• البداية
  • السابق
  • 49 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 13424 / تحميل: 4942
الحجم الحجم الحجم
حجر بن عدي

حجر بن عدي

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

والجواب يتلخص في نقطتين:

١ - القمع العنيف والإرهاب الذي كان يمثله زياد، حيث أنّه لم يكن في يوم من الأيام ليرتاح، ما لم يقتل ويسفك، ويكفي أن نعرف أنّه قطع أيدي ثمانين رجلاً في يوم واحد، لأنّ بعضهم رماه بالحجارة، فكان هذا الإرهاب، خصوصاً بعد التهديد الشديد لرؤساء القبائل، بوجوب سحب من كان مع حِجْر وهو من قبيلتهم، وبالفعل لم يكن هناك أيّ رادعٍ، يردع زياد عن ارتكاب أيِّ جريمة بحقِّ الجماهير..

٢ - عدم النضج الثوري عند الجماهير التي اتبعت حِجْرَاً نضجاً كافياً، صحيح أنّها آمنت بوجوب الثورة والقيام بها، ولكن لم تنضج عندها تلك الفكرة نضجاً تامّاً، ولعلّ الوقت القصير لثورة حِجْر - بالنسبة إلى عمر الثورات - قد أدّى إلى عدم هذا النضج، فجاءت هذه الهجمة من زياد على حين غرّة بالنسبة للجماهير الثائرة.. أي أنّ الإرهاب مع عدم النضج الثوري، كانا من العوامل الرئيسية التي أدّت بمجموعة كبيرة من الأفراد الذين كانوا حوله إلى الانسحاب.

وعندئٍذ، وبعد انسحاب معظم أصحاب حِجْر، قال زياد لرئيس شرطته: (انطلق إلى حِجْر فائتني به، وإلاّ فشدوا عليهم بالسيوف حتى تأتوني به) وذهب ابن الأشعث إلى حِجْر يدعوه إلى زياد، ومنعه أصحاب حِجْر عنه للمرة الثانية، وشدّ

٤١

عليهم ابن الأشعث يريد أسرهم، فقال أبو العمرطة الكندي لحجر: (يا حِجْر إنّه ليس معك رجل معه سيف غيري، فما يغني سيفي عنك؟ قم فالحق بأهلك يمنعك قومك)، وهنا داهمهم رجال زياد، وجهاً لوجه، ولكن أصحاب حِجْر استطاعوا فتح ثغرة والوصول إلى دار حِجْر.

وعندما رأى حِجْر أنّ أصحابه أصبحوا قلّة ضئيلة، أمرهم بالانصراف قائلاً: (لا طاقة لكم اليوم بمن قد اجتمع عليكم، وما أحب أن تهلكوا). فانصرفوا، وتبعهم أصحاب زياد فاعتقلوا بعضهم، وقتل الآخرون.

وبعدها هرب حِجْر خفية، وذهب إلى بيت رجلٍ من بني حوت، وعندما عرف الرجل أنّ الأعداء قادمون، أخذ سيفه ليدافع به عن حِجْر، ولكنّ حِجْرَاً استوقفه، وسأله عمّا إذا كان في البيت كوّة، أو نافذة؛ ليخرج منها، فلمّا أجابه بالإيجاب خرج منها، وذهب إلى النخع (مكان لإحدى القبائل) فدخل دار (عبد الله بن الحرث النخعي) أخي مالك الأشتر، وبينما هما كذلك، إذ سمعوا حوافر خيل تقترب، فسألوا: ما الخبر؟ فقيل: إنّها شرطة زياد، ولكن كيف علمت الشرطة بمكان حِجْر مع العلم أنّه بالغ في التكتّم والتخفّي؟.

والجواب هذا:

٤٢

أنّ امرأة سوداء رأته، وهو يدخل النخع، وعندما رأت شرطة ابن زياد سألتهم عن سبب مجيئهم فقيل لها: للبحث عن حِجْر بن عَدِي، فقالت لهم: إنّه في النخع... وعندما أحسّ حِجْر بهذا خرج إلى الأزد (وهو مكان لإحدى القبائل)، ونزل عند (ربيعة بن ماجد)، واختفى هناك، ولم تستطع الشرطة العثور عليه.

وعندما علم زياد أن أصحابه فشلوا في القبض على حِجْر، استدعى محمّد بن الأشعث - رئيسهم - وقال له:

(والله لتأتيني به أو لأقطعنَّ كل نخلة لك.. وأهدم دورك، ثمّ لا تسلم منّي أبداً).

الاعتقال:

وعندما رأى حِجْر أنّ ثورته قد تستخدم ضدها الدعاية الأمويّة المضللة، فتفقد قاعدتها الجماهيرية، وذلك عن طريق القتل، والسلب، والترويع، والهجوم على أماكن القبائل بحجّة التفتيش، وربط كل هذه المشاكل بقضية حِجْر، مما يحدث سخطاً على حِجْر - الذي ترتكب الجرائم باسم التفتيش عنه - فمن أجل الحفاظ على القاعدة الشعبية للثورة، وبعد أن علم أنّ اختفاءه ليس في صالح قضيته أرسل إلى محمّد بن الأشعث يسأله أن يأخذ له أماناً من زياد؛ لكي يذهب إلى معاوية، فجمع ابن الأشعث جماعة، ودخلوا على زياد، واستأمنوه على حِجْر حتى يذهب إلى

٤٣

معاوية، فأعطاهم الأمان، وأرسلوا إلى حِجْر فحضر إلى زياد... وعندما حضر، قال له زياد بشماتة من سيطر بعد التعب:

(مرحباً.. مرحباً بك يا أبا عبد الرحمان، حرب في أيام الحرب، وحرب وقد سالم الناس!! على أهلها تجني براقش).

وبعدها أدخل حِجْر السجن، وسجن لمدة عشر ليال، وقبل انقضاء مدة سجنه جمع زياد بعض رؤساء القبائل وهم: عمرو بن حريث، وخالد بن عرفطة، وقيس بن الوليد، وأبو بردة بن أبي موسى الأشعري، لكي يشهدوا على حِجْر أنّه (جمع الجموع، وأظهر شتم الخليفة، ودعا إلى حرب أمير المؤمنين (؟؟..)، وزعم أنّ هذا الأمر (الخلافة) لا يصلح إلاّ في آل أبي طالب، وأظهر عذر أبي تراب، والترحم عليه، والبراءة من عدوه، وأهل حربه).

وكان صحيحاً أنّ حِجْرَاً جمع الناس حوله لكي يثور على الحكم الظالم، كل هذا صحيح، وهذا ما أدركه زياد، فقال: (ما أظن هذه شهادة قاطعة، وأحب أن يكون الشهود أكثر من أربعة). فدعا الناس؛ ليشهدوا على حِجْر، فشهد هؤلاء الأربعة وغيرهم، على ما جاء في كتاب زياد لمعاوية في الشهادة على حِجْر، وكان مما جاء فيه:

(أمّا بعد، فإنّ الله قد أحسن عند أمير المؤمنين البلاء، فأداله عدوه وكفاه مؤنة من بغى عليه، وإنّ طواغيت الترابيّة السبأيّة، وعلى رأسهم حِجْر بن عَدِي، خالفوا أمير المؤمنين، وفارقوا جماعة المسلمين، ونصبوا لنا الحرب، فأظهرنا الله عليهم، وأمكننا فيهم، وقد دعوت خيار أهل المصر، وأشرافهم، وذوي النهى والدين، فشهدوا بما رأوا وعلموا، وقد بعثت بهم - بحجر وأصحابه - إلى أمير المؤمنين وكتبت شهادة صلحاء المصر، وخيارهم في أسفل كتابي هذا).

وكان حِجْر وأصحابه قد وصلوا إلى منطقة مرج عذراء وسجنوا هناك، وكان عددهم اثني عشر رجلاً، وأتمّوا أربعة عشر رجلاً عندما أرسل إليهم زياد اثنين من أصحاب حِجْر.

وكان مرج عذراء بانتظار الثوار.

٤٤

في مرج عذراء

- ما اسم هذه المنطقة؟

- إنّها عذراء.

- عذراء! متى؟ كيف.. كنت في عذراء؟ وهل هذه بالفعل هي عذراء؟ ثم تبسّم حِجْر قائلاً:

- (الحمد لله.. أما والله إنّي لأول مسلم نبحت عليه كلابها، ثمّ أنا اليوم أحمل مصفوداً إليها).

ومرّ بخاطره فتحهُ لعذراء، وكيف جاهد في سبيل إدخال نور الإسلام إليها، ثمّ ها هو اليوم في عذراء مرّة ثانية، لكنّ الفرق أنّه كان في الأولى قائد جبهة الحقّ، دخلها منتصراً، وها هو الآن يدخلها كقائد لجبهة الحقّ، ولكن مُصفّد.

وهكذا كانت مرج عذراء موطن البطولة..

لقد استضافت حِجْرَاً عندما جاء إليها مجاهداً في سبيل الحقّ، وها هي تستضيفه ثائراً من أجل الحقّ، ومصفوداً في الأغلال.

٤٥

وهكذا منع الثوار دخول دمشق، لأنّ دخولهم كفيل بتفجير (القنبلة الثوريّة) في مجتمع الشام.

وفي ليلة الشهادة:

اغتنم حِجْر وأصحابه فرصة التفرّغ، وذهبوا إلى الله، وغرقوا في الابتهال إلى الله، لا من أجل النجاة، وإِنّما من أجل أن يزيدهم حبّاً في الشهادة، وأن يرزقهم القتل في سبيله (وقتلاً في سبيلك فوفق لنا)، لم يكونوا يطلبون من الله غير الشهادة؛ لأنّ الشهادة كانت في ذلك الوقت - وإلى الآن - اللغة الوحيدة التي يفهمها الطغاة، ويخشاها الظالمون، وكان صوت الشهيد عندما يستشهد، يظلّ يقلق الحاكم طول حياته. ولذلك كان معاوية يردد عندما كان يحتضر: (يومي منك يا حِجْر طويل).

وبعد أن تزودوا من الله - ولله - جاءهم جلاّدوهم لتنفيذ الحكم، ولكنّهم لم يروا في وجوه الثوّار ما ينبئ عن تغيّر في الموقف.. فقرءوا عليهم كتاب معاوية حيث جاء فيه: أنّ البراءة = الحياة، وعدم التبرؤ = الموت.

ولكنّ موقفهم كان واحداً عندما قالوا، بكلّ إيمان المجاهدين، وعقيدة الصامدين، وقوّة الشهيد من أجل الله، قالوا: اللهم إِنا لسنا فاعلي ذلك.

وهكذا جعلوا من أنفسهم قرباناً لله.

أسرعوا للموت، كل واحد منهم كان يريد أن يستشهد قبل الآخر، مما دعا الجلادين إلى الاستغراب من هذا، قائلين: (ما أسرعكم إلى الموت) أي ما الذي يجعلكم تسرعون للموت؟..

٤٦

فقال الجميع: من عرف مستقرّه سارع إليه.

ويحفرون قبورهم، لا لكي يدفن فيها ذلك الثائر وينتهي، إنّما لكي تبقى منطلقاً للإشعاع الثوري في روح الأمّة الإسلامية، وتحضر الأكفان، على أمل الشهادة، ويحدّثهم حِجْر قائلاً: قال لي رسول الله:

«يا حِجْر، تقتل في محبّة عليٍّ صبراً، فإذا وصل رأسك إلى الأرض مادت، وأنبعت عين ماء، فغسلت الرأس.»

وقدّم حِجْر للقتل، فقال: دعوني أتوضأ، فلما توضأ قال: دعوني أصلّي لربي ركعتين، فوالله ما توضأت إلاّ صليت ركعتين؛ لكي يثبت أنّ الثورة لم تنفصل، ويجب أن لا تنفصل عن الصلاة، بل كانت مكمّلة للصلاة..

وتقدم قليلاً، ولكنّه توقّف.. وفكّر قليلاً، ثم دعا بابنه همام، وأمر السيّاف بقتل ولده أوّلاً، وأمام التساؤل الذي أحاط بهم قال حِجْر: (لقد خفت أن يرى هول السيف على عنقي؛ فيرجع عن ولاية عليّعليه‌السلام فلا نجتمع في دار المقام التي وعد الله بها الصابرين).

ويتقدّم همام.. وفي لحظة..

يبرق السيف، ويختفي، ثمّ يقع الجسد، الذي كان ثائراً، يسقط همام على الأرض، وينبع الدم ليكون بحيرة صغيرة من الدم الساخن على جانبي رأسه، فيأتي حِجْر، ويطبع على جبينه قبلة الثائر للثائر، قبلة من ربّى ابنه على الثورة فأنتج، ويقول:

٤٧

(بيّض الله وجهك كما بيّضت وجهي عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (في حفظ رسالته).

وبعد ذلك يتقدم حِجْر إلى الشهادة، بعد أن احتفل بعيد ميلاد ابنه همام، وقبل أن يقتل يوصي الحاضرين، ولكن كيف كانت وصيته؟ هل كانت أن يحافظوا على عائلته، ولا يأخذوا أمواله؟ كلاّ، إنّما كانت الوصية:

- (لا تغسلوا عني دماً..). (ولا تطلقوا عني حديداً..). (وادفنوني في ثيابي..).

وأمام دهشة الجميع، وتساؤلهم عن ذلك، استطرد قائلاً: (فإنّا جميعاً نلتقي غداً في الجادّة)..

ويتقدم السيّاف إليه، فيجفل حِجْر، ويقول له السيّاف: (زعمت أنّك لا تجزع من الموت).

فقال حِجْر: (ومالي لا أجزع، وأنا أرى قبراً محفوراً، وكفناً منشوراً، وسيفاً مشهوراً) أي أنني إنسان، وأنني بشر أخاف مثلما يخاف بقيّة الناس، وأجزع كما يجزع الناس، ولكنّي في سبيل مبادئي لا يهمنّي إن قدّمت حياتي طعمة للسيف.

وبعدها يقول له السيّاف: (مد عنقك).

فيقول حِجْر بكلّ تحدٍّ، وبكلّ ثبات على الموقف: (إنّ ذلك لدم ما كنت لأعين عليه، وما كنت لأعين عليه، وما كنت لأعين الظالمين). لماذا؟

لأنّ الرأس المناضل، المجاهد في سبيل تحقيق الحرية للجميع بترسيخ حكم الله، هذا الرأس لا يمكن أن يخضع لسيف الباطلّ حتى ولو سيطر عليه؛ لأنّ (الحقّ يعلو) في مثل هذه المواقف، وهذا الدم المراق، لن يراق ببساطة، أن يمدّ عنقه ليذبح كما يذبح الحيوان.

وبعد ثوان.. كان المجاهد العظيم يتمرغ في دمائه، ولحيته البيضاء قد تحولت إلى حمراء، يعلوها تراب الصحراء.. وبعد هذه الثواني ابتدأت حياة حِجْر من جديد؛ لأنّ يوم الشهادة للثائر، هو يوم ولادته، ويوم ولادته هو يوم شهادته.

هذه هي صفحات من حياة أحد الثوار، الذين جاهدوا، وناضلوا، وقدّموا حياتهم ثمناً لبقاء رسالة الله ولم تنتهِ حياتهم، إنّما ستستمر مع بقاء الرسالة باقية.

ولأنّ النداء، لا زال يأتي، من مرج عذراء، فسيبقى حِجْر رمزاً للشهادة، ومعلّماً للثائرين من أجل الله.

فسلام عليك يا حِجْر يوم فتحت مرج عذراء..

وسلام عليك يوم استشهدت بها..

وسلام عليك يوم تبعث في يوم القيامة، مع الشهداء والصديقين.

٤٨

الفهرس

جنين الثورة ١٢

يتكوّن في رحم الأحداث.. ١٢

أ - الإرهاب الفكري والسياسي: ١٣

ب - تصفية العناصر الثورية: ١٥

هل كان في صالح الشعب؟ ١٩

هكذا خَرَجَتْ المُعارَضَةُ إلى العَلَنِ. ٢٢

الإمام يُبعث: ٢٢

المعارضة تتكتل: ٢٥

الجماهير تستجيب: ٢٧

في الطريق إلى الشهادة ٣٢

رَفَضَ أن يتنازلَ عن مبادئهِ ذرّة ٣٣

فرفضوا أن يتنازلوا عن دمهِ قطرة: ٣٣

عندما يحضر الجلاّد لقتلك.. ٣٦

فأعلن كلمتك بصراحة: ٣٦

يوميات الثائر ٣٩

المطاردة: ٤٠

الاعتقال: ٤٣

في مرج عذراء ٤٥

٤٩