قراءات في بيانات الثورة الحسينية وابعادها الرئيسة

قراءات في بيانات الثورة الحسينية وابعادها الرئيسة0%

قراءات في بيانات الثورة الحسينية وابعادها الرئيسة مؤلف:
الناشر: المؤسّسة الإسلاميّة للبحوث والمعلومات
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 276

قراءات في بيانات الثورة الحسينية وابعادها الرئيسة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: حبيب إبراهيم الهديبي
الناشر: المؤسّسة الإسلاميّة للبحوث والمعلومات
تصنيف: الصفحات: 276
المشاهدات: 45416
تحميل: 4260

توضيحات:

قراءات في بيانات الثورة الحسينية وابعادها الرئيسة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 276 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 45416 / تحميل: 4260
الحجم الحجم الحجم
قراءات في بيانات الثورة الحسينية وابعادها الرئيسة

قراءات في بيانات الثورة الحسينية وابعادها الرئيسة

مؤلف:
الناشر: المؤسّسة الإسلاميّة للبحوث والمعلومات
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ووضع يديه تحت الجرح فلـمَّا امتلأت دماً رمى به نحو السماء، وقال:

(هوَّن عليَّ ما نزل بي أنَّه بعين الله).

فلم يسقط مِن ذلك الدم قطرة إلى الأرض. ثمَّ مَدَّ يديه ثانياً، فلـمَّا امتلأت لطَّخ به رأسه ووجهه، وقال:

(هكذا أكون حتَّى ألقى الله وجَدِّي رسول الله، وأنا مُخضَّب بدمي)(1) .

وهكذا تبقى يا أبا الأحرار، مدرسة الأجيال في كلِّ ميدان مِن ميادين العظمة والنُّبل والفضيلة، وتبقى مصباحاً للهدى تُضيء للأُمَّة طريقها وتُعلِّم الأحرار كيف يعيشون أو كيف يموتون.

* * *

عفواً أبا الشهداء

عفواً أبا الشهداء الغُرِّ إنْ قصرت

قريحتي عن مديح ذكره عطر

فأيُّ يوميك أحرى أنْ نُشيد له

ذكراً لعُلياك كي يسمو به الذكر

يوم الولادة أم يوم كتبت به

سطر الشهادة فيه يُكتب النصر

رتَّلت للدهر آياً للفداء وفي

جبينه سجَّلتها البيض والسمر

كشفت فيها مِن الطاغين واقعهم

وصنت بالموت حَقَّاً غاله الجور

____________________

(1) مقتل الحسين للـمُقرَّم: ص279.

٢٠١

فنفسك الطُّهر تأبى أنْ تُساومهم

إذ لا حياة إذا ما اسُتعبد الحُرُّ

سننت فيها طريقاً للدُّعاة فما

سواه يُجدي إذا ما قتَّم الكفر

أدركت أنَّ شهيد الحَقِّ مولده

يوم الشهادة فيه يُذبَح الـمَكر

أثبتَّ أنَّ دم الأحرار صاعقة

على عروش بناها الجور والغدر

لولا جهادك والتاريخ شاهده

لأصبح الدين طَيَّاً ماله نشر

جددَّته بعدما كادت معالمه

تذوب كالمِلح إذ يطغى به النهر

بُشراك هذي ثمار الفتح ترفعها

منابر الحَقِّ فيها يُفضح الشرُّ

صبرت في موقف تعنو الجباه له

وموقف الحَقِّ فيه يُحمد الصبر

هيهات هيهات لن يُنسى دمٌ كتبت

به الملاحم فيها يفخر الدهر

وحَقِّ صَدرِك والأعداء تحطمه

الله أعلم ماذا يحمل الصدر

وحَقِّ نحرك حيث السيف يقطعه

في ذِمَّة الله يُفرى ذلك النحر

لن تنمحي أسطر سجَّلتها فغدت

طوفان نوح لحتَّى ينقضي الأمر(1)

____________________

(1) مِن قصيدة للمؤلِّف بمُناسبة ذكرى مولد الإمام الحسين سنة 1405 هـ.

٢٠٢

٢٠٣

القراءة الخامسة

في البيانات الإعلاميَّة فيما بعد الثورة

أ - الوسيلة الإعلاميَّة للثورة

ب - البيانات الإعلاميَّة في الكوفة

ج - البيانات الإعلاميَّة في الشام

د - البيان الإعلاميِّ في المدينة المنوَّرة

٢٠٤

٢٠٥

أ - الوسيلة الإعلاميَّة للثورة

كلُّ ثورة في العالم لا بُدَّ لها مِن حملة إعلاميَّة لإيصال صوتها إلى أسماع الناس، وذلك مِن خلال الوسائل الإعلاميَّة الـمُتاحة في عصر تلك الثورة، وكانت الوسيلة الإعلاميَّة للثورة الحسينيَّة الـمُقدَّسة فريدة مِن نوعها، لم تُستخدَم في أيِّ ثورة في العالم، ويتمثَّل ذلك في مسيرة السبي التي تعرَّضت لها عائلة الإمام الحسينعليه‌السلام مِن أطفال ونساء مِن بعد الواقعة.

ففي تلك المسيرة استطاع سبايا أهل البيت أنْ يُعطوا الثورة بُعدها الإعلاميِّ، والقوَّة التأثيريَّة في نفوس الجماهير؛ بحيث لولا هذا الدور لاستطاع النظام الأُمويِّ أنْ يُشوِّه الثورة، ويقوم بعمليَّة التعتيم على أهدافها والقضاء على نتائجها، كما يحصل للكثير مِن الحركات الإصلاحيَّة في العالم، حينما يُقضى عليها في مهدها، وبما أنَّ الطرف الـمُضادَّ هو الذي يملك وسائل القوَّة بما في ذلك القوَّة الإعلاميَّة؛ فإنَّه يستطيع أنْ يُشوِّه صورة تلك الحركة في ذهنيَّة الرأي العامِّ، إلى الحَدِّ الذي يُصبح الناس فيه ناقمين على تلك الحركة الإصلاحيَّة ويقفون منها موقف المواجهة، مع أنَّ تلك الحركة قد تكون في حقيقتها في صالح الناس، ولكنْ بسبب التعتيم الإعلامي تُشوَّه الصورة.

هكذا سوف يكون مصير الثورة الحسينيَّة، لولا الدور الذي قام به سبايا آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولذهبت تلك الدماء الزكيَّة هَدْراً دون أنْ يكون لها هذا الأثر وهذا العطاء الذي نُشاهده ونعيشه.

٢٠٦

وهذا مغزى كلمة الإمام الحسينعليه‌السلام حينما سُئل عن سبب حمله للنسوة والعائلة، مع أنَّه ماضٍ إلى مواجهة النظام الأُموي، فقالعليه‌السلام :

(إنَّ الله شاء أنْ يراهُنَّ سباياً)(1) .

يعني: أنَّ الله تعالى أراد لهنَّ أنْ يقُمن بهذا الدور، الذي لا يُمكن لأحد مِن الرجال أنْ يقوم به في ظرف ما بعد الثورة، نظراً ما للمرأة وكلامها مِن التأثير العاطفي على النفوس، في إثارة المشاعر والعواطف، ولا سِيَّما إذا كانت المرأة تمتلك مقاليد البيان وتتحلَّى بالشجاعة الأدبيَّة، كحرائر بيت النبوَّة وعلى رأسهنَّ الحوراء زينب بنت عليعليها‌السلام . وكذلك ما للمرأة مِن مكانة خاصَّة في النفوس لا سِيَّما عند العرب آنذاك، تلك المكانة التي تكسب المرأة حماية اجتماعيَّة خاصَّة عن التعدِّي على حياتها.

مِن هنا استطاع سبايا أهل البيت أنْ يفضحوا النظام الأُمويِّ بكلِّ قوَّة ووضوح.

وهذا ما لا يستطيع أحد مِن الرجال أنْ يقوم به في تلك الظروف التي كُمَّتْ فيها الأفواه، فمَن تحدَّث عمَّا جرى على آل محمد فإنَّه يُعرِّض نفسه للموت.

وحتَّى الإمام زين العابدينعليه‌السلام قد تعرَّضت حياته للخطر، لولا دفاع عَمَّته الحوراءعليها‌السلام ، وذلك حينما رَدَّ على الطاغية ابن زياد كلامه في مجلسه، عندما التفت الطاغية فرأى الإمام فسأله:

مَن أنت؟ فأجابه الإمام: (أنا علي بن الحسين)، فقال الطاغية، أوَلم يَقتل الله علي بن الحسين؟

فأجابه الإمام بأناة: (كان لي أخٌ يُسمَّى عليَّاً فقتلوه، وإنَّ له منكم مُطالباً يوم القيامة).

____________________

(1) اللهوف: ص40 طبع الأعلمي، والبحار: ج44: ص364.

٢٠٧

فثار ابن زياد في وَقاحة وصُلف وصاح بالإمام: الله قتله.

فأجابه الإمام بكلِّ شجاعة وثبات:( اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ) ،( وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله ) .

ودارت الأرض بابن زياد وأخذته عِزَّة الإثم، فقد غاظه أنْ يتكلَّم هذا الغُلام الأسير بهذه الطلاقة، وقوَّة الحُجَّة والاستشهاد بالقرآن فصاح به: وبكَ جُرأة على رَدِّ جوابي، وفيك بقية للرَّدِّ عليَّ. وصاح الرجس الخبيث بأحد جلاَّديه وقال: خُذْ هذا الغُلام واضرب عُنقه. وطاشت أحلام السيِّدة زينب وانبرت بشجاعة لا يرهبها سلطان، فأخذت الإمام فاعتنقته وقالت لابن مرجانة: حَسْبُك - يا بن زياد - مِن دمائنا ما سفكت، وهل أبقيت أحداً غير هذا؟! فإنْ أردت قتله فاقتُلني معه.

وانخذل الطاغية وقال مُتعجِّباً: دعوه لها، يا للرَّحم! ودَّت أنَّها تقتل معه!(1) .

فنُلاحظ - هنا - لولا موقف العقيلة زينبعليها‌السلام لقُتِل الإمام زين العابدينعليه‌السلام .

فـ (مَن الذي يستطيع أنْ يتكلَّم والجوُّ مُلبَّد بالمخاوف، فرأس زعيم الأُمَّة وقائدها الأعلى على الحراب، وعقائل الرسالة سبايا في المصر، فلم يعد في مقدور أيِّ أحد أنْ يتلفَّظ بحرفٍ واحد، فكُمَّتِ الأفواه وأُخرست الألسن ومُلئت السجون بالرؤوس والضروس، واستسلم الجميع لحُكم ابن مرجانة)(2) .

إلاَّ أنَّ الساحة لم تَخْلُ مِن الغيارى، الذين يحملون روح الـمُعارضة للنظام، ولكنْ أيُّ فردٍ يجرؤ على رفع صوته مُنكِراً ومُعارضاً فإنَّ مصيره القتل، كما كان مصير عبد الله بن عفيف الأزدي، عندما وقف في وجه ابن زياد، حينما صعد الطاغية المنبر وهو في نشوة

____________________

(1) حياة الإمام الحسين: ج3: ص346.

(2) حياة الإمام الحسين: ج3: ص347.

٢٠٨

الظفر والانتصار، وقال: الحمد لله الذي أظهر الحَقَّ وأهله، ونصر أمير المؤمنين يزيد وحِزبه، وقتل الكذَّاب ابن الكذَّاب الحسين بن علي وشيعته.

نعم، هكذا بلغ الحال بأُمَّة الإسلام والقرآن، بأنْ يصعد مَنابرها مثل ابن مَرجانة، ويتكلَّم بهذا المنطق الذي يقلب الموازين فيجعل الحَقَّ باطلاً والباطل حَقَّاً، ويجعل الصادق كاذباً والكاذب صادقاً.

فمَن هو الحسين؟! ومَن أبوه؟! حتَّى يوصَف بهذه الأوصاف على منابر أُمَّة جَدِّه وعلى رؤوس المسلمين، ومَن هو يزيد؟! ومَن أبوه؟! حتَّى يجعلا أهلاً للحَقِّ وأنصاراً له، ولكنَّها النكسة والارتداد اللذين أُصيبت بهما هذه الأُمَّة، ولكنْ مَهْما تعملق الباطل والطغيان، فإنَّ كلمة الحَقِّ لا تموت، وإنْ أُسكتت دهراً ما فلا بُدَّ لها أنْ تعلو في وجه الباطل.

فلـمَّا نطق ابن زياد بقول الباطل، قام في مجلسه عبد الله بن عفيف الأزدي - وكان ضريراً ذهبت إحدى عينيه يوم الجمل، والأُخرى بصِفِّين مع الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وكان لا يفارق المسجد يتعبَّد فيه - فصاح: يا بن مرجانة، الكذَّاب ابن الكذَّاب أنت وأبوك، والذي ولاَّك وأبوه. يا بن مرجانة، أتقتلون أولاد الأنبياء وتتكلَّمون بكلام الصِّدِّيق؟!

فصاح ابن زياد: مَن هذا الـمُتكلِّم؟ فقال ابن عفيف: أنا الـمُتكلِّم يا عدوَّ الله، أتقتلون الذُّرِّيَّة الطاهرة، التي أذهب الله عنهم الرجس وتزعم أنَّك على دين الإسلام. واغوثاه! أين أولاد الـمُهاجرين والأنصار؟ لينتقموا مِن طاغيتك اللعين ابن اللعين على لسان محمد رسول الله رَبِّ العالمين.

... وصاح ابن زياد وقد امتلأ غيضاً: عليَّ به.

فبادرت إليه الجلاوزة لتختطفه، فنادى ابن عفيف بشعار أُسرته: يا مبرور.

٢٠٩

وكان في المجلس مِن الأزد سبعمئة، فوثبوا إليه وأنقذوه مِن أيدي الجلاوزة وجاءوا به إلى منزله.

إلاَّ أنَّ الطاغية حينما رأى هذا الموقف مِن ابن عفيف وعشيرته، أخذه القَلق خوفاً مِن أنْ يتَّسع نطاق الـمُعارضة والنقمة؛ فقرَّر أنْ يُسكت ذلك الصوت، فأصدر أمره باعتقال عبد الله بن عفيف، فجاءت القوَّة نحو بيته وقام الأزد للدفاع عن عفيف، ووقع القتال بين الطرفين، إلاَّ أنَّ قوَّات ابن زياد سيطرت على الموقف واستطاعت أنْ تقتحم على ابن عفيف داره، فناولته ابنته سيفاً فجعل يذبُّ به عن نفسه وهو يرتجز ويقول:

أنا ابن ذي الفضل العفيف الطاهر

عفيف شيخي وابن أُمِّ عامر

كمْ دارعٍ مِن جمعكم وحاسر

وبطلٍ جندلته مُغاور

وأخذت ابنته تدلُّ على الـمُحاربين له، فتقول له: يا أبتِ، أتاك القوم مِن جِهة كذا.

وتكاثروا عليه وأحاطوا به مِن كلِّ جانب، فألقوا القبض عليه وانطلقوا به إلى ابن زياد، وهو يقول في طريقه:

أُقسِم لو يُفسَح لي عن بصري

شقَّ عليكم مَوردي ومصدري(1)

ومَثُل ابن عفيف بين يدي الطاغية، وبعد حوار بينهما أمر ابن زياد بقتله؛ ليخمد هذا الصوت في نظره، ولم يعلم ابن مرجانة أنَّ صوت ابن عفيف لا يُمكن أنْ يسكت؛ لأنَّه صدىً لصوت الحَقِّ الذي ارتفع مِن أرض كربلاء، وسوف يبقى عالياً في وجه الطغيان والانحراف.

وانبرى ابن عفيف إلى ابن زياد قائلاً: (الحمد لله رَبِّ العالمين، أما إنِّي كنت أسأل رَبِّي أنْ يرزُقني الشهادة مِن قبل أنْ تلدك أُمُّك، وسألت الله أنْ يجعلها على يدي ألعن

____________________

(1) انظر: الفتوح لابن أعثم: ج5: ص124.

٢١٠

خلقه وأبغضهم إليه، ولـمَّا كُفَّ بصري يئست مِن الشهادة، أمَّا الآنْ والحمد لله الذي رزقنيها بعد اليأس وعرَّفني الإجابة في قديم دعائي)(1) . ثمَّ رُزِق ابن عفيف وسام الشهادة.

ولا شكَّ أنَّ لهذا الموقف وأمثاله أثراً كبيراً، في تأجيج النقمة في النفوس على النظام الأُموي، إلاَّ أنَّ الثورة لا زالت في حاجة إلى مواقف إعلاميَّة أقوى وأعظم تأثيراً، فهي تحتاج إلى مواقف المرأة الإيمانيَّة والجهاديَّة وصوتها الذي لا يقدر النظام على إسكاته. ويتمثَّل هذا الدور في مواقف حرائر بيت النبوَّة بزعامة عقيلة البيت الهاشمي زينب ابنة عليعليه‌السلام . وقد أعدَّ الحسينعليه‌السلام النساء للقيام بذلك الدور الإعلاميِّ فيما بعد المعركة، وجعل كلُّ أصحابه وكلُّ شخصٍ في قافلته - بما فيهم النساء - يُدرك الهدف مِن مسيرته، ويستعدُّ لتقبُّل كلِّ التضحيات والمصاعب، ولا يتوقَّف عن مُمارسة مسؤوليَّاته تِجاه التغيير الذي أراده الإمام(2) .

لا سِيَّما زعيمة الركب الحسيني زينبعليها‌السلام ، التي لم تُبدي أيَّ انكسار أمام ما واجهته في مسيرة السبي، مِن المواقف التي أراد منها النظام إذلال العائلة الحسينيَّة، ولكنَّ العقيلة زينبعليها‌السلام دافعت وبقوَّة عن كرامة أهل البيتعليهم‌السلام ، ووقفت أمام طُغيان يزيد وابن زياد مُبرهنة على أنَّ المرأة المسلمة، إذا ما تسلَّحت بالوعي والقوَّة في الإيمان؛ فإنَّ بإمكانها أنْ تؤدِّي الأدوار الرساليَّة والجهاديَّة، التي لا تقلُّ أهميَّة عن الأدوار التي يقوم بها الرجل.

فحينما أُدخِل سبايا آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله على الطاغية ابن زياد، انحازت الحوراء في ناحية مِن المجلس ومعها نساؤها، فقال الطاغية: (مَن هذه التي انحازت ناحية ومعها نساؤها؟

____________________

(1) المصدر السابق.

(2) وتنفَّس صُبح الحسين: ص431.

٢١١

ولم تلتفت إليه الحوراء، فانبرت إحدى السيِّدات فقالت له: هذه زينب بنت فاطمة بنت رسول الله.

فقال: الحمد لله الذي فَضحكم وقتلكم وأبطل أحدوثتكم!

فثارت حَفيدة الرسول بشجاعة - مُحتقرةً لذلك الوَضر الخبيث - وصاحت به:

(الحمد لله الذي أكرمنا بمحمَّدصلى‌الله‌عليه‌وآله وطهَّرنا تطهيراً، إنَّما يفتضح الفاسق ويُكذَّب الفاجر وهو غيرنا).

فقال: كيف رأيت صنع الله بأهل بيتك؟ فأجابته الحوراء بقولها:

(ما رأيت إلاَّ جَميلاً، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم فتُحاجَّ وتُخاصم، فانظر لـمَن الفَلَج، هبلتك أُمُّك يا ابن مرجانة) (1) .

وفقد الحقير إهابه مِن هذا التبكيت الموجع، والتعريض الـمُقذع وتميَّز غيظاً وغضباً، وهَمَّ بأنْ يُنزل بها عقوبته فنهاه عمرو بن حُريث، وقال له: إنَّها امرأة لا تؤخذ بشيء مِن منطقها. فالتفت إليها قائلاً: لقد شفى الله قلبي مِن طاغيتك والعُصاة الـمَردة مِن أهل بيتك.

فأجابته الحوراء قائلة:(لَعمري، لقد قتلت كَهلي، وأبدت أهلي، وقطعت فرعي، واجتثثت أصلي، فإنْ يُشِفك هذا فقد اشتفيت) (2) .

____________________

(1) مُثير الأحزان لابن نما الحلِّي: ص71 طبع الحيدريَّة، واللهوف: ص93، والأمالي للصدوق: ص229، وبحار الأنوار: ج45: ص115، والعوالم (الإمام الحسين): ص375 وص383 وص384، والفتوح لابن أعثم: ج5: ص122، واللفظ للأوَّل.

(2) حياة الإمام الحسين: ج3: ص342 إلى ص345.

٢١٢

فنُلاحظ هنا أنَّ الطاغية لـمَّا فقد صوابه، همَّ بأنْ ينتقم مِن الحوراء باستخدام القوَّة؛ لأنَّه عجز عن مواجهتها بالمنطق والبيان، إلاَّ أنَّ عمرو بن حريث تدارك الموقف؛ لأنَّ هذا التصرُّف لو أقدم عليه ابن زياد مِن شأنه أنْ يَجرَّ عليه رَدَّة فعل مِن قِبَل الحضور في المجلس؛ لأنَّ الـمُجتمع آنذاك يعتبر مواجهة المرأة بهذا الأُسلوب أمراً يَجرُّ على صاحبه نِقمةً لدى الناس، فكيف والمرأة المواجهة لابن زياد هي بنت أمير المؤمنينعليه‌السلام ، الذي لا يخلو المجلس مِن الموالين له، فخشي عمرو بن حريث مِن رَدَّة الفعل عند الحاضرين، لا سِيَّما أنَّ النفوس تعيش حالة الغليان بسبب تلك الفاجعة الكُبرى.

فمِن هنا يتَّضح أنَّ الفرصة مُتاحة للنساء أكثر مِمَّا هي مُتاحة للرجال في تلك الظروف المملوءة بالإرهاب وكَمِّ الأفواه.

٢١٣

ب - البيانات الإعلاميَّة في الكوفة

إنَّ الخُطب التي أدلى بها سبايا آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله في مسيرة السبي، لَتُعتبر مِن أقوى البيانات الإعلاميَّة للثورة الحسينيَّة، سواء كان ذلك في الكوفة أمْ في الشام، إلاَّ أنَّ الـمُلاحظ هو وجود تفاوت بين خُطب الكوفة وبين خُطب الشام، فإنَّ لكلِّ قِسم مَحاور خاصَّة؛ نظراً لاختلاف الأجواء الاجتماعيَّة التي يعشها مُجتمع الكوفة عن الأجواء السائدة في مُجتمع الشام.

وبيانات الكوفة تتمثل في التالي:

1 - خُطبة عقيلة البيت الهاشمي، زينب ابنة عليٍّ أمير المؤمنينعليهما‌السلام .

2 - خُطبة الإمام زين العابدينعليه‌السلام .

3 - خُطبة فاطمة الصُّغرى بنت الحسينعليهما‌السلام .

4 - خُطبة أُمِّ كلثوم بنت عليٍّعليهما‌السلام .

وقد أكَّدت هذه البيانات (الخُطب) على محاور مُهمَّة وخطيرة، هي مِن أهمِّ أهداف الثورة الـمُقدَّسة، مِن أبرز تلك المحاور:

أ - الحديث عن فاجعة الطَّفِّ وما فيها مِن بشاعة الجريمة، التي تدلُّ على خِسَّة ولؤم مُرتكبيه، وأنَّهم بعيدون عن روح الإنسانيَّة - فَضلاً عن الروح الإسلاميَّة - وأنَّ هذه الفاجعة ليست كأيِّ كارثة تحدث في التاريخ.

٢١٤

نظراً للأساليب الانتقاميَّة، التي قام بها القتلة الـمُجرمون تِجاه القتلى الشهداء والعائلة الكريمة: مِن القتل والتمثيل، وحمل الرؤوس على الحراب، وحرق الـمُخيَّمات ونهب كلِّ ما فيها، والتعدِّي على العائلة بالضرب والإهانات، وتسيير النساء والأطفال سبايا وكأنَّهم مِن سبايا الروم والدَّيْلم.

ومِمَّا يزيد الموقف فَداحة وخِسَّة، أنَّ الـمُرتكبين لهذه الجريمة الكُبرى هُمْ الذين بعثوا رسائلهم إلى الإمام الحسينعليه‌السلام يدعونه للمسير إليهم، وقد أعطوه العهد والميثاق وبايعوه على السَّمع والطاعة على يد سفيره مسلم بن عقيل، وبعد ذلك خانوا عُهودهم ونقضوا بيعتهم، وخرجوا على مَن بايعوه وعاهدوه فارتكبوا في حَقِّه أبشع جريمة عرفها التاريخ؛ حيث إنَّهم قتلوه هو وأصحابه وأهل بيته بأُسلوب يُدمي القلوب، ويذهل الأفكار لبُعْده عن الرحمة الإنسانيَّة.

وبعد ارتكاب هذه الفاجعة عادوا يبكون وينتحبون، ويُعلنون ندمهم على ما ارتبكوا، إلاَّ أنَّ الندم سوف يُلازمهم إلى الأبد، وسوف يبقى ذلك الـمُجتمع وما ارتكبه مِن جُرم في حَقِّ العِترة الطاهرة.. سيبقى وصمة عار في جبين هذه الأُمَّة وصفحة سوداء في تاريخها.

فقد خطب الإمام زين العابدينعليه‌السلام فيهم بعد أنْ أومأ إلى الناس أنْ اسكتوا، فلـمَّا سكتوا حمد الله وأثنى عليه، وذكر النبي فصلَّى عليه، ثمَّ قال:

(أيُّها الناس، مَن عَرفني فقد عَرفني، ومَن لم يعرفني فأنا عليُّ بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أنا ابن مَن انتُهكت حُرمته، وسُلبت نعمته، وانتُهب ماله، وسُبي عياله، أنا ابن المذبوح بشطِّ الفرات مِن غير ذَحْل ولا تِرات، أنا ابن مَن قُتل صبراً وكفى

٢١٥

بذلك فخراً. أيُّها الناس، فأُنشدكم الله، هل تعلمون أنَّكم كتبتم إلى أبي وخدعتموه، وأعطيتموه مِن أنفسكم العهود والميثاق والبيعة وقاتلتموه؛ فتبَّاً لكم لما قدَّمتم لأنفسكم وسوأة لرأيكم، بأيَّة عين تنظرون إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذ يقول لكم قتلتم عِترتي وانتهكتم حُرمتي فلستم مِن أُمَّتي).

وعلت الأصوات بالبُكاء ونادى منادٍ منهم: هلكْتُم وما تعلمون.

واستمرَّ الإمام في خطابه فقال:

(رحم الله امرأً قَبِل نصيحتي، وحفظ وصيَّتي في الله وفي رسوله وأهل بيته، فإنَّ لنا في رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أُسوة حَسَنة).

فهتفوا جميعاً قائلين بلسانٍ واحدٍ: نحن يا بن رسول الله، سامعون مُطيعون حافظون لذِمامك، غير زاهدين فيك ولا راغبين عنك، فمُرنا بأمرك يرحمك الله، فإنَّا حرب لحربك وسِلْم لسِلْمك مِمَّن ظلمك وظلمنا.

فردَّ لإمام عليهم هذا الولاء الكاذب قائلاً:

(هيهات هيهات! أيُّها الغَدَرة الـمَكَرة! حيل بينكم وبين شهوات أنفسكم، أتُريدون أنْ تأتوا إليَّ كما أتيتم إلى أبي مِن قَبْل؟! كلاَّ وربِّ الراقصات، فإنَّ الجرح لـمَّا يندمل، قُتِل أبي - صلوات الله عليه - بالأمس وأهل بيته ولم يُنسني ثَكل رسول الله وثَكل أبي

٢١٦

وبني أبي، ووَجْدُه بين لهاتي، ومرارته بين حناجري وحَلقي، وغِصَّته تجري في فراش صَدري)(1) .

أشعرهم الإمامعليه‌السلام بأنَّ ما أبدوه له، مِن استعداد للامتثال لأمره والوقوف معه، وبأنَّهم سوف يكونون له أنصاراً، يُحاربون مَن يُحارب، ويُسالمون مَن يُسالم.. أشعرهم بأنَّهم غير صادقين في ما يدَّعون، وهيهات هيهات أنْ ينخدع بهم وبذَلاقة ألسنتهم! وبالأمس جرى منهم ما جرى على صعيد كربلاء، ولا يُمكن أنْ تزول تلك الصور الـمُفجعة عن عينيه أو تُبارح مُخيَّلته، فلا زالت ولن تزول مرارتها وغِصَّتها في صدره تقضُّ عليه مضاجعه، فكيف ينسى وقد رأى بأُمِّ عينيه ما جرى على أبيه وإخوته، وعمومته وبني عمومته، والأصحاب مِن الأحداث الجِسام، والمصائب العِظام التي سوف تبقى مدى الدهر تتذكَّرها الأجيال؟!

وأمَّا الحوراء زينب بنت عليٍّعليهما‌السلام ، فقد أومأت إلى الناس فسكنت الأنفاس والأجراس، فاندفعت عقيلة البيت الهاشمي، فقالت:

(الحمد لله، والصلاة على أبي محمد وآله الطيِّبين الأخيار، أمَّا بعد: يا أهل الكوفة، يا أهل الخَتْل والغدر، أتبكون فلا رقأت الدمعة ولا هدأت الرنَّة؟! إنَّما مَثلكم كمَثل التي نقضت غزلها مِن بعد قوَّة أنكاثاً، تتَّخذون أيمانكم دخلاً بينكم. ألا وهل فيكم إلاَّ الصَّلِف والنَّطِف، والعُجب والكَذب، والشَّنِف ومَلِق الإماء وغمز الأعداء، أو كمرعى على دِمنة أو كقصَّة (كفِضَّة) على مَلحودة؟!

____________________

(1) نقلنا نصَّ الخُطبة مِن اللهوف: ص92 - 93، ومثير الأحزان لابن نما: ص69 - 70 طبع الحيدريَّة واللفظ للأوَّل.

٢١٧

ألا بِئْس ما قدَّمت لكم أنفسكم أنْ سَخط الله عليكم، وفي العذاب أنتم خالدون) (1) .

في هذا الجزء مِن بيانها، أعطت بطلة كربلاء صورة واضحة ودقيقة عن الـمُجتمع الكوفي وواقعه السيِّئ، فأشارت إلى مجموعة مِن الصفات السيِّئة والظواهر الانحرافيَّة البارزة في حياة ذلك الـمُجتمع، تلك الصفات التي جعلته مِن أحطِّ الـمُجتمعات أخلاقاً وسُلوكاً.

وهي كما يلي:

الخَتْل: وهو الخِداع والـمُراوغة.

الغَدْر: وهو ترك الوفاء ونقض العهد.

وهنا ضربت لهم الحوراء مَثلاً قرآنيَّاً، حيث كان ينطبق عليهم تمام الانطباق، وهو قوله تعالى:( وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ... ) (2) .

قال الـمُفسِّرون: إنَّ (الآية تُشير إلى (رايطة) تلك المرأة التي عاشت في قريش زمن الجاهليَّة، وكانت هي وعاملاته يعملنَ مِن الصباح حتَّى مُنتصف النهار في غزل ما عندهنَّ مِن الصوف والشَّعر، وبعد أنْ ينتهين مِن عملهنَّ تأمرهنَّ بنقض ما غزلنَ، وبهذا عُرفت بين قومها بالحَمقاء، فما كانت تقوم به رايطة لا يُمثِّل عملاً بلا ثمر فحسب، بلْ هو الحَماقة بعينها، وكذا الحال بالنسبة لـمَن يبرم عهداً مع الله وباسمه ثمَّ يعمل على نقضه، فهو ليس بعابث فقط، وإنَّما هذا دليل على انحطاطه وسقوط شخصيَّته،( ... تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ... ) ، أي لا

____________________

(1) مقتل الـمُقرَّم: ص203.

(2) النحل: 92.

٢١٨

تنقضوا عهودكم مع الله؛ بسبب أنَّ تلك المجموعة أكبر مِن هذه فتقعوا في الخيانة والفساد(1) .

وهذا مُنطبق على مواقف أهل الكوفة مِن الإمام الحسين الشهيدعليه‌السلام ؛ حيث أعطوه عهودهم ومواثيقهم، ثمَّ خانوا تلك العهود ونقضوا تلك المواثيق، وانظمُّوا إلى أعداء أهل البيت وأعداء الأُمَّة؛ لأنَّ القوَّة والكثرة إلى جانب الأُمويّين، فكان الختل والغدر والخيانة من أبرز المساوئ الأخلاقية لذلك المجتمع إلى جانب بقية الصفات التالية وهي:

الصَّلِف: وهو ادِّعاء الإنسان بما ليس فيه تكبُّراً.

والنَّطِف: وهو القذف بالفُجور.

والعُجب: وهو الزهوّ، ورجل مُعجَب مَزهو بما يكون منه حَسناً أو قبيحاً.

والكَذِب: وهو عدم الصدق في القول والعمل.

والشَّنِف: وهو البُّغْض بغير حَقٍّ.

ومَلق الإماء: والـمَلق هو أنْ يُعطي الإنسان بلسانه ما ليس في قلبه، وهو نوع مِن النفاق الاجتماعي.

وغمز الأعداء: والغَمز هو الطعن والعيب، وأشدُّ ما يكون الطعن إذا كان عن عداوة.

أو كمرعى على دِمنة: وهو النبت الجميل المنظر، الذي ينبت على دِمنة وهي الـمَزبلة.

أو كقصَّة (كفضة) على ملحودة: والقِصَّة الجِصُّ والملحودة القبر.

وفي هاتين الصفتين (كمرعى على دِمنة أو كقصة على ملحودة) شبَّهتهم الحوراء:

____________________

(1) تفسير الأمثل: ج8: ص275.

٢١٩

أوّلاً: بالنبات الأخضر الجميل، الذي يكون منبته في وسط المزابل، تعبيراً عمَّا يتظاهرون به مِن صفات خارجيَّة خادعة، إلاَّ أنَّ جذورها في مَنابت السوء والخَبَث.

ثانياً: بالقبر الـمُجصَّص فهو جميل في ظاهره، إلاَّ أنَّه قد انطوى على جيفة منتنة، لو كشف عن باطنه لبرزت الرائحة النتنة، وبدا المظهر الذي تشمئزُّ منه النفوس، فقد كان أهل الكوفة يُبرزون أنفسهم بمظاهر تخدع الآخرين إلاَّ أنَّ بواطنهم كالجِيف.

هذه هي أبرز مساوئ الـمُجتمع الكوفيِّ في تشخيص الحوراءعليها‌السلام ، وهي أُمَّهات الرذائل ومساوئ الأخلاق، التي تَهدم حياة الـمُجتمعات، فأيُّ مُجتمعٍ تسوده هذه الصفات، فإنَّه سوف يُصبح مُجتمعاً ضعيفاً مُتقلِّباً في مواقفه وسلوكه ويبتعد عن الفضائل الإنسانيَّة، وتسهل السيطرة عليه مِن قِبَل أعدائه وتسخيره لأهدافهم، كما كان عليه مجتمع الكوفة.

وإذا أُصيب القوم في أخلاقهم فأقِمْ عليهم مأتماً وعويلاً.

والعامل الرئيس في وجود هذه الأمراض الاجتماعيَّة، هو ضعف الروح الدينيَّة والإيمانيَّة الواعية، التي متى أصبحت قويَّة وثابتة في نفس الإنسان؛ فإنَّها تُعطيه القوَّة والثبات في مواقفه ويعيش بعيداً عن التذبذب والتأرجح في قراراته، فتسود الـمُجتمع مظاهر الفضيلة.

وهذا ما يفتقر إليه الـمُجتمع الذي تحدَّثت عنه العقيلة زينبعليها‌السلام ، وفي ظَنَّي لو أنَّ عدداً مِن الخُبراء الاجتماعيِّين والنفسانيِّين قاموا بدراسة شاملة لأوضاع ذلك الـمُجتمع، وتحليل الظواهر الاجتماعيَّة السائدة فيه، فإنَّهم لن يُعطوا وصفاً دقيقاً - في تشخيص ما فيه مِن أمراض اجتماعيَّة - أدقَّ وأشمل مِمَّا أعطته زينب الحوراءعليها‌السلام مِن دِقَّة الوصف والتشخيص في بيانها القصير.

٢٢٠