الناس إلى ما فيها، وأعلمه أيضاً بخلّة من خلالها، هي: أنّه لا يموت بها سلطان حتفَ أنفِه أبداً(١) .

ولبث أبو سهل عند المنصور من سنة ١٤٤ إلى سنة ١٥٨هـ، وهي السنة التي توفّي فيها المنصور، ولم يبارحه، وكان من ندمائه، ولازمه حتّى في آخر حجّة حجّها، وهي الحجّة التي هلك فيها (٢٤ ذي الحجّة سنة ١٥٨هـ).

ونقل أبو سهل نفسه لولده إسماعيل أنّه صاحب المنصور في آخر حجّة حجّها، ومعه ابن اللَّجْلاج طبيب المنصور الخاصّ، وعندما كان المنصور يَخلُد إلى النوم، كان أبو سهل ينادم ابن اللجلاج، وفسأل ابن اللجلاج - وقد عمل فيه النبيذ - أبا سهل عمّا بقي من عمر المنصور، فعزّ ذلك عليه وامتنع عن تناول النبيذ، وعزم على الكفّ عن منادمة ابن اللجلاج، وهجره ثلاثة أيّام، ثم اصطلحا بعد ذلك واستبدلا الصلح والصفاء بالتوتّر والكدر، فلمّا جلسا يحتسيان النبيذ على عادتهما قال ابن اللجلاج معاتباً أبا سهل: (سألتك عن علمك ببعض الأمور فَبخِلتَ به وهجرتني، ولستُ أبخل عليك بعلمي فاسمَعْه)، ثمّ قال: (إنّ المنصور رجل مَحرُور تَزداد يُبوسةُ بدنه كلّما أسَنّ، وقد حلق رأسه بالحيرة وجعل تمكان الشعر الذي حلقه غالية، وهو في هذا الحجاز يداوم الغالية، وما يقبل قولي في تركها، ولا أحسبه يبلغ إلى فَيد حتّى يحدث في دماغه من اليبس ما لا يكون عندي ولا عند أحد من المتطبّبين حيلة في ترطيبه، فليس يبلغ فَيد إنْ بَلَغها إلاّ مريضاً، ولا يبلغ مكّة إنْ بلغها وبه حياة) .

____________________

١ - معجم البلدان ١: ٤٨٥-٦٨٤. ولم يصرّح الخطيب في تاريخ بغداد باسم هذا المنجّم، ونقل النبوءة المذكورة عن أحد المنجّمين دون تصريح باسمه، تاريخ بغداد ١: ٦٧.

٣٠

يقول أبو سهل: فو اللهِ ما بلغ المنصور فيد إلاّ وهو عليل وما وافى مكة إلاّ وهو ميّت، فدُفن ببئر ميمون(١) .

وعاش أبو سهل بن نوبخت بعد وفاة المنصور مدّة، وأدرك عصر هارون الرشيد (١٧٠-١٩٣هـ)، وكان في بيت الحكمة أو خزانة الحكمة، مركز اجتماع الفرس والشعوبيّة(٢) .

قضى أبو سهل خمساً وعشرين سنة من عمره تقريباً في خدمة الحكّام العبّاسيّين الأُوَل، ويبدو أنّه توفّي في أوائل حكومة هارون إذ لم يَرِد له ذكر منذ ذلك الحين، كما لا نجد له أثراً في شعر أبي نواس الذي كان يعيش بين ظهرانّي آل نوبخت، وكان معاشراً لأولاده .

كان أبو سهل من المنجّمين الفرس، وأحد المترجمين من اللغة الفارسيّة البهلويّة إلى العربيّة، ومعوّله في النجوم على معلومات المنجّمين الفرس وكتبهم في العهد الساسانيّ، وذكر له ابن النديم الكتب السبعة الآتية:

١ - كتاب اليَهُبَطان(٣) في المواليد.

٢ - كتاب الفأل النجوميّ.

٣ - كتاب المواليد (مفرد، وهو غير كتاب اليهبطان).

٤ - كتاب تحويل سِني المواليد.

٥ - كتاب المدخل.

٦ - كتاب التشبيه والتمثيل.

٧ - كتاب المنتحل من أقاويل المنجّمين في الأخبار والمسائل والمواليد وغيرها(٤) .

____________________

١ - عيون الأنباء في طبقات الأطبّاء ١؛ ١٥٢.

٢ - الفهرست ٢٧٤. طبقات الأمم ٦٠.

٣ - ثمّة اختلاف في قراءته: البهطمان والنهمطان، وورد في المخطوطة العائدة للميرزا أبي عبد الله الزنجانيّ (كان عالماً فاضلاً معاصراً للمؤلّف كما ذكر المؤلّف ذلك): اليهبطان كما تقدّم في النّص.

٤ - الفهرست ٢٧٤، والقفطيّ ٢٥٥.

٣١

ويبدو أنّ أشهر هذه الكتب هو الكتاب الأوّل، أي: اليهبطان في المواليد، وقد نقل ابن النديم فصلاً كبيراً منه في كتاب الفهرست(١) .

وضبط عنوان هذا الكتاب في النسخة المطبوعة من الفهرست: النهمطان، بَيْد أنّا آثرنا ما ذكرناه آنفاً، وفي أقرب الاحتمالات أنّ (يهبطان) إحدى الكلمات البهلويّة المأخوذة من اللغة الآراميّة، وقد ترجمت بالعربيّة: (مواليد)، والألف والنون في آخرها علامة الجمع بالفارسيّة.

وذكر ابن النديم أنّ اسم (أبو سهل) هو الفضل، كما حكاه القفطيّ أيضاً، ويبدو أنّ هذا سهو، للأسباب الآتية:

١ - إنّ اسم (أبو سهل) قد أُبطل من قبل المنصور العبّاسيّ لطوله فاختيرت له هذه الكنية كما مرّ بنا سابقاً.

٢ - سنلاحظ أنّ لأبي سهل ولداً يُدعى الفضل، ولعلّ ابن النديم قد شُبّه عليه؛ إذ تصوّر أنّ أبا العبّاس الفضل بن أبي سهل بن نوبخت هو أبو سهل بن نوبخت نفسه.

٣ - لم يذكر المؤلّفون في العصور المتأخّرة اسم (أبو سهل) لضياعه، وكان يشقّ عليهم العثور على اسمه، حتّى أنّ المعاصرين والقريبين من عهده كانوا يجهلون اسمه(٢) .

وذكر أبو العبّاس النجاشيّ صاحب الكتاب الرجاليّ المعروف اسم (أبو سهل) على أنّه طيمارث، متردّداً في ذلك(٣) ، وهذه الكلمة تصحيف لجزء من ذلك الاسم الطويل الذي أورده القفطيّ، وابن العِبريّ، وابن أبي أُصيبعة.

____________________

١ - الفهرست ٢٣٨-٢٣٩.

٢ - عيون الأنباء في طبقات الأطبّاء ١: ١٥٢.

٣ - رجال النجاشيّ ٢٩٠.

٣٢

الفصل الثالث

أبناء أبي سهل بن نوبخت

كان لأبي سهل بن نوبخت أبناء كثيرون، ذُكرت أسماء عشرة منهم في كتب الأخبار والأشعار.

وهؤلاء جميعهم كانوا معاصرين للشاعر المعروف أبي نواس - كما سنأتي عليه - وكانوا على اتّصال به. وهذا الشاعر الظريف الشهير طالما كان يتردّد إلى بيوتهم متنعّماً بموائدهم، وكان يمدحهم أو يهجوهم بما تمليه عليه قريحته الشعريّة، فكان الباعث على بقاء أسماء بعضهم، وخلود ذكرهم في أخباره وأشعاره، وفيما يأتي أسماء أبناء أبي سهل وأخبارهم:

١ - إسماعيل

وهو أشهرهم، وطارت أخباره مع أبي نواس بنحو يفوق التصوّر، وهجاه هذا الشاعر السليط اللسان هجاءً ركيكاً، ويلاحظ في ديوانه أربع قصائد يهجو بها إسماعيل(١) ، وأشهرها القصيدتان الآتيتان اللتان يصفه فيهما بالبخل واللؤم، فيقول في إحداهما:

____________________

١ - ديوان أبي نواس ١٧١-١٧٢ طبعة القاهرة، والجزء الأوّل من شرح ديوانه (مخطوطة في باريس).

٣٣

خبز إسماعيل كالوش

ي إذا ما شُقّ يُرفا

عجباً من أثر الصّن

عة فيه كيف يخفى

إنّ رفّاءك هذا

ألطفُ الأمّةِ كفّا

فإذا قابل بالنِّص

ف من الجِرذَقِ نِصفا

ألطف الصنعة حتّى

لا يُري مطعن أشفى

مثل ما جاء من التنّ

ور ما غادرَ حرفا

وله في الماء أيضاً

عملٌ أبدع ظَرفا

مَزجُهُ العذبُ بماء الب

ئر كي يزدادَ ضِعفا

فهو لا يسقيك منه

مثل ما يَشرب صِرفا(١)

ويقول في الأخرى:

على خبز إسماعيل واقية البُخلِ

فقد حلّ في دار الأمان من الأكلِ

وما خبزه إلاّ كآوى يُرى ابنُهُ

ولم يُرَ آوى في حزونٍ ولا سهلِ

وما خبزُه إلاّ كعنقاء مُغرِبٍ

تُصوَّر في بُسطِ الملوك وفي المثلِ

يُحدّث عنه الناسُ من غير رؤيةٍ

سوى صورةٍ ما إن تُمرّ ولا تُحلي

وما خبزهُ إلاّ كُليبُ بن وائلٍ

ومن كان يحمي عِزُّه منبتَ البقلِ

وإذ هو لا يَستبُّ خصمانِ عندَهُ

ولا الصوتُ مرفوعٌ بجدٍّ ولا هَزلِ

فَإنْ خبزُ إسماعيلَ حلّ به الّذي

أصابَ كُليباً لم يكن ذاك من ذُلِّ

ولكنْ قضاءٌ ليس يُسطاع ردّهُ

بحيلةِ ذي مكرٍ ولا فكرِ ذي عقل(٢)

____________________

١ - أخبار أبي نواس ١: ١٢٥-١٢٧، وشرح ديوانه لحمزة الأصفهاني، نسخة المكتبة الوطنيّة بباريس ١: الورقة ٢٥٢ b.

٢ - أخبار أبي نواس ١: ١٢٧-١٢٨، وشرح ديوانه ج١، وكتاب الحيوان للجاحظ ٣: ٤٠.

٣٤

هاتان القصيدتان مشهورتان جدّاً بين الأدباء العرب لا سيّما الثانية منهما، وهم ينقلونهما وينشدونهما على سبيل الاستشهاد, كما نجد أنّ أبا زيد المروزيّ عندما ذهب مع أبي حيّان عليّ بن محمّد التوحيديّ إلى منزل ذي الكفايتين عليّ بن محمد بن العميد، واعتذر لهما حاجبه لانشغاله بأكل الخبز، تمثّل بالقصيدة الثانية(١) . وتوهّم مركليوث(٢) الذي طبع معجم الأُدباء أنّها لأبي زيد المروزيّ، وأنّها أُنشدت في الصاحب إسماعيل بن عبّاد، وذكر ذلك في ذيل الصفحة التي ورد فيها اسم إسماعيل، في حين هي لأبي نواس في ذمّ إسماعيل بن أبي سهل، وإنّما تمثّل بها أبو زيد المروزيّ كما نصّ على ذلك ياقوت.

تعرّض أبو نواس إلى لوم الأدباء الذين جاؤا بعده بسبب هجائه إسماعيل ووصفه إيّاه بالبخل، مع أنّه أكرمه وضيّفه، ونجد الجاحظ لم يتوانَ عن ذمّ سلوكه ونكرانه للجميل(٣) ، علماً أنّ إسماعيل هذا فاق إخوته في خدمته لأبي نواس، وضبطه أخبارَه وأشعاره، وروايتها للناس، ونقل حمزة الأصفهاني وغيره أخبار أبي نواس عنه بعدّة وسائط(٤) ، وأبو نواس نفسه عندما مدح إسماعيل، فإنّه أثنى على مجده وحلمه(٥) .

وظلّ إسماعيل بن أبي سهل حيّاً ردحاً من الزمن بعد وفاة أبي نواس (القول الأصحّ سنة ١٩٩هـ)، وقال في حقّ هذا الشاعر: (ما رأيت قطّ أوسع علماً من أبي نواس، ولا أحفظ منه...، ولقد فتّشنا منزله بعد موته فما وجدنا له إلاّ قمطراً فيه جزاز مشتمل على غريب ونحو لا غير).

عاش إسماعيل حتّى سنة ٢٣٢هـ في الأقلّ، وهي سنة وفاة الواثق العبّاسيّ.

____________________

١ - معجم الأُدباء ٥: ٣٨٢.

٢ - Margoliouth.

٣ - البخلاء ٧٧.

٤ - شرح ديوان أبي نواس في مواضع متعدّدة، وأخبار أبي نواس ج٢ (مخطوط)، ووفيات الأعيان ١: ١٩٩ طبعة de slane.

٥ - ديوان أبي نواس ١٠٦ (طبعة مصر سنة ١٣٢٣).

٣٥

وكان من ندماء المأمون، ومن الأُدباء الّذين عاشوا في بلاطه(١) ، وروى عنه أحد تلاميذه، وهو أبو الحسن يوسف بن إبراهيم الكاتب الذي كان بدمشق سنة ٢٥٥هـ، وهو من خدم أبي إسحاق إبراهيم بن المهديّ (١٦٣-٢٢٤هـ).

ونصّ الطبريّ على أنّ الواثق العبّاسيّ عندما احتُضِر سنة ٢٣٢هـ، استُشير فيه جماعة من الأطبّاء والمنجّمين، منهم الحسن بن سهل أخو ذي الرئاستين الفضل بن سهل السرخسيّ، وإسماعيل بن (أبي سهل) بن نوبخت(٢) .

وخلط أبو الفرج بن العبريّ بين الحسن بن سهل السرخسيّ أخي الفضل بن سهل، وبين إسماعيل بن أبي سهل بن نوبخت المذكورين في رواية الطبريّ، وقال إنّ الحسن بن سهل بن نوبخت كان من المنجّمين الذين حضروا عند الواثق حين احتضاره، في حين كان المقصود من الحسن المنجّم كما ذكر الطبريّ - وورد في الكامل: الحسن بن سهل المنجّم(٣) - هو أخو الفضل ذي الرئاستين الذي مات بعد الواثق بأربع سنين، أي في سنة ٢٣٦هـ، وهو الذي كان يأتي الواثق أيّام علّته غالباً ويسأل عنه، ويتحدّث معه حول أقسام الأغذية وضروب الأمراض(٤) .

وحصل هذا السهو نفسه تقريباً لكِلّر(٥) الذي نشر قسماً من تاريخ بغداد لمؤلّفه أحمد بن أبي طاهر طيفور عندما أراد أن ينظّم دليلاً هجائيّاً للكتاب المذكور، علماً أنّ مؤلّف الكتاب يقصد من الحسن بن سهل هو الحسن أخو ذي الرئاستين؛ إذ ذكره مرّة بوصفه منجّماً، وعدّه الناشر أيضاً في مسرد الكتاب من آل نوبخت، ومُني آخرون بهذا الخلط(٦) .

____________________

١ - تاريخ بغداد لابن طيفور ٢٩٩-٣٠٠.

٢ - تاريخ الطبريّ ٤: ١٣٦٤.

٣ - الكامل، وقائع سنة ٢٣٢هـ.

٤ - الأوائل لأبي هلال العسكريّ، نسخة المكتبة الوطنيّة بباريس، الورقة ١٨٤ a.

٥ - keeler.

٦ - L.Massignon, passion d`al-halladj p.١٤٤، ومقدّمة كتاب فرق الشيعة، صفحة ط.

٣٦

٢ - أبو أيّوب سليمان

كان من ندماء أبي نواس ومضيّفي، روى قسماً من أخباره وأشعاره، ونقل حمزة الأصفهاني أكثرها في (شرح ديوان أبي نواس)، كما أوردها ابن منظور المصريّ في الكتاب المتعلّق بأخبار هذا الشاعر، ويستبين من مقطوعة لأبي نواس أنّ سليمان كان يحكم الزاب أيضاً(١) ، وكان في عداد الشعراء المقلّين، ونقل ابن النديم أنّ ديوانه يبلغ خمسين ورقة(٢) .

٣ - داود

نقل قسماً من أخبار أبي نواس، وكان من معاشريه(٣) .

٤ - إسحاق

وهو جدّ المتكلّم المعروف أبي سهل إسماعيل بن عليّ، وأخيه أبي جعفر محمّد لأبيهما، وجدّ أبي محمّد حسن بن موسى لأُمّه، وسنتحدّث عنهم قريباً.

٥ و٦ و٧ - أبو الحسين عليّ، وهارون، ومحمّد

كان عليّ من معاشري أبي نواس أيضاً، وكان هذا الشاعر يمدحه(٤) .

____________________

١ - ديوان أبي نواس المطبوع: ١٨٢.

٢ - الفهرست ١٦٦.

٣ - شرح ديوان أبي نواس، مخطوطة في المكتبة الوطنيّة بباريس، ج٢، الورقة ٢٩٥ b.

٤ - شرح ديوان أبي نواس، ج٢، الورقة ٥١٠ b، وأخبار أبي نواس، ج٢ (مخطوط).

٣٧

وعندما أنشد فيه مازحاً:

أبو الحُشَّين كُنيتُه بحقٍّ

فإن صحّفتُ قلتُ أبو الحسينِ

لم يتحمّل ذلك منه؛ إذ ليس له من الحلم ما كان لإخوته عبد الله، وسليمان، وعبّاس، فانقلب عليه ولاحَقَه ليعاقبه، ففرّ إلى بيت أخيه هارون بن أبي سهل، بَيْد أنّ عليّاً أدركه فأخذه وطرحه على الأرض وركله بشدّة، وتدخّل هارون فخلّصه من يد أخيه، وقال البعض إنّ أبا نواس مات بعد مدّة من جرّاء ذاك الركل(١) .

وروى العلاّمة المجلسيّ في بحار الأنوار نقلاً عن كتاب فرج المهموم للسيّد رضيّ الدين عليّ بن طاووس أنّ هارون بن أبي سهل وأخاه محمّداً كتبا رقعة إلى الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام (٨٣-١٤٨هـ) على أنّهما من أولاد نوبخت، وأنّ أباهما وجدّهما أمضَيا أعمارهما في تحصيل النجوم، فهل يجوز الاشتغال بهذا الفنّ أم لا؟ فأجابعليه‌السلام :«أنّه حلال» (٢) .

هذه الرواية تجانب الصواب تاريخيّاً، ذلك أنّ الإمام الصادقعليه‌السلام توفّي سنة ١٤٨هـ، أي: قبل هلاك المنصور بعشر سنين، وكان أبو سهل بن نوبخت والد هارون ومحمّد - كما ذكرنا سابقاً حيّاً آنذاك، بل كان حيّاً حتّى سنة ١٧٠هـ - في الأقل - وهي السنة الأولى من حكومة الرشيد، فيكف يمكن حينئذٍ أن يذكر ولدا أبي سهل (من معاصري الأمين وأبي نواس) أباهما على أنّه ميّت قبل وفاته بثلاثين سنة تقريباً؟! فمن المحتمل - إذن - أنّهما كتبا هذه الرقعة إلى إمام آخر من أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام واستفتياه في حلّيّة الاشتغال بعلم النجوم أو حرمته.

٨ - أبو العبّاس الفضل

كان من ندماء أبي نواس، ومن المنجّمين المعاصرين لهارون الرشيد والمأمون(٣) ، له مصنّفات في النجوم أيضاً.

____________________

١ - أخبار أبي نواس، ج٢ (مخطوط).

٢ - بحار الأنوار ١٤: ١٣٢.

٣ - طبقات الأمم ٦٠ وبحار الأنوار ١٤: ١٤٣ نقلاً عن فرج المهموم للسيّد ابن طاووس وعيون أخبار الرضا ٣١٩-٣٢٠.

٣٨

وهو الذي أعلم المأمون بخطأ المنجّمين في اختيار الساعة التي تُفوّض فيها ولاية العهد إلى الإمام الرضاعليه‌السلام فامتعض منه المأمون ونهره، على قول مشهور، وكان السيّد ابن طاووس قد طالع بعض كتبه النجوميّة، وشهد ببراعته في هذا الفنّ(١) .

وكان أبو نواس يمدحه تارةً ويهجوه تارة أخرى، وأشار في إحدى قصائده الهجائيّة إلى أنّ للفضل بن أبي سهل بنتين توأمين(٢) .

٩ - عبد الله

هجاه أبو نواس في إحدى قصائده، فرّد عليه أخوه سليمان بقصيدة أُخرى.

وهاتان القصيدتان في ديوان أبي نواس، وشرحه لحمزة الأصفهاني، وكتاب أخبار أبي نواس(٣) ، ونسب القفطيّ قصّة إخبار المأمون بخطأ المنجّمين - ومنهم الفضل ذو الرئاستين - إلى عبد الله، وذكر سهواً أنّ أباه سهل، ونقل الزمخشريّ في كتاب ربيع الأبرار حكاية عنه(٤) .

١٠ - سهل وابنه حسن

كان سهل من ندماء أبي نواس(٥) ، وابنه حسن من المنجّمين المشهورين وله كتاب في النجوم عنوانه الأنواء(٦) ، وظنّ عدد من المؤلّفين أنّه الحسن بن سهل السرخسيّ أخو ذي الرئاستين.

____________________

١ - فرج المهموم (مخطوط).

٢ - شرح ديوان أبي نواس ج١، ورقة ٢٩٨ b، وأخبار أبي نواس ج٢ (مخطوط).

٣ - الديوان المطبوع ٣٤، وشرحه لحمزة ج١، ورقة ٤٥ b وأخبار أبي نواس ١: ١٩٩-٢٠٠.

٤ - تاريخ الحكماء ٢٢٢.

٥ - أخبار أبي نواس ١١١.

٦ - الفهرست ٢٧٥.

٣٩

ومن هؤلاء: ابن العبريّ الذي عدّه مكان أخي ذي الرئاستين، وذكر أنّه أحد المنجّمين الذين حضروا عند الواثق العبّاسيّ ساعة احتضاره(١) .

ولم يبقَ أثر من كتاب الأنواء المذكور الذي صنّفه الحسن بن سهل بن أبي سهل بن نوبخت، بَيْد أنّ أبا سعيد بن منصور بن عليّ بن بُندار الدامغانيّ الذي كان يعيش في أوائل القرن السادس الهجريّ له كتاب في أحكام النجوم نقل فيه أقوال حسن، وتحتفظ مكتبة مدرسة سپهسالار (سابقاً) في طهران بنسخة من الكتاب المشار إليه المصنّف في سنة ٥٠٧هـ(٢) .

أبو نواس وآل نوبخت

أبو نواس الحسن بن هانئ الشاعر العذب اللسان الفارسيّ الأصل الذي قلّما كان شاعر مثله - في قرون ما بعد الإسلام - في لطافة قوله وجمال ألفاظه وظرافته وذوقه، كما يستشفّ ذلك من ديوانه وشرحه النفيس لحمزة الأصفهاني، وكان على اتّصال وثيق بآل نوبخت، ويُمضي أكثر أيّامه في منازلهم، ويحتسي معهم الخمر متمتّعاً بنعمة وكرم أُولئك النبلاء المحبّين للفضائل، وأشار أبو نواس نفسه إلى ذلك مراراً، وسمّى آل نوبخت ندماءه على الشراب(٣) ، بَيد أنّه لم يتورّع عن الإساءة إليهم وذمّهم بما كان عليه من خليقة الهجاء وذلاقة اللسان، فهجا أبناء أبي سهل - لا سيّما إسماعيل - بسفساف من الشعر، وبلغ به الأمر أنّه قدح بأعراضهم.

____________________

١ - مختصر الدول ٢٤٥.

٢ - گاهنامه ١٩٣٢م، ص١٦١.

٣ - شرح ديوان أبي نواس، ج١، الورقة ٢٥٣ b.

٤٠